Telegram Web Link
ِدُّ خيَّرَ

هم فلم يُخَيِّرُوه.

عبد الله الزبير خرج أيضًا وقُوتل حتى هدم الحجاج بالمجانيق - نصبها على الجبال حول الكعبة - حتى هدم الكعبة, وقُتل ابن الزبير رضي الله تبارك وتعالى عنه وعن أبيه وعن أمه وعن الصحابة أجمعين، قُتل في الحرم رضي الله تبارك وتعالى عنه، وهو من صِغار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, وكان أهلًا للخلافة ولكن الخروج شرٌّ.

ولذلك لمَّا أراد الحسين رضي الله عنه أن يخرجَ تعلق به ابن عباس, فالأمرُ جميع والناس قد بايعوا ليزيد، وهؤلاء الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم كانوا يَزِنُونَ الأمور, ولكن كان أمر الله قدرًا مقدورًا، والحسين كان أحقَّ بها وأهلها, ولكن قد بُويع ليزيد فانتهى الأمر، فلمَّا خرج الحُسين رضي الله تبارك وتعالى عنه ووقع ما وقع من فتح باب الشرِّ الذي لم يُغلق إلى يوم الناس هذا، فما زال الشر يَعظُم كما قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: خرج الحُسين رضي الله عنه ليحسم مادة الشر فما زال الشر يَعظُم إلى يوم الناس هذا, وقُتل مظلومًا شهيدًا, وهو وأخوه سَيِّدا شباب أهل الجنة, وهما ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوقع ما وقع عن اجتهاد منه.

لذلك يقول ابن حجر رحمة الله عليه: وكان الخروج على الولاةِ الظلمة مذهبًا للسلف الصالح أولًا, فلمَّا نَجَمَ أو نتجَ عنه ما نتج قالوا بِسَدِّ هذا الباب.

فمِنْ عقيدة أهل السُّنَّة - التي تجدها مُسَطَّرةً في عقائد الأئمة - منعُ الخروج على ولاة الأمور, وأنَّ ذلك يجلب من الشرور ما هو واقعٌ منظور, وهو معلوم في تاريخ الإسلام.

نسأل الله رب العالمين أن يرضى عن الحسن وعن الحسين، وعن آل البيت أجمعين، وأن يجمعنا معهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى من الجنة.

الحُسين رضي الله تبارك وتعالى عنه ريحانةُ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نُحِبُّه ونُوَالِيه ولا نغلو فيه رضي الله تبارك وتعالى عنه, لم يكن أفضلَ من أبيه, ولا أفضلَ ومن عثمان, ولا أفضلَ من عمر رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين, وقُتل شهيدًا مظلومًا أكرمه الله ربُّ العالمين بالشهادة، فكان ماذا؟!

ننصب عليه المناحة كما تفعل الرافضة!!

ويأتونَ بتلك الأفعال الخبيثة القبيحة, وغَلَوا في عليٍّ وبَنِيِه، وكَفَّرُوا الأصحاب رضوان الله عليهم, وسَبُّوا أمهات المؤمنين, هُمُ الخطر فاحذروهم وحذروا منهم, هم الخطر, الخطر الحقيقي على هذه الأمة يبدأ من هؤلاء، لا يبدأ من اليهود ولا من النصارى وإنما منهم، منهم, يبدأ الخطرُ منهم.

ولذلك تعجب العَجَبَ كلَّه لمن لا يعي عقيدة أهل السُّنَّة يدعو إلى التَّقَارب, وهو ليس في النهاية إلا تقريبَ أهل السُّنَّة إلى الروافض!

وأمَّا الآخرون فلا يمكن أن يتقاربوا أبدًا، يُكَفِّرُون الأصحاب, ويَسُبُّونَ أمهات المؤمنين، والذين يتكلمون في العلم ظاهرًا لا يُحَذِّرُون!

وهم الخطر على أمة محمد صلى الله عليه وسلم, وجناياتهم قد لَطَّخَت صحائف التاريخ فلو تَتَبَّعتها لرأيت العَجَب.

ولم يُؤتَ أهلُ السُّنَّة في يوم من الأيام إلا من قِبَلِهم، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، إمَّا أن يَنصروا أعداءهم عليهم كما فعلوا حتى في أيام شيخ الإسلام رحمه الله, كانوا يعتصمون بقمم الجبال يَعْتَدُون على النساء من أهل السُّنَّة، فيَسْبُون النساء لبيعهن للصليبيين بالساحل، يأخذون نساء المسلمين لبيعهن - لبيعهن وهن حَرَائِر من أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم - لبيعهن للصليبيين بالساحل، ولمَّا فَرَغَ الشيخ رحمه الله من أمرِ التتار صَعِدَ إليهم الجبل فاستَنْزَلَهم وأغلظَ عليهم وكان ما كان.

على المسلمين أن يَتَنَبَّهُوا لخطورة هؤلاء, وألا يُشاكلُوهم, وعليهم ألا يُشاكلوا - أعني: أهل السُّنَّة - عليهم ألا يُشاكلوا النَّواصب الذين يُبغضون آل البيت, يتخذون يوم عاشوراء عيدًا ومَوسِمًا! وليس كذلك, إنما هو يوم صالحٌ يصوم فيه المُسلم لله ربِّ العالمين تَقَرُّبًا، يُكَفِّر اللهُ له بصيامه ذنوبَ سَنَةٍ مَضَت بشروط تكفير الذنوب كما هو معلوم.

وأمَّا أن يزيدَ على ذلك فالتَّكَحُلُ فيه, وإظهارُ الفرحِ فيه, وإلباسُ الأهلِ الجديدَ من الثيابِ باتِّخَاذِهِ عيدًا كل ذلك من آثارِ صُنع النواصب من أعداء آل البيت وقَتَلَة الحسين في هذه الأمة مما دَخَلَ بالبدعة على أهلِ السُّنَّة.

نسأل الله أنْ يعفو عنَّا جميعًا وأنْ يرحمنا إنَّه على كل شيء قدير، نسأل الله أنْ يوفقنا لكل خير, وأنْ يهدينا للتي هي أقوم, وأنْ يُقيمنا على ذلك حتى نلقى وجه ربِّنا الكريم.

وصلى الله وسلم على نبيِّنا
محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

========================
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
عـــاشــــــوراء ســــنــة الــلـــه
في نصـرة المرسلــين وأتـباعهــم
للشيخ/ خالد بن عبدالرحمن الشايع
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعدُ:
أيها الأخوة الكرام، جاء نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم مهاجرًا من مكة المكرمة إلى المدينة النبوية المشرفة، وصل إليها في ربيع الأول، ومكث فيها النبي صلى الله عليه وسلم يُرسي دعائم الدولة الإسلامية، ولَما دار الزمان، وحلَّ شهر محرم، لاحَظ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرقُب ما يصدر عن سكان المدينة من اليهود، لاحظ منهم أنهم يصومون يوم العاشر من شهر المحرم.

فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن سبب صيامهم، فأجابوا بجوابٍ كان النبي صلى الله عليه وسلم على علم بخلفيات هذا اليوم الذي يتحدثون عنه وهو يوم العاشر من محرم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إبان إقامته بمكة، كان يلاحظ أن قريشًا كانت تصوم أيضًا.

وهذا اليوم العاشر من شهر الله المحرم، له خلفياتٌ تاريخية تعود إلى آيةٍ عظيمة من آيات الله في نصرة أوليائه، وقطْع دابر المعرضين، سأل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عن سبب صومهم، فقالوا: هذا يومٌ نجَّى الله فيه موسى ومَن معه، فنحن نصومه شكرًا لله، وكان اليهود على بقايا من كتابهم ومن سنتهم، مع ما أدخلوا في كتابهم وفي شرعهم من أنواع الباطل وكثيره.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم مُجيبًا لهم: ((نحن أحق بموسى ومَن معه منكم))، فصامَه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، نحن أحق بموسى ومن معه منكم؛ لأن الرابطة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل الإسلام، تربطهم بموسى أكثر من رباط اليهود به عليه الصلاة والسلام؛ لأننا أهلَ الإسلام على نهْج نبينا، آمنَّا بموسى وصدَّقنا به، وأنزلناه المنزلة اللائقة به نبيًّا مُرسلًا من أُولي العزم من الرسل.

بخلاف ما كان من اليهود؛ فإنهم قد حرَّفوا دينه، وتهجَّموا عليه، ووصفوه بأنواع من الأوصاف التي نزل القرآن يؤكد نزاهته منها؛ كما قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾ [الأحزاب: 69].

نحن أحق بموسى ومَن معه بالنظر إلى رابطة الإيمان التي فيها التوحيد للرحمن، بخلاف ما أدخل اليهود من أنواع الشرك بالله جل وعلا.

نحن أحق بموسى ومَن معه، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، فكان صوم يوم عاشوراء في أول الإسلام واجبًا على المسلمين جميعًا، حتى إن الصحابة رضي الله عنهم - كما ثبت في صحيح البخاري - كانوا يصومونه ويُصوِّمونه صغارهم، فكان إذا بكى الصبي وهم يُدرِّبونهم على هذه العبادة العظيمة، أعطوه اللعبة من العِهن - الصوف - يتلَّهى بها حتى وقت الإفطار.

فكان صوم يوم عاشوراء واجبًا؛ شكرًا لله تعالى، وتعبُّدًا له سبحانه، حتى نزل فرضُ صوم رمضان، فكان صوم يوم عاشوراء بعد ذلك سُنةً للمسلمين، فيه الأجر العظيم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إني أحتسب على الله تعالى - يعني في صوم يوم عاشوراء - أن يكفِّر السنة التي قبله)).

والمقصود أيها الأخوة الكرام في هذا المقام أن نتتبَّع سنة الله تعالى في إنجائه لعباده المؤمنين، وقسْمه للمعرضين المبطلين، سنةٌ ماضية لا تتبدَّل ولا تتغيَّر أن العاقبة للمؤمنين والنصرة لمن نصَر الدين؛ يقول الله جل وعلا في شأن هذه السنة العظيمة: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴾ [إبراهيم: 42 - 43].

ويقول الله سبحانه: ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [آل عمران: 196، 197].

فعُلِم بهذا أيها الأخوة الكرام أن العاقبة لجُند الله تعالى ولعباده المؤمنين، وهذا يُطمئن المؤمن إلى أن العاقبة التي سيكون إليها الإسلام وأهل الإيمان، هي عاقبة النصر والظفر، مهما تأخر هذا الأمر، أو كان فيه شيءٌ من أنواع الابتلاء، فإن العاقبة للمؤمنين، ومن لَحَظ سنة الله تعالى مع عباده في هذا الشأن، يُدركها واضحةً جليَّة، فإن الله سبحانه وتعالى قد يَبتلي من يشاء مِن عباده بأنواع من البلاء، لكن العاقبة لعباده المؤمنين، وفي هذا يقول الله جل وعلا: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ
﴾ [الصافات: 171 - 173].

فلا ينبغي أن يَضيق صدر المؤمن حينما يشاهد في شيءٍ من الأوقات أن الدولة للباطل وأهله، فإن ذلك وضعٌ مؤقت، يُعجل الله تعالى بتبديله وتغييره، ونحن إذ نشاهد في زماننا هذا أنواعًا من التحولات التي وقعت في عالمنا الإسلامي، والتي لا شك أنها بمقاييس الزمن متواليةٌ عاجلة، كل ذلك يوضِّح قول الله تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26].

أيها الإخوة الكرام، إن العاقبة والنصر والظفر في الدنيا والآخرة، لمن استقام على هذا الدين، فواجبٌ على المسلم أن يكون حرصه البالغ على أن يؤدي ما أمَر الله به؛ تُجاه نفسه، تُجاه مَن أوجب الله عليه رعايته، تجاه مَن يتعامل معهم، وأن يؤدي الحقوق التي أوجب الله تعالى عليه لكل مَن له عليه حق؛ حتى يلقى الله تعالى وهو على خير، حتى يُمضي هذه الفترة من الحياة الدنيا - فترة الاختبار والامتحان - إلى أن يلقى الله تعالى وهو على خير.

أيها الأخوة الكرام، إن هذا اليوم العظيم يوم عاشوراء، وما كان فيه من نُصرة الله تعالى لنبيه موسى عليه السلام - هو يومٌ من أيام الله تعالى الماضية وسُنته الماضية في شأن نُصرته لعباده المؤمنين، فلا تُتطاوَل دولة الباطل؛ فإنها مهما طالت، فإن الله تعالى يقول: ﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81].

مهما توالت الأيام على وجود ظالمٍ أو مبطل، فإن عدل الله تعالى ينتظره، والقصاص حاصلٌ حاصلٌ، طال الزمان أو قصر، في الدنيا أو في الآخرة؛ ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ [إبراهيم: 42].

إن ذلك كله أيها الأخوة، ليعطي المؤمن طُمأنينةً عظيمة على أن المستقبل إنما هو للإسلام، وعلى أن الله جل وعلا سيُعاجل بعدله كل ظالمٍ مُبطل.

المستقبل للإسلام؛ كما قال ربنا جل وعلا: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبدالله ورسوله نبيِّنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أمـــا بـــعــــــد ُ:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لحرصه على مخالفة أهل الكتاب في تشريع هذا الدين العظيم، كان من شأنه عليه الصلاة والسلام في آخر حياته أنه قال: ((لئن بقيتُ إلى قابل، لأصومنَّ التاسع والعاشر))؛ يعني: أن يصوم التاسع من المحرم والعاشر منه، فاستقرت بذلك السنة على أن المشروع لأهل الإسلام أن يصوموا يوم التاسع والعاشر من المحرم، يوم تاسوعاء، ويوم عاشوراء، وبهذا قال العلماء: إن صوم عاشوراء يقع على مراتبَ؛ مَن صام يوم العاشر وتقدَّمه بيومٍ هو التاسع، وهذا هو السنة والأكمل والأفضل، ومن صام العاشر وحده، فإنه ينال هذا الفضل والثواب الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ قال: ((إني أحتسب على الله تعالى أن يكفِّر السنة الماضية)).

هذا اليوم العظيم كما تقدم أيضًا يُشعر المؤمن بما كان من نُصرة الله تعالى لأهل الحق؛ يقول البخاري رحمه الله تعالى في جامعه الصحيح: باب: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 90].

وبوَّب البخاري أيضًا رحمه الله تعالى، فقال: باب قوله: ﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ﴾ [طه: 77 - 79].

وقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ [البقرة: 50].

آياتٌ عظيمة تُطمْئِنُ المؤمن إلى أن الله جل وعلا قد ضمِن المستقبل لدين الإسلام، وأن الله سبحانه وتعالى بالمرصاد لكل ظالمٍ باغٍ مُعتدٍ؛ كما قال جل وعلا: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14].

أيها الأخوة الكرام، فهذه هي السُّنة في شأن صوم يوم عاشوراء لمن أراد صيامه، وحرَص عليه، والفضل في ذلك كبير، ينبغي ألا يُفرَّط فيه، وقد كان النبي صلى الله علي
ه

وسلم كما تقدَّم من قبلُ قد أوجب الصيام على أهل الإسلام فيه، حتى نُسِخ بصوم شهر رمضان، ولله الحمد والمنة والفضل.

ألا وصلوا وسلموا على نبي الهدى؛ فقد أمرنا الله بذلك، فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيد، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفر والكافرين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم اجعَل هذا البلد آمنًا مُطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلح أئمَّتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبعِد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.

اللهم احقن دماء إخواننا في سوريا وفي اليمن، وفي غيرها من البلاد.

اللهم اجعَل لهم من فِتنتهم مخرجًا.

اللهم اكْفهم شرارهم، وَوَلِّ عليهم خيارهم.

اللهم جنِّبنا وإياهم الفتنَ؛ ما ظهر منها، وما بطن.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّوْنا صغارًا.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار.

اللهم إنا نسألك وأنت العزيز الكريم أن تغفِر لنا ذنوبنا، وما سلف من خطايانا، وأن تُعيننا على ذكرك وشكرك، وحُسن عبادتك.

سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

========================
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
الـثــبات على الديـن ووســائله
للـشيـــخ/ مـــــــــراد الــقــــــدسـي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

ملخص الخطبة :
1- أهمية الموضوع وتعلقه بالقلب. 2- الثبات هبة إلهية. 3- الثبات في الفتن. 4- الثبات على الدين. 5- وسائل تستجلب الثبات على الدين.

الخطبـــة.الأولـــى.cc
أهميـــة الموضـــوع :
~ كثرة الردة والنكوص على الأعقاب
~ كثرة الفتن والمغريات ..
والتي تؤدي بالفرد إلى الانحراف.

تعلق الموضوع بالقلب:
روى الإمام أحمد عن المقداد بن الأسود: ((لقلب ابن آدم أشد انقلاباً من القدر إذا اجتمعت غلياً)).

روى أحمد والطبراني عن أبي موسى: ((إنما سمى القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً لبطن)).

وقال الشاعر:
وما سمى الإنسان إلا لنسيه
ولا القلب إلا لأنه يتقلـــب

وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو: ((إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء)).

1- الثبات من الله:
{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء.}

{ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً.}

وجاء السؤال بطلب الثبات:قالوا {ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.}

{وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا.}

{ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.}

المواطن التي يلزم فيها الثبات:
1- الثبات على الدين:
روى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو، ثم قال رسول الله : ((اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك)).

{ ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجثتت من فوق الأرض ما لها من قرار.}

2- الثبات في الفتن:
روى مسلم وأحمد عن حذيفة: قال:قال رسول الله ((تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نُكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره الفتنة مادامت السماوات والأرض والآخر مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب هواه)).

والفـــتن أنـــواع :
1- الجاه:
{واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا.}

روى أحمد عن كعب بن مالك: قال:قال رسول الله ((ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)).

2- فتنة الزوجة والنساء:
{اعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة.}

{إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم.}

روى مسلم عن أبي سعيد: قال:قال رسول الله ((اتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة كانت في بني إسرائيل في النساء)).

وفي مسند أبي يعلى عن أبي سعيد: قال:قال رسول الله ((الولد مجبنة مبخلة محزنة)).

3- فتنة الاضطهاد والطغيان والظلم:
قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود ـ إلى قوله ـ شيء شهيد.

روى مسلم في حديث خباب: ((شكونا إلى رسول الله وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، فقلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه)).

4- فتنة الدجال:
روى ابن ماجه وغيره من حديث أبي أمامة قال:قال رسول الله ((يا أيها الناس إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله آدم أعظم من فتنة الدجال..)).

((يا عباد الله: أيها الناس فاثبتوا، فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه قبلي نبي..)).

5- فتنة المال:
ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون.

ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة.

3- الثبات في الجهاد.
{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون.}

{ يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.}

إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان.

روى البخاري من حديث البراء بن عازب: كان النبي ينتقل التراب يوما لخندق حتى أغمر أو اغبر بطنه يقول:

والله لولا الله ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سـكينة علينـا
وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الألى قد بغوا علينـا
إذا أردوا فـتنة أبينـا

ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين.

4- الثبات على المنهج:
المنهج لغة: هو الطريق الواضح البين.

وأقصد: الثبات على منهج أهل السنة و
الجماعة، وهذا يعم العقيدة والعبادات والسلوك والأخلاق.

{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً.}

5- الثبات عند الممات:
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون.

يثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة. أ.هـ.

وسائل الثبات على دين الله:
1- استشعار عظمة الله:
وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين.

وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه.

روى البخاري من حديث أبي هريرة: قال:قال رسول الله ((يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السموات بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض)).

قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً.وفسره الترمذي في حديث أنس: ((هكذا، ووضع الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر، ثم قال: فساخ الجبل)).

وروى مسلم من حديث أبي موسى: قال:قال رسول الله ((حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)).

روى البخاري من حديث أبي هريرة: قال:قال رسول الله ((إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير)).

2- الالتزام بالدين:
ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً ولهديناهم صراطاً مستقيماً.

ومن الالتزام:
أ) الإكثار من العمل الصالح:
روى مسلم عن أبي هريرة: قال:قال رسول الله ((من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً قال أبو بكر: أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة)).

{وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض.}

{سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض.}

روى مسلم عن أنس بن مالك: قال:قال رسول الله ((قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض فقال عمير بن الحمام: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: نعم، قال: بخ بخ، قال: ما يحملك على قولك بخ بخ؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها، فأخرج ثمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل ثمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل)).

وينبغي لمن رزقه الله الطاعة الاستمرار عليها:روى مسلم عن عائشة: قالت:قال رسول الله ((أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل)).

ب) قراءة القرآن:
وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاّ ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً.

ولقراءة القرآن فوائد:
يزرع الإيمان ويزكي النفس.
يتقوى به المؤمن أمام الفتن.
يعطى المؤمن التصورات الصحيحة حول الحياة والكون ونفسه.
يرد الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام.

ج) ذكر الله:
{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً.}

يوسف قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون.
د) الالتزام بالمنهج الصحيح:فالابتعاد عنه سبب في:

أ- تحير أهل البدع:يقول الرازي:
نهايـة إقـدام العقـول عقـال
وغاية سعي العالمين ظـلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا
وحاصـل دنيانـا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

وقال الشهرستاني:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعـاً سن نـادم

والصنعاني يجيب:
لعلك أهملت الطـواف بمعهـد الرسول ومن لاقاه من كل عالم

فما جار من يهدي بهدي محمد ولست تـراه قـارعاً سـن نادم

نصائح إلى كل ملتزم بمنهج الرسول:
1- لابد من الشعور بالاصطفاء.الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
(ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)
2- أن هذا الطريق قديم عتيق
3- سيحصل الثبات بإذن الله تعالى
روى البخاري عن ابن عباس: (قال هرقل لأبي سفيان: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قال: لا، ثم قال: وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب)

هـ) ممارسة الدعوة إلى الله:
- خير وسيلة للدفاع الهجوم.
- فيها أمر بمعروف ونهي عن منكر.
- فيها أشغال النفس بالطاعة.

ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين.

و) استجماع الأخلاق المعينة:

1- الصبر:في الحديث المتفق عليه من حديث أبي سعيد: قال:قال رسول الله ((ما أ
عط

ى أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر)).

2- الاستـــقامة :
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا.

روى أحمد عن ثوبان: ((استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)).

3- محاسبة النفس:يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد.

روى أحمد عن عمر من قوله: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا).

وقال ميمون بن مهران: لا يكون العبد تقياً حتى يكون أشد محاسبة لنفسه من الشريك لشريكه.

3- تدبر قصص الأنبياء والصالحين:
وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين.

وفي ذلك ثبات إبراهيم قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين.

وعن ابن عباس: ((كان آخر قول إبراهيم حين ألقى في النار: حسبنا الله ونعم الوكيل)).

وفي ذلك ثبات موسى فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين.

وثبات سحرة فرعون فلا قطعن أيديكن وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى.فكان جوابهم لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا.

ومثله قوله: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادوهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل.

4- وصية الرجل الصالح:
الإمام أحمد ابتلي في فتنة خلق القرآن، فكان مما ثبته يومئذ وصايا بعض الصالحين له، ومن ذلك:

قول أعرابي: يا هذا ما عليك أن تقتل ها هنا وتدخل الجنة.

وقال آخر: إن كنت تحب الله فاصبر على ما أنت فيه، فإنه ما بينك وبين الجنة إلا أن تقتل.

وقال أعرابي: يا أحمد أن يقتلك الحق مت شهيداً، وإن عشت عشت حميداً.. قال أحمد: فقوي قلبي.

وقال له محمد بن نوح: أنت رجل يقتدى بك قد مدَّ الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك، فاتق الله واثبت لأمر الله.

وعندما خاف السوط قال بعض المسجونين: لا عليك يا أبا عبد الله، فما هو إلا سوطان ثم لا تدري أين يقع الباقي.

5- الالتفاف حول العناصر المثبتة:
روى ابن ماجة عن أنس: قال:قال رسول الله ((إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر)).

وقال علي بن المديني: أعز الله الدين بالصديق يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة.

وكان ابن القيم: يلجأ إلى شيخ الإسلام – رحمهما الله - عند الفتن.

6- الدعـــاء :
روى الترمذي عن أنس: ((كان رسول الله يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، فقلنا: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء)).

وفي حديث الطبراني والحاكم عن ابن عمر قال:قال رسول الله ((إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم)).

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

7- التفاعل مع الآيات الكونية:
روى الشيخان عن عائشة: ((كان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه)). وإذا قيل له: قال: ((يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذه عارض مطرنا)).

وفي مسند أحمد عن عائشة: ((أخذ.. بيدي ثم أشار إلى القمر فقال: يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الفاسق إذا وقب)).

وعن عقبة بن عامر قال: قال : ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، فإذا رأيتم منهما شيئاً فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)).

8- قصر الأمل:
أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون.
كأن لم يلبثوا إلا ساعة من نهار.

9- الإكثار من ذكر الموت:
روى الترمذي عن ابن عمر قال:قال رسول الله ((أكثروا ذكر هادم اللذات يعني الموت)).

روى الحاكم في المستدرك عن أنس: قال:قال رسول الله ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها يرق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجراً)).

10- الخوف من سوء الخاتمة:
روى الشيخان من حديث أبي هريرة: قال:قال رسول الله ((ومن قتل نفسه بحديده فحديدته في يده يتوجا بها في بطنه.. ومن شرب سماً يتحساه.. ومن تردى من جبل فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)).

11- تذكر منازل الآخرة:
روى الحاكم في المستدرك: قال:قال رسول الله ((صبراً آل ياسر صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة)).

وفي الحديث المتفق عليه من حديث أسيد بن حضير أنه قال للأنصار: ((إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)).
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
محـــن المسلمــين وابتــلاؤهــم
مـــن أنفســــهـــم ومـــن أعـــدائــهـم
للشيخ/ فــؤاد بن يوسـف أبو ســعيــد
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــــة.الاولــــى.cc
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً *يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذنا الله وإياكم من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

عباد الله؛ نعيش في هذه الآونة وقد امتلأت الأخبار وملئت الأسماع وملئت الأبصار بما يحدث من استضعاف للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في فلسطين وفي غيرها من بورما وما شابه ذلك، هذا يا عباد الله قدر كوني للمسلمين في حال الضعف وفي حال أن المسلمون لم يعرفوا قدرهم، ولم يتوجهوا لربهم سبحانه وتعالى، فأكثروا في الأرض فسادا، تركوا الأيتام دون رعاية، والمساكين دون زكاة أو صدقات، وتركوا أمورا كثيرة، بل فعلوا ما حرم الله، فأكلوا الربا إلا من رحم الله وأكلوا المحرمات، وكل ما يجري لم يكن عن الله سبحانه وتعالى ببعيد، فهو قدره، وكلّ شيء يجري في الأرض وفي السماء بقدر الله؛ امتحانا وابتلاءً لعباد الله، قال سبحانه وتعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22]، وقال سبحانه في حقِّ الصحابة عندما أصابهم ما أصابهم في الغزوات؛ من جروح وقتل وأسر قال: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 166].

والمصائب لها أسبابٌ من فعلنا نحن البشر، قال سبحانه: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].

والابتلاء في المال والنفس، والأذى بالكلام ونحوه من اليهود والصليبيين وعموم المشركين ضدَّ المسلمين، فيا أيها المسلمون ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186].

وقال سبحانه: ﴿ ... يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾. [يونس: 23].

وقال سبحانه: ﴿ ... إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا... ﴾ [الإسراء: 7]

فمن اقتدى بالأنبياء في صبرِهم، والرسل في مصابرتهم، جاءهم نصر الله وفتحٌ قريب، قَالَ سبحانه وتَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأنعام: 34].

فقد ابتُلي نوحٌ عليه السلام، وأوذي من قومه فصبر، ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ﴾ [القمر: 10]، فانتَصَر.

وابتُلِي أيوبُ عليه السلام فصبر، فمدحه الله الوهاب، فقال سبحانه: ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ* ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 41 - 44].

وكذلك جميعُ الأنبياءِ والرسلِ عليهم الصلاة والسلام ابتلوا فصبروا، فنالوا النصرَ والتمكي
ن، والأجر َوالثواب، وأمر الله سبحانه خاتمَ أنبيائه ورسله عليه الصلاة والسلام؛ أن يقتديَ بهم، فقال سبحانه: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90]، وَقَالَ جل جلاله: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف: 35]
 
عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما: (كَانَ الْإِسْلَامُ قَلِيلًا، فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ، إِمَّا يَقْتُلُونَهُ). [1]، (وَإِمَّا يُعَذِّبُونَهُ، حَتَّى كَثُرَ الْإِسْلَامُ, فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ). [2]

وهذه سنة الله الكونية، في حالِ ضعف المسلمين يكون استضعافهم من قبل المشركين؛ بوذيين وغيرهم، فيعذِّبون النساء، والأطفال والشيوخ والأبرياء، أو يقتلونهم أو يحرقون، والله المستعان.

لكن؛ فلنتذكر قولَ المنتقم الجبار سبحانه: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [آل عمران: 178].

ولا ننسى قولَ الله جلَّ جلاله: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [الأنعام: 123].

وعذب عمار بن ياسر ووالده وأمه سمية (فَقَالَ صلى الله عليه وسلم -مسلِّيًا لهم-: "صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ")[3].

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ وَصُهَيْبٌ، وَبِلَالٌ، وَالْمِقْدَادُ، فَأَمَّا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَنَعَهُ اللهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، -كان في حمايته- وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللهُ بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ) -أَيْ: أطاعهم- (عَلَى مَا أَرَادُوا، إِلَّا بِلَالٌ رضي الله عنه، فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللهِ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ, فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ: (أَحَدٌ أَحَدٌ)[4].

ولم يسلم من القهر والتعذيب نساء المسلمين المستضعفات، ومنهن زِنِّيرة [بكسر أولها وتشديد النون المكسورة بعدها تحتانية مثناة ساكنة الروميّة...

كانت من السابقات إلى الإسلام، وممن يعذّب في اللَّه، وكان أبو جهل يعذبها، ... عن سعد بن إبراهيم، قال: كانت زنّيرة رومية، فأسلمت فذهب بصرها، -أي من شدة التعذيب- فقال المشركون: (أعمتها اللات والعزى)، فقالت: (إني كفرت باللات والعزى)، فردّ اللَّه إليها بصرها][5].

وممن تعرضت للصهر في الشمس؛ سميةُ [والدة عمار بن ياسر، كانت سابعة سبعة في الإسلام، عذّبها أبو جهل، وطعنها في قبلها، فماتت، فكانت أول شهيدة في الإسلام، ...][6].

ومن وسائل التعذيب عند المشركين؛ سقيُ العسلِ مع المنع من شرب الماء؛ وهذا ما حدث مع [أمِّ شريك رضي الله عنها، واسمها غُزَيَّةُ بنتُ جابر بن حكيم الدوسية، قال الأكثرون: هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها فلم تتزوج حتى ماتت. فعن ابن عباس قال: (وقع في قلب أم شريك الإسلام فأسلمت وهي بمكة، وكانت تحت أبي العكر الدوسي، ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرًّا فتدعوهن، وترغبهن في الإسلام، حتى ظهر أمرها لأهل مكة، فأخذوها)، وقالوا: (لولا قومك؛ لفعلنا بك وفعلنا، لكنا سنردك إليهم).

قالت: (فحملوني على بعير ليس تحتي شيء، ثم تركوني ثلاثا لا يطعموني ولا يسقوني، وكانوا إذا نزلوا منزلا أوثقوني في الشمس، واستظلوا هم منها، وحبسوني عن الطعام والشراب، فبيناهم قد نزلوا منزلا، وأوثقوني في الشمس)، وفي رواية:

(وحملوني على جمل ثقالٍ شرَّ ركابهم وأغلظَه، يطعموني الخبز بالعسل ولا يسقوني قطرة من ماء، حتى إذا انتصف النهار وسخنت الشمس، ونحن قائظون، -أي في وقت القيظ- نزلوا فضربوا أخبيتهم، وتركوني في الشمس، حتى ذهب عقلي، وسمعي وبصري، فعلوا بي ذلك ثلاثة أيام، فقالوا لي في اليوم الثالث: اتركي ما أنت عليه! قالت: فما دريت ما يقولون إلا الكلمة بعد الكلمة، فأشير بأصبعي إلى السماء بالتوحيد، قالت: فوالله إني لعلي ذلك وقد بلغني الجهد)، (إذا أنا ببرد شيء على صدري، فتناولته، فإذا هو دلو من ماء، فشربت منه قليلا، ثم نزع مني فرفع، ثم عاد فتناولته، فشربت منه ثم رفع، ثم عاد فتناولته، ثم رفع مرارا، ثم تركت فشربْتُ -منه- حتى رَوِيت، ثم أفضْتُ سائرة على جسدي وثيابي، فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء، ورأوني حسنة الهيئة، فقالوا لي: انحللتِ فأخذتِ سقاءنا فشربتِ منه؟! قلتُ: لا والله! ولكنه كان من الأمر ك
ذا

وكذا، قالوا: لئن كنتِ صادقة لدينك خير من ديننا. فلما نظروا إلى أسقيتهم وجدوها كما تركوها، فأسلموا عند ذلك، وأقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوهبت نفسها له بغير مهر...][7].

إن ما يحدث في بورما وغيرِها من بلاد الجبروت والطغيان، على المستضعفين من المؤمنين المسلمين، يشبه ما وقع من عذابٍ على المؤمنين فيما سبق في غابر الأزمان، فمن عذاباتِ نشرٍ بالمناشير، وحرقٍ للأجساد بالنيران، حوادثُ قديمةٌ متجددةٌ على المؤمنين حتى يرجعوا عن دينهم، لكنهم صبروا حتى الموت.

وهذه قصة أصحاب الأخدود، فعَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ, وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ"), -وزيره الذي يشير عليه ومستشاره الخاص، ولكنه ساحر- ("فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ, فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ, فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ, فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَةٍ") -قَالَ مَعْمَرٌ: أَحْسِبُ أَنَّ أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ كَانُوا يَوْمَئِذٍ مُسْلِمِينَ-،

("فَأَتَى الْغُلَامُ عَلَى الرَّاهِبِ, فَسَمِعَ مِنْ كَلَامِهِ, فَأَعْجَبَهُ نَحْوُهُ وَكَلَامُهُ، فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَسْأَلُ ذَلِكَ الرَّاهِبَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ, فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَخْبَرَهُ, فَقَالَ: إِنَّمَا أَعْبُدُ اللهَ, فَجَعَلَ الْغُلَامُ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ, مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ, فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ الْغُلَامِ:

("إِنَّهُ لَا يَكَادُ يَحْضُرُنِي"), -أي أن الغلام يتأخر- ("فَأَخْبَرَ الْغُلَامُ الرَّاهِبَ بِذَلِكَ, فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ:

إِذَا أَرَادَ السَّاحِرُ أَنْ يَضْرِبَكَ"), -لأنك تأخرت- ("فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي, وَإِذَا أَرَادَ أَهْلُكَ أَنْ يَضْرِبُوكَ, فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ. قَالَ:

فَبَيْنَمَا الْغُلَامُ عَلَى ذَلِكَ, إِذْ مَرَّ عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتْ النَّاسَ")، -منعتهم أن يمروا في طرقهم وفي مدينتهم- ("فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَجُوزُوا, فَقَالَ") -الغلام-:

("الْيَوْمَ أَعْلَمُ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ, أَمْ أَمْرُ السَّاحِرِ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا, فَقَالَ:

اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ، فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ. فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا, وَمَضَى النَّاسُ, فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ, فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ:

أَيْ بُنَيَّ, أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي, قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى, وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى"), -أي ستعذب- ("فَإِنْ ابْتُلِيتَ فلَا تَدُلَّ عَلَيَّ"). -وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ, وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ.

("فَسَمِعَ بِهِ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ") -ليس الساحر- ("كَانَ قَدْ عَمِيَ, فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ, فَقَالَ:

مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ, إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي, فَقَالَ:

إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا, إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ, فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ, دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ, فَآمَنَ بِاللهِ.

فَدَعَا اللهَ لَهُ فَشَفَاهُ، فَأَتَى الْمَلِكَ, فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ, فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ:

يَا فُلَانُ, مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟! فَقَالَ: رَبِّي, قَالَ: أَنَا؟!") -أي كأنه هو ردَّ عليه بصره وهو لا يدري- ("قَالَ: لَا, لَكِنْ رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ, قَالَ:

أَوَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟! قَالَ: نَعَمْ! فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ, فَجِيءَ بِالْغُلَامِ, فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ:

أَيْ بُنَيَّ, قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ؟! وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ؟! فَقَالَ:

إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا, إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ, فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ, فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ, فَقِيلَ لَهُ:

ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ, فَأَبَى, فَدَعَا بِالْمِنْشَارِ, فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأسِهِ, فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ, ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ, فَقِيلَ لَهُ:

ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ, فَأَبَى, فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأسِهِ, فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ, ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ, فَقِيلَ لَهُ:

ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ, فَأَبَى, فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ, فَقَالَ:

اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا, فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ, فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ, فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ, وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ, فَذَهَبُوا بِهِ ف
َصَ

عِدُوا بِهِ الْجَبَلَ, فَقَالَ:

اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ, فَرَجَفَ بِهِمْ الْجَبَلُ, فَسَقَطُوا, وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ, فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟! قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ, فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ, فَقَالَ:

اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ") -القرقور: السفينة العظيمة.

("فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ, فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ, وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ, فَذَهَبُوا بِهِ, فَقَالَ:

اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ, فَانْكَفَأَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا, وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ, فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟, قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ! ثُمَّ قَالَ") -الغلام- ("لِلْمَلِكِ:

إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ, فَإِنْ أَنْتَ فَعَلْتَ مَا آمُرُكَ بِهِ قَتَلْتَنِي, وَإِلَّا فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ قَتْلِي. قَالَ: وَمَا هُوَ؟! قَالَ:

تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ") -الصعيد: الأرض الواسعة المستوية.-

("وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ, ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي, ثُمَّ ضَعْ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ, ثُمَّ قُلْ:

بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلَامِ, ثُمَّ ارْمِنِي, فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي, فَجَمَعَ") -الملك- ("النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ, وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ, ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ, ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ, ثُمَّ قَالَ:

بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلَامِ, ثُمَّ رَمَاهُ, فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ") -الصُّدغ: ما بين العَين إلى شَحْمة الأذُن.

("فَوَضَعَ الْغُلَامُ يَدَهُ عَلَى مَوْضِعِ السَّهْمِ وَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ:

آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ, آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ, آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ, فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ:

أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ؟! قَدْ وَاللهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ؛ قَدْ آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ! ") -كانوا مجموعة مع الغلام، وآمنوا جميعا،-

("فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ") -أي: الطرق.- ("فَخُدَّتْ") -أَيْ: حُفِرت- ("وَأُضْرِمَتْ فِيهَا النِّيرَانُ، ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ, فَقَالَ:

مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ تَرَكْنَاهُ, وَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ, أَلْقَيْنَاهُ فِي هَذِهِ النَّارِ, فَجَعَلَ يُلْقِيهِمْ فِي تِلْكَ الْأُخْدُودِ").

وفي رواية: (فَكَانُوا يَتَعَادَوْنَ فِيهَا وَيَتَدَافَعُونَ، حَتَّى جَاءَتْ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا تُرْضِعُهُ")، - لا زال رضيعا لم يصل إلى حد الكلام- ("فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِي النَّارِ, فَقَالَ الصَّبِيُّ:

يَا أُمَّاهْ اصْبِرِي, فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ")[8].

وهذه المرأة كادت أن ترجع عن دينها بلسانها لا بقلبها، لكن ثبتها الله بولدها الصغير، يا أماه اصبري فإنك على الحق.

ونحن نقول لأنفسنا: فلنصبر على ما آذانا أعدائنا في بلاد المشرق والمغرب، ولنتوكل على الله، ولنعمل الصالحات.

توبوا إلى الله واستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 
الخطبــــة.الثانيــــة.cc
الحمد لله حمدا كثيرا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، أما بعد:

كيف يفعلُ الكفارُ قديما وحديثا وفي المستقبل؟ يعذبون المستضعفين من المسلمين، فما موقفنا نحن المسلمين، ماذا تعلَّمنا من ديننا؟ وماذا علمنا ربنا ورسولنا صلى الله عليه وسلم؟

أما نحن المسلمين؛ فقد أدَّبنا ربنا ونبينا ودينُنا؛ ألاّ نعذبَ الضعفاءَ من اليهود والنصارى وغيرهم، ممن يعيش بيننا كأهل الذمة، أو ما يسمى بالمواطنة، وهم مسالمون لم يؤذنا ولم يضرونا، فالاعتداء عليهم حرام لا يجوز، فَعَنْ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ: (مَرَّ هِشَامُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه عَلَى أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالشَّامِ, قَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ, وَصُبَّ عَلَى رُءُوسِهِمْ الزَّيْتُ، فَقَالَ: (مَا هَؤُلَاءِ؟!) -يعني ماذا فعلوا حتى يعذبهم هذا العذاب- قَالُوا: (بَقِيَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ الْجِزْيَةِ)، -الجِزْية: عبارة عن الْمَال الذي يُعْقَد للْكِتَابي عليه الذِّمَّة، -وهم الذين يعيشون بيننا، والجزية- وهي فِعْلة، من الجزَاء، كأنها جَزَت عن قَتْلِه، والجزية مقابل إقامتهم في الدولة الإسلامية وحمايتها لهم.

فَقَالَ -هشام بن حكيم بن حزام-: إِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ("إِنَّ اللهَ عزّ وجلّ يُعَذِّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا") -هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم إن عذبت أحدا في الدنيا، يعذبك الله يوم القيامة- -قَالَ: (وَأَمِيرُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ عَلَى فِلَسْطِينَ-
فَدَ

خَلَ عَلَيْهِ فَحَدَّثَهُ, فَخَلَّى سَبِيلَهُمْ)[9].

ومن تأديب ديننا لنا في هذا الشأن، ما قاله رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ, أَشَدُّهُمْ عَذَابًا لِلنَّاسِ فِي الدُّنْيَا")[10].

وعذاب المسلمين وابتلاؤهم، ومحنتهم في دينهم لم تنته بعد، حتى يأتي الله النصر والفرج من عنده سبحانه، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ("أَحْصُوا لِي كَمْ يَلْفِظُ الْإِسْلَامَ مِنْ النَّاسِ"), -من هو مسلم؟ من هو موحِّد؟- (فَكَتَبْنَا لَهُ, فَوَجَدْنَاهُمْ مَا بَيْنَ السِّتِّمِائَةٍ إِلَى السَّبْعِمِائَةٍ)، فَقُلْنَا: (يَا رَسُولَ اللهِ! أَتَخَافُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ مَا بَيْنَ السِّتِّمِائَةٍ إِلَى السَّبْعِمِائَةٍ؟!) فَقَالَ: "إِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ, لَعَلَّكُمْ أَنْ تُبْتَلَوْا", قَالَ حُذَيْفَةُ: (فَابْتُلِينَا, حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لَا يُصَلِّي إِلَّا وَحْدَهُ سِرًّا وَهُوَ خَائِفٌ)[11].

فعلينا عباد الله! أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، لأنه ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].

فبحسب الذنوب تكون العقوبات، ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [يونس: 44].

اللهم صلى وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا مبتلا إلا عافيته، ولا سجينا إلا أطلقته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضا، ولنا فيه صلاح إلا أعنتنا على قضاءها ويسرتها لنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

وأقم الصلاة؛ ﴿ ... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].


[1] (خ) (4650).
[2] (خ) (4514).
[3] (ك) (5646), (5666)، (طس) (1508), صحيح السيرة (ص 154)، وفقه السيرة (ص 103).
[4] (جة) 150, (حم) 3832, (حب) 7083, انظر صحيح السيرة (ص: 122).
[5] ذكر ذلك الإمام ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة (8/ 150- 151).
[6] الإصابة في تمييز الصحابة (8/ 190).
[7] صفة الصفوة (2/ 53).
[8] (م) 73- (3005) (ت) (3340)، (حم) (23976), وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
[9] (م) 117، 118- (2613)، (د) (3045)، (حم) (15366), وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.
[10] (حم) (16865), انظر صَحِيح الْجَامِع (998), والصحيحة (1442).
[11] (خ) 2895، (م) 235- (149), (جة) (4029), (حم) (23307).
🎤
خطبــة.جيــدة.بعنــوان.cc
سلـسلــة خطــب عن الهــجـــــــرة (2)
الهجرة وعاشوراء علاقة نصر وتفاؤل وأمل
للــشيــخ/ مــــحـــــمــــــــــــــد الــجـــــــــــرافــــي
9 مــحــــرم1439هــ 29 سبتــمــبر 2017 م
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله الذي خلق الإنسان فأتقن ما صنع وشرع الشرائع فأحكم ما شرع، سبحانه وتعالى لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فيما خلق وأبدع ألف القلوب بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وأقنع ووحد به الصفوف وجمع وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل من عبد الله وخضع وهاجر في سبيل الله فأيده الله بجنود لا ترى ولا تسمع صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا حتى انتشر دين الله وسطع وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم يحصد فيه الإنسان من الدنيا ما زرع .

أمــــا بعــــد :
فيا أيها الاخوة : المؤمنون!

أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته (ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)

*عــــباد اللــــه :
نستقبل عاما جديدا نبدأه بشهر الله المحرم وصيامه أفضل الصيام بعد صيام شهر رمضان كما أخرج مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَرْفَعُهُ قَالَ: سُئِلَ أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: "أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ".

وفيه يوم عظيم صالح هو يوم عاشوراء صامه أهل الجاهلية وصامته اليهود وصامه النبي صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه قبل فرض رمضان كما في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: (كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ رَمَضَانُ الْفَرِيضَةَ وَتُرِكَ عَاشُورَاءُ فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ).

وفي الصحيحين أيضا عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟" فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ" فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

وكان صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيامه كما في الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ) وبين صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفر ذنوب السنة الماضية كما عند مسلم من حديث أبي قتادة –رضي الله عنه- قال: وَسُئِلَ (أي رسول الله صلى الله عليه وسلم) عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ".وعند مسلم من حديث ابن عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ" يعني مع العاشر .

إذًا فالمسلم يصوم يوم العاشر وهو السبت ويصوم يومًا قبل العاشر وهو يومنا هذا الجمعة أو يصوم يومًا بعد العاشر مع السبت الأحد وإن جمع الأيام الثلاثة كلها فحَسَنٌ.

*في يوم عاشوراء الكريم تصوم البيوت المباركة اتباعًا لسنة النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فيترقب أفراد البيت ليالي التاسع والعاشر والحادي عشر كلها أو بعضها لابتدارها بالسحور والاستعداد للصوم رغبة وطمعًا في ثواب المولى جل وعلا.

فصيامه سُنَّة وكان المسلمون يصومُونه ويُصوِّمونه صبيانهم ويعطونهم اللّعب من العِهْن تسليةً لهم عن الفِطْر في ذلك اليوم. ثبت ذلك في صحيح البخاري ومسلم في الصيام من حديث الربيِّع بنت معوِّذ - رضيَ الله عنها.

* عــــباد اللــــه :
ليس من قبيل المصادفة أن يخرج المسلم من حدث الهجرة إلى حدث عاشوراء فلا شيء في كون الله تعالى إلا وهو مخلوق بقدَر ولئن كانت تلك أيام الله فيا ترى ما حكمة أن يكون يوم عاشوراء هو المناسبة الأولى
التي تنتظر المسلم بعد خروجه من أيام الهجرة؟

* فهناك عباد الله :
علاقة بين الهجرة النبوية وبين عاشوراء اليوم الذي نجى الله موسى هو يوم الخروج من مصر الى سيناء (دار هجرة موسى ومن معه )من فرعون ونصر الله لموسى ومن معه ونجاتهم وغرق فرعون ومن معه

فالمتدبر للقرآن الكريم يجد الشبه كبيرا بين هجرة موسى وهجرة محمد صلى الله عليه وسلّم باعتبارهما يحملان ذات الحقّ الذي انزله الله تعالى على الناس . 
ولا شك بأن يوم هجرة موسى ونجاته مع قومه من ظلم فرعون هو اعظم أيام موسى في دعوته الى الله تعالى .

غير ان انحرافهم وعدم صدقهم في الانتساب الى موسى ودعوته وتحريفهم للحق جعلهم غير مستأهلين لتوفيق الله تعالى في اتخاذ هذا اليوم ..

الأمر الذي اختلف مع امتنا الاسلامية التي وفقت - في زمن الفاروق - الى اعتبار يوم الهجرة ونجاة المؤمنين من ظلم قريش واستضعافها هو يوم البداية الفارقة في انتصار الحق الذي حملوه .

لقد كانت اقامة تلك الدولة الحامية للحق والمجاهدة في سبيله على عهد نبينا محمد  بعد الهجرة بعشر سنين اي بعد فتح مكة حيث استطاعت بعد الفتح تحقيق البعد العالمي للرسالة الاسلامية فكانت بذلك خلافة الله على الارض فكانت الفترة من الهجرة الى استقرار امر دولة الدعوة لتكون عالمية بعد ذلك عشر سنين .

وأما دولة الحق بعد نجاة موسى ومن معه فلم تقم مباشرة بعد الانتقال الى ارض سيناء حيث كانت الفترة من خروج موسى الى دخول الارض المقدسة اربعين سنة .

ومن بعص صور التشابه بين معاني الهجرتين كما في الآيات القرآنية الكريمة هو معنى اليقين والثقة بوعد الله ونصر الله تعالى جاء في سياق قصة موسى الشعراء (آية:61 - 62 )﴿ فلما تراءى الجمعان قال اصحاب موسى انا لمدركون قال كلا ان معي ربي سيهدين ﴾
وجاء في سياق قصة هجرة نبينا  :
التوبة (آية:40):﴿ الا تنصروه فقد نصره الله اذ اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا ﴾

*في أمر هجرة محمد  نجد الآيات تنطق بالوضوح عن المعنى العام من قانون الهجرة الذي يعبر عنه بالاستفزاز من الارض بهدف اخراج المؤمنين منها
وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً (77) 

وفي أمر هجرة موسى من قوم فرعون وأذاه نقرأ :
فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) 

قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفره إنه هو الغفور الرحيم


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لاإله إلا هو وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد أيها الناس

* وثمَّث دروس عظيمة نتعلمها من هذه المناسبة الجليلة. ففي قوله صلى الله عليه وسلم : "لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ" درس عظيم جدا: هو وجوب مخالفة المشركين من الكفار ومن كفرة أهل الكتاب على السواء.

فيا معاشر المسلمين!
خالفوا المشركين وحافظوا على هويتكم العربية الإسلامية واحذروا تقليد الكفار في عاداتهم وعباداتهم واعتزوا بدينكم وافخروا بسنة نبيكم فوالله لن تحرزوا تقدما ولن تسودوا الأمم إلا باتباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.

فشخصيَّة صاحب الحق شخصيَّة مستقلَّة مترفِّعة عن الدنايا يأخذ الحكمةَ أنَّى وجدها ويستفيد بها وفي ذات الوقت يستقلُّ بنفسه ومنهجِه متى ما استبانَت له السَّبيل ووضحَت له المحجَّة يَنتصر بذلك على فِتن التغريب وطغيان عادات غير المسلمين عليه.

*ودرس آخر نتعلمه من قوله صلى الله عليه وسلم-: "فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ" لأن موسى ومحمدا عليهما الصلاة والسلام- نبيان كريمان دينهما واحد وطريقتهما واحدة ونهجهما واحد وكلاهما مرسل من لدن حكيم خبير فمهما طالت المدة ومهما بعدت الأزمان فنحن أولى بموسى –عليه السلام- ممن عصاه وبدل كتابه التوراة وحرف ما أرسله به مولاه. فلا حدود زمانية ولا موانع مكانية تمنع بين أهل الإسلام بعضهم البعض وإن كانوا من الأمم السابقة والقرون السالفة.

وإذا كانت هذه الأخوة الدينية والوشيجة الإيمانية بين محمد وأتباعه وموسى وأتباعه الحقيقيين فكيف بالأخوة الدينية بين أتباع محمد الأمين مع بعضهم البعض؟! لا شك أنها أولى بالمراعاة وأحرى بالموالاة.

فحري بكم معاشر المسلمين! يا من آخى بينكم الدين! حري بكم أن تتحدوا ولا تتفرقوا وتتفقوا ولا تختلفوا وتتآلفوا ولا تنافروا وتتآزروا ولا تتناطحوا وليكن اتفاقكم وتآلفكم واتحادكم على الكتاب والسنة وحب الدين وحفظ المجتمع والوطن
فهذه دروس عظيمة ومواقف نبيلة نتعلمها من يوم عاشوراء ومن أحداث الهجرة فلنأخذ منهما العبرة ...

*ودرس آخر نتعلمه من سبب صيام يوم عاشوراء. فهنا درس آخر: هو مقابلة النعمة بالشكر والمنة بالطاعة والعبادة لا بالمعصية. فإن نبي الله موسى -عليه السلام- صام يوم عاشوراء شكرا لربه -جل وعلا- أن نجاه من الغرق ونصره على عدوه وهكذا يجب أن يكون المسلم يقابل نعم ربه عليه وإحسانه إليه بالانقياد والعبادة لا بالعناد والمعصية والناظر في حال المسلمين اليوم يجدهم –إلا من عصم الله رب العالمين- يقابلون نعم الله عليهم وتفضله وإحسانه إليهم بالمعاصي والمخالفات التي تجلب غضب رب الأرض والسماوات .

*عــــباد اللــــه :
في قوله صلى الله عليه وسلم نحق احق واولى بموسى منهم كان منهجُ الإسلام في الإصلاح وبالأحرى منهجه في استلام راية الرسالة الخاتمة وكلمة الله الأخيرة إلى العالمين منهج يجوز أن نسميه: "نحن أوْلَى".

فكل خير في هذه الحياة وإن فعله غيرُنا فنحن أولى به منهم أي: نحن الأولى بأن نفعله منهم وبما أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجتْ للناس فإنها الأحقُّ والأجدر بأن تكون صاحبة اليد العليا والسابقة إلى الخيرات مِن بين كل الأمم هكذا سجل الله في كتابه مِن صفات المؤمنين {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61].

وأول الخير وأرفع المنازل هو ما سنَّه الأنبياء من قبلنا فنحن أوْلى بكل نبي ممن يدَّعي صلته به وانتسابه إليه وعلى هذا رفع النبي شعار هذه الأمة: ((نحن أولى بموسى منكم)). فهنا سعت الأمة - في جيلها الذهبي الفريد - إلى التميُّز عن اليهود والنصارى فكان أن وجَّههم - صلى الله عليه وسلم - إلى الزيادة في العمل ليتحقق به التميُّز فسنَّ صيام يوم التاسع من المحرَّم.

*كذلك نحن أمة ورسالة..!
"أمة الوسطية" هي "الحقيقة الكبرى" التي تتجلّى في هذا اليوم.. واقعًا وتاريخًا ورسالة! أمة الوسط (الحق والعدل) بين أهل الغلو.. وأهل الغفلة! أمة القرآن والسنة بين أهل الهوى والبدع أمة التوقير والتعظيم للرسل أولي العزم والهمة!

* كما يغرس يوم عاشوراء العزة في النفوس.. يبرز المسؤولية عن هذا الدين الخاتم الذي تتعطش البشرية إلى نوره المبين في خضم أمواج متلاطمة من الانحرافات والتحريفات والاعتداءات والانتهاكات!

*إن المرء ليشعر بالفخر كما يشعر بالمسؤولية وهو يحمل منهجًا يرتفع فوق العصبية والعنصرية والطبقية وسائر أوصال الجاهليات لا سبيل في الإسلام إلى الدرجات العلى عند الله وعند الناس إلا بالعمل وبذل الخير ولا فرق في هذا بين عنصر وعنصر ولا بين جنس وجنس {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم}

*يوم عاشوراء تذكير لأهل الأرض عامة بهزيمة الله لأعدائه وتذكير لأهل الأرض عامة بنصرة الله لأوليائه وهذا يجدد في النفس الأمل ويبعث التفاؤل.

فعاشوراء (أمل) يتجدَّد في نفوس البائسين بأنَّ الفرج قريبٌ مهما بدا لنا بُعدُه وأنَّ النَّصر للحقِّ مهما تزَلزَل أهلُه وأنَّ النور من رَحِم الظَّلماء مسراه مهما كثرَت الشكوك فيه لتتأمَّل الأنفسُ اليائسة آيات الله في كلِّ زمان ومكان ولتعتبِر بما حكى القرآنُ من جولات الصِّراع بين الحقِّ والباطل - نوح وهود وصالح وإبراهيم وموسى ومحمد مع أقوامهم - ما فيها وما قد كان حتمًا سترتدُّ قلوبهم موقِنَة ونفوسُهم مطمئنَّة إلى أنَّ النصر حليفهم وأن الأمل قريب... ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ 
إن النفوس المستبشرة بنصر الله تعالى وفرجه الموقنة بقدرته المنتظرة لرحمته هي التي يُرجى تحقق الإنجازات على أيديها أما النفوس اليائسة المنقبضة الكئيبة التي تبحث عن الحزن ومناسباته فليست بالتي يتوقع منها نصر ولا تقدم ولا إنجاز فهم مساكين لا يزال يقعد بهم اليأس فيخشون التحرك للتغيير ويخافون الفراعنة بل وربما عاونوهم ضد من يعملون لإنقاذهم وأساءوا إليهم . 

*يوم عاشوراء دليل على تنوع النصر بالنسبة للمسلمين فقد لا يكون النصر على الأعداء بهزيمتهم والغنيمة منهم بل أحيانًا يكون النصر عليهم بهلاكهم وكفاية المسلمين شرهم كما حدث مع موسى  عليه السلام وكما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم - في الخندق.

*صيام يوم عاشوراء تربية للناس على فتح باب المسابقة والتنافس في الخيرات فقد دل النبي صلى الله عليه وسلم على فضل عاشوراء ثم ترك الأمر راجع إلى اختيار الشخص حتى يتبين المسابق للخيرات مع غيره .

هذا وصلوا وسلموا على النبي المصطفى والحبيب المرتضى كما أمركم بذلك المولى جلَّ وعَلا فقال تعالى قولاً كريماً : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، يا منان، يا ب
دي

ع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي  يا قيوم نسألك أن تجعل عامنا هذا وما بعده من أعوامٍ أعوامَ أمن وطمأنينة وعلم نافع وعمل صالح به رشاد الأمة وذلُّ الأعداء في جميع البلاد يا أرحم الراحمين.

اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظ بلادنا واقض ديوننا واشف أمراضنا وعافنا واعف عنا وأكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤاثر علينا وارحم موتانا واغفر لنا ولوالدينا وأصلح أحوالنا وأحسن ختامنا يارب العالمين
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله اكبر واقم الصلاة .
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
مـــــكــــــــــــارم الاخـــــــــــــلاق
للشيـخ/ حـــســــــان الــعــمــــــاري
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الأولـــى.cc
الحمد لله الذي تفرد في أزليته بعز كبريائه، ونوّر بمعرفته قلوب أوليائه، وطيّب أسرار القاصدين بطيب ثنائه، وأمّن خوف الخائفين بحسن رجائه، الحي العليم الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في أرضه ولا سمائه، القدير لا شريك له في تدبيره وإنشائه. وأشهد ألا لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو على كل شيء قدير.

يا رب:
أنا من أنا؟ أنا في الوجود وديعة
وغدًا سأمضي عابرًا في رحلتي
أنا ما مددت يدي إلى غيرك سائلاً
فارحم بفضلك يا مهيمن ذلتي

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا.. عبدُ الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه إلى يوم الدين.

أمـــا بعـــد - عـــباد اللـــه :
إن للأخلاق مكانة عظيمة في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب، ولذلك اعتبرها الإسلام قيمة إيمانية مرتبطة بعقيدة الفرد وصلته بربه، ورتب عليها الجزاء في الدنيا والآخرة، وجعل -سبحانه وتعالى- تربية الخلق وتزكية نفوسهم بالأخلاق والفضائل من أهداف الرسالات والنبوات فقال عن نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [الجمعة 2]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاق" وفي روايةٍ "صالحَ الأخلاقِ" (السلسلة الصحيحة).

وأهل البر هم أصحاب الأخلاق الكريمة والتي من أعظمها ما ذكره الله في كتابه فقال: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة:177].

بل إن صاحب الخلق ليبلغ به خُلقه منازل عالية في الدنيا والآخرة، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "إنّ من أحبِّكم إليّ وأقربِكم منّي مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا" (رواه البخاري في الأدب المفرد).

وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما شيء أثقل من ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلق حسن وإن الله ليبغض الفاحش البذيء"(صحيح الترغيب والترهيب).

وأخلاق المسلم ثابتة لا تتغير يجب أن يلتزم بها في حال الغضب والرضا والحرب والسلم، والعسر واليسر، والقوة والضعف، وفي الفقر والغنى.. لما فتحت فارس وسقط مُلك الأكاسرة أرسل القائد الفاتح نفائس الإيوان إلى المدينة المنورة؛ كانت أكوامًا من الذهب والجواهر في حقائب بعضها فوق بعض، حُملت من المدائن إلى دار الخلافة لم تنقص ذرة خلال آلاف الأميال.

قال ابن جرير: لما قدم بسيف كسرى مع بقية الكنوز قال عمر: "إن أقوامًا أدوا هذا لذوو أمانة"، فقال له علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "إنك عففت يا أمير المؤمنين فعفت الرعية".

إنها أخلاق الإسلام، فلا يمكن أن يأتي زمن أو ظروف أو حادثة تبيح للمسلم أن يتنصل عن هذه الأخلاق.

ولا يعني وجود المشاكل والاختلافات بين الناس الخروج عن هذه الأخلاق والقيم والخضوع لغرائز الغضب والحمية الجاهلية، وإشباع نوازع الحقد والقسوة والأنانية، فلابد أن يكون المسلم عادلاً ورعاً وأميناً وصادقاً ووفياً في سائر أحواله؛ لأنه يتعبد الله بهذه الأخلاق، ويبتغي مرضاة الله بهذا السلوك، قال تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8]. أي لا يحملكم بغضكم لأعدائكم أن تتجاوزوا وتظلموا بل التزموا بالعدل في أقوالكم وأفعالكم. وقال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأنعام: 152].

أيها المؤمنون عباد الله: عند نزول الفتن وحدوث الصراعات والاختلافات، واحتدام المشاكل بين الأفراد والمجتمعات والدول ينبغي للمسلم أن يوطّن نفسه أن يكون صاحب أخلاق عظيمة يُرضي بها ربه، وتكون سبباً في دفع المصائب والشرور عنه، وطريقاً للنجاة ومثالاً يحتذي به غيره.

ومن هذه الأخلاق: صدق اللسان وسلامة المنطق، والقول الحسن؛ فقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من خطورة اللسان وسوء استخدامه وبيّن لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن ط
ريق السلامة وسبيل الخيرية إنما يكون بكفّ اللسان عن الشر. قال معاذ: يا نبي اللّه وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبّ الناسَ في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم" (صحيح الترغيب والترهيب).

فكل كلمة أو لفظ مسجل ومحسوب يقول الله -عز وجل-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18ٍ].. وقال -تعالى-: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف:80].

إن حفظ اللسان عن المآثم والحرام والكذب والخوض في الباطل عنوانٌ على استقامة الدين وكمال الإيمان في قلب المسلم. يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه" (صحيح الترغيب).

وعند الفتن والمشاكل تزداد شهوة الكلام، وتكثر الأخبار، وتنتشر الشائعات وتتنوع المعلومات، ويكثر القيل والقال، خاصة في زماننا مع وجود وسائل الإعلام المختلفة والقنوات الفضائية وشبكات الإنترنت وغيرها، وكم من أخبار كاذبة ومعلومات خاطئة، واتهامات باطلة، وشائعات مغرضة تنشر في هذه الوسائل ضد أفراد أو مجتمعات أو شعوب أو دول، ومع ذلك تجد الكثير لا يتثبت ولا يتحرى الصدق، ولا يتأنى، بل يشارك في نقلها، ولا يدرك أن ناقل الكذب والمروّج له -سواء علم أو شك- أنه كذب، أو أذاعه من دون تثبت ولا تمحيص هو أحد الكاذبين؛ لأنه معين على الشر والعدوان، ناشر للإثم والظلم، والنبي-صلى الله عليه وسلم- يقول: "بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا" (صححه الألباني).

وهذه هي التي يسميها بعض الناس: "وكالة قالوا" دون تثبت أو فحص وتأكد، ودون مراعاة للمصالح والمفاسد من وراء ذلك؛ بل هو الخوض في أعراض الناس ودمائهم وأموالهم، والذي يندم أصحابه يوم القيامة وهم يسألون عن سبب وجودهم النار، فأجابوا كما أخبر -تعالى-: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر42-48].

وعن أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم بشراركم؟!" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "المشاءون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت" (حسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد)، أي الذين يريدون تلطيخ سمعة غيرهم.

فالمسلم إن لم يتكلم في الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصلح بين الناس ويجمع الكلمة وينصح للمسلمين؛ وإلا فإن الصمت أولى وأوجب؛ فأخلاقه وقيمه ومبادئه ثابتة في الرخاء والشدة، والعسر واليسر، ولا يمكن أن تُباع في سوق الفتن؛ لأنه يتعبد الله بها ويبتلى من الله في ذلك قال -تعالى-: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) [الفرقان 20].

عباد الله: إن على المسلم أن يتصف كذلك بالأناة والتؤدة وعدم التسرع والعجلة، وعليه أن يحكّم الشرع والعقل والمصلحة في كل أموره وفي كل قراراته؛ حتى يتبين له الحق من الباطل، والخير من الشر، والمصلحة من المفسدة، وعليه أن يستعين بمن شاء من أصحاب العلم والأخلاق والفهم والرأي.

وفي زمن الشدائد والفتن أحرى وأولى للمسلم أن لا يتسرع أو يتعجل الأمور قبل أن تتبين له؛ لأنه وقت تطيش فيه العقول، وتضطرب القلوب، وتختل المواقف، ولا يسعف المرء إلا التثبت والأناة والحلم والرفق واتباع الحق؛ فالعجلة والتسرع والغضب المذموم قد يزيد من انتشار الشر، وزيادة المنكر، وذهاب الأمن وحلول المصائب وظهور العداوات، وبالتالي يخسر المسلم دينه ودنياه وآخرته بسبب لحظة عابرة أو موقف تافه أو سلوك لا يدرك خطورته ولا يستوعب عواقبه ولا يقدر نتائجه.

ولهذا جاء عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "إنها ستكون أمور مشتبهات؛ فعليكم بالتؤدة، فإنك أن تكون تابعاً في الخير خير من أن تكون رأساً في الشر" (أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف).

فأوصى بالتؤدة: وهي الأناة وعدم التعجل، وأن يكون معول خير لا معول هدم آمراً بمعروف وناهياً عن منكر، وقائلاً بكلمة الحق لا يخشى لومة لائم، ساعياً بكل ما أوتي من قوة إلى درء الفتنة ونشر الخير وجمع الكلمة، وإصلاح ذات البين والدعوة إلى الأخوة والألفة والتراحم، والله -تبارك وتعالى- يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات: 10].

كتب رجلاً إلى ابن عمر -رضي الله عنه- ما يطلب منه أن أكتب له شيئاً عن العلم؛ فكتب إليه: "إن العلم كثير يا ابن أخي، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء المسلمين، خميص البطن من أموالهم، كافّ اللسان عن أعراضهم، لازماً لجماعتهم، فافعل" (سير أعلام النبلاء
)

فاحذر التسرع والعجلة والحكم على الأمور، وتيقن قبل أن تكون سبباً في دماء تُسفك وأعراض تُنتهك، وأموال تُنهب، وفتنة تعمّ، وإنسان يُظلم، وباطل يُنصر، وحق يُخذل، ومعروف يُهمل.. قال -عليه الصلاة والسلام- لأشج عبد القيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله، الحلم والأناة" (رواه مسلم).

ويقول الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِي عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النّاسِ" فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ. قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ: "لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ؛ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالا أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ" (رواه مسلم).

فكيف لا نلتزم بهذه الأخلاق وهي من صميم ديننا، ذكرها الله في كتابه وذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- في سُنته ومارسها صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في واقع الحياة ففتحت لهم القلوب ودانت لهم الدنيا.

اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سواء السبيل.. قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
عباد الله: يقول عز من قائل: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء:114].

فكن صاحب خُلق لا ترهبك فتنة، ولا تستهويك شهوة، ولا يزين الشيطان لك سوء أعمالك، فيصدك عن الحق والخير والعدل والأمانة والصدق والوفاء، ولا تنس المعروف بينك وبين إخوانك المسلمين تحت أي ظروف.

وانظروا إلى رسولكم -صلى الله عليه وسلم- والحرب تدور رحاها مع المشركين يوم بدر والمسلمين في ضائقة وكرب لم ينسَ -صلى الله عليه وسلم- من أسدى إليه معروف يوماً من الأيام؛ فهذا أبا البحتري بن هشام أحد الرجال القلائل من المشركين الذين سعوا في نقض صحيفة الحصار والمقاطعة الظالمة التي تعرض لها رسول الله وأصحابه في شعب أبي طالب فعرف له الرسول جميله وحفظه له، فلما كان يوم بدر قال -صلى الله عليه وسلم-: "من لقي أبا البحتري بن هشام فلا يقتله".

يا لعظمة هذه الأخلاق ويا لروعة هذا الوفاء.. مع أنه عدوه ويحاربه وهم في ميدان مواجهة ومع ذلك لم ينس المعروف.

وأنت كم بينك وجيرانك وإخوانك في الدين والوطن من معروف وصلات أرحام ووشائج قربى؛ فاحذر من الفتنة ومن العصبية والعداوة والبغضاء، واحذر مزالق الشيطان وخطواته، واحذر من شياطين الأنس الذين انحرفت أخلاقهم وسلوكياتهم؛ فالحق أحق أن يُتبع، والسعيد من جنبه الله الفتنة، وهداه إلى الحق بإذنه.

واعلم أن أخلاقك دين تتعبد الله بها، وليست للبيع والشراء أو المساومة وأنصاف الحلول ومجاملة فلان وعلان من الناس أو تقرباً من هذا وذاك كلا.. إنها رأس مالك فاثبت عليه ومارسها سلوكاً في الحياة.

ولن تنال هذه الأمة رحمة الله ولن تفرّج كرباتها إلا بعقيدة صحيحة وأخلاق حسنة وسلوك قويم؛ فأحسنوا الظن بالله وبعفوه ورحمته، وثقوا بحسن بتدبيره، وتوكلوا عليه.

اللهم اهدنا بهداك ولا تولنا أحداً سواك، وألف بين قلوبنا واحقن دماءنا، واحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين.

وصلّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين .
🎤
محاضرة.قيمة.بعنوان.cc
أســــــــــبـــاب دخــــــــــول الـــنــار
للشيــخ/ مـحــمــد بن صـالــح العثيمـين
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الحمدُ لله، أحمدُه سبحانَه
حمدَ الشاكِرين، وأشهد أنْ لا إِله إِلاَّ الله ، وأنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله، وسائِر أصَحابِه الطَّيِّبين، وعلى أتباعِه في ديِنه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً، وبعد،،،

فإن لدخولِ النار أسباباً بيَّنها اللهُ في كِتابِه، وعلى لسانِ رسولِه صلى الله عليه وسلّم؛ ليَحْذَرَ الناسُ منها ويَجتنبُوها، وهذِه الأسبابُ على نوعين:

النوعُ الأولُ: أسبابٌ مُكَفِّرةٌ تُخرِج فاعلَها من الإِيمانِ إلى الكفرِ، وتوجبُ له الخلودِ في النار.

النوعُ الثاني: أسبابٌ مُفَسِّقَةٌ تُخْرجُ فاعلَها مِنَ العدالةِ إلى الْفِسق، ويَسْتَحِقُ بها دخولَ النارِ دونَ الخلودِ فيها.

فأمَّا النوعُ الأولُ فنَذْكُرُ منه أسباباً:

السبب الأولُ: الشركُ بالله: بأنْ يجعلَ لله شريكاً في الرُّبوبية،ِ أو الألُوهيةِ، أو الصِّفَاتِ. فمَن اعتقد أنَّ مع الله خالقاً مشاركاً، أو منفرداً، أو اعتقد أن مع الله إلهاً يستحق أنَ يُعْبَد، أو عَبَد مع الله غيره فصرف شيئاً من أنواع العبادة إليه، أو اعتقد أنَّ لأحدٍ من العلمِ والقدرةِ والعظمةِ ونحوها مثل ما لله عزَّ وجلَّ؛ فقد أشركَ بالله شرْكاً أكْبَرَ، واستحقَّ الخلودَ في النار، قال الله عزَّ وجلَّ:{...إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[72]}[سورة المائدة].

السبب الثاني: الكفرُ بالله عزَّ وجلَّ، أوْ بملائكتِه، أوكتبِه، أو رسلِه، أو اليومِ الآخرِ، أو قضاءِ الله وقدرِه: فمَنْ أنكر شيئاً من ذلك تكذيباً، أو جَحْداً، أو شكَّ فيه؛ فهو كافرٌ مخلَّدٌ في النار. قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا[150]أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا[151]}[سورة النساء].

السبب الثالثُ: إنكارُ فرض شيء من أركانِ الإِسلامِ الخمسةِ: فَمَنْ أنكرَ فَرِيضَةَ توحيدِ ال،له أو الشهادةِ لرسولِه بالرسالِة، أو عمومِها لجميع الناسِ، أو فريضةَ الصلواتِ الخمسِ، أو الزكاةِ، أو صوم رمضانَ، أو الحجِ فهو كافرٌ؛ لأنه مُكذِّبٌ لله ورسولِه وإجماع المسلمين، وكذلك مَنْ أنكر تحريمَ الشركِ، أو قتلِ النفسِ التي حَرَّم الله، أو تحريمِ الزِّنا، أو اللواطِ، أو الخمرِ، أو نحوها مما تَحْريمُه ظاهرٌ صريحٌ في كتاب الله، أو سنة رسولِه صلى الله عليه وسلّم؛ لأنه مُكَذِّبَ لله ورسولِه، لكن إن كان قريبَ عهدٍ بإسلامٍ، فأنكر ذلك جهلاً؛ لم يَكفُر حتى يُعَلَّم فينكرَ بعد عِلْمِهِ.

السبب الرابعُ: الاستهزاءُ بالله سبحانه، أو بدينهِ، أو رسولِه صلى الله عليه وسلّم: قال تعالى:{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ[65]لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ[66]}[سورة التوبة] . والاستهزاء هو السُّخْريَّةُ، وهو من أعظم الاستهانةِ بالله ودينه ورسولِه، وأعظمِ الاحتقارِ والازدراءِ تعالَى اللهُ عَنْ ذلك عُلوَّاً كبيراً.

السبب الخامسُ: سبُّ الله تعالى، أو دينِه، أو رسولِه، وهو القَدْحُ والْعَيْبُ وذِكْرُهُمْ بما يقتضي الاستخفافَ والانتقاصَ كاللَّعنِ والتَقْبِيحِ ونحوِ ذلك. قال شيخُ الإِسلام ابن تيميةَ رحمه الله: ' مَنْ سَبَّ الله، أو رسوله فهو كافرٌ ظاهراً وباطناً، سواءُ كان يعتقد أنَّ ذلك محرمٌ، أو كان مُسْتَحِلاًّ له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاد . وقال أصحابنا: يكفر سواء كان مازحاً أوجاداً. وهذا هو الصواب المقطوع به، ونقل عن إسحق بن راهويه: أن المسلمين أجمعوا على أن من سبّ الله، أو سبَّ رسولَه، أو دفع شيئاً مما أنزَل الله؛ فهو كافرٌ- وإن كان مقرَّاً بما أنزل الله-' وقال الشيخ أيضاً:' والْحُكْمُ في سَبِّ سائِر الأنْبياءِ كالحكم في سبِّ نبيِّنا صلى الله عليه وسلّم، فمَنْ سبَّ نبيَّاً مُسَمَّى باسمه من الأنبياء المعروفينَ المذكورينَ في القرآنِ، أو مَوْصُوفاً بالنُّبوةِ بأن يُذْكرَ في الحديثِ أن نبيَّاً فَعلَ أو قَالَ كذا فَيَسُبَّ ذلك الفاعلَ أو القائل مع عِلمِهِ أنه نبيٌّ فحكمه كما تقدم'. اهـ.

وأما سبُّ غير الأنبياء: فإن كان الغرض منه سبَّ النبي مثلُ أن يَسبَّ أصحابَه يقصد به سبَّ النبيِّ؛ لأنَّ المقارِنَ يقتدي بمَنْ قارنَه، ومثلُ أن يقذِفَ واحدةً من زوجاتِ النبي صلى الله عليه وسلّم بالزِّنا ونحوه؛ فإنَّه يكفرُ لأن ذلك
2024/09/24 16:32:17
Back to Top
HTML Embed Code: