Telegram Web Link
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
الــداعـــيــــــة الــــمـــــــطـــارد
للشيــــخ/ عــــائــــض الـــقــــــــرني
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هو أعظم الخلق عند الله، وقد أخرجنا الله به من ظلمات الكفر والشرك إلى نور الإسلام، وإلى الطريق الصحيح ؟!

وهو الذي كابد المشاق من أجل هذا المبدأ؟! وهو الذي ربى جيلاً عظيماً لا زالت الدنيا تتحدث عنهم وعن أمجادهم.


الخطبــــة.الاولــــى.cc
إن الحمد لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونستهديه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، أحمدك اللهم من اعتمد عليك نصرته، ومن فوض الأمر إليك كفيته، ومن تقرب إليك أحببته، ومن حاربك خذلته، ومن خاصمك أهنته، ومن ناوأك أبعدته وأقصيته.

أيها الجيل الموحد!
يا حملة المبادئ! أيتها الكتيبة المقدسة!

نقف هذا اليوم نحيي بملء القلوب والأجفان والأسماع رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نحييه في أول العام الهجري، وهو رجل الهجرة الأول، نعيش اليوم مع الأطفال في أيامٍ طرد هو من أطفاله، ونعيش اليوم منعمين في الدور والقصور في أيام شرد من دوره، ونعيش اليوم ناعمين سعيدين جذلين في أيام عاشها هو كلها أسىً، ولوعة، يقدم رأسه وروحه من أجل لا إله إلا الله، إنها الهجرة.

وعنوان الدرس: الداعية المطارد
طارده أقاربه، وأرحامه، وأصهاره، فما سبب المطاردة؟ لماذا طورد؟ أمن أجل أنه أتى بنهب الأموال وسفك الدماء، واحتلال الأراضي، وابتزاز المعطيات؟ لا. إنه مطارد؛ من أجل أنه أتى لينقذ الإنسان ويخرجه من الظلمات إلى النور، فهذا هو حديث الهجرة.

شجاعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في مواجهة المؤامرة ..
أغلقت مكة أبوابها في وجه الابن البار، وأنذرته في خلال أربع وعشرين ساعة، أن يغادرها ولا يبقى في ساحها، عجيب! ولد في ربوعها، وترعرع في تلالها، شرب ماءها، واستنشق هواءها، وتقول له مكة اخرج! إلى أين؟!! لا ندري. وليتهم تركوه ليخرج سالماً معافى، لكن يريدون أن يخرجوه جثةً، أو يحبسوه، أو يبيدوه أو ينفوه من الأرض، وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30]

تخفيت من خصمي بظل جناحه
فعيني ترى خصمي وليس يراني
فلو تسأل الأيام عنيَّ ما درت
وأين مكاني ما عرفن مكاني

دخل في غرفة علي أو في بيته هو، وطوقه الكفرة الفجرة؛ لأنه يهدد مصالحهم التي بنيت على الظلم، ويصادر شهواتهم، ولا يطاوعهم في نزواتهم، إن أهل الباطل قديماً وحديثاً يرون في حملة المبادئ، وفي رواد الحق خصماء على طول الطريق؛ لأنهم يقولون لهم: لا. في كل معصية، وشهوة، ونزوة!!

طوقوا بيته بالسيوف المصلته
وتحروا متى يخرج، وهنا تأتي الشجاعة، ليست الشجاعة التي يقدمها الناس من أجل أراضيهم، ومزارعهم، ومناصبهم.

ليست الأنوف الحمراء التي تغضب للجيوب والبطون، والسيوف المسلولة من أجل التراب والطين.

أما محمدٌ عليه الصلاة والسلام
فيقدم رأسه من أجل مبدئه، يتحدى الشمس أن تهبط في يمينه والقمر أن ينزل في يساره، ولو نزلت الشمس والقمر، والله ما تهزه خطوة، حتى تعلن لا إله إلا الله أصالتها في الأرض!!

طوقوه وأتاه جبريل فأخبره، قال: الخصوم خارج البيت يريدون قتلك، فيقول: إن الله معنا.

لله درك، ولله در الشجاعة
المتناهية ، ولله در الروح العالية:

يا قاتل الظلم ثارت هاهنا وهنا
فضائح أين منها زندك الواري
الشمس والبدر في كفيك لو نزلت
ما أطفأت فيك ضوء النور والنار
أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة
يذوب في ساحها مليون جبارِ

فخرج من البيت بلا سيف، وهم بالسيوف، وخرج بلا رمح وهم بالرماح!! وأخذ حفنة من التراب فألقى الله النوم عليهم، فناموا وسقطت سيوف الخزي والعار، ونثر التراب والغبار على رأس الفجار، وهو يقول: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس:9].

دروس من الهجرة النبوية
نقف اليوم: بعد هذا الحدث بخمسة عشر قرناً، لنأخذ دروساً منها:

التوكل على الله
أولها: درس التوكل على الله، وتفويض الأمر له، وصدق اللجأ إليه، فلا كافي إلا الله، يقول سبحانه على لسان أحد أوليائه: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا [غافر:44-45].

ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَىَ لرسوله: وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [الزمر:36] وكل من هو دون الله فهو تحته، ودونه، وأضعف منه، فلا مقارنة.

الناس اليوم يحملون
صدق التوكل والانتصار بالله في أذهانهم لا في حياتهم، إنهم يكونون أجبن ما يكون عندما تهدد لا إله إلا الله، إن قضية الوظائف، والمناصب والموائد، والجاهات والشارات استعبدت البشر، إنها تستعبد الحر الشجاع، فتجعله ذليلاً جباناً لا يقول كلمة الحق: {تعس عبد الدينار تعس عبد الخميلة تعس عبد الخميصة} إن محمداً عليه الصلاة والسلام، أراد أن يبني جيلاً قوياً شجاعاً، يقدم الواحد منهم رأسه لمبدئه، وروحه لمنهجه.

ولكن: طال الأمد، وقست القلوب، وانطمس المنهج، وأصبحت الأمة تعيش خواءً عقدياً، أخوف ما تكون من البشر، انظر إليهم، والله إنهم يخافون من البشر أكثر من رب البشر!! فكم يخافون؟ وكم يجبنون؟ وكم تصيب أحدهم الزلزلة والرعدة من تهديد بسيط، يتعرض لوظيفته أو لمنصبه أو لدخله ورزقه، ولا يرزق ولا يخلق إلا الله!! وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً [الفرقان:3].

إن قصة الهجرة يتجلى فيها التوكل كأحسن ما يتجلى في أي صورة، يدخل الغار، ويتكرر لنا حديث الغار، ونعيد دائماً حديث الغار، لأن أول التاريخ بدأ من الغار، والنور انفجر من الغار.

فمن يمنعه عليه الصلاة والسلام؛ أين موكبه؟ أين أقواس النصر التي تحف بالناس؟ أين الجنود المسلحة التي تحمي جماجم الناس وأرواحهم وهم أقل خطراً وأقل شأناً منه، لا جنود معه ولا حراسة، لا سلاح، ولا مخابرات، ولا استطلاع!

وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمانُ
فيقول أبو بكر: {يا رسول الله! والله لو نظر أحدهم إلى موطن قدميه لرآنا، فيتبسم عليه الصلاة والسلام -والتبسم في وجه الموت أمرٌ لا يجيده إلا العظماء، حتى يقول المتنبي يمدح عظيماً لا يستحق أن يكون جندياً في كتيبة محمد عليه الصلاة والسلام:

وقفت وما في الموت شك لواقفٍ كأنك في جفن الردى وهو نائمُ
تمر بك الأبطال كلمى هزيمةً ووجهك وضاحٌ وثغرك باسمُ
يتبسم عليه الصلاة والسلام- ويقول: ما ظنك يا أبا بكر! باثنين الله ثالثهما} هل يغلب الثلاثة، أم تكون الدائرة على غير الثلاثة؟ إذا كان الله الثالث، فمن هو المغلوب؟ من هو خاسر الجولة؟ من هو المنهزم في آخر المعركة؟ ويقول: لا تحزن إن الله معنا، بعلمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهي معية الحفظ والتأييد والتسديد لأوليائه، المعية التي صاحبت إبراهيم عليه السلام، وهو يهوي بين السماء والأرض، في قذيفة المنجنيق إلى النار، فيقول له جبريل: ألك إليَّ حاجة؟! قال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] فصارت النار برداً وسلاماً.

والمعية التي صاحبت موسى راعي الغنم، الذي يحمل عصاه، ولا يجيد أن ينطق اللغة، ويدخل إيوان الظالم السفاك المجرم فرعون، وحرس فرعون أكثر من ثلاثين ألفاً، الدماء تسيل في البلاط الملكي الظالم، موسى يلتفت ويقول: يا رب! إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى، فيعطيه الله درساً في التوحيد والتوكل: قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] نواصي العباد بيديه، ورءوس الطغاة في قبضته، ومقاليد الحكم بيمينه، لا يتصرف متصرف إلا بقدرته.

ثم يأتي سراقة ويطارد محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيقرأ القرآن ولا يلتفت؛ لأن الله معه، يدعو على سراقة، فيصبح سراقة مهدداً بالموت، فيقول: يا محمد! اكتب لي أماناً على حياتي.

أنت الآن محمي وأنا مهدد، بالله لا تقتلني، فقد فر من الموت وفي الموت وقع، فيقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن يتبسم: {يا سراقة! كيف بك إذا سورت بسواري كسرى؟} أين كسرى؟ إنه امبراطور فارس، ودكتاتوري الشمال، المجرم السفاك.

فيضحك سراقة كأنه ضربٌ من الخيال، أهذا يستولي على إمبراطوريات الدنيا؟! أهذا يلغي مملكة العالم، وهو لا يستطيع أن ينجو بنفسه؟ وبالفعل تم ذلك، ودكدك الظلم، وفتح الشمال، ورفرفت لا إله إلا الله على الإيوان:

وما أتت بقعةٌ إلا سمعت بها الله أكبر تدوي في نواحيها
وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها
ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها

حفظ الله لأوليائه
ثانيها: أن الله يحفظ أولياءه، فهم يُؤذَون ويُضطهدون ويحبسون ويقدمون رءوسهم رخيصة لله، ولكن ينتصرون، والعاقبة للمتقين: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52].

والنتيجة الحتمية أنهم هم المنتصرون في آخر المطاف، وأن الباطل مهما انتفش وعلا وكبر، فإنه كما قال سبحانه: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد:17] الباطل: له صولة، والحق: له جولة، والعاقبة للمتقين، وتكفل ا
ل

له أن يحفظ دعائم هذا الدين والمتمسكين به، والمنضوين تحت لوائه، فمهما تعرض له من الإساءات والاضطهاد والإقصاء والاستخذاء، فإنه لا يزيدهم إلا إصراراً على مبادئهم، وشمماً وقوة.

التضحية والبذل
ثالثها: عالم التضحيات والبذل يتحقق فيه عليه الصلاة والسلام، فماذا فعلت أنا وأنت لهذا الدين؟ ماذا قدمنا؟ ومحمدٌ عليه الصلاة والسلام شغله الشاغل.. أنفاسه.. خواطره..أفكاره..أمواله..أهله..روحه لله!! يقول في إحدى مواقفه: {والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل} هاجر من مكة مطروداً، ووقف في حمراء الأسد يتكلم مع مكة، بينه وبين مكة كلامٌ رقيقٌ مشوق:

يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيءٍ بعدكم عدمُ
إذا ترحلت عن قومٍ وقد قدروا ألا تفارقهم فالراحلون همُ
يقول لـمكة: {والذي نفسي بيده إنك لمن أحب بلاد الله إلى قلبي، ولو لا أن أهلك أخرجوني ما خرجت} ثم تدمع عيناه، ويذهب، بناته أمامه يُضربن، فلا يستطيع أن يدفع، يوضع السلى على رأسه أمام الجماهير، ويضحكون عليه، ويمسح السلى ويقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} تباع غرفه في مكة، بعقدٍ يتولاه عقيل بن أبي طالب.

أعمامه يكذبونه أمام الناس، يحثى التراب عليه، ويطارد بعيداً بعيداً من مكة، ولكن الفجر حل، وهم يريدون إغلاق صوته، فيزداد الصوت قوة، وعظمة، وعمقاً، وأصالة! فيصل إلى المدينة فإذا الدنيا تتحدث به:

وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسودِ
لولا اشتغال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب نفح العودِ
هكذا العظمة والريادة، فينصت العالم له، ويسمعون كلمته، ويقويه الله بجندٍ من عنده، وتحف به الملائكة:

وقاتلت معنا الأملاك في أحدٍ تحت العجاجة ما حادوا وما انكشفوا
سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا
إذاً التضحية هكذا: أن تقدم دمك ومالك ودموعك ووقتك للإسلام، ليس فقط الركعات والتسبيحات التي يمتن بها كثيرٌ من الناس، ولكنهم لا يستطيعون الحرقة على الدين، ولا الغضب على المحارم: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] ولا يستطيعون أن يتقدموا معك خطوة، لنصرة لا إله إلا الله، فإن هذا عالمٌ آخر.

ماذا قدمنا في العام الهجري المنصرم؟
رابعاً: ماذا قدمنا للعام الهجري المنصرم؟ ذهب من أعمارنا عام مات فيه قوم، وعاش آخرون، اغتنى فيه قوم وافتقر آخرون، وتولى قومٌ وخلع آخرون!! فماذا قدمنا للإسلام؟

ولك أن تتعجب معي، وإن تعجب فعجبٌ فعلهم في هجرة محمد عليه الصلاة والسلام، أين هي الصحف الصباحية؟ أين هي الملاحق الفنية؟ أين هي الصفحات الرياضية؟ أين هي الشاشة؟ أين هو المذياع؟ ولم لا تحيي محمداً عليه الصلاة والسلام؟ لقد احتفل بأسبوع الشجرة، وبيوم الطفولة، وبيوم الأمومة، وبيوم الأرض، ولم يبق إلا يوم القطط والبط والوز! لم يبق إلا يومٌ من السنة، وأقترح أن يخصص للقطط احتفالاً بها!

صحفٌ لا تحيي محمداً عليه الصلاة والسلام وكتابها حسنة من حسناته، ومتطفلون على مائدته، وأحرارٌ لما أخرجهم من رق الوثنية والعبودية لغير الله، فهذه بلادٌ ما أشرقت شمسها إلا من تحت قدمه، ثم لا نجد في الجرائد تحية ولا كلمة، ولا عموداً صغيراً، ولا زاوية، تحوي قصة المصلح العظيم، والله لقد قرأت أخباراً عن كلاب حدثت لها وقائع ومصائب في الغرب، وترجموا لها، لكن محمداً عليه الصلاة والسلام لا يجد من يترجم له، ونقول للكتبة وللمحررين وللنخبة المثقفة كما تزعم، ولأهل الكلمة ولأبناء الفكر: لا عليكم.. وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ [محمد:38].. وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً [هود:57].

لا عليكم إن بخلتم بأقلامكم عن محمد عليه الصلاة والسلام، وجعلتم صفحاتكم الفنية لكواكب الفن، ولشموس الغناء، فعندنا جيلٌ الآن، أعلن توجهه إلى الله، جيلٌ كتب الهجرة بدموعه، وحفظ المسيرة بقلبه، وأصبح حب محمد عليه الصلاة والسلام يجري في دمه.

فعندنا جيل كعدد الذر، كلهم يتمنى اليوم قبل غد أن يقتل في سبيل الله، من أجل مبادئ محمد عليه الصلاة والسلام.

هذا أثره عليه الصلاة والسلام علينا، وهذا موقفنا من دعوته ومن رسالته.

أما غيرنا فيدرس المناهج إلا منهجه، ويتكلم عن الشخصيات إلا شخصيته.

ورأيت في صحيفة زاويةً خصصتها للأعلام والمشاهير ولوفياتهم، من هم؟ إنهم مشاهير السفك والنهب في العالم، والقتل والإبادة واستخذاء الشعوب.

أما المحرر الأول، والرجل الذي أصلح الله به الأمة، فلا كلام عنه ولا ترجمة! فماذا يعتذر هؤلاء أمامه عليه الصلاة والسلام غداً؟ ولا يفهم فاهم، أو يزعم زاعم أنني أريد أن ننشئ له عيد هجرة، أو عيد ميلاد؛ فالإسلام لا يقر هذا، ولا يؤمن به، ولا يقر أن نجتمع في زوايا وخلايا وجوانب لنرقص كما يرقص المخذولون المتهوكون بالنشيد والتصفيق ونحييه، فتحيته أن نطهر بلاده مما طهرها منه هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فتكون بلاداً مقدسة، تحيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّ
َمَ

أن نسير على خطواته، وأن نفدي منهجه، وأن نضحي لمبدئه، أعظم مما يضحي الثوريون والماركسيون والاشتراكيون العرب للأقزام الملاعين، وللأوسمة المخذولة، وللأصنام المبعدة.

تحيتنا له: أن نقف مع سنته وننشرها في الأرض: {بلغوا عني ولو آية}.. {نضر الله امرأً سمع مني مقالةً فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مُبلَّغٍ أوعى من سامع} إن عالم البادية الذي كان يسجد للحجر، ويجمع التمر ويصلي له، ويأتي للوثن الذي يبول عليه الثعلب، ويدعوه أن يشفي مريضه؛ وصمة عارٍ في هؤلاء القوميين العرب، فالذي حررهم من هذا هو محمد عليه الصلاة والسلام، وإن العجب العجاب أن تحتفل النوادي الأدبية، بنظافة البيئة، فتجد محاضرة في نظافة البيئة، وأخرى في فن السياحة، وأخرى في أدب الاصطياف، ولم يبق إلا محاضرة رابعة في بيطرة البقر! كيف تبيطر البقر؟ وما هو علاج البقر؟ ومن هم الأبطال الذي يعالجون البقر من أمراضها؟

علي نحت القوافي من معادنها وما علي إذا لم تفهم البقرُ
لماذا لا تقام محاضرة بعنوان: أثر رسالته عليه الصلاة والسلام على العالم؟ لماذا لا يأتي هؤلاء البسطاء الوضعاء بمحاضرة عن (الإسلام وحاجة العالم إليه) أو القرآن وواجبنا في هذا القرن، أو أثر لا إله إلا الله في حياة الإنسان؟ أما هذه المحاضرات التي شبع منها الناس، ومجتها الآذان، وأصبحنا نصاب بغثيان من سماعها وتردادها، فوالله إنها شغلٌ للأوقات، وإنها تسويدٌ للصحف، ومجٌ للأسماع، وثقالةٌ ودرن على القلوب.

هذا المهاجر الأول، وهذا الداعية المطارد من أجل مبدئه، وهذا عامنا وهذا ما قدمنا، وهذه النوادي، وهذه الصحف، وهذه الأقلام، ولكم أن تحكموا: بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [القيامة:14-15].. يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ [الانفطار:6-7].

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.


الخطبــــة.الثانيــــة.cc
الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وعلى قدوة الناس أجمعين، وحجة الله على الهالكين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

في مثل هذا الشهر، طورد داعية أول، زميلٌ له عليه الصلاة والسلام، نهجه نهجه، ومسيرته مسيرته، ودعوته دعوته، إنه موسى عليه السلام: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31] لا يُبعث نبي إلا وقد هيأ الله طاغيةً هناك يرصد له، ولا يحمل رائدٌ من رواد الدعوة مبدأً إلا ويتهيأ له ظالمٌ يرصده، سنة الله: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً [الأحزاب:62].. وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ [البقرة:251].

في هذا الشهر، خرج موسى مطروداً من مصر، يطارده فرعون المجرم بستمائة ألف مقاتل فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ الزخرف:54] قطيع ضأن، الشعوب التي لا تفهم إلا الخبز والأكل، ولا تفهم إلا ثقافة القِدْر، والجيب والبطن تصفق للطاغية وتحثوا على رأس الداعية.

الشعوب المهلهلة المهترية المتهالكة من الداخل طاردت موسى يريدون قتله، لأنه يريد أن يحررهم وهم يقولون: لا. يريد أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، وهم يقولون: لا. يريد أن يرفع رءوسهم، وهم يقولون: لا. اصطدم بالبحر، الجيش وراءه والموت، والبحر أمامه والموت، إلى أين؟ إلى الله، التفت ودعا، والله قريب: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].

بنو إسرائيل الخونة الجبناء ولولوا وخافوا وارتعدوا، والكتائب حوله انهارت، يا موسى!: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61] ولكن موسى يتبسم، كما يتبسم محمد في الغار قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ الشعراء:62]

فيقال له كما ذكر بعض أهل السير: أين يهديك وفرعون خلفك والبحر أمامك؟! هذه ورطة لا حل لها، هذا مضيقٌ لا مخرج منه في عرف البشر، قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62] ويتلقى المكالمة في الحال من الله، لا تتأخر عنه؛ لأنه كان كليماً: اضرب البحر بعصاك، فضرب باسم الله البحر فانفلق يبساً فمشى بنو إسرائيل، وأتى فرعون يريد أن يجرب آخر جولة له في عالم الضياع، وهي مصارع الطغاة، والطغاة لهم مصارع، إما أن تلعنهم القلوب وهم يسيرون على الأرض وهذا مصرع، وإما أن يشدخون كما شدخ هذا وهذا مصرع، وإما أن يدخر الله لهم ناراً تلظى، وهذا مصرع.

إهلاك فرعون ونجاة موسى
وصل فرعون ونجا موسى، وقال الله للبحر: اجتمع فاجتمع، وكان الضحية المجرم، دخل الطين في فمه، فلما أصبح في وقتٍ ضائع قال: قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَن
ُو إ

ِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] فيقول الله: آلْآنَ [يونس:91] في هذه اللحظة أيها المجرم الخسيس بعد أن فعلت من الأفاعيل ما تشيب له الرءوس؟!

والشاهد أن الرسول عليه الصلاة والسلام يشارك أخاه في فرحة الفلاح والانتصار، ويشارك زميله في هذا اليوم الأغر، يوم عاشوراء، ولذلك تضامن معه، وتكاتف هو وإياه، فقد وجد بني إسرائيل وهم اليهود الخونة الجبناء في خيبر والمدينة يصومون عاشوراء، قال: {ما هذا اليوم، قالوا: يومٌ نجا الله فيه موسى قال: نحن أولى بموسى منكم}

موسى كليم ربنا، وحبيبنا، نحن حملة منهج موسى، ليس أنتم يا خونة العالم! ويا حثالة التاريخ! ويا أبناء القردة والخنازير! فصامه وقال عليه الصلاة والسلام عن هذا اليوم كما في صحيح مسلم: {إني أرجو من الله أن يكفر به السنة الماضية}.

ومن السنة أن تصوم يوماً قبله، أو يوماً بعده -اليوم التاسع والعاشر، أو اليوم العاشر والحادي عشر من هذا الشهر- يقول عليه الصلاة والسلام: {لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع} فشكر الله لموسى دعوته ومنهجه وبذله وتضحيته، وشكر الله لمحمدٍ عليه الصلاة والسلام بذله وشجاعته وتضحيته من أجل هذه الأمة، وشكر الله لكل من سار على منهجه عليه الصلاة والسلام، وضحى من أجل مبادئه، وبذل من أجل دعوته، وساهم في رفع رسالته.

أسأل الله أن يجمعنا بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام وبإبراهيم وموسى وعيسى وبالأخيار الطيبين، وبالشهداء الصالحين، وبالأبرار الصديقين، وبالشجعان الباذلين في مقعد صدقٍ عند رب العالمين.

أيها الناس.. !
صلوا على الداعية المطارد والمهاجر الأول والرسول الأعظم، والهمام الإمام عليه أفضل الصلاة والسلام، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ترقرق الغمام، وما جنح الظلام، وما أُفشي السلام، وما كان في قلوبنا، وفي أذهاننا إمام، صلى الله عليه وسلم ما فاحت الأزهار، وما تمايلت الأشجار، وما تدفقت الأنهار، وما كور النهار على الليل، والليل على النهار، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما تألقت عينٌ لنظر، وما تحرقت أذنٌ لخبر، وما هتف وُرقٌ على الشجر، وعلى آله وصحبه.

اللهم انصر دينك ومنهجك، اللهم اجعله عاماً مباركاً، وعاماً ينتصر فيه الدين، وترتفع فيه إياك نعبد وإياك نستعين، وعاماً يخسأ فيه الفجرة والمنافقون، وعاماً يغلب فيه المناوئون الظالمون، وعاماً يكون عائداً علينا بالحسنات والمكرمات، ورفعة الدرجات عند رب الأرض والسماوات.

الله انصر الأمة وحقق لها أمانيها، وثبت أقدامها، وأيد شبابها، واحم حوزتها، وارفع رايتها، وأقم شامتها، واحم شريعتها، وأيد كلمتها.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
🎤
خطبة.جيدة.بعنوان.cc
سلسلة خطب عن الهجرة (1)
الهجرة عظمة ومعنى حركة وتأريخ
للشيـــخ/ مــــحــــمــــــــد الــجــــــــرافـــي
2 محرم 1439هـ -- 22 سبتمبر 2017 م
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله الواحد القهار، {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}، وأشهد أن لا إله إلا الله عالم الخفايا والأسرار، والمطلع على مكنون الضمائر والأفكار، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خير الأبرار، باتباعه ينال المسلم المقاصد والأوطار، ويحاسب نفسه على الأخطاء ويتجنب الأخطار، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأطهار، وعلى التابعين لهم بإحسان ما اختلف الليل والنهار.

أمـا بعــد - أيـها الإخوة المؤمنون
أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
اللهم اجعلنا من الذين يعلَمون فيقولون، ويقولون فيعمَلون، ويعمَلون فيُتقنون، ويُتقنون فيُخلصون، ويُخلصون فيُقبَلون.

عـــباد اللـــه :
تعيش الأمَّة الإسلاميَّة هذه الأيام إشراقةَ سنةٍ هجريَّة جديدة وإطلالةَ عامٍ مباركٍ بإذن الله بعد أن أَفَلَت شمسُ عامٍ كامل مضى بأفراحه وأتراحه

عـــباد اللـــه :
حديث المناسبة في مطلع كلِّ عامٍ هجريٍّ: ما سطَّره تاريخنا الإسلاميّ المجيد من أحداثَ عظيمة ووقائعَ جسيمة وهجرة كريمة لها مكانتها الإسلاميَّة ولها آثارها البليغة في عزِّ هذه الأمَّة وقوَّتها وصلاح شريعتها لكلِّ زمانٍ ومكان وسعيها في تحقيق مصالح العباد في أمور المعاش والمعاد.

ما أجمل أن نشير إشارات عابرة لعدد من القضايا المهمَّة الجديرة بالإشادة والتَّذكير ونحن في بداية هذا العام الجديد علَّها تكون سببًا في شَحْذ الهِمَم واستنهاض العزمات للتمسُّك الجادِّ بكتاب الله وسنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحاملةً على الاتِّعاظ والاعتبار
إنَّ في هذا الحدث العظيم من الآيات البيِّنات والآثار النيِّرات والدروس والعِبَر البالغات ما لو استلهمته أمَّة الإسلام اليوم وعملت على ضوئه وهي تعيش على مفترق الطُّرُق؛ لتحقَّق لها عزُّها وقوَّتها ومكانتها وهيبتها ولعلمت علم اليقين أنَّه لا حلَّ لمشكلاتها ولا صلاح لأحوالها إلاَّ بالتمسُّك بإسلامها والتزامها بعقيدتها وإيمانها فوَالذي بعث محمَّدًا بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا ما قامت الدُّنيا إلا بقيام الدِّين ولا نال المسلمون العزَّة والكرامة والنَّصر والتَّمكين إلاَّ لما خضعوا لربِّ العالمين وهيهات أن يحلَّ أمنٌ ورخاءٌ وسلامٌ إلاَّ باتِّباع نهج الأنبياء والمرسلين.

عـــباد اللـــه :
وقد تُثار في النفس تساؤلات واندهاشات عدة عن أحداث السيرة بتفاصيلها النوعية فما المعنى في أن يترك العبد دياره وأرضه التي نشأ بين جنباتها والتي بين كل ذرة من ذرات ترابها ذكرى من أيامه السالفة عَذْبَةٍ أو مُرَّة لا يهم المهم أنها ذكرى محفورة في ضميره يستحضرها كلما هبت نسائم ذلك البلد أو اشتم عبق القادمين من جهته!!

وما المعنى في أن يهجر الإنسان أهله وماله وعشيرته لينزل أرضًا جديدة لا يعرفها بلا مال ولا مأوى ولا عشيرة؟!
بل وما المعنى في أن يدع أبناءه وزوجته ووالديه وأهله بين ظهراني أعدائه ليفر بنفسه إلى أرض قد لا يلقى فيها قبولاً ولا ترحيبًا؟!

إنه لا معنى لكل ذلك سوى الإسلام!! دين الله تعالى الذي يهون بجانبه كل غال وعزيز فمهما عزَّت الأوطان والديار فالإسلام أعزّ ومهما تعلقت القلوب بالأبناء والزوجات فإن تعلقها بالإسلام أشد ومهما قويت الأموال والعشيرة فالإسلام أقوى وأمنع.

لقد أدرك مسلمو الجيل الفريد أن حياتهم في الإسلام هي الحياة الحقيقية وأن قوتهم في الإسلام لا فيما سواه وأن اطمئنان قلوبهم وراحة أفئدتهم في الإسلام لا فيما سواه وأن عزهم وشرفهم في الإسلام لا فيما سواه وأن وجودهم رهن بوجود الإسلام وأنه لا الأولاد ولا الأموال ولا الأوطان ولا التراب أولى بتضحية الإنسان بنفسه من الإسلام لذا كان غاية ما يتمنون أن تُجدع أنوفهم وتُبقر بطونهم وتتخطفهم الطير أو تهوي بهم الريح في مكان سحيق وتأكل أشلاءهم السباع في سبيل الإسلام كانت غاية آمالهم أن يكونوا جسرًا يعبر عليه الناس إلى دين الله أفواجًا لذا لم يتمكن منهم عدوهم تاريخَهم كله بل كان أعداؤهم أشد خوفًا منهم على ضآلة أجسامهم وضعف قوتهم وقلة حيلتهم ونقص عتادهم فكانوا يواجهون الموت بقلوب جسورة يواجهونه ولا يخشونه بل كان أحدهم يسعى إليه سعيًا

أيها الإخوة: إن التاريخ السنوي لم يكن معمولاً به في أول الإسلام حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ففي السنة الثالثة أو الرابعة من خلافته رضي الله عنه كتب إليه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يقول له: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ فجمع عمر الصحابة رضي الله عنهم فاستشارهم فيقال: إن بعضهم قال: أرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكها كلما هلك ملِك أرخوا بولاية من بعده فكره الصحابة ذلك فقال بعضهم: أرخوا بتاريخ الروم فكرهوا ذلك أيضاً فقال بعضهم: أرخوا من مولد النبي صلى ا
لله عليه وسلم وقال آخرون من مبعثه وقال آخرون: من مهاجره. فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها فأرخوا من الهجرة واتفقوا على ذلك.

ثم تشاوروا من أي شهر يكون ابتداءً السنة؟ فقال بعضهم: من رمضان لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن وقال بعضهم: من ربيع الأول لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً واختار عمر وعثمان وعلي أن يكون من المحرم لأنه شهر حرام يلي ذي الحجة الذي يؤدي فيه المسلمون حجهم الذي به تمام أركان الإسلام والذي كانت فيه بيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم والعزيمة على الهجرة فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من الشهر الحرام.

وحصل إجماعٌ من الصَّحابة الكرام على ذلك. ووجب على المسلمين الإذعانُ لهذا الأمر لقوله صلى الله عليه وسلم ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)) رواه أحمد وأبو داود وغيرهما
فصارت حادثة الهجرة النبويَّة منطلَقًا للتَّاريخ العربيِّ الهجريِّ فالهِجْرَةُ حَدَثٌ؛ لَكِنَّهُ سَيِّدُ الأَحْدَاث فالهجرة حَدَث تاريخي عظيم؛
إذا كانت عظمة الأحداث تُقاس بعظمة ما جرى فيها فليس أثبت عظمة لحدثٍ ما من حادث الهجرة؛ فلقد كان عظيمًا ما حَدَثَ فيه مِن تضحيَّات وبذْلٍ وحفظ كرامة ومكانة.
وإذا كانتْ عظمة الأحداث بعظمة الأماكن فليس هناك أحب إلى قلب المؤمن ولا أشرف من مكة والمدينة أو عظمة الزمان فليس أشرف من بداية العام الهجري فهي بداية الفتح والبُشْرَيات.
وإذا كانتْ عظمة الأحداث تُقَاس بعظمة القائمين بها فهذا حَدَثٌ شهِد تحرُّكات أعظم إنسان وأشرف مخلوق مع أنَّ هناك أناسًا هاجروا؛ لكن هجرتهم هجرة أفراد وهجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - هجرة أمَّة.

حدث الهجرة:
حَدَثٌ به تحطَّمَتِ القيود وبه نال حقوقَهم كلُّ العبيد.
حدث به اقْتُلع حبُّ الدنيا منَ القلوب ونال المؤمنون حب علاَّم الغيوب.
حدث به تأسَّست دولة التوحيد في مقابل دولة الشرك والجحود.
حدث به عزَّت نفوس المسلمين وتحقَّقتْ به كرامة المؤمنين.
حدث به عظمتِ الأفكار فأقيمتْ دولة ولها فكرة وجيش يَحْمي ودعوة سائرة.
حدث به أُرْهِبَ الكفَّار وعزَّ المهاجرون والأنصار.
إنه حدث خَطَّ بِجُذوره أعماق التاريخ طولاً وعرضًا قديمًا وحديثًا.

*فالهجرة حدث جلل ونقطة تحول هامة في تاريخ الإنسانية عامة بها تحول الإسلام من مضطهد في مكة إلى حاكم في المدينة بها أسس الرسول صلى الله عليه وسلم أول دولة في الإسلام؛ فهي الهجرة التي تحمل في طياتها معاني الشجاعة والتضحية والفداء ومعاني النصر والصبر والإباء ومعاني التوكل والقوة والإخاء ومعاني الاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الأعداء وهي مدرسة تربوية عظيمة أستاذها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وحارسها العام جبريل عليه السلام ومديرها ومدبرها الله سبحانه وتعالى وتلامذتها أمة الإسلام .

قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفره إنه هو الغفور الرحيم


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لاإله إلا هو وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد أيها الناس: والهجرة أنواع
فنبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - قد هاجَرَ من مكان لمكان من أجل دعوة ربِّه ورسالته التي حملها فما علينا إلا أن نهاجرَ على الأقل بأعضائنا ونوايانا؛ يقول ابن القيم - رحمه الله -: "والهجرة فرض عين متعيِّنة على كل مسلم كما هاجر رسول الله والهجرة نوعان: هجرة بالجسد من بلد إلى بلد وتلك هى التي فعلها رسول الله وهجرة القلب إلى الله وهذه فريضة عامة لا يُعذر منها مسلم". إنها هجرة النُّفوس قبل البيوت إنها هِجرة القلوب قبل القصورهجرة للأعضاء؛ ليكون للذكرى أثر في الحياة والتغيير إلى الأفضل:

- فتهجر أعينُنا النظر إلى الحرام وتتخلق بخُلُق النبي الكريم العفيف والذي كان يغضُّ بصره دومًا وأبدًا عنِ الحرام.

- وتهجر أسماعُنا الإنصات إلى الحرام أو التلذُّذ بكلمات خبيثة نابية فلا تستمع إلاَّ إلى الحلال الطيب وهكذا كل أعضائنا تجتهد أن تهاجر إلى الله ربها.
قال - تعالى -: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5] وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه))؛ متفق عليه.

*وهجرة العصاة ومجانبة مخالطتهم: قال الله - تعالى -: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10] وهو الذي لا عتاب فيه.

*وهجرة للنوايا والقلوب والإخلاص في التوجه إليه في السر والعلانية بأن ينوي الإنسان أنه مهاجر إلى الله من الذنوب إلى التوبة حتى إذا أدركته المنيَّة فليقع أجره على الله.

عـــباد اللـــه :
إذاً فالمطلوبُ مِن كلٍّ منَّا أن يهاجر كيف؟! يهاجِر مِنَ المعصية إلى الطاعَة مِن الفردية الأنانية إلى الجَماعة مِن الكسل إلى ا
لع

مل مِن القنوط إلى الأمَل مِن الضَّعْف إلى القوَّة ومِن التسفُّل إلى القِمة مِن الذلَّة إلى العِزَّة من الحِصار إلى الانتشار ومِن الانكسارِ إلى الانتِصار مِن الانكفاءِ على الذات إلى الاهتمامِ بشأن المسلمين مِن التعصُّب للرأي إلى النزولِ علَى الشورى مِن مصلحة الفرْد إلى مصلحةِ المَجْموع مِن حياةِ الهوان والحِرْمان إلى حياةِ الإيمان والإحسان.

وهكذا نجِدُ أنَّ الهِجرةَ سلوكٌ واجب ومستمرٌّ علينا أن نباشِرَه ونمارسَه على كلِّ المستويات وفي جميعِ الأوقات وأخلاقٌ عالية وقِيَم رفيعة يجب أن نَحْياها ونعيشها على طولِ الطريق رغمَ وعْثائه وأشواكه.
وهذا غيْضٌ مِن فيْض مِن معاني الهِجْرة

* عبد الله انطِلاقًا من الهجرة سطّر صَفحاتك دوِّن كتابك: فالهجرة تُذكِّرنا عامًا جديدًا كتاب تعداد صفحاته يُقارِب هذا عدد أيام السنة الهجرية : 354يومًا كيف تبدؤه؟ كيف تقدِّم له؟ ماذا تكتُب فيه؟ صلاة فجر قيام ليل قراءة قرآن طاعة والِدَيْن حُسن جُوار أمرٌ بمعروف نهيٌ عن مُنكَر إحقاق حق إبطال باطل طاعة وانقِياد سطِّر اكتُب اعمَل!

*الهجرة حركة تعلمنا ان نتحرك ولا نكسل :
عبد الله أنت إذا احتَجتَ للطَّعام تَسعَى لكسب الحلال (حركة) إذا احتَجتَ للمرأة تسعى إلى الزواج (حركة) إذا احتَجتَ إلى إثبات الذات تَسعَى للجد والاجتهاد من أجل التفوُّق (حركة) فلماذا لا تتحرَّك من أجل دينك إسلامك ربك عقيدتك؟! لا تَظلِم نفسك بالقعود بالجلوس بالركون بالسكون وإلاَّ كنت من أهل هذه الآية؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 97].

لا تَبقَى مع العصاة والمقصرين المذنبين أو المُنافِقين أو الكذَّابين اهجُرهُم إنها الهجرة بمعناها الواسع ولا تَبقَى مع أرباب الذُّنوب والآثام لا تستمرَّ في كهف المعاصي بل انتَقِل فورًا إلى كهف الطاعات تُدرِكك من الله بركات ورحمات؛ ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ﴾ [الكهف: 16].

هذا وصلوا وسلموا على النبي المصطفى والحبيب المرتضى كما أمركم بذلك المولى جلَّ وعَلا فقال تعالى قولاً كريماً : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين وأفضل الأنبياء والمرسلين نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله الأطهار وصحابته الأبرار والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين واخذل الطغاة والمفسدين وسائر أعداء الدين
اللهم من حضر هذه الجمعة فاغفر له ولوالديه وافتح لسماع الموعظة قلبه وأذنيه
اللهم احفظ بلادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن
اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظ بلادنا واقض ديوننا واشف أمراضنا وعافنا واعف عنا وأكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤاثر علينا وارحم موتانا واغفر لنا ولوالدينا وأصلح أحوالنا وأحسن ختامنا يارب العالمين
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله اكبر واقم الصلاة
🎤
خطبــة.جمعــة.بعنــوان.cc
شهـــر اللــه المحــرم وعاشــوراء
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وسلَّم، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
 
أمـــا بـــعــــــد :
عـــباد اللـــه - إنَّ من نعم الله على عباده أنِ اختصَّ بعضَ الأزمنة والأمكنة بمزيد عناية وفضل؛ ليزداد من اغتنمها ورعى حُرمتها إحسانًا، ويبوء من غَفَل عنها وأهملها خيبة ونقصانًا.
 
ألا وإنَّ من تلك الأزمنة الفاضلة التي أنعم الله بها على أمة محمد صلى الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - شهرَ الله الحرام.
 
شهر الله المحرم شهر عظيم من أشهر العام، وهو أحد الأشهر الحُرُم التي نهانا فيها مولانا أن نظلم فيهنَّ أنفسنا؛ لأنَّها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها.
 
قال ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله - تعالى -: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36]، اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهنَّ حرامًا، وعظَّم حرماتِهنَّ، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم.
 
عـــبادَ اللـــه:
لقد كان أهل الجاهلية يسمون شهر المحرم شهرَ الله الأصم؛ لشدة تحريمه.
 
عـــباد اللـــه:
ومن فضائل شهر الله المحرَّم أنَّه يستحب الإكثار فيه من صيام النَّافلة؛ ففي الحديث عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم))؛ رواه مسلم.
 
قال ابن رجب - رحمه الله -: "سمى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذا الشهر شهر الله المحرم، فاختصه بإضافته إلى الله، وإضافته إلى الله تدُلُّ على شرفه وفضله، ولما كان هذا الشهر مختصًا بإضافته إلى الله - تعالى - وكان الصيام من بين الأعمال مختصًا بإضافته إلى الله، ناسب أن يَختص هذا الشهر المضاف إلى الله بالعمل المضاف إلى الله المختص به وهو الصوم".
 
وقال أيضًا - رحمه الله تعالى -: "من صام من ذي الحجة، وصام من المحرم، خَتَم السنة بالطاعة، وافتتحها بالطاعة، فيُرجى أن تكتب له سنته كلها طاعة، فإنَّ من كان أول عمله طاعة، وآخره طاعة، فهو في حكم من استغرق بالطاعة ما بين العملين".
 
عـــباد اللـــه:
ومما اختصَّ اللهُ به شهرَ المحرم يومُه العاشر وهو عاشوراء، هذا اليوم الذي احتسب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على الله أن يكفِّر لمن صامه السنة التي قبله؛ عن أبي قتادة - رضي الله عنه - أنَّ رجلاً سأل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن صيام عاشوراء، فقال: ((أحتسب على الله أنْ يكفر السنة التي قبله))؛ رواه مسلم.
 
وقد صامه النبي - صلى الله عليه وسلَّم - تعظيمًا لهذا اليوم، وهو يومٌ مبارك معظم منذ القدم، فاليهود أتباع موسى - عليه السَّلام - كانوا يعظمونه ويصومونه ويتخذونه عيدًا؛ وذلك لأنه اليوم الذي نَجَّى الله فيه موسى - عليه السَّلام - من فرعون وقومه؛ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "قدم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم – المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح نَجَّى الله فيه بني إسرائيل من عدوِّهم، فصامه موسى"؛ أخرجه البخاري.
 
وكذلك النصارى كان لهم حظ من تعظيم هذا اليوم؛ بل قريش على وثنيَّتها وعبادتها الأصنام كانت تصوم يوم عاشوراء وتعظمه؛ تقول عائشة - رضي الله عنها -: "كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهليَّة، وكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يصومه في الجاهلية".
 
ونحن المسلمين أحقُّ بصيام هذا اليوم من أولئك، فهو يوم نَجَّى الله فيه موسى، فنحن أحق بموسى منهم، فنصومه تعظيمًا له؛ كما قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
 
عـــباد اللـــه:
صوم عاشوراء وإن لم يكن واجبًا باتِّفاق جمهور العلماء، فهو من المستحبات التي ينبغي الحرص عليها، وذلك لما يأتي:
— وقوع هذا اليوم في شهر الله المحرم الذي يسن صيامه.
— ولتحري رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صيامَ هذا اليوم؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "ما رأيت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتحرَّى صومَ يوم فضَّله على غيره إلاَّ هذا اليوم يوم عاشوراء"؛ أخرجه البخاري. 
— ولأن صيامه يكفر السنة الماضية؛ كما ورد في الحديث.
— ولحرص الصحابة - رضوان الله عليهم - على صيام صبيانِهم ذلك اليوم؛ تعويدًا لهم على الفضل؛ فعن الربيع بنت معوذ قالت: "أرسل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: ((من أصبح مفطرًا، فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائمًا فليصم))، قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللُّعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطَّعام، أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار".
— ولما ورد عن بعض السَّلف من صيام عاشوراء حتى وهُمْ في السَّفر؛ جاء ذلك عن ابن عباس وأبي إسحاق السبيعي والزهري وغيرهم - رضي
الله تعالى عنهم - وكان الزهري يقول: رمضان له عدة من أيَّام أخر، وعاشوراء يفوت، ونص أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر.
 
عـــباد اللـــه :
إن من فضل الله علينا أنْ وهبنا بصيام يوم واحد تكفيرَ ذنوب سنة كاملة، وهذه الذنوب التي يكفرها صيام يوم عاشوراء هي الذُّنوب الصَّغائر فقط، أما الكبائر فلا تكفرها إلا التوبة وقبولها، كما أشار إلى ذلك العلماء المحقِّقون كابن تيمية وغيره - رحمة الله على الجميع.
 
واستمعوا - عـــبادَ الله :
إلى الإمام ابن قيم الجوزية - رحمه الله - وهو يُحذر ممن يتصور أنَّ صيام عرفة وعاشوراء كافٍ في النَّجاة والمغفرة؛ حيث يقول - رحمه الله -: "لم يدرِ هذا المغتر أنَّ صوم رمضان والصَّلوات الخمس أعظمُ وأجلُّ من صيامِ يوم عرفة وعاشوراء، وهي إنَّما تكفر ما بينها إذا اجتنبت الكبائر، فرمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة لا يَقْوَيان على تكفير الصغائر إلا مع انضمام تركِ الكبائر إليها، فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصَّغائر.
 
ومن المغرورين مَن يظنُّ أن طاعته أكثر من معاصيه؛ لأنَّه لا يُحاسب نفسه على سيئاته ولا يتفقد ذنوبه، وإذا عمل طاعةً حفظها واعتبرها، كالذي يستغفر الله بلسانه أو يسبح الله في اليوم مائة مرة، ثم يغتاب المسلمين ويُمزِّق أعراضَهم، ويتكلم بما لا يرضاه الله طول نهاره، فهذا أبدًا يتأمل في فضائل التسبيحات والتهليلات، ولا يلتفت إلى ما ورد من عقوبة المغتابين والكذَّابين والنمامين إلى غير ذلك من آفات اللسان، وذلك من محض غرور"، انتهى كلامه - رحمه الله.
 
عـــباد اللـــه :
وأمَّا مراتب صيام عاشوراء، فقد ثَبَت أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - صام يوم عاشوراء، وثبت عنه أنَّه قال: ((لئن بقيت إلى قابل، لأصومَنَّ التاسع))، والحديثان في صحيح مسلم.
 
فصام - عليه الصلاة والسَّلام - اليومَ العاشر فعلاً، وهَمَّ بصيام التاسع، والهم هنا يأتي يحاكي الفعل، فهاتان مرتبتان ثابتتان في السنة: صيام التاسع والعاشر، ففي صيام العاشر إدراك للفضل، وفي صيام التاسع معه تحقيق آكد لمخالفة اليهود، وذهب بعضُ العلماء إلى أن مراتب صيام يوم عاشوراء ثلاث مراتب: صيام التاسع والعاشر، أو صيام العاشر والحادي عشر، أو صيام التاسع والعاشر والحادي عشر، وذهب فريق من العلماء إلى زيادة مرتبة رابعة، وهي صيام العاشر وحده.
 
وهنا أمر يكثُر السؤال عنه، وهو: ما العمل إذا اشتبه أوَّل الشهر؟ فلم يُدْرَ أيُّ يوم هو العاشر أم التاسع؟ فيقال ما ذكره الإمام أحمد - رحمه الله -: "فإنِ اشتبه عليه أول الشهر، صام ثلاثةَ أيام، وإنَّما يفعل ذلك؛ ليتيقن صوم التاسع والعاشر، فمن لم يعرفْ دخولَ هلال محرم، وأراد الاحتياط للعاشر، بنى على ذي الحجة ثلاثين كما هي القاعدة، ثم صام التاسع والعاشر".
 
بارك الله لي ولكم في الوَحْيَين...


الخطبــة.الثانيـــة.cc
عـــبادَ اللـــه : مما يتعلق بيوم عاشوراء ما أحدثه بعضُ الناس من البدع فيه، فقد سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - عمَّا يفعله بعض الناس بيوم عاشوراء من الكحل والاغتسال والحناء والمُصافحة،
وطبخ الحبوب وإظهار السُّرور وغير ذلك،
فهل في ذلك عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حديث صحيح؟ وإذا لم يردْ في ذلك حديث صحيح، فهل يكون فعل ذلك بدعة؟
وهل لفعل الطائفة الأخرى من المآتم والحزن والعطش وغير ذلك من الندب والنِّياحة وشق الجيوب، هل لذلك أصل أو لا؟
 
فأجاب - رحمه الله -: لم يرد في شيء من ذلك حديثٌ صحيح عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا عن أصحابه، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، لا الأئمة الأربعة، ولا غيرهم، ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئًا،
لا عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا عن الصَّحابة، ولا عن التابعين، لا صحيحًا ولا ضعيفًا
 
ثم ذكر - رحمه الله - ملخصًا لما مَرَّ بأول هذه الأمة من الفتن والأحداث، ومقتل الحسين - رضي الله عنه - يوم عاشوراء، وماذا فعلت الطوائف بسبب ذلك، فقال - رحمه الله -: فصارت طائفة جاهلة ظالمة: إمَّا مُلحدة مُنافقة، وإمَّا ضالة غاوية، تظهر موالاته، وموالاة أهل بيته، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهليَّة من لطم الخدود، وشقِّ الجيوب، والتعزي بعزاء الجاهليَّة - يشير إلى فعل الروافض - فكل ما زينه الشيطان لأهل الضَّلال والغي من اتِّخاذ يوم عاشوراء مأتمًا، وما يصنعون فيه من الندب والنياحة، وإنشاد قصائد الحزن، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصدق فيها ليس فيه إلاَّ تجديد للحزن والتعصُّب، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام، والتوسُّل بذلك إلى سب السابقين الأولين، ثم ختم كلامه - رحمه الله - بهذه الكلمة: وشر هؤلاء - يعني الروافض - وشر هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يُحصيه الرجل الفصيح في الكلام.
 
عـــبادَ الله :
وأمَّا سائر الأمور مثل: اتِّخاذ طعام خارج عن العادة، أو تجديد لباس وتوسيع نفقة، أو شراء حوائج العام ذلك اليوم، أو فعل عبادة
مُختصة - كصلاة مختصة به - أو قصد الذَّبح، أو ادِّخار لحوم الأضاحي؛ ليطبخ بها الحبوب، أو الاكتحال، أو الاختضاب، أو الاغتسال، أو التصافح، أو التزاوُر، أو زيارة المساجد والمشاهد ونحو ذلك - فهذا من البدع المنكرة التي لم يسنَّها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا خلفاؤه الراشدون، ولا استحبَّها أحد من أئمة المسلمين.
 
اللَّهم اجعلنا من أهل سنة نبيك محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأحيِنَا على الإسلام وأمتنا، ثم صلوا - رحمكم الله - على النعمة المسداة.

============================
🎤
محاضرة.قيمة.بعنوان.cc
*سبــعــة من الــدروس والعــبر*
*من هــجـــــرة ســـــيــــد البـــشـــــــــر*
للـــدكتـــور/ مـــحـــمــــــــد ديــــــلالــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

ايـــها النـاس :
يَحُلُّ شهر الله المُحرَّم، فيتذكَّر المسلمون ذلك الحدث العظيم، الذي قلَب موازين التاريخ، وغيَّر وجه البشريَّة، إنَّه حادث الهجرة النبوية المباركة، من مكَّة المشرَّفة إلى المدينة النبويَّة، التي كانت سبيلاً إلى إنشاء الدولة الإسلامية؛ حيث شعَّ نور الإسلام في الأصقاع، ودخل النَّاسُ في الدين أفواجًا.

إنَّ أحداث الْهِجرة النبويَّة تضمَّنَت العديد من الدُّروس والعِبَر، نقتصر منها على سبعة:

*1- التضحية:*
• فهذا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلَّم - يضطرُّ إلى مغادرة بلده الذي وُلِد فيه وترعرع، وترك أقرباءه وعشيرته، فقال وهو يغادرها بِنَبْرة من الحزنِ: ((واللهِ إنَّك لَخيْر أرْض الله، وأحبُّ أرْض الله إلى الله، ولوْلا أنِّي أُخْرِجْت منْك ما خرجْتُ))؛ "ص. الترمذي".

• وهذه أمُّ سلمة - وهي أوَّل امرأة مهاجِرة في الإسلام - تقول: "لَمَّا أجْمَع أبو سلمة الخروج إلى المدينة، رَحَّل بعيرًا له، وحَملَنِي وحَمل معي ابنَه سلمة، ثم خرج يقود بعيره، فلمَّا رآه رجالُ بني المغيرة بن مَخْزوم، قاموا إليه فقالوا: هذه نفْسُك غلبْتَنا عليها، أرأيتَ صاحبتنا هذه، علامَ نترُكك تسير بها في البلاد؟ فأَخذوني، وغَضِبَتْ عند ذلك بنو عبدالأسد، وأهوَوْا إلى سلمة، وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها؛ إذْ نزعتُموها من صاحبنا، فتجاذبوا ابنِي سلمة حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبدالأسد، وحبسَنِي بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة حتَّى لحق بالمدينة، ففُرِّق بيني وبين زوجي وبين ابني"، فمكثَتْ سنة كاملة تبكي، حتَّى أشفقوا من حالِها، فخلَّوْا سبيلها، ورَدُّوا عليها ابنها، فجمع الله شَمْلَها بزوجها في المدينة.


• وهذا صُهَيب الرُّومي، لَمَّا أراد الهجرة، قال له كُفَّار قريش: أتيتنا صعلوكًا حقيرًا، فكثر مالُك عندنا، وبلَغْتَ الذي بلغت، ثم تريد أن تَخْرج بِمالك ونفسك؟ والله لا يكون ذلك، فقال لهم صهيب: "أرأيتم إنْ جعلْتُ لكم مالي، أتخلُّون سبيلي؟" قالوا: نعم، قال: "فإنِّي قد جعلتُ لكم مالي"، فبلغ ذلك رسولَ الله - صلى الله عليه وسلَّم - فقال: ((رَبِح صهيب))، والقصة في "صحيح السِّيرة النبوية".

*2- لا لليأس:*
لقد مكثَ النبِيُّ - صلى الله عليه وسلَّم - في مكة مدَّةً من الزَّمن، يدعو قومه إلى الهدى، فما آمن له إلاَّ قليل، بل عاش الاضطهاد والنَّكال، وعُذِّب هو وأصحابُه، فلم يكن لِيَثنِيَه كلُّ ذلك عن دعوته، بل زاده إصرارًا وثَباتًا، ومضى يبحث عن حلول بديلة، فكان أنْ خرَجَ إلى الطائف، باحثًا عن أرض صالحة للدَّعوة، لكنْ وُوجِهَ هناك بأقسى مِمَّا توقَّع، فأُوذي وأُهين، وقُذِف بالحجارة، وخرج من الطَّائف مطرودًا مُهانًا وقد تَجاوز الخمسين، ولكن أشد ما يكون عزيمة على مُواصلة رسالته، فأخذ يَعْرض نفسه بإصرار على القبائل في موسم الحجِّ، ويقول: ((ألاَ رجل يَحْملني إلى قومه، فإنَّ قريشًا قد منعوني أن أبلِّغ كلام ربِّي))؛ "ص. ابن ماجه".

فرفضَتْ خَمْسَ عشرةَ قبيلةً دعوتَه، حتى فتح الله له صدور الأنصار، فكانت بيعة العقبة الأولى والثَّانية، وكانت سفارة مصعب بن عمير إلى المدينة، الذي هيَّأ التُّربة الصالحة لاستمرار الدَّعوة، وتكوين الدَّولة في المدينة النبويَّة، فكانت الهجرة تتويجًا لِعَمَل دؤوب، وصَبْر شديد، وحركة لا تعرف الكلل أو الملل.

*3- حسن الصحبة:*
وتجلَّت في أبْهَى صُوَرِها مع أبي بكر الصدِّيق، الذي ذهب كثيرٌ من المفسِّرين إلى أنَّه هو المقصود بالْمُصدِّق في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ [الزمر: 33]، لَمَّا قال النبي - صلى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي أُريتُ دار هجرتكم ذات نَخْلٍ بين لابتين)) وهُما الحرتان؛ "البخاري"، تَجهَّز أبو بكر، فقال له النبِيُّ - صلى الله عليه وسلَّم -: ((على رِسْلِك؛ فإنِّي أرجو أن يُؤْذَن لي))، فقال أبو بكر: "وهل ترجو ذلك بأبِي أنت؟" قال: ((نعم))، فحَبَسَ أبو بكر نفْسَه على رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - لِيَصحبه، فانتظر أربعة أشهر يعلف راحلتَيْن كانتا عنده، حتَّى أذن الله بالهجرة، فلما أخبَره النبِيُّ - صلى الله عليه وسلَّم - لَم يُصدِّق أنْ يكون صاحِبَ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - حتَّى قال: "الصحبةَ بأبي أنت يا رسول الله؟" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((نعم))، قالت عائشة - رضي الله عنها -: "فوالله ما شعرت قطُّ قبل ذلك اليوم أنَّ أحدًا يبكي من الفرح، حتَّى رأيتُ أبا بكر يبكي يومئذٍ"؛ البخاري.

وعندما خرجا معًا، كان أبو بكر يتقدَّم النبِيَّ - صلى الله عليه وسلَّم - في ترَصُّد الأمكنة؛ حتَّى لا يصيبه أذًى، فسأله النبي - صلى الله عليه وسلَّم - قائلاً: ((يا أبا بكر، لو كان شيء، أحببتَ أن يكون بك دوني؟))، فقال
أبو بكر: "والذي بعثك بالحقِّ، ما كانَتْ لتكون من مُلِمَّة إلاَّ أن تكون بي دونَك"، فلما انتهَيا إلى الغار، قال أبو بكر: "مكانك يا رسول الله، حتَّى أستَبْرِئ لك الغار"؛ رواه الحاكم في "المستدرك"، وقال الذَّهبي: صحيح مُرسل.

*4- إتقان التخطيط*
*وحسن توظيف الطاقات:*
إن الهجرة تعلِّمنا كيف يؤدِّي التخطيطُ الجيِّد دَوْرَه في تحقيق النَّجاح، ومن أعظم أسُسِ التَّخطيط حُسْنُ توظيف الطاقات، وسلامة استغلال القدرات المتاحة، فالصَّدِيق قبل الطريق، والراحلة تُعْلَف وتُجهَّز قبل أربعة أشهر وبِسرِّية تامَّة، وعليُّ بن أبي طالب يُكَلَّف بالنوم في فراش النبِيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - تَمويهًا على المشركين وتخذيلاً لَهم، وهو دور الفتيان الأقوياء.

وأمَّا دور النِّساء، فيمثِّله قولُ عائشة - رضي الله عنها - متحدِّثة عن نفسها وأختها أسماء: "فجهَّزْناهما أَحَثَّ الجَهازِ"أسرعه، والجَهاز: ما يُحتاج إليه في السَّفر، "وصنَعْنا لهما سُفْرة" الزَّاد الذي يُصْنع للمسافر "في جِراب" وعاء يُحْفَظ فيه الزاد ونَحْوه، "فقطعَتْ أسماءُ بنت أبي بكر قطعةً من نِطاقها، فربطَتْ به على فَمِ الجراب، فبذلك سُمِّيَت ذات النطاقين"؛ البخاري.

وأمَّا دور الأطفال، فيمثِّله عبدالله بن أبي بكر، قالت عائشة - رضي الله عنها -: "ثُم لَحِقَ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - وأبو بكر في غارٍ في جبل ثَوْر، فكَمُنَا" اختفَيا "فيه ثلاثَ ليالٍ، يبيت عندهما عبدالله بن أبي بكر، وهو غلامٌ، شابٌّ، ثقفٌ"حاذق فطن، "لَقِنٌ" سريع الفهم، "فيدلج من عندهما بِسَحَر" قُبَيل الفجر، "فيصبح مع قريش بِمكَّة كبائتٍ، فلا يَسْمع أمرًا يُكتادان به إلاَّ وعاه، حتَّى يأتيَهما بِخَبَرِ ذلك حين يختلط الظَّلام" تشتد ظلمة الليل؛ البخاري.

ومِن كمال التخطيط، كان الراعي عامِرُ بن فهيرة يسلك بقطيعه طريق الغار؛ لِيُزيل آثار الأقدام المؤدِّية إليه، ثم يسقي النبِيَّ - صلى الله عليه وسلَّم - وصاحبَه مِن لبن غنَمِه.

ومن كمال التخطيط أنِ اتَّخَذ النبِيُّ - صلى الله عليه وسلَّم - عبدالله بن أريقط دليلاً عارفًا بالطريق برغم كونِه مشركًا، ما دام مؤتَمنًا، متقِنًا لعمله؛ ولذلك أرشدَهم - بِمهارته - إلى اتِّخاذ طريق غير الطريق المعهودة.

*5- الثبات على الموقف*
*والبحث عن الحلِّ الشامل* ،
وليس الاقتصار على مفاوضات البدائل التَّرقيعيَّة، ومناقشات الحلول التخديريَّة الآنية، لقد بدأ الحلُّ الشامل منذ أن عُرض على النبيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - أن يَعْبد إله المشركين عامًا، ويعبدوا إلَهَه عامًا، فأبَى ذلك، ثم تطوَّرَت العروض والمغريات حتَّى وصلَتْ إلى ذروتها مع عتبة بن ربيعة حين قال للنبِيِّ - صلى الله عليه وسلَّم -: "يا ابن أخي، إن كنْتَ إنَّما تريد بِما جئتَ به من هذا الأمر مالاً، جَمَعْنا لك من أموالنا حتَّى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفًا، سوَّدْناك علينا حتَّى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد مُلكًا، ملَّكْناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيًّا تراه" مَسًّا من الجن "لا تستطيع ردَّه عن نفسك، طلَبْنا لك الطِّبَّ، وبذَلْنا فيه أموالنا حتَّى نبرئك منه"؛ حسَّنَه في "ص. السيرة النبوية".

إن الحلَّ الشامل لبلاد المسلمين يَكْمُن في استقلالهم الكامل بذاتِهم، والعمل على التخلُّص من التبعيَّة الفكريَّة والاجتماعية، والاقتصادية والسياسيَّة للشَّرق أو للغرب، وليس عَبثًا أن يَختار عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - التَّأريخَ للمسلمين بالْهجرة، ويقول: "الهجرة فرَّقَت بين الحقِّ والباطل"، فحَلُّ الأزمات بِيَدِ الله لا بيد غيره، إنْ نَحْن عقَدْنا العزم على التمكين لدينه، ونَشْر سُنَّة نبيِّه، وهنا يطالعنا الدرس السادس.
 
*6- شدة التوكل على الله:*
يقول تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ [القصص: 85]، قال ابن عباس: "لَرادُّك إلى مكَّة كما أخرجَك منها".

مَنِ الذي منع المشركين من أن يَعْثروا على النبِيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - وصاحبه، وقد وقَفوا على شفير الغار، حتَّى قال أبو بكر: "لو أنَّ أحدهم نظر تَحْت قدمَيْه لأبصرنا"؟ إنه الله؛ ولذلك كان جواب الرسول - صلى الله عليه وسلَّم -: ((ما ظَنُّك يا أبا بكر باثْنَيْن اللهُ ثالثُهما؟))؛ البخاري.

إن التوكُّل سبيل النَّصر، فكلما احلولكَتِ الظُّلمات، جاء الصُّبح أكثر انبلاجًا، ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [يوسف: 110]،  إنَّها جنودُ الله التي تصحب المتوكِّلين عليه، هذا سُراقة بن مالك يُبْصِر مكان المختبِئَيْن، ويَحْزن أبو بكر ويقول: "أُتينا يا رسول الله"، فيقول له النبِيُّ - صلى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَحزنْ؛ إِنَّ الله مَعَنا))، فإذا بالعدوِّ ينقلب صديقًا، يعرض عليهما الزادَ والمتاع، ويَذْهب بوصيَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((أَخْفِ عنَّا))؛ البخاري.

*7- من مع
ا

ني الهجرة:*
• هجرة المعاصي وما يُعْبَد من دون الله، قال تعالى: ﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ [المدثر: 5]، وقال - صلى الله عليه وسلَّم -: ((الْمُسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر مَن هجر ما نَهى الله عنه))؛ متَّفَق عليه.

• هِجْرة العصاة، ومُجانبة مُخالطتهم، قال الله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾ [المزمل: 10]، وهو الذي لا عتاب فيه.

• هجرة القلوب إلى الله تعالى، والإخلاص في التوجُّه إليه في السرِّ والعلانية، قال النبي - صلى الله عليه وسلَّم -: ((فمَنْ كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرتُه إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لِدُنيا يصيبها أو امرأة يتزوَّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه))؛ متفق عليه.

• أيُّها الناس، إنْ كان الصيام في شهرِ مُحرَّم مستحبًّا؛ لقوله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((أفضل الصيام بعد شهر رمضان، شهر الله الذي تدْعونه المُحرَّم))، فإنَّ صوم اليوم العاشر منه المعروف بعاشوراء آكَد، نصومه شكرًا لله؛ لأنَّه أَنْجى فيه موسى - عليه السَّلام - وأغرق فيه فرعون، فكان صيامُه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلَّم -: ((يكفِّرُ السَّنَةَ الماضِية))؛ مسلم، ومن استطاع أن يصوم يومًا قبله فهو أفضل.
🎤
خطبــة.جمعــة.بعنــوان.cc
( مصابيح الهدى - عمر بن الخطاب )
للــشيــخ/ مــــحـــــمــــــــــد حـــــــــســــــــــان
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أمــــا بــــعــــــــد:
فمرحباً بكم أحبتي في الله!
وأسأل الله جل وعلا أن ينضر هذه الوجوه المشرقة الطيبة، وأن يزكي هذه الأنفس، وأن يشرح هذه الصدور، وأن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال، وأن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد النبيين في جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك ومولاه، وهو على كل شيء قدير.

أحبتي في الله!
مع أئمة الهدى ومصابيح الدجى، وأود بداية أن أوضح منهجي الذي التزمت به في هذه السلسلة الكريمة؛ لأنه لم يتضح لبعض الأحبة في اللقاء الماضي، مع أني أوضحت في مقدمة اللقاء الماضي أني لا أحكي تاريخاً، ولا أقص سيرة كاملة، ولا أقف أمام كل زهرة في بستان حياتهم الرحب الفسيح، وليس من الصعوبة -كما ذكرت- أن نقتطف زهرة وحيدة من وسط صحراء مقفرة!

ولكن من الصعوبة بمكان أن نختار زهرة عطرة جميلة في وسط حديقة غناء، تضم كل أنواع الزهور، وتشمل كل أنواع الورود، وتضم كل أصناف العبير، ومن ثمَّ فإنني سأتوقف أمام بعض الزهرات في بستان حياتهم الرحب الفسيح، ولن أستطع أن أتوقف مع جميع مواقفهم على طول حياتهم، وإلا لطالت وقفتنا، بل ولا أكون مغالياً إن قلت: إن فعلت ذلك ربما أتوقف مع أحدهم أكثر من عشر جمع! وهذا -ولا شك- مجاله كتب السير والتراجم والأعلام.

هذا هو منهجي الذي التزمت به في هذه السلسلة الكريمة؛ للعظة والعبرة من ناحية، وليربى الجيل على سير ومواقف هؤلاء الأبطال الأطهار من ناحية أخرى.

فتعالوا بنا سريعاً لنلقي السمع والبصر والفؤاد بين يدي هذا الرجل القوي الأمين، بين يدي هذا المعلم الكبير الذي ليس له بين المعلمين على ظهر هذه الأرض نظير .

إنه الرجل الكبير في بساطة، البسيط في قوة، القوي في رحمة وعدل، إنه الرجل التقي النقي الزاهد الناسك الورع، الذي يتفجر نسكه حركة وزكاء، وعملاً وبناء، إنه المعلم الذي غير صفحة الدنيا ووجه التاريخ،

إنه التقي النقي الذي كان للمتقين إماماً، إنه الرجل الذي قدم للدنيا كافة قدوة لا تبلى على مر الزمان والأيام، قدوة متمثلة في حياته كلها، ترك الدنيا بزخرفها وسلطانها وأموالها على عتبة داره، فسرحها سراحاً جميلاً، وساقها إلى الناس سوقاً كريماً، وقام ينثر على الناس طيباتها، ويدرأ عن الناس مضلاتها، حتى إذا ما نفض يديه من علائق هذا المتاع الزائل، وهذا الظل المنتهي، قام مستأنفاً سيره ومسراه، مهرولاً تحت حرارة الشمس المحرقة، في يوم شديد الحرارة، مهرولاً وراء بعير من إبل الصدقة، يخشى عليه الضياع، ويخشى أن يسأل عنه بين يدي الله جل وعلا!

أو تراه منحنياً على قدر فوق نار مشتعلة؛ لينضج طعمة طيبة لامرأة غريبة أدركها المخاض في المدينة المنورة، أو لأطفال صغار يتضورون جوعاً في ليلة شديدة الظلام شديدة البرد.

إنه الرجل الذي تنزل القرآن أكثر من مرة موافقاً لقوله ورأيه، إنه الرجل الذي كان إسلامه فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت إمارته رحمة وعدلاً، إنه فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.

والله إن الاقتراب من هذا الرجل التقي النقي أمر رهيب، بقدر ما هو حبيب إلى كل نفس مؤمنة، إن عمر بن الخطاب من الطراز الذي تغمرك الهيبة وأنت تقرأ تاريخه المكتوب، كما تغمرك الهيبة وأنت تجالس شخصه المتواضع، فالمشهد المذكور من تاريخه لا يكاد يختلف عن المشهد الحي إلا في غياب البطل عن حاسة البصر فقط!

أما الأفئدة.. أما البصيرة ..
فإنها إذا ما طالعت سيرة عمر بن الخطاب كأنها تجالسه، وكأنها تسمعه، وكأنها تحدثه ويحدثها، وكأنها ترى رأي العين جلال الأعمال، ومناسك البطولات، وأروع الانتصارات التي نقشها عمر بن الخطاب بيمينه المبارك على جبين السماء، وخطها بيمينه الأنور على صفحة الأيام.

أحبتي في الله!
ترى بأي المواقف أبدأ؟
وعن أي المواقف أتكلم؟! هل أبدأ بفتوحاته وانتصاراته على كثرتها؟! أم بانتصاراته على روعتها؟! أم سأتحدث اليوم عن زهده وورعه؟! أم سنتوقف مع زهده وعدله؟! أم سنذكر عمله وفقهه؟! بأي المواقف أبدأ؟! وعن أي المواقف أتحدث؟! وماذا أذكر عن عمر رضي الله عنه وأرضاه؟! والذي أرى -من وجهة نظري- أن أعظم ما يمكن أن أستهل به الحديث عن عظمة هذا الرجل: أن نبدأ بتلك الأوسمة، وتلك النياشين التي وضعها بيمينه المبارك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على صدر هذا الرجل العجيب المهيب؛ ليشمخ بها في الدنيا ويسعد بها في الآخرة. ففي الحديث الذي رواه الترم
ذي بسند حسن من حديث ولده عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه) وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد كان فيمن كان قبلكم محدثون -أي: ملهمون- فإن يكن في أمتي منهم أحد فإنه عمر).

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جوار قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لـعمر -يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم-: فتذكرت غيرة عمر ، فوليت مدبراً! يقول أبو هريرة : فلما سمع ذلك عمر بكى رضي الله عنه وأرضاه وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟!). وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما أنا نائم عرض علي الناس، وعليهم قمص -جمع قميص- فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر وعليه قميص يجره، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين).

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما أنا نائم أتيت بقدح من اللبن، فشربت منه حتى إني أرى الري يخرج من بين أظفاري، ثم أعطيت فضلة شربتي لـعمر بن الخطاب ، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم). وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويحدثنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن على صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن النبي صلى الله عليه وسلم لـعمر ، فدخل عمر بن الخطاب ورسول الله يضحك، فقال عمر بمنتهى الأدب والإجلال والإكبار: أضحك الله سنك يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (عجبت لهؤلاء اللاتي كن عندي يحدثنني، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب) .

فنظر عمر بن الخطاب المؤدب الذي تربى على أستاذ البشرية ومعلم الإنسانية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، نظر عمر إلى أستاذه ومعلمه صلى الله عليه وسلم وقال: أنت أحق أن يهبنك يا رسول الله، ثم التفت عمر إليهن وقال: يا عدوات أنفسهن! أتهبنني ولا تهبن رسول الله؟! فقلن: نعم، أنت أفض وأغلظ من رسول الله يا عمر ! نعم نهابك ولا نهاب رسول الله، وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]. فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم لـعمر : (إيه يا ابن الخطاب ! والذي نفسي بيده لو لقيك الشيطان سالكاً فجاً لتركه لك وسلك فجاً غير فجك يا عمر)

أي طبيعة هذه؟! إنها طبيعة فذة.. إنها طبيعة قل أن تتكرر في الأعداد الهائلة من البشر، بل لا أكون مغالياً إن قلت: إنها طبيعة ليس لها مثيل في البشر بعد عمر ! أي طراز من البشر كان؟! أي صنف من الناس كان عمر رضي الله عنه وأرضاه؟!

إنه الرجل الذي حار التاريخ ..
في أعماله وفي سيرته، ووقف التاريخ وسيقف أمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقفة إجلال وإعزاز وإكبار، سبحان الله! ولما عرف النبي صلى الله ليه وسلم هذه الطبيعة الفذة، وهذه الأصالة في عمر، لجأ النبي صلى الله عليه وسلم يوماً إلى الله وقال: (اللهم! أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: بـعمر بن الخطاب أو بـعمرو بن هشام) والحديث رواه الترمذي وهو حديث حسن.

وربح الإسلام أحب الرجلين إلى الله، وهو عمر بن الخطاب، صاحب الفطرة السوية القوية التي سرعان ما استجابت للحق في لمح البصر، ليتحول بعدها عمر تحولاً هائلاً إلى أقصى رحاب الهدى والتوحيد والإيمان! بعد أن كان بالأمس القريب في أقصى مجاهل الوثنية والشرك والإلحاد! ويخرج المسلمون لأول مرة بعد أن كانوا يستخفون من أهل الشرك في مكة، يخرجون بعزة واستعلاء؛ ليرجّوا أنحاء مكة بتكبيرهم لله جل وعلا، ولم لا وقد أصبح بينهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه! ويجسد عبد الله بن مسعود ه

رفع الله عمر بالإسلام
وهاهي الأيام تمر، والأشهر تجري وراءها، وتسحب معها السنين، ويقف راعي الغنم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم باسطاً يمينه المباركة، ليأخذ البيعة ليكون خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر رضي الله عنه. بخٍ بخٍ يا عمر ! لقد كنت في الجاهلية تدعى عميراً ، ثم دعيت: يا عمر ! وها أنت اليوم تبسط يمينك لتدعى بعد الساعة: يا أمير المؤمنين، بخ بخ يا عمر !

ويقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليستهل عهد خلافته المبارك بهذه الخطبة الجامعة المانعة فيقول -وأعيروني القلوب والأسماع، فلو لم أتوقف في هذا اللقاء إلا مع هذه الكلمات لكفانا بها زاداً-.

خطبة عمر عند توليه الخلافة
وقف عمر يقول: (بلغني أن الناس خافوا شدتي وهابوا غلظتي، وقالوا: لقد اشتد عمر ورسول الله بين أظهرنا، واشتد علينا وأبو بكر والينا دونه، فكيف وقد ص
ار

ت الأمور إليه؟! ألا فاعلموا أيها الناس! أن هذه الشدة قد أضعفت -أي: تضاعفت- ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين، أما أهل السلامة والدين والقصد فأنا ألين إليهم من بعضهم لبعض، ولست أدع أحداً يظلم أحداً أو يعتدي عليه، حتى أضع خده على الأرض وأضع قدمي على خده الآخر؛ حتى يذعن للحق، وإني بعد شدتي تلك لأضع خدي أنا على الأرض لأهل الكفاف وأهل العفاف.

أيها الناس! إن لكم عليَّ خصالاً أذكرها لكم، فخذوني بها، لكم عليَّ أن لا أجتبي شيئاً من خراجكم وما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، ولكم عليَّ إن وقع في يدي أن لا يخرج إلا بحقه، ولكم عليَّ أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله تعالى .

ولكم عليَّ ألا ألقيكم في التهلكة، ولكم عليَّ أن أسد ثغوركم إن شاء الله تعالى، ولكم عليَّ إن غبتم في البعوث -أي: المعارك- فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم، فاتقوا الله وأعينوني على أنفسكم بكفها عني، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحضار النصيحة فيما ولاني الله من أموركم).

بالله ما أنقاه! بالله ما أتقاه! بالله ما أروعه وما أطهره! أي دستور في عالم الدساتير هذا؟! أي قانون في عالم القوانين هذا؟! (فإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم).

أي عظمة وأي طراز من البشر كان عمر رضي الله عنه وأرضاه؟! إنه ابن الجزيرة الذي رباه الإسلام على يد محمد عليه الصلاة والسلام، نعم هذا الرجل الذي كان لا ينسى هذه النعمة أبداً، لا ينسى أنه كان بالأمس القريب راعياً للغنم، ولا ينسى أنه كان بالأمس القريب في الجاهلية يعذب من وحد الله جل وعلا، وها هو الآن يشار إليه بالبنان، ويقال له: يا أمير المؤمنين! كانت لا تغيب عن باله، وكان يقف مع نفسه ليقول لها: بخ بخ يا ابن الخطاب ! كنت وضيعاً فرفعك الله، وكنت ذليلاً فأعزك الله، وكنت ضالاً فهداك الله، ثم حملك الله على رقاب الناس، فماذا أنت قائل لربك غداً يا عمر ؟! هذه هي البوصلة التي تحركت في اتجاهها كل ذرات كيانه وجوارحه! ماذا تقول لربك غداً يا عمر ؟! هذه أنشودته الحلوة العذبة التي كانت تصرخ في أعماق كيانه ووجدانه، وتملأ عليه سمعه وبصره، وتزلزل عليه أركانه وجوارحه! ماذا تقول لربك غداً يا عمر ؟! هذا هو السر يا أحباب! إذا أردت أن ترى هذا الشامخ العارف الذي يتفجر قوة وبأساً، إذا أردت أن تنظر إليه كعصفور مبلل بماء المطر في يوم شديد البرودة فما عليك إلا أن تقترب منه وتخوفه بالله جل وعلا؛ لترى إنساناً آخر وقد قامت قيامته، واصفر وجهه، ووقف وكأنه بين يدي الله جل وعلا والميزان عن يمينه، والصراط عن شماله، وكتابه منشور بين يديه، والنداء يدوي في أرجاء كيانه وجوارحه: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:14]

هذه هي البوصلة أيها الأحباب!
وهذا هو السر الذي جعل ابن الخطاب يعزف عن كل ملذات الدنيا ونعيمها.

طعام عمر أمير المؤمنين
ولقد زاره يوماً حفص بن أبي العاص رضي الله عنه وأرضاه، ووجد عمر بن الخطاب جالساً إلى غدائه، ودعا عمر حفصاً أن يتناول الغداء معه، فنظر حفص إلى طعام أمير المؤمنين، فوجد خبزاً يابساً وزيتاً، وكان حفص ذكياً، فلم يشأ حفص أن يتعب معدته في هضم هذا الطعام الشديد، وفطن عمر بن الخطاب إلى سر عزوف حفص ، فقال له سائلاً: ما الذي منعك أن تتناول معنا الطعام يا حفص ؟ ولم تنقص الصراحة حفصاً، فقد كانوا أتقياء أصفياء، لا يجيدون لغة الكذب واللف والدوران والمنافقة والمداهنة .

قال له حفص بن أبي العاص : إنه طعام خشن يا أمير المؤمنين! ولسوف أرجع إلى بيتي لأنال طعاماً طيباً ليناً قد صنع وأعد لي، فقال عمر : يا حفص ! أتراني عاجزاً أن آمر بصغار الماعز فيلقى عنها شعرها، وبرقيق البر فيخبز خبزاً رقاقاً، وبصاع من الزبيب يوضع في كنية من السمن، فآكل هذا وأشرب هذا؟! فقال حفص : والله إنك بطيب الطعام لخبير يا أمير المؤمنين! فقال عمر بن الخطاب : والذي نفسي بيده! لو أردت أن أكون أشهاكم طعاماً وأرفهكم عيشاً لفعلت، أما إني لأعلم بطيب الطعام من كثير من آكليه! ولكني تركت هذا ليوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، وإني سمعت الله تعالى يقول عن أقوام: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا [الأحقاف:20]، فإني أخاف أن أقدم طيباتي في الدنيا ولا يكون لي عند الله في الآخرة!

وفي عام الرمادة: العام السابع عشر، وكان عام مجاعة قاتلة في المدينة المنورة، حرم عمر على نفسه اللحم وغيره من أنواع الطعام الشهي، وأبى إلا أن يأكل الزيت، وأمر في يوم من أيام هذا العام القاتل بذبح جزور وتوزيعه على الناس في المدينة، وعند وقت الغداء دخل ليتناول طعامه، فوجد أشهى ما في الجزور من لحم، فقال: من أين هذا؟! فقالوا: إنه من الجزور الذي ذبح اليوم يا أمير المؤمنين! فقال -وهو يزيح الطعام عن مائدته بيده المباركة-: بخ بخ! بئس
الو

الي أنا إن أكلت طيبها وتركت للناس كراديسها، يا أسلم ! ارفع عني هذا الطعام، وائتني بخبزي وزيتي! فوالله إن طعامكم هذا علي حرام حتى يشبع منه أطفال المسلمين.

أي عظمة! أي طراز من البشر كان عمر ! يا رافعاً راية الشورى وحارسها جزاك ربك خيراً عن محبيها رأي الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها جوع الخليفة والدنيا بقبضته في الزهد منزلة سبحان موليها يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها من أين لي ثمن الحلوى فأشريها ما زاد عن قوتنا فالمسلمون به أولى فقومي لبيت المال رديها كذاك أخلاقه كانت وما عهدت بعد النبوة أخلاق تحاكيها

ورع عمر وولده عبد الله
ولو رأيت حسابه الشديد لابنه التقي النقي الزاهد الورع عبد الله بن عمر ، الذي كان إماماً في الورع والزهد، انظروا إلى حساب عمر رضي الله عنه وأرضاه لهذا التقي النقي.

يخرج عمر بن الخطاب يوماً إلى السوق، فيرى إبلاً سماناً، فيسأل عمر : إبل من هذه؟ فيقول الناس: إبل عبد الله بن عمر ، فينتفض عمر وكأن القيامة قد قامت! ويقول: عبد الله بن عمر بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين! ائتوني به.

ويأتي عبد الله على الفور ليقف بين يدي عمر رضي الله عنه، فيقول عمر بن الخطاب لولده عبد الله : ما هذه الإبل يا عبد الله ؟! فيقول: يا أمير المؤمنين! إنها إبلي اشتريتها بخالص مالي، وكانت إبلاً هزيلة، فأرسلت بها إلى الحمى -أي: إلى المرعى- أبتغي ما يبتغيه المسلمون: أتاجر فيها، فقال عمر بن الخطاب في تهكم لاذع مرير قاس على إمام من أئمة الورع والزهد عبد الله ، قال عمر : نعم وإذا رآها الناس قالوا: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، واسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، فتسمن إبلك ويربو ربحك يا ابن أمير المؤمنين! قال عبد الله: نعم يا أبتِ، قال: اذهب وبع هذه الإبل كلها، وخذ رأس مالك فقط، ورد الربح إلى بيت مال المسلمين.

والله إن قلبي لينتفض! ولو وقف أدباء الدنيا بما آتاهم الله من بلاغة وفصاحة لسان، وعظمة وبراعة في الأسلوب والتبيان، فلن يستطيعوا أن يتحدثوا عن فاروق هذه الأمة عمر ، ماذا أقول؟! إن من أروع الأمور أن ندع المواقف هكذا بدون تعليق لتتحدث المواقف بذاتها عن جلال عمر ، وعن عظمة عمر ، وعن هيبة عمر ، وعن يقين عمر ، وعن إيمان عمر ؛ لنرفع رءوسنا لتعانق كواكب الجوزاء، لنقول بعزة: إن عمر ابن من أبناء إسلامنا، تربى في مدرسة الإسلام، وتخرج على يد محمد عليه الصلاة والسلام.

وكيف لا يكون عمر كذلك ..
وهو الذي رأى أستاذه ومعلمه محمداً صلى الله عليه وسلم يقول لابنته الحبيبة فاطمة البتول: (يا فاطمة ! إن من المسلمين من هو في حاجة إلى هذا المال منك)، فشرب عمر من هذا النبع الصافي، وارتوى عمر من هذا النبع الكريم، وتخرج عمر من هذه المدرسة، وعلى يد محمد عليه الصلاة والسلام.

أيها الأحبة! من أراد أن ينظر إلى العظمة الإنسانية في أوج ذراها وعلاها فلينظر إلى عمر ، ذلكم الرجل الذي انهارت أمام قدميه أعظم الامبراطوريات، وجاءته مغانمها وذهبها وفضتها، تسيل على عتبة داره بين قدميه، فلم يتغير لحظة، ولم تغيره طرفة عين .

ذلكم هو عمر الذي لو تحدثت عنه عشر جمع والله ما كفاني ذلك، ولكني ألخص ما ذكرته وما ينبغي أن أذكره من حياة عمر بقولة أو بكلمات قليلات، وهذا من الصعوبة بمكان .

فأقول: عمر رجل عظيم
رضي الله عن عمر بن الخطاب
وأسأل الله جل وعلا أن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأن يجمعنا به مع أستاذه ومعلمه في دار تجمع سلامة الأبدان والأديان، إنه ولي ذلك ومولاه، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.


الخطبــــة.الثانيــــة.cc
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أمــــا بعــــد : فيا أيها الأحبة!
هل بقي شيء ممكن أن يقال عن عمر ؟ أستعفر الله، بل هل قلنا شيئاً عن عمر ؟ ما قلنا شيئاً من الكثير الكثير الذي ينبغي أن يقال عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويكفي أن نقف مع هذه المواقف التي تعلمنا من الدروس الكثير والكثير .

وهاهو العملاق، وهاهو الأسد في عرينه يتقدم رضي الله عنه وأرضاه في يوم من الأيام الحزينة التي مرت على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، يتقدم عمر الفاروق ليؤم المسلمين في صلاة الفجر، ويتقدم العلج أبو لؤلؤة المجوسي عليه من الله ما يستحقه؛ ليطعن الأسد في عرينه.. ليطعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه! ولم تشغل عمر الطعنات عن أن يواصل المسلمون عبادتهم، وعن أن يتم المسلمون صلاتهم، فيجذب عمر بن الخطاب عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه؛ ليقدمه مكانه ويصلي بالمسلمين صلاة الفجر، وينتهي المسلمون من صلاة الفجر، ويحمل الأسد إلى بيته.. يحمل العملاق التقي النقي الطاهر.. يحمل عمر إلى داره.

ويزداد ألمه، ويقول لولده عبد الله : يا عبد الله ! اذهب إلى عائشة أم المؤمنين وقل له
معصيتك،

ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك ومولاه.

اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم اجعل هذه البلاد سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين إلى ما تحبه وترضاه، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة برحمتك يا أرحم الراحمين!

أحبتي في الله!
أكثروا من الصلاة والسلام على أستاذ البشرية، ومعلم الإنسانية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فلقد أمركم الله جل وعلا بذلك في محكم كتابه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

هذا وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
🎤
خطبــة.جمعــة.بعنــوان.cc
فـضــــــائـل شــــهــــــر مــحــــــــرم
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الأولـــى.cc
الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا،

أمـــا بـــعــــــد :
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واشكروه على نعمه الظاهرة والباطنة، فما زال يوالي عليكم مواسم الخير الفضل،
ما انتهت أشهر الحج إلى وأعقبها شهر الله المحرم، وهذا الشهر خصه الله بخصائص

أولا: أنه من الأشهر الحُرم التي حرم الله فيها القتال قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) وهذه الأربعة: هي ذو القعدة، وذو الحجة، وشهر محرم، والرابع شهر رجب، حرم الله القتال فيها من أجل تأمين الحجاج والمعتمرين في سفرهم للحج والعمرة، فلما جاء الإسلام - ولله الحمد -
انتشر الأمن واندحر الكفار، وقام الجهاد في سبيل الله عز وجل في كل وقت مهما أمكن ذلك.

إن هذا الشهر له فضائل قال صلى الله عليه وسلم: أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ فيستحب الإكثار فيه من الصيام.

وهو أيضا من الأشهر الحرم.

وهو الشهر الذي اختاره الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه ليكون أول السنة الهجرية، فهو شهر له فضائل:

ومن أعظم فضائله :
أن فيه يوم عاشوراء الذي اخبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفر السنة الماضية، وقد صامه موسى عليه السلام شكرا لله لما أغرق الله فرعون وقومه فصامه شكرا لله عز وجل، وصامه اليهود من بعده، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا وجد اليهود يصومونه فقال: ما هذا الصوم الذي تصومونه؟ قالوا: إنه يوم أعز الله فيه موسى وقومه، وأذل الله فيه فرعون وقومه .

وقد صامه موسى عليه السلام
فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم: نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ أو أولا بِمُوسَى مِنْكُمْ فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه فصار صيامه سنة مؤكدة؛ لكنه صلى الله عليه وسلم أراد منا أن نخالف اليهود فـأمر بصوم يوم قبله وهو اليوم التاسع، وفي رواية أو صوم يوما بعده ، ولكن صيام يوم التاسع أوكد، فيصام هذا اليوم اقتداءً بأنبياء الله بموسى عليه السلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم في صيامه وهو يوم أعز الله فيه المسلمين على يد موسى عليه السلام، فهو نصر للمسلمين إلى أن تقوم الساعة، ونعمة من الله عز وجل يُشكر عليها وذلك بالصيام، فصيامه سنة نبوية مؤكدة، فيصومه المسلم اليوم التاسع ويصوم اليوم العاشر الذي هو يوم عاشوراء، ومضت هذه السنة في هذه الأمة والحمد لله فيتأكد صيامه طلبا للأجر والثواب وشكرا لله عز وجل.

فسنة الأنبياء وأتباعهم أنهم يشكرون الله على الانتصارات وذلك بالطاعة والصيام وذكر الله عز وجل وشكره ولا يحدثون في هذه الانتصارات بدعا ومنكرات فإن هذا من سنة الجاهلية، والاحتفالات إنما يحدثون فيها الشكر لله عز وجل والصيام، فإحياء السنة أمر مطلوب من الأمة، في صومه أجر عظيم، يكفر السنة الماضية.

فلا ينبغي للمسلم أن يفرط فيه،
أما من يتخذ يوم عاشوراء يوم حزن ويوم بكاء وعويل ونياحه كما تفعله الشيعة قبحهم الله حزنا على مقتل الحسين رضي الله عنه فإنه قتل في هذا اليوم في يوم عاشوراء في اليوم العاشر من شهر محرم؛ ولكن المصيبة لا تقابل بالنياحة والمعاصي والمنكرات؛ وإنما تقابل بالطاعة والصبر والاحتساب، مقتل الحسين رضي الله عنه لاشك أنه مصيبة؛ ولكن الله أمرنا عند حدوث المصائب أن نصبر ونحتسب.

والمسنون في هذا اليوم هو سنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه يصام ولا يحدث فيه أي عمل آخر، وكذلك على العكس من جهال المسلمين ومن جهال أهل السنة من يعتبر هذا اليوم يوم فرح وبعضهم يسميه العيد عيد العمر يقولون وهو ليس عيدا إنما هو يوم نصر وشكر لله عز وجل ويوسعون على أولادهم ويعطونهم الهدايا يتقابلون الهدايا فيما بينهم هذه بدعة وأمر محدث ولا يجوز، وهذا يكون مقابلا لفعل الشيعة، الشيعة يحزنون وهؤلاء يفرحون، أيفرحون بمقتل الحسين رضي الله عنه يعني يحملهم بغض الشيعة على أن يفرحوا بمقتل الحسين رضي الله عنه لا، هذا لا يجوز.

فالواجب على المسلمين اتباع السنة وترك البدعة هذا هو المطلوب، والبدعة لا تقابل بما هو شر منها ببدع أخرى، إنما تقابل بتركها وإحياء السنة.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضى، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب
فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم


الخطبــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وأعوانه، وسلم تسليماً كثيرا، أمـــا بــ
2024/09/24 16:31:51
Back to Top
HTML Embed Code: