Telegram Web Link
حيث كتب على بابه بعد موته م

ا يخلد ذكراه عند الناس بالخير.

ولم يكرمه الله بتلك الكرامات إلا لعفته وحيائه من الله، وعزمه على التوبة والإقلاع عن جميع الذنوب!

ومن ثمرات العفة: أنها تجمع خلال الخير كلها، بينما الفاحشة تجمع خلال الشر كلها، قال ابن القيم -رحمه الله- وهو يعدد لنا خلال الشر الذي تكتسب من هذه الفاحشة الشنيعة الزنى: “والزنى يجمع خلال الشر كلها: من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة؛ فلا تجد زانيا معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله؛ فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم، وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته”.

ومنها سواد الوجه وظلمته، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين.

ومنها: ظلمة القلب وطمس نوره وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغشيان الظلمة له.

ومنها: أنه يذهب حرمة فاعله، ويسقطه من عين ربه، ومن أعين عباده.

ومنها: أنه يسلب أحسن الأسماء، وهو اسم العفة والبر والعدالة، ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن.

عباد الله: اسألوا الله، العفة والعفاف، والتزموا هذا الخلق واجعلوه سياجاً، يحفظ للمرء دينه وكرامته وخلقه؛ فقد كان -صلى الله عليه وسلم-كثيرا ما يدعو “اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى” (رواه مسلم).

هذا وصلوا وسلموا على أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
🕋🕋🕋🕋🕋🕋🕋🕋

🎤خطبةجمعة🎤

📖الاعتداء على الأقصى📖







👳🏻يحيى بن سليمان العقيلي


🎯ملخص الخطبة

1- إحراق اليهود للمسجد الأقصى.
2- معاناة المقدسيين ودفاعهم عن المسجد الأقصى.
3- المخاطر المحدقة بالمسجد الأقصى.
4- واجب المسلمين تجاه هذه الأحداث والجرائم الصهيونية.

📜الخطبة الأولى


أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، فإن تقوى الله تفرّج الكربات وتستجلب البركات وتستنصر ربَّ البريات، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا.
معاشر المؤمنين، لم تكد تمرّ علينا الذكرى المؤلمة التي كانت طعنة في قلب الأمّة الإسلامية،
ذكرى إحراق المسجد الأقصى على يد يهودي صهيوني عام 1969 ميلادية، حين التهمت النار أجزاء هامة منه كمنبر صلاح الدين الأيوبي محرر الأقصى من الصليبيين، في اعتداء آثم لا زالت ذكراه تؤلم قلوب المسلمين، حتى دنس الصهاينة أرض المسجد الأقصى قبل أيام لإقامة صلواتهم الباطلة كما يزعمون، في سلسلة اعتداءات آثمة متكررة تستهدف تهويد المكان المقدس وبناء هيكلهم المزعوم.
إنها النار التي لا زالت تلتهم الأقصى والقدس والمقدسيين حتى الآن، إنها نار الكيد الصهيوني لتدنيس المسجد وتهويد القدس، فلا زالت حرب الاقتحامات والمصادرة لأملاك المقدسيين والتهويد والاغتصاب العنصري مستمرة، ولا زال المقدسيون يعانون، ولا زال الأقصى يعاني من محاولات عزله عن أهله ومنع المسلمين من الصلاة فيه. إنه المسجد الأقصى ـ
عباد الله ـ أولى القبلتين ومسرى رسول الله ومعراجه إلى السموات العلا، وموضع إمامته للصلاة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
استهداف الأقصى ـ عباد الله ـ لم يمنع المسلمين من الدفاع عنه، فقد شهدت ساحاته والساحات المحيطة بالقدس مواجهات قدم فيها المقدسيون المرابطون خيرة أبنائهم دفاعًا عن القدس والأقصى، رأيناهم شبابا وشيبا، رجالا ونساء، يتصدون لهجمات الصهاينة بأسلحتهم وهم عزّل إلا من الإيمان والفداء والشجاعة.
معاشر المؤمنين، إن الأقصى في خطر محدق، انهيارات أرضية نتيجة للحفريات أسفل الأقصى، وتشققات في ساحات الأقصى ناتجة عن عمليات الحفر المجنونة تحت بلاط الأقصى، يقول أحد خبراء الآثار الفلسطينيين:
أفقنا يومًا ولم نجد قطرة ماء في أحد آبار المسجد الأقصى، فنزلنا في البئر لنعرف السبب، فوجدنا عددًا من الصهاينة اليهود يقومون بأعمال حفريات داخل البئر وقد وصلوا له من الأسفل.
لقد أصبح أسفل المسجد الأقصى منطقة فارغة مختلة القواعد، نتج عنها انهيارات وتشققات في أرضيته بشكل مستمر، فماذا لو تم العبث بأساسات المسجد من الذين يقومون بالحفريات وافتعلوا انفجارًا أو هزة ما؟! كما يخطط الصهاينة لبناء جسر لحمل شاحنات تدخل من باب المغاربة إلى باحة المسجد، فما الذي ستحمله تلك الشاحنات التي يخطط لإدخالها للأقصى؟!
لقد تم بالأمس القريب ـ عباد الله ـ إحباط مخطط لتغيير أقفال ومفاتيح أحد أبواب المسجد الأقصى من قبل مجموعة من الصهاينة الذين يعملون على اقتحام المسجد بشكل مستمر، إنهم يسعون ـ عباد الله ـ لتقسيم المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين، توطئة لتخصيص موقع لهيكلهم المزعوم، وقد تم الإعلان عن تدريبات للقوات الخاصة الصهيونية لتسلّق جدران المسجد الأقصى واقتحامه، كما أنهم وضعوا مؤخرا مجسما لهيكلهم المزعوم في باحات المسجد الأقصى في تحدّ للعرب وللمسلمين جميعًا، وتأكيدًا على مخططهم لهدمه وبناء الهيكل، كل هذا الكيد والمكر يشير إلى أن المسجد الأقصى على أبواب خطر كبير، خطر داهم، يهدد كيانه وبنيانه، فما الذي أعده المسلمون لمواجهة هذا المكر الصهيوني تجاه قبلتهم الأولى مسرى رسول الله ؟!
نسأل الله جل وعلا أن يحمي بيته ويحفظ دينه، وأن يعين الأمة على أداء واجبها والقيام بدورها لحماية الأقصى وتحريره من دنس اليهود.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

📜الخطبة الثانية

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وأكرمنا بالإيمان وشرفنا بالقرآن،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل أمتنا خير أمة أخرجت للناس،
وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله الطاهرين وصحبه الطيبين، ومن تبعهم بإحسان.

أما بعد: معاشر المؤمنين، إننا حين نجدد الذكريات فإننا ننشد تمييز طريق الهدى عن سبل الضلالات، وحين نتذكر الآلام فإننا نجدد العزم والآمال، فقد كانت ال
نكبات لأمتنا تنبيها عن الغفلات وتجديدا للعزمات واستدراكا للضعف والتراجعات، والواجب على كلّ مسلم اليوم أن ينتصر للأقصى بما يطيق ويستطيع ولو بالكلمة والدعاء؛ لأن اعتقاد القلب بوجوب النصرة والتبرؤ من الخذلان أمر لازم لتبرأ الذمة يوم الوقوف بين يدي الواحد الديان.
الجهاد والدفع واجب لتحرير الأقصى بل وفلسطين جميعها عباد الله، هذا هو حكم الإسلام، فلا تحرير للأقصى ولا استرجاع للحقوق المغتصبة إلا بالجهاد في سبيل الله، لا نقول ذلك دغدغة للعواطف وتجاهلا للواقع، بل عن عقيدة وإيمان واستجابة لحكم العزيز المنان، واستمعوا لقول ربكم ـ أيها المسلمون ـ لتدركوا الطريق المستقيم وتسلكوه، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ.
هؤلاء هم الموعودون بالنصر، وليسوا أولياء اليهود وأتباع الشيطان الذين باعوا دينهم ووطنهم ومقدساتهم بثمن بخس، فهؤلاء ليسوا أهلا بتنزل النصر عليهم.
عباد الله، نصرة الأقصى واجبة بالدعاء والمساندة المادية التي تثبت رباط المقدسيين، فهناك مشروع شد الرحال للأقصى بتسيير قوافل المصلين إليه؛ ليكون عامرا بأهله، ومشاريع الترميم والعمارة ومشاريع التعليم وغيرها من المشاريع الخيرية التي يترجم المسلم خلالها نصرته للأقصى عمليّا، كما أن الوقوف أمام مخططات التطبيع مع العدو الصهيوني واجبة في ظل الضغوط والمؤامرات التي تمارسها قوى الاستكبار والعداء للإسلام، والأوهام التي يجري وراءها عملاء الاستسلام ووكلاء الخيانة الذين لا زالوا يلهثون وراء السراب ويتذللون للصهاينة لاستجدائهم، ثم هم يشهرون السلاح في وجه المقاومة الباسلة حماية للصهاينة وإمعانا في مهاوي الخيانة والعمالة، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين.
فاتقوا الله عباد الله، وانتصروا لدينكم ومقدساتكم، وأنفقوا خيرا لأنفسكم، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.
هذا، وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه...



🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
الاخوة الدعاة والخطباء والوعاظ حفظكم الله ورعاكم


نتابع المستجدات والأحداث المثيرة والمؤلمة في الأقصى الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين .. ولذا يطلب منكم:
التوعية الارشادية بواجب الأمة نحو المسجد الأقصى الشريف والدفاع عنه والتوعية بذلك في جميع الأنشطة الإرشادية باعتبار قضية القدس وفلسطين هي قضية المسلمين الأولى، وأي استنزاف لطاقات الأمة في صراعات أو حروب داخلية وخلافات ما هو إلا إضعاف لقوة المسلمين وتشتيت لقدراتهم وخدمة لأعداء الأمة. .
وفق الله الجميع لما يحبه ربنا ويرضاه

💡💡💡💡💡💡💡💡💡
⛅️ #إشــツـراقة_الصبـاح

❈ الاربعاء ❈
٢٥/ شــــ➓ــوال/ ١٤٣٨هـ
19/ يـولـيــ⑦ــو/ 2017مـ
❂:::ــــــــــــــــــ✺ـــــــــــــــــ:::❂

‏{فسقى لهما ثم تولّى إلى الظل}
لم تحجزه متاعبه وخوفه من
الملاحقة؛ أن يعمل المعروف !
امثالهم المؤهلون لحمل القضايا
الثمينة!...♡
‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏
صبــــاح صنع المعروف...@
*إشراقة الصباح*
صباحُ الشّدْوِ يعْبق بالمعاني
ويغْبق منْ جزيلاتٍ حِسَانِ
صباحٌ فيْه للآيات نفْحٌ
يفوْح شذاهُ بالسّبْع المثاني*
صباحكم سعادة وتوفيق💕
أذكآر الصبآح | نور لِقلبك ⛅️

آيات عطرة مع الشيخ :
*ناصر القطامي*
http://cutt.us/kDW4
☀️☀️
🍃 *تدبر*🍃
‏إذا ضاق صدرك وزاد همك فالزم التسبيح فقد قال الله لنبيه محمد ﷺ﴿وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّكَ يَضيقُ صَدرُكَ بِما يَقولونَ فَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ وَكُن مِنَ السّاجِدينَ﴾

*إشراقة*
قال المناوي رحمه الله :
ينبغي للإنسان أن لا يحتقر أحدًا ، فربما كان المحتقر أطهر قلبًا وأزكى عملاً وأخلص نية ، فإن احتقار عباد الله يورث الخسران ، ويورث الذُّل والهوان .
[ فيض القدير ٥ / ٣٨٠ ]

*حديقة التأملات*
جاء شاب إلى حكيم فقال له : "إنَ في نفسي ذئبان يتصارعان أحدهما يدعوني إلى الخير والآخر إلى الشر "فقال له الحكيم : سينتصر الذي تطعمه 👌🏻.

*صلاه الضحى*🌸🌼
تكسيك أجورا زاهية عن كل مفصل تكتب صدقة و بيتا في الجنّة يجهز أنت صاحبه أثمة نعيم كهذا بأربع ركعات فقط ؟

》 *وختااما*《
اشتياقكم للجنة لا تجعلوه حروفا تُسَطّر فقط ، جسِّدوه واقعًا ، أنفقوا سراً ، عودوا مريضاً ، بِرّوا والدًا ، صلوا ضُحى ، قوموا ليلاً ، صوموا نفلاً ، أغدقوا على أجسادكم لباساً ساتراً ، ألبسوا جوارحكم العفة عن الحرام سمعاً ومشاهدةً وسعياً ، عندها فقط تكون الجنةُ واقعا .
🌸 *صباحكم جنة*🌸
ﮩ•┈••✾•◆❀◆•✾••┈•ﮩ
زاد الخـطــيــب الـــدعـــــوي📚:
🎤
خطبـة.جمعــة.بعنــوان.cc
واجبنا نحو المسجد الأقصى والقدس
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

1) مكانة القدس وأهميته .
2) منزلة المسجد الأقصى .
3) حقيقة المعركة بيننا وبين إسرائيل .
4) حديث القرآن عن إفساد بنى إسرائيل وعقوبتهم .
5) سلام السراب أو سراب السلام ، والوهن النفسي .
6) غزة وصحوة لن تموت .
7) الجهاد في أرض الرباط و الجهاد .
8) واجبنا نحو القدس والمسجد الأقصى .
أولاً : مكانة القدس وأهميته :
القدس مدينة الله على الأرض زيارتها سنة وتحريرها فرض، القدس مدينة الأنبياء وبوابة الأرض إلى السماء ، القدس زهرة المدائن وبسمة الأماكن ليلها صلوات وابتهالات ، ونهارها كدح ودعوات، وتاريخها هو تاريخ الرسالات ، وتضحيات المرسلين ، من عاش فيها أو في أكنافها حمل مقدساتها على ظهره ، ومن ابتعد عنها حفظها في صدره سلمها النبي إلى النبي حتى تسلمها محمد صلى الله عليه وسلم من جميع الأنبياء في حفل باركته الأنبياء ، فدخلت في حصن الإسلام المنيع، فطهرها من كل دنس وفتحها على مصراعيها للتائبين العابدين والمصلين الموحدين والمؤمنين الخاشعين .

القدس مدينة الحق والعدل على أسوارها استشهد الأبطال الغر الميامين، وفي ساحتها استبسل صناديد الرجال المؤمنين ، على أبوابها يتصارع الحق والباطل صراعاً مريراً حتى يحسم الحق المعركة في جولته الأخيرة ، فيعود لها الأمن وتظلها ظلال الإيمان، القدس جزء من عقيدة المسلمين شأنها في ذلك شأن المسجد الحرام ، فإليها توجه النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون في صلاتهم حيناً من الزمن ، وإليها كان منتهى إسراء الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم،ومنها كان معراجه صلى الله عليه وسلم (: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) .الإسراء : 1

ونوه القرآن في مواضع كثيرة إلى أهمية القدس ، قال تعالى : ( وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) .البقرة 58
وقال تعالى : ( ويا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) .المائدة 21
وقال تعالى : ( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) الأعراف 137
وقال تعالى : ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) . الأنبياء 81

وبيت المقدس أرض مباركة ارتباطها بالمسلمين ارتباط عقيدة وإيمان، وقد ورد في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة قال له أحد الصحابة إني نذرت أن أصلى في بيت المقدس إن فتح الله عليك مكة، وقالت ميمونة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين : يا رسول الله إنى جعلت على نفسي إن فتح الله عليك مكة أن أصلى في بيت المقدس ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ : يا معاذ إن الله عز وجل سيفتح عليكم الشام من بعدى من العريش إلى الفرات رجالهم ونسائهم مرابطون إلى يوم القيامة فمن اختار منكم ساحلاً من السواحل في الشام أو بيت المقدس فهو في جهاد إلى يوم القيامة “ .

ثانياً: منزلة المسجد الأقصى :
القدس الشريف بها المسجد الأقصى الذي هو رابع أربعة أمكنة لا يسلط عليها المسيخ الدجال ، فقد ذكر الألوسى في تفسيره ، قال : أخرج الإمام أحمد في مسنده أن الدجال يطوف الأرض إلا أربعة مساجد مسجد المدينة ، ومسجد مكة ، والأقصى والطور ، والمسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى ، ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومعراجه إليه تشد إليه الرحال ، والصلاة فيه تعدل خمسمائة صلاة فيما سواه ، عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى ” رواه البخاري ومسلم، ففلسطين كلها مباركة ومقدسة ولا فرق بين القدس القديمة والقدس الجديدة ، ولا فرق بين يافا وحيفا والخليل ونابلس وجنين ، إن كل شبر من أرض فلسطين مبارك ومقدس، وعلى هذا فلا يملك حاكم أو محكوم أو نظام أن يفرط في شبر واحد من تراب فلسطين، حتى القبول بقيام دولة اليهود في بقية الأرض الفلسطينية التى احتلت قبل 1967م ، كالقدس الجديدة أو حيفا ، أمر يتعارض مع ديننا وشريعتنا .
وفي الحديث الصحيح عند البخاري أن موسى بن عمران عليه السلام عندما حضره الموت سأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة ، وتعاقب على المسجد الأقصى أنبياء الله يقيمون فيه مكان العبادة والمحاريب ، قال تعالى : ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ ع
ِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَم

ُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) آل عمران : 37
وفي الحديث عند أحمد والترمذي أن يحيى بن زكريا عليهما السلام أمره الله بإبلاغ بنى إسرائيل أوامره ، فجمع الناس في بيت المقدس فامتلأ المسجد وقعدوا على الشرف ” ولابد للمسلمين أن يميزوا بين المسجد الأقصى المقصود في الآيات والأحاديث الشريفة، وبين مسجد قبة الصخرة الذي يحكى أن بعض أنبياء بنى إسرائيل أقاموا مكانه مسجداً لهم اجتمعوا فيه ، وأول من أقام مسجداً في الإسلام في هذا المكان هو عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي ، ومسجد قبة الصخرة هو المشهور بالقبة الذهبية على المبنى المثمن ، وكثيرا ما تنصرف أذهان الناس إليه على أنه المسجد الأقصى لكثرة انتشار صورته .

ثالثاً : حقيقة المعركة بيننا وبين إسرائيل :
المعركة بيننا وبين اليهود قديمة جديدة منذ عهد بنى قينقاع وبنى النضير وبنى قريظة الذين عاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فغدروا به وانضموا إلى أعدائه ، فكان جزاؤهم ما عرفه التاريخ ، هؤلاء اليهود ضمهم الإسلام في رحابه وأدخلهم تحت جناحه فتح لهم صدره الحنون ، رفضتهم الدنيا ولفظتهم لفظ النواة وشردهم العالم من شرق وغرب فلم يجدوا كهفاً يأوون إليه إلا دار الإسلام، لم يستظلوا إلا بظل الإسلام ، ثم نجدهم تغلب عليهم طبيعتهم الغادرة فينقلبون على من آواهم وحماهم ، عرضت عليهم أوطان أخرى بديلة فأبوا إلا هذه الأرض ، والأمر كان قال المجاهد أمين الحسيني رحمه الله تعالى: ” إن فلسطين ليست وطناً بغير شعب حتى تستقبل شعباً بغير وطن ، فلسطين لها شعبها وأهلها، إن هذه الأمة بالإيمان تصنع الأعاجيب ، ارفع أمامها المصحف وقل يا رياح الجنة هبي، ويا خيل الله اركبي ، وبكتاب الله سيرى ، ثم أنظر ماذا ستصنع هذه الأمة ، لقد طالما عزفوا على معزوفات القومية والاشتراكية ، والديمقراطية ، والتقدمية ، فلم تحرك هذه ساكناً ، ولكن عندما تحركت بالإيمان وبالإسلام ، وبـ لا إله إلا الله ، عادت إليها الروح، والإيمان، والإسلام ، القرآن؛ أحلام الجنة هي التي تحرك الأمة، هذا ثابت بيقين ونحن محتاجون إليه دائماً في قضية فلسطين.
ولا يمكن أن تنتصر هذه القضية إلا إذا أصبحت قضية إسلامية لأن عدونا يقاتلنا باسم الدين، تجمعوا في فلسطين من شرق وغرب ومن أمريكا وروسيا، في بلاد العرب والعجم ما الذي جمعهم من شتات ، إنها العقيدة اليهودية إنها الأحلام التوراتية ، إنها التعاليم التلمودية ، إنها اللغة العبرية ، لقد كانوا يعيشون في بلادهم آمنين بل كان مهم من يملك الملايين ، ومن لهم نفوذ يستطيعون أن يؤثروا به على السلاطين، ولكنهم تركوا هذا كله ، وجاءوا من أجل أن يقيموا دولة ، دولة تقدس تعاليمهم تمنع العمل يوم السبت ، دولة فيها أحزاب دينية متطرفة ، وقد قال موشى ديان : ” إن جيش إسرائيل ليست مهمته حماية المؤسسات، إنما مهمته حماية المقدسات، وإذا كان هؤلاء اليهود مغتصبي أرضنا وديارنا وبيوتنا بدوافع دينية وأحلام دينية .كان أوجب علينا أن نحارب بمثل ما يحاربوننا به ، فإذا حاربونا بالتوراة حاربناهم بالقرآن ، فإذا حاربونا باسم اليهودية نقاتلهم باسم الإسلام ، وإذا رفعوا راية التوراة رفعنا نحن راية القرآن ، وإذا قالوا التلمود ، قلنا البخاري ومسلم، وإذا قالوا نعظم السبت ، قلنا نعظم الجمعة ، وإذا قالوا الهيكل قلنا الأقصى ، وإذا جندوا جنودهم باسم موسى جندنا جنودنا باسم موسى وعيـسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ، فنحن أولى بموسى منهم ، هذه هي حقيقة المعركة مع اليهود أنهم اغتصبوا أرضنا أرض فلسطين أرض الإسلام ، وفرضوا وجودهم بالحديد والنار والعنف ، والدم ، تكلم السيف فاسكت أيها القلم ، بشرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن المعركة مستمرة مع اليهود حتى ينتصر عليهم المسلمون حتى يقول الحجر والشجر ” يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله ” .

رابعاً : حديث القرآن عن إفساد بنى إسرائيل وعقوبتهم :
تحدث القرآن الكريم عن هاتين النهايتين تدمير سيادتهم بالأسر البابلى، وإنهاء وجودهم بالسحق الروماني ، قال تعالى : ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا)الإسراء 3: 5. قد ذهب بعض علماء العصر مثل الشيخ الشعراوى وغيره إلى أن المرة الأولى في إفساد بنى إسرائيل كانت في عصر النبوة بعد البعثة المحمدية ، وهى ما قام به بنى قينقاع وبنو النضير ، وبنو قريظة ، وأهل خيبر من كيد وبغى على الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقد نصرهم الله عليهم ، أم
ا إفسادهم الثانية فهى ما يقومون به ا

ليوم من علو كبير وطغيان عظيم ، وانتهاك للحريات وإهدار للحقوق وسفك للدماء ، وسيقضى وعد الله تعالى بتأديبهم وعقوبتهم وتسليط المسلمين عليهم كما سلطوا من قبل :
ويرد د/ يوسف على هذا الرأي ويفنده ويستدل بالآتى :
1- أن قبائل بنى قينقاع وبنى النضير وبنى قريظة ، لا تمثل بنى إسرائيل وملكهم وإنما هم شرائح صغيرة من بنى إسرائيل ، بعد أن قطعوا في الأرض أمماً .
2- أن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة لم يجوسوا خلال ديار بنى إسرائيل، إذ لم تكن لهم ديار،وإنما هي ديار العرب،في أرض العرب.
3- أن قوله تعالى (عباداً لنا) لا يعنى أنهم من عباده الصالحين، فقد أضاف الله تعالى الكفار والعصاة إلى ذاته المقدسة كما في قوله تعالى ( أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ) . القرقان : 17 .
4- قوله تعالى : ( رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) يتضمن امتنان الله عليهم بذلك ، والله تعالى لا يمتن على بنى إسرائيل بإعطائهم الكرة على المسلمين.
5- أن الله تعالى إنما رد الكرة لبنى إسرائيل على أعدائهم بعد أن عاقبهم في المرة الأولى لأنهم أحسنوا وأصلحوا ، كما قال تعالى: ( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) واليهود كما عرفناهم وشاهدناهم لم يحسنوا ولم يصلحوا قط ، ولذا سلط الله عليهم هتلر وغيره ، كما يبتلى ظالم بظالم ، وهم منذ مائة سنة يمكرون بنا ويتآمرون علينا ليسرقوا أرضنا ، فمتى أحسنوا حتى يرد الله لهم الكرة علينا .
6- أن الله تعالى قال في المرة الأخيرة، ( وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) والمسلمون لم يدخلوا مسجدهم قبل ذلك بالسيف والقهر ، ولم يتبروا ما علوا تتبيراً ، بل لم يكن شأن المسلمين أبداً التتبير والتدبير في حروبهم وفتوحهم ، إنما هو شأن البابليون والرومان الذين سلطوا على الإسرائيليين.
7- إن ما أجمع عليه المفسرون القدامى أن مرتي الإفساد قد وقعتا ، وإن الله تعالى عاقبهم على كل واحدة منهما وليس هناك عقوبة أشد وأنكى عليهم من الهزيمة والأسر والهوان ، والتدمير على أيدى البابليين الذين محوا دولتهم من الوجود ، وأحرقوا كتابهم المقدس ، ودمروا هيكلهم تدميراً ، وكذلك ضربة الرومان القاصمة التي قضت على وجودهم في فلسطين قضاءاً تامًا ، وشردتهم في الأرض ، ( وقطعناهم في الأرض أمما ) والواضح أنهم اليوم يقعون تحت القانون الإلهي المتمثل في قوله تعالى : ( وإن عدتم عدنا) وها هم قد عادوا إلى الإفساد والعلو والطغيان ، وسنة الله تعالى أن يعود عليهم بالعقوبة التى تردعهم وتؤدبهم وتعرفهم قدر أنفسهم ، كما قال الشاعر :
إن عادت العقرب عدنا لها بالنعل والنعل لها حاضرة
وهذا الدمار الأول الذي تم على أيدى البابليين وتحدث عنه القرآن الكريم كان بالغ التأثير على اليهود ، فقد أزال معظم الوجود اليهودي، من فلسطين ، وظهر من السهولة التي أجلى بها البابليون سكان منطقة إسرائيل على يد سرجون ، ثم سكان منطقة يهوذا على يد بوختنصر ، إن جذور هؤلاء القوم لم تكن عميقة في أرض فلسطين ، وإذا استثنينا المعبد ، وقصر سليمان فلا تكاد تذكر لهم آثار خلال تسعة قرون قبل هذا الإجلاء .

خامساً: سلام السراب أو سراب السلام والوهن النفسى :
إن الوهن النفسي الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم الأمة في فترات الغثائية من تاريخها حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : “ولينزعن الله من قلوب عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن ، قيل وما الوهن يا رسول الله، قال : حب الدنيا وكراهية الموت” رواه أحمد .
هذا هو الوهن النفسي أن يخلد الناس إلى الدنيا ، إلى المناصب إلى الشهوات ويكرهوا الموت في سبيل الله ، ونهى القرآن عن الاستسلام للوهن ، قال تعالى : ( ولا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، آل عمران 139،وقد صاغ د/ يوسف سلام السراب في أبيات شعرية:
فيا عجباً لمن يجرى وراء سرابه النفسي
يظن له بـه ريـــا ويرجع فارغ الكأس
يفرط في دم الشـهداء بالعار والبــؤس
يبيع الأرض والتاريخ بالأرخص من فلس
يحكم في حمى صهيون بالثمـن البــخس
فـلا دولتـه قامـت ولا أبقى على النفـس
وضاع جهاد قرن كامل دفنوه في الرمـس
جهـود كلها ذهـبت كأن لم تغن بالأمـس
فما معـنى فلسـطين بلا أقصى ولا قـدس
فلسطين بـلا قـدس كجثـمان بـلا رأس

سادساً : غزة وصحوة لن تموت :
هم أشبال ورجال غزة والقدس والخليل ، تحمل هذه الصواريخ لترشق أعداء الله وسلالة القردة والخنازير ، وعبدة الطاغوت ،
وصدق الله العظيم فيما قال في حصيات رم

ى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر في وجوه المشركين رمى بها في تلك الوجوه الكافرة ، وقال شاهت الوجوه سيهزم الجمع ويولون الدبر ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) الأنفال: 17، الله ربى ، برمية رسول الله رمى اليهود برمية هؤلاء الغلمان، المهم هو الإنسان المؤمن الذي يقاتل لهدف ،الإنسان الذي يرى الجنة أمامه ، نريد لهذه المرحلة هذا الإنسان ، وهذا ما صنعته ثورة المساجد ، ربت الأطفال على حصير المساجد ، ربتهم على القرآن على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعت أمامهم نماذج الصحابة والتابعين صورة الأبطال الفاتحين ، صورة أبى عبيدة وخالد وعمرو وعماد الدين زنكي ، ونور الدين محمود ، وصلاح الدين الأيوبي ، ربت هؤلاء على هذه المعاني الحية ، فكانت منهم الأيدي المتوضئة ، نريد الأيدي المتوضئة الأيدي الطاهرة النظيفة والقلوب الطاهرة النظيفة وراء هذه الأيدي ، قال صلى الله عليه وسلم : ” لا تزال طائفة من أمتى على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم حتى يأتى أمر الله وهم على ذلك ، قيل يا رسول الله وأين هم ، قال ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس ” رواه أحمد في مسنده .

هذه الأرض أرضنا عاش عليها آباؤنا وأجدادنا ارتفعت فيها المآذن ودوت بـ لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، ودفن في ثراها المؤمنون عاشوا عليها أحياء ودفنوا في ثراها أمواتاً ثورة المساجد مستمرة حتى تحرر فلسطين ، إن هذه الثورة المؤمنة وهذه الصحوة وهذه الانتفاضة الربانية أعادت الروح إلى الجسد الهامد.
قال الشاعر خالد أبو العمرين : “في القدس قد نطق الحجر”
الضابط المهزوم والدجال والطبال
والكذاب والسمسار
في جنح المساء
يتداولون فصول مذبحة تدبج في الخفاء
هجموا على أجفاف زيتونى
ليقتطفوا زهور الشهداء
جاءوا كأبرهة سواد وجوهم
يلد الغباء

سابعاً : الجهاد في أرض الرباط والجهاد :
القدس هى أرض الجهاد ، وإنه سيفتحها الإسلام وستكون للمسلمين ، وقد أعلم الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأرض المقدسة سيستولى عليها الأعداء أو يهددونها بالاحتلال ، ولهذا حرض أمته على الرباط فيها والجهاد للدفاع عنها حتى لا تسقط في أيدي الأعداء، كما أخبر صلى الله عليه وسلم بالمعركة المرتقبة بين المسلمين و اليهود ، وأن النصر في النهاية سيكون للمسلمين عليهم ، وأن كل شئ سيكون في صف المسلمين حتى الحجر والشجر ، وإن كلاً منهما سينطق دالاً على أعدائهم : ” لا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من جابههم إلا ما أصابهم حتى يأتى أمر الله ، وهم على ذلك ، قالوا وأين هم يا رسول الله ، قال ببيت المقدس ، وأكناف بيت المقدس” رواه أحمد في مسنده .
والجهاد ركن من أركان البيعة ، والجهاد كما يقول الإمام الشهيد هو الفريضة الماضية إلى يوم القيامة ، ويقول الأستاذ/ المودودى أن تكون فيك الغيرة الإسلامية على الإيمان وحب الدين ، والغيرة على المقدسات الإسلامية ، فالجهاد بمعناه الخاص القتال في سبيل الله ، ومعناه العام أن حياتنا من أولها إلى أخرها جهاد ، وهى مراحل وحلقات كل حلقة تؤهل للأخرى , والإمام بن القيم تحدث عن هذه المراحل ، والجهاد له منزلة عظيمة ، وفي الصحيحين عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن في الجنة مائة درجة ، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض“رواه البخاري ، وقال تعالى : ( لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء 95 ، وأنواع الجهاد : جهاد النفس ، وجهاد الشيطان ، وجهاد المنافقين ، وجهاد الكفار .
ويذكر الإمام الشهيد أن في الجهاد : عاطفة حية قوية تحزن على ما وصل إليه المسلمون من ضعف ، من الجهاد أن يحملك هذا على التفكير الجدي في طريق النجاة ، من الجهاد أن تضحى ببعض مالك ووقتك ، من الجهاد أن تكون جندياً لله جاهزاً عندما يفتح باب الجهاد، من الجهاد أن تحب المجاهدين من كل قلبك ، ولنعلم بأنه لا جهاد بلا تضحية ، وحذر الله تعالى من القعود عن الجهاد بالعذاب الأليم ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) التوبة 38.

ثامناً : واجبا نح
و القدس :
1- لابد للأفراد من عودة صادقة

إلى كتاب الله والأمة من عودة إلى تحكيم شريعة الله .
2- أن يعد كل مسلم نفسه ويجاهد نفسه حتى يكون حاضراً ، لذلك اليوم الذى يقاتل فيه اليهود .
3- الدعاء للمجاهدين في فلسطين والتبرع لهم بكل غال ورخيص .
4- لابد من دعم الانتفاضة والجهاد والمقاومة في فلسطين .
5- يجب على الشعوب والحكومات رفض بما يسمى بالتطبيع مع إسرائيل على كل صعيد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً .
6- يجب إعادة المقاطعة الاقتصادية مع إسرائيل واستمرارها ، ويجب أن يعلم كل مسلم أن أى دينار أو درهم أو جنيه يذهب إلى إسرائيل يتحول إلى قنبلة أو صاروخ .
7- لابد من الوحدة وعدم الفرقة وإثارة الخلافات .
8- لابد من رفع إسلامية المعركة .
ويصير الجهاد فرض عين في ثلاثة مواضع :
أ‌- إذا نزل الكفار بلد من بلاد المسلمين .
ب‌- إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان حرم على من حضر الانصراف، ( يأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأنفال 45.
ت‌- إذا استنفر الإمام قوماً لزمهم النفير ، قال صلى الله عليه وسلم : ” إذا استنفرتم فانفروا ” رواه البخاري ومسلم.

=======================
زاد الخـطــيــب الـــدعـــــوي📚:
🎤
خطبـة.جمعــة.بعنـوان.cc
تشويق الحجيج الى البيت العتيق
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــــة.الاولــــى.cc
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وفرض علينا حج بيته الحرام، وجعله سببًا لدخول الجنان وتكفير الذنوب والآثام،
أحمده تعالى وأشكره وأستعينه وأستغفره، وأثني عليه الخير كله، وأسأله المزيد من الفضل والإنعام،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك القدوس السلام،
وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله أفضل من صلى وزكى وحج وصام، صلى الله عليه وعلى آله البررة الكرام، وأصحابه الأئمة الأعلام، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب النور والظلام، وسلم تسليمًا كثيرًا.

امــــا بعــــد :
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعمروا مواسم الخيرات بأنواع الطاعات، وعظموا ما عظم الله تعالى من الشعائر والحرمات؛ فإنكم تعيشون في شهر شوال
ويجدر الذكر فيه بفريضة الحج والتشويق الى البيت العتيق وخاصة في مثل هذه الايام مكاتب الحج تستقبل الوافدين للانظمام مع وفد الحجيح
﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج:30] ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ ﴾ [الحج:32].

عــــباد اللــــه :
لما فرغ خليل الله إبراهيم -عليه السلام- من بناء الكعبة
أمره الله بأن يؤذن في الناس بالحج قال تعالى: وَأَذّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلّ فَجّ عَميِقٍ [الحج:27]. فقال إبراهيم: يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذ إليهم؟ فقال: ناد وعلينا البلاغ، فقام على مقامه،وقيل: على الصفا، وقيل على أبي قبيس. وقال: يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة، لبيك اللهم لبيك.

يا إبراهيم، نادهم ليحصل نفعهم في معادهم، وأتِ بهم من بلادهم، وأخرجهم عن أهلهم وأولادهم، فليقصدوا بابي مسرعين رجالا، (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً).

يا غافلا عني أنا الداعي، يا متخلّفًا عن زيارتي أنا ألقى الساعي، يا مشغولاً عن قصدي لو عرفت اطّلاعي، أنا أقمت خليلي، يدعو إلى سبيلي، وأقبلت بتنويلي على محبيّ إقبالاً، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً.

لله در أقوام فارقوا ديارهم، وعانقوا افتقارهم، وطهروا أسرارهم، يدعون عند البيت قريبًا سميعا، ويقفون بين يديه بالذلّ جميعا، ويسعون في مراضيه سعيًا سريعا، قد ودّعوا شهواتهم توديعا، فأفادهم مولاهم أن يرجعهم من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم أطفالا، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً. أيّ قلب لا يشتاق إلى تلبية النداء وإجابة الدعاء والانضمام إلى وفد ملك الأرض والسماء؟! أيّ عين لا تذوب بدمعها شوقا إلى البيت وحنينًا إلى الصلاة فيه والأنس في رحابه؟!
انه بيت الله المكرم تاريخٌ وذكريات سيرةٌ ومسيرة: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) [آل عمران: 96 - 97].

إليه حَجَّ الأنبياء وصلَّى إمام الحنفاء.. من مكة شعَّ نور الهدى وانطلقت رسالة التوحيد حتى عمَّت أرجاء الأرض وغيرت العالم وأرست أجمل وأعظم حضارة عرفها التاريخ..

مكة مركز العالم ورمز وحدة المسلمين ومصدر النور للعالمين.. أفضل البقاع عند الله وأحب البقاع عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

مكة المكرمة (أم القرى) بها ميلاد أشرف الورى.. على رباها نشأ وترعرع وفي أرجائها مشى وما تضعضع.. نصف قرنٍ من الزمان شهدت حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة؛ فأيُّ شرفٍ يعلو هذا الشرف
في تلك البقاع نزل جبريل -عليه السلام- بالوحي، وصدع النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتوحيد من (جبل الصفا).. لو حدثتكم الكعبة أو حكى زمزم والمقام لقالوا: كان هنا أبو بكرٍ وعمر، وكان عثمان وعلي وغيرهم من الصحب الكرام -رضوان الله عليهم أجمعين- أضاءوا الدنيا وطهروا الأرض، واعترك التوحيد مع الوثنية حتى أظهر الله الدين..

وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- أمام الكعبة ليقرر مبادئ الدين العظمى ويرسم نهج الإنسانية الأرقى.. والذي عجزت عن تحقيقه كل حضارات البشر إلى يومنا هذا.

ان تلك العرصات والبطاح المباركات قد رغب النبي صلى الله عليه وسلم بزيارتها وقصدها وحج بيت الله الذي وضعه فيها

إن قصد تلك البقاع الطاهرة يكفِّر الذنوب ويمحو الآثام ويحط الأوزار، بل ليس للحج المبرور جزاءٌ إلا الجنة.. قول نبيكم -صلى الله عليه وسلم-.
الحجاج والعمار وفد الله؛ دعاهم فأجابوا، وسألوه فأعطاهم، والحج يهدم ما قبله، و"من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه"، والحجة المبرورة ليس لها ثواب إلا الجنة، وما من ملبّ
يلبي إلا لبى ما على يمينه وشماله م

ن حجر أو شجر أو مدر، حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا.

ومن طاف بالبيت وصلى ركعتين كان كعتق رقبة، ومن طاف بالبيت أسبوعًا -أي سبعة أشواط- لا يضع قدمًا ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه خطيئة، وكتب بها له حسنة، ومسح الحجر الأسود والركن اليماني يحط الخطايا حطًّا؛ أخرج ابن حبان والبيهقي والطبراني وحسنه في صحيح الجامع
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً من الأنصار سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عما له من في الحج من الثواب؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك يكتب الله لك بها حسنة، ويمحو سيئة، وأما وقوفك بعرفة فإن الله -عز وجل- ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة
فيقول: هؤلاء عبادي جاءوني شعثًا غبرًا من كل فج عميق؛ يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني، فكيف لو رأوني؟! فلو كان عليك مثل رمل عالج -أي متراكم- أو مثل أيام الدنيا أو مثل قطر السماء ذنوبًا غسلها الله عنك، وأما رميك الجمار فإنه مذخور لك، وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة، فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك". الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ما أعظمه من تكريم، وما أجله من ثواب عظيم.

عــــباد اللــــه :
فهل يُلامُ في هوى الحرم بعد ذاك أحد، ناهيك عن مواقف الرحمة في عرفات والازدلاف عن المشعر الحرام والتقلُّب في فجاج مِنى والطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمرات، وكل ذلك من مواطن الرحمة وإجابة الدعاء.

رحلة الحج ما أروعها من رحلة، وما أعظمه من منظر، يأخذ الألباب، فهل شممت عبيراً أزكى من غبار المحرمين؟ وهل رأيت لباساً قط أجمل من لباس الحجاج والمعتمرين؟ هل رأيت رؤوساً أعز وأكرم من رؤوس المحلقين والمقصرين؟ وهل مر بك ركبٌ أشرف من ركب الطائفين؟ وهل سمعت نظماً أروع وأعذب من تلبية الملبين، وأنين التائبين، وتأوه الخاشعين، ومناجاة المنكسرين؟
"لبيك اللهم لبيك" لبى بها الأنبياء من قبل، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر في حجه بوادي الأزرق فقال: "أي وادٍ هذا؟" قالوا: هذا وادي الأزرق، قال: "كأني أنظر إلى موسى -عليه الصلاة والسلام- هابطًا من الثنية له جؤار إلى -تعالى- بالتلبية"، ثم أتى على ثنية يقال لها ثنية هرشي فقال: "أي ثنية هذه؟" قالوا: ثنية هرشي، قال: "كأني أنظر إلى يونس بن متى -عليه الصلاة والسلام- على ناقة حمراء جعدة -أي: مكتنزة لحمًا- عليه جبة من صوف، خطام ناقته خُلبة -أي: من الليف- وهو يلبي".
نحجّ لبيت حجّه الرسل قبلنا
ونشهد نفعًا في الكتاب وعدناه

"لبيك اللهم لبيك" نداء الوحدة الإسلامية يجأر بها الحجيج كلهم؛ عربهم وعجمهم، أبيضهم وأسودهم، رجالاً وركبانًا، صغارًا وكبارًا، وقفوا على صعيد واحد بلباس واحد يدعون ربًا واحدًا، كلهم يلهج بالتلبية.

"لبيك اللهم لبيك" خرج بها الحاج من بيته وأهله، فذكرته رحيله عن الدنيا ليلقى ربًا كريمًا، تجرّد من المخيط ولبس ثوبين أبيضين فتذكّر يوم يُجرّد ثم يلفّ في كفنه، واغتسل وتطيّب فتذكر يوم يغسل ويطيب، فما أشبه الحال بالحال.

تفيض نفس الحاج بهذه المشاعر الإيمانية الحساسة، يختلط بالناس ويزاحمهم، فيذكر زحام المحشر، لا أنساب ولا أحساب ولا لغات، الكلّ يجأر بشكواه وينادي: رباه رباه.
ينصرف من عرفه فيذكر المنصرف من الحساب، فريق في الجنة وفريق في السعير. يذكر بالحر حر جهنم، وبالشمسِ يوم تدنو الشمس من الخلائق قدر ميل فيلجمهم العرق.

مشاعر إيمانية صادقة تمتلك قلب الحاج، فتفيض عَبَراته وتتلعثم عِباراته، يريد النجاة وقد أقبل على الكريم أهل التقوى وأهل المغفرة.

عن ابن المبارك قال: جئت سفيان الثوري عشيةَ عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه وعيناه تهملان فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له.

"لبيك اللهم لبيك" لطالما سمعناها من الحجيج، ولكن أجمل من تردادها على أفواههم تردادها على أفواه أناس يبعثون يوم القيامة ملبين، يقوم الناس من قبورهم فزعين ويقومون هم يلبون: لبيك اللهم لبيك، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته فمات، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبه، ولا تطيبوه ولا تخمروا رأسه ولا وجهه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا" متفق عليه.

فلا إله إلا الله، ما أعزها من ميتة، وما أشرفه من قدوم، أن يقدم على الله يوم القيامة ملبيًا. كان الحافظ البرزالي إذا قرأ حديث ابن عباس هذا بكى ورقّ قلبه، فأكرمه الله بأن توفي وهو محرم في طريقه إلى الحج، رحمة الله عليه.

خرجت امراءة من خراسان فلما دخلت الحرم جعلت تقول : أين بيت ربي ؟ أين بيت ربي ؟ فقيل لها : الآن تأتين بيت ربك ، فلما دخلت المسجد قيل لها : هذا بيت ربك : فاستندت إلى البيت فوضعت خدها على البيت ، فما زالت تبكي حتى ماتت » أخبار مكة للفكهاني 1/244

"لبيك اللهم لبيك" ذكروا في ا
لتاريخ العربي أن البرعي في حجه الأخي

ر أخذ محمولا على جمل فلما قطع الصحراء مع الحج الشامي، وأصبح على بعد خمسين ميلاً من المدينة هب النسيم رطباً عليلاً معطرا برائحة الأماكن المقدسة فازداد شوقه للوصول لكن المرض أعاقه عن المأمول فأنشأ قصيدة لفظ مع آخر بيت منها نفسه الأخير .. يقول فيها:

يَا رَاحِلِينَ إِلَى مِنًى بِقِيَادِي
هَيَّجْتُمُو يَوْمَ الرَّحِيلِ فُؤَادِي
سِرْتُمْ وَسَارَ دَلِيلُكُمْ يَا وَحْشَتِي
الشَّوْقُ أَقْلَقَنِي وَصَوْتُ الْحَادِي

وَحَرَمْتُمُو جَفْنِي الْمَنَامَ بِبُعْدِكُمْ
يَا سَاكِنِينَ الْمُنْحَنَى وَالْوَادِي
وَيَلُوحُ لِي مَا بَيْنَ زَمْزَمَ وَالصَّفَا
عِنْدَ الْمَقَامِ سَمِعْتُ صَوْتَ مُنَادِ

وَيَقُولُ لِي يَا نَائِمًا جِدَّ السُّرَى
عَرَفَاتُ تَجْلُو كُلَّ قَلْبٍ صَادِ
مَنْ نَالَ مِنْ عَرَفَاتِ نَظْرَةَ سَاعَةٍ
نَالَ السُّرُورَ وَنَالَ كُلَّ مُرَادِ

تَاللَّهِ مَا أَحْلَى الْمَبِيتَ عَلَى مِنًى
فِي لَيْلِ عِيدٍ أَبْرَكِ الأَعْيَادِ
ضَحَّوْا ضَحَايَا ثُمَّ سَالَ دِمَاؤُهَا
وَأَنَا الْمُتَيَّمُ قَدْ نَحَرْتُ فُؤَادِي

لَبِسُوا ثِيَابَ الْبِيضِ شَارَاتِ اللِّقَاءِ
وَأَنَا الْمُلَوَّعُ قَدْ لَبِسْتُ سَوَادِي
يَا رَبِّ أَنْتَ وَصَلْتَهُمْ صِلْنِي بِهِمْ
فَبِحَقِّهِمْ يَا رَبِّ فُكَّ قِيَادِي

فَإِذَا وَصَلْتُمْ سَالِمِينَ فَبَلِّغُوا مِنِّي
السَّلامَ أُهَيْلَ ذَاكَ الْوَادِي
قُولُوا لَهُمْ عَبْدُالرَّحِيمِ مُتَيَّمٌ
وَمُفَارِقُ الأَحْبَابِ وَالأَوْلادِ
صَلَّى عَلَيْكَ اللَّهُ يَا عَلَمَ الْهُدَى
مَا سَارَ رَكْبٌ أَوْ تَرَنَّمَ حَادِ


الخطبــــة.الثانيــــة.cc
"لبيك اللهم لبيك" ذكر بعض أهل السير أن شقيق البلخي أبصر في طريق الحج مقعداً يتكأ على إليته يمشي حيناً
و يضعن حيناً يرتاح حيناً و يمشي أخرى كأنه من أصحاب القبور مما أصابه من وعثاء السفر و كآبة المنظر قال له شقيق يا هذا أين تريد قال أريد بيت الله العتيق قال من أين أتيت ؟ قال من وراء النهر
قال كم لك في الطريق ؟ فذكر أعواماً تربوا على عشر سنين قال فنظرت إليه متعجباً قال يا هذا مما تتعجب
قال أتعجب من بعد سفرك و ضعف مهجتك قال أما بعد سفري فالشوق يقربه و أما ضعف مهجتي
فالله يحملها
يا شقيق أتعجب ممن يحمله اللطيف الخبير إذا شاءسبحانه إنه الشوق إلى أرض الرحمات
إنه الشوق إلى أرض العطايا و الهبات
فحق للنفوس أن تتوق و حق للأرواح أن تحلق أملاً في الوصال ,
"لبيك اللهم لبيك" خرجت أم أيمن بنت علي - امرأة أبي علي الروذباري - من مصر وقت خروج الحاج إلى الصحراء والجِمال تمر بها وهي تبكي وتقول : وا ضعفاه , وتنشد على إثر قولها :
فقلت : دعوني واتباعي ركابكم * أكن طوع أيديكم كما يفعل العبد
وما بال زعمي لا يهون عليهم * وقد علموا أن ليس لي منهم بد
وتقول : هذه حسرة من انقطع عن البيت , فكيف تكون حسرة من انقطع عن رب البيت .
قيل لامرأة خرجت مسافرة: إلى أين؟ قالت: إلى الحج إن شاء الله، فقيل لها: إنَّ الطريق بعيد، فقالت: بعيد على كسلان أو ذي ملالة، فأمَّا على المشتاق فهو قريب.
وقد جرت للصالحين حين ركوبهم لسفر الحج أحوال من الخوف تارة والشوق والمحبة تارة أخرى، وقلب المؤمن يتقلَّب بين هاتين المنزلتين.
ذكر عن علي بن الحسين أنَّه حجَّ، فلمَّا أحرم واستوت به راحلته اصفرَّ لونه وارتعد ولم يستطع أن يلبِّي، فقيل: ما لك؟ قال: أخشى أن يقول لي: لا لبيك ولا سعديك، فلمَّا لبَّى غشي عليه. ويذكر نحو هذا عن جعفر الصادق وغيره.

ويذكر عن بعض الصالحين حين ركب دابَّته في سفر الحجِّ أخذه البكاء فقيل: لعلَّه ذكر عياله ومفارقته إياهم، فسمعهم فقال: يا أخي، والله ما هو ذاك، وما هو إلاَّ لأنِّي ذكرت بها الرحلة إلى الآخرة، وعلا صوته بالنحيب والبكاء، وهيَّج من حوله بالبكاء
عباد الله عرفات.. وما أدراك ما عرفات! يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من يومٍ أكْثرُ منْ أنْ يعْتِقَ الله فيه عبداً من النَّار من يومِ عَرَفَة، وإنّهُ لَيدْنُو ثمَّ يباهِي بهِم الملائِكةَ فيقول: ما أرادَ هؤلاء؟" رواه مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
إخوة الإيمان: في يوم عرفة العظيم تتجلَّى رحمةُ الله على العِباد، ويُفِيض الملك الديَّان من خَزائِن مُلكِه الشيءَ العظيم، فيَرحَم العِباد، ويُجِيب السُّؤال، ويجبر الكَسِير، ويُيسِّر العَسِير، ويدنو الجبَّار ملك السموات والأرض من السماء الدنيا، فيُباهِي بأهل الأرض ملائكةَ السماء، ويقول: "انظُرُوا إلى عِبادي، أتَوْني شُعثًا غُبرًا ضاحين من كُلِّ فجٍّ عميق، أُشهِدكم أنِّي قد غفرتُ لهم".
عرفة...
ما أعظمه من يوم ، وما أشرَفَ وأطيب ساعاته، موسمٌ من مواسم الإيمان، له في القلب لوعة وشان ، ما أشرَقَت الشَّمس في دهرها على يومٍ خير منه .
ويعتق الرحمن من النار في ذلك اليوم الأفواجَ الكثيرة، والأعدادَ العظيمة ، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم-: "ما من يومٍ أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة"؛ روا
ه مسلم في صحيحه.
ويَرى الشيطان هذا

العَطاءَ الإلهيَّ المنسكب على أهل الموقف، فيصغر شأنُه، ويندَحِر أمرُه، ويَزداد حَقارةً إلى حَقارته.
عباد الله! لقد أمرنا نبينا –صلى الله عليه وسلم- وحضنا، ورغبنا وحثنا على تعجيل الحج، وحذرنا من التهوان فيه: فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله -عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ -يَعْنِي الْفَرِيضَةَ- فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ". رواه أحمد، وصححه الألباني. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْفَضْلِ أَوْ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ وَتَضِلُّ الرَّاحِلَةُ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ". رواه الإمام أحمد وابن ماجه، وحسنه الألباني.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استمتعوا بهذا البيت، فقد هدم مرتين ويرفع في الثالثة". رواه البزار، والطبراني في الكبير، وابن خزيمة وابن حبان، والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وصححه الألباني. وقال ابن خزيمة: قوله: "ويرفع في الثالثة" يريد بعد الثالثة. وفي الصحيحين عن أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ". والسُّوَيْقَتَيْنِ: تَثْنِيَة سُوَيْقَة، وَهِيَ تَصْغِير سَاقَ، أَيْ لَهُ سَاقَانِ دَقِيقَانِ.

وروى البيهقي بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من كان له جدةٌ ولم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين)

فحجوا عباد الله قبل ألا تحجوا، قبل أن تخرب الكعبة، ويرفع البيت الحرام. حجوا قبل أن توافيكم المنية، ويقبض أرواحكم رب البرية. فبادروا بصالح العمل، قبل أن يوافيكم الأجل، واحذروا طول الأمل، فالعمر يمضي على عجل.

فيا من صحح الله لكم أجسادكم، وملككم الزاد والراحلة، ولم تحجوا حجة الإسلام بعد! حجوا قبل ألا تحجوا، حجوا قبل أن تخرب الكعبة، واستمتعوا باليت قبل أن يرفع، حجوا قبل أن ينزل بساحتكم الموت، حجوا قبل ان يأتيكم الفوت.

فالصحيح أن الحج واجب على الفور على من كان مستطيعا، قال ابن قدامة -رحمه الله- في (المغني): من وجب عليه الحج, وأمكنه فعله, وجب عليه على الفور, ولم يجز له تأخيره. وبهذا قال أبو حنيفة ومالك، لقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ...} (آل عمران: 97). والأمر على الفور، ومعنى أن الأمر على الفور: أنه يجب على المكلف فعل المأمور به بمجرد التمكن من فعله، ولا يجوز له تأخيره من غير عذر. فهذا لمن لم يحج حجة الإسلام.

وأما من حج قبل، فدونه قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: "تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ".

وعن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله تعالى: {إن عبدا صححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة يمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم} رواه ابن حبان وغيره، وصححه الألباني.

وكان السلف الصالح يتابعون بين الحج والعمرة، فقد حج ابن المسيب: أربعين حجة. وحج الحسين بن علي -رضي الله عنهما- خمساً وعشرين حجة ماشياً.
وحج أبو داود ستين حجة. وحج أبو محمد عبد الملك الأنصاري سبعاً وسبعين حجة.
وقَالَ الحسنُ بنُ عمران ابن أخي سفيان بن عيينة: حججتُ مع عمي سفيان آخر حجة حجَّها سنة سبع وتسعين ومائة، فلمَّا كنا بجمع وصلى استلقى على فراشه، ثم قَالَ: قد وافيتُ
⛅️ #إشــツـراقة_الصبـاح

❃ الخميس ❃
٢٦/ شــــ➓ــوال/ ١٤٣٨هـ
20/ يـولـيــ⑦ــو/ 2017مـ
❂:::ــــــــــــــــــ✺ـــــــــــــــــ:::❂

‌‏(عَلَّمَ القرآن◇خلق الإنسان)
قدّم نعمة تعليم القرآن على
نعمة الخلق،
فتعلمك للقرآن نعمة أعظم من
نعمة وجودك!...♡
‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏
صبــــاح تعليم القرآن ...@
زاد الخـطــيــب الـــدعـــــوي📚:
🎤
خطبـةجمعــةبعنـــوان.tt
الـــرحـــمـــــــــة الـــمـــهـــــــــداة
للشيخ/ إبراهيم بن صالح العجلان
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
مـــعـــاشــــــرَ المـــســـلمـــين :
الرحمة صفةٌ إلهية، نعَتَ الله بها نفسَه في مواضعَ من كتابه، فهو - سبحانه - رحمن رؤوف، غفور رحيم؛ بل أرحم الراحمين، وأخبر - سبحانه - عن نفسه بأنه واسع الرحمة، وأن رحمته وسعتْ كل شيء، وأنه خير الراحمين، وبالناس رؤوف رحيم.

وأعظم رحمة حظيتْ بها البشريةُ من ربِّها: إرسالُ نبي الرحمة والهدى محمدٍ صلى الله عليه وسلم قال - سبحانه - مبينًا هذه النعمة، وممتنًّا على عباده بها: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ فما من مخلوقٍ على هذه الأرض إلا وقد نال حظًّا من هذه الرحمة المهداة.

نالها المؤمن بهداية الله له، وأُعطِيها الكافر بتأخير العذاب عنه في الدنيا، وحصَّلها المنافق بالأمن من القتل، وجريان أحكام الإسلام في الدنيا عليه.

فجميع الخلق قد هنئوا وسعدوا برسالته - صلى الله عليه وسلم.

وإذا كانت بعثته - صلى الله عليه وسلم - ما هي إلا رحمة، فكيف كانت رحمةُ مَن هو في أصله رحمة؟! لقد تمثَّل نبي الهدى - صلى الله عليه وسلم - الرحمةَ في أكمل صُوَرها، وأعظم معانيها، ومظاهر رحمته - صلى الله عليه وسلم - قد حفلتْ بها سِيرتُه، وامتلأت بها شريعتُه.

فرحِم الصغيرَ والكبير، والقريب والبعيد، والعدو والصديق؛ بل شملت رحمته الحيوانَ والجماد، وما من سبيلٍ يوصل إلى رحمة الله، إلا جلاَّه لأمَّته، وحضَّهم على سلوكه، وما من طريق يبعد عن رحمة الله، إلا زجرهم عنها، وحذَّرهم منها؛ كل ذلك رحمةً بهم وشفقة عليهم.

وأسعد من حظي برحمته - صلى الله عليه وسلم - هم صحابته - رضي الله عنهم - فامتلأ قلبُه - صلى الله عليه وسلم - رحمةً بهم، وعطفًا عليهم، ولطفًا بهم، حتى شهد له ربه بقوله: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾، وبقوله: ﴿ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ﴾؛ بل إن الله - تعالى - قد علم من شفقة رسوله صلى الله عليه وسلم على صحابته ما جعله أَوْلَى بهم من أنفسهم، وحُكْمه فيهم مقدَّمًا على اختيارهم لأنفسهم؛ قال - تعالى -: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾.

إخوة الإيمان:
وأمَّته - صلى الله عليه وسلم - لم يَنسهم نبيُّ الرحمة من العطف والشفقة والرأفة، فقد كان همُّه - صلى الله عليه وسلم -: ((أمتي أمتي))، وكان دائمًا ما يقول: ((لولا أن أشقَّ على أمتي))، روى مسلم في صحيحه، عن عبدالله بن عمرو بن العاص: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول الله - عز وجل - في إبراهيمَ - عليه السلام -: ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ومن عصاني فإنك غفور رحيم ﴾, وقال عيسى - عليه السلام -: ﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ﴾، فرفع يديه - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((اللهم أمتي أمتي))، وبكى - عليه الصلاة والسلام - فقال الله - عز وجل -: يا جبريل، اذهب إلى محمد - وربُّك أعلم - فسلْه: ما يبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال الله - عز وجل -: يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنُرضيك في أمَّتك ولا نسُوءُك.

بل إن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قد جعل دعوتَه المستجابةَ لأمَّته ولأجل أمته؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لكل نبيٍّ دعوةٌ مستجابة، فتعجَّل كلُّ نبي دعوتَه، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة، فهي نائلةٌ - إن شاء الله - من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا))؛ متفق عليه.

ومن رحمته بأمته أنه - عليه الصلاة والسلام - كان يترك أحيانًا بعض السنن والمستحبات والأعمال الصالحات، وقلبُه معلَّقٌ بها، ما يتركها إلا خشيةَ أن تُفرَض على أمته، فلا يطيقونها، تقول أم المؤمنين عائشةُ - رضي الله عنها - الخبيرةُ بأموره: "إنْ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَيدعُ العمل وهو يحب أن يعمل به؛ خشية أن يعمل به الناس، فيُفرض عليهم))؛ رواه البخاري في صحيحه.

بل بلغ من عطفه ولطفه بأمته، أنه كان يغضب من المسائل التي قد يترتَّب عليها تشريعٌ يشق على الناس، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: خطبَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا أيها الناس، قد فرض الله عليكم الحج، فحُجوا))، فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو قلتُ: نعم، لوجبتْ، ولما استطعتم))، ثم قال: ((ذروني ما تركتم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتُكم بشيء)).

عباد الله:
كانت الصلاة منتهى راحة النبي - صلى الله عليه وسلم - وغاية أُنسه، جُعلت قرَّة عينه في الصلاة، ومستراح قلبه ونفسه حينما يقف فيها بين يدي ربه، كان يحب إط
التَها، وكثرة المناجاة فيها، كان -

عليه الصلاة والسلام - يدخل الصلاة وهو يريد إطالتها، فيسمع بكاء الصبي، فيتجوَّز في صلاته؛ رحمةً ورأفة بأمِّه؛ لما يعلم من شدة وجْدها عليه.

كان - عليه الصلاة والسلام - يرحم أحوال البائسين، ويرأف بغربة المغتربين، ويكسوهم من الرفق والعطف ما لا يكسوه لغيرهم، قال مالك بن الحُوَيرث: أتينا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ونحن شبيبة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، حتى إذا ظنَّ أننا قد اشتقنا إلى أهلنا، سألنا عمَّن تركْنا من أهلنا، وكان رفيقًا رحيمًا بنا، فقال لنا: ((ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلِّموهم ومروهم)).

أمَّا رأفته وتلطُّفه مع الصغار والأولاد، فقد ضرب أروع الأمثلة لِمَن بعده، وما عرَفتِ البشرية أحدًا أرأف بهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قال عنه خادمُه، والخبير بمدخله ومخرجه، أنسُ بن مالك - رضي الله عنه -: ما رأيت أحدًا أرحم بالعيال من رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيرى ابنه إبراهيمَ في سكرة الموت، وقد نازعته روحه، فجعلتْ عيناه تذرفان، فقال عبدالرحمن بن عوف متعجبًا: وأنت يا رسول الله؟! – يعني: تبكي - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا ابن عوف، إنها رحمة))، ثم أتبع دمعاته تلك بأخرى، وقال: ((إن العين لَتدمعُ، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربَّنا، وإنا لفراقك يا إبراهيمُ لمحزونون)).

كان - عليه الصلاة والسلام - كثيرًا ما يقبِّل الأطفال ويحملهم، ويلاعبهم ويُواسِيهم، ويمسح على رؤوسهم، رآه الأقرع بن حابس يقبِّل الحسنَ بن علي، فقال في جفاء: إن لي عشرة من الولد، ما قبَّلتُ واحدًا منهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنه مَن لا يَرحم لا يُرحم)).

جاءت أم قيس بنت محصن بابنٍ لها صغير، لم يأكل الطعام، فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - أجلسه في حجره، فبال الصبيُّ على ثوبه - صلى الله عليه وسلم - فلم يتذمر ولم يثرِّب؛ بل دعا بماء فنضحه على ثوبه ولم يغسلْه.

رأى محمودَ بنَ الربيع وهو ابن خمس سنين، فجعل يمازحه ويمج الماء عليه.

وأحد أطفال الصحابة لما مات طائرُه الذي يلاعبه، جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يُمازِحه ويواسيه، ويقول: ((يا أبا عمير، ما فعل النغير؟)).

بل إن رحمته بالأطفال لم تفارقه حتى وهو في عبادته، صلَّى مرة بأصحابه وهو حاملٌ أمامةَ بنت زينب، فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها.

صلى بأصحابه يومًا، فلما سجد، جاء الحسن أو الحسين فامتطى ظهره، فأطال السجود جدًّا، حتى إن أحد الصحابة رفع رأسه من السجود؛ قلقًا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته، سأله الناس عن هذه السجدة الطويلة، فقال: ((إن ابني هذا ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته)).

كان - عليه الصلاة والسلام - ينكسر قلبه على اليتامى والأرامل والضعفة والمساكين، وكان دائمًا ما يُوصِي بهم، وبالعناية بشؤونهم، فقال: ((أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة - وأشار بالسبابة والوسطى)).
وقال أيضًا: ((الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله)).

قال سهل بن حنيف: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم، ويَعُود مرضاهم، ويشهد جنائزهم.

أما رحمته ورأفته بالنساء، فله معهن شأن - وأي شأن - فأوصى أمَّته بالإحسان إليهن، فقال: ((استوصوا بالنساء خيرًا))، وحرَّج على المسلمين حقهن، فقال: ((اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة)).

وكان يستمع لشكاوى النساء ويقضي حاجاتهن، وخصص لهن يومًا لأسئلتهن وحوائجهن؛ بل أبعدُ من ذلك أنَّ الأمَة من إماء أهل المدينة كانت تأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنطلق به حيث شاءتْ.

أمَّا مع أهله، فكان عطوفًا عليهم، خدومًا لهم، كان يكفي أهلَه بعضَ العمل، فكان يحلب الشاة، ويخيط الثوب، ويخصف النعل، ويخدم نفسه، وكان يقول: ((خيرُكم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)).

إخوة الإيمان:
هذه الرحمة المهداة شمِلتْ حتى العُصَاةَ والمقصرين ومَن وقعوا في الكبائر، كان يعالج أخطاء المذنبين بألين كلمة، وأرأف عبارة، ويسديهم من النصائح التي ملؤها الرحمةُ والشفقة، يغضُّ الطرف عن زلاَّت المخطئين وهفواتهم، حريصًا على الستر عليهم.

يأتي إليه ماعز بن مالك الأسلمي، فيعترف له بالزنا، فيقول له: ((لعلك قبَّلتَ، أو غمزت، أو نظرت)).

وتأتي إليه امرأة فتقرّ له بالزنا، فيُعرض عنها كأن لم يسمع كلامها.

وقال لأصحابه يومًا: ((اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمَن ألمَّ بشيء منها، فليستتر بستر الله، وليتبْ إلى الله – تعالى - فإنه مَن يُبدِ لنا صفحته نُقِم عليه كتاب الله تعالى))؛ رواه الإمام مالك في موطئه، وصححه الحاكم.

هذه الرحمة العالية، قد وسعتِ الكافرَ على كفره وعناده، يُضرَب أكرمُ الخلق عند الله، ويُبصَق في وجهه، ويُرمَى سلا الجزور على ظهره وهو ساجد، ويُخنَق بثوب حتى ضاقتْ
بذلك نفسه، ويُضرَب أصحابه، ويهانون

أمام ناظريه، فعرض عليه ربُّه إهلاكَهم، فقال في رحمة ورأفة وشفقة: ((بل أرجو أن يُخرِج الله من بين أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا شريك له)).

وها هو رسول الرحمة - صلى الله عليه وسلم - عامَ فتح مكة يُقابِل أعداءه الذين طردوه وحارَبوه واتهموه في عقله، يُقابِلهم بالرحمة العظيمة التي مُلِئ بها قلبه، فيقول: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء))، وسمَّى ذلك اليوم بيوم المرحمة.

بل إن صاحب هذا القلب الرحيم، والنفس المشفقة كان يستوصي بالمشركين إذا وقعوا أُسارى بيد المسلمين، ها هو أبو عزيز بن عمير - أخو مصعب بن عمير - يحدثنا عمَّا رآه، فيقول: كنت في الأسرى يوم بدرٍ، فسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لأصحابه: ((استوصوا بالأسارى خيرًا))، قال: وكنت في رهطٍ من الأنصار، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصُّوني بالخبز، وأكلوا التمر؛ لوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياهم بنا.

وحينما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أسرى بني قريظة موقوفين في قيظ النهار تحت الشمس، قال: ((لا تجمعوا عليهم حرَّ هذا اليوم وحرَّ السلاح، قيلوهم حتى يبردوا)).

إخوة الإيمان:
لقد كانت حياة نبي الهدى تشعُّ رحمةً ورأفة بالبشرية جميعًا، فكانت تلك الرحمة ماثِلَةً في حياته جميعًا؛ في وقت الضعف والقوَّة، وإبان المنشط والمكره، ولجميع فئات الناس، فكان بذلك رحمة من الرحمن يرحم الله بها عباده، وصدق الله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إن ربي غفور رحيم.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
أما بعد - فيا عباد الله :
وتعدتْ رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني آدم حتى شملتِ البهائمَ والجمادات، فكان لها حظٌّ من هذه الرحمة الربانية، فمن رحمته صلى الله عليه وسلم بالبهائم: أنه نهى عن تصبيرها؛ وهو أن تحبس وتجعل هدفًا للرمي حتى تموت؛ إذ فيه تعذيب لها.

وأمَرَ بالإحسان إليها حتى في حال ذبحها، وقال له رجل: يا رسول الله، إني لأرحم الشاة أن أذبحها، فقال: ((والشاة إن رحمتَها، رحمك الله))؛ رواه الإمام أحمد، وهو حديث صحيح.

ومرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ببعير قد لحق ظهره ببطنه من الجوع، فقال: ((اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة)).

بل إن الرحمة المهداة كان يتأثر من لهف البهيمة، ويرأف بحزنها وجزعها، وكان له تحنُّن إليها، وعطف عليها، رأى الصحابة حُمَّرة معها فرخان، (والحمَّرة نوع من العصافير أحمر اللون)، فأخذ الصحابة فرخَيها، فجعلت الحمرة تفرِّش جناحيها وترفرف، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبصرها، رقَّ لحالها وقال: ((من فجعَ هذه بولدها؟! ردُّوا ولدها إليها)).

بل أعجب من ذلك: أن هذه الجمادات الساكنة كان لها نصيب من الرحمة النبوية؛ كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بأصحابه أول أمره على جذع نخلة، ثم بنى له الصحابةُ بعد ذلك منبرًا، فلمَّا صعد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أول مرَّة، حنَّ الجذع وبكى، حتى سمع الصحابة - رضي الله عنهم - صياحه، فنزل الرؤوف الرحيم من منبره وقطع خطبته، فضمَّ الجذع إليه، وجعل يُهدَّى كما يُهدى الصبي، حتى سكن، وقال: ((لو لم أعتنقه، لحنَّ إلى يوم القيامة)).

إخوة الإيمان:
ومع هذه الرحمة العظيمة، والرأفة المتناهية التي تحلى بها المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه كان يضع هذه الرحمة في موضعها اللائق بها؛ لئلا تتحوَّل تلكم الرحمة إلى عجز وضعف، فمع لينِه ولطفه، كان يعاتب بقسوةٍ أصحابَه على بعض الأخطاء، فقال لِمُعاذ بن جبل حينما أطال الصلاة جدًّا: ((أفتَّان أنت يا معاذ؟!)).

وقال لحِبِّه أسامة بن زيد حينما قتل رجلاً من المشركين متأولاً: ((أقتلتَه بعد أن قال: لا إله إلا الله؟!)).

وقاتلتْ هذه الرحمةُ من استحق القتال من اليهود والمشركين، وضَرب بسيفه في سبيل الله، وأمر بقتل جماعةٍ من المشركين وإن تعلقوا بأستار الكعبة.

ولم تأخُذْه رأفةٌ في دين الله، فرجم وجلد الزناة، وقطع يد السارق، وقتل المحاربين المرتدين، بعد أن قطع أيديَهم وأرجلهم من خلاف.

وأمر برضخ رأس يهودية؛ معاملةً لها بمثل صنيعها، وقتل اليهود وسبى ذراريهم وأخذ أموالهم، حينما نقضوا العهود والمواثيق.

فعلم من ذلك أن الجهاد في سبيل الله، وإقامة الحدود لا ينافي الرحمة؛ بل هي من الرحمة لعموم البشر.

فلسنا ممن يختصر الإسلام بدين التسامح والرأفة فقط، ولا ممن شوهوا الإسلام بالهمجية والإفساد، ونسوا أو تناسوا معالم الرحمة والإنسانية فيه، فدينُنا دينُ سلام ورحمة وإنسانية، ولكنه أيضًا دين جهاد، وذبٍّ عن الدين والعرض، والمال والأرض، ودين إقامة حدود: قتل ورجم، وقطع وجلد؛ لينقطع بذلك دابر المجرمين، وتنحسر جرائم المفسدين.

فاتقوا الله - أيها المسلمون - وعظِّموا شريعة ربكم، وخذوا بدينه كافة، واقتفوا
آثار نبيِّكم في حياته كلها، تكونوا
2024/09/27 07:19:27
Back to Top
HTML Embed Code: