Telegram Web Link
عَ

يْناه؛
عباد الله ذكر الله علاج لكل مشاكلنا والأمَّة الإسلاميَّة تُحاط من جميع الجِهات  وتُواجِه كلَّ يوم عقبات .

تكالَبتْ عليها الأُمَم كما تتَكالَب الأكَلَة إلى قَصعَتها ليس من شيءٍ إلاَّ لبُعدِها عن ذكر الله وحبها للدنيا وكراهيتها للموت؛ لذلك يجب أنْ تستَفِيد من صلاتها وصيامها وزكاتها وحجِّها فتُداوِم على ذكر ربها ولن تعود لسابق عهدِها إلا بذلك ولن تعود إلى كامل مَجدِها إلاَّ بهذا ولن تنتَصِر على أعدائها إلاَّ بذكر الله وصدَق الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45].

قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفره إنه هو الغفور الرحيم


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشد وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شرك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

أمـــا بعـــد: فاتقوا الله عباد الله
حق التقوى فعندما يَتفاخَر الناس بالأنساب ويتنابَذُوا بالألقاب ويَتذاكَروا بالأحساب فإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يُوجِّههم إلى غير ذلك وهذا ما حدَث في أعقاب فريضة الحج عندما فرَغ الناس من أعمال الحج تَفاخَروا بأنسابهم وألقابهم؛ هذا يقول: أنا ابن فلان وهذا يقول: أنا من قبيلة فلان وهذا يقول: عشيرتي فلان وهذا ما يمقتُه الدِّين ويبغَضُه الإيمان يجب أنْ يَتفاخَر الناس بإسلامهم ويَتذاكَرُوا بعقيدتهم رَحِم الله من قال:

أَبِي الإِسْلاَمُ لاَ أَبَ لِي سِوَاهُ  إِذَا افْتَخَرُوا بِقَيْسٍ أَوْ تَمِيمِ 
وصدَق الله العظيم: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33]

والعبد الذاكر لربِّه المسبِّح بحمده المتوجِّه إليه المتوكِّل عليه - يكون عند ربِّه مذكورًا ويكون سعيُه مشكورًا ويكون عملُه مبرورًا وكلَّما زاد في ذِكرِه زاد الله في أجره وشدَّ من أزره وكان إليه بكلِّ خيرٍ أسرع
حدير وذكر الله:
قصَّة رَواها عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - وأورَدَها ابن الجوزي في كتابه "صفة الصفوة"(1/743) .

بعَث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - جيشًا فيهم حدير فزوَّدَهم بما تيسَّر من الطعام ونسي - بقدَر الله - حديرًا الذي ظلَّ صامتًا ولم يذكر بنفسه وكان هناك شحٌّ في الزاد بسبب الجفاف وتحرَّك الجيشُ وفي أطرافه الخلفيَّة يسير حدير صابرًا محتسبًا وقد شغَل نفسه بذكر الله - عزَّ وجلَّ - مُهلِّلاً مُكبِّرًا حامدًا مُسبِّحًا يقول: "لا إله إلاَّ الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله" وكلَّما ردَّدها قال: نعم الزاد هو يا ربِّ أجل نعم الزاد هو وبينما الرَّكب يسير وحدير مستغرق في ذكر الله إذ بجبريل - عليه السلام - يهبط ليقول للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: إنَّ ربي أرسلني إليك يُخبِرك أنَّك زوَّدت أصحابَك ونسيت أنْ تُزوِّد حديرًا وهو في آخر الرَّكب يقول: "لا إله إلاَّ الله والله أكبر... إلخ" فابعَث إليه بزادٍ فدعا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلاً فدفع إليه زاد حدير وأمَرَه إذا انتهى إليه أنْ يحفظ ما يقول وإذا أعطاه الزاد أنْ يحفظ كذلك ما يقول وأوصاه بأنْ يقول له: إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُقرِئك السلام ويُخبِرك أنَّه كان نسي أنْ يُزوِّدك وإنَّ ربِّي - تبارك وتعالى - أرسل إلى جبريل يُذكِّرني بك فذكَّره جبريل وأعلَمَه مكانك هبَّ الرجل وانتَهَى إليه وهو يقول: لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله ويقول: نعم الزاد هذا يا رب فدنا منه ثم بلَّغَه مقالة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسلامه ودفَع إليه الزاد فحمد الله قائلاً: الحمد لله رب العالمين ذكرني ربِّي من فوق سبع سموات ومن فوق عرشه ورحم جوعي وضعفي! يا رب كما لم تنسَ حديرًا فاجعَل حديرًا لا يَنساك فحفظ الرجل ما قال حدير ورجَع إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأخبَرَه بما سمع منه حين أتاه وبما قال حين أخبره فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أمَا إنَّك لو رفعت رأسَك إلى السماء لرأيتَ لكلامه ذلك نورًا ساطِعًا ما بين السماء والأرض حدير ذكَرَه ابن حجر في "الإصابة" وابن الأثير في "أسد الغابة" وابن عبدالبر في "الاستيعاب" وفي "البداية والنهاية".

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم، كما أمركم بذلك ربكم (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)
اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارض اللهم عن صحابةِ رسولِك أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم لا تدع لنا في هذا الم
قام

ذنبا إلا غفرته ولا دينا إلا قضيته ولا مريضا إلا شفيته ولا حاجة من حوائج الدنيا الا سهلتها وقضيتها يارب العالمين

الله من حضر هذه الجمعة فاغفر له ولوالديه وافتح لسماع الموعظة قلبه وأذنيه
اللهم احفظ بلادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم من أراد ببلادنا خيرا فوفقه الى كل خير ومن أراد ببلادنا شرا فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره في تدميره واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين
اللهم لا ترفع له راية ولا تحقق له في وطننا الحبيب غاية واجعله لمن خلفه عبرة وآية
اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظ بلادنا واقض ديوننا واشف أمراضنا وعافنا واعف عنا وأكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤاثر علينا وارحم موتانا واغفر لنا ولوالدينا وأصلح أحوالنا وأحسن ختامنا يارب العالمين
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله اكبر واقم الصلاة .
🎤
خطبــة.جمعــة.بعنــوان.cc
حــقيــقـة قـصـــة غـــديــــر خــم
للشيــخ/ مـحــمــــد بن عـلــي المـطـــري
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

غَديرُ خُم هو:
موضع بين مكة والمدينة، وهو واد عند الجحفة به غدير، يقع شرق رابغ بما يقرب من (26) كيلاً ، وخم اسم رجل صباغ نسب إليه الغدير، والغدير هو: مستنقع من ماء المطر.

وسبب القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن ليخمّس الغنائم ويقبض الخُمس، فلما خمّس الغنائم، كانت في الغنائم امرأة هي أفضل ما في السبي، فصارت في الخُمس، ثم إن علياً خرج ورأسه مغطى وقد اغتسل من الجنابة، فسألوه عن ذلك، فأخبرهم أن الوصيفة التي كانت في السبي صارت له فتسرَّى بها، فكره البعض ذلك منه، وقدم بريدة بن الحصيب رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما فعله علي مع الوصيفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟» فَقال: نَعَمْ، قَالَ: «لاَ تُبْغِضْهُ فَإِنَّ لَهُ فِي الخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ». رواه البخاري في صحيحه (4350).

فلما كانت حجة الوداع، رجع علي من اليمن ليدرك الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم، وساق معه الهدي، كما رواه مسلم في صحيحه برقم (1281).

قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال: لما أقبل علي رضي الله عنه من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، تعجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي رضي الله عنه، فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم، فإذا عليهم الحلل، قال: ويلك! ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس، قال: ويلك! انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فانتزع الحلل من الناس، فردها في البز، قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم. ذكره ابن هشام في السيرة (2/603).

وروى البيهقي في دلائل النبوة (5/398) وصححه ابن كثير في البداية والنهاية (5/106) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن، فكنت ممن خرج معه فلما أخذ من إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا، فكنا قد رأينا في إبلنا خللا، فأبى علينا، وقال: إنما لكم منها سهم كما للمسلمين. قال: فلما فرغ علي، وانطلق من اليمن راجعا أمَّر علينا إنسانا وأسرع هو فأدرك الحج، فلما قضى حجته قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم، قال أبو سعيد: وقد كنا سألنا الذي أستخلفه ما كان علي منعنا إياه نفعل، فلما جاء عرف في إبل الصدقة أن قد ركبت، رأى أثر المركب، فذم الذي أمره ولامه، قال: فذكرت لرسول الله ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق، حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، ثم قال: مه، بعض قولك لأخيك علي، فو الله لقد علمت أنه أخشن في سبيل الله، قال: فقلت في نفسي: لا جرم والله لا أذكره بسوء أبدا سرا ولا علانية.

وإذا عرف سبب القصة ظهرت الحقيقة واضحة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل علياً رضي الله عنه إلى اليمن قبل خروجه من المدينة لحجة الوداع، وفي سفره هذا حصلت ثلاثة أمور وجد أصحاب علي في أنفسهم عليه بسببها، وهي ما يلي:
1) غنم المسلمون غنيمة وفيها جارية جميلة، ولما قسم علي الغنيمة وقعت الجارية في سهمه فتسرى بها، فأنكر عليه أصحابه.

2) ذهب علي رضي الله عنه إلى الحج واستخلف على أصحابه رجلاً، وعمد ذلك الرجل وكسا كل واحد من أصحابه حلة من الثياب التي كانت مع علي، ولما دنا الجيش من مكة وخرج علي ليلقاهم فإذا عليهم حلل فغضب عليهم وانتزعها منهم فأظهر الجيش شكواه.

3) عندما رأى أصحاب علي رضي الله عنه أن في إبلهم ضعفاً طلبوا منه أن يركبوا إبل الصدقة ويريحوا إبلهم، فأبى ذلك، ولما ذهب علي للحج أعطاهم ذلك من استخلفه عليهم، وعندما لقيهم علي رضي الله عنه لام خليفته على تركه الجيش يركب إبل الصدقة، فعدوا ذلك غلظة من علي وتضييقاً عليهم.

فبسبب هذه الأمور الثلاثة كثر القيل والقال بين أهل المدينة في علي رضي الله عنه، ولم يرد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبرئ ساحة علي رضي الله عنه أثناء موسم الحج؛ لأن الحادثة تخص الصحابة الكرام الذين هم من أهل المدينة، وبعد فراغه صلى الله عليه وسلم من الحج، وأثناء عودته إلى المدينة، قام في الناس خطيباً في ذلك المكان الذي يدعى غدير خم، فبرأ ساحة علي رضي الله عنه، ورفع من قدره، ونبه على فضله، ونوه بشأنه؛ ليزيل ما وقر في نفوس الصحابة الذين كانوا معه في اليمن، ولو أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغ المسلمين بالوصية لعلي، لفعل ذلك في أثناء الحج وفي يوم عرفة والناس مجتمعون ولم يؤجله إلى بعد الحج.

وقد اتفق المحدثون والمؤرخون أن هذه الخطبة كانت في غدير خُم أثنا
ء عودة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، ومما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة: «من كنت مولاه فعلي مولاه» وهو حديث متواتر رواه أحمد بن حنبل في المسند (641) عن عدة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ورواه الترمذي (3713) وابن ماجه (121) وغيرهم بأسانيد صحيحة.

وعن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: جمع علي رضي الله عنه الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم ما سمع، لما قام فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذه بيده، فقال للناس: " أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قالوا: نعم يا رسول الله، قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه" رواه الإمام أحمد في مسنده (19302) والنسائي في السنن الكبرى (8424) وابن حبان في صحيحه (6931)، وهو حديث صحيح له أسانيد كثيرة جمعها المحدث الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1750).

وفي صحيح الإمام مسلم (2408) عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خُما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: "أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به" فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي».

ومعنى قوله: " أذكركم الله في أهل بيتي " أي في الوصية بهم واحترامهم، وعدم ظلمهم وترك بغضهم، وكرره ثلاثا للتأكيد، قال العلامة علي القاري في مرقاة المفاتيح (9/ 3967): " المعنى أنبهكم حق الله في محافظتهم ومراعاتهم واحترامهم وإكرامهم ومحبتهم ومودتهم، وقال الطيبي: أي: أحذركم الله في شأن أهل بيتي وأقول لكم: اتقوا الله ولا تؤذوهم واحفظوهم ".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (4/84-85):" ليس في حديث الغدير ما يدل على أنه نص على خلافة علي، إذ لم يرد به الخلافة أصلاً، وليس في اللفظ ما يدل عليه، ولو كان المراد به الخلافة لوجب أن يبلغ مثل هذا الأمر العظيم بلاغاً بيناً ".

وقال أبو نعيم الأصبهاني في تثبيت الإمامة ص 55: "هذه فضيلة بينة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعناه: من كان النبي صلى الله عليه وسلم مولاه فعلي والمؤمنون مواليه، دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 71]، وقال: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [الأنفال: 73]. والولي والمولى في كلام العرب واحد، والدليل عليه قوله تبارك وتعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾ [محمد: 11] أي لا ولي لهم، وقال: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التحريم: 4]، وقال الله: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [البقرة: 257]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [المائدة: 56].

وقال البيهقي في الاعتقاد ص 354: "وأما حديث الموالاة فليس فيه نص على ولاية علي بعده، فمقصود النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك هو أنه لما بعثه إلى اليمن وكثرت الشكاة منه وأظهروا بغضه؛ أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر اختصاصه به ومحبته إياه، ويحثهم بذلك على محبته وموالاته وترك معاداته، فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) والمراد به ولاء الإسلام ومودته، وعلى المسلمين أن يوالي بعضهم بعضاً لا يعادي بعضهم بعضاً، وهو في معنى ما ثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إليّ أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق )". انتهى مختصرا.

وقال المؤرخ الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (7/225): " وأما ما يفتريه كثير من جهلة الشيعة أنه أوصى إلى علي بالخلافة فكذب وبهت وافتراء عظيم، يلزم منه خطأ كبير من تخوين الصحابة وممالأتهم بعده على ترك تنفيذ وصيته وإيصالها إلى من أوصى إليه، وصرفهم إياها إلى غيره لا لمعنى ولا لسبب".

وقال إحسان إلهي ظهير في كتابه السنة والشيعة ص27: "عقيدة الوصاية والولاية لم يأت بها القرآن ولا السنة الصحيحة الثابتة، بل اختلقها اليهود من وصاية يوشع بن نون لموسى، ونشروها بين المسلمين باسم وصاية علي كذبا وزورا وبهتانا؛ كي يتمكنوا من زرع بذور الفساد بين المسلمين" انتهى مختصرا.

ومن افتراء الرافضة على الله أنهم فسروا قوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3] بأنها نزلت في غدير خم لتبين للناس أن الدين قد اكتمل بوصية النبي صلى الله عليه
شذر

ات الذهب في أخبار من ذهب (4/273): " وفي سنة 352 في ثامن عشر ذي الحجة عملت الرافضة عيد الغدير ".

وقال المقريزي في كتابه الخطط والآثار (2/254-255): " اعلم أن عيد الغدير لم يكن عيداً مشروعاً، ولا عمله أحد من سالف الأمّة المقتدى بهم، وأوّل ما عرف في الإسلام بالعراق أيام معز الدولة عليّ بن بويه، فإنه أحدثه في سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، فاتخذه الشيعة من حينئذ عيداً".

وأول من احتفل بعيد الغدير في اليمن أحمد بن الحسن الجارودي سنة 1073هـ كما ذكر هذا مؤرخ اليمن السيد يحيى بن الحسين بن الإمام القاسم في كتابه بهجة الزمن ثم قال: "وقد اقتدى به في الغدير المتوكل على الله، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" انتهى.

وبعد فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
و

سلم بالإمامة من بعده لعلي بن أبي طالب! والمعروف عند المفسرين والمحدثين أنها نزلت في حجة الوداع في يوم عرفة لتبين للناس أن الله سبحانه وتعالى أكمل لهم دينهم كما ذكر ذلك إمام المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره (4/51 )، وروى البخاري ومسلم من طريق طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرءونها، لو علينا نزلت معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: وأي آية؟ قال: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، «نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات في يوم جمعة».

ومن الأحاديث الموضوعة ما ذكره بعضهم في تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ [المائدة: 55] أنها نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه مر به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه. قال الفتني الملقب بملك المحدثين في كتابه تذكرة الموضوعات ص84: "هذا موضوع بالاتفاق"، وقال قاضي قضاة اليمن الحافظ الشوكاني في كتابه الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص316: "ما يذكره الرافضة في تفاسيرهم من الأكاذيب في تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ أنها في علي رضي الله عنه؛ موضوع بلا خلاف " وقال ابن كثير في تفسيره (3/139): " ليس يصح شيء منها بالكلية، لضعف أسانيدها وجهالة رجالها".

والآية عامة في كل من آمن ممن يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، قال الشوكاني في تفسيره فتح القدير (2/59): " وقوله: ﴿ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ [المائدة: 55] جملة حالية من فاعل الفعلين اللذين قبله" أي الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة والحال أنهم راكعون، قال: " والمراد بالركوع: الخشوع والخضوع، أي يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم خاشعون خاضعون لا يتكبرون" ثم رد القول بأن المراد إخراج الزكاة حال الركوع في الصلاة بقوله: " ويدفعه عدم جواز إخراج الزكاة في تلك الحال".

وقال السعدي في تفسيره: " ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [المائدة: 55، 56] لما نهى عن ولاية الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم، وذكر مآل توليهم أنه الخسران المبين، أخبر تعالى مَن يجب ويتعين توليه، وذكر فائدة ذلك ومصلحته فقال: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم. وقوله: ﴿ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ أي: خاضعون لله ذليلون. فأداة الحصر في قوله ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ تدل على أنه يجب قصر الولاية على المذكورين، والتبري من ولاية غيرهم".

هذا وإن من البدع المحدثة في الإسلام الاحتفال بما يسمى عيد الغدير، فإن هذا العيد لا يعرف في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا في زمن أصحابه ولا التابعين ولا أتباعهم، وأول من أحدثه الرافضة بعد القرون الثلاثة المفضلة كما ذكر ذلك المؤرخون الثقات، قال ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ (7/245): " وفي الثامن عشر من ذي الحجة - سنة 352- أمر معز الدولة بإظهار الزينة في البلد، وأشعلت النيران، وأظهر الفرح، وفتحت الأسواق بالليل، كما يفعل ليالي الأعياد".

وقال مؤرخ الإسلام الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام (26/6): "وفي ثامن عشر ذي الحجّة - سنة 352- عُمل عيد غدير خُم".

وقال ابن كثير في البداية والنهاية (11/276): "وفي الثامن عشر من ذي الحجة - سنة 352- أمر معز الدولة بن بويه بإظهار الزينة في بغداد وأن تفتح الأسواق بالليل كما في الأعياد، وأن تضرب الدبادب والبوقات، وأن تشعل النيران في أبواب الأمراء وعند الشرط، فرحا بعيد غدير خم، فكان وقتا عجيبا مشهودا، وبدعة شنيعة ظاهرة منكرة."

وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء ص288: " وفي سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة يوم عاشوراء ألزم معز الدولة الناس بغلق الأسواق ومنع الطباخين من الطبيخ ونصبوا القباب في الأسواق، وعلقوا عليها المسوح، وأخرجوا النساء منتشرات الشعور يلطمن في الشوارع ويقمن المآتم على الحسين، وهذا أول يوم نيح عليه ببغداد، واستمرت هذه البدعة سنين، وفي هذه السنة عمل عيد غدير خم" انتهى مختصرا.

وقال ابن العماد في كتابه
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
الــــــحــــــــــــســـــــــــــــــــــــــــد
أســـــبابه وأضـــــراره وعـــلاجـــه
للشيـــخ/ الســــــيـــد طـــه أحـــمـــد
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله رب العالمين.. قسَّم الحظوظَ والملَكاتِ والأرزاقَ على بني آدَم بِمقاديرَ مُختلفة، وأشكالٍ مُتباينة؛ حتَّى يستقيم أمرُ الحياة الدنيا على الهيئة الَّتي هي عليها. فقال تعالى: ﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِياً ﴾ [الزخرف: 32]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. أثنى على عباده المؤمنين الصادقين بالحب والإخاء فقال تعالى (ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا)) الحشر. وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. حذر من أمراض القلوب التي تفتك بالأمة وتأكل الحسنات فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا " [رواه البخاري].

فاللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..

أما بعد.. فيا أيها المؤمنون.
لقد سعى الإسلام إلى طهارة البدن وطهارة القلب، وطهارة القلب أولى من طهارة الأبدان، قال تعالى ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، والقلب هو محل نظر الله تعالى إليه، لقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله لا ينظر إلي صوركم ولا إلي أموالكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم) (رواه مسلم).

ولقد حذر المولى تبارك وتعالى من أمراض القلوب لما لها من أضرار على الفرد والمجتمع فأمر بالاستعاذة منها فقال تعالى ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ [الفلق: 1 - 5].

ولقد انتشرت أمراض القلوب بين الناس من غل وحسد وغش وبغضاء ولن يجتمع شمل هذه الأمة إلا إذا طهرت قلوبها وتماسكت فيما بينها البين، ولن يؤمن أحدنا حتى يحب لأخيه المسلم ما يحبه لنفسه.

فمن الأمراض الخطيرة التي تفتك بالأمة أفرادا ومجتمعات مرض الحسد الذي كان في سبب كثير من الجرائم مثل القتل والدمار، فالحسد صفة ذميمة لا تتخلق بها إلا النفوس المريضة التي لا تحب إلا العيش منفردة والاستئثار على غيرها بما تهواه. والحسد بوابة الآثام، وبضاعة اللئام، يبدأ بالقريب قبل البعيد، والصديق قبل العدو، فهو أكثر ما يكون بين الأقارب، وبين الجيران، وبين الزملاء. فالقريب الحاسد لا يحب أن يكون قريبه أحسن منه فيما يتباهى به الناس، ولو كان أخاه لأبيه وأمه. والجار الحاسد لا يحب أن يكون جاره أفضل منه في مال أو جاه أو قوة أو جمال أو علم. والزملاء في الدراسة أو الوظائف أو الأعمال لا يرضى الواحد منهم أن يتقدم عليه في معلومات أو ترقيات أو مكافآت أو زيادة خير.

والحسد يدخل بين الأقران والأمثال في أكثر الأحيان فالعامل يحسد العامل والتاجر يحسد التاجر والفلاح يحسد الفلاح ولذلك لا تستغربوا من حصول المشكلات والمكايدات، والبغضاء والتقاطع، والهجران وفساد العلاقات وتعثر المشروعات، والتقاتل والأضرار بين الأصناف السابقة، فما ذلك إلا نتيجة من نتائج مرض الحسد.

لذلك كان حديثنا عن مرض الحسد، وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية:
1- حقيقة الحسد.
2- مراتب الحسد.
3- أسباب الحسد.
4- أضرار الحسد علي الفرد والمجتمع.
5- قصص في خطورة الحسد.
6- علاج الحسد.

العنصر الأول: حقيقة الحسـد:-
الحسد: هو تمنِّي زوال النِّعمة عن الغير، وهو في جوهرِه اعتِراضٌ على عطاء المنعم سبحانه وتعالى.

و يقول ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد اصل الحسد: هو بغض نعمة الله على المحسود وتمني زوالها. وأمر الحسد ثابت شرعا قال الله - تعالى ﴿ وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ ﴾ [القلم: 51]، قال ابن عباس وغيره في تفسيرها: أي يعينوك بأبصارهم، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا " رواه مسلم، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أسترقي من العين " (البخاري ومسلم)، وأخرج مسلم وأحمد والترمذي وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا " صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.

العنصر الثاني: مراتب الحسد: - ذكر العلماء أن مراتب الحسد أربعة وهي:-
الأولى: تمني زوال النعمة عن المنعم عليه ولو لم تنتقل للحاسد. الثانية: تمني زوال النعمة عن المنعم عليه وحصوله عليها.

الثالثة: تمني حصوله على مثل النعمة التي عند المنعم عليه حتى لا يحصل التفاوت بي
نهما، فإذا لم يستطع حصوله عليها تمنى زوالها عن المنعم عليه. الرابعة: حسد الغبطة ويسمى حسداً مجازاً وهو تمني حصوله على مثل النعمة التي عند المنعم عليه من غير أن تزول عنه فهذا الحسد محمود كماجاء في الحديث الصحيح في قوله صلى الله عليه وسلم (لا حسد إلا في إ ثنتين رجل أتاه الله القران فهو يقوم به آناء الليل وأناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)) فأنت تتمنى أن تكون مثله، مع بقاء تلك النعمة عنده وهذا الحسد معناه الغبطة، وقد يجوز ان يسمى ذلك منافسة ومنه قوله تبارك وتعالى ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].

والحسد خلق ذميم، وصفة وضيعة، حقيرة لا تكون إلا في النفس العاجزة، المهانة التي تعجز عن فعل الخير، وتتمني زواله من غيره حتي يكون العاجز والعامل سواء كما قال تعالى (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء).

فالحسود عدو النعمة متمن زوالها عن المحسود كما زالت عنه هوفمن كان يحب الله واليوم الآخر فلينتهي عن هذه الصفة إن كانت فيه وليحذر عقاب الله في الدنيا والآخرة ومن لم يكن من أهلها فليحمد ربه حمداً كثيرا علي ذلك فإن الآفة الوضيعة تقتل صاحبها وتهينه وتجعله من السافلين.

وأصل الحسد والعداوة التزاحم على غرض واحد ومنشأ ذلك كله،، حب الدنيا فإن الدنيا هي التي تضيق على المتزاحمين وأما الآخرة فلا ضيق فيها.

وأنه بحسب فضل الإنسان وظهور النعمة عليه يكون حسد الناس له، فإن كثر فضله كثر حساده وإن قل فضله قلوا، لأن ظهور الفضل يثير الحسد، وحدوث النعمة يضاعف الكمد..

العنصر الثالث: أسباب الحسـد:-
إن الحسد مرض ينشأ من ضعف الإيمان بالقضاء والقدر وقلة الفهم لمعاني الأسماء والصفات.

فالحاسد لو كان عنده إيمان قوي بقضاء الله وقدره ما حسد الناس على ما قضاه الله وقدره، ولو كان عنده علم وفهم لاسمي الله: العليم والحكيم ما حسد؛ لأن الله حكيم في قضائه وقدره وعليم بخلقه، فمن علم ذلك انكف عن حسده.

إن الحاسد صاحب نفس خبيثة تكره رؤية النعمة بادية على الآخرين؛ ولهذا يتمنى الحاسد زوال النعمة عن المُنْعَم عليه. ذكر العلماء دواعي الحسد، فذكروا منها:-
1- بُغض المحسود، فإذا كانت له فضيلة تُذكر أو منقبة تُشكر ثارت نفس من أبغضه حسدًا. ولا يفارقه فإذا أصاب عدوه بلاء فرح وإذا أصابته نعماء ساءه ذلك.

جاء في تفسير القرطبي في قوله تعالى: (أم يحسدون الناس على ماآتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما). قال في قوله (أم يحسدون......) قال هم اليهود والناس يعني النبي صلى الله عليه وسلم.

وعن إبن عباس ومجاهد وغيرهما قالوا (حسدوا محمد صلى الله عليه وسلم على النبوة وحسدوا أصحابه على الإيمان به ولا زالت آثار حسدهم تظهر يوما بعد يوم).

2- الكبر والعجب كأن يظهر من المحسود فضل يعجز عنه الحاسد فيكره تقدمه فيه، فيثير ذلك حسدًا، فالحسد هنا يختص بمن علا مع عجز الحاسد عن إدراكه.

وكان حسد الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم قريبا من ذلك،، قال تعالى( وقالوا لولا نزل هذا القران على رجل من القريتين عظيم) الزخرف.، وقالوا عن المؤمنين: (أهؤلاء من الله عليهم من بيننا)).

3- حب الرئاسة والجاه ومثاله أن الرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في مجال من المجالات أو فن من الفنون إذا سمع بنظير له في مكان ما ساءه ذلك وأحب هلكه أو زوال نعمته التي يشاركه بها وذلك لحب الرئاسة والجاه والإنفراد به. لقد التقى أبو جهلٍ، وأبو سُفيان بن حرب، والأخنسُ بن شريق، وقدِ انصرفوا من حوْلِ بيْتِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم وقد جاءوا لا يَعرف كلُّ واحد منهم من خبر الآخَر شيئًا، يستمعون إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يتلو القُرآن الكريم، وكان ذلك لقاءَهم الثالثَ، وتعاهدوا أن لا يعودوا لِمثلها فيُرَوْا على غيْرِ ما يعهدهم الناس، وفي صباح اليوم الثالث، دلَف الأخنسُ بن شريق إلى بيْتِ أبي جهل، يستطْلِعُ الأثَرَ الذي تركَه سَماعُ القرآن الكريم من فَمِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نفس أبي جهل، ويسألُ الأخنس: فيم سَمع من محمد؟ ويردُّ أبو جهل: ما سمعت! (أي مثل ما سَمعتَ يا أخنس): "تنازعنا نَحن وبنو عبدمناف الشَّرفَ: أطعموا فأطعمْنا، وحَملوا فحملْنا، وأعطَوْا فأعطَيْنا، حتَّى كنَّا كفرَسَيْ رهان قالوا: منَّا نبيٌّ يأتيه الوحي من السماء، فمتى نُدْرِك مثلَ هذه؟ واللهِ، لا نُؤمِنُ به أبدًا، ولا نُصدِّقُه". وانكشف للأخنس ما انطَوَتْ عليْهِ نفسُ أبي جهل، لقد كان الحسد، فهو وراءَ كلِّ تلك الخصومة، واللَّدَد، والمقاومة الشديدة للإسلام ونبيِّه.

لقد صار أبو جهلٍ مدرسةً في الكفر؛ بسبَبِ هذه الآفةِ القاتلة، الحسدِ، وَعَلَمًا عليها.

4- السخط على قضاء الله تعالى، فيحسد الآخرين على ما منحهم الله تعالى إياه، وإن كانت نعم الله عنده أكثر، ومِنَحه عليه أظهر.

5- خبث النفس وبخلها وهذا يحب الإدبار لغيره ويبخل بنعمة الله على عباده
،

فإذا وُصف له حسن حال عبد من عباد الله شق ذلك عليه، وإذا وصف له أمرسوء وتنغيص عيش الناس فرح بذلك والعياذ بالله.

قال بعض العلماء: البخيل من يبخل بمال نفسه والشحيح الذي يبخل بمال غيره. سبحان الله كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزائنه.

العنصر الرابع: أضرارالحسد علي الفرد والمجتمع:-
أضرار تعود على الحاسد:-
الحاسد قد يشعر وقد لا يشعر أنه أول المتضررين بلفح نار حسده، فالحسد نار متأججة تحرق أول ما تحرق مذكيها ومشعلها. وقد قالوا: لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله.

وقال معاوية رضي الله عنه: "ليس من خصال الشر أعدل من الحسد، يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود".

فيصل الى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل الى المحسود شئ:-
أولها: غم لا ينقطع.
ثانيها: مصيبة لا يؤجر عليه.
ثالثها: مذمـة لايحمد بها.
رابعها: سخط الرب
خامسها: عدم التوفيق يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

والحاسد عدو نعمة الله، قال بعض الحكماء: بارز الحاسد ربه من خمسة أوجه:
أولا: أنه ابغض كل نعمة ظهرت على غيره
ثانيا: أنه ساخط لقسمة ربه، كأنه يقول ربي لما قسمت هذه القسمة.
ثالثا: أنه ضَادَّ الله بفعله أي أن فضل الله يؤتيه من يشاء وهو يبخل بفضل الله تبارك وتعالى
رابعا: أنه خذل أولياء الله أو يريد خذلانهم وزوال النعمة عنهم وهذا من الخذلان.
خامسا: أنه أعان عدوه إبليس.

وقيل: الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامةً ولا ينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاءً ولا ينال في الخلوة إلا جزعاً وغما ولا ينال في الاخرة إلا حزنا واحتراقاً ولا ينال من الله إلا بعدا ومقتًا،، روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ثلاثة لا يستجيب الله دعائهم، آكل الحرام، ومخبر الغيبة ومن كان في قلبه غلٌ أو حسدٌ للمسلمين).

والحسد ينافي الإيمان:- لأن الإيمان يأمر صاحبه بالتسليم لأفعال الله. فلو حسد العالم أو العابد أو الصالح فإن ذلك يدل على ضعف إيمانه؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (لا يجتمع في جوف عبد مؤمن غبار في سبيل الله وفيح جهنم ولا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد).

و يقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (الحسدُ يأكلُ الحسناتِ، كما تأكل النَّارُ الحطب)[رواه البخاري].

وقال عبدالله ابن مسعود: (لا تعادوا نعم الله. قيل له ومن يعادي نعم الله، قال: الذين يحسدون الناس على ماآتاهم الله من فضله يقول الله تعالى في بعض الكتب: (الحسود عدو نعمتي متسخط لقضائي غير راضٍ بقسمتي.....).

وهذا النوع من الحسد أعمها وأخبثها؛ إذ ليس لصاحبه راحة، ولا لرضاه غاية.

كما أن الحاسد لا ينقطع همه.

قال بعض الأدباء: " ما رأيت ظالمـًا أشبه بمظلوم من الحسود، نَفَسٌ دائم، وهَمٌّ لازم، وقلبٌ هائم ". والحاسد مسيء للأدب مع الله سبحانه وتعالى.

قال الشاعر:
أيا حاسدًا لي على نعمتي
أتدري على مَنْ أسأت الأدبْ؟
أسأت على الله في حُكمه
لأنك لم ترضَ لي ما وهبْ
فأخزاك ربي بأن زادني
وسَدَّ عليك وجوه الطلب

أضراره علي المحسود:-
الأذي والتعدي على المسلم، ولقد نهى الله ورسوله عنه قال تعالى (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ماإكتسبوا فقد إحتملوا بهتانا وإثما مبينا) الأحزاب.

وقال تعالى في ذم الحاسدين وإستنكار لفعلهم (أم يحسدون الناس على ماآتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما).

أضراره علي المجتمع:-
1- الحسد يمزق المجتمع ويفرقه، ويزرع فيه الشحناء والضغينة، قال النبي صلى الله عليه و سلم قال: (دب إليكم داء الأمم: الحسد والبغضاء هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذاكم لكم؟ أفشوا السلام بينكم).

وانظر إلي ما فعله إخوة يوسف بيوسف، حين أظهروا ما في قلوبهم من الحقد والحسد، قال تعالى مخبرا عنهم: (ليوسف وأخوه أحب الى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين اقتلوا يوسف أو إطرحوه أرضا يخلوا لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين) يوسف فكان ثمرة ذلك تفكك الأسرة وتغرب يوسف عدد سنين وذلك كله بسبب الحسد والحقد.

2- إشاعة الجريمة:-
الحسد معصية عظيمة، وأوَّل ذنبٍ عُصِيَ به اللهُ في السماء، وأوَّل ذنبٍ عُصِيَ اللهُ به في الأرض.

وأمَّا ما كان في السماء، فهو عِصيان إبليسَ أمرَ ربِّه أن يَسجُد لآدَم، لقد كان دافعَه الحسدُ لإكْرام الله له؛ قال تعالى: ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 29]، وسجد الملائكةُ لأمر ربهم، وأبى إبليس.

ولمَّا سُئِلَ عن سبب ذلك أجاب: ﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12]، وكفر إبليس وطُرِدَ من السماء، وخسِر خسرانًا مبينًا بسبب تلك الآفة القاتلة.

وأمَّا ما كان في الأرض، فقَتْلُ قابيل لأخيه هابيل، لقد قدَّم كلٌّ منهُما قُربانًا إلى الله، فقُبِلَ قربانُ هابيل، ولم يُقْبل قربان قا
بيل

، وقتل قابيلُ أخاه هابيل، وعجز عن مواراة جثَّته، إلى أن أرسل الله له غُرابيْنِ فاقْتَتَلا، وحفر القاتلُ حفرةً، ودفَن الآخَرَ القتيلَ، فحذا قابيلُ حذوَه، ووارى أخاه التُّراب.

لقد كان الحسد هو الدافعَ وراءَ أوَّل جريمةٍ على الأرض، على ما ساقه الله من فضل وإكرام لعبده، الذي قرَّب إليه قربانًا فتقبَّله منه، إشارةً إلى رضاه عنه، فحسده أخوهُ على ذلك الفضل.

لقد قُتل عثمان رضي الله عنه حسدا،، قال أبو قتادة ما قتلوا عثمان الاحسدا أي حسدوه على الخلافة فأحبوا أن يزيلوها عنه.

3- الحسد يمنع صاحبه من قبول الحق والإذعان له:-
كان الأنبياءُ في بني إسرائيل كثيرين، منهم وإليهم، وشاء اللهُ أن يحوِّل النبوَّة إلى العرب، فبعثَ مُحمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - إلى النَّاس كافَّة، بالإسلام عقيدةً وشريعةً، لا يتلوه رسالة. وكان أمرُ هذه البعثةِ وخبَرُها معلومًا لأهل اليهوديَّة والنصرانيَّة في ذلك الوقت، منذُ أن أُنْزِلَ كتاباهُما من السماء، ولكنَّهم لم ينصاعوا إلى هذا الحقِّ الذي أُنْزِل من السماء، ولم يُؤْمِنوا بنبوَّة مُحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- ولا بالإسلام؛ لأنَّهم حسدوا المسلمين على هذا الإِكْرام الإلهيِّ العظيم.

قال تعالى يُقَرِّر حقيقةَ عِلْمِهم بنبوَّة مُحمد -صلى الله عليه وسلم- ونَفْي ادِّعائهم بأنَّهم لا يعلمون شيئًا من ذلك، بقولٍ قاطع لا يقدر أحدٌ على دحضه ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 146]، وقال: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداًّ مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ ﴾ [البقرة: 109].

لقد كان اليهود يعلمون أن محمداً عليه الصلاة والسلام نبي الله حقاً، لكن حينما جاء من غيرهم -أي: من العرب- كفروا به بغياً وحسداً.

العنصر الخامس: قصص في خطورة الحسد..
1- ومما يروى عن الحسد والحاسدين قال ابن عبد الله: (كان رجل يخشى بعض الملوك فيقوم بحذاء الملك ويقول: أحسن الى المحسن باحسانه فإن المسئ سيكفيه إساءته.كان يردد هذا دائما حين يعمل على حذاء الملك، فحسده رجل على ذلك المقام والكلام فسعى به الى الملك وقال: ان هذا الذي يقوم بحذائك ويقول ما يقول زعم ان الملك تخرج من فمه رائحة كريهة، فقال له الملك: وكيف يصح ذلك عندي، كيف اثبت عليه ذلك عندي؟ قال: فادعوه اليكَ. فإنه إذا دنا منكَ وضع يده على أنفه لئلا يشم رائحة البخط ـ الرائحة الكريهةـ فقال الملك: انصرف حتي أنظر.فخرج الرجل من عند الملك ودعا ذلك الرجل الذي يقوم بحذاء الملك، فدعاه الى منزله فأطعمه طعاما فيه ثوم فخرج الرجل من عنده وقام بحذاء الملك فقال كعادته أحسن الى المحسن باحسانه فإن المسئ سيكفيه إساءته فقال له الملك ادن مني، فدنا منه ووضع يده على فيه مخافة أن يشم الملك منه رائحة الثوم، فقال الملك في نفسه ما أرى فلانا الا صدق، قال وكان الملك لا يكتب بخطه الا بجائزة أو صلة، فكتب الرجل كتابا بخطه الى عامل من عماله كتب فيه، إذا اتاك حامل الرسالة هذه فاذبحه واسلكه واحش جلده تبنا وابعث به اليَّ، فأخذ الرجل الكتاب وخرج وهو لا يدري ما الذي كتب في الكتاب فلقيه الرجل الذي سعى به واطعمه الثوم، فقال ماهذا الكتاب، قال خطَّا الملك لي صلةً، فقال الحاسد هبه لي فقال له: هو لك، فأخذه ومضى به الى العامل، وقال العامل له: أتدري ماذا في الكتاب؟ قال: هبه لي. قال في الكتاب اني اذبحك وأسلخك، فقال ان الكتاب ليس لي، بل هو لفلان أعطاه اياه وانا اخذته منه، فالله الله في امري حتى تراجع الملك.قال العامل: ليس لكتاب الملك مراجعة. فذبحه وسلخه وملأ جلده تبناً وبعث به الى الملك.ثم عاد الرجل كعادته الى الملك وقال مثل قوله: أحسن الى المحسن باحسانه فإن المسئ سيكفيه إساءته، فعجب الملك وقال: مافعل الكتاب؟ قال: لقيني فلان فاستوهبه مني فوهبته.قال له الملك: إنه ذكر لي انك تزعم أني صاحب رائحة كريهة قال: ما قلت ذلك.قال له الملك: اذا لماذا وضعت يدك على فيك حين دنوت مني.قال: لانه اطعمني طعاما فيه ثوم فكرهت ان تشمه.قال: صدقت.ارجع الى مكانك، فقد كفا المسئ إساءته (ولا يحيق المكر السئ الا بأهله) فاطر.

2- ما رواه النسائي وابن ماجة أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة، فما لبث أن لبط به فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: أدرك سهلا صريعا فقال: من تتهمون؟ قالوا عامر بن ربيعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (علام يقتل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة) ثم دعا بماء فأمر عامرا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخله إزاره وأمره أن يصب عليه وفي لفظ يكفأ الإناء من خلفه.

3- كان هناك رجل وكان له جار لديه مالا كثيرا فحسده على ما وهبه الله
من ذل

ك المال، ففكر كيف يزول هذا المال؟؟ فذهب إلى رجل حاسد صاحب عين فطلب منه رؤية مال جاره ليتسبب في زواله، فقال له انظر إلى مال جاري هذا يملاْ هذه الأودية، ولحسن الحظ كان بصره ضعيف، فقال الرجل العائن لذلك الرجل أولك من قوة النظر ما ترى به هذه الأنعام في هذه الأودية؟؟ فأصيب بالعمى.
قيل: (لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله)

العنصر السادس: علاج الحسد:- ذكر الإمام ابن ابن القيم - رحمه الله تعالى في علاج الحسد أمور منها:
1- التعوذ بالله من شره، والتحصن به واللجوء إليه:- ولمَّا كان الحسد سلوكًا، له آثارُه الضارَّة على المؤمن، فقد أمَرَ الحقُّ عبادَه أن يعوذوا به من شرِّ هذه الآفة القاتلة؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ [الفلق: 1 - 5].
2- تقوى الله تعالى، وحفظه عند أمره ونهيه فمن أتقى الله تعالى تولَّى الله عز وجل حفظه، ولم يكِلْه إلى غيره.

3- الصبر على عدوه، وألا يقاتله ولا يشكوه، ولا يحدّث نفسه بأذاه أصلًا فما نُصِرَ على حاسده وعدُوِّه بمثل الصبر عليه قال الشاعر:
اصبر على حسد الحسود
فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل بعضها
إن لم تجد ما تأكله

4- التوكل على الله:- فمن توكل على الله فهو حسبُه، والتوكُّل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يُطيق من أذى الخلق وظلمهم وعُدوانهم.

والرضا بقضاء الله وقدره خيره وشره وحلوه ومُرّه، على النفس أو على غيرها.

قال الله تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن11].

وهو من أقوى الأسباب في ذلك، فإن الله تعالى حسبُهُ، أي كافيه، ومن كان الله عز وجل كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوّه.

5- فراغُ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له. فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأُ قلبهُ بالفكر فيه. وهذا من أنفع الأدوية، وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره.

6- تجريد التوبة إلى الله تعالى من الذنوب التي سَلَّطَتْ عليه أعداءه.فإن الله تعالى يقول: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [الشوري: 30].

7- الصدقة والإحسانُ ما أمكنه، فإن لذلك تأثيرًا عجيبـًا في دفع البلاء، ودفع العين، وشر الحاسد، ولو لم يكن في هذا إلا بتجارب الأمم قديمـًا وحديثـًا لكُفي به.

فما حَرَسَ العبدُ نعمة الله عليه بمثل شُكرها، ولا عرَّضها للزَّوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله تعالى، وهو كُفرانُ النعمة، وهو بابٌ إلى كفران المُنْعِمِ.

8- وهو من أصعب الأسباب على النفس، وأشقها عليها، ولا يُوفَّق له إلا من عظُم حظُّهُ من الله تعالى، وهو إطفاءُ نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذى وشرًا وبغيـًا وحسدًا ازددْت إليه إحسانـًا، وله نصيحة، وعليه شفقةً.

يقول الله تعالى ﴿ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ﴾ [فصلت34 - 36].

9- وهو الجامع لذلك كله، وعليه مدارُ هذه الأسباب، وهو تجريدُ التوحيد، والتَّرَحُّلُ بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم، والعلمُ بأن هذه الآلات بمنزلة حركات الرياح، وهي بيد مُحركها، وفاطرها وبارئها، ولا تضرُّ ولا تنفعُ إلا بإذنه، فهو الذي يُحسنُ عبدُهُ بها، وهو الذي يصرفها عنه وحدهُ لا أحد سواه، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ [يونس 107]. انتهي كلام ابن القيم.

10- إخفاء بعض النعم التي تخاف عليها من الحسد قال الله تعالى عن سيدنا يعقوب عليه السلام: ﴿ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [يوسف67].

وروى الطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان عن معاذ بن جبل بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان لها، فإن كل ذي نعمة محسود). (صححه الألباني في السلسلة وصحيح الجامع).

و أخيرا إذا ابتليت بنظرة حاسد فعليك بالعلاج بالرقية الشرعية وإياك واللجوء إلى الكهنة والعرافين والدجالين( كالإعتقاد في الخرز الأزرق، أو تعليق التمائم الشركية، أو تعليق الأحذية في السيارة
أو البي

ت بزعم دفع الحسد، وغير ذلك من الأمور، واجعل ناصيتك بيد الله ورجائك في الشفاء من ربك دون سواه وعليك بما ورد في شرعه والأخذ بالأسباب بمراجعة الرقى الشرعية المأخوذه من كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم المختصرة في بعض الكتب المتخصصة في هذا المجال.

بعض الرقى الشرعية:-
وأخرج الإمام أحمد والترمذي وصححه، عن أسماء بنت عميس أنها قالت: يا رسول الله، إن بني جعفر تصيبهم العين، أفنسترقي لهم؟، قال: نعم، فلو كان شيء سابق القدر لسبقته العين. وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

تقرأ الفاتحة وتنفث في يديك وتمسح بها ما استطعت من جسدك.
تقرأ المعوذات (الإخلاص، الفلق، الناس) وتنفث في يديك وتمسح بها ما استطعت من جسدك.
تقرأ آية الكرسي وبخاصة في الصباح وعند النوم لتتحصن بها من الشيطان.
وهناك آيات كثيرة يجب الإطلاع عليها من خلال الكتب المتخصصة في الرقى من كتاب الله تعالى.

أما سنة نبينا النبي صلى الله عليه وسلم فمنها قوله: (لا رقية إلا من عين أو حمة) وقد كان جبريل يرقي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك). - رقية جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم (بسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك والله يشفيك) مسلم.

تعويذ الرسول صلى الله عليه وسلم للحسن والحسين بقوله (أعيذ كما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة)البخاري.

وورد أمره لعثمان بن أبي العاص رضي الله عنه عندما شكى له وجعا يجده في جسده منذ أسلم فقال لهصلى الله عليه وسلم: (ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل: (بسم الله ثلاث مرات): (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) أخرجه مسلم.

للمريض أن يقرأ على نفسه الفاتحة وقل هو الله أحد والمعوذتين وينفث في يده ويمسح بها وجهه وما استطاع من جسده. الوقاية من الحسد قبل وقوعه:-
التحصن بالأذكار (الفاتحة - آية الكرسي - المعوذات وبعض الأذكار الواردة خلال اليوم من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

ورد عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من رأى شيئا فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره ).

ستر محاسن من يخشى عليه العين.

وللوقاية من حسد الجن وعورات بني آدم فقد روي عن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (ستر مابين أعين الجن وعورات بني آدم أن يقول الرجل المسلم إذا أراد أن يطرح ثيابه: ( باسم الله الذي لا إله إلا هو) رواه ابن السني.

وقال صلى الله عليه وسلم: (ستر مابين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول باسم الله) رواه أحمد

الخــاتمــة :-
أيها المسلمون:- علينا أن يقوي إيمانه بالله تعالى وقضائه وقدره، ويرضى بما قسم الله له، ويكثر من الطاعات والقربات. ويلجأ إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع بين يديه؛ ليزيل عنه هذا الداء.

وعلينا أيضاً: أن يفكر في نتائج الحسد وعواقبه الوخيمة؛ فالإنسان العاقل لا يقدم على ما يجلب له التعب والضرر.

وعلىنا أن ينظر بعين التأمل إلى ما أعطاه الله تعالى من النعم؛ فإنه لو نظر جيداً سيجد أن لديه نعماً كثيرة قد لا توجد عند غيره. فقد يحسد فقير غنياً ولا يدري ذلك الفقير أنه أحسن منه صحة وأتم عافية وهدوء بال.

وقد يحسد إنسان ليست له وظيفة مرموقة أو مسؤولية عالية من نالها في المجتمع، ولا يعرف ذلك الحاسد أنه في أمن واطمئنان وسرور وانشراح صدر أفضل من ذلك المسؤول أو الموظف الكبير. فيا عباد الله، من أراد سلامة الدين، وصحة البدن، والنجاح في الحياة فلا يسلك مسلك الحسد، وليرحم نفسه؛ فإن الحاسد مصاب لا يجد أحداً يرحمه. وليكن حال الإنسان كما قال الشاعر:-
وإني امرؤ لا أحسد الناس نعمة
إذا نالها قبلي من الناس نائلُ
أأحسد فضل الله أنْ ناله امرؤ
سواي وعندي للإله فضائل

نسأل الله تعالى أن يقينا شر الأشرار، وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار، ونعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك.
🎤
خطبــة.جمعــة.بعنــوان.cc
فـضـــــائل الـعـمــــــل بالســـــنـة
للدكتور/ محمود بن أحمد الدوسري
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
أيها المسلمون : يقول حبيبنا وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نَضَّرَ الله امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حتى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلى مَنْ هو أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيسَ بِفَقِيهٍ) صحيح – رواه أبو داود، (3/ 322)، (ح3660)، فإذا كانت هذه دعوة من رسول الله لِمَنْ سمع الحديث وحَفِظَه، فما بالنا بِمَنْ أخذ الحديثَ وعمل به ودعا إليه، لا شك أنَّ جزاءه أفضل وأعظم بكثير، ومن أعظم فضائل العمل بالسنة:
1- نيل محبة الله تعالى:
محبةُ اللهِ للعبد هي أجلُّ نعمةٍ أنعم بها عليه، ومن لوازم محبَّة العبد لربِّه، متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، في أقواله وأعماله وجميع أحواله؛ كما قال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].

فهذه الآية هي الميزان التي يُعرف بها مَنْ أحبَّ الله حقيقة، ومَن ادَّعى ذلك دعوى مُجردة، فقال سبحانه: ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ ﴾ أي: إنْ ادَّعيتم هذه المرتبة العالية، والرُّتبة التي ليس فوقها رتبة، فلا يكفي فيها مُجرَّد الدَّعوى، بل لا بد من الصِّدق فيها، وعلامةُ الصدق اتِّباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله، في أقواله وأفعاله، في أصول الدِّين وفروعه، في الظاهر والباطن.

فمَن اتَّبع الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله؛ أحبَّه اللهُ، ورحِمَه، وسدَّده في جميع حركاته وسَكناته، وجازاه جزاء المُحِبِّين، وغفر له ذنوبه، وستر عيوبه؛ ويكفي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ) رواه البخاري، (5/ 2384)، (ح6137).

وبهذه الآية يُوزَنُ جميعُ الخلق أفراداً وجماعات، فعلى حسب حظِّهم من اتِّباع الرسول يكون إيمانُهم وحُبُّهم لله، وما نقص من ذلك نقص. انظر: تفسير السعدي، (1 / 128)، (1 / 965).

ومن فضائل العمل بالسنة:
2- أنَّ المحافظة على النوافل تسدُّ نقص الفريضة:
قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَعْمَالِهِمُ: الصَّلاَةُ، قَالَ: يَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَزَّ لِمَلاَئِكَتِهِ - وَهُوَ أَعْلَمُ - انْظُرُوا فِي صَلاَةِ عَبْدِي أَتَمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا؛ فَإِنْ كَانَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا؛ قَالَ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ؛ قَالَ: أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعْمَالُ عَلَى ذَاكُمْ) صحيح - رواه أبو داود، (1 / 148)، (ح864).

وجه الدلالة: ظهر في الحديث الشريف أنَّ المحافظة على السنن النبوية في الصلاة النافلة بأنواعها مفيد في سد نقص الفريضة.
كما أنَّ فيه تشريفاً للسنة النبوية بأنْ رفَعَها إلى درجة الفريضة التي افترضها الله سبحانه وتعالى.

ومن بركات العمل بالسُّنة - ولا سيما وقت الفتن -، وغربة الدِّين:
3- أن العامل بالسُّنة والمُتمسِّك بها والمُحافظ عليها له مِثلُ أجر خمسين صحابيًّا:
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ) صحيح – رواه أبو داود، (4/ 215)، (ح4343).

وفي رواية: (إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا؛ الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ). قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: (لاَ، بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ) صحيح – رواه الترمذي -، (2/ 773)، (ح3335).

وجه الدلالة: عِظَمُ أجرِ العاملين بالسنة النبوية في أيام الصبرِ، والفتنِ، وغربةِ الدِّين، وفسادِ الزمان؛ حتى بلغ أجر خمسين صحابياً.

وليس في الحديث دليلٌ على أفضلية غيرِ الصحابة على الصحابة؛ لأنَّ فَضْل الصُّحبة لا يعدله فَضْل، قال ابن حجر - رحمه الله - : (حديثُ "لِلعَامِلِ مِنْهُمْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُم" لا يدلُّ على أفضلية غير الصحابة على الصحابة؛ لأنَّ مُجرَّد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة، وأيضاً فالأجر إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل، فأمَّا ما فاز به مَنْ شاهَدَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم من زيادة فضيلة المُشاهدة فلا يعدله فيها أحدٌ). فتح الباري، (7/ 7).

من فضائل الاشتغال بالعبادة المشروعة وقت الفتن:
4- ما قا
له النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ؛ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) رواه مسلم، (2/ 1243)، (ح7588).
وجه الدلالة: عِظَمُ أجرِ المُتشاغل بالعبادة المشروعة وقت الفتنِ، واختلاطِ أمور الناس، وغفلتِهم؛ حتى أنه ينال أجر الهجرة إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

قال النووي - رحمه الله -: (الْمُرَاد بِالْهَرْجِ هُنَا: الْفِتْنَةُ، وَاخْتِلاطُ أُمُورِ النَّاس، وَسَبَبُ كَثْرَةِ فَضْل الْعِبَادَة فِيهِ: أَنَّ النَّاس يَغْفُلُونَ عَنْهَا، وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا، وَلاَ يَتَفَرَّغ لَهَا إِلاَّ أَفْرَاد).شرح النووي على صحيح مسلم، (18/ 88). (وإذا عَمَّت الفتنُ اشتغلت القلوب، وإذا تعبَّد حينئذٍ مُتعبِّدٌ، دلَّ على قوة اشتغالِ قلبه بالله عزَّ وجلَّ فيكثر أجرُه). كشف المشكل، لابن الجوزي (ص340).

ومن فضائل العمل بالسنة والدعوة إليها:
5- أن الدَّاعي إلى السُّنة والهدى والخير له مِثلُ أجرِ فاعله:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً؛ فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ...) رواه مسلم، (1/ 400)، (ح2398).

وفي روايةٍ: (مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ؛ [سَوَاء كَانَ الْعَمَلُ فِي حَيَاتِه أَوْ بَعْد مَوْتِه] كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلاَ يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ...) رواه مسلم، (2/ 1131)، (ح6975).

وفي حديث آخر: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا...) رواه مسلم، (2/ 1132)، (ح6980).

أيها الإخوة الكرام.. وهذا يدلُّنا على فَضْلِ تبليغ السُّنن، وتبليغِ العلم الشرعي، وتبليغِ الحقِّ، ولهذا كان نبيُّنا الكريم صلى الله عليه وسلم له مِثْلُ أجورِ أُمَّتِه منذ بَعَثَه اللهُ إلى قيام الساعة؛ لأنه هو الذي دلَّ الناسَ على الحقِّ والهدى، فله أجورُ أعمالِه، وله مِثْلُ أجورِ أُمَّتِه، وبهذا يتبيَّن كونه خيرَ الناس، وأنه سيِّدُ الخلق، وأنه أفضلُ البشر.

وأحقُّ الناسِ وأسعَدُ الناسِ بعد رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بهذا الثوابِ هم أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، الذين تلقَّوا السُّنن عنه وحَفِظُوها، وأدُّوها إلى من بعدهم، وهكذا مَنْ جاء بعدهم مِمَّنْ أخَذَ عنهم، ودلَّ على الحقِّ والهدى الذي جاء عن طريقهم، فإنه يُؤْجَرُ مِثْلَ أُجورِ كلِّ مَن استفادَ خيراً بسببه، وبسببِ توجيهِه، وإرشادِه. انظر: شرح سنن أبي داود، للشيخ عبد المحسن العباد (19/ 303).


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على امام المرسلين وسيد المتقين، امامنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين .

عـــباد اللـــه :
ومن فضائل التمسُّك بالسُّنة والاعتصام بها:
7- السلامة من الابتداع في الدِّين:
أهل السنة على يقين تام بأنَّ الدِّين قد اكتمل بلا نقصانٍ، وأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد بَلَّغ ما أُرسِلَ به بلا كتمان، وبما يُغني عن الابتداع في الدين.
قال الزهري – رحمه الله: (الاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ نَجَاة). رواه اللالكائي في (اعتقاد أهل السنة)، (1/ 94)، (رقم136).

وممَّا تميَّز به أهل السنة عن غيرهم الرد على البدع في كلِّ زمان؛ حيث حرصوا أشد الحرص على سلامة دينهم ومنهجهم؛ الذي ارتضاه لهم ربُّهم وسَنَّه لهم رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وألاَّ يصيب هذا المنبع الصافي كدر الهوى والابتداع، فكلَّما حدثت بدعة ردُّوا عليها وبيَّنوا فسادها.

وما تفشوا البِدَعُ وتنتشر إلاَّ في المجتمعات التي خبا فيها نور السنة، وانتشر فيها ظلام البدعة؛ ولذا قال ابن عباس - رضي الله عنهما: (مَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ مِنْ عَامٍ إِلاَّ أَحْدَثُوا فِيهِ بِدْعَةً، وَأَمَاتُوا فِيهِ سُنَّةً، حَتَّى تَحْيَا البِدَعُ، وَتَمُوتُ السُّنَنُ). رواه المروزي في (السنة)، (ص32).

وقال عبد الله بن منازل - رحمه الله -: (لم يُضَيِّعْ أحدٌ فريضةً من الفرائض إلاَّ ابتلاه اللهُ بتضييع السُّنَن، ولم يُبْتَلَ بتضييعِ السُّنَنِ أحدٌ إلاَّ يُوشك أنْ يُبْتَلى بالبدع). الاعتصام، (1/ 70).

ومن فضائل التمسُّك بالسُّنة وبمنهج أهل السنة:
8- العصمة من التَّفرُّق والاختلاف المذموم:
لمَّا كان منهج أهل السنة يدعو إلى توحيد الصفوف وجمع الكلمة، كان من ثمرات التمسُّك به العصمة من التَّفرُّق والاختلاف المذموم الذي وقع فيه أهل الأهواء والبدع والضلالات.

وسبب اتفاق أهل السنة:
أنهم أخذوا دينَهم من الكتاب والسُّنة، فهم مُجتمِعون على الحق، حريصون على جَمْعِ الناس على كلمة الحق، وأمَّا أهل الأهواء والبدع: فأخذوا دينهم من المعقولات والآراء المُجرَّدة عن الدليل الصحيح، والقائمة على الهوى فأورثهم ذلك افتراقاً واختلافاً عظ
يم

اً، ومَصْدَاقُ ذلك ما جاء عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - أنه سأل ابنَ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما - قائلاً له: (كَيْفَ تَخْتَلِفُ هَذِهِ الأُمَّةُ، وَكِتَابُهَا وَاحِدٌ، وَنَبِيُّهَا وَاحِدٌ، وَقِبْلَتُهَا وَاحِدَةٌ؟ فقَالَ له ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! إِنَّما أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْقُرْآنُ فَقَرَأْنَاهُ، وَعَلِمْنَا فِيمَ نَزَلَ، وَإِنَّهُ يَكُونُ بَعْدَنَا أَقْوَامٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَلاَ يَعْرِفُونَ فِيمَ نَزَلَ، لكُلِّ قَوْمٍ فِيهِ رَأْيٌ، فَإِذَا كَانَ لِقَوْمٍ فِيهِ رَأْيٌ اخْتَلَفُوا، فَإِذَا اخْتَلَفُوا اقْتَتَلُوا). رواه أبو عبيد في (فضائل القرآن)، (ص17).

ومن أبرز علامات أهل البدع الفُرقة والاختلاف؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 107].

فالسبب الرَّئيس في تفرُّق واختلاف أهل الأهواء والبدع والضلال أنهم تركوا البيِّنات الواضحات المحكمات من الكتاب والسنة، فتفرَّقوا واختلفوا في الدنيا، واستحقوا العذاب الأليم في الآخرة.

قال ابن تيمية - رحمه الله -: (وَلِهَذَا وُصِفَت الْفِرْقَةَ النَّاجِيَةَ بِأَنَّهَا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَهُمْ الْجُمْهُورُ الأكْبَرُ وَالسَّوَادُ الأعْظَمُ.

وَأَمَّا الْفِرَقُ الْبَاقِيَةُ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الشُّذُوذِ وَالتَّفَرُّقِ وَالْبِدَعِ وَالأهْوَاءِ، وَلا تَبْلُغُ الْفِرْقَةُ مِنْ هَؤُلاءِ قَرِيبًا مِنْ مَبْلَغِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ فَضْلاً عَنْ أَنْ تَكُونَ بِقَدْرِهَا، بَلْ قَدْ تَكُونُ الْفِرْقَةُ مِنْهَا فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ، وَشِعَارُ هَذِهِ الْفِرَقِ مُفَارَقَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإجْمَاعِ). مجموع الفتاوى، (3/ 345، 346).

وصدق رحمه الله تعالى، فمن تأمل في الفرق المنحرفة على مدى التاريخ؛ يجدها تجتمع على كل شيء إلاَّ الكتاب والسنة والإجماع.
الدعاء...

=======================
حديث وعظة

من يغسل من؟ ومن يدفن من؟

عن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهن في غسل ابنته زينب رضي الله عنها: <<ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها>>. متفق عليه.

زماننا من أعجب الازمان؛ ولا زلنا نسمع عن دروس غسل الميت والتكفين ولا أعلم ما يقصدون بهذا الأمر.

كلما نظرت إلى شمال البيت الحرم رأيت الشام والعراق والشيشان قتيل يدفن قتيل يدفن قتيل.

وإن نظرت يمين البيت الحرام؛ رأيت اليمن والصومال وكينيا وموزنبيق وغيرهم قتيل يدفن قتيل يدفن قتيل.

وإن نظرت شرق البيت الحرام؛ رأيت ندونيسيا وبورما وباكستان والافغان وغيرهم كذلك قتيل يدفن قتيل يدفن قتيل.

وإن نظرت إلى غرب البيت الحرام رأيت السودان ومصر ومالي وليبيا وغيرهم كذلك الحال ساري بينهم.

لا يعلم القاتل فيما قتل والا المقتول فيما قتل في غالب الأوقات؛ دخلنا في زمن الفتن التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: <<يتقارب الزمان وينقص العلم ويبقى الشح وتظهر الفتن ويكثر الهرج>>. قالوا: يا رسول الله إيما هو؟ قال: <<القتل القتل>>

نظرت في حالنا رأيت الناس تفنى والرجال تقل حتى كأننا قد قربنا من زمن سيادة النساء لدينا وفاء الرجال فيسود الرجل أربعين امرأة، وما كل هذا إلا لقلة العلم وكثرة المتعالمين، استفتوا فافتوا بجهل فضلوا واصلوا.

وقد جاء عن أنس ابن مالك أنه قال:
ألا أُحدِّثُكم حديثًا سمعتُه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لا يُحدِّثُكم أحدٌ، بعدي، سمعه منه: <<إنَّ من أشراطِ الساعةِ أن يُرفَعَ العِلمُ، ويَظهرَ الجهلُ، ويفشو الزِّنى، ويُشرَبَ الخمرُ، ويَذهبَ الرجالُ، وتبقى النساءُ، حتى يكون لخمسين امرأةٍ قيِّمٌ واحدٌ>>. أخرجه مسلم، وفي لفظ البخاري: قال أنس رضي الله عنه:
لأحدثنكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم به أحد غيري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: <<أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد>>.

فانظروا لحالنا وحال الأمم حولنا؟

ألا ترون هذه الآيات قد وقعت؛ إلا ترون بأنا قد بلغنا مبلغ لم تصل إليه الأمة من قبل؟


ما بالنا أصبحنا لا نراعي إلا أنفسنا ولا ينظر أحدنا حوله ليعتبر مما حوله!.

بلغ بنا الحال أن نرى الباطل ولا نستطيع إنكاره؛ ومن أنكر غالبا يكون من باب رفع الملام استحياء لا لإقامة حق الله في الأرض طبعا إلا من رحم.

نرى الشاشات الافسادية تزرع بذور الذعارة والرذيلة فينا، وأغلب المتحدثين ينادون بتحرير المرأة من قيد دينها.

قالوا لمن يعبد ربه انت رجعي تريد إعادة الناس لعبودية المشايخ الذين سطروا لك الأحكام لما لا تأخذها بنفسك من كتاب الله فلست بالذي يحتاج من يعلمك دينك.

جعلوا العالم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رجل يدعوا لقتل الناس وتخريب الديار وما ذاك إلا لأنه أمر بعفة النفس وطرد كل من ينادي بالرذيلة.

سموههُ بكل اسمٍ ينفروا منه الناس؛ حتى أنهم وصفوهم بمصاصي الدماء البشرية وما ذاك إلا لأنهم قالوا:
من سب الله أو رسله أو استهزاء بشيء من الشعائر أو تولى الكفار؛ مرتد لابد من توبته أو تطهير الأرض منه ومن أمثاله.

ونسوا أو تناسوا بأن ابن عباس قال:
أنَّ عليًّا أُتِيَ بنفرٍ منَ الزَّنادقةِ فحرَّقَهُم بالنَّارِ فبلغَ ذلِكَ ابنَ عبَّاسٍ فقالَ:
أمَّا أَنا فلو كنتُ لقتلتُهُم لقولِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: <<مَن بدَّلَ دينَهُ فاقتُلوه>>ُ ولَما حرَّقتُهُم لنَهْيِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لا تعذِّبوا بعذابِ اللَّهِ.
وفي لفظٍ في الحديثِ: بقومٍمنَ الزَّنادقةِ أو مرتدِّينَ فأمرَ بِهِم فحُرِّقوا.
عن عِكْرمةَ مثلَهُ وزادَ فبلغَ ذلِكَ عليًّا فقال: وَيحَ ابنِ أمِّ الفضلِ إنَّهُ لغوَّاصٌ على الهَناتِ.
هشامٌ عن قتادةَ عن أنسٍ: أنَّ عليًّا أُتِيَ بناسٍ منَ الزُّطِّ يعبُدونَ وثنًا فحرَّقَهُم بالنَّارِ فقالَ ابنُ عبَّاسٍ: إنَّما قالَ رسولُ اللَّهِ: <<من بدَّلَ دينَهُ فاقتُلوهُ>>. ذكره الذهبي في المهذب.

فانظر لصريح فعل الصحابة وقولهم مع هؤلاء الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا.

قتيل يشيع قتيل يشيع قتيل؛ والكل لا يعلم فيما قتل وما سبب تشييع كل هذه الجثث المتضعفة في الأرض.

ما بالنا رضينا بالحياة الدنيا واخذنا باذناب البقر ونسينا فرائض ديننا ووجوب حماية مجتمعنا وأمتنا؛  أصبحنا في قوله تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)} المؤمنون.

إذن أن بقينا على هذه الحال وعدم اجتماع الناس على أمر الله وترك الهوى وأتباع الشيطان من أنس وجان حق علينا الوعيد الذي قال تعالى فيه: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّىٰ حِينٍ (54)أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ (56)} المؤمنون.
تابع
من يغسل من؟ ومن يدفن من؟

هل نحن اليوم نستحق أن نكون ممن يدخل في قوله تعالى: {وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)} المؤمنون.

روى الإمام أحمد والترمذي وأبو يعلى والحاكم وابن حبان وعدي عنأنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: <<لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله>>. وفي لفظ: <<لا يقال: الله الله>>. وفي لفظ: <<لا تقوم الساعة حتى لا يقال لا إله إلا الله. وحتى تمر المرأة بالبعل فينظر إليها فيقول: لقد كان لهذه مرة رجل، وحتى يكون الرجل قيما لخمسين امرأة، وحتى لا تمطر السماء ولا تنبت الأرض>>.

وفي صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان الطويل في ذكر الدجال وعلامات الساعة وفيه:
<<... فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة>>.

قال النووي في شرحه على مسلم:
يتهارجون تهارج الحمر أي يجامع الرجال النساء بحضرة الناس كما يفعل الحمير، ولا يكترثون لذلك. اهـ

وقد أصبحنا نرى كل هذا في حياتنا ونرى القتل في بلادنا والقلوب أصبحت من كثرة الأحداث لا تراعي مصلحة ولا مفسدة؛ وما ذاك إلا لانهم: {...نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)} الحشر، إلا من رحم.

اللهم أصلح قلوبنا واحوالنا وثبت الإيمان في قلوبنا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا وخذنا إليك وانت راضي عنا وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كتبه أبو صفية اليمني.


🔺عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا فقال لي: «يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن باللّه، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

🔺وفي رواية غير الترمذي: «احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً»


هذا حديث عظيم، فيه فوائد كثيرة ومسائل مهمة في العقيدة والسلوك والأخلاق والآداب وغيرها.
قال الإمام ابن رجب رحمه الله: "وهذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة، وقواعد كلية من أهم أمور الدين، حتى قال بعض العلماء: تدبرت هذا الحديث فأدهشني، وكدت أطيش، فيا أسفا من الجهل بهذا الحديث، وقلة التفهم لمعناه"
____________

الوقفة الأولى

🌴قال ابن عباس رضي الله عنهما: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال لي: «يا غلام! إني أعلمك كلمات». وفي هذا فائدتان:

📚الفائدة الأولى: اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه أمته، وتنشئتها على العقيدة السليمة، والأخلاق الفاضلة، والسلوك المستقيم؛ فنلاحظ هنا أنه صلى الله عليه وسلم حين ركب معه هذا الغلام الصغير لقَّنه كلمات قليلة الألفاظ، كبيرة المعنى، لها آثارها ونتائجها في الدنيا والآخرة.
وهذه السمة -أعني الاهتمام بالجيل الناشئ، وتربيتهم على العقيدة السليمة- ينبغي أن تكون سمة المصلحين والمربين والمعلمين، فهم الذين تحملوا ميراث النبوة، وحملوا على عاتقهم مهمة محمد صلى الله عليه وسلم هادي البشرية إلى الخير، ومنقذها من الضلالة، ومرشدها إلى صراط الله المستقيم.
لكن الملاحظ أن بعضًا ممن ولي شيئًا من أمر الإصلاح أو التربية أو التعليم لا يعطي هذا الجانب حقه من العناية، سواء أكان مديرًا أو معلمًا أو موجهًا، فيصرف كثيرًا من الأوقات هدرًا بدون فوائد تذكر على الناشئة، وهذا أمر لا ينبغي، حيث إن جيل اليوم هم قادة المستقبل وموجهوا الأمة، فالاهتمام بهم ورعايتهم في غاية الأهمية والضرورة.

📚الفائدة الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: «يا غلام! إني أعلمك كلمات...»، فيه أهمية الأسلوب الحسن لتربية الناشئة، فالوصية التي سيوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عباس بها لها أهمية عظيمة، ومكانة كبيرة، ولذا يستجمع ذهن هذا الغلام، ويحضر قلبه بمناداته، ثم يشوِّقه إلى ما سيقوله له، ويلفت انتباهه إلى نفاسة الوصية التي سيدلي بها إليه، فيقول: «إني أعلمك كلمات»، كل هذا من باب التشويق والانتباه، ولذا ينبغي على المعلم والمعلمة أن يراعيا الأسلوب المناسب في عرض ما لديهما من معلومات ومعارف للتلاميذ، وكذا على الأب والأم والمربي أن يراعوا ذلك مع من يقوموا بتربيتهم؛ لأجل أن تأخذ وصاياهم مكانها المفيد عند السامع.

🌺وعليه: فمن مهام المربي الناجح استعمال أسلوب التشويق، ولفت الانتباه حتى يصغي المتعلم إلى ما سيقوله المعلم.

🌴الوقفة الثانية

قوله صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك»، وفي رواية أخري: «احفظ الله تجده أمامك».

📚وفي هذه الجملة عدة فوائد، هي:

🔺الفائدة الأولى: في معنى قوله: «احفظ الله»، يقول العلَّامة ابن رجب رحمه الله:

أ- «احفظ الله» يعني: احفظ حدوده وحقوقه وأوامره ونواهيه، وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده فلا يتجاوز ما أمر به وأذن فيه إلى ما نهى عنه، فمن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله الذين مدحهم الله تعالى في كتابه،

🍃وقال الله عز وجل: ((هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ))

وفسر الحفيظ هنا بالحافظ لأوامر الله، وبالحافظ لذنوبه ليتوب منها

ففهم من هذا:

🌺أن حفظ العبد لربه أن يقوم بأوامره وينفذها كما أمره، فإذا كان من أوامر الله الصلاة وسائر أركان الإسلام كان من المسارعين في التنفيذ والاستجابة، ومن حفظ العبد لربه أن يجتنب نواهيه وزواجره فلا يقربها، فإذا نُهِي عن ارتكاب المنكرات، وزُجِر عن اقتراف السيئات كالزنا، والسرقة، والإفساد، والكذب، والغيبة، والنميمة، ونحوها فعليه أن لا يقربها، وأن يبتعد عنها.

🌺ومن حفظ العبد لربه: أنه إذا زل بزلة، أو ارتكب ذنبًا، أو خالف أمرًا من أوامر الله، أو عمل معصية من المعاصي؛ عليه أن يبادر بالتوبة والإنابة والاستغفار والرجوع لربه ومولاه، وخالقه، وموجده من العدم، والمنعم عليه، ليتم له حفظه ورعايته.

🔺الفائدة الثانية: هناك عدد من النصوص القرآنية والنبوية أمرت بحفظ أشياء مهمة، أو المحافظة على بعض الأمور الشرعية، أستعرض بعضًا
منها:
فمن ذلك:

أ- المحافظة على الصلاة، فقد أمر الله سبحانه وتعالى بالمحافظة عليها، فقال: ((حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى))

ومدح سبحانه المحافظين عليها بقوله تعالى: ((وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ))

🌷وروى الإمام أحمد -بإسناد جيد- عن حنظلة الكاتب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حافظ على الصلوات الخمس: ركوعهن، وسجودهن، ومواقيتهن، وعلم أنهن حق من عند الله، دخل الجنة، أو قال: وجبت له الجنة، أو قال: حرم على النار»

ب- ومن ذلك: المحافظة على الطهارة والوضوء، فالطهارة مفتاح الصلاة وشرط لصحتها.

🌴روى ابن ماجه والحاكم عن ثوبان -رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن»، قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين

جـ- ومما جاءت النصوص في المحافظة عليه: المحافظة على الأيمان، قال ابن رجب رحمه الله: «فإن الأيمان يقع الناس فيها كثيرًا، ويهمل كثير منهم ما يجب بها فلا يحفظه ولا يلتزمه»


د- ومما تجب المحافظة عليه: الرأس وما وعى من الحواس التي منحها الله للإنسان من سمع وبصر وغيرهما، فلا يستعملها إلا في طاعة الله تعالى، وحفظ البطن وما حوى، روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى»

وحفظ الرأس وما وعى يدخل فيه حفظ السمع وصيانته من سماع المحرمات، فيحفظه العبد عن ذلك، ولا يستمع إلا لما أباحه الله تعالى له، كأن يستمع لقراءة القرآن، أو إلى درس علمي، أو موعظة، أو ذكر لله تعالى، أو كلام مباح، ويتجنب سماع الكذب والغيبة والنميمة، وقول الزور والفحش والسباب.

🔸ومما يتأكد تجنبه: سماع الأغاني الخليعة وما يتبعها والتي تصد عن الله، وتقسي القلب، وتقرب من الشيطان، وتزين الفاحشة، وتلهي عن الطاعة، وتسهل المعصية... إلى غير ذلك من الأمور المشينة.

🔸ومما يتضمن حفظ الرأس وما وعى: حفظ البصر عن النظر إلى ما لا يحل النظر إليه من النساء الأجنبيات عن الإنسان، يقول الله تعالى: ((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ))

🔸ومما يتضمنه حفظ الرأس أيضاً: المحافظة على اللسان، فلا يطلق المرء للسانه العنان يتكلم بما شاء من خير أو شر دون مراعاة لما ينبغي أن يتحدث به.
ومن ذلك: عدم إطلاق لسانه في أمور الحلال والحرام دون التمعن والتثبت

🌴أخرج الحاكم في مستدركه، عن أبى هريرة - رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من حفظ ما بين لحييه وما بين رجليه دخل الجنة

وفى رواية للبخاري: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة»


🌴وروى الإمام أحمد وغيره من حديث أبى موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حفظ ما بين فقميه (أي لحييه) وفرجه دخل الجنة»، قال المنذري: ورواته ثقات

🌴وروى الترمذي -وحسنه- وابن حبان في صحيحه عن أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وقاه الله شر ما بين لحييه، وشر ما بين رجليه دخل الجنة»

🌴وروى البخاري ومسلم وغيرهما عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب»

🌴وفي رواية الترمذي وابن ماجه: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوى بها سبعين خريفًا»(

🔺وحفظ البطن وما حوى يتضمن حفظ القلب عن الشكوك والشبهات، وعن التعلق بالشهوات، وعن الإصرار على ما حرم الله تعالى، يقول الله سبحانه وتعالى: ((وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ))(17)، ((إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)

🌴وروى البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول -وفيه-: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»

🔺ويتضمن حفظ البطن: حفظه من إدخال الحرام عليه من المآكل والمشارب، فيحرص كل الحرص أن لا يطعم ولا يشرب إلا ما أحلَّه الله سبحانه وتعالى، وما كان من كسبٍ حلالٍ، فاللّه سبحانه وتعالى طيِّبٌ لا يقبل إلا طيبًا، وأيّما جسدٍ نبت من حرامٍ فالنار أولى به.

🌴روى مسلم في صحيحه، عن أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين،

فقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا))

وقالت تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْن
َاكُمْ وَاشْكُرُوا لله إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ))

ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟

🌴فمن خلال هذا يتبين أن الذي يتعامل بالحرام ويتعاطاه لم يحفظ الله تعالى، وقد عرض نفسه لأمر خطير وعظيم.

هـ- ومما يحفظ به العبد ربه المحافظة على فرجه، فقد أمر الله سبحانه وتعالى بحفظ الفروج، وقد مدح الحافظين لها،

🌴فقال سبحانه وتعالى: ((قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ))(23)،

🌴ويقول سبحانه وتعالى في معرض ذكره لصفات المؤمنين: ((إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا))

ويقول سبحانه وتعالى: ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)) إلى أن قال: ((وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ))


🌴وروى البخاري وغيره عن أبى هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة»

🔺وفي رواية للحاكم قال: «من حفظ ما بين لحييه، وما بين رجليه دخل الجنة»

🌺فعلى المسلم والمسلمة أن يحافظا على فروجهما، وأن لا يستعملانها إلا فيما أباحه الله سبحانه وتعالى، ومن عرض نفسه للحرام فقد ارتكب جرمًا خطيرا وذنبا عظيما

🔺الفائدة الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: «يحفظك»، وقوله: «تجده تجاهك»، وفى رواية: «تجده أمامك».

🌴يفيد هذا النص: أن من حفظ الله تعالى فإن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظه في الدنيا والآخرة، فمن حفظ حدود الله وراعى حقوقه حفظه الله، فإن الجزاء من جنس العمل، قال ابن رجب: "حفظ الله لعبده يدخل فيه نوعان:

🔺أحدهما: حفظه له في مصالح دنياه، وذلك كحفظه في بدنه، وولده، وأهله، يقول الله سبحانه وتعالى: ((لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ))(28)، قال ابن عباس: "هم الملائكة يحفظونه بأمر الله، فإذا جاء القدر خلوا عنه".

🔺ومن حفظ الله تعالى في صباه، وفى صغره وشبابه، وحال قوته، حفظه الله في حال كبره وضعفت قوته، ومرضه، ومتَّعه بسمعه وبصره، وحوله وقوته، وعقله، وذكر ابن رجب أن بعض العلماء قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله، فوثب يوماً وثبةً شديدة فعوتب في ذلك، فقال: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر.

🌺والنوع الثاني: وهو أشرف النوعين: حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة، ومن الشهوات المحرمة، ويحفظ عليه دينه عند موته فيتوفاه على الإيمان"(29) اهـ رحمه الله.

🌴وتفصيل ذلك: أن الله سبحانه وتعالى تكفل لعبده المؤمن الذي حافظ على أوامر ربه ونواهيه ولم يتعد حدوده بأن:
🌷أ- يحفظه في الدنيا من الشبهات التي تعتري الإنسان، والتي ربما يزيغ عن الصراط المستقيم بسببها، ويحيد عن جادة الحق؛ فيضل مع الضالين، ويهلك مع الهالكين، من حيث يشعر أو لا يشعر، وبخاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه الشبه وتنوعت، وصار لها مروجون ودعاة يثيرونها، ويكثرون الجدل فيها بقصد أو بغير قصد، ومن استسلم لهذه الشبه فعليه خطر في دينه وإيمانه.
🌷ب- من حفظ الله أيضاً حفظه في هذه الدنيا من الشهوات المحرمة التي يزينها الشيطان للإنسان، ويسهل له الوقوع فيها، وبخاصة في هذا الوقت الذي تعددت فيه مصادر الشهوات ومواردها؛ فمن لم يحفظ الله تعالى لم يسلم من الوقوع فيها، ومشاركة الشيطان في ارتكابها واقترافها، ولهذا كله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه بأن يحفظه بالإسلام، وكان يعلمه لأصحابه، روى ابن حبان في صحيحه، عن عمر -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه أن يقول: «اللهم احفظني بالإسلام قائمًا، واحفظني بالإسلام قاعدًا، واحفظني بالإسلام راقدًا، ولا تطع فيّ عدوًا ولا حاسدًا» أي: لا تستجب دعاء عدو ولا حاسد فيّ(30).
ويقول ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ))(31) قال: "يحول بين المؤمن وبين المعصية التي تجره إلى النار"(32). اهـ.
وقال الله تعالى في شأن يوسف -عليه السلام- حيث حفظ الله تعالى في صغره وشبابه: ((وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ))(33).
2024/11/14 14:38:43
Back to Top
HTML Embed Code: