Telegram Web Link
علاقتنا مع أئمة الهدى (عليهم السلام)

مما يجب على أهل الإيمان - سدّدهم الله - أن يجتهدوا في تحصيل التوجُّه التام إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) دون أن يُشركوا معهم غيرَهم في مقاماتهم وصفاتهم وطريقة التعامل أيضاً. لا يصح منّا أن نتوجّه إلى من دونهم ونعاملهم كما نعامل المعصوم، فهذا ربما تكون فيه شبهة الشرك في الولاية، ولذلك يجب العمل على تصفية الاعتقاد والعمل من هذه الشوائب وصولاً إلى مقام الإخلاص.
وهذا الإخلاص القلبي والعملي في التوّجه التام إلى المعصوم له آثاره المعنويّة ومن ذلك إقبالهم علينا وفيض عنايتهم بنا.
.
.
.
[من لطائف عنايتهم بحَمَلةِ حديثهم - عليهم السلام - ]

يقول الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العامليّ في كتابه (إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات):

«كنْتُ في عصر الصبا وسِنّي عشر سنين أو نحوها أصابني مرضٌ شديدٌ جداً حتى اجتمع أهلي وأقاربي وبكوا وتهيؤوا للتعزية وأيقنوا أني أموت تلك الليلة، فرأيت النبي (صلّى اللّه عليه وآله) والأئمة الاثني عشر (عليهم السّلام) وأنا فيما بين النائم واليقظان فسلّمت عليهم صلوات اللّه عليهم، وصافحتهم واحداً واحداً وجرى بيني‏ وبين الصادق (عليه السّلام) كلام لم يبقَ في خاطري إلا أنه دعا لي، فلما سلّمت على صاحب الزمان (عليه السّلام) وصافحته بكيت وقلت: يا مولاي، أخاف أن أموتَ في هذا المرض ولم أقض وطري‏ من العلم والعمل. فقال لي: لا تخف، فإنك لا تموت في هذا المرض، بل يشفيك اللّهُ وتعمر عمراً طويلاً. ثم ناولني قدحاً كان في يده فشربت منه وأفقت في الحال وزال عنّي المرض بالكلية، وجلستُ فتعجّبَ أهلي وأقاربي ولم أحدّثهم بما رأيت إلا بعد أيام».

📚إثبات الهُداة بالنصوص والمعجزات، ج٥، ص٣٣٨-٣٣٩، الباب ٣٣، الفصل ١٧.
📜 دعاء الإلحاح

روى الشيخ الكليني بسندٍ صحيحٍ عن الثِّقة الجليل محمّد بن مسلم الثقفيّ، قال: (قُلْتُ لَهُ‏: عَلِّمْنِي دُعَاءً، فقَالَ: «فأيْنَ‏ أنتَ عَنْ‏ دُعَاءِ الإلْحَاحِ؟»، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا دُعَاءُ الإلْحَاحِ‏؟
فقَالَ: «(اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَمَا بَيْنَهُنَّ، وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، ورَبَّ جبْرَئِيلَ ومِيكَائِيلَ وإِسْرَافِيلَ، ورَبَّ القُرْآنِ العَظِيمِ، ورَبَّ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، إِنِّي أَسْأَلُكَ بِالذِي‏ تَقُومُ‏ بِهِ السَّمَاءُ، وبِهِ تَقُومُ‏ الْأَرْضُ، وبهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الجَمْعِ، وبهِ تَجْمَعُ بَيْنَ المُتفرِّقِ، وبهِ تَرْزُقُ الأحيَاءَ، وبهِ أَحْصَيْتَ عَدَدَ الرِّمَالِ، ووَزْنَ الجِبَالِ، وكَيْلَ البُحُورِ)؛ ثُمَّ تُصَلِّي عَلى‏ مُحمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ تَسْألُهُ حَاجتَكَ، وألِحَّ فِي الطَّلبِ».

📚 الكافي، ج٤، ص٥٦٠-٥٦١، رقم الحديث ٣٤٦٠، كتاب الدعاء، بابُ دعواتٍ موجزاتٍ لجميع الحوائج للدنيا والآخرة، ح٢٣.

#روضة_المؤمن
مصباح الهداية
Photo
ربما يعجزُ الإنسان عن إحصاء وتوثيق كل ما تعرّضت له مكتبات الشيعة خلال فترات الهجمات المذهبية والحروب الطائفيّة وحملات الاستعمار، وإنّ في الوقوف على تفاصيل ذلك ما يوجب التحسّر والتأسّف على ما لحق بتراث علمائنا في كافة البلدان.

ما تراه في الصورة، شاهد تاريخي آخر على ضياع كتب العلماء بسبب تلك العوامل وغيرها.
هذه صورةٌ من الصفحة الأولى لقطعةٍ عامليّة من كتاب (الكافي) كُتب عليها:
(هذا الكتاب انوجد في جامع من جوامع بلاد المتواله في رَكْبةٍ عملها عليهم أمير الدروز سنة 1750 في شهر آب. أنا يوحنّا عجيمي، أخذتُه من السيد البطريرك كير كيرلس الذي أُعطي له من الجنود النصارة).

وفيما يخصّ أحداث هذه السنة المذكورة، يقول عيسى إسكندر المعلوف (1869-1956) في كتابه (مدينة زحلة، ص83) في وصف أحداث هذه السنة (1750م): (وفي هذه السنة تطاول المشايخ المناكرة على إقليم جزين، وقتلوا اثنين من خدام الشيخ علي جنبلاط، فشق ذلك على حاكم لبنان الأمير ملحم الشهابي، فجمع عسكراً من لبنان بينه الزحليون وسار بهم إلى جباع الحلاوة، فهرب المتاولة من وجهه، فاستظهر عليهم وأحرق كثيراً من قرى جبل عامل وقتل منهم نحو ثلاثمائة، وقطع أشجارهم وأحرق بلاد الشقيف وبلاد بشارة)، فلعلّ الكتاب أخذ من إحدى تلك المناطق، والله العالم.
.
.
حينما قرأت هذا النصّ، حمدتُ الله على نعمة وجود السيّد - أدام الله ظلّه ونفع المؤمنين ببركات وجوده - الذي ببركة جهاده حُقنت الدماء وأمنت النفوس، فليتنا نقدّر هذه النعمة الإلهيّة ونؤدي شكرها.
♦️ بركة التوسل بسيد الشهداء (عليه السلام)

قال الشيخ قطب الدين الراونديّ في ذِكر فضل التوسّل بسيد الشهداء (عليه السلام): (وحدّثني الشيخ أبو جعفر النيشابوريّ رضي الله عنه، قال: خرجتُ ذات سنةٍ إلى زيارة مولانا أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في جماعةٍ، فلمّا كنا على فرسخين من المشهد أو ثلاث أصاب رجلاً من الجماعة الفالجُ، وصار كأنّه قطعة لحمٍ، وجعل يناشدنا بالله أن لا نخلّيه ونحمله إلى المشهد.
قال: فشددناه على الدابة، وأخذنا نراعيه ونحافظه، فلمّا دخلنا المشهد (على ساكنيه الصلاة والسلام) وضعناه على ثوبٍ، وأخذ رجلان منّا طرفي الثوب، ورفعناهُ على القبر، وكان يدعو ويتضرّع ويبكي ويُقسم على الله بحقّ الحسين (عليه السلام) أن يهبَ له العافية.
قال: فلما وُضع الثوب على الأرض جلس الرجل ومشى، وكأنّما نشط من عقالٍ).

قال الشيخ منتجب الدين الرازي في توثيق ناقل القصة: (الشيخ الإمام قطب الدين أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن المقرئ النيسابوري، ثقةٌ عَيْنٌ، ...).

📚 المصادر:
• سلوة الحزين وتُحفة العليل، ص٢٣٥-٢٣٦، ح٥٧٢.
• فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنفيهم، ص١٥٧، رقم الترجمة ٣٦٣.
♦️ ضَمَانُ الدُّنْيَا والآخِرَةِ

عن مسعدة بن صدقة، قال: وحدثني جعفر (عليه السلام)، قال: «قال أبي رضي الله عنه: ما من مؤمن قال هذه الكلمات سبعين مرة إلا وأنا ضامن له في دنياه وفي آخرته، فأما في دنياه فتتلقاه الملائكة ببشارة عند الموت، وأما في آخرته فإن له بكل كلمة منها بيتاً في الجنة، يقول: يا أسْمَعَ السَّامِعيْنَ، ويا أبْصَرَ النَّاظِريْنَ، ويا أسْرَعَ الحَاسِبيْنَ، ويا أرحَمَ الرَّاحِميْنَ، ويا أحكَمَ الحَاكِمِيْنَ».

📚 قرب الإسناد، ص٢، رقم الحديث ٥.

#روضة_المؤمن
📜 ذكرٌ في الشّدائد

قال السيّد ابن طاوس (رحمه الله) في كتابه (مُهج الدّعوات): (ومن كتاب «تعبير الرؤيا» لمحمد بن يعقوب الكليني ما هذا لفظه: أحمد، عن الوشّاء، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: (رأيت أبي (عليه السّلام) في المنام، فقال: «يا بُنَيَّ إِذَا كُنْتَ في شِدّةٍ فَأكْثِرْ أَنْ تَقُولَ (يَا رَؤُوفُ يَا رَحِيْمُ)، والذِيْ تَرَاهُ فِيْ المَنَامِ كمَا تَرَاهُ فِيْ اليَقَظَةِ»).
في بحار الأنوار، ج٩٠، ص٢٧٢: (والذي نراه في المنام كما نراه في اليقظة)، وهو اللفظ الأنسب والأقرب، والله العالم.

📚 مهج الدّعوات ومنهج العنايات، ص٤٠٩، ط: مؤسسة شمس الضحى.

#روضة_المؤمن
صلاة جعفر الطيّار

ومن أهم فضائلها: إيجابها غفران الذنوب، وقضاء الحاجات، ورفع البليات، وتفريج الكربات.

روى ثقة الإسلام الكليني في (الكافي) بسند صحيح :
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن يحيى الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير:
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله لِجعفرٍ: يا جعفر! ألا أَمْنَحُكَ، ألا أُعْطِيكَ؟ ألا أَحْبُوكَ؟
فقال له جعفر: بَلى يا رسولَ الله، قال: فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يُعطِيهِ ذَهَباً أو فِضَّةً، فَتَشَرَّفَ النَّاسُ لِذلك، فقال له: إِنِّي أُعطِيكَ شَيْئاً إِنْ أنتَ صَنَعْتَهُ في كُلِّ يومٍ، كان خَيْراً لك من الدُّنيا وما فيها، وَإِنْ صَنَعْتَهُ بَيْنَ يَوْمَيْنِ، غُفِرَ لك ما بَيْنَهُمَا، أو كُلَّ جُمعةٍ، أو كُلَّ شَهْرٍ، أو كُلَّ سَنَةٍ، غُفِرَ لك ما بَيْنَهُمَا:
تُصَلِّي أربع ركعات تَبْتَدِئُ فَتَقْرَأُ، وتقولُ إذا فَرَغْتَ: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلَّا اللهُ، واللهُ أكبر؛ تقولُ ذلك خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً بعد القِراءة، فإذا رَكَعْتَ قُلْتَهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فإذا رَفَعْتَ رَأْسَكَ من الرُّكُوعِ قُلْتَهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فإذا سَجَدْتَ قُلْتَهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فإذا رَفَعْتَ رَأْسَكَ من السُّجُودِ فَقُلْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فإذا سَجَدْتَ الثانيةَ فَقُلْ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فإذا رَفَعْتَ رَأْسَكَ من السَّجْدَةِ الثانيةِ قُلْتَ عَشْرَ مَرَّاتٍ وأنتَ قَاعِدٌ قبلَ أن تقوم، فَذلك خَمْسٌ وَسَبْعُونَ تَسْبِيحةً، في كُلِّ ركعةٍ ثلاثمائةٍ تَسْبِيحةٍ، في أربع ركعاتٍ أَلْفٌ وَمائتا تَسْبِيحةٍ وَتَهْلِيلَةٍ وَتَكْبِيرَةٍ وَتَحْمِيدَةٍ؛ إِنْ شِئْتَ صَلَّيْتَهَا بالنَّهارِ، وَإِنْ شِئْتَ صَلَّيْتَهَا باللَّيْلِ".

📚 الكافي للكليني ج٦ ص٥٩٢-٥٩٣، كتاب الصلاة، باب صلاة التسبيح، رقم الحديث ١.

#روضة_المؤمن
📚أهمية المطالعة في وقت الفراغ

لا ينبغي أن تفوتنا أوقات الفراغ خلال هذه الأيام من دون اغتنام الفوائد، ولا سيما فيما يتعلق بالمعرفة والأخلاق وغير ذلك مما لا تُعدم فائدته في حياة الإنسان وسلوكه الديني والاجتماعي، ولذلك أقترح على الأحبة مطالعة هذا الكتاب، فقد جمع مؤلفه فيه لطائفَ كتبٍ شتى، واختصر بما انتخبه كثيراً من المطوّلات، فهو نافع لمن يرغب بالموجز الثريّ بالنفع والفائدة، وقد أورد المؤلف من حديث أهل البيت عليهم السلام ما يتعلق بأمور ترتبط بجانبي معرفة الله والأخلاق الحميدة والآداب الإسلامية التي تحتاج إليها النفوس في سيرها إلى مرضاة الله تعالى.

مشكاة الأنوار في غرر الأخبار
تأليف الشيخ: علي بن الحسن الطبرسي.

رابط الكتاب:
http://alfeker.net/library.php?id=2102

..
فضل سورة الفاتحة في الاستشفاء

في ظلّ هذه الظروف المحفوفة بالبلاء، علينا – إخواني المؤمنين – أنْ لا ننسى التمسّك بالقرآن وأدعية أهل البيت (عليهم السلام) في دفع آثار هذه العلل والأوبئة، فإنّ فيهما لـ(أهل اليقين) منافع جمّة في دفع بلاء المرض، ومن أهمّ ما يُوصى به: المواظبة على قراءة سورة الفاتحة سبعين مرّة.
روى ثقة الإسلام الكلينيّ بسندٍ صحيحٍ عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لو قُرئت الحمدُ على ميّتٍ سبعين مرّة ثُمّ رُدَّت فيه الروح ما كان ذلك عَجَباً» (١).
وروى أيضاً عنه (عليه السلام): «ما قُرئتِ الحمدُ على وجعٍ سبعين مرّة إلا سكنَ»(٢).
وقد ذكر العُلماء في كتبهم شيئاً من فضلها، ومنهم: الشيخ محمّد تقي المجلسيّ، فقد قال في شرحه العربيّ على (من لا يحضره الفقيه): (وأنا جربت أزيد من ألف رجل كانوا في المرض الشديد الذي آيسوا منه فبرأوا بالحمد والحمد لله رب العالمين، وهذا أيضا من معجزات القرآن بل كل آية من آيات القرآن معجزة فإنها إذا قرئت لأي مطلب كان فهو حاصل إذا كان مع الإخلاص واليقين)(٣).
وقال في شرحه الفارسيّ على الكتاب المذكور: (و همچنين سوره حمد و به وحدانيت الهى كه بسيار بيمارى را كه اطبّا همگى عاجز شده بودند و محتضر بودند هفتاد مرتبه حمد خوانده‌ام و شفا يافته‌اند ، اين معنى بر اكثر اهل اصفهان ظاهر است)(٤).
وترجمة ما قاله - رحمه الله -: (وكذلك سورة الحمد، فوالله لقد قرأتُها سبعين مرّة على كثيرٍ من المرضى الذين عجز الأطباء عن علاجهم وكانوا في حال الاحتضار وقد تعافوا من المرض، وهذا الأمرُ ظاهرٌ لأكثر أهل أصفهان).
وما قاله - رضي الله عنه - مشهودٌ بالعيان، أدركه جماعةٌ من الأصحاب، وهم لا يرتابون في أثرها العظيم وفضلها الجليل، نسأل الله تبارك أن يرزقنا بركة كتابه واتّباع آثار حججه صلوات الله عليهم أجمعين.

تبصرة: يمكن أن يقرأ المريض السورة بنفسه، ويصحّ أن يقرأها عليه شخصٌ آخر، ولعلّه أيضاً لا بأس بقراءتها بنيّة شفاء المؤمنين.

https://www.tg-me.com/mesbah_qom/404
-------------------------
(١) الكافي، ج٤، ص٦٤٨، رقم الحديث ٣٦٥٠.
(٢) الكافي، ج٤، ص٦٤٨، رقم الحديث ٣٥٥٩.
(٣) روضة المتقين، ج١٩، ص٣٣٩-٣٤٠.
(٤) لوامع صاحب‌قرانى، ج١، ص١٢٣.
💡آفة الطمع وآثارها الخطيرة


رُوي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من أصبح وأمسى وعنده ثلاث فقد تمَّت عليه النعمة في الدنيا: من أصبح وأمسى معافىً في بدنه، آمناً في سربه، عنده قوت يومه، فإنْ كانت عنده الرابعة فقد تمَّت عليه النعمة في الدنيا والآخرة وهو الإسلام».

هذا الدرس الأخلاقي عظيم الأثر في تربية النفس على القناعة وطلب الكفاف، فإنّ الدنيا -بما هي دار ممرّ لا دار مقر - يكفي لتدبير الأحوال فيها أن يكون الإنسان في عافيةٍ، وعنده ما يستعين به في هذه الحياة ويُغنيه عن الحاجة إلى شرار الخلق وسُبل الحرام. وتثبيت النفس على هذا الخُلُق العظيم يعني انقطاع النّفس عن الطمع، وسخائها عمّا في هذه الدنيا الفانية، وفي هذا نفعٌ عظيمٌ لكل مؤمن، فإنّ الطمعَ مزلّة الأقدام وموقد نيران الشرور وأساس كل بليّة، .. والحرب بين النفس الإنسانيّة والطمع قديمة منذ بدء البشريّة، فقد يسّر الله لآدم (عليه السلام) أسباب الكفاف التي تكتفي بها النفس القانعة، فقال: (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى • وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى • فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى)، ولكن الطمع في الخلود والمُلك الدائم قاد آدم إلى الاستجابة لوساوس الشيطان، فكان ذلك سبباً للخروج من الجنّة، وقد وصفَ الإمام الصادق عليه السلام الطمع بأنّه من أصول الكفر - أي: كُفر النعمة -، وهذا يعني أنّه بابٌ للهلاك أو الخسارة، ولذلك نصح اللهُ تعالى بني آدم ليتعظّوا من هذا الدرس، ويجتنبوا مثل هذه الخصلة، فقال: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ..).
وفي مثل هذه الأيام، حيث تعصفُ الشدائد بكثيرٍ من الناس في شتى البلدان تظهرُ معادنُ الناس، وتبين أخلاقهم، ويُعرف بهذه الشدائد من كانت نفسه سخيّة عن الدنيا، قانعة بما آتاها الله، ويُعرف أيضاً من كانت نفسه مفتقرة للعفّة والقناعة، وغارقةً في اللؤم والطمع والجشع وحُبّ المال والدنيا.
إن الإنسان المبتلى بهذه الصفة الذميمة هو في حقيقته كالسباع الضارية التي تنتظر الفرصة المناسبة لتنهش لحوم الآخرين، وأي عمل أقبح من هذا؟! فيا أيّها الطامع المتغذّي بآلام الناس: ألم يُعافِكَ اللهُ في بدنك؟ ألم يُنعم عليك بقوتِ يومِكَ -بل ربّما بقوتِ سَنَتِكَ-؟ فلم الطمع؟ ولم إيثار حبّ المال على معونة الإخوان؟ إنّ من حقّ الله الذي أنعم عليكَ أنْ تكونَ قانعاً راضياً بما قسم لك، وأن تهذّب نفسك بالأخلاق المرضيّة بعيداً عن الطمع والتعلّق بما يزول ويفنى، فإن الآخرة خير لك وأبقى..
حدوث الأزمات الكونيّة أمر معهود في كافة الأعصار، ولم يكن يشكل أي تهديدٍ للمعرفة الدينية في الإسلام وما سبقه من أديان إلهية؛ لأن الدين لم يلقّن الناس أن الله قد كفل لمطيعيه أن يجعل لهم استثناءً تكوينياً خاصّاً في حياتهم، فلم يعطِ لكل مؤمن صكَّ ضمانٍ من الآفات والأمراض والحوادث المميتة والفقر والضعف، بل أجرى الأمور بأسبابها. وإن بدا لنا خلاف ذلك من قبيل الكرامة أو المعجزة فهذا حق ولكنه ليس مطّرداً في كل الأحوال، ولا ضُمِنَ اطّراده دائماً، ولذلك كانت سيرة العلماء في التعاطي مع هذه الأزمات على أنها أحداث طبيعية لا تخرق نظام الدين أو تزعزعه، ولا تنافي اعتقادنا بقدرة الأولياء والصالحين على إحداث استثناء تكويني من قبيل خوارق العادات، ولذلك لا نجد في كلماتهم كما نرى في هذا الوقت البائس من اضطراب وتشويش عند البعض في فهم هذه الظواهر وتحليلها.
من النماذج التاريخية التي تبيّن آثار بعض الأزمات الكونيّة التي تسببت بما يأبى البعضُ تصديقَ مثله ما قاله السيد نعمة الله الجزائريّ في وصف زلازل كانت في عصره، وأضرت بالعباد، ولم تستثنِ القبة الرضوية الشريفة، بل صدّعتها، ومع ذلك لم يوقِع هذا الأمر وَهْناً في اعتقاد هذا العالِم الذي عاينَ هذه الظروف المريرة بنفسه، ولم يتورط في بناء خيالات ذهنيّة لا يمكن إثباتها، بل ربما كانت عبئاً على الدين!
قال رحمه الله: (ولقد حدث في عشر الثمانين بعد الألف زلازل بطوس، حتى خربت البنيان، وأهلكت النفوس، فذهب من المشهد الرضويّ على صاحبه أفضل الصلوات آلافٌ من الأنفس من الرجال والنساء وتصدَّعتْ قبتُّه - عليه السلام -، وذهب من نيشابور فوق أربعة آلاف إنسان، وقد حدث في شيروان زلازل انقلبت منها بلاد كثيرة، وتحوَّلت بها رساتيق من أماكنها إلى أمكنةٍ بعيدةٍ عن مكانها الأوّل، وذهبت أنفسٌ لا يحصي عددها إلا الله سبحانه، وكذلك حدث في سنة التاسعة والثمانين بعد الألف وهي سنة تاريخ تأليف هذا الكتاب زلازل في بلاد طبرستان حتى ساخَتْ منها بعض البلدان تحت الأرض وانقلبت بها بعضُ البلاد وهلكت النفوس)، انظر: الأنوار النعمانيّة، ج١، ص٣١٦.

وللحديث بقيّة..
#تابع

ولذلك: ينبغي مراعاة هذه المسائل خلال التخريج في الدراسات والتحقيقات؛ لتقديم صورة علميّة متقنة عن الفكرة التي نكتب فيها أو نحققها، ونقلل من الاستطراد الذي لا نفع منه، ويشكل عبئاً من جهة الوقت واستهلاك الورق وتضخيم بعض الكتب بشكل غير مبرّر.
وفاة الشيخ المفيد (رحمه الله) || الثالث من شهر رمضان 413 هـ

تمثّل شخصيّة الشيخ المفيد النموذج والأسوة والقدوة لكل من يطلب العلم، فقد كان هذا العالم العظيم مثابراً ومجاهداً في هذا الطريق؛ لإحياء الحق وإماتة الباطل، وقد ضمّ إلى علمه شرفَ العمل، فكان من أهل الصلة بالله تبارك وتعالى، حتى قيل في سيرته إنّه: «ما استغلق عَليْهِ جوابُ معاند إلا فزع إلى الصلاة، ثم يسأل الله فييسّر لَهُ الجواب»، نسأل الله أن يرزقنا معرفة قدر الصلاة وعظمتها وأثرها في حلّ المعضلات ورفع المبهمات.
وقال الشريف أبو يعلى الجعفري - وكان تزوج ابنته -: «ما كان المفيد ينام من الليل إلا هجعةً ثم يقوم يصلي أو يطالع أو يدرس أو يتلو القرآن».
وهكذا كانت حياتُه زاخرةً بالولاء والبذل والتضحية في سبيل الله، وخُتم له بالخير في الثالث من شهر رمضان المبارك سنة 413 هجريّة، وقد شيّعه ثمانون ألف مؤمن في بغداد.
ورثاه تلميذُه السيد المرتضى فقال:
مَنْ لفَضْلٍ أَخْرَجْتَ مِنْهُ خَبِيْئاً...ومَعَانٍ فَضَضْتَ عَنْهَا خِتَاما
مَنْ يُنِيْرُ العُقُولَ مِنْ بَعْدِ مَا كُنَّا.. هُمُوداً ويَفْتَحُ الأَفْهَامَا
مَنْ يُعِيْرُ الصَّدِيْقَ رَأياً إِذَا مَا...سَلَّهُ فِي الخُطُوبِ كانَ حُسَاما

.
.
.
[لا تضجروا مِن العِلْم، فإنّه ما تعسَّر إلا وهان، ولا يأبى إلّا ولان]
الشيخ محمد بن محمد بن النعمان المفيد.
.
.
منشور سابق
https://www.tg-me.com/mesbah_qom/262

..
💡 دعاءٌ مُجرَّبٌ لأداء الدَّيْنِ وسعة الرزق

• ذكر الشيخُ البهائيُّ العامليّ رحمه الله رواية الشيخ الصدوق بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام):
(شكوتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ديناً كان عليَّ، فقال: يا عليُّ، قل: «اللهم أغنني بحلالك عن حرامك، وبفضلكَ عَمَّنْ سِواكَ» فلو كان عليكَ مثل صبير ديناً قضاهُ الله عنك)[١]. وصبير: اسمٌ لجبل من أكبر جبال اليمن.

• ثمّ قال الشيخُ البهائي العامليّ رحمه الله: (كَثُرَ عليَّ الدَّيْنُ في بعض السنين حتى تجاوزَ ألفاً وخمسمائة مثقال ذهباً، وكان أصحابه متشددين في تقاضيه غاية التشدد حتى شغلني الاهتمام به عن أكثر أشغالي، ولم يكن لي في وفائه حيلة ولا إلى أدائه وسيلة، فواظبتُ على هذا الدعاء فكنتُ أكرره كل يومٍ بعد صلاة الصبح، وربما دعوتُ به بعد الصلوات الأُخر [٢] فيسَّرَ اللهُ سبحانه قضاءه وعجّل أداءه في مدة يسيرة، بأسبابٍ غريبة ما كانت تخطرُ بالبال ولا تمرٌّ بالخيال)[٣].

• وقد ذكر السيّد محسن الأمين (رحمه الله) الروايةَ وكلام الشيخ البهائيّ (رضوان الله عليه) وعلّق قائلاً: (وأنا من يوم اطّلاعي على هذا الحديث واظبتُ على قراءة هذا الدعاء في أعقاب الصلوات فما وجدتُ ضيقاً في المعاش والحمدُ لله إلا نادراً)[٤].

--------------------------------
[١] الأمالي، ص٤٧٢، رقم الحديث ٦٣١، المجلس الحادي والستون، ح١٠، الناشر: مؤسسة البعثة الإسلامية - قم المقدسة.
[٢] كذا ورد في النّص، ولعلّ المراد [الصلاة الآخرة] وهي العشاء، كما نقله عنه الشيخ النراقي في الخزائن، ص٤٢٠، تحقيق: حسن زاده آملي، الناشر: انتشارات قيام - قم المقدسة.
[٣] الأربعون حديثاً، ص٢٤٣-٢٤٤، الحديث (١٦)، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الثالثة/ سنة النشر: ١٤٣١ هجريّة.
[٤] معادن الجواهر ونزهة الخواطر، ج١، ص٢٢٠-٢٢١، الناشر: دار الزهراء (ع)، الطبعة: الأولىٰ، سنة النشر: ١٤٠١ه‍/١٩٨١م.

#روضة_المؤمن
• صلاة الليل لا يزاحمها عملٌ آخر!

دائماً يفرِضُ الترجيحُ بين أمرين نفسَه إذا وقعا في صورة التزاحم والتضاد، وكان المقام يضيق عن الجمع بينهما، وحيثُ كان العمل المعيّن لا يزاحمه شيء آخر، فالولوج في باب ترجيحه على عمل آخر يعدُّ من فضول الحديث والترف فيه، بل إشغال النفس في التفكير والجدل بهذه المطالب لا حاصل من ورائه ولا سيما في هذه الأيام المباركة، بل هي وساوس وتخيلات تلهي العبد عن مواصلة سيره إلى الله تبارك وتعالى.

يقول الشيخ الميرزا جواد الملكي التبريزي قدس الله نفسه الزكيّة:
(ثُمّ إن من الناس مَنْ أتاه الخبيث من جهة اليمين، فغرّه بترك التهجّد بتخيّل أن اشتغاله بالمطالعة في العلوم أفضل، ... ولقد أجاد شيخنا العلامة الأنصاري رحمه الله في جواب من سأله عن ترجيح المطالعة وصلاة الليل، قال في جوابه: «يا هذا، هل تشرب القرشة؟*»، قال: «نعم»، قال: «صلّ صلاة الليل مكان قرشتين».
هذا جوابٌ متينٌ فيه تعريض على فساد هذا التخيل - وأنه من الغرور - بوجهٍ مليحٍ، فكأنه قال: إنك إذا كنت بهذه المثابة من المراقبة في الأحوال والإخلاص في الأعمال، حتى استشكل عليك الأمر في صلاة الليل من جهة أنها مرجوحة بالنسبة إلى المطالعة وتحصيل العلوم، كيف خفي عليك أنك تشتغل بشرب القرشة التي اختلفت الأقوال في أنه حرام أو مكروه أو مباح؟! كيف لاحظتَ المعارضة بين المندوبين من جهة ضيق الوقت عنهما معاً وأنت مشتغل بما هو حرام أو مكروه أو مباح! فيا لله من هذا الخطب الفظيع، أن يُدلّسَ الخبيثُ على العلماء..).
📚[أسرار الصلاة: ٣٩٢-٣٩٣].

* القرشة: الأرجيلا.
مما قضى به عدل الله - تبارك وتعالى - أن قدّر لكلّ فعلٍ من أفعال الإنسان الاختياريّة أثراً ينعكسُ في الواقع بحسب سعته ومقدار عمومه، فلكلّ عملٍ فاسدٍ أثره السيئ في هذا الوجود، يظهرُ في نفس الفاعل وربما في محيطه وربما في ذريّته لاحقاً، والأمر نفسُه بالنسبة إلى أعمال الخير.
وقد قرع القرآنُ الكريم مسامع العباد بهذه الحقيقة مراراً في مواضع كثيرة، منها:
"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ".
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ".
"وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا".
"وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ".

فكلّ مظهر من مظاهر الاختلال في الحياة مرجعه إلى وقوع الاختلال في سلوك البشريّة، سواءً على الصعيد الفرديّ أو الاجتماعيّ، وكلُّ مقدارٍ بحسبه، بل إنّ إطلاق الآية الأخيرة يشملُ البلايا والكوارث الطبيعيّة التي قد يكون منشؤها أحياناً غفلة الإنسان عن فعل الخير وأداء حقوق الله تعالى إليه، وطغيان التجبّر والتغافل عن طاعة الله والاستقامة على سبيل الحقّ، ولذلك فإنّ وقاية البشريّة من هذه العاقبة لا يكون إلا بهذه الاستقامة: المعرفة والعمل الصالح، وإلّا فإنّ جحيم الفساد سوف يُنغّصُ على المجتمع الإنسانيّ عيشَه ويُفسد عليه كلّ وجوده، ويفوّت عليه "الحياة الطيبة" التي وعدَ اللهُ بها عبادَه المؤمنين "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ".

#ليدبروا_آياته
خطبة الإمام الحسن عليه السلام عند استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - بالأسانيد المعتبرة - وفيها يذكر شيئاً من فضله وجهاده وزهده.

تعجزُ الأقلام حقّاً عن إحصاء فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، فهو إمام الموحدين، وسيّد المؤمنين، وخير البرية أجمعين، الذي أقام أعواد منابر الإسلام بسيفه، وضرب بعمله الصالح أروع أمثلة الزهد والتقوى، وهو في العِلم سابقُ العالمين، وفي العبادة قد سادَ العابدين، وفي التجافي عن دار الغرور قد أتعبَ من بعده إذ طلّقها إلى الأبد حينَ رآها كالحيّة ليِّنٌ مسها قاتلٌ سمُّها، .. وفي المقام نذكرُ جملةً من الأخبار التي تشيرُ إلى بعض خصاله الرفيعة، فهذه الأخبارُ تبيّنُ:

١. عظمة جهاده بين يديّ رسول الله (صلى الله عليه وآله).
٢. تأييد الله له في الحرب بجبرائيل وميكائيل عن يمينه ويساره.
٣. أنّه كان منصوراً دائماً بمددِ الله وعونه وتأييده.
٤. كان سابقاً مرتفعَ المقام، لا يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، لا في علم ولا عملٍ.
٥. أنّه استشهد وتركَ تركةً تقدّر بـ٧٠٠ درهم فقط.

وهذا الخبر معتبرٌ بلا ريب، قد أقرّ بذلك أهل التحقيق، فهو مما صحّت طرقه عند أهل السنة والشيعة الإماميّة معاً، فضلاً عن تعدد طرقه الموجب للاطمئنان بصدوره.

أولاً: روى ثقة الإسلام الكليني بسندٍ صحيحٍ:
(محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد؛
وعليُّ بن محمد، عن سهل بن زياد جميعاً؛
عن ابن محبوبٍ، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: «لما قُبِضَ أمير المؤمنين عليه السلام، قام الحسنُ بن علي عليه السلام في مسجد الكوفة، فحمدَ الله وأثنى عليه، وصلّى على النبيِّ (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: أيها الناس، إنّه قد قُبِضَ في هذه الليلة رجلٌ ما سبقهُ الأولون، ولا يُدركه الآخرون، إنْ كان لصاحب راية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، عن يمينه جبرئيل، وعن يساره ميكائيل، لا ينثني حتى يفتح الله له، واللهِ ما ترك بيضاء ولا حمراء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادماً لأهله، والله لقد قُبِضَ في الليلة التي فيها قُبِضَ وصي موسى يوشع بن نون، والليلة التي عُرج فيها بعيسى بن مريم، والليلة التي نزل فيها القرآن»(١).

ثانياً: روى أحمدُ بن حنبل في مسنده:
(حدثنا وكيع، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن هبيرة: خطبنا الحسن بن علي رضي الله عنه، فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم، ولا يدركه الآخرون، كان رسول الله يبعثه بالراية: جبريل عن يمينه، وميكائيل عن شماله لا ينصرف حتى يُفتَح له).
قال المحقق شعيب الأرناؤوط: (حَسَنٌ)(٢).

ثالثاً: روى أحمد بن حنبل في مسنده بإسنادٍ آخر:
(حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبشي، قال: خطبنا الحسن بن علي بعد قتل علي رضي الله عنهما، فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس ما سبقه الأولون بعلم، ولا أدركه الآخرون، إن كان رسول الله ليبعثه ويعطيه الراية، فلا ينصرف حتى يفتح له، وما ترك من صفراء ولا بيضاء، إلا سبع مائة درهم من عطائه كان يرصدها لخادم لأهله).
قال المحقق شعيب الأرناؤوط: (حَسَنٌ)(٣).
وعلّق على هذا الخبر المحققُ أحمد شاكر بقوله: (إسناده صحيح)(٤).
وعلّقَ على هذا الخبر المحقق وصي الله بن محمد عباس بقوله: (إسناده صحيح)(٥).

رابعاً: روى أبو بكر بن أبي شيبة في مصنّفه:
(حدثنا عبد الله بن نمير، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، قال: سمعت الحسن بن علي قام خطيباً فخطب الناس، فقال: يا أيها الناس، لقد فارقكم أمس رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، ولقد كان رسول الله يبعثه المبعث فيعطيه الراية فما يرجع حتى يفتح الله عليه، جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، ما ترك بيضاء ولا صفراء إلا سبعمئة درهم فضلت من عطائه، أراد أن يشتري بها خادماً)(٦).
وقد روى الحافظ ابن حبان هذا الخبر من طريق أبي بكر بن أبي شيبة بنفس هذا الإسناد في صحيحه، وهو لا يروي فيه إلا ما كان صحيحاً عنده، وقد أشار الشيخ محمد ناصر الدين الألباني إلى صحّته أيضاً (٧).
كما أشار المحقق وصي الله بن محمد عباس إلى صحّة الإسناد، فقال عند تعليقه على الخبر من رواية أحمد في الفضائل: (وأخرجه ابن حبان كما في الموارد من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن نمير، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق. وإسناده صحيح)(٨).
وروى ابن أبي شيبة أيضاً: (حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبشي، قال: خطبنا الحسن بن علي بعد وفاة علي، فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم، ولا يدركه الآخرون، كان رسول الله يعطيه الراية فلا ينصرف حتى يفتح الله عليه).
وعلّق المحقق محمد عوامة على هذا الإسناد بقوله: (إسناد المصنف حسن)(٩).

رابط المقال:

https://ejabaat2019.blogspot.com/2019/03/blog-post_26.html
مصباح الهداية
خطبة الإمام الحسن عليه السلام عند استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - بالأسانيد المعتبرة - وفيها يذكر شيئاً من فضله وجهاده وزهده. تعجزُ الأقلام حقّاً عن إحصاء فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، فهو إمام الموحدين، وسيّد المؤمنين، وخير البرية…
• المصادر:
ــــــــــــــــــ
(١) الكافي الشريف، ج٢، ص٤٨٦-٤٨٧، كتاب الحُجَّة، باب مولد أمير المؤمنين عليه السلام، رقم الحديث ٨.
(٢) مسند أحمد بن حنبل، ج٣، ص٢٤٦، رقم الحديث ١٧١٩.
(٣) مسند أحمد بن حنبل، ج٣، ص٢٤٧، رقم الحديث ١٧٢٠.
(٤) مسند أحمد بن حنبل، ج٢، ص٣٣٤، رقم الحديث ١٧٢٠.
(٥) فضائل الصحابة لابن حنبل، ج١، ص٦٧٤، رقم الحديث ٩٢٢.
(٦) المصنف، ج١٧، ص١١٩-١٢٠، رقم الحديث ٣٢٧٦٨.
(٧) التعليقات الحِسان على صحيح ابن حبان، ج١٠، ص٧٤، رقم الحديث ٦٨٩٧.
(٨) فضائل الصحابة لابن حنبل، ج١، ص٦٧٤، بالهامش.
(٩) المصنف، ج١٧، ص١٢٤، رقم الحديث ٣٢٧٧٣.
ثمرة الدين في حياتنا

من أهم المعايير التي تكشف عن مدى استفادتنا من الدين ومحاولة التقرب إلى الله تبارك وتعالى أن نقيس مدى قدرتنا على جني ثمار هذا السير الطويل، ومن خلال ذلك يمكننا تقييم مسلكنا في التديّن، هل هو ذو أسلوب خاطئ، أم في طريق جني الثمار والمنافع بنحو صحيح؟
بالتدبر في بعض آيات القرآن الكريم يمكننا أن نستكشف جملة من المعايير التي تبيّن حقيقة سعينا، هل هو ناجح أم ضعيف؟ هل قدرنا على تحقيق الغايات أم قصرنا في ذلك؟ ومن هذه الآيات الجديرة بالتدبر:
١. مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ.
٢. الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ.
٣. الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.
٤. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا.

إذن: ينبغي للعبد أن ينظر في تديّنه، هل أثمر نفساً قويةً؟ هل طرد عنها مقتضيات الشقاء وضنك العيش؟ هل أشعر روحه بالأمن والطمأنينة في محضر الله؟ هل أحسّ بلذّة الحضور بين يدي الخالق عز وجل؟ إن لم يكن قد شعر بذلك فليبحث عن مكامن الخلل في نفسه، ولعلّ في الآيات الشريفة والروايات ما يشير إلى بعضها ومن أهمها: قلة المراقبة، الذنوب، .. إلخ.
إن المزارع إذا لم يجنِ من زرعه شيئاً، فإنه يعاجل بتفحص الأرض والماء والشجر، ويبحث عن مواضع الخلل، وهكذا فلنكن، إن شعرنا بالقصور والخلل في تديننا فلنبحث ولنتفحص قلوبنا وأعمالنا وسلوكنا، لعلنا نظفر بالصواب، ونحققه على أرض الواقع.

التدين الذي لا يزيل الغفلة والفظاظة والغيبة والنميمة وسائر المفاسد الأخلاقية ينبغي أن يعاد النظر في أسلوبه، واتخاذ أسلوب جديد يرتكز على أسس القرآن الكريم ووصايا أئمة الهدى صلوات الله عليهم، وإلا فربما نكون على خطر عظيم، ونسيء إلى دين الله من حيث لا نحتسب.
2025/07/08 13:37:05
Back to Top
HTML Embed Code: