Telegram Web Link
ـعــــــد :
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنها لا يقبل سنة أو نافلة حتى تؤدى الفريضة، فحرصوا على أداء الفرائض أولا، لأن الفرائض أحب إلى الله من النوافل، قال الله جل وعلا في الحديث القدسي: ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فالنوافل مكملة للفرائض، أما أن تقام النوافل وتساهل في الفرائض فهذا أمر معكوس.

الواجب على المسلم أن يحافظ على الفرائض أولا وقبل كل شيء ثم يأتي بالنوافل بعدها لتكون مكملة لها وزيادة خير للمسلم.

اتقوا الله، عباد الله :
واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مستقرا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أحفظ علينا أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا وأصلح ولاة أمورنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ أرنا الحق حقا ورزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلا ورزقنا اجتنابه، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان وجعلنا من الراشدين،
اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا، اللَّهُمَّ وفقهم لما فيه خيرهم وخير الإسلام والمسلمين،
اللَّهُمَّ أحفظ بهم أمننا وجمع بهم كلمتنا،
وألف بهم جماعتنا يا حي يا قيوم يا سميع الدعاء،
اللَّهُمَّ أحفظ بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين،
اللَّهُمَّ فرج للمسلمين مما هم فيه من كرب وضيق على يد الأعداء والكافرين والمنافقين،
اللَّهُمَّ فرج للمسلمين بفرج عاجل، اللَّهُمَّ فرج للمسلمين بالنصر، اللَّهُمَّ فرج للمسلمين من كل شدة ومن كل كرب يا سميع الدعاء يا فراج الكربات يا مجيب الدعوات يا مغيث اللهفات يا حي يا قيوم يا سميع الدعاء يا ذا الجلال والإكرام (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ الله أكبرَ، والله يعلمُ ما تصنعون.
ا: يست

أذن عمر بن الخطاب ولا تقل: يستأذن أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين بأمير. أي دقة! وقل لها: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، هذا هو همه، وهذا هو شغله .

عاش في الدنيا مع حبيبيه وصاحبه، مع حبيبه المصطفى ومع خليفته أبي بكر رضي الله عنه، ولا هم له بعد الموت إلا أن يواصل بقية ما بقي له في عالم البرزخ مع هذين الجليلين الكريمين حتى يلتقي بهما، ويبعث معهما في يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة. يا عبد الله ! اذهب إلى عائشة أم المؤمنين وقل لها: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، مع الحبيب المصطفى ومع أبي بكر رضي الله عنه، فذهب عبد الله فوجد عائشة تبكي لما وصلها خبر مقتل عمر رضي الله عنه وأرضاه، وقالت عائشة التقية العالمة الورعة الذكية: والله لقد كنت أريد هذا المكان لنفسي، ولكني أوثر اليوم عمر على نفسي.

ويرجع عبد الله بأسعد خبر لأبيه عمر ، فلم يكن هناك شيء يشغل عمر إلا هذا، فقالوا: عبد الله قد أقبل يا أمير المؤمنين، قال: أجلسوني، فأجلسوه، فنظر إليه قال: ما وراءك يا عبد الله ؟ قال: أبشر يا أمير المؤمنين، لقد وافقت عائشة رضي الله عنها أن تدفن مع صاحبيك، فسعد عمر سعادة غامرة وقال: والله ما كان هناك شيء يشغلني غير هذا.

ولكنه التقي النقي، الدقيق في كل كلمة من كلماته، وفي كل موقف من مواقف حياته، فبعد كل هذا يقول لـعبد الله : يا عبد الله ! إذا أنا قضيت -أي: إذا أنا مت - وحملتموني وذهبتم إلى بيت عائشة فاجعلوني خارج الدار، واستأذن عليها مرة أخرى، فلربما تكون قد استحت مني في حياتي وترفض ذلك بعد مماتي، فإن أذنت فادفنوني مع صاحبي، وإن أبت فردوني إلى مقابر المسلمين.

ويدخل عليه شاب والحديث في البخاري ، يقول: أبشر ببشرى الله لك يا أمير المؤمنين! أبشر بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقدمك في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة في سبيل الله! أتدرون ماذا قال عمر ؟! أتدرون ماذا قال الفاروق الذي كان يقول لنفسه كل لحظة: ماذا تقول لربك غداً يا عمر؟!

فقد خرج عثمان بن عفان ذات يوم ينظر من شرفه من شرفات بيته، فيرى رجلاً تعلوه الرمال، وتحرقه الشمس في وقت الظهيرة، وينظر ويقول: من هذا الذي خرج في هذا الوقت؟! وحينما يقترب يراه أمير المؤمنين.. يراه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيقول: يا أمير المؤمنين! ما الذي أخرجك في هذه الساعة المحرقة؟! فيقول عمر : يا عثمان ! بعير من إبل الصدقة قد ند، وأخشى أن يسألني عنه ربي يوم القيامة! فيبكي عثمان ويقول: يا أمير المؤمنين! إن عبداً من عبيدك يكفيك هذا، فيقول عمر : وهل هناك أعبد مني؟! ارجع إلى ظلك يا عثمان ، فيبكي عثمان ويقول قولته الخالدة: (والله لقد أتعبت كل من جاء بعدك يا عمر! لقد أتعبت كل من جاء بعدك يا عمر ، والله لقد أتعبت كل من جاء بعدك يا عمر ).

بكى عمر بن الخطاب بعد هذه البشريات التي بشر بها: بقدم في الإسلام، وبصحبة رسول الله، وبعدل لم تعرف البشرية له مثيلاً على مدار التاريخ، وبشهادة في سبيل الله، وهو يصلي في محراب الصلاة، بعد كل هذا أتدرون ماذا قال عمر ؟! نظر إلى هذا الشاب وقال: والله لوددت أن أخرج من الدنيا كفافاً لا لي ولا عليَّ! عمر يقول هذا، يريد أن يخرج من الدنيا بغير أجر وبغير وزر: لا لي ولا علي.

فماذا نقول إن كان عمر الفاروق -والحديث في صحيح البخاري - يقول: وددت أن أخرج كفافاً لا لي ولا عليَّ! فقد حملنا بالأوزار والذنوب والسيئات، ومنا من يكلمك وكأنه قد وقع عهداً مع الله، وأخذ صكاً على الله أنه من أهل الجنة، بغير صلاة وبغير صيام وبغير زكاة! وبغير ورع وطاعة وتقى! إذا ما اقتربت منه يقول: إن لم ندخل الجنة نحن فمن يدخلها؟!
هذا هو فاروق الأمة عمر
رضي الله عنه وأرضاه.

تذلل عمر بين يدي الله تعالى
وروى ابن سعد في الطبقات بسند صحيح أن عثمان بن عفان قال: كنت أنا آخر الناس عهداً بـعمر ، دخلت عليه بيته ورأسه في حجر ولده عبد الله ، فنظر عمر إلى ولده وقال: يا عبد الله ! ضع رأسي على الأرض، فنظر عبد الله وقال: يا أبتِ! وهل هناك فرق بين أن تكون في حجري وبين أن تكون على الأرض؟ قال عمر : يا عبد الله ! ضع هذا على الأرض! أي ذل لله هذا؟! وأي تواضع لله هذا؟! يا عبد الله ! ضعها على الأرض، ثم يقول عمر : ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي. الله أكبر ! والله لا أجد ما أقوله تعليقاً على هذه المواقف التي تحرك القلوب الميتة، التي تحرك الأعين الجامدة، وكفانا فخراً أن نقول في نهاية المطاف: إنه ابن الجزيرة العربية الذي خرجته مدرسة الإسلام، ورباه محمد عليه الصلاة والسلام.

اللهم اجز عنا عمر بن الخطاب خير ما جازيت مصلحاً أو صالحاً، اللهم اجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، اللهم اغفر لنا وله، واجمعنا به في دار كرامتك يا أرحم الراحمين، اللهم متعنا برؤياهم مع إمامهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم، اللهم ألحقنا بهم على طاعة ترضيك يا رب العالمين! اللهم قيض لأمة التوحيد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل
مواطن سعودي
صدر أمر بإزالة بيته من جوار مسجد رسول الله صل الله عليه وسلم بقصد التوسعة فأنشد قصيدة يصف حاله؛ وحق له أن يبكي فراق جوار سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم

ولمّا رأيت الرقم فوق جدارها
وأيقنت أنَّ الهدم أصبح ساريا

بعثتُ إليكم بالبريد رسالتي
وأرفقتها شرحاً عن الدار وافيا

وأخليتها والعين تذرف دمعها
والابن يصرخ والبنات بواكيا

فإن جاءت الآلات تهدم منزلي
وأصبح بنياني على الأرض هاويا

فلا ترفعوا ذاك الركام بقسوة
ستلقون قلبي تحته كان باقيا

فمَن لي بجارٍ يشرح الصدر ذكره
و مَن لي بدارٍ كان للخير دانيا

فإن كنتَ تبكي إن سمعتَ مصيبتي
.. فإني سأبقى طيلة العمر باكيا

سلامٌ على دار الرسول وأهلها
فقد صرتُ بعد القرب بالدار نائيا

"""""""""'""'''''""""""""

ورد عليه الشاعر عبدالله عقلان :

أيا صاحب الدار التي جاء ذكرها
بطيبة والأشواق تهفو دوانيا

قرأتُ لك الأبيات حين أرسلتها
ففاضت دموع العين عبر القوافيا

فدارُك يا هذا بوصفك جنةٌ
وقلبك فيها رغم بعدك باقيا

ألا ليت من قاموا بهذا ترفّقوا
وراعوا حنيناً في فؤادك خافيا

أما علموا أنَّ القلوب منازلٌ
وأعظمها ما كان لله صافيا

وما علموا أن الجوار معادن
وجيرة خير الخلق أسمى الأمانيا

ففي ذكره للنفس أُنسٌ وراحةٌ
وفي قربه تغلوا ديارا خواليا

فصلِّ وسلم يا إلهي على النبي
محمد خير الخلق للناس هاديا

=============

ولما سمع بقصته رجل من أبناء مصر أجابه قائلاً :

ياصاحب الدار التي بلغني ذكرها
لما سمعتُ مصابك هان مصابيا

قد حق لك البكاء بحرقة
غير أن الدمع لن يفيدك حاليا

آجرك الله على مبتلاك يا أخي
وطيّب قلبك حتى تصبح راضيا

كيف بحالك أنت يا مسكين مفارقا
إذا كنتُ قد بتُّ بالسمع باكيا

وإن كنتُ أبكي فراق أحمد زائرا
فكيف الحال وقد كان أحمد جاريا

والله لا أرى لمصابك خير خلفة
إلا جوار أحمد بالجنان العاليا

فيا رب اخلف صاحبي بجواره
في الفردوس بعد عمر صافيا

واحشرني معه فقد رق قلبي لحاله
وأنت أعلم ياإلهي بحاليا

وصلِّ على من جمعنا حبه
واسقني من حوضه واسق أهليا

ورد الشاعر السوداني عبد الحليم سر الختم :
أيا مكرهاً اخليت دارك باكيا
و كأم موسى صار جوفك خاويا
اذ كنت للحرم الشريف مجاوراً
تمسي و تصبح للنبي مناجيا
فرمتك داهية الزمان بسهمها
و قطنت داراً عن حبيبك نائيا
إملأ فؤادك باليقين موحداً
و اخضع لحكم الله ربك راضيا
خذ من رسول الله احسن أسوة
قد فاز من تخِذ الرسول مداويا
من كان للحرم الشريف مجاوراً
حتى قضى الرحمن امراً ماضيا
ترك الديار و اهل مكة مرغماً
و أتى المدينة بالرسالة داعيا
نبل القضية أن تضحي أجلها
والله خير حافظا و مواليا

كفكف دموعك اخي مستغفرا
و اجعل ديارك تلك (وقفاً) باقيا
إني أراك بذاك أسعد حالة
حيث إرتقيت على المدارج راقيا
فالدار من فضل الجوار توسعت
حرما يزار و مسجدا و مصاليا
هذي الملايين التي ترتادها
لك من جزيل ثوابها متساويا
سبحان من يعطي الجميل مضاعفاً
أجرى( الجوار) عليك اجرا جاريا
و لكل خطوٍ للمساجد أجره
فأجعل على الميزان اجراً ثانيا
اني أخالك للبشير مجاوراً
في جنة الرضوان تسكن عاليا
تتأملان من الخلود نعيمها
و ارى الظلال من الرؤوس دوانيا
فمع الذي احببت تبعث هانئاً
قال ابن مسعود بذلك راويا

🌹يومكم حنين إلى طيبة وساكنها.. عليه أفضل الصلاة والسلام،جمعنا الله واياكم ووالدينا وأهلينا وأحبائنا معه في أعلى الجنان ورزقنا شفاعته واوردنا حوضه صلى الله عليه وسلم 🌹
*📌 حكم إفراد يوم*
*عاشوراء بالصيام*

*لفضيلة الشيخ ابن عثيمين*
*- رحمه الله تعالى -*
▃▃▃▃▃▃▃

🛑 السؤال :

*ما رأيكم في إفراد اليوم العاشر من شهر المحرم بالصيام بنية صيام عاشوراء؟ - الشيخ لعلك تريد الجمعة أم مطلق؟ - السائل مطلق.*

🔵 الجواب :

- الشيخ صيام عاشوراء له أربع مراتب :

*🔻 المرتبة الأولى :🔻*

* أن نصوم التاسع والعاشر والحادي عشر، وهذا أعلى المراتب، لما رواه أحمد في المسند صوموا يوما قبله ويوما بعده خالفوا اليهود ولأن الإنسان إذا صام الثلاثة أيام حصل على فضيلة صيام ثلاثة أيام من الشهر.*

*🔻المرتبة الثانية:*🔻

* التاسع والعاشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع لما قيل له إن اليهود كانوا يصومون اليوم العاشر وكان يحب مخالفة اليهود، بل مخالفة كل كافر.*

*🔻والمرتبة الثالثة:🔻*
* العاشر مع الحادي عشر.*

*🔻والمرتبة الرابعة:*🔻

* العاشر وحده، فمن العلماء من قال إنه مباح، ومنهم من قال إنه يكره،*

فمن قال إنه مباح استدل بعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام حين سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبلها ولم يذكر التاسع.

ومن قال إنه يكره. قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال خالفوا اليهود صوموا يوما قبله أو يوما بعده، وفي لفظ آخر صوموا يوما بعده ويوما قبله وهذا يقتضي وجوب إضافة يوم إليه من أجل المخالفة، أو على الأقل كراهة إفراده.

والقول بالكراهة لإفراده قوي، ولهذا نرى أن الإنسان يخرج من هذا بأن يصوم التاسع قبله أو الحادي عشر.

*المصدر سلسلة لقاءات الباب المفتوح لقاء الباب المفتوح [95]*

🔹 المقطع الصوتي :
http://binothaimeen.net/upload/ftawamp3/od_095_03.mp3
من فوائد اليوم

يقرل إبن تيمية رحمه الله :
"المُؤمِن إذا فَعَلَ سَيِّئَةً فَإنَّ
عُقوبَتِهَا تَندَفَعُ عَنهُ بِعَشرَةِ
أسبَابٍ :
1⃣ أن يَتُوبَ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيهِ، فَإنَّ
التَائِب مِنَ الذَنبِ كَمَن لا ذَنبَ لَه.
2⃣ أو يَستَغفِر ، فَيُغفَرُ لَهُ.
3⃣ أو يَعمَلَ حَسنَاتٍ تَمحُوهَا ،
فَإنَّ الحَسنَاتِ يُذهِبنَّ السيئَات.
4⃣ أو يَدعُو لَهُ إخوَانُهُ المُؤمِنُونَ وَيستَغفِرُونَ لَهُ حَيًا ومَيتًا.
5⃣ أو يُهدُونَ لَهُ مِن ثَوَابِ أعمَالُهُم مَا يَنفَعُهُ اللَّه بِهِ.
6⃣ أو يَشفَعُ فِيهِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
7⃣ أو يَبتَلِيَهِ اللَّهُ تَعَالى فِي الدُّنيَا بِمَصائِب تُكَفِرُ عَنهُ.
8⃣ أو يَبتَلِيَهُ فِي البَرزَخِ بِالصَعقَةِ فَيُكَفِرُ بِهَا عَنهُ.
9⃣ أو يَبتَلِيَهُ فِي عَرَصاتِ القِيَامَة مِن أهوَالِهَا بِما يُكَفِرُ عَنهُ.
🔟 أو يَرحَمُهُ أرحَمُ الرَاحمِين.
فَمن أخطَأتهُ هَذِهِ العَشرَةِ فَلا يَلُومَنَّ إلا نَفسَه ».
📚 [مجموع الفتاوى (10/45)]
🎤
خطبة.جمعــة.بعنــوان.cc
محــرم وعاشــوراء دروس وعــبر
للشيخ/ أمـــير بن محمـــد المــدري
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله الواحد القهار، مُدبّر الأمور مصرف الأحوال، رب المشارق والمغارب العزيز الغفار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث إلى الناس كافة بالهدى والرحمة والأنوار، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الأخيار.

أمـــا بـــعــــــد :
عـــامٌ جديـــد - أيــها المسلمـــون :
اتقوا الله وتحلوا بالعبودية الخالصة لله سبحانه وتعالى، واعلموا أنكم قد استقبلتم عامًا جديدًا وشهرًا مفضلاً عظيمًا، وقد افتتحت لأعمالكم سنة جديدة تحصى عليكم فيها أعمالكم، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، فلتكن أعمالكم في عامكم الجديد مفتتحة بالتقوى والصلاح، ثم الندم والتوبة على زمن انصرم وانقضى في غير طاعة الله ولم نفز فيه بالرضوان.

أيـــها المسلمـــون :
ذهب عامُكم شاهدًا لكم أو عليكم، فخذوا زادًا كافيًا، وأعِدّوا جوابًا شافيًا، واستكثِروا في أعمارِكم من الحسنات، وتدارَكوا ما مضَى من الهفَوات، وبادروا فرصةَ الأوقات، قبلَ أن يناديَ بكم منادي الشتات ويفجَأكم هادم اللّذات .

ضيــفٌ كريــــم
أظلنا شهرٌ عظيم مبارك هو شهر الله المحرم أول شهور السنة الهجرية ،وأحد الأشهر الحرم التي قال الله فيها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ.... ) الآية [سورة التوبة].
وعن ابن عباس ب في قوله تعالى: (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراماً وعظّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ »[رواه البخاري].
وكانوا يسمون شهر المحرم شهر الله الأصم لشدة تحريمه. [لطائف:83].وقال أبو عثمان النهدي: «كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان والعشر الأول من ذي الحجة والعشر الأول من المحرم». [لطائف:84]. وقال قتادة: «إن الفجر الذي أقسم الله به في أول سورة الفجر هو فجر أول يوم من المحرم تنفجر منه السَنة». [فتح القدير:5/429].

صـــيام المــحـــرم :
ومن فضائل شهر المحرم أنه يُستحب الإكثار من صيام النافلة في شهر محرّم، ففي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ» [رواه مسلم] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «شهر الله» من باب إضافة التعظيم، وأفضل أيامه اليوم العاشر، فقد صامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، ففي الصحيحين وغيرهما عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما
قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: «مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى [شكراً لله تعالى]، قَالَ: فَنحن أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، ونحن نصومه تعظيماً له، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ». ورواه الإمام أحمد بزيادة غير صحيحة: «وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكرا».

نحن أحق بموسى منهم
نعم إخوة الإيمان، نحن أحق بموسى منهم فهذه الأمة المباركة هي امتداد للأنبياء والصالحين، وكل نبي وكل صالح من الأمم السابقة إنما هو تابع لهذه الأمة.ونحن أحق بكل نبي من قومه الذين كذبوه وعصوه،والأنبياء عليهم السلام امتداد لتاريخنا و الانتماء إلى الأنبياء ليس انتماء نسب أو بلد، إنما الانتماء للأنبياء يكون بإتباع هديهم وتعاليمهم.

صيام عاشــوراء يكفر سنـــة
قال النبي صلى الله عليه وسلم : «صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» [رواه مسلم].
فيا له من فضل عظيم لا يفوِّته إلا محروم، فصيام يوم واحد لا يتجاوز خمس عشرة ساعة يكفر الله به خطايا عام كامل، وهذا من رحمة الله تعالى بنا ولطفه .ولكن..صيام عاشوراء ماذا يكفّر؟ قال أهل العلم: إنه يكفر الذنوب الصغائر فقط، أما الكبائر فلا تكفرها إلا التوبة النصوح وقبولها، كما أشار إلى ذلك العلماء المحققون كالنووي وابن تيمية رحمهما الله.
هل يجوز إفراد عاشوراء بالصيام حتى وإن كان يوم جمعة أو سبت؟
يقول أهل العلم: لا مانع من ذلك، وإن كان الأولى صيام يوم قبله أو يوم بعده، كما حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية.

مخالفــة اليهود والتمـــيز
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيت إلى قابل لأ
صومن التاسع مع العاشر يعني عاشوراء» [ رواه مسلم] وفي صحيح مسلم أيضاً قال صلى الله عليه وسلم :«خالفوا اليهود، صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده».
الرسول صلى الله عليه وسلم يريد لنا الرفعة عن مشابهة الكفار، ويريد لنا العزة، ويريد لنا التميز، فلماذا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! نحن أمة مرفوعة، فلم نكون خاضعين؟! نحن أمة متبوعة، فلم نكون تابعين؟! وديننا يأمرنا بالتميز في سلوكنا ومظاهرنا وفي عباداتنا، وأن تكون لنا ـ نحن المسلمين ـ الشخصية المتميزة المبنية على الشعور بالعزة الإيمانية.

صيام عاشوراء مراتب
ذكر بعض الفقهاء أن صيام
عاشوراء ثلاث مراتب:
1ـ صوم التاسع والعاشر والحادي عشر.
2ـ صوم التاسع والعاشر.
3ـ صوم العاشر وحده. [زاد المعاد:2/76]. ، وكلما كثر الصيام في محرم كان أفضل وأطيب.

أخي المسلم :
تزود من الخيرات واغتنم هذه الأيام لتقدم لنفسك زاداً تجده غداً أمامك ، فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره.
تزود من الدنيا فإنك لا تدري إذا جن عليك الليل هل تعيش إلى الفجر

يوم عاشوراء يوم النصر للحق وأهله
في غمرة الشعور باليأس والإحباط الذي أصاب المسلمين اليوم من جراء تتابع النكبات والشدائد، يأتي يوم عاشوراء ليُذكِّر الأمة أنه لا تقف أمام قوة الله أي قوة، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه إذا أراد شيئًا فإنما يقول له: كن فيكون.

شهر الله المحرم شهر نصرٍ وعزٍ لنبي الله موسى صلى الله عليه وسلم وقومه على فرعون الطاغية المتجبر على رغم كثرة عددهم وعدتهم وخيلائهم، فإن الله تعالى يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وبإحياء ذكرى ذلك النصر المجيد، على ذلك الطاغية الكبير، نعلن أن الدعوات لا تهزم بالأذى والحرب والاضطهاد، و عاقبة الظلم وخيمة، والله ناصر دينه, وكتابه, وأوليائه، و العاقبة للمتقين والنصر حليفهم متى ما تمسكوا بدينهم، واستنزلوا النصر من ربهم، قال تعالى: (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ) [آل عمران:126] وقال تعالى : (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [غافر:51، 52].

يوم عاشوراء اليوم الذي قال فيه موسى لقومه لما قالوا له وهم يرون فرعون وجنوده خلفهم: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء:61]، قال موسى بلغة المؤمن الواثق من وعد الله: ( كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء:62]، إنه فضل وأهمية التوحيد والاستسلام في الملمات وتفويض الأمر إلى الله وحده، فمهما حمل لنا العدو من دبابات وقاصفات ومدمرات فإن الله معنا يسمع ويرى ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء قال تعالى : ( فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًا)[مريم: 84].

يوم عاشوراء اليوم الذي قال فيه فرعون المتجبر المتكبر المتألّه، لما أيقن بالهلاك: (آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس:90]، فردّ الله عليه هذا الإيمان الاضطراري وهذه الدعوى الكاذبة فقال عز من قائل: (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) [يونس:91، 92].
يوم عاشوراء حُق لكل مؤمن أن يعرف قدره ومقداره، وأن يتيقن فيه من سنة الله الكونية في نُصرة أوليائه الذين ينافحون عن دينه ودحر أعدائه الذين يعارضون شرعه في كل زمان ومكان.

يوم عاشوراء فيه رسالة أن الباطل مهما انتفخ وانتفش وتجبر وتغطرس وظن أنه لا يمكن لأحد أن ينازعه أو يرد كيده وباطله أو يهزم جنده وجحافله فإن مصيره إلى الهلاك وعاقبته هي الذلة والهوان، فهذا فرعون الطاغية بلغ به التكبر والغرور أن يدّعي الألوهية، وأن يعلن للناس بكل جرأة وصفاقة: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص:38]، وأن يقول بملء فيه من غير حياءٍ ولا خجل: ( أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى ) [النازعات:24]، ولكنه حين حل به العذاب لم يُغن عنه ملكه وسلطانه، ولا جنده وأعوانه، ولا تبجحه وادعاؤه، (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى) [النازعات:25، 26.

محـــرم والهجــرة النبوية
العاشر من محرم يُذَكِّرُنَا بِهِجرَةِ المُصطَفَى صلى الله عليه وسلم مِن مَكَّةَ إِلى المَدِينَةِ وَبَدءِ ظُهُورِ الدَّعوَةِ الإِسلامِيَّةِ وَانتِصَارِ الإِسلامِ وَانتِشَارِه. و علينا كمسلمين أن نشكر الله على ما يسره لنا من هذا الحساب البسيط الميسر في معرفة التاريخ اليومي الذي يبدأ من الهجرة (هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة) وأن علينا جميعاً أن نكون أمةً متميزة بتاريخها و أخلاقها ورأيها ومعاملاتها عن سائر الأمم الكافرة.

استشهاد سيد شبا
ب

أهل الجنة
من المفارقات العجيبة ما حصل في هذا اليوم المبارك أيضًا من قتل سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن أبيه وأمه وآل بيته، حيث قُتل في فتنة عظيمة بين فئتين من المسلمين، وهي فتنة طهّر الله منها أيدينا فلا نخوض فيها بألسنتنا، إن كل مسلم ينبغي أن يحزنه مقتل الحسين أو حتى غير الحسين من عامة المسلمين فكيف إذا كان من أهل الفضل والمكانة، وكيف إذا كان من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه رضي الله عنه من سادات المسلمين وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عابداً شجاعاً سخياً .

ما ينبغـي التنبـــيه إليــــه
ما ينبغي التنبيه إليه هو أن ما يفعله بعض الشيعة في هذا اليوم من البكاء والنواح على قتل الحسين رضي الله عنه ،وما يقومون به من تعذيب أنفسهم وإسالة الدماء من وجوههم وصدورهم وظهورهم والتقرب إلى الله بضرب أبدانهم بالسلاسل والسكاكين ولطم خدودهم ونتف شعورهم ليس من الإسلام في شيء، وهو من البدع المحدثة والمنكرات الظاهرة ومن كبائر الذنوب التي تبرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مرتكبيها فقال: صلى الله عليه وسلم «ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية» [متفق عليه]، فكل عمل يدل على الجزع والتسخط وعدم الرضا بقدر الله فإنه محرم.

تشويه صورة الإسلام
وتنفـــير غـــير المسلمـــين
يضاف إلى هذه الأعمال البدعية المؤذية للأبدان من حماقة وسفاهة وتشويه لصورة الإسلام وتنفير لغير المسلمين من الدخول فيه، وقد رأينا بعض وسائل الإعلام العالمية المعادية تحرص على نشر هذه الأعمال البدعية بالصوت والصورة، زاعمة بأن هذا هو الإسلام فمن كان مشتاق إلى الضرب فليدخل في هذا الدين على حد زعمهم.

مــــن العجائـــــــب
والعجيب من أمر الرافضة أن أبا الحسين رضي الله عنهما كان أفضل منه، وقُتل يوم الجمعة وهو خارج إلى صلاة الفجر في السابع عشر من رمضان سنة أربعين، ولا يتخذون مقتله مأتماً، وكذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه
، وقد قُتل وهو محصور في داره في أيام التشريق من شهر ذي الحجة سنة ست وثلاثين، وقد ذُبح من الوريد إلى الوريد ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، وكذلك الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قُتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر ويقرأ القرآن ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً، كما يفعل هؤلاء الجهلة يوم مصرع الحسين رضي الله عنه

اللهم زدنا إيماناً بك وتوكلاً عليك واستعانةً بك ،اللهم كما أنجيت موسى وقومه فأنجِ المسلمين المستضعفين في كل مكان من فراعنة هذا الزمان، يا رحيم يا رحمان.
🎤
خطبــة.جمعــة.بعنــوان.cc
العاشر من محرم درس وعبرة .. !
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، الحمد لله الذي خلق الأرض والسموات ، الحمد لله الذي علم العثرات ، فسترها على أهلها وانزل الرحمات ، ثم غفرها لهم ومحا السيئات ، فله الحمد ملئ خزائن البركات ، وله الحمد ما تتابعت بالقلب النبضات ، وأشهد أن لا إله إلا الله لا مفرج للكربات إلا هو ، ولا مقيل للعثرات إلا هو ، ولا مدبر للملكوت إلا هو ، ولا سامع للأصوات إلا هو ، ما نزل غيث إلا بمداد حكمته ، وما انتصر دين إلا بمداد عزته ، وما اقشعرت القلوب إلا من عظمته ، وما سقط حجر من جبل إلا من خشيته ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قام في خدمته ، وقضى نحبه في الدعوة لعبادته ، واقام اعوجاج الخلق بشريعته ، وعاش للتوحيد ففاز بخلته ، وصبر على دعوته فارتوى من نهر محبته ، .. صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه واستن بسنته وسلم تسليمًا كثيرا إلى يوم الدين .

أمـــا بعــــد :
عبــــــــاد الله : لقد جعل الله الأحداث والوقائع والمناسبات وتاريخ الأمم والشعوب والأفراد وسيلة من وسائل التربية والتقويم وتصحيح المسار وأخذ العبرة والعظة للأفراد والأمم والشعوب التي تأتي بعدهم ليقيم الحجة على عباده قال تعالى (قدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ) [أل عمران 137] .. وقال سبحانه (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )[الروم 9] .. وقال عز من قائل (كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ ) (الدخان25-288)

وقال شعيب عليه السلام ..
لقومه مذكراً لهم حتى يرتدعوا عن طغيانهم ويستسلموا للحق الذي جاءهم من ربهم: (وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) [هود: 899]، فذكرهم بمصارع الماضين وبسنة الله في الغابرين، وكأنه يقول لهم: العاقل من وعظ بغيره ولقد كان لكم في مَنْ مضى عبرة لو كنتم معتبرين، فسنن الله تعالى لا تعرف المحاباة فمن يشاقق الرسل من بعد ما تبين له الهدى مصيره مصير من سبقه من الماضين، ولن تجد لسنة الله تبديلاً .

والمتأمل في سير الأمم السابقة
وأخبار الماضين يتبين ذلك جلياً... وأمر سبحانه وتعالى بتذكر وتدبر أحداث الأمم والشعوب والأفراد فقال ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (إبراهيم:5).

والمقصود هنا بتعبير‏ (‏ أيام الله‏)‏ هي الأحداث الكبرى في حياة الناس بما فيها من النعم والنقم‏ ..

والعاشر من شهر محرم ..
من أيام الله العظيمة والتي ينبغي للمسلمين أن يأخذوا الدروس والعبر من أحداثه .. فقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال : " ما هذا ؟ قالوا : هذا يوم صالح ، هذا يوم نجَى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى ، قال : فأنا أحق بموسى منكم ، فصامه وأمر بصيامه" . [ رواه البخاري 1865 ] ولماذا نحن أحق بموسى عليه السلام ؟ لأننا أمة من صميم عقيدتها أنها تؤمن بالله وتؤمن بجميع رسله قال تعالى (آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ) [البقرة:285]

وإن صيام هذا اليوم له فضل عظيم عند الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء ، وهذا الشهر يعنى شهر رمضان" . [رواه البخاري 1867] ومعنى يتحرى أي : يقصد صومه لتحصيل ثوابه . وقال صلى الله عليه وسلم : " صيام يوم عاشوراء ، إني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" [رواه مسلم 1976]
وإن من السنة في صيام هذا اليوم أن يصوم المرء يوماً قبله ليخالف اليهود.

أيها المؤمنون - عبــاد الله :-
يقول سبحانه وتعالى ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) [القصص:2-44]

ففي مثل هذه الأيام من شهر محرم نجى الله موسى عليه السلام وقومه من فرعون
وجنوده بعد حياة طويلة عاشوا فيها الظلم والاستعباد والحرمان بكل صوره فمن كان يظن أن فرعون الذي كان يقول في تكبر وتجبر ( يٰأَيُّهَا ٱلْملاَ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى فَأَوْقِدْ لِى يٰهَـٰمَـٰنُ عَلَى ٱلطّينِ فَٱجْعَل لّى صَرْحًا لَّعَلّى أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنّى لاظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ) [القصص:38] وكان ينادي ( يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَـٰرُ تَجْرِى مِن تَحْتِى أَفَلاَ تُبْصِرُونَ) [الزخرف:51] وكان يقول (مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ) [غافر:29]

من كان يظن أن كل هذا التكبر والتجبر سيأتي عليه يوم ويأذن الله بنهايته وزواله بل ويصبح فيما بعد عبرة للمعتبرين ودرساً للطغاة والظالمين قال تعالى (فَأَخَذْنَـٰهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَـٰهُمْ فِى ٱلْيَمّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلظَّـٰلِمِينَ وَجَعَلْنَـٰهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ لاَ يُنصَرُونَ وَأَتْبَعْنَـٰهُم فِى هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَـٰمَةِ هُمْ مّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ )[القصص:40-42] ..

و هذه هي سنة الله يملي للطغاة والظلمة ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر وإنها لسنة الله أيضاً في حفظ أولياءه والتمكين لهم في الأرض قال تعالى(وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ) [الروم:47] وقال تعالى ( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ )[الصافات:171- 173]

فموسى عليه السلام كان ممن توعدهم فرعون بالقتل والتصفية الجسدية وما زال في بطن أمة فمكر فرعون وجنوده والله خير الماكرين وولد موسى وألقت به أمه في البحر خوفاً عليه من القتل وهل يعقل هذا ؟ إنه كان يجب عليه إذا كانت تخاف عليه أن تضمه إلى صدرها ..

لكنها الثقة بالله قال تعالى ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ )[القصص:7] .. فأخذه فرعون ليكون له ولد ولم يكن يعلم أنها مقادير الله وأن نهايته ستكون على يدي هذا الطفل الرضيع ولكنها إرادة الله إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون .. وإنها لعبرة وعظة لكل متجبر وظالم طغى في هذه الأرض.

عبــــــــاد اللـــه :
إن حركة التغيير على مستوى الأمم والجماعات والأفراد لا تتوقف فإما أن تكون إلى الأحسن وإما أن تكون إلى الأسوأ فأما التي إلى الأحسن فتحكمها السنة القائلة (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد/11] فما من أهل قرية ولا بيت ولا بلد كانوا على معصية الله ثم تحوَّلوا عنها إلى ما أحب من الطاعة إلا حوَّلهم الله عما يكرهون من العذاب إلى ما يحبون من الرحمة ..

وأما التغيير إلى الأسوأ فتحكمه السنة القائلة (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال/53].

إن الله ليملي للظالم سوى كان فرداً أو مجتمع أو أمة ويغدق عليه من النعم والخيرات فيما يبدوا للناس حتى إذا كثر شره وزاد فسقه وانتشر ظلمه وغرته نفسه أخذه أخذ عزيز مقتدر قال تعالى (ألَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ)[الأنعام:6].. وقال تعالى: (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِـمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ) [الحج: 45]

والله سبحانه وتعالى لا يأذن بزوال الظلم وأهله حتى يكون هناك من يقارع الظلم ويقف أمام الباطل ويصدع بكلمة الحق ولو كان ضعيفاً أو فقيراً أو وحيداً كما فعل موسى عليه السلام وغيره من الأنبياء وأصحاب الحق والعظماء في كل زمان ومكان لأن الله لا يتخلى عن عباده ولا يترك أولياءه بل ينظر إلى أعمالهم ويطلع على نياتهم فإذا ما وجد من الجهد المطلوب والنية الخالصة أذن بنصره وهلاك أعدائه قال موسى عليه السلام (قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) (المائدة:255) ..

وهكذا هي سنة الله في هذه الحياة والتاريخ يشهد وأيام الله تترى علينا كل يوم تثبت هذه الحقيقة وتغرس في النفوس الإيمان والأمل والإستقامة وتقوم الإعوجاج وتصحح المسار وتوجه الإنحراف في أخلاقنا وأعمالنا وسلوكياتنا كلما صدقنا في فهمها وتدبرها
.

فاللهم أهدنا بهداك ولا تولنا أحداً سـواك وخذ بنواصينا إلى كل خير ... قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه


الخطـــبة.الثانـيـــة.cc
عبــــــــاد الله :- ولا ننسى أن نذكر في هذا اليوم مقتل سبط رسول الله صل الله عليه وسلم وحفيده وسيد شباب الجنة الحسين بن على رضي الله عنهم، وكان قد خرج إلى الكوفة ليبايعه أهلها ورفضاً لولاية يزيد بن معاوية، وكان أهل الكوفة قد دعوا الحسين وأوهموه بأن أعدادهم كثير حتى بلغت في الروايات إلى ثمانية عشر الف وأربعون الف، فأرسل ابنَ عمه مسلمَ بن عقيل بن أبي طالب ليستطلع الأمر ويقفَ على حقيقته..

ولما علم الصحابة بما أراده الحسين توافدوا عليه لثنيه عن وجهته؛ فكان ممن جاءه ابن عباس وأبو سعيد الخدري وعبدالله بن عمرو بن العاص وعبدالله بن الزبير وجابر بن عبدالله والمسور بن مخرمة وغيرهم
بل إن عبدالله بن عمر لما بلغه مخرج الحسين لحق به على مسير ثلاثة أيام من مكة ونصحه بالعودة فقال له الحسين: هذه كتبهم وبيعتهم.

فقال ابن عمر: لا تأتهم؛ وإني محدثك حديثاً: إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيّره بين الدنيا والآخرة؛ فاختار الآخرة ولم يُرِد الدنيا. وإنكم بَضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والله لا يليها منكم أحد أبداً؛ وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم. فأبى الحسين أن يرجع؛ فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال: أستودعك الله من قتيل.
بلغ الخبرُ يزيدَ بن معاوية فكتب إلى واليه على البصرة: عبيدالله بن زياد؛ يضم إليه الكوفة ويدعوه إلى معالجة الأمر.

ولما وصل عبيدالله بن زياد إلى الكوفة بعث من يتحرى له الأخبار ويتقصّى الحقائق؛ فعلم أن الناس ينتظرون قدوم الحسين؛ وأن الرأس المدبر هو مسلم بن عقيل فطلبه. وعلم مسلم بمراد عبيدالله بن زياد فجمع معه أربعة آلاف؛ وحاصروا قصر عبيدالله بن زياد بالكوفة، فصار عبيدالله بن زياد يأمر أشراف القبائل ووجهاء الكوفة أن يخذّلوا الناس عنه؛ حتى كانت الأم تأتي إلى ابنها وتقول: ارجع؛ والناس يكفونك. ويأتي الأب إلى ابنه فيقول: إنه لا طاقة لك بجنود الشام لو أقبلت. فتخاذل الناس عنه حتى لم يبق معه إلا خمسمئة نفس؛ ثم نقصوا حتى الثلاثمئة؛ ولم يزالوا يرجعون عنه حتى لم يبق معه إلا ثلاثون رجلاً؛ فصلى بهم المغرب؛ ولما أظلم الليل صار وحيداً؛ فصار يمشي متخفياً؛ لكنه لم يلبث أن ظفر به عبيدالله بن زياد وعزم على قتله.

ولما وُقف به –أعني: مسلم بن عقيل- بين يدي عبيدالله بن زياد؛ وعَلِمَ أنه قاتله؛ التفت في وجوه الحاضرين فوقع بصره على محمد بن الأشعث؛ فأوصاه أن يبعث إلى الحسين ليرجع؛ وقال مقولته المشهورة: ارجع بأهلك ولا يغرنّك أهل الكوفة؛ فإن أهل الكوفة قد كَذَبوك وكذبوني؛ وليس لكاذب رأي، ثم قُتل رحمه الله في يوم عرفة من سنة ستين للهجرة.

علم الحسين رضي الله عنه
بمقتل ابن عمه في الكوفه، فجاءته رسائل وكتب من أهل الكوفه للقدوم، وأنه ليس كأبن عمه مسلم بن عقيل وأنهم سيقفون معه، أصر عندها الحسين على القدوم على الكوفه فعلم عبيد الله بن زياد والي الكوفه فأرسل الحر بن يزيد الحنظلي في ألف مقاتل ليصدوا الحسين؛ فلقيه بالقادسية وطلب منه أن يغيّر وجهته فأبى؛ عندها كانت المعركة بين الحسين ومن معه وبين الحر بن يزيد الحنظلي وجيش عبيد الله بن زياد، وقتل الحسين رضي الله عنه، أما أهل الكوفه ومن أدعى مشايعته ونصرته فقد غدروا به وكذبوا عليه، مات الحسين رضي الله عنه مظلوماً وشهيداً ومجتهداً ، رحمه الله رحمة الأبرار.

معاشـــر المسلمـــين :
قتل كما قتل الأبطال والعظماء على مر التاريخ، وأصبحت سيرتهم عطره على كل الأفواه ، لكن هذه الحادثة والواقعة لا تعطي لأحد الحق في إثارت النعرات الجاهلية ، والطائفية المقيته، التي أهلكت الأمة، وسالت دمائها بسبب الجهل وتغذيتها من قبل أعداء الاسلام .

وينبغي لكل من تذكّر هذه الرزية أن يسترجع استرجاع المؤمن عند المصائب؛ فالقلب يحزن؛ والعين تدمع؛ ولا ينطق اللسان إلا ما يرضي الله جل وعلا.
ولذا؛ لا تحلّ أفعال بعض الغوغاء في هذا اليوم من النياحة واللطم على الحسين؛ حيث زعم بعضهم أنه يكفّر بذلك خطيئة أجداده الذين خانوا الحسين؛ فالنصوص جاءت عامة بالنهي عن النياحة على الميت؛ وعن لطم الخدود وشق الجيوب.

ثم إنه قد قُتل من هو خير من الحسين فلم يفعل معه الناس كما يفعلوا اليوم؛ فقد قُتل أبو الحسين عليٌ فجر الجمعة في السابع عشر من رمضان فلم يُتخذ يوم مقتله مأتماً؛ وقُتل عثمان؛ وقبله عمر؛ ومات الصديق؛ بل مات رسول الله صل الله عليه وسلم كما مات الأنبياء والرسل قبله فلم تُتخذ أيام موتهم مآتم.
قال ابن رجب رحمه الله: "وأما اتخاذه –يعني: يوم عاشوراء- مأتماً كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما فيه فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعا، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف بمن دونهم"اهـ.

عـــباد اللـــه :
لقد قدم رسول الله صل الله ع
ل

يه وسلم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله: " ما هذا اليوم الذي تصومونه؟" فقالوا: هذا يو م عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً فنحن نصومه. فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : "فنحن أحق وأولى بموسى منكم"، فصامه وأمر بصيامه.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي قتادة أن النبي صل الله عليه وسلم سئل عن صوم عاشوراء فقال: "يكفر السنة الماضية". وفي رواية: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".

عبـــــاد الله :-
لنستفد من أحداث الزمان ووقائع التاريخ، ولنتجنب السلبيات، ولنعمل على تعزيز الإيجابيات، فعودوا إلى دينكم رحمكم الله، وتعاهدوا الإيمان في قلوبكم وأدوا فرائضكم وقووا أخوتكم تتغير أحوالكم وتتنزل عليكم رحمات ربكم وتحفظ بلادكم وأوطانكم وتنتصروا على واقعكم المؤلم قال تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82) وقال تعالى: ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً ) (طـه:112)..

ثم اعلموا أن بعد العسر يسراً
وبعـــد الشدة فرجاً ومخـــرجا .. فثقوا بالله وتوكلوا عليه
إذا اشتملت على اليأس القلوب
وضاق لما به الصدر الرحي
وأوطأت المكـاره واطمأنت
وأرست في أماكنها الخطوبُ
ولم تر لانكشاف الضر وجهاً
ولا أغـنى بحيلته الأريـبُ
أتاك على قـنوط منك غوثٌ
يمن به اللطـيف المستجيبُ
وكـل الحادثات وإن تـناهت
فموصول بها الفرج القريبُ

اللهم أصلح شأن المسلمين, ويسر أمورهم, اللهم اجعل لأمة الإسلام من كل هم فرجاً, ومن كل ضيق مخرجاً, ومن كل عسر يسراً, ومن كل بلاء عافية, اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين.

=========================
🎤
خطبــة.جمعــة.بعنــوان.cc
إنَّهم قَتَلَةُ الحُسين (رضي الله عنه)
للشيــخ/ مــحــمــــــد ســعــيـــد رســـلان
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــةُ.الأولـــى.cc
إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، ومِنْ َسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ له، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلي الله عليه وعلى آله وسلم.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].

أَمَّـــا بـــَعْــــــد ُ:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.

ثم أَمَّـــا بَـــعــــــْدُ:
فإنَّ إبليس عليه لَعَائِنُ الله لبَّسَ على طوائف من الخَلق فخرجوا على عليٍّ رضي الله تبارك وتعالى عنه وكَفَّرُوه وقاتلوه وقتلوه، وفي المقابل لبَّس على طوائف من الخَلق غالوا في علي رضي الله عنه فادَّعى منهم أقوامٌ أنَّه الله, وادَّعى منهم أقوامٌ أنَّه نبي, وادَّعى فيه منهم مَنْ ادَّعى أقوالاً لا نُضَيِّعُ الزمان في سردها.

وعَصَمَ الله أهل السُّنَّة؛ فكانوا على الوَسَطِ الذي ارتضاه الله تبارك وتعالى لهم؛ فأحَبُّوا آل البيت, ووالوا آل البيت, ولم يُنزلوهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله تبارك وتعالى فيها، فعصمهم الله رب العالمين باتِّباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الإفراط والتفريط, والغلو والجفاء معًا.

والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يخطب على المنبر يومًا فجاء الحسن بن علي رضي الله عنهما يتعثر, فنزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن المنبر فحَمَلَهُ وصَعِدَ به المنبرَ, وأجلسه, وقال: (إنَّ ابني هذا سيدٌ, وعسى الله أنْ يُصلح به بين طائفتين عظيمتين من المؤمنين), فكانت نبوءةً من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نطق بها بالوحي المعصوم, ووقع الأمر كما أخبر به الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في عام الجماعة لما بُويع للحسن رضي الله عنه بالخِلافة, وأرادَ معاويةُ رضي الله عنه أنْ يُصالحه وأن يشترط, فنزل له عن الخلافة واستقام الأمر, واجتمع المسلمون فسُمِّيَ العامُ (عامَ الجماعة).

النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أنَّ حسنًا وحُسينًا سيدا شباب أهل الجنة, وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحمل الحسن ويقول: (اللهم إني أُحبُّه فأَحِبَّه).

ومَضَت الأيام وتعاقبت السنون ووقع بين المسلمين ما وقع، وعصم الله من الوقوع في الفتنة من عصم, واستقام الأمر في عام الجماعة.

فلمَّا قضَى معاوية رضي الله عنه ومضى إلى ربه بُويع ليزيد في شهر رجب - وكان على رأس الرابعة والثلاثين من عمره - بُويع له بالخلافة - وقد وُلِدَ سنة ستٍ وعشرين من الهجرة - فبايعه من بايعه, وامتنع عن البيعة عبد الله بن الزبير والحسين بن علي رضي الله عنهما.

ثمَّ إنَّ أهل الكُوفة لمَّا عَلِمُوا أنَّ حُسينًا رضي الله عنه امتنعَ عن البيعةِ ليزيد راسلُوه، فتواتر الطَّوَامِيرُ - أي: الصحف - بالبيعة للحُسين رضي الله تبارك وتعالى عنه مع دعوتهِِ إلى الخروج إليهم من أجل أن يصير الأمر إلى نِصَابِهِ الذي كان ينبغي أنْ يكون فيه - كما يدَّعُون!

وأمّا الحُسين رضي الله عنه
فإنَّه أوفَدَ مُسْلِمَ بن عَقِيل بن أبي طالب لكي يَأخُذَ له البيعةَ من أهل الكوفة, ومن أجل أن يرى الأحوال عِيَانًا, وتهافت النَّاسُ على مُسْلِمٍ رحمه الله تعالى بالبيعة للحُسين رضي الله عنه, فجاءهُ اثنا عشرَ ألفًا يُبايعونه - يبايعون الحسين بن علي -, ويعاهدونه على المنافحةِ دونه بالدماء والأموال, ثمَّ تهافتوا حتى صاروا ثمانيةَ عشرَ ألفاً، وأرسل مُسْلِمٌ حين ذلك إلى الحُسين رضي الله عنه أنَّ الأمر قد استَتَبَّ فاخرج إليهم؛ فخرج رضي الله عنه بِثِقْلِهِ وبحَشَمِهِ وأزواجه وأولاده - رضي الله تبارك وتعالى عن آل البيت أجمعين - خرج يوم التَّروِيَة لسَنَةِ ستين من الهجرة.

فلمَّا عَلِمَ بخروجه عبدُ الله بن عباس رضي الله عنهما تَعَلَّقَ به وقال: (لولا أنَّهُ يُزرِي بي وبك لَتَشَبَّث
ْتُ برأسك ولم أدَعْك تخرج, ولكن إنْ كنت لابد فاعلًا فدَع أهلك وذراريك ونساءك واخرج - إن خرجت - وحدك؛ فإن أهل العراق أهل غدر, وقد رأيت ما فعلوا بأبيك وأخيك من قبل؛ فلا تخرج إليهم).

قال: (انظر هذه الطَّوَامِير - أي: الصحف -), وفيها ما فيها من كلامهم باستقدامهم إيّاه، ومعاهدته على النصر والدفاع دونه حتى الموت.

فقالَ: (إنْ كانوا قدْ دَعوك وقد عزلوا واليهم وضبطوا أمورهم ثم استقدموك من أجل أنْ يُوَلُّوك والأمر جميعٌ فاخرج إليهم، وإلا فلا تخرج).

فأبى الحُسين رضي الله عنه إلا الخروج وكان أمرُ الله قَدَرًا مقدورًا.

ولمَّا عَلِمَ عبدُ الله بن عمر رضي الله عنهما بخروج الحُسين - وكان بمكة - سار إليه فَلَحِقَ به على مسافة ثلاثة أيامٍ سيرًا, فقال له ما قال وراجعه, وأَبَى الحُسين رضي الله عنه إلا الخروج، فقال ابن عمر رضي الله عنهما: (إنَّكم بَضْعَةٌ من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وإنَّ الله ربَّ العالمين قد عَرَضَ على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا الأمر - يعني: المُلك - فأباه صلى الله عليه وسلم, فوالله! لا تكونُ فيكم أبداً فارجع).

فأبَى إلا الخروج وكان أمرُ الله مفعولًا.

فخرج الحُسين رضي الله عنه إلى أهل الكوفة بموعدَتِهِم واستقدامِهِم وعهودِهِم.

وأهل الكُوفة من الروافض كما قال البغدادي في ((الفَرْقِ بين الفِرَقِ)) قال: (إنَّ الروافض من أهل الكُوفة هم أغدر الناس وأبخل الناس حتى صاروا مثلاً، يُقال: أغدرُ من كُوفي, ويُقال: أبخلُ من كوفي).

وقد استبان أمرُهم في مواضع منها: أنَّهم لمَّا بايعوا الحسن رضي الله عنه, وخرج رضي الله عنه بمَنْ معه لقتال معاوية رضي الله عنه غَدَرُوا به - أي: بالحسن رضي الله عنه -, لمَّا بايعوا الحسن بن علي وسار لقتال معاوية غدروا به, وضربه من ضربه منهم في جنبه حتى ألقاه، وغدروا به عند سَابَاطِ المدائن فهذا أول الغدر.

ثمَّ غدروا بالحسين رضي الله عنه فبايع مُسْلِمَ بن عَقِيلٍ - رضي الله عنه ورَحِمَه - بايعه ثمانيةَ عشرَ ألفًا منهم, وكان على الكوفة في ذلك الوقت النُّعمانُ بن بَشِيرٍ رضي الله عنه, وكان حليمًا نَاسِكًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فلمَّا عَلِمَ بما يجري هنالك من أمر البيعة وما هنالك من الرِّيبة خطب الناس, فأَعلَمَهُم أنَّه لا يأخذ أحدًا بالظِّنَّةِ, ولكن إنْ خرجوا على إمامهم فإنَّه سَيُعْمِلُ السيف في رقابهم, ولكن لا يأخذُ أحدًا بِظِنَّة, وكانَ حليمًا ناسكًا رضي الله عنه.

فعزله يزيد وضمّ الكوفة إلى البصرة؛ فجمعهما معًا لعُبَيد الله بن زياد - عامله الله بعدله - وكان ظلومًا غشومًا، فلمَّا تولى أمرَ الكوفة مع أمرِ البصرة جاء الكوفةَ فمازال في الفَتْشِ والبحثِ والتنقيبِ؛ فانفضَّ أهلُ الكوفة عن مُسْلِمٍ حتى أَسْلَمُوهُ, وحتى صار طريدًا شريدًا فَقُتِلَ.

قُتِلَ مُسْلِمٌ رحمه الله تعالى يومَ عرفة, وكان قد أرسلَ قبل ذلك إلى الحُسين ليخرج لأهل الكوفة؛ فإنّهم على قلب رجلٍ واحد كما أَوهَمُوه, وكما ادَّعَوا!

فجاء كتابَهُ الحُسينَ رضي الله عنه فجمع أهلَه وذريته, وأخذ حَشَمَه وخرجَ رضي الله عنه يوم التَّروِيَةِ من سَنَةِ ستين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلَّمَ، وقُتِلَ مُسْلِمٌ يومَ عَرَفَة من ذات السَّنَة في اليوم الثاني لخروج الحُسين رضي الله عنه.

والنَّاسُ في أمرِ الحسين طَرَفَان ووسط: فَطَرَفٌ هم النَّوَاصب مِنْ قَتَلَةِ الحُسين ومِنْ مُبْغِضِي آل البيت يقولون: إنَّ الحُسين قد قُتِلَ بحق، وقد خرجَ على الإمام خروجًا لا ينبغي له أن يخرجه، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول - كما يقولون - والحديث عند مسلم في الصحيح: (من جاءكم وأمرُكم جميعٌ على رجلٍ واحدٍ يريد أن يَشُقَّ العصا فاقتلوه كائِنًا من كان) معنى الحديث.

قالوا: فقد قُتِلَ الحسين بحق.
وهم لا يُحبُّون الحسين ولا عليًّا ولا آل البيت, بل إنّهم يُظهرون السرور لمقتله رضي الله عنه, فهذا طَرَف.

وطَرَفٌ آخر يقولون: إنَّهُ كان إمامَ الوقت وكان مُتَوَلِّيًا، وكان هو الذي بيده أَزِمَّةُ الأمور, فإنَّه يعقد الرَّايات لأهل الجهاد, ويُولِّي من يُولِّي من العُمَّال, ولا يُصَلَّى إلا خلف من وَلَّاه - رضي الله عنه -.

وهذا خطأ؛ فإنَّ الحُسين لم يكن مُتَوَلِّيًا رضي الله عنه وعن آل البيت أجمعين فهذا طرف.

طَرَفٌ قد أفرطَ فيه جدًّا, وطَرَفٌ فرَّطَ في أمرهِ جدًّا, وأمَّا أهل السُّنَّة فإنهم يقولون: إنَّ الحُسين رضي الله عنه قد قُتِلَ شهيدًا مظلومًا, وإنَّهُ رضي الله عنه لمَّا أنْ حُوصِرَ ولمَّا أنْ جَدَّ الجِدُّ وانفضَّ عنه الناس - رضي الله عنه وعن آل البيت أجمعين - طَلَبَ من عُمَر بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه - وكان ابن زياد قد أرسله في جيشٍ لمقاتلة الحسين أو الإتيانِ به - فلمَّا جدَّ الجِدُّ قال الحسين: إمَّا أنْ تدعوني كي أرجعَ إلى المدينةِ من حيث خرجت, وإمَّا أنْ تدعوني حتى أذهبَ إلى يزيد فأضعَ يدي في يده, وإمَّا أنْ
ت

دعوني حتى أذهبَ إلى ثَغْرٍ من ثُغُورِ المسلمينَ فَأُرَابِطَ هنالك مجاهدًا في سبيل الله.

وأَبَوا عليه إلا أن يَسْتَأسِرَ لهم - ولم يكن ذلك واجبًا عليه -، وأَبَوا عليه إلا أنْ يضعَ يدَه في يد ابن زياد, وأن يصير أمرُه إليه؛ فأَبَى رضي الله تبارك وتعالى عنه, فقتلوه, فَقُتِلَ مظلومًا شهيدًا رضي الله عنه.

فأهل السُّنَّة يقولون: إنَّ الحُسين رضي الله عنه ما كان مُوَفَّقًا في الخروج رضي الله عنه.

ولذلك كما يقول علماؤنا رحمة الله عليهم وكما قرروه بعد في كتبِ العقيدة من عدم الخروج على وُلَاةِ الأمرِ, وأنَّ ذلك يَجُرُّ من الشر ما يَجُرُّ, وصار ذلك مُدَوَّنًا في كتب العقيدة كما قال شيخ الإسلام في ((مِنهَاج السُّنَّة)) وفي غيره رحمة الله عليه.

فأهل السُّنَّة يقولون: إنَّ حُسينًا رضي الله عنه لمَّا جَدَّ الجِدُّ عَرَضَ عليهم ما عرض، وكان واجبًا عليهم أنْ يُنصفوه رضي الله عنه، فإمَّا أنْ يتركوه لكي يعودَ إلى المدينةِ, وإمَّا أنْ يَدَعُوه حتى يذهب إلى يزيد، وإمَّا أن يدعوه حتى يذهبَ فيُرابطَ في سبيل الله رب العالمين مجاهدًا - وقد أَنْصَفَهُم رضي الله عنه -, ولكن أَبَوا إلا أن يَسْتَأسِرَ لهم, وأَبَى أنْ يُعطِيَ الدَّنِيَّةَ من أمرِهِ, وأنْ يأتيَ الأمرَ الذي فيه المَذَلَّة؛ فَتَأَبَّى عليهم فقتلوه, ومَنَعُوا عنه الماء والماءُ مَبذُول رضي الله تبارك وتعالى عنه وعن آل البيت أجمعين.

أهل السُّنَّة لا يأخذون بالخُرافات التي نُسِجَت في هذا الموضعِ وفي ذلك الأمرِ، فأهل السُّنَّة يعلمون مُوقِنِينَ أنَّ يزيدَ لم يَأمر بقتل الحسين رضي الله عنه, وأنَّه لمَّا حُمِلَ نَعيُهُ إليهِ استَعبَرَ بَاكِيًا وقال: لَعَنَ اللهُ ابنَ مَرْجَانَةَ - ويقصد بذلك ابنَ زياد، فاستَمْطَرَ عليه لَعَنَات الله ربِّ العالمين - وقال: قد كنت أرضى منهم بما دون ذلك - وهو: قتل الحسين، يعني: كنت أرضى منهم بما دون قَتلِهِ رضي الله تبارك وتعالى عنه -, فما أمر بقتله, ما أمر بقتل الحسين وما رَضِيَ به، وأمَّا الذي نُقِلَ بعد ذلك من تلك الأساطير فشيءٌ قد نَسَجَهُ أهلُ الكذبِ.

ومعلوم أنه لم تُسبَ هاشميةٌ قط، وأمَّا أهل الكذبِ فَيُرَوِّجُونَ في كتبهم أنَّ آل البيت من النساء قد سُبِينَ, وذلك لم يكن قط, ولم تُسبَ هاشميةٌ أبدًا، ولم يحدث من ذلك شيء, بل إنَّهُنَّ لمَّا حُمِلن فدخلن دارَ يزيد علا النُّوَاحُ هنالك في دارِهِ, وأُكْرِمنَ غايةَ الإكرام، وكلُّ الذي نُسج من ذلك إنَّما هو من الخُرافات من خُرافات الروافض.

والروافض لم يأتِ إلى آل البيت شيء يَضُرُّ إلا مِن قِبَلِهِم, وما أُصيبَ آل البيت إلا بسببهم.

وآل البيت هؤلاء الشيعة أسلَمُوهم مرةً ومرةً ومرة، هم الذين خَذَلُوا الحسنَ رضي الله عنه, وهم الذين خَذَلُوا حُسينًا رضي الله عنه, وهم الذين خَذَلُوا زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه, وهم الذين رَفَضُوه وبها سُمُّوا (روافض).

هؤلاء الروافض أخبثُ النَّاس نِحلَةً, وأعظمُ الناس مكرًا, وأجبنُ الناس نفسًا.

هؤلاء الروافض أضرُّ على دينِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى.

هؤلاء الروافض الذين يَدَّعُون الألوهيةَ في علي - بعضهم -.

هؤلاء الروافض الذين يَدَّعُون العِصمَةَ في الأئمة.

هؤلاء الروافض الذين يُكَفِّرُونَ أصحابَ محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

يقول الشعبي عنهم: هم أحمقُ الناس, ولم أرَ قومًا أحمق من الروافض قطُّ، لو كانوا من الدَّواب لكانوا حُمُرًا, ولو كانوا من الطير لكانوا رَخَمًا.

هؤلاء الروافض هم أحمقُ الخَلق؛ لأنهم يأتون بأساطير وبأمورٍ لا يمكن أن تُصَدَّق.

هؤلاء الذين خذلوا حُسينًا رضي الله تبارك وتعالى عنه حتى قُتِلَ في اليوم العاشر من شهر الله الحرام الذي يُقال له المحرم سَنَةَ إحدى وستين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بكربلاء, أسلموه بعدما استقدموه فاستفزوه حتى أخرجوه ثم انفضُّوا عنهُ فكانوا هباءً كما قال ابن كثير رحمه الله تعالى، فصار إلى ما صار إليه رضي الله تبارك وتعالى عنه. هؤلاء الروافض يُحيُون النُّواح عليه.

والناس في عاشوراء أضلّ الشيطانُ قسمين كبيرين منهم, وعصمَ اللهُ ربُّ العالمينَ أهلَ السُّنَّة من الوقوع فيما يخالف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم: فقِسمٌ من الناس ينُوحُون ويُحيون النوح والبكاء في هذا اليوم - وهم أولئك الروافض - يأتون بما لا يأتِ به عاقل, فيخرجون وقد عَرَّوا الصدور, وأما النساء فقد نَشَرنَ الشعور يلطمن ويضربن الصدور، وأمَّا الرجال فإنهم يخرجون وقد عروا صدورهم, ويأتون بالسلاسل - وقد جعلوا في أطرافها الشَّفْرَات الدِّقاق - ويضربون بتلك السلاسل صدروهم وظهورهم, وبعضهم يأتي بسيوف وخناجر ويجرحون بها وجوههم ورؤوسهم ويُسيلون الدماء, ويحيون االنَّوحَ والبكاء في هذا اليوم.

ومعلوم أنَّ النِّيَاحةَ من أمرِ الجاهلية, وأنَّ من أكبرِ الذنوب التي يُبارز بها الله رب العالمين النياحة - يعلمون ذلك أو لا يعلمونه! -.

ومن أكبر ال
ذنوب

التي يُبارزُ بها اللهُ هو إحياء النِّيَاحةَ والبكاء على المصائب التي مَضَت, فيُحيون ذلك كفعل أهل الجاهلية - وهم الذين خذلوهُ بدءً, وهم الذين أسلفُوه سابقًا -، ثم يخرجون بعد ذلك يقول إمام ضلالتهم الخُميني: إنَّه ما حَفَظَ الإسلام مثلُ البكاء والنوح على سيد الشهداء عليه السلام - كما يقول! -, وما يحدثُ في الحسينيات.

وكَذَب بل إنَّه من أكبر مَعَاولِ الهدم لدين الله ربِّ العالمين, وما أُوتِيَ الإسلامُ في يومٍ من الأيام إلا من قِبَلِهم, فإنَّهم يُوالون كل عدوٍ لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ولدين الإسلام العظيم، وما كانوا في يومٍ من الأيام من حَمَلَةِ الجهاد والسيف في سبيل الله, وإنما تسلُّطهم على أهل السُّنَّة.

يُوالون اليهود، ويُوالون كل باغٍ على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, وعلى أتباع محمد صلى الله عليه وسلم, وعلى كل سُنِّي, وحقدُهم على أهل السُّنَّة معلوم معلوم.

فهذا قسمٌ من الناس يُحيُون النِّيَاحة كفعلِ أهل الجاهلية - بل أشد -, ويُشمِتُونَ في أهل الإسلام كل أعدائِهِ بما يصنعونَ مما يَتَرَفَّعُ عنه كلُّ صاحب عقل من كلِّ مِلَّةٍ كانت وتكون, ولكن كذلك يصنعون!

فيَتَّخِذُونَ هذا اليوم مَنَاحَة, ويتخذونه عيدًا للحُزن فيفعلونَ فيه ما يفعلون مما هو معلوم.

وطائفةٌ تَبِعُوا قَتَلَةَ الحُسين من النَّوَاصِبِ مِنْ مُبغِضِي آل البيت يتخدون يومَ عاشوراء يومَ فرحٍ ويومَ عيدٍ ويوم سرور, فَيُوَسِّعُونَ فيه على الأولاد, ويضعون الأحاديث في ذلك - وهي مكذوبةٌ على خير العبادِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.

ويَدَّعُون كاذبين أنَّ من وَسَّعَ في يوم عاشوراء على أولاده وعلى أهل بيته وَسَّعَ الله ربُّ العالمين عليه عامَّةِ سَنَتِهِ, وهذا كذبٌ مُختَلَقٌ على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ويَدَّعُون أنَّ من تَكَحَّلَ بالإِثْمِدِ فيه لم يرمد إلى غير ذلك من تلك الخرفات التي وضعوها من أجلِ حَضِّ الناس على إظهار الفرح في يوم عاشوراء.

وكثيرٌ من أهل السُّنَّة لا يعلمون منشأ الدعوة إلى الفرح وإظهار الفرح والتَّوسِعَةِ على العِيَال, هذا من فعل النَّواصب من مُبغضي آل البيت الذي يُظهرون الفرحَ في هذا اليوم لمقتل الحُسين رضي الله تبارك وتعالى عنه وعن آل البيت أجمعين.

وهَدَى اللهُ أهلَ السُّنَّة للحقِّ للوسطِ في هذا الأمر فيعلمون أنَّ هذا اليوم هو يومٌ صالح نَجَّى اللهُ فيه موسى وقومَهُ من فرعونَ ملأهِ، فصامه موسى شكرًا لله تعالى, وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا سَمِعَ ذلك, قال صلى الله عليه وسلم - وما تَلَقَّاه من اليهود لمَّا سألهم, فإنَّهُ صلى الله عليه وسلم معصومٌ مُؤيدٌ بالوحي صلى الله عليه وسلم فما تلقاه منهم – قال صلى الله عليه وسلم: (نحن أولى بموسى منكم), فصامه صلى الله عليه وسلم.

بل كما قالت عائشة: كان أهل الجاهلية يُعَظِّمونَ اليوم العاشر من شهر الله المحرم, كان أهل الجاهلية يصومونه, وصامه النبي صلى الله عليه وسلم قبل البَعثة.

يقول العلماء: لَعَلَّ ذلك كان عند أهل الجاهلية قبل البَعثة كأثارةٍ من آثارِ ما تلقَّوه وما بقي فيهم مِنْ شرع مَنْ سبق ومِنْ آثار المِلَّةِ التي سبقت مما كان قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, فقالت عائشة كما هو في الصحيح بل في الصحيحين قالت رضي الله عنها: (إنَّ أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء, وكان النبي يصومه صلى الله عليه وسلم، فلمَّا هاجر صلى الله عليه وسلم وجدَ اليهود يصومونه، فسأل فقالوا: هذا يوم صالح نجَّى الله فيه موسى وقومه من فرعون ملأه؛ فصامه موسى شكرًا لله فنحن نصومه، فقال: (نحن أولى بموسى منكم), فصامه النبي صلى الله عليه وسلم).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم - كما هو معلوم من أمرِهِ كلِّه - حريصًا على مخالفة أهل الكتاب, فقال في العام الذي مات فيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (نحن أولى بموسى منكم), فصامه وأمرَ بصيامه، ثم قال في العام الذي مات فيه صلى الله عليه وسلم: (لئِنْ عِشتُ إلى قَابل لأصومنَّ التاسع) صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقبض قبل ذلك صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وعليه يُحملُ حديث الحَكَمِ بن الأعرج عند مسلمٍ لما سأل ابن عباس عن يوم عاشوراء فقال له: (اعدد من الليالي تِسعًا فإذا أصبحت في يوم التاسع فصُم) وقد سألهُ عن عاشوراء، فقال بعض الناس: إنَّ عاشوراء هو اليوم التاسع من شهر الله المحرم مع أنَّهُ قد صح ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: (عاشوراء اليوم العاشر), وهو ما يقتضيه اللفظ، فعاشوراء معدُولٌ عن عاشرة؛ للمبالغة والتعظيم كما هو معلوم.

ولكن تخريج العلماء لحديث الحكم بن الأعرج عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما, وهو حديث صحيح أخرجهُ مسلم في صحيحه لمَّا قال: (اعدد من الليالي تسعًا) - يعني: إذا دخل شهر الله المحرم ثم إذا ما أصبحت فصُم التاسع -, قال العلماء لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في العام الذي مات فيه: (لئِن عِشت إلى قابل لأصومن التاسع), فلم يَعِش صلى
الله

عليه وعلى آله سلم وقَبَضَهُ الله إليه.

فدَلَّه ابن عباس عن الأمر الذي يَشتبه وعن الأمر الذي يَغمُضُ وعن الأمر الذي يَخفَى على كثيرٍ من الناس لمَّا رآه يسأل عن عاشوراء - وأمرُ عاشوراء معلوم -.

بل إنَّه كان فرضًا قبل أن ينزل فرض الصيام, ثم إنَّه لمَّا فَرَضَ الله رب العالمين صيام شهر رمضان صار بعد ذلك سُنَّةَ من سُنن النبي صلى الله عليه وسلم فمن شاء صامه ومن لم يشأ لم يصمه.

فالناس يعلمون أنَّ عاشوراء - حتى في الجاهلية - هو اليوم العاشر، فكلام ابن عباس من علمه وفقهه رضي الله عنه؛ لأنَّه يَدُلُّه على الأمر الذي يَغمُض والذي يقع فيه الاشتباه؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم التاسع؛ فدله على التاسع, ثم أَمْر العاشر معلوم؛ فدَلَّه على أن يصوم التاسع كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بعدُ يصوم - كما هو معلوم - اليوم العاشر - وهو عاشوراء - كما يصومه من يصومه من المسلمين.

أهل السُّنَّة في هذا اليوم وَسَطٌ بين الروافض الذين يُقيمون المَنَاحَةَ, يحيون أمور الجاهلية, ويفعلون ما يندى له جبين كل مسلم ينتمي منتسبًا إلى القبلة وإلى دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم, يندى جبينه ممَّا يفعلونه خِزيًا من هذا الذي يأتُونه, وهم منسُوبُون إلى القبلة, ومحسُوبُون على المِلَّة, ولكنهم يفعلون ما يفعلون.

وأهل السُّنَّةِ وسطٌ بين هؤلاء وبين النواصب الذين يُظهرون الفرح في يوم عاشوراء, ويتخذونه عيدًا يُوَسِّعُون فيه على الأهل والأولاد, وليس شيء من ذلك في سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم, وليس شيء من ذلك في فعل أحد من السلف رحمة الله عليهم، وإنما ذلك من البدع المُحدَثة, أحدثه العُبَيدِيُّون بمصر وأظهروا ما أظهروا من أمر النياحة, فكان ذلك أول ظهورٍ لأمر النياحة على الملأ - أَمْرًا عَامًّا - في أيام العُبَيدِيِّن الذين انتسبوا - زُورًا وإفكًا وطُغيانًا - لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهي بريئةٌ منهم براءةً كاملة، وإنما جَدُّهم الذي إليه ينتسبون هو ذلك القَدَّاحُ اليهودي فهذا أَصلُهم، فأظهروا ما أظهروا في ديار مصر من ذلك الأمر الشنيع, ثم مازال ذلك يَفشُو حتى صار الناس إلى ما صاروا إليه لما صارت لهم في أيامنا هذه دولة, فهم يصنعون ما يصنعون, ويأتون ما يأتون، والإسلام بريءٌ من هذا الذي يصنعونه، ومن هذا الذي يفعلونه, وهم حربٌ عليه, وهم أشد الناس خُصومة لآل محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم.

وأهل السُّنَّة أولى الناس بآل النبي صلى الله عليه وسلم يُحبونهم ويُقدمونهم ويُوالُونهم ويحترمون آل البيت, وذلك يَتَنَزَّلُ على صالحيهم - على صالحي آل البيت -.

آل البيت يعلمون حقَّ الشيخين وحق أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم, وما سُمِّيَ الشيعة رافضة إلا لرفضهم زيدَ بن علي, وذلك أنهم لمَّا خرجوا معه قالوا له: عليك أن تتبرأ من أبي بكر وعمر, فامتنع؛ فرفضوه، فقال: رفضتموني؟! فَسُمُّوا رافضةً من يوم إذ.

فهؤلاء الرافضة هم أعداء آل البيت وخذلوه, وهذا من موطن خِذلانهم لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أهل السُّنَّة يعلمون أنَّ اليوم العاشر من شهر الله المحرم يومٌ صالح, وقد نَجَّى الله ربُّ العالمين فيه موسى وقومَهُ مِنْ فرعونَ وملأهِ؛ فصامه موسى شكرًا لله ربِّ العالمين, والنبي أولى بموسى من كلِّ أحد؛ فصامه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم, ورَغَّب في صيام التاسع لكي يخالف أهل الكتاب في صيامهم لهذا اليوم، ولكنه صلى الله عليه وسلم قُبضَ قبل أن يحولَ عليه الحول, ولكن قال ما قال, وصارت سُنَّةً مَسنونةً.

نسأل الله أن يوفقنا لاتِّباع سُنَّةَ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم, وأنْ يُجنبنا مواطنَ الزلل والخلل والخَطَل, وأن يجعلنا من أهل السُّنَّة الأَجْلاد الذين يُقيمونَ على ذلك حتى يلقوا ربهم تبارك وتعالى.

ونسأل الله أن يحشرنا في زُمْرَةِ نبيِّنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.


الخطبـــةُ.الثانيـــة.cc
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين, وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له هو يتولى الصالحين, وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاةً وسلامًا دائمين مُتلازمين إلى يوم الدين.

أمـــا بـــعــــــد :
فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا وأخبر الأمة - كما نَقل عنه ذلك أبو هريرة رضي الله عنه وأخرجه مسلم رحمه الله في صحيحه: - (إنَّ أفضلَ الصيام بعد رمضان صيامُ شهر الله المحرم, وأفضلَ الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل أو صلاة الليل).

والنبي صلى الله عليه وسلم يخبر في هذا الحديث - وفي أحاديث ليست في الصحيح ولكنها صحيحة ثابتة -: (أنَّ أفضل الصيام بعد الفريضة صيام شهر الله الذين تدعونه المحرم)، فأفضل الصيام هو الصيام في شهر الله المحرم, وأفضل الصلاة بعد المفروضة ما كان في جَوف الليل الآخر قِيَامًا لله وصَفًّا للأقدام بين يديه.

وأخبرنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن فضلِ هذا الشهر
- وهو

من الأشهر الحرم - شهر الله الحرام الذي تدعونه المحرم، هذا الشهر الصيام فيه خير صيامٍ في العام إلا ما كان فرضًا, فاستثنى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شهرَ رمضان.

هل هو في صيام الشهر ككل؟

فإنَّ هنالك من الأيام ما هو خير بيقينٍ ولا نزاع في ذلك بل ذلك متفقٌ عليه بين أهل العلم كصيام يوم عرفة، فإنَّ أعظمَ الأيام في شهر الله المحرم هو اليوم العاشر منه, وهو يومِ عاشوراء.

وعند مسلم في صحيحه عن أبي قتادة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد سُئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ التي مَضَت)، يُكَفِّر ذنوب سَنَةٍ ماضية.

وهذا الحديث له روايات ومنها: (أحتسبُ على الله أنَّه يُكَفِّرُ ذنوبَ السَّنَةِ الماضية), وهذا أيضًا عند مسلمٍ في الصحيح رحمه الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ صيام يوم عاشوراء يُكَفِّرُ ذنوب سَنَةٍ مضت, وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ صيام يوم عرفة يُكَفِّرُ ذنوب سَنَةٍ خَلَت وذنوبَ سَنَةٍ بَقِيَت؛ فهو أفضل من يوم عاشوراء بلا نزاع.

فالنبي صلى الله عليه وسلم دَلَّنا على فضل الصيام في شهر الله المحرم بإجمال, ودَلَّنا صلى الله عليه وسلم على فضلِ صيامِ يوم عاشوراء على وجه الخصوص، ثم ذَكَرَ النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكر فقال: (لئِن عشت إلى قابل لأصومن التاسع), فقبضه الله إليه قبل أنْ يأتيَ بذلك صلى الله عليه وسلم.

والعلماء - كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله وتبعه على ذلك ابن حجر كما في ((الفتح)) - قالوا: إنَّ أفضل الصيام في ذلك أن يصوم يومًا قبله ويومًا بعده.

الحديث الذي عند البيهقي في ذلك حديثٌ لا يثبُت فلا يُتخذ حجةً: (صوموا يومًا قبله ويومًا بعده) هذا غير ثابت, وإن اتكأ عليه ابن القيم رحمه الله في تقرير ما قرر.

ولكن أهل العلم يقولون: يصومُ التاسعَ, ويصومُ العاشرَ, ويصومُ الحاديَ عشر فيصوم يومًا قبله ويصوم يومًا بعده, قال هذا ابن القيم رحمه الله, وتبعه على ذلك ابن الحجر رحمه الله تعالى.

ثم إنَّ المرتبة التي تلي ذلك: أنْ يصومَ التاسعَ والعاشرَ.

قالوا: وأدنى المراتبِ أن يصومَ العاشرَ وحدَه، ولهم في ذلك تخريجات, وأَعْدَلُ ما يُمكن أن يُقبل من تلك التخريجات أنهم يقولون: إنَّ الإنسان قد يُخطأ في إثبات دخول الشهر, فلو صام يومًا قبله وصامَ يومًا بعده لكان مُوَافِقًا للعاشر بلا نزاع ولا خلاف, فهذا كلامٌ قالوه.

والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أنَّه يصوم التاسع إن عاش, وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخالف أهل الكتاب, فخالفهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا, ودَلَّ المسلمين على أنَّه إن عاش إلى قابل ليصومن التاسع، ثم قُبض صلى الله عليه وسلم, وصار الأمر بعد ذلك من سُننه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فعلى المسلم الحريص على دينه المُتَّبع لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يجتهد في صيام التاسع و العاشر, فإن لم يكن فلا أقلَّ من أن يصوم العاشر؛ فهو يومٌ صالح, وصيامه يُكَفِّرُ به الله ربُّ العالمين ذنوب سَنَةٍ خَلَت.

وتكفير الذنوب كما هو معلوم إنما يقعُ على الصغائرِ دونَ الكبائر.

بل إنَّ بعض أهل العلم يقولون: إن الصغائر ليست في دَرَكَةٍ واحدة وإنما هي دَرَكَات.

فيقولون: (إنَّ الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة مُكَفِّرَات لِمَا بينهن ما اجتُنبت الكبائر) فهذا يقع به تكفير للذنوب من تلك الصغائر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما اجتُنبت الكبائر).

وصحيحٌ أنَّ الذي وَرَدَ في تكفير الذنوب بصيام يوم عرفة وصيام يوم عاشوراء ورد مطلقًا بغير قيد (يُكَفِّرُ ذنوب سَنَةٍ مضت وذنوب سَنَة بقيت) في عاشوراء وفي عرفة، فهذا كما ترى مُطلَقٌ بغير قيد, ولكنْ إذا كانت هذه الفرائضُ العظيمة لا تُكَفِّرُ الكبائرَ - ولا بد من إحداث توبة للكبائر حتى تُكَفَّركما قال علماؤنا رحمة الله عليهم -، إذا كانت الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان لا تُكَفِّرُ إلا الصغائر (مكفرات لما بينهن ما اجتُنبت الكبائر)؛ فصيام يوم من أيام النَّفل لا يمكن أن يكون أعظمَ من هذه الفرائض؛ فيقعُ تكفيرُ الذنوب بصيامه على الكبائر والصغائر.

فلابد من تقييد ما أُطلقَ هنالك على حسب هذا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فهذا يقع على الصغائر.

الصغائر ليست في دَرَكَةٍ واحدة، وهي جميعُها دون الكبائر، ولكن بعضها أغلظُ من بعض, وبعضها أحطُّ من بعض؛ فيقول بعض أهل العلم وعليه يمكن أن يُخَرَّج: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام يوم عرفة كَفَّرَ اللهُ عنه ذنوبَ سَنَةٍ مَضَت وذنوبَ سَنَةٍ بَقِيَت) لو أنه صام عرفة التي تلي فيقع التكفيرُ على السَّنَةِ التي يستقبلها بصيام يوم عرفة في السَّنَة التي مضت يقعُ التكفير بصيام يوم عرفة مرةً أخرى عليها، فإذا صام يوم عاشوراء وقع التكفير للمرة الثالتة على ذات السَّنة، فيقول العل
ماء: إن

َّ الصغائر ليست في دَرَكَةٍ واحدة, وبعضُها أحط من بعض، فما لم يُكَفَّر بهذا كُفِّرَ بهذا, ويجعلون ذلك على طبقاتٍ في تكفير تلك الصغائر من الصوات الخمس, من الجمعة إلى الجمعة, من رمضان إلى رمضان, بصيام يوم عرفة, بصيام يوم عاشوراء، فالتكفير الذي يقع للذنوب إنما يقع للسيئات - وهي الصغائر -, وأما الكبائر فلابد من التوبة منها.

والله رب العالمينَ لا يجعل ذلك واقعًا على ذلك, وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ فرائضَ الإسلام العظيمة من الصيام الواجب كصيام شهر رمضان, وكالصلوات الخمس, وما أوجبه الله علينا من الجُمُعَات, لم يجعل الله تبارك وتعالى ذلك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم مُكَفِّرًا للكبائر.

بل إنَّ بعض أهل العلم يقولون: لنا وجهان في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما اجتُنبت الكبائر).

فيقولون: إن التكفير للسيئات للصغائر لا يقع إلا مع اجتناب الكبائر، فأمَّا إذا لم يجتنب الكبائر فإن تكفير الصغائر لا يقع أصلا، فهذا قول من قولين عند أهل العلم في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما اجتُنبت الكبائر).

والقول الثاني - وهو المشهور عند جماهير أهل العلم من أهل السُّنَّة: - أنَّ التكفيرَ يقعُ على الصغائر وإن ارتُكبت الكبائر, وأما الكبائر فإنها تحتاج إلى توبةٍ من أَجْلِ أن يغفرها الله رب العالمين، نسأل الله أن يعفو عنا أجمعين.

وأما من لَقِيَ الله ربَّ العالمين بالكبائر من غير توبة فهو إلى المشيئة كما أخبرنا الله تبارك وتعالى في كتابه العظيم: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء : 48]. وهذا في حق من مات من غير أن يتوب من الشرك فلَقِيَ الله مشركًا فإنَّ الله لا يغفر له {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}.

وأمَّا من لَقِيَ الله ربَّ العالمين بما دون الشرك فهو في المشيئة إن شاء الله رب العالمين غفر له وإن شاء عذَّبه.

وأمَّا الذي يتوب فإنَّ الله رب العالمين يغفر جميع الذنوب بالتوبةِ النصوح بشروطها حتى ولو كان الذنب كفرًا, حتى ولو كان الذنب شركًا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر : 53]، هذا في حق من تابَ ولو كان قد كفر بالله رب العالمين كما في حال بعض من ارتد عن دين الإسلام العظيم بعد موت النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم عاود الإسلام مرة أخرى ثم مازال مجاهدًا في سبيل الله حتى قُتِل, بل إنَّ بعضهم قد تَنَبَّأ بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم:

طُليحة بن خويلد: وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم تَنَبَّأ وارتد! بل وغَزَا مدينة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم! فخرج إليه جُند الإسلام البواسلِ من مُقَاتِلَةِ المسلمين من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فَشَرَّدُوه ومن معه كلَّ مُشَرَّدٍ, فما زالت الأرض تَلفِظُه حتى أبعدَ ثم عاود دين الله رب العالمين, وأسلم إلى الله رب العالمين, ومازال مجاهدًا في سبيل الله رب العالمين حتى قُتل في سبيل الله جلَّ وعلا نحسبه كذلك.

والعلماء مختلفون: هل إذا تخللت الرِّدةُ إسلام أحد من المسلمين, وكانت له أعمالٌ صالحة قبل ثم عاود الإسلام بعد الرِّدة, هل يعود له ثواب الأعمال الصالحة التي كانت قبل أن يرتد عن دين الإسلام؟ هل تعود إليه بعد أن عاود دينَ الإسلام العظيم؟

هذا خلافٌ بين أهل العلم تجده مبسوطًا عند علمائِنا الأعلام رحمة الله عليهم, وما هو منك على طَرَفِ البنان تجده في كتاب الصلاة للعلامة ابن القيم رحمه الله.

الحاصلُ: أنَّ صيام يوم عاشوراء من سُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بل هنالك مراحل لفرض الصيام كما هو معلوم، وكان صوم يوم عاشوراء فرضًا على المسلمين قبل نزول رمضان - يعني: قبل نزول فرض صيام رمضان - كما هو مقررٌ عند علمائنا الأعلام.

والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يُرسل من يُنادي في الأقوام: (من أصبح منكم صائمًا فليُتمَّ صومه, وأما من أصبح منكم مُفطِرًا فليُمسك)، ثم كان ما كان حتى مع الصبيان، فكانوا يُلَهُّون الصبيان بتلك العرائس التي يصنعونها من العِهْنِ - أي: من الصوف - ثم ما يزال ذلك حتى تغرب الشمس حتى لا يُحِسُّوا بِأَلَمِ الصيام والإمساك عن الطعام والشراب.

ثم لمَّا فَرَضَ الله ربُّ العالمين صيام رمضان لم يَصِر فرضًا على أُمَّةِ محمد صلى الله عليه وسلم, وإنما هو سُنَّةٌ من سُنن رسول الله, وفيه هذا الفضل العظيم: (إني لأحتسب على الله أن يُكَفِّرَ ذنوبَ سَنَةٍ مضت - أو السَّنَةَ الماضية -).

وكما في حديث أبي قتادة رضي الله تبارك وتعالى عنه عند مسلم رحمه الله أنَّ النبي أخبر أنَّه يُكَفِّرُ ذنوب سَنَةٍ - أي: ذنوب السَّنة التي - مَضَت.

فعلينا أنْ نجتهد في صيامه، وعلينا أنْ نخرج عن الابتداعِ فيه, فلا تَوسِعَةَ على العِيَالِ فيه, فليس مَوسِمًا من مَوَاسِمِ الشرع, ليس
هذا بِمَو

سِمٍ من مَوَاسِمِ الشرع, بل إنَّ الذي يُوَسِّعُ على العيال فيه يُشابه النواصب من أعداء آل البيت وهو لا يدري! وقد أتى ببدعةٍ في دين الله ربِّ العالمين, فلا تَوسِعَةَ فيه, وإنما التَّعَبُّدُ لله ربِّ العالمينَ فيه بصيامه كما دَلَّنا على ذلك نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ليست فيه صلاة, فهي صلاة مبتدعةٌ وحديثها موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ودعاء يوم عاشوراء دعاءٌ مُختَرَعٌ مصنوعٌ أيضًا، وهذه الخُزَعْبَلات التي يأتي بها مَنْ يأتي مِنْ أمثال أولئك الذين يَدُورُونَ في الشوارع من أَجْلِ أنْ يَستَحلِبُوا أموالَ البُلَهَاءِ والسُّذج في هذا اليوم مِنْ أَجْلِ أنْ يؤتوهم ما يؤتونهم من تلك الخزعبلات والخرافات والبدع كل هذا ليس من دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

وإِحداثُ الحُزن فيه على مقتل الحسين رضي الله تبارك وتعالى عنه شيءٌ تفعله الروافض ولا يفعله أهلُ السُّنة.

والحسين لم يكن أفضلَ من علي, وقد قُتِلَ عليٌّ رضي الله عنه قَتَلَهُ الخوارج فضربه عبد الرحمن بن مُلْجَمٍ فقتلَهُ رضي الله تبارك وتعالى عنه, فَقُتل عليٌّ وهو أفضل من الحُسين بلا خلاف.

بل إنَّ حَسَنًا قد قُتل مسمومًا أيضًا كما هو المُرَجَّحُ عند أهل السُّنة - وإنْ كان يُنازِعُ في ذلك من يُنازِع -؛ لأن بعضَهم من أهل الرفض ومن تبعهم يتهم معاوية رضي الله تبارك وتعالى عنه وعن الصحابة أجمعين بأنَّهُ أرسلَ إليهِ من دَسَّ السُّم عليه أو كان مَوتُه مسمومًا بمعرفة معاوية رضي الله عنه، وهذا كله مما لم يثبت فيه خبر, ومن أخذ به فهو طاعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فحسنٌ رضي الله عنهُ قُتل على الراجح عند أهل العلم مسمومًا كما قُتل عليٌّ رضي الله عنه شهيدًا بل قُتل عثمان - وهو خير من علي - قُتل أيضًا، بل قُتل عمر - وهو خير من عثمان -، فكان ماذا؟!

أكرمهم الله ربُّ العالمين بالشهادة، وكما يقول شيخ الاسلام في ((مِنهاج السُّنة)): إنَّ حسنًا وحُسينًا إنما نشأَ وتَرَبَّيَا وترعرعا في عزِّ الإسلام وفي رَيعَانِهِ, فلم يُعانِيا ما عاناه أهلُهما من السابقين من الجهاد والنُّصرة والهجرة, فأبَى الله ربُّ العالمين إلا أن يُعْظِمَ لهما الأجر وأن يُلحقهما بالسابقين السالفين من آلِهِمَا بالشهادة التي أكرمهما الله بها.

فحسينٌ رضي الله عنه قد قُتِلَ
شهيدًا مظلومًا هذا ما نحن عليه.

أهل السُّنة يوقنون يعتقدون أن حسينًا مات شهيدًا مظلومًا, ويُقِرُّونَ أنَّ الخروج على الولاة هو من أعظم ما يجلب الشرور, بل لم يجلب الشرور على أمَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم شيءٌ هو أعظمُ من الخروج على ولاة الأمور؛ ولذلك في عقائد أهلِ السُّنَّة فلن تجد كتابًا جامعًا في عقائد أهلِ السُّنَّة إلا وفيه تقرير هذا الأمر العظيم، وهو: أنَّ أهلَ السُّنَّة لا يخرجون على ولاة الأمور وإن ضربوا ظهورهم, وأخذوا أموالهم, واستأثروا عليهم، ويعلمون (أنَّ الأمر إنما يأتي من هنا لا يأتي من هنا) كما قال الحسن البصري رحمة الله عليه.

فممَّا ساق الشرور إلى الأمة الخروجُ على ولاة الأمور وإن كانوا جَوَرَة, وإن كانوا ظَلَمَة, وإن كانوا فَسَقَة, وإن كانوا مُستأثرين، بل الذي صار إليه أهلُ السُّنَّة أنَّه لا يجوز الخروج على ولاة الأمور أو على الحاكمين المُتَغَلِّبين ولو كفروا بالله العلي العظيم إلا عند استكمال العُدَّة ولا عُدَّة.

فلا يجوز عند أهل السُّنَّة الخروج على الحاكم ولو كفر إلا إذا توفرت الشروط: أنْ يأتي بكفرٍ لا نِزاع فيه بين أهل القبلة, أمَّا إنْ كان مُتأولًا فهذا يُكَفِّره بما تَأَوَّلَهُ وهذا لا يُكَفِّره! فهذا ليس بالكفر البَوَاح، إلا أنْ يأتي بكفر بَواحٍ ظاهر لا يختلف فيه أهل العلم من أهل الحل والعقل - لا من طلاب العلم لا كبارًا ولا صغارًا، ولا من أهل العلم الذين لم يتأهلوا للاستنباط من الكتاب والسُّنَّة الذين يُفتون في النوازل! - بل يقضي بذلك أئمتهم من علمائهم الذين يُفتون في النوازل, فهؤلاء يُرجع إليهم هذا الأمر، (إلا أن يأتي بكفر بَوَاحٍ عندك فيه) - عندك - لا أن يُنقل إليك وتقول: حدثني الثقة!

وأهل العصر أكثرهم كَذَبَةٌ؛ عَانَينَا كَذِبَهُم حتى فيمن ينتسب إلى العلم منهم!

ولم نرَ صادقًا إلا من عصمَ الله, وحسبنا الله ونعم الوكيل.

شيءٌ مزعج أن ترى الكذب يتفشى في أهل العلم ومن ينتمي إلى دين محمد, ويُوهم الناس بأنه يَحملُ العلم الذي لا يحمله من كل خَلَفٍ إلا عُدُولُهُ!!

فلا يُنقلُ إليك وإنما عندك فيه من الله برهان، ثم يأتي شرط خامس قرره أهل السُّنَّة وهو: العُدَّة فأما إذا لم تُستكمل العُدَّة فالخروج فوضى ولا يجوز، ومَنْ قُتل عند ذلك خارجًا فدمُه مُهدر ولا قيمةَ له في ميزان الإسلام العظيم, وأمرهُ إلى الله ربِّ العالمين.

الذين خرجوا من السلف الصالح لم يكونوا خوارج, فَفَارِقٌ بين الخارجِ والخَارجيّ, أمَّا الخوارج فلهم أصول يصدُرون عنها ويتحركون بها.

الحسين رضي الله عنه خرج فلمَّا جَدَّ الج
2024/09/24 14:32:31
Back to Top
HTML Embed Code: