📓إهداء سورة التوحيد إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)
«رحم الله السيّد [عبد الكريم] الكشميريّ، كان يقول: في النجف، كان السيد مصطفى الخميني يتردد إليّ، وكان دائماً مشغولاً بالذكر، فقلت له: سيد مصطفى، ما هو الذكر الذي تقوله؟ فقال: (أقرأ سورة التوحيد، قال لي أبي: اقرأها ألف مرة في اليوم، وأهدِها إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فإنه هو أصل التوحيد)».
سماحة الشيخ جعفر ناصري (حفظه الله)
#روضة_المؤمن
«رحم الله السيّد [عبد الكريم] الكشميريّ، كان يقول: في النجف، كان السيد مصطفى الخميني يتردد إليّ، وكان دائماً مشغولاً بالذكر، فقلت له: سيد مصطفى، ما هو الذكر الذي تقوله؟ فقال: (أقرأ سورة التوحيد، قال لي أبي: اقرأها ألف مرة في اليوم، وأهدِها إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فإنه هو أصل التوحيد)».
سماحة الشيخ جعفر ناصري (حفظه الله)
#روضة_المؤمن
مصباح الهداية
روضه1، آیت الله استاد میرباقری – هِیْئَت ثٰارَالْلّٰه قُمْ - شب چهارم محرم 1441 ه.ق
تشنه ام تشنه ز پا تا سر من می سوزد
کار زهرست که بال و پر من می سوزد
بس که در سینه ی خود شعله ی ماتم دارم
از دم و بازدمم بستر من می سوزد
باز هم روی لبم قصّه ی مادر گل کرد
باز هم در نظرم مادر من می سوزد
بر لبم روضه ی «لا یوم کیوم العاشور»
عالم از زمزمه ی آخر من می سوزد
چشم وا کردم و دیدم که به صحرای غمی
خیمه هایی ست که دور و بر من می سوزد
دختری می دود و روی لبش این آواست:
عمّه دریاب مرا معجر من می سوزد
حجله ای زیر سم اسب به پا شد دیدم
با تن له شده نیلوفر من می سوزد
در سراشیبی گودال در آغوش حسین
تن بی دست گل پرپر من می سوزد
آخرین زمزمه از تشنه ی گودال آمد:
قطره ای آب - خدا - حنجر من می سوزد
آن طرف غارت پیراهن و خُود و نعلین
این طرف لطمه زنان خواهر من می سوزد
شعر: مسلم بشيرى
روضه خوانى: سيد محمد مهدى ميرباقرى
کار زهرست که بال و پر من می سوزد
بس که در سینه ی خود شعله ی ماتم دارم
از دم و بازدمم بستر من می سوزد
باز هم روی لبم قصّه ی مادر گل کرد
باز هم در نظرم مادر من می سوزد
بر لبم روضه ی «لا یوم کیوم العاشور»
عالم از زمزمه ی آخر من می سوزد
چشم وا کردم و دیدم که به صحرای غمی
خیمه هایی ست که دور و بر من می سوزد
دختری می دود و روی لبش این آواست:
عمّه دریاب مرا معجر من می سوزد
حجله ای زیر سم اسب به پا شد دیدم
با تن له شده نیلوفر من می سوزد
در سراشیبی گودال در آغوش حسین
تن بی دست گل پرپر من می سوزد
آخرین زمزمه از تشنه ی گودال آمد:
قطره ای آب - خدا - حنجر من می سوزد
آن طرف غارت پیراهن و خُود و نعلین
این طرف لطمه زنان خواهر من می سوزد
شعر: مسلم بشيرى
روضه خوانى: سيد محمد مهدى ميرباقرى
(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا).
«الشاكلة» من الأمور الباطنيّة، وهي تتجلّى عبر «العمل»، فإذا برز الإنسان إلى ميدان العمل، ظهرت طبيعة شاكلته، واستبان مستوى همّته وعقله، فمن الناس من تكون همّته دانية، ومنهم من تكون همّته عالية، فتارةً قد تجدُ شخصاً يهتمُّ لمعالي الأمور المتعلّقة بالحقّ - تبارك وتعالى - وأوليائه، فيدأب في العناية بها، وفهمها، والعمل بها، والدعوة إليها، وتارةً قد يكون اشتغال المرء بسفاسف الأمور، وإضاعة الوقت في ما لا نفع فيه، وبذل الجهد فيما لا حاجة له، مع إبراز عصبيّة وجاهليّة، فحينها تكون الطّامة أكبر وأعظم، ومن كان على هذه الشاكلة، عليه أن يعمل بجدّ لإصلاح شاكلته.
إصلاح الشاكلة يحتاج إلى إخلاصٍ عظيمٍ، وجهد دؤوب في العبادة والتقرّب إلى الله بالدعاء والتوسّل والصلاة، والتوجّه إلى عنايات الأئمة المعصومين عليهم السلام، ومعرفة قدرهم، وأهميّة التوجّه التامّ إليهم لما عندهم من المعارف الإلهيّة الحقّة.
«الشاكلة» من الأمور الباطنيّة، وهي تتجلّى عبر «العمل»، فإذا برز الإنسان إلى ميدان العمل، ظهرت طبيعة شاكلته، واستبان مستوى همّته وعقله، فمن الناس من تكون همّته دانية، ومنهم من تكون همّته عالية، فتارةً قد تجدُ شخصاً يهتمُّ لمعالي الأمور المتعلّقة بالحقّ - تبارك وتعالى - وأوليائه، فيدأب في العناية بها، وفهمها، والعمل بها، والدعوة إليها، وتارةً قد يكون اشتغال المرء بسفاسف الأمور، وإضاعة الوقت في ما لا نفع فيه، وبذل الجهد فيما لا حاجة له، مع إبراز عصبيّة وجاهليّة، فحينها تكون الطّامة أكبر وأعظم، ومن كان على هذه الشاكلة، عليه أن يعمل بجدّ لإصلاح شاكلته.
إصلاح الشاكلة يحتاج إلى إخلاصٍ عظيمٍ، وجهد دؤوب في العبادة والتقرّب إلى الله بالدعاء والتوسّل والصلاة، والتوجّه إلى عنايات الأئمة المعصومين عليهم السلام، ومعرفة قدرهم، وأهميّة التوجّه التامّ إليهم لما عندهم من المعارف الإلهيّة الحقّة.
• هو الشّافي
قال الشيخ تقيّ الدين إبراهيم بن علي الكفعميّ في حاشيته على (البلد الأمين):
[ورأيتُ في بعض كتب أصحابنا مرويٌّ عن الصادق عليه السلام أنه من كان به علّة فليقل عقيب الصبح أربعين مرة «بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، حسبنا الله ونعم الوكيل، تبارك الله أحسن الخالقين، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»، .. ورأيت في بعض كتب أصحابنا أن رجلاً أصيب بداءٍ عجّز الأطباء دواؤه، ويئس من برئه، فنظر يوماً في كتاب وإذا أوله: روي عن الصادق عليه السلام أنه من كان به علة فليقل عقيب الصبح أربعين مرة هذه الكلمات (ذكر ما أوردناه أول الحاشية) ففعل الرجل ذلك أربعين مرة فبرئ بإذن الله.
كان والدي الشيخ زين الإسلام والمسلمين علي بن الحسن بن محمد بن صالح الجبعي - برّد الله مضجعه وأكرم مرجعه - ذا اعتقادٍ عظيمٍ بمضمون هذه الرواية، وكان يذكر ما تضمنته كل يوم عقيب الفجر أربعين مرة، لا يألو جهداً في ذلك، لأنه رحمه الله تزوّج امرأة شريفة من أهل بيت كبير، فأصابها ورم في جسدها كله، ألزمها الفراش أشهراً، فقلق والدي لذلك قلقاً عظيماً، فذكر هذه الرواية فأمرها - رحمه الله - أن تقول ما ذكرناه عقيب صلاة الفجر أربعين مرة، ففعلت ذلك، فبرأت بإذن الله تعالى].
📚البلد الأمين، ص٩٠ (الحاشية).
#روضة_المؤمن
قال الشيخ تقيّ الدين إبراهيم بن علي الكفعميّ في حاشيته على (البلد الأمين):
[ورأيتُ في بعض كتب أصحابنا مرويٌّ عن الصادق عليه السلام أنه من كان به علّة فليقل عقيب الصبح أربعين مرة «بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، حسبنا الله ونعم الوكيل، تبارك الله أحسن الخالقين، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»، .. ورأيت في بعض كتب أصحابنا أن رجلاً أصيب بداءٍ عجّز الأطباء دواؤه، ويئس من برئه، فنظر يوماً في كتاب وإذا أوله: روي عن الصادق عليه السلام أنه من كان به علة فليقل عقيب الصبح أربعين مرة هذه الكلمات (ذكر ما أوردناه أول الحاشية) ففعل الرجل ذلك أربعين مرة فبرئ بإذن الله.
كان والدي الشيخ زين الإسلام والمسلمين علي بن الحسن بن محمد بن صالح الجبعي - برّد الله مضجعه وأكرم مرجعه - ذا اعتقادٍ عظيمٍ بمضمون هذه الرواية، وكان يذكر ما تضمنته كل يوم عقيب الفجر أربعين مرة، لا يألو جهداً في ذلك، لأنه رحمه الله تزوّج امرأة شريفة من أهل بيت كبير، فأصابها ورم في جسدها كله، ألزمها الفراش أشهراً، فقلق والدي لذلك قلقاً عظيماً، فذكر هذه الرواية فأمرها - رحمه الله - أن تقول ما ذكرناه عقيب صلاة الفجر أربعين مرة، ففعلت ذلك، فبرأت بإذن الله تعالى].
📚البلد الأمين، ص٩٠ (الحاشية).
#روضة_المؤمن
🏴 كلمة في حق الإمام المجتبىٰ (ع)
في ذكرى شهادة الإمام الحسن عليه السلام، يمكن أن نقول: إنه من المؤسف أن تمضي هذه العصور، ونحن لا زلنا نركز في سيرة الإمام الحسن عليه السلام على بيان مبررات سلوكه السياسي، أو دفع الشبهات التي ألصقت به كيداً من بني أميّة وأتباعهم، وبذلك بقينا بعيدين عن تناول سيرته كشخصية إلهية؛ ذات أبعاد معرفية وروحية عميقة، تمثل دروساّ للإنسان المؤمن، ومنهاجاً له في حياته.
ومع هذا الحال المؤسف؛ أحب التنويه إلى بعض النقاط فيما يتعلق بسياسته، على أمل أن تكون مقدمة للجواز إلى فهم أسرار سيرته (عليه السلام):
إن منهج التحليل التاريخيّ الذي يستند إلى ملازمات باطلة لا يمكنه أن يقرأ التاريخ بعين منصفة ورؤية علمية، ومن أمثلة ذلك: من يبني على دلالة المهادنة على الضعف وحب الراحة، ودلالة الحرب على الشجاعة والبطولة دائماً، والصحيح أن كلا المسلكين تتضح دلالتهما عند ظهور السياق الذي يولدان فيه، فربما كانت المهادنة دليلاً على الحكمة، وربما كانت الحرب دليلاً على التهور والحماقة. وفي عالم السياسة وتدبير شؤون المجتمع البشري لا يلتزمون بتلك الدلالات دوماً، بل يقدّرون كل فعل بحسب سياقه وأسبابه وآثاره.
ومن الواضح أنه لا يُلتزم في عالم السياسة بوحدة السلوك السياسي دائماً، وإنما الالتزام منحصرٌ بتحقيق الأهداف والمبادئ العليا، ولذلك نرى الدول تحارب أحياناً، وتفاوض، وتهادن، ثم تقاتل، .. إلخ، وهكذا. وهذا التعدد في السلوك ليس تناقضاً في سيرة الدول، وإنما لأن هذه السلوكيات المختلفة هي عبارة عن أساليب وطرق إلى تحقيق الأهداف والمبادئ الأساسية التي تؤمن بها، فهي مجرد تفاصيل تتعلق بحقيقة الظروف الراهنة في الوقت.
إذا اتضح لنا هذا، فنقول: مقتضى الإنصاف أن نعتقد أنّ ما فعله الإمام الحسن عليه السلام لا يقلّ أهميةً عن فعل أيّ إمام آخر، فهذه السياسة الإلهية تركيبة متجانسة، لا يمكن التفكيك بينها، أو الاستغناء ببعضها عن الآخر؛ لأنها كلها تندرج تحت إطار جامع وهو العنوان العريض الذي يمثل جملة الأهداف والمبادئ في سيرة الأئمة عليهم السلام وهو (حفظ الإسلام)، وذلك بإحياء القرآن وتعاليمه، ونشر سنة النبي صلى الله عليه وآله، وما سوى ذلك تفاصيل خارجية تتعلق بحقيقة الظروف الراهنة آنذاك وما تتطلبه، فإن المهادنة في عهد الإمام الحسن عليه السلام أو الثورة في عهد الإمام الحسين عليه السلام عملان لمقصد واحد وهو تحقيق ذلك العنوان الأهم. وهُمَا وإن اختلفا شكلاً، لكنهما متحدان مضموناً ومقصداً، فهما سلوكان تم العمل وفقاً لهما بما ينسجم مع ظروف الواقع ومتطلبات تحقيق العنوان الأعلى (حفظ الإسلام)، فالمحورية والموضوعية لذلك العنوان، وأما الطريق إلى ذلك فهو مبني على ما يتطلبه تحقيق ذلك العنوان من سلوك معيّن.
وبناءً على ذلك: فإن تقسيم التشيع إلى حسنيّ وحسيني من أكثر الأمور إجحافاً بحق الإمام المجتبى عليه السلام، فغالباً ما يأخذ توصيف "التشيع الحسني" في كلام بعض المثقفين جانبَ الضعف والاستسلام والمهادنة الخاضعة الذليلة. وإذا كان مجرد السكوت - لظروف قاسية - يعد مسلكاً حسنياً ضعيفاً، فأصحاب هذا التحليل ملزمون بتقسيم حياة أمير المؤمنين عليه السلام إلى حقبة حسنية وحقبة حسينية، باعتبار أنّه لم يقاتل الثلاثة وقاتل معاوية، في حين أن منهج أمير المؤمنين عليه السلام واحد، ومسلكه واحد، وشخصيته واحدة، بل يلزمهم القبول بذلك في شأن النبي صلى الله عليه وآله، في حين أن الواقع خلافه. والصحيح أن هذا التفاوت منشؤه اختلاف الظروف الخارجية، لا اختلاف الشخصية أو تناقضها. وإذا التزموا بذلك في حق أمير المؤمنين عليه فإنهم ينقضون عمدة أدلتهم في ذلك التحليل التاريخي الفاسد.
وفي هذا السياق؛ ينبغي لنا أن نطالع بعض الوثائق التاريخية المهمة التي تكشف عن حقيقة المشهد السياسي في عهد الإمام الحسن عليه السلام، ومن جملة هذه النصوص القيّمة دعاؤه في القنوت، فقد روى السيد ابن طاوس (رحمه الله) في كتابه «مهج الدعوات» قنوتات متعددة عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، ومن ضمنها قنوتاً عن الإمام أبي محمد الحسن بن علي المجتبى صلوات الله عليه، ويدور هذا القنوت الشريف حول أمرين، أولهما التمجيد والثناء على الحق تبارك وتعالى بعبارات توحيديّة عظيمة، وعبودية محضة، فينبغي للعبد أن يستفيد من هذا النهج المبارك في مناجاة الحق سبحانه وتعالى، وأن لا يغفل عن ذلك. وأما ثانيهما - وهو القسم الأكبر - فهو بيان لحقيقة المشهد السياسي بلسان الإمام الذي طالما تعرض للتشويه نبزاً وتهمةً، ففيه إيضاح لمظلوميته وتقاعس الأمة الإسلامية عن نصرته وقعودهم عن مواجهة الاستكبار الأمويّ، وفي هذا المقطع يبرز الإمام جملة من النقاط المهمة، ومنها:
- يتبع -
في ذكرى شهادة الإمام الحسن عليه السلام، يمكن أن نقول: إنه من المؤسف أن تمضي هذه العصور، ونحن لا زلنا نركز في سيرة الإمام الحسن عليه السلام على بيان مبررات سلوكه السياسي، أو دفع الشبهات التي ألصقت به كيداً من بني أميّة وأتباعهم، وبذلك بقينا بعيدين عن تناول سيرته كشخصية إلهية؛ ذات أبعاد معرفية وروحية عميقة، تمثل دروساّ للإنسان المؤمن، ومنهاجاً له في حياته.
ومع هذا الحال المؤسف؛ أحب التنويه إلى بعض النقاط فيما يتعلق بسياسته، على أمل أن تكون مقدمة للجواز إلى فهم أسرار سيرته (عليه السلام):
إن منهج التحليل التاريخيّ الذي يستند إلى ملازمات باطلة لا يمكنه أن يقرأ التاريخ بعين منصفة ورؤية علمية، ومن أمثلة ذلك: من يبني على دلالة المهادنة على الضعف وحب الراحة، ودلالة الحرب على الشجاعة والبطولة دائماً، والصحيح أن كلا المسلكين تتضح دلالتهما عند ظهور السياق الذي يولدان فيه، فربما كانت المهادنة دليلاً على الحكمة، وربما كانت الحرب دليلاً على التهور والحماقة. وفي عالم السياسة وتدبير شؤون المجتمع البشري لا يلتزمون بتلك الدلالات دوماً، بل يقدّرون كل فعل بحسب سياقه وأسبابه وآثاره.
ومن الواضح أنه لا يُلتزم في عالم السياسة بوحدة السلوك السياسي دائماً، وإنما الالتزام منحصرٌ بتحقيق الأهداف والمبادئ العليا، ولذلك نرى الدول تحارب أحياناً، وتفاوض، وتهادن، ثم تقاتل، .. إلخ، وهكذا. وهذا التعدد في السلوك ليس تناقضاً في سيرة الدول، وإنما لأن هذه السلوكيات المختلفة هي عبارة عن أساليب وطرق إلى تحقيق الأهداف والمبادئ الأساسية التي تؤمن بها، فهي مجرد تفاصيل تتعلق بحقيقة الظروف الراهنة في الوقت.
إذا اتضح لنا هذا، فنقول: مقتضى الإنصاف أن نعتقد أنّ ما فعله الإمام الحسن عليه السلام لا يقلّ أهميةً عن فعل أيّ إمام آخر، فهذه السياسة الإلهية تركيبة متجانسة، لا يمكن التفكيك بينها، أو الاستغناء ببعضها عن الآخر؛ لأنها كلها تندرج تحت إطار جامع وهو العنوان العريض الذي يمثل جملة الأهداف والمبادئ في سيرة الأئمة عليهم السلام وهو (حفظ الإسلام)، وذلك بإحياء القرآن وتعاليمه، ونشر سنة النبي صلى الله عليه وآله، وما سوى ذلك تفاصيل خارجية تتعلق بحقيقة الظروف الراهنة آنذاك وما تتطلبه، فإن المهادنة في عهد الإمام الحسن عليه السلام أو الثورة في عهد الإمام الحسين عليه السلام عملان لمقصد واحد وهو تحقيق ذلك العنوان الأهم. وهُمَا وإن اختلفا شكلاً، لكنهما متحدان مضموناً ومقصداً، فهما سلوكان تم العمل وفقاً لهما بما ينسجم مع ظروف الواقع ومتطلبات تحقيق العنوان الأعلى (حفظ الإسلام)، فالمحورية والموضوعية لذلك العنوان، وأما الطريق إلى ذلك فهو مبني على ما يتطلبه تحقيق ذلك العنوان من سلوك معيّن.
وبناءً على ذلك: فإن تقسيم التشيع إلى حسنيّ وحسيني من أكثر الأمور إجحافاً بحق الإمام المجتبى عليه السلام، فغالباً ما يأخذ توصيف "التشيع الحسني" في كلام بعض المثقفين جانبَ الضعف والاستسلام والمهادنة الخاضعة الذليلة. وإذا كان مجرد السكوت - لظروف قاسية - يعد مسلكاً حسنياً ضعيفاً، فأصحاب هذا التحليل ملزمون بتقسيم حياة أمير المؤمنين عليه السلام إلى حقبة حسنية وحقبة حسينية، باعتبار أنّه لم يقاتل الثلاثة وقاتل معاوية، في حين أن منهج أمير المؤمنين عليه السلام واحد، ومسلكه واحد، وشخصيته واحدة، بل يلزمهم القبول بذلك في شأن النبي صلى الله عليه وآله، في حين أن الواقع خلافه. والصحيح أن هذا التفاوت منشؤه اختلاف الظروف الخارجية، لا اختلاف الشخصية أو تناقضها. وإذا التزموا بذلك في حق أمير المؤمنين عليه فإنهم ينقضون عمدة أدلتهم في ذلك التحليل التاريخي الفاسد.
وفي هذا السياق؛ ينبغي لنا أن نطالع بعض الوثائق التاريخية المهمة التي تكشف عن حقيقة المشهد السياسي في عهد الإمام الحسن عليه السلام، ومن جملة هذه النصوص القيّمة دعاؤه في القنوت، فقد روى السيد ابن طاوس (رحمه الله) في كتابه «مهج الدعوات» قنوتات متعددة عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، ومن ضمنها قنوتاً عن الإمام أبي محمد الحسن بن علي المجتبى صلوات الله عليه، ويدور هذا القنوت الشريف حول أمرين، أولهما التمجيد والثناء على الحق تبارك وتعالى بعبارات توحيديّة عظيمة، وعبودية محضة، فينبغي للعبد أن يستفيد من هذا النهج المبارك في مناجاة الحق سبحانه وتعالى، وأن لا يغفل عن ذلك. وأما ثانيهما - وهو القسم الأكبر - فهو بيان لحقيقة المشهد السياسي بلسان الإمام الذي طالما تعرض للتشويه نبزاً وتهمةً، ففيه إيضاح لمظلوميته وتقاعس الأمة الإسلامية عن نصرته وقعودهم عن مواجهة الاستكبار الأمويّ، وفي هذا المقطع يبرز الإمام جملة من النقاط المهمة، ومنها:
- يتبع -
• بيان آثار التخاذل عن نصرة الحق ونتائجه على الأمة الإسلامية، فقد وصف ذلك بقوله مخاطباً الحق تبارك وتعالى: (تَشْهَدُ الِانْفِعَالَ، وَتَعْلَمُ الِاخْتِلَالَ، وَتَرَى تَخَاذُلَ أَهْلِ الْخَبَالِ، وَجُنُوحَهُمْ إِلَى مَا جَنَحُوا إِلَيْهِ مِنْ عَاجِلٍ فَانٍ وَحُطَامٍ عُقْبَاهُ حَمِيمٌ آنٍ)، فهو يذمّ التخاذل والركون للدنيا والقعود عن مواجهة الباطل، ويشير إلى ثمرة ذلك التكاسل وما خلفه من ضعف واختلال وفساد، وبذلك بيّن حقيقة أنّ ما آلت إليه الأمور لم يكن إلا لضعف بصيرة الأمة وتساهلها في مواجهة شيطنة معاوية.
• سعي الإمام إلى بذل كل ما يملك من جهد ليدفع ضلال المضلين وفتن بني أمية عن الإسلام والمسلمين، وفي ذلك قال: (اللَّهُمَّ فَقَدْ تَعْلَمُ أَنِّي مَا ذَخَرْتُ جُهْدِي وَلَا مَنَعْتُ وُجْدِي حَتَّى انْفَلَّ حَدِّي وَبقِيتُ وَحْدِي).
ولا تخفى هاهنا الإشارة إلى أن تحول المسار السياسي لم يكن خياراً محبذاً للإمام، وإنما كان نتيجة الخذلان، فإن بقاء الإمام وحيداً مخذولاً من الأمة، ومستضعفاً من الطواغيت كان من عوامل التحول من القتال إلى المهادنة.
• بيان الوجه في عقد "الهدنة" السياسية مع معاوية بن أبي سفيان، حيث أراد به كفّ عدوانه وحقن دماء من بقي من أهل الإيمان والولاية ترجيحاً لمصلحة الإسلام في تلك الظروف الحرجة، كما فعل أمير المؤمنين عليه السلام حينما قال: (فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلاَّ أَهْلُ بَيْتِي، فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ اَلْمَوْتِ، فَأَغْضَيْتُ عَلَى اَلْقَذَى، وَشَرِبْتُ عَلَى اَلشَّجَا، وَصَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ اَلْكَظْمِ وَعَلَى أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ اَلْعَلْقَم).
وإلى هذا أشار في قنوته تأسياً بأمير المؤمنين عليه السلام، فقال في قنوته: (فَاتَّبَعْتُ طَرِيقَ مَنْ تَقَدَّمَنِي فِي كَفِّ الْعَادِيَةِ، وَتَسْكِينِ الطَّاغِيَةِ عَنْ دِمَاءِ أَهْلِ الْمُشَايَعَةِ)، فكما كفّ أمير المؤمنين عليه السلام عن قتال طواغيت السقيفة ترجيحاً لمصلحة أهل الحق، ودفعاً لضرر أعظم، تجرّع الإمام الحسن عليه السلام من ذلك الكأس المرّ المليء بالعلقم، ومع ذلك ناله من الأذى والتهمة ما ناله، وكأنه هو السبب في تقصير الأمة عن إجابة نداء إمامها وولي أمرها.
• دعاء الإمام على الظالمين في خاتمة القنوت؛ فيه جلاء للأبصار التي أصابتها غشاوة، وبيانٌ أنه لم "يصالح" ولم يتنازل عن حقه، ولا رضي بالطاغية، وإنما هو القهر والغصب والأذى الذي ما انفك عن سيرة أهل البيت عليهم السلام مذ ارتحل خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله.
فليُراجع القنوت بتمامه للاطلاع على كافة مضامينه بدقة. وكم هو جدير أن يُطالَع هذا القنوت ولو مرة في العمر، لنقف على معالم المشهد السياسي الذي ظُلم فيه ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتعرض للتشويه بسببه، فإنه كان منبراً إلهياً لبيان جهاد الإمام وسعيه، وتعرضه للخذلان والاستضعاف، وموقفه من القاعدين والظالمين على حد سواء.
• سعي الإمام إلى بذل كل ما يملك من جهد ليدفع ضلال المضلين وفتن بني أمية عن الإسلام والمسلمين، وفي ذلك قال: (اللَّهُمَّ فَقَدْ تَعْلَمُ أَنِّي مَا ذَخَرْتُ جُهْدِي وَلَا مَنَعْتُ وُجْدِي حَتَّى انْفَلَّ حَدِّي وَبقِيتُ وَحْدِي).
ولا تخفى هاهنا الإشارة إلى أن تحول المسار السياسي لم يكن خياراً محبذاً للإمام، وإنما كان نتيجة الخذلان، فإن بقاء الإمام وحيداً مخذولاً من الأمة، ومستضعفاً من الطواغيت كان من عوامل التحول من القتال إلى المهادنة.
• بيان الوجه في عقد "الهدنة" السياسية مع معاوية بن أبي سفيان، حيث أراد به كفّ عدوانه وحقن دماء من بقي من أهل الإيمان والولاية ترجيحاً لمصلحة الإسلام في تلك الظروف الحرجة، كما فعل أمير المؤمنين عليه السلام حينما قال: (فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلاَّ أَهْلُ بَيْتِي، فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ اَلْمَوْتِ، فَأَغْضَيْتُ عَلَى اَلْقَذَى، وَشَرِبْتُ عَلَى اَلشَّجَا، وَصَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ اَلْكَظْمِ وَعَلَى أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ اَلْعَلْقَم).
وإلى هذا أشار في قنوته تأسياً بأمير المؤمنين عليه السلام، فقال في قنوته: (فَاتَّبَعْتُ طَرِيقَ مَنْ تَقَدَّمَنِي فِي كَفِّ الْعَادِيَةِ، وَتَسْكِينِ الطَّاغِيَةِ عَنْ دِمَاءِ أَهْلِ الْمُشَايَعَةِ)، فكما كفّ أمير المؤمنين عليه السلام عن قتال طواغيت السقيفة ترجيحاً لمصلحة أهل الحق، ودفعاً لضرر أعظم، تجرّع الإمام الحسن عليه السلام من ذلك الكأس المرّ المليء بالعلقم، ومع ذلك ناله من الأذى والتهمة ما ناله، وكأنه هو السبب في تقصير الأمة عن إجابة نداء إمامها وولي أمرها.
• دعاء الإمام على الظالمين في خاتمة القنوت؛ فيه جلاء للأبصار التي أصابتها غشاوة، وبيانٌ أنه لم "يصالح" ولم يتنازل عن حقه، ولا رضي بالطاغية، وإنما هو القهر والغصب والأذى الذي ما انفك عن سيرة أهل البيت عليهم السلام مذ ارتحل خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله.
فليُراجع القنوت بتمامه للاطلاع على كافة مضامينه بدقة. وكم هو جدير أن يُطالَع هذا القنوت ولو مرة في العمر، لنقف على معالم المشهد السياسي الذي ظُلم فيه ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتعرض للتشويه بسببه، فإنه كان منبراً إلهياً لبيان جهاد الإمام وسعيه، وتعرضه للخذلان والاستضعاف، وموقفه من القاعدين والظالمين على حد سواء.
📚 دعاء سريع الإجابة
📜روى الشيخ الكلينيّ في (الكافي) بسند صحيح:
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمَّار، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام ابْتِدَاءً مِنْهُ: «يَا مُعَاوِيَةُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَجُلًا أَتى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَشَكَا إلَيْهِ الْإِبْطَاءَ فِي الْجَوَابِ فِي دُعَائِهِ؟! فَقَالَ لَهُ: فأَيْنَ أَنْتَ عَنِ الدُّعَاءِ السَّرِيعِ الْإِجَابَةِ؟» فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: مَا هُوَ؟
قَالَ: قُلِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الْأَعْظَمِ، الْأَجَلِّ الْأَكْرَمِ، الْمَخْزُونِ الْمَكْنُونِ، النُّورِ الْحَقِّ، الْبُرْهَانِ الْمُبِينِ، الَّذِي هُوَ نُورٌ مَعَ نُورٍ، وَنُورٌ مِنْ نُورٍ، وَنُورٌ فِي نُورٍ، وَنُورٌ عَلى نُورٍ، وَنُورٌ فَوْقَ كُلِِّ نُورٍ، وَنُورٌ يُضِيءُ بهِ كُلُّ ظُلْمَةٍ، وَيُكْسَرُ بِهِ كُلُّ شِدَّةٍ، وَكُلُّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ، وَكُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، لَا تَقِرُّ بِهِ أَرْضٌ، وَلَا تَقُومُ بِهِ سَمَاءٌ، وَيَأْمَنُ بِهِ كُلُّ خَائِفٍ، وَيَبْطُلُ بِهِ سِحْرُ كُلِّ سَاحِرٍ، وَبَغْيُ كُلِّ بَاغٍ، وَحَسَدُ كُلِّ حَاسِدٍ، وَيَتَصَدَّعُ لِعَظَمَتِهِ الْبَرُّ وَالْبَحْرُ، وَيَسْتَقِلُّ بِهِ الْفُلْكُ حِينَ يَتَكَلَّمُ بِهِ الْمَلَكُ، فَلَا يَكُونُ لِلْمَوْجِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَهُوَ اسْمُكَ الْأَعْظَمُ الْأَعْظَمُ، الْأَجَلُّ الْأَجَلُّ، النُّورُ الْأَكْبَرُ، الَّذِي سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، وَاسْتَوَيْتَ بِهِ عَلى عَرْشِكَ، وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِمُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، أَسْأَلُكَ بِكَ وَبِهِمْ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأنْ تَفْعَلَ بِي كَذَا وَكَذَا».
📚 الكافي للكليني ج٤ ص٥٥٤-٥٥٥، كتاب الدُّعاء، باب دعوات موجَزَات لجميع الحوائج للدنيا والآخرة، رقم الحديث ١٧.
#روضة_المؤمن
📜روى الشيخ الكلينيّ في (الكافي) بسند صحيح:
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمَّار، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام ابْتِدَاءً مِنْهُ: «يَا مُعَاوِيَةُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَجُلًا أَتى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَشَكَا إلَيْهِ الْإِبْطَاءَ فِي الْجَوَابِ فِي دُعَائِهِ؟! فَقَالَ لَهُ: فأَيْنَ أَنْتَ عَنِ الدُّعَاءِ السَّرِيعِ الْإِجَابَةِ؟» فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: مَا هُوَ؟
قَالَ: قُلِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الْأَعْظَمِ، الْأَجَلِّ الْأَكْرَمِ، الْمَخْزُونِ الْمَكْنُونِ، النُّورِ الْحَقِّ، الْبُرْهَانِ الْمُبِينِ، الَّذِي هُوَ نُورٌ مَعَ نُورٍ، وَنُورٌ مِنْ نُورٍ، وَنُورٌ فِي نُورٍ، وَنُورٌ عَلى نُورٍ، وَنُورٌ فَوْقَ كُلِِّ نُورٍ، وَنُورٌ يُضِيءُ بهِ كُلُّ ظُلْمَةٍ، وَيُكْسَرُ بِهِ كُلُّ شِدَّةٍ، وَكُلُّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ، وَكُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، لَا تَقِرُّ بِهِ أَرْضٌ، وَلَا تَقُومُ بِهِ سَمَاءٌ، وَيَأْمَنُ بِهِ كُلُّ خَائِفٍ، وَيَبْطُلُ بِهِ سِحْرُ كُلِّ سَاحِرٍ، وَبَغْيُ كُلِّ بَاغٍ، وَحَسَدُ كُلِّ حَاسِدٍ، وَيَتَصَدَّعُ لِعَظَمَتِهِ الْبَرُّ وَالْبَحْرُ، وَيَسْتَقِلُّ بِهِ الْفُلْكُ حِينَ يَتَكَلَّمُ بِهِ الْمَلَكُ، فَلَا يَكُونُ لِلْمَوْجِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَهُوَ اسْمُكَ الْأَعْظَمُ الْأَعْظَمُ، الْأَجَلُّ الْأَجَلُّ، النُّورُ الْأَكْبَرُ، الَّذِي سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، وَاسْتَوَيْتَ بِهِ عَلى عَرْشِكَ، وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِمُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، أَسْأَلُكَ بِكَ وَبِهِمْ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأنْ تَفْعَلَ بِي كَذَا وَكَذَا».
📚 الكافي للكليني ج٤ ص٥٥٤-٥٥٥، كتاب الدُّعاء، باب دعوات موجَزَات لجميع الحوائج للدنيا والآخرة، رقم الحديث ١٧.
#روضة_المؤمن
«حاكمية الله» أساس الصراع بين الحق والباطل، وإليها ترجع كافة أسبابه، وكما أنها سبب في تمرّد الباطل وتجبره، هي سبب أيضاً في نكوص الواقفين في جبهة الحق من دون غير معرفة ويقين، لذلك كان التسليم لله ورسوله وأئمة الحق هو أصل الإيمان المتين، ولو قيل إن مرارة الحق وصعوبة امتحانه كامنة في التسليم بالحاكمية وما يتبعها لما كان ذلك جزافاً. ربما تجد في هذه الجموع من يبرز شوقه لانتظار الحكومة الإلهية بقيادة الإمام الحجة بن الحسن عليه السلام، إلا أن هذه الجموع المدّعية ستواجه امتحان التسليم للحاكمية الإلهية في أجلى صورها مذ بعث الله الأنبياء عليهم السلام، وبذلك تحصل الغربلة، ولذلك ينبغي أن يدعو المؤمن بدعاء الغريق في زمن الغيبة، وأن يسأل اللهَ الثبات على الحق عند ظهور دولة العدل، وأن يوطّن نفسه على قبول الحق ولو كان مراً.
فوائد حول التراث الإسلاميّ (٤)
من ضروريّات البحث العلميّ أن يعمل الباحث على تطوير مكتبته وذلك عبر تحسين مستوى الطبعات المتوفّرة لديه، بالإعراض عن الكتب ذات التحقيق الرديء واقتناء الكتب الأفضل تحقيقاً من غيرها، وأن يتعهّد بتحديثها أولاً بأول.
وهذا الأمر سوف يكون مساعداً على اجتناب الاستدلالات السقيمة التي تستندُ إلى طبعاتٍ مشوِّهةٍ للنصوص، ومغيّرة لمعالمها، ومحرّفة لمعانيها، وهذا ينبغي أن يكون محطّ نظر الباحثين ولا سيّما طلاب العلوم الدينيّة.
وكذلك الحال بالنّسبة لكتب الأدعية التي تُتداول بين عامّة الناس للتعبّد بها، وربما كان بعضها معتَمداً في البحوث والدراسات العلميّة.
ولأهميّة الموضوع أذكر مثالاً، ولعلّي أذكر نماذج أخرى لاحقاً.
كتاب «الكلم الطيّب والغيث الصيّب» تأليف السيّد علي خان المدنيّ الشيرازي رحمه الله، المتوفى سنة (١١٢٠) هجريّة.
نُشِرَ هذا الكتاب ثلاث مرّات:
١. بتحقيق علي محمد طه البروجرديّ، نشرت مؤسسة الدعاء العالميّة الطبعة الثالثة منه، (١٤٣٣هـ).
٢. بتحقيق قاسم حسين عوض، (١٤٣٥هـ).
٣. بتحقيق الشيخ عبد الحليم عوض الحليّ، (١٤٣٩هـ)، نشره مجمع الإمام الحسين عليه السلام العلميّ لتحقيق تراث أهل البيت (عليهم السلام) التابع للعتبة الحسينية.
وقبل التعرّض لبعض نماذج الاختلال في الطبعة الأولى، ينبغي أن نشيرَ إلى أنّ طبعة البروجرديّ قد اعتمد في تحقيقها على نسخةٍ واحدةٍ عثر عليها في مكتبة مدرسة آية الله السيد الگلپایگاني في قم المقدّسة، أمّا طبعة عوض فقد اعتمد فيها على طبعة مكتبة النجاح في طهران، ولم يعتمد على نسخةٍ خطيّةٍ كما يبدو، أمّا طبعة الحليّ فقد اعتمد فيها على خمس نسخ خطيّة ذكرها بالتفصيل في مقدمة تحقيقه، ونذكرها بنحو مختصر عمّا ذكره:
النسخة الأولى: نسخت في (دزفول)، سنة ١٣١٤ ه. كاملة، وخطها جيد.
النسخة الثانية: نسخها محمد صادق بن محمد باقر بن أبو الحسن بن نور الله بن فرج الله بن عبد الغفار بن شاه محمد الموسوي الغفاري الدزفولي، سنة ١٣٣١ ه، كاملة، وخطها جيد.
النسخة الثالثة: نسخها إسماعيل بن منير الدين، سنة ١٣٥٠ه.
النسخة الرابعة: نسخها الحاج إسماعيل الشيرازي، سنة ١٢٧٦ه.
النسخة الخامسة: نسخها محمد إسماعيل المتخلص بالتوحيد ابن المرحوم المغفور الوصال رحمه الله، سنة ١٢٨٢ ه.
وهذه المزيّة نقطة قوّة لصالح الطبعة الأخيرة؛ لأنّ ذلك يفسح مجالاً لضبطٍ أكثر دقّة، وتلفيقٍ حسنٍ للمتن اعتماداً على أكثر من نسخة، فالنسخة الواحدة ربما لا يمكن معها التحرّك بأريحية في تصحيح المتن، ولذلك ابتليت الطبعة الأولى بجملة من الاختلالات التي أضعفت جودة التحقيق. وفي المقام، نذكر جملة من النماذج المبينة للفارق بين الطبعتين:
النموذج الأوّل:
١. ط. بروجردي، ص١٨: (اللهم إنّه ليس في السموات دورات، ولا في الأرض غمرات، ولا في الشجر ورقات).
٢. ط. الحليّ، ص١٣-١٤: (اللهم إنه ليس في السماوات دورات، ولا في الأرض سكنات، ولا في البحار غمرات، ولا في الشجر ورقات).
النموذج الثاني:
١. ط بروجرديّ، ص١٩: (سمعت في رجب ثلاث وتسعين وألف ...الأمين مير إسماعيل بن حسين).
٢. ط. الحليّ، ص١٥: (سمعت في رجب سنة ثلاث وتسعين وألف .. الأمير إسماعيل بن حسين).
النموذج الثالث:
١. ط. بروجردي، ص٢٠: (فإذا اشتدت الأمر..).
٢. ط. الحلي، ص١٧: (فإذا اشتدّ الأمر).
النموذج الرابع:
١. ط. بروجردي، ص٢١: (يا سيداه يا مولاه يا غياثاه).
٢. ط. الحليّ، ص١٨: (يا سيداه يا سيداه يا سيّداه، يا مولاه يا مولاه، يا غياثاه).
النموذج الخامس:
١. ط. بروجرديّ، ص٢٣: (يا شديد المحال أذللت بعزّتك..).
٢. ط. الحليّ، ص٢١: (يا شديد المحال، يا عزيز، أذللت بعزتك..).
النموذج السادس:
١. ط. بروجرديّ، ص٢٤: (بسم الله الرحمن الرحيم، يا من إذا تضايقت الحاجات).
٢. ط. الحليّ، ص٢٢: (بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم يا من إذا تفاقمت الأمور طُرحت عليه، ويا من إذا تضايقت الحاجات..).
النموذج السابع:
١. ط. بروجردي، ص٢٤: (ويا من إذا أُغلقت الأبواب فتحَ باباً لا يَهْتَدِيْ إلّا إليه)!
٢. ط. الحليّ، ص٢٣: (ويا من إذا غُلِّقت الأبواب فتح باباً يُهتَدى إليه).
النموذج الثامن:
١. ط. بروجردي، ص٢٤: (سؤال من لا يجد لذنبه غافراً غيرك، ولا لحاجته قاضياً سواك).
٢. ط. الحليّ، ص٢٣: (سؤال من لا يجد لذنبه غافراً غيرك، ولا لهمّه مفرجاً ولا لحاجته قاضياً سواك).
النموذج التاسع:
١. ط. بروجرديّ، ص٣٤: (يا سامع كل صوت، يا محيي النفوس بعد الموت،..).
٢. ط. الحلي، ص٤٦: (يا سامع كل صوت، يا جامع كل فوت، يا محيي النفوس بعد الموت).
وهكذا ابتليت طبعة البروجرديّ بإسقاط بعض الكلمات والجمل من بعض الأدعيّة، فضلاً عن التصحيفات التي ابتليت بها، وذلك للاعتماد على نسخةٍ واحدةٍ.
له تتمة .. #يتبع
من ضروريّات البحث العلميّ أن يعمل الباحث على تطوير مكتبته وذلك عبر تحسين مستوى الطبعات المتوفّرة لديه، بالإعراض عن الكتب ذات التحقيق الرديء واقتناء الكتب الأفضل تحقيقاً من غيرها، وأن يتعهّد بتحديثها أولاً بأول.
وهذا الأمر سوف يكون مساعداً على اجتناب الاستدلالات السقيمة التي تستندُ إلى طبعاتٍ مشوِّهةٍ للنصوص، ومغيّرة لمعالمها، ومحرّفة لمعانيها، وهذا ينبغي أن يكون محطّ نظر الباحثين ولا سيّما طلاب العلوم الدينيّة.
وكذلك الحال بالنّسبة لكتب الأدعية التي تُتداول بين عامّة الناس للتعبّد بها، وربما كان بعضها معتَمداً في البحوث والدراسات العلميّة.
ولأهميّة الموضوع أذكر مثالاً، ولعلّي أذكر نماذج أخرى لاحقاً.
كتاب «الكلم الطيّب والغيث الصيّب» تأليف السيّد علي خان المدنيّ الشيرازي رحمه الله، المتوفى سنة (١١٢٠) هجريّة.
نُشِرَ هذا الكتاب ثلاث مرّات:
١. بتحقيق علي محمد طه البروجرديّ، نشرت مؤسسة الدعاء العالميّة الطبعة الثالثة منه، (١٤٣٣هـ).
٢. بتحقيق قاسم حسين عوض، (١٤٣٥هـ).
٣. بتحقيق الشيخ عبد الحليم عوض الحليّ، (١٤٣٩هـ)، نشره مجمع الإمام الحسين عليه السلام العلميّ لتحقيق تراث أهل البيت (عليهم السلام) التابع للعتبة الحسينية.
وقبل التعرّض لبعض نماذج الاختلال في الطبعة الأولى، ينبغي أن نشيرَ إلى أنّ طبعة البروجرديّ قد اعتمد في تحقيقها على نسخةٍ واحدةٍ عثر عليها في مكتبة مدرسة آية الله السيد الگلپایگاني في قم المقدّسة، أمّا طبعة عوض فقد اعتمد فيها على طبعة مكتبة النجاح في طهران، ولم يعتمد على نسخةٍ خطيّةٍ كما يبدو، أمّا طبعة الحليّ فقد اعتمد فيها على خمس نسخ خطيّة ذكرها بالتفصيل في مقدمة تحقيقه، ونذكرها بنحو مختصر عمّا ذكره:
النسخة الأولى: نسخت في (دزفول)، سنة ١٣١٤ ه. كاملة، وخطها جيد.
النسخة الثانية: نسخها محمد صادق بن محمد باقر بن أبو الحسن بن نور الله بن فرج الله بن عبد الغفار بن شاه محمد الموسوي الغفاري الدزفولي، سنة ١٣٣١ ه، كاملة، وخطها جيد.
النسخة الثالثة: نسخها إسماعيل بن منير الدين، سنة ١٣٥٠ه.
النسخة الرابعة: نسخها الحاج إسماعيل الشيرازي، سنة ١٢٧٦ه.
النسخة الخامسة: نسخها محمد إسماعيل المتخلص بالتوحيد ابن المرحوم المغفور الوصال رحمه الله، سنة ١٢٨٢ ه.
وهذه المزيّة نقطة قوّة لصالح الطبعة الأخيرة؛ لأنّ ذلك يفسح مجالاً لضبطٍ أكثر دقّة، وتلفيقٍ حسنٍ للمتن اعتماداً على أكثر من نسخة، فالنسخة الواحدة ربما لا يمكن معها التحرّك بأريحية في تصحيح المتن، ولذلك ابتليت الطبعة الأولى بجملة من الاختلالات التي أضعفت جودة التحقيق. وفي المقام، نذكر جملة من النماذج المبينة للفارق بين الطبعتين:
النموذج الأوّل:
١. ط. بروجردي، ص١٨: (اللهم إنّه ليس في السموات دورات، ولا في الأرض غمرات، ولا في الشجر ورقات).
٢. ط. الحليّ، ص١٣-١٤: (اللهم إنه ليس في السماوات دورات، ولا في الأرض سكنات، ولا في البحار غمرات، ولا في الشجر ورقات).
النموذج الثاني:
١. ط بروجرديّ، ص١٩: (سمعت في رجب ثلاث وتسعين وألف ...الأمين مير إسماعيل بن حسين).
٢. ط. الحليّ، ص١٥: (سمعت في رجب سنة ثلاث وتسعين وألف .. الأمير إسماعيل بن حسين).
النموذج الثالث:
١. ط. بروجردي، ص٢٠: (فإذا اشتدت الأمر..).
٢. ط. الحلي، ص١٧: (فإذا اشتدّ الأمر).
النموذج الرابع:
١. ط. بروجردي، ص٢١: (يا سيداه يا مولاه يا غياثاه).
٢. ط. الحليّ، ص١٨: (يا سيداه يا سيداه يا سيّداه، يا مولاه يا مولاه، يا غياثاه).
النموذج الخامس:
١. ط. بروجرديّ، ص٢٣: (يا شديد المحال أذللت بعزّتك..).
٢. ط. الحليّ، ص٢١: (يا شديد المحال، يا عزيز، أذللت بعزتك..).
النموذج السادس:
١. ط. بروجرديّ، ص٢٤: (بسم الله الرحمن الرحيم، يا من إذا تضايقت الحاجات).
٢. ط. الحليّ، ص٢٢: (بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم يا من إذا تفاقمت الأمور طُرحت عليه، ويا من إذا تضايقت الحاجات..).
النموذج السابع:
١. ط. بروجردي، ص٢٤: (ويا من إذا أُغلقت الأبواب فتحَ باباً لا يَهْتَدِيْ إلّا إليه)!
٢. ط. الحليّ، ص٢٣: (ويا من إذا غُلِّقت الأبواب فتح باباً يُهتَدى إليه).
النموذج الثامن:
١. ط. بروجردي، ص٢٤: (سؤال من لا يجد لذنبه غافراً غيرك، ولا لحاجته قاضياً سواك).
٢. ط. الحليّ، ص٢٣: (سؤال من لا يجد لذنبه غافراً غيرك، ولا لهمّه مفرجاً ولا لحاجته قاضياً سواك).
النموذج التاسع:
١. ط. بروجرديّ، ص٣٤: (يا سامع كل صوت، يا محيي النفوس بعد الموت،..).
٢. ط. الحلي، ص٤٦: (يا سامع كل صوت، يا جامع كل فوت، يا محيي النفوس بعد الموت).
وهكذا ابتليت طبعة البروجرديّ بإسقاط بعض الكلمات والجمل من بعض الأدعيّة، فضلاً عن التصحيفات التي ابتليت بها، وذلك للاعتماد على نسخةٍ واحدةٍ.
له تتمة .. #يتبع
ومن الجدير بالذّكر، أنّ طبعة البروجرديّ قد انفردت بذكر الدّعاء المعروف بـ«دعاء المعراج» الذي يرويه الكفعميّ في مصباحه، والذي يبدأ بقوله: (اللَّهُم إني أسألك يا من أقرّ له بالعبودية كل معبود،...)، ولم أره في طبعتَيْ عوض والحليّ، فهل هو من ملحقات النسخة التي اعتمد عليها التي أضافها النّساخ؟ أم أنّه من أصل الكتاب وقد سقط من بقيّة نسخ الكتاب؟ لعلّ الأول أقرب، لا سيّما وأن البروجرديّ قد صرّح في مقدمة تحقيقه للكتاب أنه اعتمد على نسخةٍ للكتاب ضمن مجموعة (أدعية)، فلعلّه من أدعيةٍ أخرى ضمن ذلك المجموع، وينبغي المزيد من النظر للجزم بالنتيجة.
ولم يُسعفني الوقت للمقارنة بين طبعتي قاسم عوض والشيخ الحليّ إلا بمقدار يسير، ومن ذلك المقدار لم يظهر لي تقدّم الأولى على الثانية. نعم؛ طبعة عوض أفضل حالاً من طبعة البروجرديّ، وإجمالاً: أميلُ إلى كون طبعة الشيخ الحليّ - وهي نادرة الأخطاء فيما رأيت - أحقّ بالاقتناء، وتليها طبعة قاسم عوض، وأما طبعة البروجرديّ فلم يوفّق العامل عليها لإخراجها بشكل متقن يليق بالكتاب.
ولم يُسعفني الوقت للمقارنة بين طبعتي قاسم عوض والشيخ الحليّ إلا بمقدار يسير، ومن ذلك المقدار لم يظهر لي تقدّم الأولى على الثانية. نعم؛ طبعة عوض أفضل حالاً من طبعة البروجرديّ، وإجمالاً: أميلُ إلى كون طبعة الشيخ الحليّ - وهي نادرة الأخطاء فيما رأيت - أحقّ بالاقتناء، وتليها طبعة قاسم عوض، وأما طبعة البروجرديّ فلم يوفّق العامل عليها لإخراجها بشكل متقن يليق بالكتاب.
ولنبلونَّكُم .. (1)
لقد ظُلم الدّين مراراً بسبب إساءة فهمه، وعدم استعداد الناقدين للإصغاء إلى تعاليمه مع إرادةٍ صادقةٍ للفهم والبحث بإنصاف، ومن وجوه الظلم التي استمرّت دائرة لعقودةٍ طويلةٍ المقولة التي صنّفت الدين على أنّه «أفيون الشعوب»، حيث هُوجمَ مراراً بتهمة العمل على تخدير المجتمعات، ومحاولته إرضائها بكل ما يقع عليها، حتّى لو وقع الظلم على طبقة الفقراء من قِبل طبقة الأغنياء.
وقد فسّر البعضُ حقيقة حضور الدّين في الحضارات البشريّة بأنّه لمّا كان الدين مخدّراً مُسكتاً لطبقة الضعفاء، وموجباً لهيمنة طبقة الأغنياء الأقوياء عليهم، أصبح يمثّل ضرورةً لوجوده في كافّة المجتمعات، وبغض النظر عن الخوض في نقد هذا الاتّهام، إلّا أنّ هذه الأفكار قد تسرّبت إلى مجتمعنا الإسلاميّ عند بعض المثقّفين، وقد لاحظنا - من قبلُ - سخريتهم من «الوعّاظ» بلسانّ شموليّ ونقدهم التهكّمي إزاء الحثّ على مفاهيم أخلاقيّة نبيلة من قبيل: الصبر، الزهد، الإيمان، التوكّل، الإيمان المُطلق بالغيب..إلخ، مفسّرين مثل هذه المواعظ بأنّها تخديرٌ للنفس وإقناع لها بما هي عليه من انحطاط وتراجع، وهذا الانحراف في فهم هذه المفردات الأخلاقيّة الدينيّة يرجعُ إلى التأثّر بالثقافة الماديّة، والقصور في فهم آثار هذه الأخلاق على النّفس والمجتمع.
وفي ظلّ الهجمة الفكريّة والاقتصاديّة التي يشنُّها العدوّ ضدّ مجتمعنا الإسلاميّ، لا بدّ من الإصرار على استحضار هذه المفاهيم بشكل دائم مع بيانها بالشكل الصحيح بعيداً عن تلك التفاسير الخاطئة، بل إنّ الوقت مناسبٌ جداً لبيان أهميّة وتأثير هذه المفاهيم في صيانة المجتمعات عن الهزيمة والإحباط، فهي عاملٌ أساسيّ في تثبيت النفس أمام زلازل الفتن والتمحيص والغربلة، ولها حظّ وافر في صناعة الشخصيّة المتديّنة وفقاً لما أراده الله تعالى.
إنّ المعركة مع العدوّ المتآمر ذات مخاطر كبيرة، والاتّكاء على الجانب الماديّ دون التعويل على الجانب الغيبيّ عبر تعميق الارتباط الوثيق بالله - تبارك وتعالى - هو هزيمةٌ مبكّرة، ولذلك علينا أن لا نتهاون في تعزيز حضور هذه المفاهيم في الثقافة الإسلاميّة عند عموم النّاس؛ لأنّ غيابها يمثّل انكساراً خطيراً، فلا يخفى أنّ هذا الصراع تنتجُ عنه آلام كثيرة، ونحن بحاجة في ظلّ تصاعد الضغط على مجتمعاتنا إلى تعزيز حضور الجانب الغيبي والأخلاقيّ في ثقافتنا، وذلك بتقوية الارتباط بالحقّ تبارك وتعالى، وتلقين النّفس على الصّبر والتوكّل واليقين وعدم الخوف مما سوى الله، فإنّ هذا يمثّل ضرورةً من ضرورات الإنسان في حياته، ولا سيّما مع ما نشهده في هذه المرحلة من تمحيص وابتلاء، ..
لقد ظُلم الدّين مراراً بسبب إساءة فهمه، وعدم استعداد الناقدين للإصغاء إلى تعاليمه مع إرادةٍ صادقةٍ للفهم والبحث بإنصاف، ومن وجوه الظلم التي استمرّت دائرة لعقودةٍ طويلةٍ المقولة التي صنّفت الدين على أنّه «أفيون الشعوب»، حيث هُوجمَ مراراً بتهمة العمل على تخدير المجتمعات، ومحاولته إرضائها بكل ما يقع عليها، حتّى لو وقع الظلم على طبقة الفقراء من قِبل طبقة الأغنياء.
وقد فسّر البعضُ حقيقة حضور الدّين في الحضارات البشريّة بأنّه لمّا كان الدين مخدّراً مُسكتاً لطبقة الضعفاء، وموجباً لهيمنة طبقة الأغنياء الأقوياء عليهم، أصبح يمثّل ضرورةً لوجوده في كافّة المجتمعات، وبغض النظر عن الخوض في نقد هذا الاتّهام، إلّا أنّ هذه الأفكار قد تسرّبت إلى مجتمعنا الإسلاميّ عند بعض المثقّفين، وقد لاحظنا - من قبلُ - سخريتهم من «الوعّاظ» بلسانّ شموليّ ونقدهم التهكّمي إزاء الحثّ على مفاهيم أخلاقيّة نبيلة من قبيل: الصبر، الزهد، الإيمان، التوكّل، الإيمان المُطلق بالغيب..إلخ، مفسّرين مثل هذه المواعظ بأنّها تخديرٌ للنفس وإقناع لها بما هي عليه من انحطاط وتراجع، وهذا الانحراف في فهم هذه المفردات الأخلاقيّة الدينيّة يرجعُ إلى التأثّر بالثقافة الماديّة، والقصور في فهم آثار هذه الأخلاق على النّفس والمجتمع.
وفي ظلّ الهجمة الفكريّة والاقتصاديّة التي يشنُّها العدوّ ضدّ مجتمعنا الإسلاميّ، لا بدّ من الإصرار على استحضار هذه المفاهيم بشكل دائم مع بيانها بالشكل الصحيح بعيداً عن تلك التفاسير الخاطئة، بل إنّ الوقت مناسبٌ جداً لبيان أهميّة وتأثير هذه المفاهيم في صيانة المجتمعات عن الهزيمة والإحباط، فهي عاملٌ أساسيّ في تثبيت النفس أمام زلازل الفتن والتمحيص والغربلة، ولها حظّ وافر في صناعة الشخصيّة المتديّنة وفقاً لما أراده الله تعالى.
إنّ المعركة مع العدوّ المتآمر ذات مخاطر كبيرة، والاتّكاء على الجانب الماديّ دون التعويل على الجانب الغيبيّ عبر تعميق الارتباط الوثيق بالله - تبارك وتعالى - هو هزيمةٌ مبكّرة، ولذلك علينا أن لا نتهاون في تعزيز حضور هذه المفاهيم في الثقافة الإسلاميّة عند عموم النّاس؛ لأنّ غيابها يمثّل انكساراً خطيراً، فلا يخفى أنّ هذا الصراع تنتجُ عنه آلام كثيرة، ونحن بحاجة في ظلّ تصاعد الضغط على مجتمعاتنا إلى تعزيز حضور الجانب الغيبي والأخلاقيّ في ثقافتنا، وذلك بتقوية الارتباط بالحقّ تبارك وتعالى، وتلقين النّفس على الصّبر والتوكّل واليقين وعدم الخوف مما سوى الله، فإنّ هذا يمثّل ضرورةً من ضرورات الإنسان في حياته، ولا سيّما مع ما نشهده في هذه المرحلة من تمحيص وابتلاء، ..
ولنبلونَّكُم .. (2)
فيما يخصّ مسألة ابتلاء الله لعباده المؤمنين، ينبغي أن نُلاحظ مفردات (الفتنة، التمحيص، الابتلاء، التمييز) في القرآن الكريم وحديث أهل البيت (عليهم السلام) حيث يمكننا من خلال ذلك الوقوف على أهمّ المحاور الأساسيّة في المسألة المهمة.
ومما قضيته من وقتٍ في محاولة تعقّب هذه النصوص وتأملها، يمكنني أن أجزم أنّ مسألة الفتنة في الدّين وتمحيص المؤمنين من أكثر المسائل السلوكيّة التي ذُكرت في القرآن الكريم وكلمات أئمة الهدى (صلوات الله عليهم)، وذلك لأنّ دعوى الإيمان من العبد لا تعبر قنطرة القبول من دون الورود إلى ميدان الامتحان والتمحيص والبلاء، ولذلك تركّزت هذه النصوص الإلهية حول جملة من المحاور الأساسيّة، منها:
1. الارتباط الوثيق بين الإيمان والابتلاء، وهذا يشملُ بالخصوص شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، والذي روي عنه قوله: «لو أحبّنِي جَبَلٌ لتَهافَتَ».
2. الآثار المعنويّة والأخرويّة للصابرين في مواجهة الابتلاءات، وما بيّنه الأئمّة (عليهم السلام) في الثواب العظيم لأهل الرضا واليقين بالله تبارك وتعالى.
3. أسلوب الأئمّة (عليهم السلام) في التربية العمليّة للمؤمنين.
إنّ نصوص الثقلين تمثّل كنوزاً معرفيّة ومعنويّة تهذّب نفس الإنسان، وتدفعه نحو الاستقامة، وتقيه آفات الفتن وصعوبات التمحيص؛ لأنّها تكشفُ له أسرار طريق الابتلاء الإلهي من أوّله إلى آخره، ولذلك لا ينبغي للمؤمن أن يتغافل عنها أو يهملها، فيفوّت بذلك خيراً كثيراً، ولذلك سوف نتعرّض لها فيما يأتي.
فيما يخصّ مسألة ابتلاء الله لعباده المؤمنين، ينبغي أن نُلاحظ مفردات (الفتنة، التمحيص، الابتلاء، التمييز) في القرآن الكريم وحديث أهل البيت (عليهم السلام) حيث يمكننا من خلال ذلك الوقوف على أهمّ المحاور الأساسيّة في المسألة المهمة.
ومما قضيته من وقتٍ في محاولة تعقّب هذه النصوص وتأملها، يمكنني أن أجزم أنّ مسألة الفتنة في الدّين وتمحيص المؤمنين من أكثر المسائل السلوكيّة التي ذُكرت في القرآن الكريم وكلمات أئمة الهدى (صلوات الله عليهم)، وذلك لأنّ دعوى الإيمان من العبد لا تعبر قنطرة القبول من دون الورود إلى ميدان الامتحان والتمحيص والبلاء، ولذلك تركّزت هذه النصوص الإلهية حول جملة من المحاور الأساسيّة، منها:
1. الارتباط الوثيق بين الإيمان والابتلاء، وهذا يشملُ بالخصوص شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، والذي روي عنه قوله: «لو أحبّنِي جَبَلٌ لتَهافَتَ».
2. الآثار المعنويّة والأخرويّة للصابرين في مواجهة الابتلاءات، وما بيّنه الأئمّة (عليهم السلام) في الثواب العظيم لأهل الرضا واليقين بالله تبارك وتعالى.
3. أسلوب الأئمّة (عليهم السلام) في التربية العمليّة للمؤمنين.
إنّ نصوص الثقلين تمثّل كنوزاً معرفيّة ومعنويّة تهذّب نفس الإنسان، وتدفعه نحو الاستقامة، وتقيه آفات الفتن وصعوبات التمحيص؛ لأنّها تكشفُ له أسرار طريق الابتلاء الإلهي من أوّله إلى آخره، ولذلك لا ينبغي للمؤمن أن يتغافل عنها أو يهملها، فيفوّت بذلك خيراً كثيراً، ولذلك سوف نتعرّض لها فيما يأتي.
ولنبلونّكم.. (3)
قُرن في كثيرٌ من الآيات القرآنيّة بين الإيمان والبلاء، وأنّ المؤمنَ لا يمكنه أن يجتاز المراحل الأولى إلى ما بعدها إلّا وقد وقع في الفتنة والتمحيص، ليُعلم مدى استحكام إيمانه، وليُغربل مجتمع الإيمان، وتبرز صفوته، ويزول كدره.
وفي ذلك يخاطبُ الحقّ تعالى عبادَه المؤمنين: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ..)، وقال: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ).
ومن نماذج الفتنة الإلهيّة لتمحيص مجتمع الإيمان وغربلته ما حصل لقوم نبي الله موسى (عليه السلام)، حيثُ ادّعى بنو إسرائيل الإيمان، ثم لم يلبثوا قليلاً إلا وقد ضربتهم الفتنة فأسقطت كثيراً منهم، (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ)، ثم في مرحلة لاحقة وقع الافتتان مرةً أخرى، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ).
إذن: فالمجتمع المؤمن عرضةٌ للابتلاء والتمحيص والافتتان والتمييز، وهذا لا يختصّ بالأقوام السابقة، بل هو شاملٌ لكل المجتمعات المؤمنة على مرّ العصور: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)، بما يشمل كلّ نفسٍ وجماعةٍ..
والآيات القرآنيّة زاخرةٌ بهذه التفاصيل العظيمة، والمقام لا يتّسع لها جميعاً، فليُعتنى بها تلاوةً وتدبّراً.
وأمّا الوارد في أخبار الأئمّة (عليهم السلام)، فهو صريحٌ في الربط بين الإيمان والابتلاء، ومنها ما روي عن:
1. أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن البلاء أسرع إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي).
2. الإمام الصادق (عليه السلام): (الجوع والخوف أسرع إلى شيعتنا من ركض البراذين).
3. الإمام الكاظم (عليه السلام): (المؤمن مثل كفتي الميزان، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه).
وبناءً على هذا: فليس لمن يدّعي الإيمان أن يستنكر ورود البلاء عليه، بل يجب الاستعداد لذلك على المستوى النفسي والقلبي، وكذلك على المستوى الماديّ وذلك بالتكافل والتعاضد بين المؤمنين، وليعدّ كل ما يقدّره الله خيراً له ولأهله، ويدعو الله تبارك وتعالى أن يشدّ أزره في هذه الفتنة ليخرج منها سالم الإيمان، معافى من الضلال، مأجوراً مثاباً، وسيأتي الكلام مفصلاً عن الثواب وأجر الصبر على الفتنة والبلاء، ..
قُرن في كثيرٌ من الآيات القرآنيّة بين الإيمان والبلاء، وأنّ المؤمنَ لا يمكنه أن يجتاز المراحل الأولى إلى ما بعدها إلّا وقد وقع في الفتنة والتمحيص، ليُعلم مدى استحكام إيمانه، وليُغربل مجتمع الإيمان، وتبرز صفوته، ويزول كدره.
وفي ذلك يخاطبُ الحقّ تعالى عبادَه المؤمنين: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ..)، وقال: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ).
ومن نماذج الفتنة الإلهيّة لتمحيص مجتمع الإيمان وغربلته ما حصل لقوم نبي الله موسى (عليه السلام)، حيثُ ادّعى بنو إسرائيل الإيمان، ثم لم يلبثوا قليلاً إلا وقد ضربتهم الفتنة فأسقطت كثيراً منهم، (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ)، ثم في مرحلة لاحقة وقع الافتتان مرةً أخرى، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ).
إذن: فالمجتمع المؤمن عرضةٌ للابتلاء والتمحيص والافتتان والتمييز، وهذا لا يختصّ بالأقوام السابقة، بل هو شاملٌ لكل المجتمعات المؤمنة على مرّ العصور: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)، بما يشمل كلّ نفسٍ وجماعةٍ..
والآيات القرآنيّة زاخرةٌ بهذه التفاصيل العظيمة، والمقام لا يتّسع لها جميعاً، فليُعتنى بها تلاوةً وتدبّراً.
وأمّا الوارد في أخبار الأئمّة (عليهم السلام)، فهو صريحٌ في الربط بين الإيمان والابتلاء، ومنها ما روي عن:
1. أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن البلاء أسرع إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي).
2. الإمام الصادق (عليه السلام): (الجوع والخوف أسرع إلى شيعتنا من ركض البراذين).
3. الإمام الكاظم (عليه السلام): (المؤمن مثل كفتي الميزان، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه).
وبناءً على هذا: فليس لمن يدّعي الإيمان أن يستنكر ورود البلاء عليه، بل يجب الاستعداد لذلك على المستوى النفسي والقلبي، وكذلك على المستوى الماديّ وذلك بالتكافل والتعاضد بين المؤمنين، وليعدّ كل ما يقدّره الله خيراً له ولأهله، ويدعو الله تبارك وتعالى أن يشدّ أزره في هذه الفتنة ليخرج منها سالم الإيمان، معافى من الضلال، مأجوراً مثاباً، وسيأتي الكلام مفصلاً عن الثواب وأجر الصبر على الفتنة والبلاء، ..
ولنبلونّكم .. (4)
كذلك مما نجده في طيّات الآيات والروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) ما يشير إلى الآثار المعنويّة والأخرويّة للصابرين في مواجهة الابتلاءات، وما بيّنه الأئمّة (عليهم السلام) في الثواب العظيم لأهل الرضا واليقين بالله تبارك وتعالى.
ويظهر من مجموعها أنّ تمحيص المؤمن لا يخلو عن كونه كفّارةً للذنوب، كما في قول الصادق (عليه السلام): «قال الله تعالى: إن العبد المؤمن من عبادي ليذنب الذنب العظيم مما يستوجب به عقوبتي في الدنيا والآخرة فأنظر له فيما فيه صلاحه في آخرته فأعجّل له العقوبة في الدنيا لأجازيه بذلك الذنب»، أو زيادةً في الثواب كما في قوله تعالى: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»، أو رِفعة في درجاته، كما جاء في صحيحة عليّ بن رئاب عن الصادق (عليه السلام): «إن الله يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب».
وفضلاً عن ذلك، فإنّ مرور المؤمن بالشدائد له أثرٌ في إخلاص التوجّه التام للحقّ تبارك وتعالى، فإنّ من طبائع الإنسان أنّه معرّض للوقوع في الغفلة بشكل أكبر عند تواتر النعم دون الورود في بعض الشدائد، وفي ذلك يقول الله تعالى: «وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ»، فلذلك ينبغي أن نحوّل هذه الأحوال بما فيها من عسر وضيق إلى فرصةٍ للجوء إلى الله تعالى والتضرع إليه، فإنّ ذلك أدعى للاستجابة ورفع البليّات.
كذلك مما نجده في طيّات الآيات والروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) ما يشير إلى الآثار المعنويّة والأخرويّة للصابرين في مواجهة الابتلاءات، وما بيّنه الأئمّة (عليهم السلام) في الثواب العظيم لأهل الرضا واليقين بالله تبارك وتعالى.
ويظهر من مجموعها أنّ تمحيص المؤمن لا يخلو عن كونه كفّارةً للذنوب، كما في قول الصادق (عليه السلام): «قال الله تعالى: إن العبد المؤمن من عبادي ليذنب الذنب العظيم مما يستوجب به عقوبتي في الدنيا والآخرة فأنظر له فيما فيه صلاحه في آخرته فأعجّل له العقوبة في الدنيا لأجازيه بذلك الذنب»، أو زيادةً في الثواب كما في قوله تعالى: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»، أو رِفعة في درجاته، كما جاء في صحيحة عليّ بن رئاب عن الصادق (عليه السلام): «إن الله يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب».
وفضلاً عن ذلك، فإنّ مرور المؤمن بالشدائد له أثرٌ في إخلاص التوجّه التام للحقّ تبارك وتعالى، فإنّ من طبائع الإنسان أنّه معرّض للوقوع في الغفلة بشكل أكبر عند تواتر النعم دون الورود في بعض الشدائد، وفي ذلك يقول الله تعالى: «وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ»، فلذلك ينبغي أن نحوّل هذه الأحوال بما فيها من عسر وضيق إلى فرصةٍ للجوء إلى الله تعالى والتضرع إليه، فإنّ ذلك أدعى للاستجابة ورفع البليّات.
ولنبلونّكم.. (5)
وأما منهج الأئمة (عليهم السلام) في تربية المسلمين عند مواجهة الشدائد، فإنه كان منحصراً في تحقيق الغاية القصوى، وهي توجيه العباد نحو ربّهم الحق تبارك وتعالى، متمسكين بالتضرع والتوجه القلبي إلى الخالق وحده لا شريك له.
روي أن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) مرَّ برجلٍ وهو قاعدٌ على باب رجلٍ، فقال له: «ما يقعدك على باب هذا المترف الجبار؟».
فقال: البلاء.
قال: «قم فأرشدك إلى بابٍ خير من بابه، وإلى ربٍّ خير لك منه»، فأخذ بيده حتى انتهى به إلى المسجد مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: «استقبل القبلة، وصلِّ ركعتين، ثم ارفع يديك إلى الله عز وجل، فأثنِ على الله، وصل على رسوله (صلى الله عليه وآله) ثم ادعُ بآخر الحشر وست آيات من أول الحديد، وبالآيتين اللتين في آل عمران، ثم سل الله سبحانه فإنك لا تسأل شيئاً إلا أعطاك».
[سلوة الحزين وتحفة العليل، ص٥٤-٥٥، رقم الحديث ١٦٢].
تفصيل الآيات المذكورة في الرواية:-
١. آخر سورة الحشر.
(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ • هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ • هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
٢. ست آيات من أوّل سورة الحديد.
(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ • لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ • هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ • هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ • لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ݘ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
3. الآيتان اللتان في آل عمران.
ذكر العلّامة المجلسيّ عن القطب الراونديّ أنّ المراد بالآيتين في سورة آل عمران هي آية الملك، وهي مؤلّفة من آيتين، وقد أطلق عليها الوصف بـ(آية) من قبيل إرادة الجنس، ثم احتمل – رحمه الله - أنّها هي بضميمة آية «شهد الله ..» فتكون بنظره آية الملك آية واحدة، وآية «شهد الله..» آية واحدة، وبذلك يكون المجموع آيتين.
[انظر: بحار الأنوار، ج٨٨، ص٣٧٥]
أ. آية الملك:
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ • تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
ب. آية «شهد الله..»:
(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
والحقّ أن هذه الرواية تُكتب بماء الذهب، فاعرف قدرها.
وأما منهج الأئمة (عليهم السلام) في تربية المسلمين عند مواجهة الشدائد، فإنه كان منحصراً في تحقيق الغاية القصوى، وهي توجيه العباد نحو ربّهم الحق تبارك وتعالى، متمسكين بالتضرع والتوجه القلبي إلى الخالق وحده لا شريك له.
روي أن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) مرَّ برجلٍ وهو قاعدٌ على باب رجلٍ، فقال له: «ما يقعدك على باب هذا المترف الجبار؟».
فقال: البلاء.
قال: «قم فأرشدك إلى بابٍ خير من بابه، وإلى ربٍّ خير لك منه»، فأخذ بيده حتى انتهى به إلى المسجد مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: «استقبل القبلة، وصلِّ ركعتين، ثم ارفع يديك إلى الله عز وجل، فأثنِ على الله، وصل على رسوله (صلى الله عليه وآله) ثم ادعُ بآخر الحشر وست آيات من أول الحديد، وبالآيتين اللتين في آل عمران، ثم سل الله سبحانه فإنك لا تسأل شيئاً إلا أعطاك».
[سلوة الحزين وتحفة العليل، ص٥٤-٥٥، رقم الحديث ١٦٢].
تفصيل الآيات المذكورة في الرواية:-
١. آخر سورة الحشر.
(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ • هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ • هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
٢. ست آيات من أوّل سورة الحديد.
(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ • لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ • هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ • هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ • لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ݘ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
3. الآيتان اللتان في آل عمران.
ذكر العلّامة المجلسيّ عن القطب الراونديّ أنّ المراد بالآيتين في سورة آل عمران هي آية الملك، وهي مؤلّفة من آيتين، وقد أطلق عليها الوصف بـ(آية) من قبيل إرادة الجنس، ثم احتمل – رحمه الله - أنّها هي بضميمة آية «شهد الله ..» فتكون بنظره آية الملك آية واحدة، وآية «شهد الله..» آية واحدة، وبذلك يكون المجموع آيتين.
[انظر: بحار الأنوار، ج٨٨، ص٣٧٥]
أ. آية الملك:
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ • تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
ب. آية «شهد الله..»:
(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
والحقّ أن هذه الرواية تُكتب بماء الذهب، فاعرف قدرها.
سيرة أصحاب الأئمة (عليهم السلام) في العبادة
• روي عن الفضل بن شاذان أنه قال: دخلت العراق فرأيت واحداً يعاتب صاحبه، ويقول له: (أنت رجل عليك عيال، وتحتاج أن تكتسب عليهم، وما آمن أن تذهب عيناك لطول سجودك)، فلما أكثر عليه، قال: (أكثرت عليَّ، ويحك، لو ذهبت عينُ أحدٍ في السجود لذهبت عينُ ابن أبي عمير، ما ظنّك برجل سجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر فما يرفع رأسه إلا زوال الشمس).
• وروي عن نصر بن الصباح، عن الفضل أيضاً: (قال: «دخلت على محمد بن أبي عمير، وهو ساجد، فأطال السجود»، فلما رفع رأسه، ذكر له الفضل طول سجوده، فقال: «كيف لو رأيت جميل بن دراج؟!»، ثم حدثه أنه دخل على جميل بن دراج، فوجده ساجداً، فأطال السجود جداً، فلما رفع رأسه، قال له محمد بن أبي عمير: «أطلت السجود»، فقال: «وكيف لو رأيت معروف بن خربوذ؟!»..).
• روي عن الفضل بن شاذان أنه قال: دخلت العراق فرأيت واحداً يعاتب صاحبه، ويقول له: (أنت رجل عليك عيال، وتحتاج أن تكتسب عليهم، وما آمن أن تذهب عيناك لطول سجودك)، فلما أكثر عليه، قال: (أكثرت عليَّ، ويحك، لو ذهبت عينُ أحدٍ في السجود لذهبت عينُ ابن أبي عمير، ما ظنّك برجل سجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر فما يرفع رأسه إلا زوال الشمس).
• وروي عن نصر بن الصباح، عن الفضل أيضاً: (قال: «دخلت على محمد بن أبي عمير، وهو ساجد، فأطال السجود»، فلما رفع رأسه، ذكر له الفضل طول سجوده، فقال: «كيف لو رأيت جميل بن دراج؟!»، ثم حدثه أنه دخل على جميل بن دراج، فوجده ساجداً، فأطال السجود جداً، فلما رفع رأسه، قال له محمد بن أبي عمير: «أطلت السجود»، فقال: «وكيف لو رأيت معروف بن خربوذ؟!»..).
خواطر فاطميّة (1)
مناهج الإثبات التاريخي عند المسلمين، مظلوميّة الزهراء (عليها السلام) أنموذجاً.
إذا نظرنا إلى معظم الاعتقادات التاريخيّة بوقوع حوادث معيّنة في تاريخ الإسلام سنجدُ أنّ جل المناهج - غالباً - تنهجُ النهج المتعارف في الإثبات والنفي بحيث يكتفي «الباحث» بجملةٍ من الأخبار التاريخيّة المعتبرة - وفق شرائط الاعتبار عند غالبية المؤرخين - ليحصلَ له الوثوق عادةً، وهذا جَريُ معظم من كتب في البحث التاريخي من قبل الطبري وإلى زماننا الحاليّ، وهذا هو المنهج العام إجمالاً، وإنْ رأينا أحياناً بعض من يتحاذق هنا وهناك، كأن تجد سلفياً يشكك في مبيت أمير المؤمنين عليه السلام في فراش النبي (صلى الله عليه وآله)، أو شيعياً يشكك في وجود أبي بكر في الغار، أو غيره يشكك في استعمال الأبواب بالمدينة المنورة في زمن صدر الإسلام، وهذه الأساليب المتحاذقة غالباً ما تستعمل للقفز عن الحقائق التاريخية بطريقة «ذكية»، ولكنها خلاف جريهم العام في سائر مواطن البحث التاريخي الذي يكون بصورته الطبيعية، وبعبارة أدقّ: امتحنوهم في إثباتاتهم التاريخية التي لا تكون موطناً للنزاع، وستجدونهم يجرون جريَ المؤرخين، إلا أن يصل البحث لموضعٍ حسّاس فتعمل «الطريقة الحنبليّة» في التعامل مع نصوص التاريخ، فالسني قد يكتفي بعدّة أخبار ليثبت أنَّ عمر بن الخطاب قد كان شُجاعاً وهاجر من مكّة علانيّة - مثلاً -، والشيعي يكتفي بجملة من الأخبار في إثبات أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان حاكماً عادلاً، وبعضهم قد يكتفي بخبرٍ أو خبرين ليثبت عنده أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يوقظ الزهراء (عليها السلام) لصلاة الفجر برجله أو أن الرجلين أتيا لطلب المسامحة من السيدة الزهراء (عليها السلام)،.. وهذا المنهج يسري في معظم الأحداث التاريخية غالباً، إلَّا أنَّ بعض الأحداث التي تصطدمُ مع القبليّات الفكريّة، تواجه عقبة «عدم التصديق» رغم بلوغ أخبارها إلى مرتبةٍ من الشهرة، هي أقوى من أخبار شجاعة عُمر أو إيقاظ الزهراء بطريقةٍ ما، أو مجيء الرجلين لطلب العفو منها، وهنا تقف مشكلة البحث التاريخي عند الاصطدام مع هذه القبليّات أو الذوق الخاص، وهنا يصطدمُ الواقع التاريخي مع خلفيّات الباحث التي لا تصلح أن تكون معياراً للبحث العلميّ، كما هو الحالُ في ابن تيمية - مثلاً - الذي كان ينطلقُ من خلفيّة ثبّتت لزوم إسقاط تميّز أمير المؤمنين (عليه السلام) بفضيلة معينة، ولذلك اضطرّ لإعمال ذوقه وقبليّاته في ردّ جملةٍ من الروايات الصحيحة في فضله، وفي ذلك يقول الحافظُ ابن حجر في كتابه (لسان الميزان، ج8، ص551-552): «لكنه - ابن تيمية - ردَّ في ردِّهِ كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة تصنيفه مظانها»، وكذلك الحافظ القاسم بن سلام في كتابه (الأموال، ج1، ص234) لما استعرض روايات احتضار الأوّل وما قاله عند احتضاره اصطدم الواقع التاريخي بذوقه، فحذف عبارةً من كلامه، وقال: «لا أريد ذكرها»؛ لأنها تتعلق بإيضاحٍ تاريخيّ مهم جداً ويختص بقضية الصديقة الكبرى (صلوات الله عليها)، وبقية التفصيل في هذا الرابط:
http://www.antiwahabism.com/?p=504
فهل نحن - كمسلمين - على قدر الجديّة في البحث التاريخي على أن لا نُعمل أذواقنا فيما نحب ولا نحب؟!
ويبقى السؤال الأهمّ: لو عاملوا أخبار ما بعد وفاة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بنفس طريقة إثباتهم المتعارفة، فهل تثبت أم لا؟
---
https://www.tg-me.com/mesbah_qom
مناهج الإثبات التاريخي عند المسلمين، مظلوميّة الزهراء (عليها السلام) أنموذجاً.
إذا نظرنا إلى معظم الاعتقادات التاريخيّة بوقوع حوادث معيّنة في تاريخ الإسلام سنجدُ أنّ جل المناهج - غالباً - تنهجُ النهج المتعارف في الإثبات والنفي بحيث يكتفي «الباحث» بجملةٍ من الأخبار التاريخيّة المعتبرة - وفق شرائط الاعتبار عند غالبية المؤرخين - ليحصلَ له الوثوق عادةً، وهذا جَريُ معظم من كتب في البحث التاريخي من قبل الطبري وإلى زماننا الحاليّ، وهذا هو المنهج العام إجمالاً، وإنْ رأينا أحياناً بعض من يتحاذق هنا وهناك، كأن تجد سلفياً يشكك في مبيت أمير المؤمنين عليه السلام في فراش النبي (صلى الله عليه وآله)، أو شيعياً يشكك في وجود أبي بكر في الغار، أو غيره يشكك في استعمال الأبواب بالمدينة المنورة في زمن صدر الإسلام، وهذه الأساليب المتحاذقة غالباً ما تستعمل للقفز عن الحقائق التاريخية بطريقة «ذكية»، ولكنها خلاف جريهم العام في سائر مواطن البحث التاريخي الذي يكون بصورته الطبيعية، وبعبارة أدقّ: امتحنوهم في إثباتاتهم التاريخية التي لا تكون موطناً للنزاع، وستجدونهم يجرون جريَ المؤرخين، إلا أن يصل البحث لموضعٍ حسّاس فتعمل «الطريقة الحنبليّة» في التعامل مع نصوص التاريخ، فالسني قد يكتفي بعدّة أخبار ليثبت أنَّ عمر بن الخطاب قد كان شُجاعاً وهاجر من مكّة علانيّة - مثلاً -، والشيعي يكتفي بجملة من الأخبار في إثبات أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان حاكماً عادلاً، وبعضهم قد يكتفي بخبرٍ أو خبرين ليثبت عنده أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يوقظ الزهراء (عليها السلام) لصلاة الفجر برجله أو أن الرجلين أتيا لطلب المسامحة من السيدة الزهراء (عليها السلام)،.. وهذا المنهج يسري في معظم الأحداث التاريخية غالباً، إلَّا أنَّ بعض الأحداث التي تصطدمُ مع القبليّات الفكريّة، تواجه عقبة «عدم التصديق» رغم بلوغ أخبارها إلى مرتبةٍ من الشهرة، هي أقوى من أخبار شجاعة عُمر أو إيقاظ الزهراء بطريقةٍ ما، أو مجيء الرجلين لطلب العفو منها، وهنا تقف مشكلة البحث التاريخي عند الاصطدام مع هذه القبليّات أو الذوق الخاص، وهنا يصطدمُ الواقع التاريخي مع خلفيّات الباحث التي لا تصلح أن تكون معياراً للبحث العلميّ، كما هو الحالُ في ابن تيمية - مثلاً - الذي كان ينطلقُ من خلفيّة ثبّتت لزوم إسقاط تميّز أمير المؤمنين (عليه السلام) بفضيلة معينة، ولذلك اضطرّ لإعمال ذوقه وقبليّاته في ردّ جملةٍ من الروايات الصحيحة في فضله، وفي ذلك يقول الحافظُ ابن حجر في كتابه (لسان الميزان، ج8، ص551-552): «لكنه - ابن تيمية - ردَّ في ردِّهِ كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة تصنيفه مظانها»، وكذلك الحافظ القاسم بن سلام في كتابه (الأموال، ج1، ص234) لما استعرض روايات احتضار الأوّل وما قاله عند احتضاره اصطدم الواقع التاريخي بذوقه، فحذف عبارةً من كلامه، وقال: «لا أريد ذكرها»؛ لأنها تتعلق بإيضاحٍ تاريخيّ مهم جداً ويختص بقضية الصديقة الكبرى (صلوات الله عليها)، وبقية التفصيل في هذا الرابط:
http://www.antiwahabism.com/?p=504
فهل نحن - كمسلمين - على قدر الجديّة في البحث التاريخي على أن لا نُعمل أذواقنا فيما نحب ولا نحب؟!
ويبقى السؤال الأهمّ: لو عاملوا أخبار ما بعد وفاة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بنفس طريقة إثباتهم المتعارفة، فهل تثبت أم لا؟
---
https://www.tg-me.com/mesbah_qom
خواطر فاطميّة (2)
مظلومية الزهراء (عليها السلام)، وخصلة العفو في أهل البيت (عليهم السلام)
ورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كثير من النصوص المبيّنة لفضل العفو، وقد حثّوا على ذلك بشكلٍ كبير في غاية المبالغة؛ لأنّ العفو من الأخلاق الرفيعة التي تهذّب النفس على التسامي والترفّع عن صغائر الأمور، وبلا شكّ فإنّ أمرهم بهذا الخُلق يقتضي أن يكونوا هم أول القائمين بهذه الخصلة الخلقية الطيّبة، وقد روى الشيخ الصدوق بسندٍ صحيحٍ عن الإمام الصادق عليه السلام: (إنا أهلُ بيتٍ مروءتنا العفو عمن ظلمنا)، وفي المقابل نجد أن أهل البيت (عليهم السلام) لم يتنازلوا عما نزل بهم من الظلم منذ حياة أمير المؤمنين والسيدة الزهراء (عليهما السلام) حتى كربلاء وما بعدها، وقد صدر عنهم الذمّ واللعن بحق أولئك الظالمين، فما الداعي إلى ذلك مع تأكيدهم الشديد على العفو؟
إنّ الناظر إلى كلماتهم بتأمل، يجد أنَّ أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يمارسون العفو في جانب وقوع الظلم الشخصيّ عليهم، ولكن في حال وقوع الظلم عليهم بما يمسّ الدين الإسلامي وعموم المسلمين فإنّهم لا يتنازلون عن هذا الحق، ولا يمارسون العفو عن الظلم، وذلك لأنّ الإساءة التي تنال منهم والدين والقرآن هي جريمة بحق الرسالة الإلهية وليست من قبيل المظلمة الشخصيّة التي يقوم الإمام بالعفو عنها.
وفي هذا المقام، يمكن فهم قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطبة الشقشقية: (ووالله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جورٌ، إلا عليَّ خاصةً التماساً لأجر ذلك وفضله)، فإنَّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه يتساهل في أمر مظلمته الخاصّة، أما المظلمة التي تشمل حقوق الإسلام والمسلمين فإنّه لا يقدر على أن يتساهل في أمرها؛ لأنّه الإمام القائم بالحق الذي لا يداهن ولا يساوم ولا تأخذه في الله لومة لائم.
ومن ذلك أيضاً في سيرتهم، ما رواه الشيخ الكليني بسندٍ صحيح: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل وكان يتولى له الوقف بقم، فقال: يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف في حلٍ، فإني أنفقتها. فقال له: أنت في حل. فلما خرج صالح، قال أبو جعفر عليه السلام: أحدهم يثب على أموال حق آل محمد وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذه ثم يجيء فيقول: «اجعلني في حل»، أتراه ظن أني أقول: «لا أفعل» والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً).
فإنّ الإمام الجواد (عليه السلام) لما قال له: (أنت في حلٍ) لم يكن قاصداً العفو العام الذي يشمل إسقاط حقوق الله وفقراء الهاشميين وأيتامهم، وإنما أسقط حقاً شخصياً يتعلق بالجسارة على أمواله، أما الحقوق المالية المتعلقة بإقامة الدين وإغاثة الفقراء والملهوفين فإنّه لا يكون مجال للعفو في أمرها.
والحاصل: بالتفريق بين المظلمة الشخصية الخاصة والمظلمة العامّة الواقعة على الإسلام والرسالة الإلهية التي حملها أئمة الهدى (عليهم السلام) يمكن لنا أن نفهم موازين العفو وعدمه في سيرة أهل البيت صلوات الله عليهم.
ومن هنا يتضح لنا سبب إصرار السيّدة الزهراء (عليها السلام) على الخصومة والبقاء على مقاطعة الظالميْن لها اللذيْنِ غصبا حقّها وتجاسرا عليها في بيتها، فإن البعض يروّج لمقولةٍ وهي أنّ هذه مسألة (قطعة أرض) ولا تستحقُ خصومةً كهذه، وأنّها قضية لا تستحق هذه المبالغة، والعفو أولى.
ولكن يظهرُ لنا جلياً من جهاد الصديقة الكبرى (صلوات الله عليها) أنّ جهادها ضد الحكومة الأولى لم يكن دائراً حول حقّ شخصي، وإلا فإنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم أهل العفو والمروءة والترفّع عن الدنيا وصغائرها، ولكن لأنّ مظلوميتها كانت تتعلق بمسار الإسلام ومصير القرآن وأحوال الرسالة الإلهية وشؤون المسلمين لم يكن الأمر مما يقع موضوعاً للعفو، فليس هو بمظلمة شخصيّة، وهذه ثمرة من ثمار جهاد سيدة نساء العالمين، أن ينكشف لنا أنّ تلك المظلمة كانت مصيبة واقعة على الإسلام والقرآن والمسلمين، والمتأمل في خطبتها الشريفة يلمسُ آثار هذا المعنى بوضوح، وأنها لم تكن تتعامل مع مواجهة الرجلين على أنها مواجهة في حقّ شخصي، بل كانت مواجهة لإسقاط حكومة الظلم عن الاعتبار الشرعيّ .. وهكذا فعلت فكانت الزهراء صلوات الله عليها أول من ضرب مشروع الحكومات الاستبداديّة في تاريخ الإسلام، والعاقبة للمتقين..
مظلومية الزهراء (عليها السلام)، وخصلة العفو في أهل البيت (عليهم السلام)
ورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كثير من النصوص المبيّنة لفضل العفو، وقد حثّوا على ذلك بشكلٍ كبير في غاية المبالغة؛ لأنّ العفو من الأخلاق الرفيعة التي تهذّب النفس على التسامي والترفّع عن صغائر الأمور، وبلا شكّ فإنّ أمرهم بهذا الخُلق يقتضي أن يكونوا هم أول القائمين بهذه الخصلة الخلقية الطيّبة، وقد روى الشيخ الصدوق بسندٍ صحيحٍ عن الإمام الصادق عليه السلام: (إنا أهلُ بيتٍ مروءتنا العفو عمن ظلمنا)، وفي المقابل نجد أن أهل البيت (عليهم السلام) لم يتنازلوا عما نزل بهم من الظلم منذ حياة أمير المؤمنين والسيدة الزهراء (عليهما السلام) حتى كربلاء وما بعدها، وقد صدر عنهم الذمّ واللعن بحق أولئك الظالمين، فما الداعي إلى ذلك مع تأكيدهم الشديد على العفو؟
إنّ الناظر إلى كلماتهم بتأمل، يجد أنَّ أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يمارسون العفو في جانب وقوع الظلم الشخصيّ عليهم، ولكن في حال وقوع الظلم عليهم بما يمسّ الدين الإسلامي وعموم المسلمين فإنّهم لا يتنازلون عن هذا الحق، ولا يمارسون العفو عن الظلم، وذلك لأنّ الإساءة التي تنال منهم والدين والقرآن هي جريمة بحق الرسالة الإلهية وليست من قبيل المظلمة الشخصيّة التي يقوم الإمام بالعفو عنها.
وفي هذا المقام، يمكن فهم قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطبة الشقشقية: (ووالله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جورٌ، إلا عليَّ خاصةً التماساً لأجر ذلك وفضله)، فإنَّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه يتساهل في أمر مظلمته الخاصّة، أما المظلمة التي تشمل حقوق الإسلام والمسلمين فإنّه لا يقدر على أن يتساهل في أمرها؛ لأنّه الإمام القائم بالحق الذي لا يداهن ولا يساوم ولا تأخذه في الله لومة لائم.
ومن ذلك أيضاً في سيرتهم، ما رواه الشيخ الكليني بسندٍ صحيح: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل وكان يتولى له الوقف بقم، فقال: يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف في حلٍ، فإني أنفقتها. فقال له: أنت في حل. فلما خرج صالح، قال أبو جعفر عليه السلام: أحدهم يثب على أموال حق آل محمد وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذه ثم يجيء فيقول: «اجعلني في حل»، أتراه ظن أني أقول: «لا أفعل» والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً).
فإنّ الإمام الجواد (عليه السلام) لما قال له: (أنت في حلٍ) لم يكن قاصداً العفو العام الذي يشمل إسقاط حقوق الله وفقراء الهاشميين وأيتامهم، وإنما أسقط حقاً شخصياً يتعلق بالجسارة على أمواله، أما الحقوق المالية المتعلقة بإقامة الدين وإغاثة الفقراء والملهوفين فإنّه لا يكون مجال للعفو في أمرها.
والحاصل: بالتفريق بين المظلمة الشخصية الخاصة والمظلمة العامّة الواقعة على الإسلام والرسالة الإلهية التي حملها أئمة الهدى (عليهم السلام) يمكن لنا أن نفهم موازين العفو وعدمه في سيرة أهل البيت صلوات الله عليهم.
ومن هنا يتضح لنا سبب إصرار السيّدة الزهراء (عليها السلام) على الخصومة والبقاء على مقاطعة الظالميْن لها اللذيْنِ غصبا حقّها وتجاسرا عليها في بيتها، فإن البعض يروّج لمقولةٍ وهي أنّ هذه مسألة (قطعة أرض) ولا تستحقُ خصومةً كهذه، وأنّها قضية لا تستحق هذه المبالغة، والعفو أولى.
ولكن يظهرُ لنا جلياً من جهاد الصديقة الكبرى (صلوات الله عليها) أنّ جهادها ضد الحكومة الأولى لم يكن دائراً حول حقّ شخصي، وإلا فإنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم أهل العفو والمروءة والترفّع عن الدنيا وصغائرها، ولكن لأنّ مظلوميتها كانت تتعلق بمسار الإسلام ومصير القرآن وأحوال الرسالة الإلهية وشؤون المسلمين لم يكن الأمر مما يقع موضوعاً للعفو، فليس هو بمظلمة شخصيّة، وهذه ثمرة من ثمار جهاد سيدة نساء العالمين، أن ينكشف لنا أنّ تلك المظلمة كانت مصيبة واقعة على الإسلام والقرآن والمسلمين، والمتأمل في خطبتها الشريفة يلمسُ آثار هذا المعنى بوضوح، وأنها لم تكن تتعامل مع مواجهة الرجلين على أنها مواجهة في حقّ شخصي، بل كانت مواجهة لإسقاط حكومة الظلم عن الاعتبار الشرعيّ .. وهكذا فعلت فكانت الزهراء صلوات الله عليها أول من ضرب مشروع الحكومات الاستبداديّة في تاريخ الإسلام، والعاقبة للمتقين..
خواطر فاطميّة (3)
«وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ»
من الواضح في سيرة الأنبياء والأولياء تعلّق القضاء الإلهيّ بحلول الابتلاء عليهم؛ لإبراز مدى الامتثال والتسليم والخضوع لله تبارك وتعالى، الذي يترتب عليه نيل المقامات الإلهيّة الرفيعة، واستحقاقهم للاصطفاء والاجتباء والقرار في دار الكرامة، ومن ذلك الابتلاء يدخلُ عليهم الألمُ والغصّة والمعاناة المريرة في هذه الحياة الدنيا، وهم مع ذلك يصبرونَ على كل ذلك، طاعة لربّ العالمين، ورغبةً بما عنده (تبارك وتعالى)، وإذا كان الأمرُ كذلك فما المانعُ العقليّ أو الشرعيّ من ابتلاء أمير المؤمنين (عليه السلام) بالصّبر على هجوم الظالمين على بيته، وإيذاء سيدة نساء العالمين (عليها السلام) أمام ناظريه، ثُمّ يُكلّف بالصبر والكفّ عن رفع السيف عليهم؟ فإذا جاز أن يبتلي اللهُ أولياءه كما ابتلى إبراهيم (عليه السلام) بالأمر بذبح ابنه، وأيوب (عليه السلام) بالمرض، ويعقوب (عليه السلام) بفقد ابنه، ومريم (عليها السلام) بتعرّضها للطعن في شرفها مع ما في ذلك من المشقّة الشديدة، فهل يمتنع أن يكون الابتلاء الإلهيّ لوليّه من هذا القبيل مع ما هو عليه من الغيرة والبطولة اللتين تجعلان الصبر أكثر مشقّة وأرفعُ ثواباً ودرجةً عند الله تبارك وتعالى.
فإن كان هناك برهانٌ يمنع من وجود مثل هذا التكليف، ويبين استحالته عقلاً وشرعاً، فليبيّنه المدّعي، وليؤخذ بعين الاعتبار أنّ لهذا المقام نظيراً وهو اصطحاب سيد الشهداء صلوات الله عليه عياله إلى كربلاء مع اتّفاق أخبار الفريقين الصحيحة بأعلى درجات الاعتبار على وقوع قتله مع أصحابه في تلك البقعة المباركة، فهل كان سيد الشهداء متجاوزاً للمحالات العقليّة أو الشرعية آنذاك؟!
وبهذا يتبيّن أن الإشكال من جهة الإلزام بشجاعة المولى (سلام الله عليه) أو شدّة غيرته لا مبرر لها من أي وجهٍ مع ظهور الأدلّة على امتحان الإمام بالصبر على ظلم الظالمين، وهذا النوع من الابتلاء له شواهده التامّة، وبه يظهرُ أنّ تلك الإشكالات ليس إلا ضرباً من الخطابة الذوقيّة التي لا يتقنها إلا الغارقون في الإنشائيّات والخطابيّات الأدبية، فهي خطابةٌ قائمة على تحريك العاطفة دون التبصّر بحقائق الأمور ومعرفة مقامات الأولياء وحقيقة تكاليفهم، والمستهجنُ أنّ من يمارس هذه المواعظ العاطفيّة هو مَن ينتقد بعض المنابر على تمرير المقولات تحت غطاء العاطفة وتحريك المشاعر، ولله في خلقه شؤون.
• روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حديثه حول إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بوقوع الظلم على أمير المؤمنين والصدّيقة الشهيدة:
«...، والله لقد قال رسول الله لأمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام: أليس قد فهمتما ما تقدمتُّ به إليكما وقبلتماه؟ فقالا: بلى، وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا».
«وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ»
من الواضح في سيرة الأنبياء والأولياء تعلّق القضاء الإلهيّ بحلول الابتلاء عليهم؛ لإبراز مدى الامتثال والتسليم والخضوع لله تبارك وتعالى، الذي يترتب عليه نيل المقامات الإلهيّة الرفيعة، واستحقاقهم للاصطفاء والاجتباء والقرار في دار الكرامة، ومن ذلك الابتلاء يدخلُ عليهم الألمُ والغصّة والمعاناة المريرة في هذه الحياة الدنيا، وهم مع ذلك يصبرونَ على كل ذلك، طاعة لربّ العالمين، ورغبةً بما عنده (تبارك وتعالى)، وإذا كان الأمرُ كذلك فما المانعُ العقليّ أو الشرعيّ من ابتلاء أمير المؤمنين (عليه السلام) بالصّبر على هجوم الظالمين على بيته، وإيذاء سيدة نساء العالمين (عليها السلام) أمام ناظريه، ثُمّ يُكلّف بالصبر والكفّ عن رفع السيف عليهم؟ فإذا جاز أن يبتلي اللهُ أولياءه كما ابتلى إبراهيم (عليه السلام) بالأمر بذبح ابنه، وأيوب (عليه السلام) بالمرض، ويعقوب (عليه السلام) بفقد ابنه، ومريم (عليها السلام) بتعرّضها للطعن في شرفها مع ما في ذلك من المشقّة الشديدة، فهل يمتنع أن يكون الابتلاء الإلهيّ لوليّه من هذا القبيل مع ما هو عليه من الغيرة والبطولة اللتين تجعلان الصبر أكثر مشقّة وأرفعُ ثواباً ودرجةً عند الله تبارك وتعالى.
فإن كان هناك برهانٌ يمنع من وجود مثل هذا التكليف، ويبين استحالته عقلاً وشرعاً، فليبيّنه المدّعي، وليؤخذ بعين الاعتبار أنّ لهذا المقام نظيراً وهو اصطحاب سيد الشهداء صلوات الله عليه عياله إلى كربلاء مع اتّفاق أخبار الفريقين الصحيحة بأعلى درجات الاعتبار على وقوع قتله مع أصحابه في تلك البقعة المباركة، فهل كان سيد الشهداء متجاوزاً للمحالات العقليّة أو الشرعية آنذاك؟!
وبهذا يتبيّن أن الإشكال من جهة الإلزام بشجاعة المولى (سلام الله عليه) أو شدّة غيرته لا مبرر لها من أي وجهٍ مع ظهور الأدلّة على امتحان الإمام بالصبر على ظلم الظالمين، وهذا النوع من الابتلاء له شواهده التامّة، وبه يظهرُ أنّ تلك الإشكالات ليس إلا ضرباً من الخطابة الذوقيّة التي لا يتقنها إلا الغارقون في الإنشائيّات والخطابيّات الأدبية، فهي خطابةٌ قائمة على تحريك العاطفة دون التبصّر بحقائق الأمور ومعرفة مقامات الأولياء وحقيقة تكاليفهم، والمستهجنُ أنّ من يمارس هذه المواعظ العاطفيّة هو مَن ينتقد بعض المنابر على تمرير المقولات تحت غطاء العاطفة وتحريك المشاعر، ولله في خلقه شؤون.
• روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حديثه حول إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بوقوع الظلم على أمير المؤمنين والصدّيقة الشهيدة:
«...، والله لقد قال رسول الله لأمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام: أليس قد فهمتما ما تقدمتُّ به إليكما وقبلتماه؟ فقالا: بلى، وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا».