Telegram Web Link
🌷جـ- ومن حفظ الله لعبده: أن يحفظه عند موته من الزيغ والهلاك، فيتوفاه الله على شهادة الحق: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وما أحوج الإنسان في تلك اللحظات الحرجة إلى تلك الشهادة العظيمة التي يلقى بها ربه؛ لأن من لقي الله بها دخل الجنة، وحرم جسده على النار، روى مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة»(34).
وروي أيضاً من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، حرم الله عليه النار»، وفى رواية: «أدخله الله الجنة من أيّ أبواب الجنة الثمانية»(35).

🌴فمن حفظ الله تعالى في هذه الدنيا حفظه الله تعالى عند الموت فيتوفاه على الإيمان، وهذه نعمة عظيمة ومنحة كريمة، ولو لم يكن إلا هي لكفت، لعظمها وحاجة كل إنسان إليها في تلك الساعة العظيمة التي ينتقل فيها من دار الدنيا إلى دار الآخرة، لا أهل ولا مال ولا صاحب ولا عيال، فليس معه إلا عمله؛ فإن كان صالحًا فليبشر بحفظ الله ورعايته له، وإن كان غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
د- ومن حفظ الله تعالى أيضاً لعبده: أن يحفظه بعد موته في القبر والحشر، وفي الدار الآخرة، ومن المعلوم أن الإنسان إذا مات يبادر أهله وذووه لقبره في تلك الحفرة الصغيرة الموحشة، يأتون به مسرعين، وما هي إلا لحظات ثم يفارقونه ويودعونه تاركينه لوحده، فيبتعد عنه الأهل والأصحاب، ويبقى معه عمله، فمن كان عمله صالحًا نظيفًا في هذه الدنيا، حافظًا لله عز وجل

🔺فليبشر بخير منزل ينزله، فيكون هذا القبر روضة من رياض الجنة، ومن كان غير ذلك فليبشر بالذي يسوءه فستكون هذه الحفرة حفرة من حفر النار، والعياذ بالله.

أخي المسلم! من يضمن لنفسه حيلة في تلك الحالة؟ ومن يضمن أن يكون قبره روضة من رياض الجنة؟ بل من يضمن لنفسه أن يخرج من هذه الدنيا لا له ولا عليه؟ إن الأمر جد خطير وعظيم، وإن الناظر في حياة كثير من المسلمين اليوم يجد أن الاستعداد للقبر وضمته ووحشته ضعيف، فكثيرٌ من المسلمين اشتغل بأموره الدنيوية وتشاغل بها عن طاعة الله عز وجل، ولم يجلس مع نفسه لحظات يفكر فيها بمصيره وأين سيؤول، ولم يحاسب نفسه ويعرض أعماله على ميزان شريعة الله فما كان موافقًا لها فيحمد الله تعالى، وما كان غير ذلك فيجدد التوبة لله عز وجل، ويقلع عمَّا يرتكبه من معاصي وآثام. كثير من المسلمين تساهل في كثير المحرمات وارتكب كثيرًا من المنكرات، ولم يعلم أن كل صغيرة وكبيرة عملها في هذه الدنيا سيجازى عليها، إن خيرًا فخيرًا، وإن شرَّا فشرًا، ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)) ((وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ))(37).

أخي المسلم! احفظ الله في هذه الدنيا يحفظك في دنياك، ويحفظ عليك دينك عند الموت، وفى القبر، وحاسب نفسك محاسبة دقيقة قبل أن تحاسب، وزن أعمالك قبل أن توزن، وأكثر من التوبة والندم على أفعالك الخاطئة، واستغفر الله من سائر الذنوب والمعاصي.

هـ-🔺 يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله: «معناه: أن من حفظ حدود الله، وراعى حقوقه؛ وجد الله معه في كل أحواله حيث توجه، يحوطه وينصره، ويوفقه ويسدده، يقوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ))

قال قتادة: "من يتق الله يكن معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل"، وكتب بعض السلف إلى أخ له: أما بعد، فإن كان الله معك فمن تخاف؟ وإن كان عليك فمن ترجو؟

🔺من هذا نفهم: أن من حفظ الله وجده تجاهه وأمامه في كل شيء، في الدنيا والآخرة، ولذا لما حفظ أنبياء الله ربهم حفظهم وكان معهم، يقول سبحانه وتعالى لموسى وهارون عليهما السلام: ((قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى))ويقول حكاية عن موسى: ((قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي))

🔺 وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر -رضي الله عنهما- وهما في الغار عند هجرتهما إلى المدينة: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! لا تحزن إن الله معنا»(42).

🔺وإذا كان هذا الشأن في الدنيا، ففي الآخرة كذلك عندما يفرّ المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، في ذلك اليوم العصيب الشديد الذي تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد!!

ما أحوج الإنسان في ذلك اليوم إلى حفظ الله تعالى ورعايته له، لينجو من أهوال ذلك اليوم، يقول الله تعالى: ((وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَز
ِيدٌ))(43).

فمن حَفِظَ الله تعالى في دنياه حفظه في آخرته؛ فأظلَّه الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ورزقه الجنة، ووقاه من النار: ((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)

🌴الوقفة الرابعة

قوله صلى الله عليه وسلم: «تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة»
🔺يقول ابن رجب رحمه الله: "يعنى أن العبد إذا اتَّقى الله، وحفظ حدوده، وراعى حقوقه في حال رخائه؛ فقد تعرف بذلك إلى الله، وصار بينه وبين ربه معرفة خاصة، فعرفه ربه في الشدة، ورعى له تعرّفه إليه في الرخاء، فنجاه من الشدائد بهذه المعرفة، وهده معرفة خاصة تقتضي قرب العبد من ربه، ومحبته له، وإجابته لدعائه،

🌷فمعرفة العبد لربه نوعان:
أحدهما: المعرفة التامة، وهي معرفة الإقرار به، والتصديق، والإيمان، وهي عامة للمؤمنين.
والثاني: معرفة خاصة تقتضي ميل القلب بالكلية، والانقطاع إليه، والأنس به، والطمأنينة بذكره، والحياء منه، والهيبة له"(1).

وقال أيضاً: "ومعرفة الله لعبده نوعان: معرفة عامة، وهي علمه تعالى بعباده واطلاعه على ما أسره وما أعلنوه، كما قال سبحانه وتعالى: ((يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ))(2)، وقال تعالى: ((الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ))(3).

والثاني: معرفة خاصة، وهي تقتضي محبته لعبده، وتقريبه إليه، وإجابة دعائه، وإنجاءه من الشدائد، وهي المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه: «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه»(4) وفي رواية: «ولئن دعاني لأجيبنه».

🔺وروى الترمذي من حديث أبى هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء»
____________

🌴الوقفة الخامسة

أن من عرف الله في حال شبابه عرفه ربه جل وعلا في حال هرمه وضعفه، ومن عرف الله في حال صحته عرفه الله في حال مرضه، ومن عرف الله في حال قوته ونشاطه عرفه الله تعالى في حال ضعفه، ومن عرف الله تعالى في حال صغره عرفه الله في حال كبره، ومن عرف الله في الدنيا عرفه الله في الآخرة، ومن عرف الله حال رخائه عرفه الله في حال الشدة.

يقول الضحاك بن قيس رحمه الله: "اذكر الله في الرخاء يذكرك في الشدة، إن يونس -عليه الصلاة والسلام- كان يذكر الله تعالى، فلما وقع في بطن الحوت قال الله تعالى: ((فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ)) ((لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ))(1)، أما فرعون الطاغية الذي كان ناسيًا لذكر الله تعالى فلما أدركه الغرق قال: آمنت، فقال الله تعالى: ((آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ))

وروى الشيخان في صحيحيهما، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آل بهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعو الله بصالح أعمالكم، قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً -أي: لا أقدم عليهما في الشراب أحدًا- فنأى بي طلب الشجر يومًا، فلم أرح –أي: لم أرجع- عليهما حتَّى ناما، فحلبت لهما غبوقهما، فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما، وأن أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فلبثت -والقدح على يدي- أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، والصبية يتضاغون عند قدمي –أي: يصيحون من الجوع- فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنَّا ما نحن فيه من هذه الصخرة. فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج منه.
قال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم، كانت أحب الناس إلي، -وفي رواية: كنت أحبها حباً كأشد ما يحب الرجال النساء- فأردتها على نفسها، فامتنعت مني، حتى ألمت بها سنة من السنين -أي: نزلت بها سنة من السنين المجدبة- فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار، على أن تخلى بيني وبين نفسها، ففعلت، حتى إذا قدرت عليها- وفى رواية: فلما قعدت بين رجليها- قالت: اتق الله! ولا تفض الخاتم إلا بحقه؛ فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنَّا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.
وقال الثالث: اللهم إنِّي استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم، غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمَّرت أجره، حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله! أدّ لي أجرى، فقلت: كل ما ترى من أجرك.. من الإبل والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا
تستهزئ بي؟ فقلت: لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستساقه فلم يترك منه شيئًا، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة؛ فخرجوا يمشون»

فانظر أخي المسلم إلى حال هؤلاء الثلاثة الذين عرفوا الله سبحانه وتعالى في رخائهم فعرفهم وقت الشدة، ولم ينفعهم إلا توسلهم إلى الله تعالى بأعمالهم الصالحة.
فدعوة أوجهها إليك أخي المسلم إلى مراقبة الله تعالى في حال الشباب والصحة والقوة والنعمة والرخاء والأمن والطمأنينة، دعوة أوجهها إليك لتلجأ إلى الله تعالى بدعوات صالحة بأن يغير من حالك إلى الأصلح والأمثل، فإن حال الصحة والقوة والشباب لا يلبث إلا وأن يتغير ما دام الليل والنهار سائرين، وهذه سنة الله تعالى في الكون والعباد.. كل ذلك ليعرفك ربك حال ضعفك ومرضك وكبرك، وحال موتك وبعد موتك.
____________

الوقفة السادسة

🔸قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن باللّه..».
هذه جملة عظيمة، كلماتها قليلة، ومعانيها كبيرة، وفيها عدة فوائد:

🔺الفائدة الأولى: أن هذه الجملة موافقة لقوله سبحانه وتعالى: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ))

فإن السؤال دعاؤه والرغبة إليه، والدعاء هو العبادة، فقد روى الترمذي من حديث أنس مالك -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء هو العبادة»

فلنلجأ إلى الله سبحانه وتعالى وحده بالسؤال، فقد قال: ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ))(3)، وقال جل وعلا: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ))

🔺الفائدة الثانية: دلت هذه الجملة على سؤال الله عز وجل دون خلقه، وهذا السؤال هو المتعين على العباد، لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل، وفيه بيان حاجته وفقره إليه، كما أن فيه اعترافًا بقدرة المسؤول على نيل المطلوب، وإجابة السؤال، ودفع الضرر، وجلب النفع، ودرء المفسدة، وكل ذلك لا يصلح إلا لله وحده لا شريك له، يقول سبحانه: ((وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ))

وروى البخاري ومسلم وغيرهما، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يقول: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني

فيفهم من هذه النصوص وغيرها: أنه ينبغي للمسلم أن لا يلجأ بسؤاله ودعائه واستعانته واستغاثته إلا لله سبحانه وتعالى؛ فهو وحده المستحق لذلك، وهو الذي يجيب دعوة الداع إذا دعاه، ومن هنا نعلم خطأ من يلجأ بحاجته وسؤاله إلى غير الله، أو يتوسل بغيره له، كمن يتوسل بالأولياء والصالحين، أو بأضرحتهم وقبورهم؛ فمن فعل ذلك كان على خطر عظيم في دينه، فاللّه سبحانه وتعالى لم يجعل بينه وبين خلقه وسائط، بل هو قريب يسمع دعاء الداع: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ))

🔺الفائدة الثالثة: اعلم أخي المسلم أن الله سبحانه وتعالى يحب أن يسأل، وأن يُلَحَّ عليه في السؤال والدعاء والطلب؛ لأنه جواد كريم، بل يغضب سبحانه وتعالى من العبد الذي لا يسأله، أو يبحث عن واسطة بينه وبينه، فالدعاء والسؤال لله سبحانه وتعالى: ((وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ))

وروى مسلم وغيره عن أبي ذر -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال: «يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا. يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أن أوَّلكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحد منكم ما زاد في ملكي شيئًا. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان منهم مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيرًا فليحمد الله عز وجل، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه»

وروى الترمذي بإسناد حسَّنه عن أنس -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالى: يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغ
لى الحرام، وهكذا.

جـ- الصبر على أقدار الله المؤلمة، وذلك أن الإنسان في هذه الدنيا معرض لأن يصاب بمصائب كثيرة، سواء كان في نفسه أو أسرته أو ماله، وسواء كان ذلك بمرض أو فقر أو غنى مطغ، وغير ذلك، فالمؤمن مطالب بأن يصبر على ما قدره الله تعالى عليه وقضاه، وأن لا يتسلط، فيكف نفسه ويحبسها عن التسخط، مع وجود الألم وتمني زوال ذلك، وأن يكف جوارحه عن العمل بالجزع.
إن هذا الصبر من مقومات الإيمان باللّه سبحانه وتعالى وبقضائه، واللّه جل وعلا يبتلي عباده في هذه الدنيا بأنواع البلايا والمحن، وخير الناس كلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحبهم إلى الله عز وجل، ومع ذلك ابتلي كثيراً، وأوذي كثيرًا، وفى أحواله كلها- صلوات الله وسلامه عليه- كان صابرًا محتسبًا، بل كان راضيًا بقضاء الله جل وعلا، شاكرًا لنعمه.

🔺المسألة الثالثة: أهميته في القرآن الكريم:
اعلم أخي المسلم! أنه ورد ذكر الصبر في كتاب الله تعالى في أكثر من تسعين موضعًا، بصيغ مختلفة، تارة بالحث عليه والترغيب فيه، وتارة بالترهيب من عدمه، وتارة بذكر جزاء الصابرين، وغير ذلك، وهنا أستعرض بعضًا من ذلك:

يقول سبحانه وتعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر: ((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ))(13)،

ويقول سبحانه وتعالى: ((وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَاعُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)

🌴كما بين سبحانه وتعالى أن الصبر من صفات الرسل السابقين، فكانت نتيجة هذا الصبر حميدة، وعواقبه سليمة، يقول جل وعلا: ((وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِين

ويقول سبحانه في بيان عاقبة الصبر: ((وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ))(

ويقول جل وعلا: ((وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ))

ويقول سبحانه: ((إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ))

ويقول جل وعلا في معرض صفات المؤمنين وما لهم: ((وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا)

ويقول سبحانه: ((وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ))

ويقول جل وعلا في عرض ما أعده الله لعباده الأبرار الصادقين الصابرين: ((إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُ
فرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن الدم! إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة»

من هذه النصوص النبوية نعلم أن الله سبحانه وتعالى قريب مجيب؛ فلا يبقى على المسلم إلا أن يلجأ إلى الله وحده لا شريك له، وأن يخلص دعاءه له، صدقًا من قلبه، ليتقبل الله دعاءه ويستجيب لمسألته، ويعطيه مطلوبه، فاللّه كريم جواد، خزائنه ملأى لا تنفد: ((مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ))(11).
فهل بعد هذا كله يمكن للإنسان أن يتجه إلى المخلوق الضعيف ليسأله، أو يجعله واسطة بينه وبين ربه، رحم الله القائل:

لا تسألن بني آدم حاجة
وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله
وبنُيّ آدم حين يسأله يغضب

🔺الفائدة الرابعة: قوله صلى الله عليه وسلم: «وإذا استعنت فاستعن باللّه...».
اعلم أخي المسلم! أن هذه الجملة موافقة لقوله سبحانه وتعالى: ((وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ))

ففيهما: أن الاستعانة لا تكون إلا باللّه سبحانه وتعالى، وذلك أن العبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه ودفع مضاره، ولا معين له على جلب مصالح الدين والدنيا إلا الله وحده، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول، قال ابن رجب رحمه الله: "وهذا تحقيق معنى قول: لا حول ولا قوة إلا باللّه، فإن المعنى: لا تحول للعبد من حال إلى حال، ولا قوة له على ذلك إلا باللّه سبحانه وتعالى"

فعلينا أن نتجه بالاستعانة باللّه وحده لا سواه، نسأل الله الإعانة على ذلك، والتوفيق في الدنيا والآخرة.
____________

الوقفة السابعة

🌴قوله صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف».
وفي هذا النص عدة فوائد:

🔺الفائدة الأولى: أن المراد بهذه الجملة -كما يقول ابن رجب رحمه الله-: "إن ما يصيب العبد في دنياه مما يضره أو ينفعه فكله مقدر عليه، ولا يصيب العبد إلا ما كتب له من مقادير ذلك في الكتاب السابق، ولو اجتهد على ذلك الخلق كلهم جميعاً، وقد دل القرآن على مثل هذا في قوله عز وجل: ((قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا))

وقوله سبحانه وتعالى: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا)

وقوله جل وعلا: ((ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌاهـ كلامه رحمه الله(4).

فعلم منه أن كل شيء يحصل في هذه الحياة يصيب الإنسان من خير أو شر إنما هو بتقدير الله سبحانه وتعالى، سواء رضي العبد بذلك أو لم يرض، فعلى المسلم أن يؤمن بذلك تمام الإيمان، وأن يوقن به تمام اليقين، لتحقق الركن السادس من أركان الإيمان، وهو الإيمان بالقدر خيره وشره.

🔺الفائدة الثانية: يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله: "واعلم أن جميع مدار هذه الوصية على هذا الأصل، وما ذكر قبله وبعده فهو متفرع عليه، وراجع إليه؛ فإن العبد إذا علم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له من خير وشر، ونفع وضر، وأن اجتهاد الخلق كلهم على خلاف المقدور غير مفيد البتة، علم حينئذ أن الله وحده هو الضار النافع المعطي المانع، فأوجب ذلك للعبد توحيد ربه عز وجل، وإفراده بالطاعة، وحفظ حدوده؛ فإن المعبود إنما يقصد بعبادته جلب المنافع ودفع المضار، ولهذا ذم الله سبحانه وتعالى من يعبد من لا ينفع ولا يضر ولا يغنى عن عابده شيئاً، فمن يعلم أنه لا ينفع ولا يضر ولا يعطي ولا يمنع غير الله أوجب له ذلك إفراده بالخوف والرجاء والمحبة والسؤال والتضرع والدعاء، وتقديم طاعته على طاعة الخلق جميعاً، وأن يتقي سخطه ولو سخط الخلق جميعاً، وإفراده بالاستعانة، والسؤال له، وإخلاص الدعاء له في حال الشدة وحال الرخاء، خلاف ما كان المشركون عليه من إخلاص الدعاء له عند الشدائد ونسيانه في الرخاء، ودعاء من يرجون نفعه من دونه، يقول الله سبحانه وتعالى: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ))(

🔺الفائدة الثالثة: أن الإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان، لا يتم إيمان الإنسان إلا به، ولا يعني هذا الإيمان الاستسلام للشبهات والرغبات، والخوض في الانحراف والضلالات، والاستمرار في الذنوب والمعاصي، كلا. فإن الذي أمرنا أن نؤمن بهذا أمرنا أن نعمل وأن نجد ونجتهد، والرسول صلى الله عليه وسلم قدوة الخلق أجمعين عمل وأمرنا بالعمل، وسعى وبذل الجهد، وأمرنا بذلك، كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، ويجاهد في سبيل
ورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا))(21) إلى آخر الآيات.

المسألة الخامسة: الصبر في حياة السلف:

🍃الصبر بأنواعه الثلاثة سمة صحابة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأخبارهم في ذلك كثيرة ومشهورة، وكتب الحديث والسير مليئة بذلك، ككتب الصحاح والسنن والمسانيد، وكتب السير والتاريخ، ككتاب سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي رحمه الله، والإصابة للحافظ ابن حجر رحمه الله، وغيرها كثير، ومن ذلك ما روي في قصة آل ياسر، فقد أخرج الطبراني -بسند رجاله ثقات- والحاكم والبيهقي وغيرهم عن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعمار وأهله وهم يعذبون، فقال: «اصبروا آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة"، وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بياسر وعمار وأم عمار وهم يؤذون في الله تعالى، فقال لهم: «صبرا آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة».

وأخرج الحاكم وغيره عن عثمان -رضي الله عنه- قال: بينما أنا أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء -بطحاء مكة- إذ بعمار وأبيه وأمه يعذبون في الشمس ليرتدوا عن الإسلام، فقال أبو عمار: يا رسول الله! الدهر هكذا، فقال: «صبرًا آل ياسر، اللهم اغفر لآل ياسر».

وروي أن أول شهيد في الإسلام أم عمار سمية، طعنها أبو جهل بحربة في قبلها فماتت، رواه أحمد والحاكم وغيرهما.

🔺المسألة السادسة: من ثمرات الصبر، وهي ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر.
أ- ما أعده الله سبحانه وتعالى من الأجر العظيم والثواب الجزيل،كما سبق في قوله تعالى ((إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)).
ب- الاقتداء بالأنبياء والمرسلين الذين صبروا في طريق الدعوة صبرًا عظيمًا حتى وصفهم الله بذلك كما قال تعالى: ((فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ)).
جـ - النصر مع الصبر، والفرج بعد الشدة، كما قال عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: «واعلم أن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرًا، وأن مع الشدة فرجاً»،
وكما دلت عليه الأمة آنفة الذكر.
د- الدرجات العلى من الجنة، قال تعالى: ((إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ))، ويقول سبحانه: ((وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا))
هـ- الراحة والطمأنينة في هذه الحياة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره له كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك إلا للمؤمن»(34).
و- بالصبر والرضا تغفر الذنوب كلها، كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة».
وغيرها من الثمرات والفوائد الكثيرة الجليلة.

🌷أخي المسلم! إن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام قدوة حسنة، صبروا على طاعة الله فكانوا صوَّاما في النهار، قوَّاما في الليل، دعاة إلى الله عز وجل، مجاهدين صابرين محتسبين، وصبروا عن معاصيه جل وعلا، راضين بأقدار الله جل وعلا، مؤمنين صابرين.
ألا فلنقتد بهم، ولنتأس بفعلهم، ولنمش على منهاجهم.

تشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالكرام فلاح

أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا الصبر والرضا والشكر، وأن يجعلنا من عباده الصابرين الراضين الشاكرين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

🌴ولأهمية الصبر وعظم شأنه فقد ربط الله سبحانه وتعالى بينه وبين الصلاة ثاني أركان الإسلام، يقول سبحانه وتعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين

ويقول جلا وعلا: ((وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)

كما جعل سبحانه وتعالى الصبر من أعظم ما يوصي به المؤمنون بعضهم بعضًا، يقول جل وعلا: ((وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي
خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ))

ويقول سبحانه: ((ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ))

🌴أيها المسلم! إن طاعة الله سبحانه وتعالى، والكف عن معاصيه، وما يحصل من أقداره المؤلمة، كل ذلك يحتاج إلى صبر مستمر، ولا ينال أجر هذا الصبر إلا بالاستمرار عليه، ولذا علق النصر والظفر بالصبر، فالذي يصاب بمصيبة، أو يقدر عليه أمر من الأمور المكروهة للنفس، كمن يصاب بمرض، أو بموت قريب، أو بجائحة مالية، ونحو ذلك، فإذا لم يتذرع بالصبر فكأنه اعترض على قدر الله سبحانه وتعالى، وبالتالي قد يضعف إيمانه، ويتزعزع دينه، ويضعف يقينه بربه، وهنا يخسر شيئًا كثيرًا من أمور الدنيا والآخرة، وهو لا يكسب شيئًا إذا لا يستطيع أن يحيي الميت، أو يشفي المريض، أو يرد المال، ونحو ذلك.

🔺المسألة الرابعة: أهميته في السنة النبوية:
اعلم أخي المؤمن! أن السنة المطهرة مليئة بالنصوص النبوية الكريمة، القولية والفعلية التي جاءت في الحث على الصبر بأنواعه الثلاثة: الصبر على طاعة الله، والصبر عن معاصي الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة، وهنا أورد بعضًا منها، ومن ذلك مما ورد في فضل الصبر:

🔸ما رواه مسلم في صحيحه، عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان، والحمد الله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد الله تملآن -أو تملأ- ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها»

وما رواه مسلم أيضًا، عن أبي يحيى صهيب بن سنان -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له


وروى البخاري ومسلم عن أبي زيد أسامة بن حارثه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه وابن حبه -رضي الله عنهما- قال: أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابني قد احتضر - أي: حضرته مقدمات الموت- فاشهدوا، فأرسل يقرىء السلام، ويقول: «إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب» فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال رضي الله عنهم، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي، فأقعده في حجره، ونفسه تقوقع -أي: تتحرك وتضطرب- ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله! ما هذا؟ فقال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده»، وفي رواية: «في قلوب من شاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء». متفق عليه


وروى البخاري ومسلم، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: «اتقي الله واصبري»، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي! ولم تعرفه. فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: «إنما الصبر عند الصدمة الأولي»، متفق عليه، وفي رواية لمسلم: «تبكي على صبي لها

وروى البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- «أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرها أنه كان عذابًا يبعثه الله تعالى على من يشاء، فجعله الله تعالى رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابرًا محتسبًا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر الشهيد»

🌴وروى البخاري ومسلم، عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله تعالى لي، قال: «إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها» متفق عليه
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
الــعــام الــدراســـي الجــديــد
للدكتور/ ناصـر بن عمـر العمـــر
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله مدبِّر الليالي والأيام، ومصرِّف الشهور والأعوام، الملك القدوس السلام، المتفرِّد بالعظمة والبقاء والدَّوام، المتنزِّه عن النقائض ومشابهة الأنام، يرى ما في داخل العروق وبواطن العظام، ويسمع خفيَّ الصوت ولطيف الكلام، وأشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمد عبده ورسوله أفضل الأنام، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان على الدوام، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].

أيها المسلمون.. أيها الأبناء:
مضت أيام الإجازة وانقضت، والأيام إذا انصرَّفت لا تَعُد، تمتَّع في هذه الإجازة مَنْ تمتَّع، وجدَّد الناس نشاطهم؛ استعدادًا لعامٍ حافلٍ بالجدِّ بإذن الله.

انقضت الإجازة، استفاد مَنِ استفاد وخسر مَنْ خسر، كم من شابٍّ رأيناه في الإجازة نهل من علوم العلم المختلفة، فذلك يتلو كتاب الله ويحفظه، وآخر قدم على أحاديث السنَّة يحفظها ويسمع شرحها، وثالث ثنى ركبته عند العلماء؛ ينهل من علومهم وفيض أنوارهم، وآخرون التحقوا بدورات تدريبية في العلوم المختلفة.

هذه الإجازة قد ولَّت، وهاهي الدراسة قد أقبلت؛ فافتحوا صفحةً جديدةً بيضاءَ، واستغفروا ربَّكم على ما فات.

أيها الآباء والأمهات:
أنتم شركاءُ للمدرسة في مسؤوليتها؛ فليست مسؤولية الآباء توفير الدفاتر والأقلام، ولكن دورهم أعظم وأكبر.

الله.. الله أيها الآباء في أدب أبنائكم، احرصوا على إرضاعهم الأدب قبل العلم؛ فلا قيمة للعلم بدون أدب، فهذه والدة الإمام مالك رحمه الله ورحمها لما كان صغيرًا ألبسته أحسن الثياب ثم قالت له يا بني اذهب إلى مجالس ربيعة واجلس في مجلسه وخذ من أدبه قبل أن تأخذ من علمه.

فنشأ على الأدب الرفيع أجيال يخلف بعضها بعضًا تعرف للعلماء والمؤدبين قدرهم، حتى يقول الإمام الشافعي رحمه الله، وهو تلميذٌ للإمام مالك -: كنت أصفح يعني أقلب الورقة بين يدي مالك رحمه الله صفحًا دقيقًا، هيبةً له؛ لئلا يسمع وقعها!!

وهذا الربيع بن سليمان رحمه الله، وهو من تلاميذ الشافعي يقول: "والله ما تجرأتُ أن أشرب الماء والشافعي ينظر إليَّ؛ هيبةً له"!!

وكان الإمام الحافظ شعبة بن الحجاج رحمه الله يقول: "كنتُ إذا سمعتُ من الرجل الحديث؛ كنتُ له عبدًا ما دام حيًّا"!!

وكان الإمام أحمد رحمه الله، وهو تلميذ للشافعي يقول لابن الشافعي: "أبوكَ من الخمسة الذين أدعو لهم كلَّ سَحَرٍ"!!.

معاشر الآباء:
الله... الله في حقوق المعلِّمين والمعلمات، واغرسوا في نفوس أبنائكم حب معلميهم واحترامهم وتقديرهم.

إن من الآباء من يتكلم بكلام فيه إنقاص من قدر المعلم أو المعلمة أمام مسامع الأبناء، فوالله إن فعل أحدكم هذا ماذا يبقى للقدوة، وماذا يبقى للتعليم، وماذا يبقى لهيبة العلم والمعلم والتعليم؟!! لما أساء بعض الآباء في قلة تقديرهم للمعلمين؛ نتج لنا جيل يلعن المعلم، ويضرب المعلم، ويُتلف ممتلكات المعلم.

أترجون أن نعلوا على الأمم وهذه أخلاقنا مع مَنْ يعلِّمون أبنائنا!! قد يكون هناك معلم سيء، ونموذج سيء؛ فلا ينبغي هَتْك ستار الهيبة والاحترام الذي له؛ لأن في إهانة المعلم إهانة للعلم والتعليم.

إذا كان الطالب يأتي للمدرسة وهو ينظر للمعلم على أنه ليس بشيء؛ لما استقر في ذهنه تجاه هذا المعلم، وإذا كان المعلم يرى من سوء أدب طالبه، وسوء أدب والده؛ فأيُّ خيرٍ نرجوه من التعليم!!

إن على أولياء الأمور أن يدركوا هذه الحقيقة، وإن الأب الناصح الشفيق إذا رأى ما يزعجه أو ما يلاحظه من خلل؛ فليس له إلا التوجه للمعلم، والإسرار بما في نفسه من ملاحظات ومكاشَفات، أما أن يجلس الأب يلعن المعلم، والأم تلعن المعلمة أمام الأبناء؛ فإني أقولها لكم صريحةً: لا ترجوا من التعليم ومن أبنائكم شيئًا.

يا أيها الآباء:
أعينوا أبناءكم على مشاقِّ العلم ومتاعبه؛ فهذا سفيان الثوري العالِم المشهور لمَّا كان صغيرًا، وقد توفي والده وله أخوة - رأى أن يترك العلم والدراسة؛ ليطلب العيش والرزق؛ قالت له أمه - جزاها الله خيرًا -: "أي بني، اطلب العلم؛ أَكْفِكَ بمغزلي"، فانطلقت الأم تغزل وتكافح، وانطلق سفيان يتعلَّم العلم؛ حتى أصبح سفيان من أعلام المسلمين الكبار، وكل ذلك في ميزان تلك المرأة الصالحة.

معاشر الآباء.. أيها الآباء:
لا تتركوا الحبل على الغارب لأبنائكم؛ يمكثون في الشوارع والأزقَّة ما شاؤوا ومع مَنْ شاؤوا، وفي أي مكانٍ شاؤوا، يتعلمون من الشارع ما يفسد عليهم أخلاقهم ودينهم.

فاحفظوا أوقات أبناءكم واضبطوها، وكونوا أعينًا تربِّيهم عن قرب وعن بعد.

إن بعضًا منكم كان آخر عهده بالمدرسة يوم سجَّل ابنه فيها، وبعضهم لا يأتي إلا حين الاستدعاء؛ فيا أيها الو
الله حتى يسيل دمه، ولم يتواكل على القضاء والقدر، روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له

فإن من ترك الأسباب وسمح لنفسه بالخوض في الشهوات والرغبات إنما هو ضعف وتكاسل، وجبن وتخاذل، نسأل الله العافية.

🔺الفائدة الرابعة: أن المؤمن في قبول القضاء والقدر على درجات:
أ- الشكر: والمقصود بذلك أن ينظر إلى ما أصابه فيشكر الله سبحانه وتعالى، فتستوي عنده المصيبة وغيرها. وهذه أعلى الدرجات.
ب- الرضا بما وقع له من المصائب وعدم التسخط، وهذه درجة عليا أيضاً في هذا الإيمان، يقول الله سبحانه وتعالى: ((مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))(8)، قال علقمة: "هي المصيبة تصيب الرجل فيعلم أنها من عند الله فيسلم لها ويرضى"

وروى الترمذي عن أنس -رضي الله عنه- وحسنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضا، من سخط فله السخط»

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: «أسألك الرضا بعد القضاء

إن الذي يكون بهذه الدرجة العالية، فله الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، يقول الله سبحانه وتعالى: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون

قال بعض السلف: "الحياة الطيبة هي الرضا والقناعة".
جـ- أما الدرجة الثالثة، فهي الصبرعلى الابتلاء لمن لم يستطع الرضا بالقضاء، فالرضا فضل مندوب إليه، والصبر واجب حتم، وله فضل عظيم، وفيه خير كثير، وأجر جزيل،

نفصله في المسائل التالية:
المسألة الأولى: تعريفه:

الصبر هو حبس النفس عن الجزع والتسلط، ومنعها عن محارم الله، وإلزامها بأداء فرائض الله، يدل عليه ما روي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال: "الصبر في القرآن على ثلاثة أوجه: صبر على أداء فرائض الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى". اهـ كلامه رضي الله عنه.

🌴يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "الصبر: حبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن المعصية، وحبس النفس عن التسخط بالمقدور، فمدار الصبر على هذه الأركان الثلاثة، فإذا قام بها العبد كما ينبغي انقلبت المحنة في حقه منحة، واستحالت البلية عطية، وصار المكروه محبوبًا، فإن الله سبحانه وتعالى لم يبتله ليهلكه، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته، فإن لله تعالى على العبد عبودية في الضراء كما له عبودية في السراء، وله عبودية عليه فيما يكره كما له عليه عبودية فيما يحب". اهـ كلامه رحمه الله.

🔺المسألة الثانية: الصبر على أقسام ثلاثة:
أ- صبر على طاعة الله سبحانه وتعالى، وذلك أن الطاعة تكليف من الله سبحانه وتعالى لعباده بأن يقوموا بهذه الطاعة خير قيام، فتحتاج هذه الطاعة إلى مجاهدة النفس، والصبر على القيام بها، والمحافظة عليها، والمداومة على فعلها، واستشعار الإخلاص والصدق أثناء أدائها، ومن ذلك: الصبر على توحيد الله تعالى وعدم الإشراك به، وإخلاص العبادة له، وكذلك القيام بالصلاة فرائضها ونوافلها في أوقاتها مكتملة الأركان والواجبات، وغير ذلك من الطاعات، ويدخل فيه ما يعمله الفرد في وظيفته العادية، فالأستاذ يحتاج إلى صبر في أداء وظيفته على الوجه المطلوب، فيصبر على تلاميذه، ويتحمل التعب والمشقة في ذلك، والطبيب يحتاج إلى صبر في معايشة المرضى وعلاجهم، والوالدان يحتاجان إلى صبر في تربية أولادهم وتنشئتهم على الصلاح والتقوى، والمرأة تحتاج إلى صبر في القيام بوظيفتها الحقيقية من تربية أولادها، والاهتمام بهم، وكذا أعمال بيتها، وخدمة زوجها وطاعته، والداعية والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يحتاج إلى صبر في تبليغ دعوته إلى الناس برفق وحكمة ولين، وفيما يقول ويعمل، وهكذا، فجميع الطاعات تحتاج إلى صبر وعدم تضجر وقلق وتأفف.

ب- الصبر على معصية الله تعالى خوفًا من الله تعالى، ورجاء ثوابه، وحياءً منه سبحانه وتعالى أن يستعين بنعمه على معاصيه، فكثير من المعاصي والذنوب، وكثير من المخالفات تهواها النفس وترغبها، وكثير منها تلبي شهوة النفس، ألا ترى المغتاب يتلذذ بتجريح فلان وعلان؟ ألا ترى الزاني يلبي شهوة نفسه الجامحة؟ وألا ترى النائم عن صلاة الفجر يلبي رغبة النوم؟ وهكذا.. فشهوات النفوس ورغباتها في المعاصي كثيرة، وكلها تحتاج إلى صبر ومجاهدة، فمن يصبر-مثلاً- على ضبط لسانه عن الكلام المحرم، فلا يغتاب ولا يسعى بالنميمة ولا يكذب، ولا يساعد بقوله ظالماً، ولا يجادل بالباطل، ولا يسخر بالمسلمين، ولا يستهزئ بهم، ولا يشهد زورًا، ولا يحلف كاذبًا، ولا يؤذِ مسلمًا، فإنه بذلك يتقي آفات لسانه، ويكون ممن صبر على ذلك، ومن يصبر على حفظ فرجه فلا يستعمله إلا فيما أحله الله، فإنه يأمن على سلامة عرضه، ويحفظه من الضياع، ومن يصبر على عدم أكل الحرام فلا يتعامل فيه، فإنه يسلم من تنمية جسده ع
الد، يا وليَّ الأمر، مدارسنا يدرس فيها مئات الطلاب؛ فلا تنتظر أن تقوم المدرسة بكل شيء، فإذا لم تضع يدك بيد مدير المدرسة ومعلِّمها؛ فالخاسر أنتَ وابنكَ.

إن على أولياء الأمور زيارة المدارس مرات ومرات؛ للسؤال والمتابعة والمناقشة، السؤال عن الأدب؛ فكثيرٌ من الأبناء تختلف أخلاقهم في البيت عن المدرسة، وإنَّ الخلل إذا عُرِفَ في أول الوقت سَهُلَ القضاء عليه.

عليكَ أن تعرف جلساء ابنك وذهابه وإيابه، عليك صحبة ابنك للمسجد والمسجد النبوي والمحاضرات الدينية والثقافية ومجامع الخير، علِّمه مكارم الأخلاق مرةً بعد مرة ويومًا بعد يوم، صوِّب خطأه، واشكر صوابه، واعلم أن تربيته جهاد.

يا أيها الآباء.. أقولها لكم؛ فتبَّهوا لما أقوله:
أنتم محتاجون لأبنائكم إذا دخلتم قبوركم، فإحسانكم لتربيهم عملٌ صالحٌ مستمرٌ لكم بعد موتكم.

إن الصلاة والصيام والذِّكر والقرآن والأدب والأخلاق، وكلَّ خيرٍ زرعته في أبنائك؛ لهو أُجورٌ لك بعد موتك، والعكس بالعكس؛ فكلّ شرٍّ كنت سببًا في تعليمه لأبنائك من خِلالك، أو من خلال مجلة ساقطة سمحتَ بها، أو فضائيات سمحتَ بها أو أحضرتها - لهي سيئاتٌ تصبُّ في ميزانكَ بعد موتكَ؛ فاختر أيها الأب ما شئتَ.

يقول عليه الصلاة والسلام: ((ما من عبد يسترعيه الله رعيةً، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لها؛ إلا حرَّم الله عليه الجنة)).

أيها المعلِّمون:
يا من حملتم وظيفة الأنبياء في تعليم الناس؛ قال المعلِّم الأول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وملائكته لَيُصَلُّونَ على معلِّم الناس الخيرَ)).
إن المعلِّم إذا أخلص للأمة ولم يغشَّها؛ فهو يمشي في رحمةٍ ورضا من الله بما يصنع.

أيها المعلمون:
أبناؤنا غدًا يأتون بين أيديكم؛ فالله الله في أبناء المسلمين؛ إنهم أمانةٌ كبيرة، وحِمْلٌ عظيمٌ؛ أعانكم الله عليها، ألا وإن أحسن ما يعينكم هو الإخلاص لله في أعمالكم؛ فعملٌ بلا إخلاص لا بركة فيه، والإخلاص ما كان في قليلٍ إلا كثَّره، ولا في يسيرٍ إلا باركه.

يا مشاعل النور والرحمة:
قدوتكم في التربية والتعليم هو المعلِّم الأول صلى الله عليه وسلم قال معاوية رضي الله عنه "فبأبي وأمي، ما رأيتُ معلِّمًا كرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كرهني، ولا ضربني، ولا شتمني".

وقال أنس رضي الله عنه: "ما لمستُ حريرًا ولا ديباجًا ألين من كفِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد صحبته عشر سنين وأنا غلامٌ، ما قال لي يومًا: أفّ، وما قال لي: لم فعلتَ هذا؟ أو: ألا فعلتَ كذا!!".

وقال جرير رضي الله عنه: "ما لقيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلا تبسَّم في وجهي".

إن المعلم الذي يشتكي من سوء أدب طلابه، هو في الواقع فشل في استمالة قلوب طلابه إليه برفيع أخلاقه، على المعلم اليوم ألا يشتكي من أن جيل اليوم قد تغيَّر، فقولوا لي بربكم أيها المعلمون: ماذا ينفع تضجُّركم وتبرُّمكم وشكواكم من سوء الأوضاع؟! إنما هذا السوء في الأمة يدعوكم لبذل المزيد من الجهد والعمل، وابتكار الوسائل المفيدة النافعة.

عليكم أن تزاحموا الشرَّ الذي يحيط بأبنائنا، ومَنْ أخلص نيَّته لله؛ فان الله يؤيِّده ويسدِّده.

أيها المعلِّم:
إذا دخلت فصلَكَ، وأغلقتَ بابَكَ، ونامت عين المدير والمسؤول وأولياء الأمور عنكَ، ولم يبقَ إلا أنت وهم بين يديك - فتذكَّر ملائكة الرحمن بين يديك، وأن الله في عليائه مطَّلعٌ عليك.

لا يكن همُّ أحدكم: متى تنتهي الحصة؛ فالحصص ليست فقط دروس لما هو مسطَّر في الكتب؛ بل إن الجانب التربوي هو شغلك الشاغل.

لا تستخفَّن بنفسكَ؛ فكلمةٌ تقولها بإخلاصٍ؛ يبارِك الله فيها، وينفع بها عشرات السنين.

على المعلِّمين أن يكونوا قدوةً لطلاَّبهم، فليس من المقبول أن تعلِّم طلاَّبَكَ ما أنت تنسفه بأفعالك.

على المعلِّم أن يتمثَّل الإسلام في هيئته وتصرُّفاته، فحوله عشرات الطلاب الذين يرقبون فعله وتصرفاته، ويأخدونه قدوةً لهم.

أيها المعلِّم:
((مَنْ دعى إلى هدًى؛ كان له أجرٌ مَنْ عمل به إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أمورهم شيئًا، ومَنْ دعى إلى ضلالةً؛ كان عليه وِزْرُ مَنْ عمل به إلى يوم القيامة)).

فاحرصوا معاشر المعلِّمين على تعليم أبناءنا كلَّ خيرٍ وهدًى وفضيلةٍ وأخلاقٍ؛ فهي أبوابٌ عظيمةٌ من الأجور، مفتوحةٌ لكم، لم تُفتح لغيركم؛ فاغتنموها.

أيها المعلِّم:
مصادر الشرِّ تغزو اليوم أبناءنا من كل مكان؛ ما بين قنوات مدمِّرة للأخلاق، إلى (إنترنت) لنشر الإباحيَّة، إلى تقليد وذوبان الشخصية في شخصية غربيٍّ كافر، إلى أفكار تتسلل إليهم من هنا وهناك، يحتاجون من يُجْليها لهم بصدقٍ ووضوح.

على المعلِّمين والمعلِّمات اليوم أن يسابقوا الزمن في رفع مستوياتهم العلمية والثقافية، عليكم أن تكونوا قارئين مثقفين واسعي الاطِّلاع، فنحن اليوم في زمن الشبكة العنكبوتية سيكون ربما طلابكَ أفضل منكَ؛ فلتسبقهم إلى المعرفة، ولتستلم قيادة الدفَّة، بدلاً من أن تجد نفسكَ مُنقادًا مكسورًا مهزومًا.

معاشر المعلِّمين:
الرفق.. الرفق في الأبناء، ستجدون في أبناءنا تصر
ُّ

فاتٍ تنكرونها، وسلوكيَّاتٍ ترفضونها، وأفكارًا تتبرؤون منها.

فعليكم بمنهج النبي صلى الله عليه وسلم في التعليم:
البسمة تأسر بها طالبكَ، والحنان تملك به قلبه، والمناقشة الهادئة البعيدة عن التشنُّج والتعصُّب ترفع الغَبَش عن العقول، أطلقوا ألسنة أبنائكم للكلام؛ فان أحسنوا فكافئوهم، وإن أخطؤوا فقوِّموهم بالتي هي أحسن. وفَّق الله الجميع للخيروالفلاح.

أقولُ قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم وللمسلمين؛ إنه غفورٌ رحيمٌ.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلامًا على عباده الذين أصطفى..

أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإنها خير الزاد: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197].

وكلمةٌ أهمسُ بها في أذن إخواني وأبنائي الطلاب:
يا أبنائي، إني لأتألم من أحدكم؛ أجدُهُ حزينَ القلب كسيرَ النفس. لماذا؟ لأن الدراسة غدًا!!

يا بني، ألم تَرَ إلى دول كَفَرَتْ بربِّها، ولم يكن عندها نور الوحيَيْن، قد سَبَقَتْنا في علوم الدنيا التي بها قوام الناس؟ انظر إلى مسجدنا؛ فهذا مصنوعُ في اليابان، وآخر في أمريكا، وثالث في أوروبا، وآخر في الصين، وأحد أسباب ذلك: أنك تذهب غدًا إلى المدرسة حزينًا!!

هل علمت أنه في كل ثانيةٍ - وليس كل دقيقة اكتشاف وانجاز علمي، هؤلاء ما وصلوا لهذا عبثًا، ولكنها سنَّة الحياة مَنْ جَدّ وَجَد، ومَنْ زرع حصد.

هناك يا بني في الغرب؛ انتشر عندهم كتاب الجيب، وهو كتاب صغير تجد الكلَّ يحمله في جيبه؛ ليقرأ به في وقت الانتظار والفراغ، خارج البيت والعمل، أتظن أن الغرب هو تلك الكرة والموسيقى والأزياء والرقص واللهو.

لو كانت هذه حياتهم كلهم ما رأيتَ، كل هذا - بل هذا - ما صدَّروه لكَ لكي تبقى نائمًا غارقًا في شهوتكَ.

يا بني، إن أول ما نزل القرآن: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق:1]، وثنَّاها بـ: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ [العلق: 2-3].

أرأيتَ دينَنا؛ كيف يدعوكَ للقراءة والبحث والعلم؛ بل يا بني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لكَ: ((مَنْ سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا؛ سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة)).

فأخلص نيَّتك يا بني في العلم، واطلب العلم لترفع عن نفسك الجهل، واطلب العلم لتنفع غيرك وأمَّتك، واطلب العلم لأجل العلم؛ لأن العلم زينة.

إنك ما ترى عالمًا في أي مجال؛ إلا والناس يكنُّون له الاحترام والتبجيل.

لا تطلبوا العلم لأجل الوظيفة؛ فالوظيفة رزقٌ، والرزق بيد الله وحده.

واعملوا وجِدُّوا؛ فكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلِقَ له.

يا بني:
إنك تتوجَّه غدًا لقلعة من قلاع العلم؛ فابدأ فيها بسم الله، وعلى بركة الله، ولتَكُن بدايتك جادَّةً، ولا تؤجِّل عمل اليوم إلى الغد؛ فهذا طَبْعُ الكَسول، ومَنْ كانت له بداية محرقة؛ كانت له نهاية مشرقة، ومَنْ كانت بدايته رماد؛ فالرماد لا يخلِّف إلا الرماد.

معاشر الطلاب:
عليكم بتقوى الله والصلاة؛ فلا خير فيكم إذا ضيَّعتم الصلاة، تجمَّلوا بالدِّين والأخلاق واحترام المعلِّمين، وحقِّقوا لآبائكم ما يرجونه منكم.

ثم صلُّوا وسلِّموا على البشير النذير، والسراج المنير، سيد الخلق أجمعين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين.

اللهم لا تفرِّق جمعنا هذا إلا بذنبٍ مغفور، وعيْبٍ مستور، وعملٍ متقبَّلٍ مبرور.

اللهم أصلح ذريَّاتِنا، واجعلهم - يا إلهي - صالحين مصلحين، هادين مهتدين، مبارَكين أينما كانوا، يا ربَّ العالمين.

اللهم لا تَدَع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته.

اللهم فرِّج همَّ المهمومين، واقضِ الدَّيْن عن المَدينين، وفُكَّ أسرَ المأسورين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين.

اللهم أصلح وليَّ أمرنا، وخُذْ بناصيته للبرِّ والتقوى، اللهم واجعل له بطانةً صالحةً تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر يا ربَّ العالمين.

﴿ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].

﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الصافات: 180].
الجمعة فاغفر له ولوالديه وافتح لسماع الموعظة قلبه وأذنيه
اللهم احفظ بلادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم من أراد ببلادنا خيرا فوفقه الى كل خير ومن أراد ببلادنا شرا فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره في تدميره واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين
اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظ بلادنا واقض ديوننا واشف أمراضنا وعافنا واعف عنا وأكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤاثر علينا وارحم موتانا واغفر لنا ولوالدينا وأصلح أحوالنا وأحسن ختامنا يارب العالمين
أجلها الآخرة لينالوا بعض متاعها ويتمتعوا ببعض ملذاتها وشهواتها هي والله سراب خادع وبريق لامع
فاعلموا رحمكم الله أن الدنيا أيام محدودة وأنفاس معدودة وآجال مضروبة وأعمال محسوبة هي والله قصيرة وإن طالت في عين المخدوعين بزخرفها وحقيرة وإن جلت في قلوب المفتونين بشهواتها. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) [فاطر:5] (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) [غافر:39].

تذكَّروا أنَّ العمر أنفاس مَعدودة وَشِيكة النَّفاد ولحظات معدودة وأنَّ كلَّ امرئ على ما قدَّم قادِم وعلى ما خلَّف نادِم وأنَّ ما مضَى من العمر في طاعةٍ فهو أربَح التِّجارة وما خَلا منها فهو نقْص وخسارة وما مضَى في ضدِّها فهو مصيبة وخِزي ومعارة
روى الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مالي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم قام وتركها".

سبحان الله عباد الله ألم يأن لأهل الغفلة أن يدركوا حقيقة هذه الدار؟! أما علموا أن حياتها عناء ونعيمها ابتلاء جديدها يبلى وملكها يفنى ودها ينقطع وخيرها ينتزع المتعلقون بها على وجل إما في نعم زائلة أو بلايا نازلة أو منايا قاضية؟!
 
قال الشاعر:
يسر المرء ما ذهب الليالي
وإن ذهابهن له ذهابا
وقال آخر
إنا لنفرح بالأيام نقطعها
وكل يوم مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا
فإنما الربح والخسران في العمل

* ـ وقفة محاسبة:
والأصل فيها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]. وقوله: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) [الكهف:49].

فبهذه الآيات وأشباهها استدل أرباب البصائر على أن الله تعالى لهم بالمرصاد وأنهم سيناقشون الحساب ويطالبون بمثاقيل الذر من الخطرات واللحظات فتحققوا أنه لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة وصدق المراقبة ومطالبة النفس في أنفاسها وحركاتها ومحاسبتها من خطراتها ولحظاتها.

فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه وحضر عند السؤال جوابه وحسن منقلبه ومآبه ومن ترك لنفسه هواها وسعى لها في تحقيق مناها وتركها من غير مؤاخذة ولا محاسبة فوجئ بغدراته وخطيئاته وكثرة هناته وزلاته دامت حسراته وطالت في عرصات القيامة وقفاته وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته فثقل حسابه وساء مآله ومآبه فاللهم إنا نسألك حساباً يسيراً. فمن أراد أن يخف حسابه غدا بين يدي ربه فليحاسب نفسه في دنياه الآن.
أليس من الخسران أن لياليا
تمر بلا نفع وتحسب من عمري

فانظر أيها الحبيب في صحائف أيامك التي خلت ماذا ادخرت فيها لآخرتك واخل بنفسك وخاطبها: ماذا تكلم هذا اللسان وماذا رأت العين وماذا سمعت هذه الأذن وأين مشت هذه القدم وماذا بطشت هذه اليد وأنت مطلوب منك أن تأخذ بزمام نفسك وأن تحاسبها يقول ميمون بن مهران: “لا يكون العبد تقياً حتى يكون مع نفسه أشد محاسبة من الشريك مع شريكه”.

فهلموا بنا ونحن في نهاية سنتنا نتساءل عن عامنا كيف قضيناه وعن وقتنا فيه كيف أمضيناه وعن مالنا من أين اكتسبناه وفيما أنفقناه وننظر في كتاب أعمالنا لنرى ما فيه سطرناه فإن كان خيراً حمدنا الله وشكرناه وإن كانت الأخرى تبنا إليه واستغفرناه.
نسير إلى الآجال في كل لحظة
وأيامنا تطوي وهن مراحل
ولم أر مثل الموت حقا كأنه
إذا ما تخطته الأماني باطل
وما أقبح التفريط في زمن الصبا
فكيف به والشيب للرأس شاعل
ترحل من الدنيا بزاد من التقى
فعمرك أيام وهن قلائل

* كذلك وقفة توبة واستغفار.
اعلموا أيها الأحبة أن من ثوابت هذا الدين أن الأعمال بالخواتيم كما ثبت في أحاديث المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم: "وان أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" 
فيا من تمرّ عليه السنة بعد السنة وهو غارق في نوم الغفلة والسِنة يا من يأتي عليه العام بعد العام وقد لج في بحر الخطايا والأوهام قل لي بربك لأي يوم أخرت توبتك؟! متى يا أخي ستفيق؟ وحتام تستبين الطريق؟‍

ومن أصول الشرع استحباب الاستغفار وكثرة ذكر العزيز الغفار في أعقاب الطاعات والقربات. قال تعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ) [البقرة:198] 
(فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ) [البقرة:200]. (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ) [النساء:103].فاختتموا بالاستغفار والتوبة عامكم

أيها المسلمون: إن الليالي والأيام خزائن للأعمال ومراحل للأعمار تبلي الجديد وتقرب ال
ب

لمين
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله اكبر واقم الصلاة .

============================
ـــــــــــــــــــ🕋 زاد.الــخــطــيــب.tt 🕋ــــــــــــــــــ
منــبرالحـكـمــــــةوالمــوعـظــــةالحســـــنـة.tt
رابط القناة ع التليجرام👈 www.tg-me.com/ZADI2
للإشـتراك بمجموعات زاد الخطيب الدعـوي
رسل.اسمك.بالواتس.للرقم.730155153.tt

عيد أيام تمر وأعوام تتكرر وقد أقسم سبحانه بهذا الزمن الذي منحه للخلق أن الإنسان لفي خسر إلا من اتصف بأربعة: الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر يقول تبارك وتعالى: والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر .
هذه السورة العظيمة يقول عنها الإمام الشافعي: لو لم ينزل سورة إلا هذه لكفتهم.

قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفره إنه هو الغفور الرحيم


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشد وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شرك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

فاتقوا الله عباد الله!
واختموا عامكم بالتوبة والإنابة والمداومة على الأعمال الصالحة اختموا عامكم بالبر والتقوى واملئوا صحائف أعمالكم بالاستغفار والافتقار إلى الله الواحد القهار واحذروا المعاصي المهلكة فالربا والزنا واللواط والرشوة والكذب والبهتان من العظائم وأشد الجرائم

فلا يلهينَّكم عريض الأمَل عن صالح العمَل والتوبة إلى الله من أنواع الزَّلَل؛ فإنَّ لكلِّ شيءٍ حسيبًا وعلى كلِّ شيء رقيبًا ولكلِّ حسنة ثوابًا ولكلِّ سيئة عقابًا ولكلِّ أجلٍ كتابًا؛ فأعمالكم محصاة ولكلِّ عمل جزاء؛ فلن يُهمَل منها صغير لصغره ولا كبير لكبره في يوم يَحكُم الله - تعالى - فيه بين العِباد وقد خابَ وخَسِر مَن خرَج من رحمة الله التي وَسِعَتْ كلَّ شيء وحُرِم جنَّة عرضها السموات والأرض إذا عصى مَوْلاه وشقي بسوء ما قدَّمت يداه؛﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30].

ولا تغرنكم الحياة الدنيا فملكها زائل وكلٌ عنها راحل وتمسكوا بدينكم وعضوا عليه بالنواجذ فطوبى للمتمسكين وهنيئاً للملتزمين وويل للعاصين والمذنبين وخذوا من مرور الليالي والأيام عبراً ومن تصرم الشهور مدَّكراً ومن تعاقب الأعوام مزدجراً واستقبلوا عامكم الجديد بعزائم قوية وصدق نية وإيمان راسخ وراقبوا الله فيما تأتون وتذرون ولا تغفلوا عن الله والدار الآخرة واعملوا للجنة العلية فنعم العطية من رب البرية فهي دار المقامة حقاً { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } وتذكروا الموت وشدته والقبر وظلمته ويوم القيامة وحسرته فالموت آت لا محالة { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } فما أحوج الجميع وهم في نهاية العام إلى أن يقوموا ويتفكروا وينظروا فيما قدموا ويعتبروا بمن فارقوا من الأحباب والأصحاب وودعوهم للإلحاد في جوف التراب فلعل المحسن أن يزداد ولعل المسيء أن يرجع ويستجيب فإن الجميع مسئولون عما عملوا فليعدوا للسؤال جوابا وليكن الجواب صوابا.

فحافظ على وقتك وأدِّ حقه من الطاعة وإياك أن تضيع بن التفريط والإضاعة فإنه أيام وساعات وشهور وسنوات ودقائق ولحظات وبعده الموت وسكراته والقبر وعقاربه وحَيَّاته واليوم الطويل وشدته وحسراته والميزان وخفته والصراط ودقته وتقلباته ثم دار المأوى والمستقر إما جنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من النعيم الذي لا يخطر على قلب بشر وإما جحيم ولظى والهاوية وسقر لا تبقي ولا تذر.

ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على النبي المصطفى والرسول المجتبى والحبيب المرتضى كما أمركم بذلك المولى جلَّ وعَلا فقال تعالى قولاً كريماً : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين وأفضل الأنبياء والمرسلين نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله الأطهار وصحابته الأبرار والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين واخذل الطغاة والمفسدين وسائر أعداء الدين
اللهم من حضر هذه
🎤
خطبة.جيدة.بعنوان.cc
نـهـايـة العـام محـاسـبة وتوبــة
للشيــخ/ مــحــمــــــد الــجــــــــرافــــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمدُاللهِ القائلِ ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ) وأشهدُ إن لا إله إلا هو ( الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ . أفضَلَ من تَعَبّدَ للهِ وأنَابَ صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وأصحابِهِ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الحسابِ وسلمَ تسليماً كثيراً. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )

أمّـــــا بعـــــد عـــــباد اللـــــه :
مضى من عمُرِ الزّمنِ عامْ وجُمعَتَكم هذهِ هي آخِرُ جُمُعَةٍ في هذا العَامِ الهِجريِّ الذي يَستَعِدُّ للرحيل ألاَ فاعتبروا بِسُرعةِ مُرورِ الليَّالي والأيَّامِ وفَكِّروا في دُنياكُم _ وسُرعةِ زوالِها_ واستَعدُّوا للآخِرةِ وأهوالِها …

فكُلُّ عامٍ بل كُلُّ شهرٍ بل كُلُّ يومٍ يستهلُّهُ الإِنسانُ فأِنَّه يُدنِيهِ من أَجَلِهِ ويُقرِّبُهُ من آخِرَتِهِ .. وخيرُكم .. من طالَ عُمُرُهُ وحَسُنَ عَملُهُ .. وشَرُّكُم من طالَ عُمُرهُ وَسَاءَ عَملُهُ. فنحنُ ...........
نسِـيرُ إلى الآجـالِ في كُـلِّ لحظـَةٍ
وأيَّــامُنـا تُطـوى وهُـنَّ مَـراحِلُ
وَلم أرَ مِثـلَ المـوتِ حقـاً كأنَّـهُ
إِذا مـا تَـخطَّتـهُ الأمـاني بـاطِـلُ
ومـا أقبح التفريطَ في زمـنِ الصـّبا
فكيـفَ بـِهِ والشيـبُ للرأسِ شامِـلُ
تـَرحّلْ من الدُنيـا بـِزادٍ من التُقـى
فعُمرُكَ أيـّامٌ وهنَّ قـلائِــِلُ

عـــــباد اللـــــه :
إنّهَ ما بينَ أن يُثَابَ الإِنسان ُ على الطَّاعةِ والإِحسَانِ أو يُعَاقَبَ على الإِساءةِ والعِصيَانِ إلاّ أن يُقَال فُلانٌ قد مَاتَ يُطوى سجلُ هذا العامِ بعد أيّامٍ قلائل ويُختمُ عملُهُ ويبقَى شاهداً على الإنسانِ بِما أودعَهُ فيه والليلُ والنهارُ مستودعٌ للأعمالِ يقولُ جلَّ ذِكرهُ(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ)

عـــــباد اللـــــه :
أعوامٌ تمضي وأزمنةٌ تنقضي وفي ذلك آياتٌ لأولي الألبابِ لقد مضى من عمُرِ الزّمنِ عامٌ عامٌ كامِلٌ تقلّبتْ فيهِ أحوالٌ وَفَنَيتْ فِيهِ أعمارٌ وحياةُ الإنسانِ مراحلٌ والناسُ في الدُّنيا بين مُستعدِّ للرحيلِ وراحلٌ وكلُّ يومٍ , بلْ كُلُّ نَفَسِ يُدني من الأجلِ فالكيِّسُ من حاسَبَ نَفْسَهُ يومًا بِيَومٍ فما الناسُ إلاَّ حيٌّ أدركتُه منيِّتُهُ فَوُرِيَ بالتُّرَابِ أو صغيرٌ بلغَ سِنَّ الشَّباب أو شيخٌ امتدَّت به الْحَيَاةُ حتى شابَ ومن وراءِ الجميعِ نقاشٌ وحسابٌ فهنيئاً لمن أَحْسَنَ واستقامَ والويلُ لِمَنْ أساءَ وارتكبَ الآثامَ ويَتُوبُ الله على مَن تاب مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ يقول بعضِ السلفِ: "كيفَ يَفْرَحُ بمرورِ الأعوامِ مَن يومُهُ يَهدِمُ شهرَهُ وشهرُهُ يهدمُ سنتَهُ وسنتُهُ تهدِمُ عُمُرَهُ؟! كيفَ يفرحُ مَن يقودُهُ عُمرُهُ إلى أجلِهِ وحياتُهُ إلى موتِهِ" فمن أعظمُ منك خطَراً

عـــــباد اللـــــه:
هكذا في لَمْحِ البَصَرِ يُطوى تاريخُ عامٍ كاملٍ طالما عشنا فيه آمالاً وآلاماً وطالما كانت لنا فيه ذكرياتٌ وطموحاتٍ وفي توديعِ عامٍ واستقبالِ عامٍ جديدٍ ! فُرَصٌ للمتأمِّلين , وذكرَى للمُعتبرين يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ 
*ونحن نودع عاماً هجريًّا مضى من أعمارنا ونستقبل عاماً جديداً يلزم الإنسان منا أن يقف وقفة تساؤل وتأمل وتدبر تعقبها وقفة طويلة يحاسب فيها الإنسان نفسه عما اقترفه خلال عام كامل من عمره

*وقفة تأمل في سرعة انقضاء الحياة الدنيا وكأنها غمضة عين أو ومضة برق فيا عجبا لهذه الحياة كيف خدع بها الناس وغرهم طول الأمل فيها وهي كما قال الله فيها: (لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ) [الحديد:20] (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ) [الكهف:45].

وفي غفلة من الناس وعلى حين غرة يأتي الأجل وحينها يتنبهون من غفلتهم ليدركوا قيمة أوقات العمر ولكن هيهات فالجواب القرآني جاهز وصارم : ( ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون) 
هذه هي الدنيا التي يستغرق فيها كثير من الناس ويضيعون من
🎤
خطبــة.جمعــة.بعنـوان.cc
مصابيح الهدى - أبو بكر الصديق
للشيـــخ/ مـــحـــــمــــــــد حـــــــســـــــــــان
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

جميع الأمم تنظر إلى تاريخها
نظرة إكبار واعتزاز، وإن أحق الأمم بذلك أمة الإسلام، وكيف لا ورجالها هم الذين سطروا التاريخ بدمائهم، وسادوا الأمم بالعدل والدين والحق، وإن من رجالها وأبطالها أبو بكر الصديق السابق بالخيرات، والمبشر بالجنة، أعلم الصحابة وأفضلهم، قامع الردة وأهلها، جامع القرآن.. إنه رجل كاد أن يطأ الثريا وأن يعانق الجوزاء، إنه صاحب السيرة العطرة والأيام المشرقة رضي الله عنه وأرضاه.


الخطبـــة.الاولـــى.cc
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين .

أمـــا بـــعـــــــــد:
فمرحباً بكم أحبتي في الله!
وأسأل الله جل وعلا أن ينضّر هذه الوجوه المشرقة الطيبة، وأن يزكي هذه الأنفس، وأن يشرح هذه الصدور، وأن يتقبل منا وإياكم صالح الأعمال، وأن يجمعنا وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد النبيين في جنته ورحمته، إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.

أحبتي في الله! إن كل أمة من الأمم تعتز بتاريخها وتفخر ببطولات رجالها وأبنائها، وإن أحق أمم الأرض بذلك الاعتزاز والفخار هي الأمة الإسلامية فهي تستحقه بجدارة واقتدار، بل وبشهادة العزيز الغفار، كما في قوله سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، فليست هذه الخيرية لهذه الأمة ذاتية ولا عرقية ولا قومية ولكن خيرية هذه الأمة مستمدة من رسالتها التي من أجلها أخرجت للناس.

الأمة الإسلامية هي الأمة التي أنجبت على طول تاريخها رجالاً وأبطالاً وأطهاراً وأفذاذاً، سيقف التاريخ إلى ما شاء الله جل وعلا أمام سيرتهم وقفة إعزاز وإعظام، وإجلال وإكبار. ومن الصعب أن نحصر عدد هؤلاء الأبطال وهؤلاء الأطهار، لأنهم عمر الزمن ونبض الحياة، ومن المحال أن نعد أنفاس الزمن وأن نقدر نبض الحياة، وليس من الصعوبة أن نقطف زهرة في وسط صحراء مقفرة، ولكن من الصعب أن نقطف زهرة في وسط حديقة غناء تضم كل أنواع الزهور، وتحوي كل أنواع الرياحين، وتضم كل أصناف العطر والطيب والعبير.

لذا فإني أرجو من الإخوة أن يعذروني إذا لم تضم باقتي التي سأجمعها كل أنواع الورود، وجميع أنواع الرياحين المطلوبة، وكل أنواع العطور المحبوبة والمرغوبة؛ لأنه -كما ذكرت آنفاً- من الصعوبة بمكان أن نقطف زهرة بنوعية معينة ترضى عنها جميع الرغبات في وسط هذه الحديقة الغناء الفيحاء. وأنا لا أقدم هذه السيرة مع هذه السلسلة الجديدة التي أعلنا عنها في اللقاء الماضي بعنوان: (أئمة الهدى ومصابيح الدجى)

لا أقدم هذه السيرة وهذه السلسلة الجديدة لمجرد أنها قصص تحكى على المنبر، ولا لمجرد سرد التاريخ والأحداث والسير، وإنما أقدم هذه السير للعظة والعبرة من ناحية، ولتربية الجيل على سير هؤلاء الأبطال الأطهار من ناحية أخرى خاصة في ظل هذه الأزمة الفكرية التي سيطرت على العقول طيلة هذه السنوات الماضية، والتي سميتها آنفاً في خطب الخواطر: (الدعوة في أزمة الوعي)، وها هو هذا الجيل المبارك -بفضل الله جل وعلا- ينتقل من أزمة الوعي إلى وعي الأزمة.

فضائل أبي بكر الصديق
أيها الأحبة! تعالوا بنا لنستهل هذه الباقة ، ولنبدأ هذه السلسلة، سلسلة أئمة الهدى ومصابيح الدجى بهذا الرجل الذي عاين طائر الفاقة يحوم حول حب الإيثار، فألقى له حب الحب على روض الرضا، واستلقى على فراش الفقر آمناً مطمئناً، فرفع الطائر الحب إلى حوصلة المضاعفة، وتركه هنالك يغرد لهذا الرجل العظيم بأغلى وأعلى فنون المدح، وهو يتلو في حبه قول ربه وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى [الليل:17-21].

إنه الرجل الذي لم يتلعثم ولم يتردد لحظة من لحظات حياته في إسلامه وإيمانه بالله جل وعلا وبرسوله صلى الله عليه وسلم، إنه الرجل الذي كان شعاره إذا تأزمت الأمور وتشككت الصدور: إن كان محمد صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك فقد صدق، ولذا فقد استحق هذا الرجل بجدارة أن يسمى صديق هذه الأمة إنه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه! إنه أحب الرجال إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الذي رواه البخاري من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة قلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: عمر).

إنه أحب الرجال إلى قلب أستاذ
ه ومعلمه محمد صلى الله عليه وسلم!! ولم لا يكون أبو بكر أحب الرجال إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أول رجل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: صدقت، يوم أن قال له الناس في مكة: كذبت؟! وهو الرجل الذي قدم ماله وعمره وحياته ونفسه وروحه لله جل وعلا ولأستاذه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد كان له عندنا يد إلا كافأناه بها إلا الصديق فإنا لم نستطع مكافأته فتركنا مكافأته لله عز وجل).

الله أكبر! أي طراز من الناس كان هذا الرجل؟! أي صنف من الناس كان هذا الرجل العظيم العجيب؟! (ما منكم من أحد كان له عندنا يد إلا الصديق فإن له عندنا يداً يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر ، ولو كنت متخذاً من العباد خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن صاحبكم خليل الله) والحديث رواه الترمذي وغيره واللفظ للترمذي والحديث حسن بشواهده.

أبو بكر من أهل الجنة
إن أبا بكر رجل عجيب، رجل عظيم، ووالله لو وقف أهل البلاغة وأهل البيان ليتكلموا عن صديق هذه الأمة، ما زادوا في قدره، ولا رفعوا منزلته ولا مكانته بل ازداد قدرهم، ورفعت منزلتهم، وعلا شأنهم بحديثهم عن الصديق..

هذا الرجل الذي بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وهو يمشي في هذه الدنيا! إنها بشارة عجيبة لو تدبرتها العقول ووعتها القلوب! رجل من خلق الله يبشر بجنة الله من رسول الله وهو في الدنيا! بل ويبشره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سينادى عليه يوم القيامة من كل أبواب الجنة، ففي الحديث الذي رواه البخاري من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله يدعى يوم القيامة من أبواب الجنة: يا عبد الله! هذا خير، فإن كان من أهل الصلاة يدعى من باب الصلاة، وإن كان من أهل الجهاد يدعى من باب الجهاد، وإن كان من أهل الصدقة يدعى من باب الصدقة، وإن كان من أهل الصيام يدعى من باب الصيام أو باب الريان، فقال أبو بكر الرجل الطموح في الخير العظيم: يا رسول الله! وهل هناك أحد يدعى من هذه الأبواب كلها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر)، وفي رواية ابن حبان من حديث ابن عباس قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أجل وأنت هو يا أبا بكر) رجل يدعى من أبواب الجنة كلها، أي صنف هذا؟! أي طراز من الناس كان هذا الرجل رضي الله عنه وأرضاه؟!

مسارعة أبي بكر إلى الخيرات
أيها الأحبة! ورد في صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: من منكم اليوم أصبح صائماً؟ فقال أبو بكر : أنا يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من منكم اليوم أطعم مسكيناً؟ فقال أبو بكر : أنا يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من منكم اليوم اتبع جنازة؟ فقال أبو بكر : أنا يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من منكم اليوم عاد مريضاً؟ فقال أبو بكر : أنا يا رسول الله، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعت في امرئ إلا دخل الجنة). الله أكبر! ماذا أقول عن أبي بكر ؟! ومن أي المواطن والمواقف أبدأ؟! أيها الأحبة! لست مؤرخاً ولا قاصاً ولا حاكياً، إنما سنتوقف عند بعض المواقف لنستلهم الدروس والعظات والعبر من ماضينا المشرق لحاضرنا ومستقبلنا الزاهر المجيد، الذي حاول أعداء ديننا مراراً وتكراراً أن يفصلوا بيننا وبين هذا الماضي المجيد، وأن يضعوا السدود بيننا وبينه حتى لا نرفع رءوسنا خفاقة عالية لتناطح كواكب الجوزاء في عنان وكبد السماء.

أبو بكر أعلم الناس
أيها الأحباب! هذا هو تاريخنا، وهؤلاء هم أجدادنا وأبطالنا، هذا هو أبو بكر رضي الله عنه، ذلكم الرجل الذي وقف موقفاً عجيباً رهيباً يوم أن قام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر في مرضه الأخير قبل الموت وقال -كما ورد في حديث أبي سعيد الذي رواه البخاري ومسلم - : (أيها الناس! إن عبداً من عباد الله خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله، فبكى الصديق رضي الله عنه، وقال: فديناك بآبائنا يا رسول الله! فديناك بأمهاتنا يا رسول الله! فديناك بأنفسنا يا رسول الله!)، فضج الناس في المسجد عجباً لهذا الشيخ، الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر عن عبد خيره الله بين الدنيا والآخرة فاختار ما عند الله فما الذي يقوله ويفعله أبو بكر رضي الله عنه؟! ولكن الصديق علم أن العبد المخير هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففداه بنفسه وأبيه وأمه، فداه بماله وبكل شيء. يقول أبو سعيد : فكان أبو بكر أعلمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي يوم الإثنين كشف عليه الصلاة والسلام الستر من حجرة عائشة رضي الله عنها ونظر إلى المسجد فرآهم وهم يصلون وراء إمامهم الصديق رضي الله عنه، وكاد الناس أن يفتنون في الصلاة، وسمع الصديق صوتاً وجلبة -وكان لا يلتفت في الصلاة أبداً- فعلم أن هذا الصوت لا يكون إلا لخروج النبي صلى الله عليه وسلم، فكاد الصديق أن يخلي مكا
ن

إمام الأئمة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أشار إليهم أن اثبتوا، ودخل الحبيب إلى غرفة عائشة وكان ملك الموت في انتظاره، فإن الأجل قد حان، والعمر انتهى كما حدده الله جل وعلا.

ثبات أبي بكر عند موت
رسول الله صلى الله عليه وسلم
تقول عائشة رضي الله عنها كما في صحيح البخاري : (مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري فرأيته قد رفع أصبعه وهو يقول: بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، تقول: فعلمت أنه يخير، وأنه لا يختارنا)، وفي رواية أخرى في صحيح البخاري من طريق الزهري عن عروة أنها قالت: (فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى، تقول: وسقطت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمت أنه قد مات). فخرجت عائشة تصرخ، فلقيها فاروق هذه الأمة عمر وصرخ عمر : رسول الله ما مات، ورفع السيف وقال: والله لأعلون بسيفي هذا كل من زعم أن رسول الله قد مات، وإنما ذهب إلى لقاء ربه عز وجل كما ذهب موسى بن عمران وليرجعن ليقطعن أيدي وأرجل المنافقين، وخرس لسان عثمان وأقعد علي .

هذا حال هؤلاء الأطهار! حال هؤلاء الأخيار الأبرار، فما ظنكم بمن دونهم؟! وثبت الله يومها صديق الأمة وعاد أبو بكر من بيته في السنح ورأى هذه الجموع الملتهبة المتأججة الصارخة الباكية فلم يلتفت إلى شيء، ويمم وجهه صوب غرفة عائشة ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى حبيبه المصطفى مسجى وقد غطي وجهه الأنور، فجلس على ركبتيه بين يدي أستاذه وحبيبه رسول الله وبكى وقبله بين عينيه، وقال: طبت حياً وميتاً يا رسول الله، أما الموتة التي قد كتبها الله عليك فقد ذقتها ولا ألم عليك بعد اليوم، وقال كما في الحديث الذي حسنه شيخنا الألباني في مختصر الشمائل (وانبياه واصفياه واخليلاه) وترك الصديق وأودع قبلة حانية رقيقة على جبين أستاذه وحبيبه وإمامه ونبيه وخرج إلى هذه الجموع المتأججة الملتهبة فقال: على رسلك يا عمر ! اسكت يا عمر ! أيها الناس! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144].

يقول عمر: فلما سمعتها وعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات عقرت -أي: وقع على الأرض- وثبت الله الصديق رضي الله عنه أي ثبات هذا؟! وأي فصاحة وبلاغة هذه؟! من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات.

سبحانك يا من وهبت هذا اليقين وهذا الثبات لهذا الرجل العظيم الكبير!! يقول ابن مسعود : كدنا أن نقوم مقاماً بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهلك فيه لولا أن من الله علينا بـ أبي بكر. نعم فرسول الله قد مات والدعوة أبقى من الداعية، والدين أبقى من صاحبه الذي جاء به للناس لا ليظل معهم عليه، وإنما جاء ليربط الناس بهذه العروة الوثقى، ثم ليمض إلى ربه وهم عليها من غير تبديل ولا تحريف ولا تعطيل. مضى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه، فلتبق الدعوة وليبق الإسلام وليبق الدين، ويا راية الله رفرفي ويا خيل الله اركبي، ويا أبناء رسول الله قوموا! لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسرت كلمات الصديق في قلوبهم وعروقهم سريان الدماء في العروق وسريان الماء في شقوق الأرض المتعطشة للماء، قاموا وعاد إليهم رشدهم.

موقف أبي بكر في سقيفة بني ساعدة
أيها الأحباب! ما لبث هذا الأمر أن حدث وذهب الأنصار رضي الله عنهم إلى سقيفة بني ساعدة؛ ليختاروا خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع عمر بن الخطاب الخبر فذهب إلى أبي بكر وأخذه وأخذ أبا عبيدة وأسرعوا رضي الله عنهم جميعاً إلى السقيفة إلى إخوانهم من الأنصار. يقول عمر : وكنت قد زورت -أي: أعددت- مقالة جميلة لأتحدث بها بين يدي هؤلاء، إلا أن الصديق قد استأذن عمر بن الخطاب ، وكان الصديق أول من تكلم فأثنى على الأنصار خيراً وأثنى على المهاجرين، وقال هم أحق الناس بالخلافة من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقام الحباب بن المنذر وقال: منا أمير ومنكم أمير وكاد الشيطان -والعياذ بالله- أن يلعب لعبته ولكن أنى لهذه القلوب التي رباها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أن تتمزق وأن تتشتت! وبعدها قام الصحابي الجليل المبارك بشير بن سعد أبو الصحابي الجليل النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قام وقال مقالة وقعت كحبات الندى على القلوب، قام بشير بن سعد رضي الله عنه وقال: يا معشر الأنصار! والله لئن كان لنا فضل في جهاد المشركين، وسبق في هذا الدين، فإنه لا ينبغي أن نستطيل بهذا على الناس، وأن نبتغي به عرضاً، فنحن ما أردنا بذلك إلا رضا ربنا وطاعة نبينا صلى الله عليه وسلم، ووالله إن رسول الله من قريش وقومه أحق به، وايم الله لا يراني الله أنازع القوم في هذا
الأ

مر أبداً، فاتقوا الله يا معشر الأنصار ولا تخالفوا المهاجرين ولا تنازعوهم. فالتقط الصديق هذه الكلمات النيرة الندية الرخية المؤمنة التقية، ورفع يد عمر ويد أبي عبيدة بن الجراح وقال: أيها الناس! هذا عمر بن الخطاب الذي أعز الله به الإسلام، وهذا أبو عبيدة الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم إنه أمين هذه الأمة، لقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فقال أبو عبيدة وعمر نتقدمك؟ لا والله، والله لا نقدم على هذا الأمر أحداً دونك يا أبا بكر .

إنه التجرد لله جل وعلا! إنه الصفاء والإخلاص! إن جلال هذا الموقف أبلغ من كل مقال، وأبلغ من كل كلام، بل ويصرخ عمر ! ويبكي أبو عبيدة ! ويقول عمر : والله لئن أقدم فيضرب عنقي في غير إثم أحب إلي أن أؤمر على قوم فيهم أبو بكر رضي الله عنه. ويبكي أبو عبيدة ويقول: أنت أفضل المهاجرين، وأنت ثاني اثنين إذ هما في الغار، وأنت خليفة رسول الله في الصلاة وهي أعظم ديننا، أيرضاك رسول الله لديننا ولا نرضاك لدنيانا؟! ابسط يدك يا أبا بكر ابسط يدك فبسط الصديق يده، فقام الصحابي الجليل بشير بن سعد وكان أول من بايع كما في أصح الروايات، وبايعه عمر وأبو عبيدة، وازدحم الأنصار رضي الله عنهم ليبايعوا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما أن غربت شمس هذا اليوم إلا وقد غربت بكل جزئية من جزئيات الخلاف، والتأم الصف ورئب الصدع على يد ابن الإسلام المبارك التقي النقي.. على يد أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وخمدت نار الفتنة في مهدها، وكان يوماً عظيماً على الإسلام. أيها الأحباب! لقد من الله على الإسلام في هذا اليوم بـ أبي بكر ! حتى ظننت -وأنا أقرأ هذا المشهد من أكثر من مرجع- أن الله جل وعلا قد اختار لهذا اليوم أبا بكر بالذات، وبدأ الصديق رضي الله عنه يعلن سياسته العامة للدولة.

خطبة أبي بكر بعد توليه الخلافة
أيها الأحباب! في اليوم الثاني كما روى ذلك ابن إسحاق بسند صحيح وقف الصديق على المنبر ليعلن سياسة دولته العامة ودستور الإسلام الخالد.

قال: أيها الناس! لقد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، وما ترك قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله؛ فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم... قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله. أي عظمة هذه؟! أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].

توفيق الله لأبي بكر في إنفاذ جيش أسامة
وبدأ الصديق رضي الله عنه أول أعماله الكبيرة العظيمة بإنفاذ بعث وجيش أسامة رضي الله عنه وأرضاه.

هذا الجيش الذي كان على حدود المدينة المنورة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإرساله لمناطحة العدو في الحدود الشمالية للدولة الإسلامية، على حدود الروم، ولتأديب قبائل قضاعة التي انحازت إلى الروم في غزوة مؤتة. أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم هذا الجيش لتأديبهم واختار لهذا الجيش أسامة الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره! وأمر الصديق بأن ينفذ جيش أسامة ، ولم يتجاوز الجيش حدود المدينة المنورة إلا وقد أطلت فتنة برأسها كادت أن تدمر الأخضر واليابس لولا أن من الله على الإسلام -كما قال ابن مسعود - بـ أبي بكر رضي الله عنه.

بدأت فتنة أهل الردة والمرتدين، فمنهم من ارتد عن الإسلام بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم لم يدخلوا في الإسلام إلا مداهنة وتقية، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم ارتدوا عن الإسلام ومنعوا الزكاة، وقالوا: كنا نؤديها لرسول الله، فلن نؤديها لأحد بعده، فقال الصديق قولته الخالدة: والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه.

ويومها ذهب الفاروق عمر ليناقش الصديق في هذه الفتوى ويقول: يا خليفة رسول الله! أتقاتل قوماً شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟! ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: من قالها عصم مني دمه وماله؟! ولكن الصديق كان أفهم الصحابة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم يا عمر ! إلا بحقها والزكاة من حقها؟ والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة. يقول عمر فما لبث أن شرح الله صدري لما رأى أبو بكر رضي الله عنه.

ولما أطلت هذه الفتنة برأسها رأى بعض الصحابة وعلى رأسهم عمر وأسامة بن زيد قائد الجيش: أن في إرسال جيش أسامة مخاطرة رهيبة؛ لأن المدينة نفسها مهددة بالغزو من المرتدين،
ه لعمر

أيها الأحباب! ونام الصديق بعد هذا التاريخ الحافل على فراش الموت ليسلم روحه إلى الله جل وعلا، ولكنه أضفى على الأمة وعلى الإسلام بركة أخرى لا يمكن أبداً أن ينتهي اللقاء إلا ونشير إليها إشارة، فلقد استدعى عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقال: يا عثمان! اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وفي أول عهده بالآخرة داخلاًً فيها: أني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ، فأطيعوا له واسمعوا، ثم قال: فإن عدل فهذا علمي به وظني فيه، وإن بدل وغير فإن لكل امرئ ما اكتسب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والسلام عليكم ورحمة الله.

وأمر عثمان أن يخرج ليقرأ الكتاب على المسلمين، فقام المسلمون جميعاً وبايعوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وما فعل ذلك الصديق إلا خشية من أن تحدث فتنة شديدة على الإسلام والمسلمين، ثم استدعى عمر فوصاه وصية جميلة رقيقة لا يتسع المقام والمجال لذكرها، ثم رفع الصديق يده ودعا الله لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال له: اللهم أصلحه وأصلح له الرعية.

وبعد أيام قليلة دخل ملك الموت مرة أخرى؛ لينزع أطهر روح وأشرف روح بعد روح المصطفى صلى الله عليه وسلم، ليقبض أبا بكر رضي الله عنه، ولما اشتد به الوجع دخلت عليه الصديقة عائشة رضي الله عنها تقول: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر فكشف الصديق الغطاء عن وجهه، وقال: لا تقولي هذا يا ابنتي وإنما قولي: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19] .

رضي الله عن أبي بكر وأرضاه وجمعنا الله جل وعلا به مع أستاذه ونبيه في جنة الله ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير . اللهم اجز عنا أبا بكر خير ما جازيت مصلحاً أو صالحاً! اللهم اجز أبا بكر عن الإسلام خير الجزاء! اللهم اجمعنا به في دار كرامتك ومستقر رحمتك! اللهم صل وسلم وبارك على من علمه ورباه وخرجه وأنجبه لهذا الدين!

اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وأصحابه وزوجاته وأتباعه وأطهاره وأخياره الذين اتبعوه بإحسان إلى يوم الدين! اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين. اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، وقيض لأمة التوحيد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

اللهم وفق حكام المسلمين إلى العودة لكتابك، وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، أنت ولي ذلك ومولاه! وأكثروا من الصلاة والسلام على حبيبنا ونبينا محمد، فإن الله جل وعلا قد أمركم بذلك في محكم كتابه، فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]

اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أحبتي في الله! هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.
2024/09/24 23:25:56
Back to Top
HTML Embed Code: