Telegram Web Link
في تلك الفترة كانت عائلتها واصدقاؤها يعتبرونها عقيمه ، دمرت الكتب حياتها على حد تعبير والدتها . وكان والدها ينزعج من انكبابها على هذه الصفحات اللعينة كما كان يسمي الكتب . توفي جورج دي بوفوار في الثامن من تموز عام 1941 ، وعند نهاية شهر أب من نفس العام كانت ابنته سيمون قد انجزت اولى رواياتها " المدعوة " التي صدرت عام 1943 .
ظلت القراءة ترافق سيمون دي بوفوار حتى اللحظات الاخيرة من حياتها ، في كتابها " ذكريات باريسية " تصف الكاتبة الامريكية ديردر بير شقة سيمون دي بوفوار التي دخلتها عام 1981 حيث اثار انتبهها اريكة وضعتها الفيلسوفة الفرنسية في زاوية من الصالة ، عندما لاحظت ان ديردر بير تطيل النظر الى الاريكة ن قالت لها انها اريكة القراءة . أنه المكان الذي تقضي فيه معظم وقتها . تصف لحظة القراءة على الاريكة بأنها لحظة ساحرة :" اسحب ستائر غرفتي ، اتمدد على الاريكة ، يُمحى الديكور ، اتجاهل حتى نفسي ، وحدها في الوجود الصفحة البيضاء المكتوبة بالاسود التي تجوس فوقها عيناي " – وانتهى كل شيء – ، قالت لكاتبة سيرتها ديردر بير ان القراءة وحدها تخلق علاقة جيدة ودائمة بين الاشياء وبينها . فالكتاب جعلها تختار حياتها الحقيقية ، عندما قررت ان لا تسمع سوى نفسها ، واشتدت رغبتها بالمعرفة . اقنعت والدها الذي كان يتمنى لها حياة اخرى . ان مصيرها مرتبط بالفلسفة والكتاب ، فما ما من تجربة تضاهي تجربة القراءة والعيش مع الكتب . تقرأ في المفهى او البيت واحيانا في السيارة " تاخذني الكتب بعيدا جدا . في حالات اقرأ للذة القراءة لا لأكون قد قرأت . انا نهمة فيما يتعلق بالقراءة " قالت لفرانسيس جانسون :" اقرا كثيرا لأعلم . كانت دائما لدي رغبة في المعرفة وفضولي لا حدود له . اردت أن اظل على درية بكل ما يثير اهتمام ابناء زمني " سيمون دي بوفوار مشروع حياة ترجمة ادوار الخراط –
عام 1929 حصلت سيمون دي بوفوار على المرتبة الثانية في امتحان الاستاذية ، أي بعد سارتر مباشرة الذي حصل على المرتبة الاولى ، ارتبطت بعلاقة مع الطالب المجتهد . كان قد اخبرها منذ البداية انه لا ينوي الزواج منها ، لكنه لا يمانع ان تستمر علاقتهما مدى الحياة . قال لها ان الحب الذي يجمع بينهما جوهري واساسي وانهما متماثلات في الشخصية . ان اساس الفلسفة الوجودية التي اعتنقتها سيمون دي بوفوار ، كانت ايضا الاساس الفلسفي لعلاقتها مع سارتر . عندما كانا يلتقيات في مقهى " الفلور " كان سارتر يقول لها " لقد توصلت الى نظرية جديدة " . وكانت بوفوار تنصت باهتمام ، ثم تشير الى موضوعات اخرى ، كان يقول " اعتدت ان تكوني مليئة بالافكار " ، هذه الافكار التي كانت تراودها وهي تتمدد على الاريكة وبيدها كتاب يأخذها الى عالم مختلف ، هكذا شعرت المرة الاولى عندما قرات مذكرات سارتر " الكلمات " ، بهرتها كتب فرويد :" اعلق اهتماما كبيرا على الاعمال التي تظهر لي الانسانية تحت ضوء نهار جديد " .
ما هي الطريقة التي توصينا بها سيمون دي بوفوار ونحن نقرأ لكاتب معين حتى وان كنا نختلف مع افكاره :" القراءة لكاتب نختلف معه ، امر عويص حقا ، كي يتمتع نص ما بمعنى يجب ان نمنحه الحرية . ان نحسن الصمت في اعماقنا ، وان نسمح لصوت الكاتب الغريب عنا بأن يصدح " .
تعترف ان القراءة بالنسبة لها ليست نشاطا لتجميع اللحظات الرائعة في كتاب ، لكن في اقامة علاقة بين مختلف الكتب ، علاقة تواصل وتكامل ، ترى ان الكتب احيانا اكثر توهجا من الحقيقة :" إيما بوفاري حاضرة في حياتي اكثر من اشخاص عرفتهم حقيقة " . تصر على ان الكتاب الذي يجذبها هو الكتاب الذي يجيب على اسئلة طرحتها على نفسها .

* فصل من كتاب جديد بعنوان " العيش مع الكنب "
كانت الشروخ تظهر في بيتنا القديم وتختفي. تلتمع على الجدار أحياناً مثل بروق سوداء فلا تدوم أكثر من غمضة عين، وتبقى أحياناً بضعة أسابيع حتى تلتئم ويتعافى الجدار. لقد عرف الطفل الذي كنته أنها علامات خصام، والأطفال يعرفون أكثر مما يظن آباؤهم. حالما يشرع أحدنا في حمل رسالة من الأب إلى الأم التي لا تبعد أكثر من غرفتين. "قل لأمك سيأتيني ضيف على العشاء". "قل لأبيك ليس في البيت ما يكفي من الفواكه والخضروات". يتردد المراسل الحربي الصغير جيئة وذهابا بينهما.

لطالما أخافتني تلك الشروخ، ولا يخيف الطفل في الواقع أكثر من أبوين متخاصمين. عندما يتخاصم أبواي تظهر تلك الشروخ ولا تختفي حتى يتصالحا. فإن لم يعتذر أحدهما أو يتنازل، تزايدت تلك الشروخ حتى هددت الجدار بالسقوط. وهكذا رحت أتخيل جدران البيت وهي تتهاوى الواحد تلو الآخر، حتى تخرّ الغرفة، فالغرفة المجاورة، فالتي تليها إلى أن ينهار البيت كله ويعلونا الركام. ظللت أرقب الجدران في تلك الأيام لأتكهن باللحظة التي يتعين علينا إخلاء البيت قبل أن يتحول إلى أنقاض.

كانت الشروخ العمودية في الغالب تخص أبي، أما الشروخ الأفقية فلأمي. ما إن يغضب أبي، وقد كان سريع الرضا والغضب، حتى يظهر ذلك الشرخ الدقيق أعلى الجدار، ولو تركته أمي قليلاً لربما رضي أبي من تلقاء نفسه. أما أمي فلم تكن تغضب إلا نادرا، وإن غضبت فمن نفسها. ما كان أبي ليصالحها مهما فعل إذ ما كانت أمي ممن ينتصر لنفسه باعتذار أو وعد أو قلادة ذهبية. لا بد أن تتصالح مع نفسها أولا. نصحو في الصباح لننظر كم تقلص ذلك الشرخ الأفقي. على أن البيت لن يهوي أبدا حتى عندما يظهر ذلك الشرخ الكبير؛ صورة أبي ميتا. لكننا سنسمع بعدها كلما عانقنا أمي ما يشبه التشققات.

عبدالله ناصر
‏*المنزل ذو العلّية - تشيخوف
تتوفر نسخ من روايتي" دفاتر فارهو" ومجموعتي القصصية " فهرس الملوك " في موقع مكتبة صوفيا ‎@sophia_kwt
يقال إنَّ البشر سيصيرون جميعهم ألعاباً تسير بكبس أزرار. لا أظنُّ أنّي سأعيش إلى ذاك الوقت الذي أصير فيه لعبة كاملة. إنّي الآن لعبة ناقصة، نصف لعبة، ولهذا اخترتُ ما قد يجعلني لعبة كاملة: الكلمات.‏

• وديع سعادة | رَتْقُ الهواء‏
لا تزال هناك أيدٍ وكلمات تمتدُّ إلى عروقي وتُسقط قتلى في روحي. مع ذلك عليَّ أن أخرج من هذه المعركة بأقلّ دم ممكن. عليَّ أن أصافح الأيدي بأيَّة حيلة، وأن أستدرج الكلمات للَّعب وهي ترفع خنجرها عليَّ. هكذا ربّما أجعلها صديقة. هكذا ربّما أكسب استراحة. هكذا ربّما أخرج من هذه المعركة غير قاتل، ولو خرجتُ قتيلاً.‏

• وديع سعادة | رَتْقُ الهواء‏
ظلمتُ الناس والأشياء والحياة. هؤلاء كانوا شيئاً آخر غير ما ظننتُ وما أمِلتُ، وكان عليَّ أن أعرف ذلك. كان عليَّ أن أعرفهم كما هم، لا كما أرغب، وأن أحبَّهم.‏

• وديع سعادة | رَتْقُ الهواء‏
تعال أيّها الغيم أريد أن ألعب معك. أنت بعيدٌ وأنا أعرف الآن أنَّ اللعب لا يكون جميلاً إلاَّ بين بعيدين. الجمال هو البعيد، البعيد فقط. فلنلعب أيُّها الغيم يا حيلتي الوحيدة الباقية في البعيد، بعدما اقتربت الأرض منّي كثيراً.‏

• وديع سعادة | رَتْقُ الهواء‏
يبدو أن هناك شيئاً في وجهي، لا أعرف ما هو، يدفع الجميع دائماً إلى البوح لي بشؤونهم الخاصة. إنهم ينظرون إليّ، ثم يبتسمون، وقد يصل الأمر ببعضهم إلى إظهار التكشيرة التي تسبق الانفجار في البكاء؛ وبعد ذلك يفتحون لي قلوبهم.

• ماريو بنديتي | الهدنة
‏"سأطبع كتاباً ليقولوا عندما يفتحونه: "كنا نحسبه شخصًا آخر"..

أنسي الحاج
Forwarded from حَديث الأشجـار (مَريـم)
أجلسُ أمام المرآة، في تدريبٍ شاق
لإزالةِ الرائحة التي تركَتها شفتان على عُنقي

وبرغم أنه لا حاجةَ لتوثيق الحُزن
لا يفوتُني أن أحسبَ دموعي
بحجم المناديل الورقية
التي أسقطتُها في سلّة المهملات
فأرى عينيّ أجملَ من تصوّراتي عنهما
وأفكِّرُ أن الفهمَ أجملُ من التسامح
وأنني كنتُ معك
في رحلةٍ إلى مكانٍ مقدّس
كنتُ في زيّ أميرةٍ فرنسيةٍ من القرن السادس عَشَر
عندما أخذْتَني بعيداً عن الدير
كنتَ تدفعني لصعود سُلَّمٍ رأسيٍّ معلّقٍ على الهواء
ولمّا كان هذا مستحيلاً مع كل هذه الكرانيش
كنتُ أخلع جيبوناتٍ دائريةٍ
وأصْعَدُ
شدّادات للصدر
أحزمةً على شكل فُيونكات
تتحوّل إلى فراشاتٍ ميّتةٍ عندما أفكّها
وأصْعَدُ
في أعلى سُلّمةٍ
كنتُ عاريةً تحت رذاذٍ خفيف
لم أجدْكَ
واستيقظتُ في سريرٍ آخر.

لأصدّق أن هناك دائماً
ما هو أكثر من الصواب
وأتأملُ جِلدي
حيث لا شيءَ يلتصق به
فقط أزدادُ نحولاً
كأنني أُجَهِّز نفسي لطيرانٍ ذاتي..



- إيمان مرسال
Forwarded from بؤس الشعر (محمد سلمان)
هواجس غرفة العالم ( ليلى عبدالله )
Photo
هي في ذات يوم ..
تناولت الغداء مع كومين وعند عودتها إلى المنزل لبست معطفها الفرو، أزالت كل مجوهراتها، شربت كأسا كبيرة من الفودكا، أغلقت على نفسها كراج البيت، وأدارت محرك سيارتها، وانتحرت بتسمم أول أكسيد الكربون .
ذلك ما فعلته الشاعرة الأمريكية آن سيكستون .
هي الآن معكم في حوار ((بريد السماء الافتراضي)) تعترف بما لا يخطر على بال.
س:هل على الشعر أن لا يكون بريئاً برأي آن سكستون ؟
ج/ بالضبط. فالبراءة احتواء باردٌ للعواطف ،ولا أعتقد بأن ذلك يتناسب وأوضاع شعراء الحمى المُفتَرِسة.
س:وأنت تميلين للافتراس كما أشعر.أليس كذلك ؟
ج/ نعم .لقد كتبت قصائدي بحبر الجمجمة.
س:هل المقصود هو بحبر العقل ؟!
ج/ لا. العقل لا يملك محبرةً، ولكن لديه الكثير من المطافئ التي عادةً ما يستعملها أثناء اشتعال الحرائق في القصائد.
س:بسبب أن العقل لا يؤيد الشراسة التي تحدثتِ عنها أنت؟
ج/مكان العقل في الفلسفة وليس في الشعر حتى لو كانت بعض القصائد تتمتع بقدر لا بأس به من الفلسفة.
س:وكيف يمكن جعل العقل بحيرة آمنة للشعر؟
ج/ذلك لن يحدث إلا في حالة واحدة، أن تتحول الكلماتُ إلى أسماك وتماسيح وضفادع في اكواريوم الرأس .
س:وماذا عن القلب يا آن سيكستون؟
ج/لا أريد التحدث عن محفظة الدم تلك .
س:لماذا تحاولين التهرّب من أهم مَكنات صنع الحب ؟!!
ج/الحبُ لا يُصنعُ صناعة بهذه المكنة أو بتلك الآلة ،إنما هو سلطةٌ تخترقُ الأعين ،فتذهب موزعةً نفسها على أقسام الجسد كله، من القلب وحتى الأظافر.
س:ومتى امتلأت حواسك بتلك السلطة اللعينة ؟
ج/يومَ وجدت نفسي مع السمك والحيتان والتماسيح والضفادع في ذلك الأكواريوم الشعري الذي صنعته المخيّلة لنفسها بقوة الذكاء الفانتازي .
س:ومنْ إلتَهَمَ منْ في ذلك الأكواريوم الشعري. هل أكلتكِ التماسيحُ ؟
ج/لا. ففي اليوم الذي تورطتُ فيه بصداقة الأخطبوط، كنت أنظرُ إلى النجوم ،فيما كان جسدي يُبتَلع بفمه محروساً بتلك الأذرع الأخطبوطية .
س:هل كانت لحظة جنسيّة أولى مع ذلك المخلوق المائي .
ج/أبداً لا. أناكرهت الجنس مذ غدرَ بي الأخطبوط الأول ( أبي) عندما اعتدى على ابنته الطفلة ،مما وَلْدَ بي ذعراً غزيراً فتح أمامي أبواب الاكتئاب والجنون والمدافن.
Forwarded from صَـفـا
"ثمة شيء صبيانيّ في الحزن،
إذ إننا نرغبُ في معاقبة الحياة اعتقادا منّا بأنها عاقبتنا، ونبدو مثل أطفال استبد بهم الغضب وفشلوا في التخلص منه"
- كريستيان بوبان
"أنا طائرٌ أبيض وصغير.
قلقٌ حين يمشي،
ووحيدٌ حين يطير".

كيم هايسون


ت.إيمان أسعد
"لا أحب هؤلاء السُذّج الذين يتخرجون بمعدلات عالية، وتخصصات علمية مهمة، لكنهم لا يسمعون الموسيقى، ولا يعرفون شاعراً واحداً، ولم يحضروا فيلم سينما، أو يحاولوا كتابة قصيدة، أو أن يخلطوا علبة ألوان ليرسموا لوحة.
أنا لا أفهم هؤلاء الناس الذين بلا طقوس شخصية بلا عادات بلا تفاصيل ، لا يهتمون بألوان الأزرار ، ولا خشب المقاعد ويرضون بأي سائل ساخن أحمر فلا يتوقفون عند نوع الشاي .
الحياة في التفاصيل ، في الأحاسيس ، في الذائقة .. في معنى أن تهز رأسك حزناً أو فرحاً أو طرباً لمقطع من أغنية قديمة ، أو أن تنفعل برائحة الياسمين تهب من شارع عتيق على الدوار الأول."

جبرا إبراهيم جبرا
Forwarded from حَديث الأشجـار (مَريـم)
"في عام 300م فرغ الحكيم بيدبا، رأس البراهمة في الهند، بعدما حبَسَ نفسه عامًا بصحبة تلميذه الأثير، من وَضْع كتابٍ أمَرَه بكتابته الملك دبشليم عقب تخلّيه عن ظلم الرعية بناءً على نصائح حكيمه، وأراد مؤلفًا «يكون ظاهرُه سياسة العامة وتأديبها، وباطنه أخلاق الملوك وسياستها للرعية»، وخرَجَ من تحت يديه بشكل متفرد، فـ «جعل كلامه على ألسن البهائم والسباع والطير، ليكون ظاهره لهوًا للخواص والعوام، وباطنه رياضةً لعقول الخاصة».

وفي عام 750م، وبينما كانت الخلافة العباسية في عصرها الأول تُغلظ قبضتها لتثبيت أركانها على تركة بني أمية، قامت السلطة باتخاذ إجراءات صارمة بحق كل مَن لا يثبت ولاءه للخلفاء الجُدد، وصلت إلى التصفية الجسدية بمجرد الشبهات الظنية، واندلع الصراع المرير على الحكم بين العلويين والعباسيين وما نتج عنه من قتل وسفك دماء دون رحمة وشفقة.

في ظل هذه الأجواء، قرّر الأديب الفارسي المزدكي روزبة بن داذويه، الذي تخلّى عن دينه وأسلم وحمل اسم "عبد الله بن المقفع" (106 – 143هـ)، والناقم على أوضاع عصره، الاحتجاج على كل ما لا يروق له بأحد أبرز أشكال المعارضة السياسية ابتكارًا. انتقى ابن المقفع من تراث قومه فلكلورًا شعبيًا يصلح لأن يدسّ به كافة آرائه السياسية والاجتماعية، ولو بشكل غير مباشر، بعدما نقله إلى العربية وبثَّ فيه روحًا إسلامية وعبّاسية، وأضاف له من قريحته فصولاً تزيد على نصف الكتاب ضمن بنية قصصية مغايرة تمامًا للأصل الهندي، فظهرت النسخة التي جابت الدنيا بأسرها من كتاب «كليلة ودمنة»، وهي النسخة ذات الخمسة عشر بابًا، وصارت هي المصدر الأصلي للمؤلَّف بعدما فُقدت الأولى وظلت الثانية طي الكتمان لمئات السنين.

صحيح أن ابن المقفع شذّب العنوان القديم للنسخة الفارسية وجعله أقرب للّسان العربي، إلا أن المتمعن يكتشف أنه أبقى عليه بالأساس ليقدّم عبره معنى مستترًا ربما يُلخص سبب ترجمة هذا الكتاب بالأساس، وهو الصراع بين الخير والشر، لأن كليلة لعبت دور الخير في قصتها فيما مثلت دمنة جانب الشر، وهو ما نجد له مثيلاً في العناوين الفرعية، وهو أمر منبعه فلسفة ابن المقفع المبنية على الثنائية الضدّية للخير والشر، وكأنه اعتبر كتابه هذا صيحة تحذير ورسالة خيرية أخيرة لمَن يهمّه الأمر كي لا يتفاقم الشر في نفوس المتصارعين ويستولي على كل شيء.

بنى ابن المقفع كتابه على ثنائية «خطاب القوة»، المتمثل في شخصية الملك الذي يسأل النصيحة دائمًا من الحكيم ويطلبها بشكلٍ آمر، و«قوة الخطاب»، المتمثلة في الجواب الشافي الحاضر دائمًا عند الفيلسوف. وبين القوتين يدور جدال الكلمات خلال السطور، لتطرح صراعًا أعلى خارجها عن مغبة وجود تنافر بين «السُلطة» و«الحكمة»، مُظهِرًا ثمار أن يتعاونا ويتكاملا، فإن اجتمع ملك ينصت وحكيم ينصح صارا مضربًا للأمثال بين الناس.

أن قصص كليلة ودمنة ليس غرضها محاورة سبع لثور ولا قرد لغيلم، بصفتها كحيوانات، بل يتضمّن كلّ باب من أبوابها مقصدًا معينًا، وجميع حوارات الأبطال تأوي أقوالاً مضمرة ورسائل خفية، قيل إنها موجّهة للخليفة العباسي رأسًا، وهو أبو جعفر المنصور الذي عُرف ببطشه الشديد بكل خصومه، ما يعيد للأذهان أن الكتاب وُضع بالأصل بعد صراع منتهٍ من حكيم مع ملكٍ ظالم أيضًا هو دبشليم، فهل حاول ابن المقفع أن يمنح لنفسه دور بيدبا؟

في جميع الأحوال، يبدو أن حيلة أديبنا بالضرب من وراء جُدر التورية لم تُفلح كثيرًا وأن رسالته المضمنة أخطأت هدفها، فرُوي أن عداءه للخليفة المنصور قد بلغه فأعوز لسفيان بن معاوية، عامله في البصرة، بقتل ابن المقفع…"

https://2u.pw/snrX6Q6
2024/10/01 04:20:33
Back to Top
HTML Embed Code: