Telegram Web Link
فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه.

وقال طلحة بن عمر قلت لعطاء: إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة وأنا رجل فيَّ حدة، فأقول لهم بعض القول الغليظ، فقال: لا تفعل يقول الله تعالى: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83].

فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى، فكيف بالحنيفي، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة: " لا تكوني فحاشة، فإن الفحش لو كان رجلاً لكان رجل سوء") [تفسير القرطبي:2 /16].

ومن النصوص التي ترشد إلى اتصاف المرء بالخطاب الحسن قوله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً ﴾ [الإسراء:53].

أي: على وجه الإطلاق، وفي كل مجال، فيختاروا أحسن ما يقال؛ ليقولوه، فبذلك يتقون أن يفسد الشيطان ما ينهم من مودة، فالشيطان ينزغ بين الإخوة، الكلمة الخشنة تفلت، وبالرد السيئ يتلوها، فإذا جو الود والمحبة والوفاق مشوب بالخلاف، ثم بالجفوة، ثم بالعداء، والكلمة الطيبة تأسو جراح القلوب، وتندى جفافها، وتجمعها على الود الكريم.

﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [الإسراء: 53] فيتلمس سقطات فمه، وعثرات لسانه، فيغري بها العداوة والبغضاء بين المرء وأخيه، والكلمة الطيبة تسد عليه الثغرات، وتقطع عليه الطريق، وتحفظ حرم الأخوة آمناً من نزعاته ونفثاته. [مستفاد من الظلال ].

قال ابن سعدي - رحمه الله - عن الآية السابقة: ( وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله من قراءة وذكر وعلم، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين، فإنه يأمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما، والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره، وقوله:( إن الشيطان ينزغ بينهم) أي يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم، فدواء هذا أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها وأن يلينوا فيما بينهم؛ لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم، فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه فإنه يدعوهم ﴿ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [فاطر: 6].

إننا نجد في تعاليم ديننا أن الجدال لابد أن يكون حسناً مع غير المسلمين فكيف مع إخوة الدين قال تعالى: ﴿ وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ﴾ [ العنكبوت:46].

(فأمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة أن يجادل خصومه بالطريق التي هي أحسن طرق المجادلة من إيضاح الحق بالرفق واللين إلا الذين نصبوا للمؤمنين الحرب فجادلهم بالسيف؛ حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.

ونظير ما ذكر هنا من المجادلة بالتي هي أحسن قوله لموسى وهارون في شأن فرعون: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 44] وفيه دليل على جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة وضمنت له العصمة ألا تراه قال: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾ [طه: 44] ومن ذلك القول اللين قول موسى له: ﴿ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾ [النازعات: 18، 19] [أضواء البيان:2 /465].

و (القول اللين هو: القول الذي لا خشونة فيه، يقال: لان الشيء يلين ليناً فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولاً لينا، فمن دونه أحرى بأن يقتدى بذلك في خطابه وأمره بالمعروف في كلامه) [القرطبي:11 /200].

قال القرطبي رحمه الله: ( اختلف الناس في معنى قوله: ﴿ لَيِّنًا ﴾ [طه: 44] فقالت فرقة منهم معناه كنِّياه قاله ابن عباس ومجاهد والسدى، فعلى هذا القول تكنيه الكافر جائزة إذا كان وجيهاً ذا شرف وطمع بإسلامه، وقد يجوز ذلك، وإن لم يطمع بإسلامه؛ لأن الطمع ليس بحقيقة توجب عملاً وقد قال صلى الله عليه وسلم: " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه " ولم يقل وإن طمعتم في إسلامه ومن الإكرام دعاؤه بالكنية وقد قال صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية: " انزل أبا وهب " فكناه، وقال لسعد:" ألم تسمع ما يقول أبو حباب " يعني عبد الله بن أبي) [القرطبي:11/ 200 بتصرف].

وقد تعهد الرسول صلى الله عليه وسلم لمن ترك الخطاب الجدلي الذي لا نفع منه غير إيغار الصدور، وبث التباغض بين القلوب بالجنة حيث قال:" أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء، وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه " [سنن أبي داود].

ويحسن أن نشير هنا إلى مراتب الجدل على وجه الإجمال:
قال الكرماني: الجدال هو الخصام ومنه: قبيح، وحسن، وأحسن، فما كان للفرائض: فهو أحسن، وما كان للمستحبات: فهو حسن، وم
ا كان لغير ذلك فهو قبيح.

فهو تابع للطريق فباعتباره يتنوع أنواعاً وهذا هو الظاهر.

وعليه فإذا كان فيما لا بد له منه تعين نصر الحق بالحق، فإن جاوز الذي ينكر عليه المأمور نسب إلى التقصير، وإن كان في مباح اكتفى فيه بمجرد الأمر والإشارة إلى ترك الأولى. [فتح الباري ج13/ ص314].

لقد اهتم الإسلام بمسألة الخطاب والكلام الطيب، فشرع حين اللقاء والمحادثة إلقاء أجمل تحية عرفت على الإطلاق المتضمنة لاسمين من أسمائه سبحانه وتعالى (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) فقال تعالى: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ [النساء:86].

قال ابن كثير رحمه الله: ( أي: إذا سلم عليكم المسلم، فردوا عليه أفضل مما سلم، أو ردوا عليه بمثل ما سلم، فالزيادة مندوبة، والمماثلة مفروضة) [تفسير ابن كثير ج1/ ص532].

وقال ابن سعدي - رحمه الله -:( التحية هي اللفظ الصادر من أحد المتلاقيين على وجه الإكرام والدعاء، وما يقترن بذلك اللفظ من البشاشة ونحوها، وأعلى أنواع التحية ما ورد به الشرع من السلام ابتداءً ورداً، فأمر تعالى المؤمنين أنهم إذا حيوا بأي تحية كانت أن يردوها بأحسن منها لفظاً وبشاشةً، أو مثلها في ذلك.

ومفهوم ذلك النهي عن عدم الرد بالكلية، أو ردها بدونها، ويؤخذ من الآية الكريمة الحث على ابتداء السلام والتحية من وجهين:
أحدهما: أن الله أمر بردها بأحسن منها أو مثلها، وذلك يستلزم أن التحية مطلوبة شرعاً.
والثاني: ما يستفاد من أفعل التفضيل وهو (أحسن) الدال على مشاركة التحية وردها بالحسن كما هو الأصل في ذلك).

وأفضل السلام قول: ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) لهذا الحديث فعن عمران بن حصين قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم يا رسول الله، فرد عليه السلام ثم جلس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " عشر " ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، فجلس، فقال:" عشرون " ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فجلس، فقال: " ثلاثون " [أبو داود].

وقد نبه الإسلام على أن ننزل الناس منازلهم وهذا يتضمن بلا شك وريب إحسان الخطاب لهم، فعن ميمون بن أبي شبيب أن عائشة عليها السلام مر بها سائل فأعطته كسرة، ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة، فأقعدته، فأكل فقيل لها في ذلك فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنزلوا الناس منازلهم " [سنن أبي داود].

قال المناوي - رحمه الله -:( أي احفظوا حرمة كل أحد على قدره وعاملوه بما يلائم حاله في دين وعلم وشرف فلا تسووا بين الخادم والمخدوم والرئيس والمرؤوس فإنه يورث عداوة وحقدا في النفوس والخطاب للأئمة أو عام وقد عد العسكري هذا الحديث من الأمثال والحكم وقال هذا مما أدب به المصطفى أمته من إيفاء الناس حقوقهم من تعظيم العلماء والأولياء وإكرام ذي الشيبة وإجلال الكبير وما أشبهه) [فيض القدير:3 /57].

لذا جاء الأمر الإلهي بأن تكون صيغة خطاب ومناداة النبي صلى الله عليه وسلم من قبل الصحابة تليق بمقامة النبوة من خفض الصوت ونحو ذلك فقال تعالى: ﴿ لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ﴾ [النور:63].

(فلا تقولوا له: يا محمد مصرحين باسمه،ولا ترفعوا أصواتكم عنده كما يفعل بعضكم مع بعض، بل قولوا له: يا نبي الله، يا رسول الله مع خفض الصوت احتراماً له صلى الله عليه وسلم) [أضواء البيان:5 /557].

كما أرشدت السنة إلى توقير الكبير من الناس والتوقير كما يكون بالفعل يكون بالقول، فعن أنس بن مالك قال: جاء شيخ إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حاجته فأبطؤوا عن الشيخ أن يوسعوا له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا "[مسند أبي يعلى].

وهذا التوقير في حق العالم أوجب، فعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه "[مسند أحمد].

فـ: (إجلال الكبير هو: حق سنه؛ لكونه تقلب في العبودية لله في أمد طويل ورحمة الصغير: موافقة لله، فإنه رحم ورفع عنه العبودية، ومعرفة حق العالم هو: حق العلم بأن يعرف قدره بما رفع الله من قدره، فإنه قال: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ﴾ [المجادلة: 11] ثم قال: ﴿ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11] [فيض القدير:5/389].

ومن خلال نصوص الشرع نجد أن الأمر بحسن الخطاب شامل لجميع فئات الناس:
ففي ما يتعلق بالوالدين نجد قوله تعالى: ﴿ فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ﴾ [الإسراء:23].

كما نلحظ في قصة إبراهيم - عليه السلام - حينما كان يخاطب أباه المشرك كان خطاباً يحمل صبغة الاحترام والتوقير فقال فيما قصه علينا القرآن: ﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَاأَبَتِ إِنِّ
ي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 42 - 45].

وهذا هو خطاب الأنبياء مع أبائهم خطاب تقدير وحب واحترام: ومن ذلك خطاب إسماعيل لأبيه إبراهيم - عليهما السلام - ﴿ قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102].

وخطاب يوسف لأبيه يعقوب - عليهما السلام -: ﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ﴾ [يوسف: 4]

وعلى مستوى العلاقة بين الزوجين نجده حسن الخطاب حاضراً في وصيته صلى الله عليه وسلم حين قال: " استوصوا بالنساء خيراً " [مسلم] فمن الخيرية حسن التعامل معهم قولاً وفعلاً.

وعن حكيم بن معاوية عن أبيه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما حق المرأة على الزوج؟ قال:" أن يطعمها إذا طعم وأن يكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه، ولا يقبح، ولا يهجر إلا في البيت) [ابن ماجه].

ومعنى:( لا يقبح ): ( أي: لا يسمعها المكروه، ولا يقل قبحك الله، ولا يشتمها) [فيض القدير:3 /392].

وإليكم هذه القصة للعلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله التي تنم عن مدى حرصه على تنفيذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق النساء.

ونجد حسن الخطاب أيضاً عند مخاطبة الأبناء والصبيان، فإبراهيم لما أراد أن يذبح ولده إسماعيل بأمر الله ناداه بلفظ البنوة المشعرة بالمحبة فقال له كما ذكر القرآن: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾ [الصافات:102].

كما جاء مثل ذلك عن يعقوب- عليه السلام-: ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة:132].

وحسن الخطاب مع الأبناء العصاة أيضاً يظهر في نداء البنوة من نوح - عليه السلام - لولده المشرك، كما قص علينا القرآن: ﴿ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴾ [هود:42].

كما استخدم لقمان الحكيم هذا الأسلوب عند وعظه ونصحه لابنه: ﴿ َإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان:13] وهذا الآية مسبوقة بقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ﴾ [لقمان: 12].

ومن ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خطابه للأطفال ما ذكره أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: " يا أبا عمير ما فعل النغير "[البخاري].

كما نجد تلطفه مع خادمه أنس بن مالك - رضي الله عنه - حيث قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا بني "[مسلم].

قال النووي رحمه الله عن فقه هذا الحديث أن فيه:( جواز قول الإنسان لغير ابنه ممن هو أصغر سناً منه: يا ابني ويا بني مصغراً، ويا ولدى ومعناه تلطف، وإنك عندي بمنزلة ولدي في الشفقة، وكذا يقال له ولمن هو في مثل سن المتكلم يا أخي للمعنى الذي ذكرناه وإذا قصد التلطف كان مستحباً كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ) [شرح النووي على مسلم:14 /129].
• • •

وأحسن خطاب ما تضمن دعوة إلى أمر الله ونهيه وإرشاده الله المتمثل بدينه الإسلام قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت:33].

قال ابن سعدي - رحمه الله - عند تفسيره لهذه الآية: ( هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي: لا أحد أحسن قولاً. أي: كلاماً وطريقةً وحالةً (ممن دعا إلى الله) بتعليم الجاهلين ووعظ الغافلين، والمعرضين ومجادلة المبطلين بالأمر بعبادة الله بجميع أنواعها والحث عليها، وتحسينها مهما أمكن، والزجر عما نهى الله عنه وتقبيحه بكل طريق يوجب تركه خصوصاً من هذه الدعوة إلى أصل دين الإسلام، وتحسينه ومجادلة أعدائه بالتي هي أحسن، والنهي عما يضاده من الكفر والشرك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن الدعوة إلى الله تحبيبه إلى عباده بذكر تفاصيل نعمه وسعة جوده وكمال رحمته وذكر أوصاف كماله ونعوت جلاله، ومن الدعوة إلى الله التغريب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله وسنه رسوله، والحث على ذلك الحث على مكارم الأخلاق والإحسان إلى عموم الخلق ومقابلة المسيء بالإحسان، والأمر بصلة الأرحام وبر الوالدين ومن ذلك الوعظ لعموم الناس في أوقات المواسم والعوارض والمصائب بما يناسب ذلك الحال إلى غير ذلك مما لا تنحصر أفراده بما تشمله الدعوة إلى الخير كله والترهيب من جميع الشر ).

على المر
ء أن ينظر في هذا الحديث جيداً، ويتمعن بعد ذلك في كل خطاب أو كلام يصدر من فِيهِ.

"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت " [البخاري]

يقول ابن حجر - رحمه الله -: ( هذا من جوامع الكلم؛ لأن القول كله إما خير وإما شر، وإما آيل إلى أحدهما، فدخل في الخير كل مطلوب من الأقوال: فرضها، وندبها فأذن فيه على اختلاف أنواعه، ودخل فيه ما يؤول إليه، وما عدا ذلك مما هو شر، أو يئول إلى الشر، فأمر عند إرادة الخوض فيه بالصمت.

وأضاف - رحمه الله -: ( من كان حامل الإيمان فهو متصف بالشفقة على خلق الله قولاً بالخير وسكوتاً عن الشر، وفعلاً لما ينفع، أو تركاً لما يضر) [فتح الباري ج10/ ص446].

وقال النووي - رحمه الله -: ( وأما قوله صلى الله عليه وسلم:" فليقل خيراً أو ليصمت" فمعناه أنه إذا أراد أن يتكلم، فإن كان ما يتكلم به خيراً محققا يثاب عليه واجباً، أو مندوباً فليتكلم، وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه، فليمسك عن الكلام سواء ظهر له أنه حرام، أو مكروه، أو مباح مستوي الطرفين فعلى هذا يكون الكلام المباح مأموراً بتركه مندوباً إلى الإمساك عنه؛ مخافة من انجراره إلى المحرم، أو المكروه وهذا يقع في العادة كثيرا أو غالباً وقد قال الله تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18] [شرح النووي على صحيح مسلم ج2/ ص19]
• • •

إخوتي:
إليكم بعض الآيات التي تصف الخطاب الذي يرده الله منا أن نتعاطاه ونستخدمه، فمن هذه الآيات:
قوله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ﴾ [الإسراء:23].

أي: بلفظ يحبانه، وتأدب وتلطف معهما بكلام لين حسن، يلذ على قلوبهما وتطمئن به نفوسهما. [تفسير ابن سعدي].

وقوله تعالى: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ﴾ [الأحزاب:32].

أي: غير غليظ ولا جاف، كما أنه ليس بلين خاضع.[تفسير ابن سعدي].

وقوله تعالى: ﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة:263].

أي: من كلمة طيبة ودعاء لمسلم (ومغفرة) أي: عفو وغفر عن ظلم قولي أو فعلي.[تفسير ابن كثير:1 /319].

قال ابن سعدي رحمه الله: ( ذكر الله أربع مراتب للإحسان: المرتبة العليا النفقة الصادرة عن نية صالحة ولم يتبعها المنفق منا ولا أذى، ثم يليها قول المعروف وهو الإحسان القولي بجميع وجوهه الذي فيه سرور المسلم، والاعتذار من السائل إذا لم يوافق عنده شيئاً وغير ذلك من أقوال المعروف، والثالثة: الإحسان بالعفو والمغفرة عمن أساء إليك بقول أو فعل، وهذان أفضل من الرابعة وخير منها، وهي التي يتبعها المتصدق الأذى للمعطى؛ لأنه كدر إحسانه وفعل خيراً وشراً، فالخير المحض وإن كان مفضولاً خير من الخير الذي يخالطه شر، وإن كان فاضلاً، وفي هذا التحذير العظيم لمن يؤذي من تصدق عليه، كما فعله أهل اللؤم والحمق والجهل والله تعالى غني عن صدقاتهم وعن جميع عباده).

وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ﴾ [الأحزاب:70 ].

أي: مستقيماً لا اعوجاج فيه، ولا انحراف. [تفسير ابن كثير ج3/ ص522].

وقوله تعالى: ﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمْ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً ﴾ [الإسراء:28].

أي: إذا سألك أقاربك وليس عندك شيء وأعرضت عنهم لفقد النفقة ﴿ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا ﴾ [الإسراء: 28] أي عدهم وعداً بسهولة ولين إذا جاء رزق الله فسنصلكم إن شاء الله، ومعلوم أن الجواب بلطف قد يقوم مقام العطاء في إجابة السائل. [تفسير ابن كثير ج3/ ص38، وأضواء البيان].

فهذه النصوص وغيرها مما تقدم توضح طبيعة الخطاب الذي يريده منا الشارع، إنه خطاب خير وحَسَنٌ في مضمونه وشكله، محاطٌ بإطار من الرفق واللين، صادر من قلب محب .

=========================
*إشراقة الصباح*
سبحان من أبدع جمال الصبح في اشراقة الشمس ..
أي إبداع تحكيه الأحرف ..
وأي احتراف تلتقطه الأعين ..
سبحانك ماخلقت هذا باطلًا ..
🌷 *صباحكم تأمّل*🌷
☆أذكار الصباح☆
أذكار_الصباح | نور لِقلبك

تلاوة مميزة ..
للشيخ : محمد أيوب
http://is.gd/Zjp5q

🍃 *تأملها*🍃
لما نهى شعيبٌ عليه السلام
قومه عن الشرك وعن الفساد الاقتصادي
قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك...."
أرأيت بمَ يُعرف المصلحون؟
وماذا يعظِّمون؟!
" *إنها الصلاة* " 🌼

*إشراقة*
{وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } _ الزمر
"منظر مهيب تغشاه جلالة العظيم حين يكون نور الأرض من نور الرب، لا شمس ولا قمر".
(وليد العاصمي)

💎 *درر الطريفي*💎
أعظم أوقات التسبيح في الصباح
عند إقبال النفس استعانة بالله على عملها، وفي المساء استسلاماً له
(فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون)
♢ عبدالعزيز الطريفي ♢

تركتُ لرحمةِ الرحمنِ
نفسي فما لي دون رحمتهِ رجاءُ
انا الإنسانُ في ظُلمي وعجزي
وانت اللهُ تفعلُ ما تشاء🌷
*صلاةالضحى*

》 *وختاااما*《
.يارب يا من أشرقت الشمس بأمرك و تنفس الصبح بقدرتك و بُعثت الروح في الأجساد بإذنك..أعطنا و أرضنا و أحفظنا وسدد على درب الخير خطانا..
يا رب
🌹 *صــــباح الـخيرات*🌹
ﮩ•••✾•◆❀◆•✾•••ﮩ
⛅️ #إشــツـراقة_الصبـاح . ❆ الثلاثاء ❆
١٥/ جمـ➅ـادى الثاني/١٤٣٨هـ
14/ مـــــــ③ـــــارس/ 2017مـ
❂:::ــــــــــــــــ✺ـــــــــــــــــ:::❂
‌‌‏
‌‌‌‌‌‌‌‏من مفاتيح السعادة ترك المقارنة مع الغير
( فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين )
خذ ماآتيتك وغض النظر عما آتيت غيرك

صبــــاح القناعة..
🍃 خَرَّجَ العلامة الألباني رحمه الله :
خمسة أوقات تُفتح فيها أبواب السماء

1⃣ قبل الظهر

قال رسول الله ﷺ : إنَّ أبوابَ السماءِ تُفْتحُ إلى زوالِ الشمسِ فلا تُرْتَجُ حتى يُصلَّى الظهرُ فأحبُّ أن يُصعدَ لي فيها خيرٌ

📕صححه الألباني - صحيح الجامع (1532)


2⃣ عند الأذان

قال رسول الله ﷺ: إذا نُودي بالصلاةِ فُتِّحتْ أبوابُ السماءِ و اسْتُجيبَ الدعاءُ

📕الألباني في صحيح الترغيب (260) وصحيح الجامع (818)


3⃣ عند الرباط بين صلاتين

قال رسول الله ﷺ : أَبْشِروا هذا ربُّكم قد فتح بابًا من أبوابِ السماءِ يُباهي بكم الملائكةَ يقول : انظُروا إلى عبادي قد قضَوا فريضةً وهم ينتظِرون أخرى

📕صححه الألباني في صحيح الترغيب (445) وصحيح الجامع (36)


4⃣ عند منتصف الليل

قال رسول الله ﷺ : تُفتحُ أبوابُ السماءِ نصفَ الليلِ فيُنادي منادٍ : هل من داعٍ فيُستجابَ له ؟ هل من سائلٍ فيُعطى ؟ هل من مكروبٍ فيُفَرَّجَ عنه ؟ فلا يبقى مسلمٌ يدعو بدعوةٍ إلا استجابَ اللهُ تعالى إلا زانيةً تسعى بفرجِها أو عشَّارًا .

📕صححه الألباني في صحيح الترغيب (786) وصحيح الجامع (2971)


5⃣ عند الدعاء بـ (اللهُ أكبرُ كبيرًا والحمدُ لله كثيرًا وسبحان اللهِ بكرةً وأصيلاً)

بينما نحن نصلي مع رسولِ اللهِ ﷺ إذ قال رجلٌ مَن القومُ : اللهُ أكبرُ كبيرًا والحمدُ لله كثيرًا وسبحان اللهِ بكرةً وأصيلاً .
فقال رسولُ اللهِ ﷺ : (من القائلُ كلمةَ كذا وكذا) ؟
قال رجلٌ من القومِ : أنا يا رسولَ الله ِ!
قال ﷺ : (عجِبتُ لها فُتِحَتْ لها أبوابُ السماءِ) .
قال ابنُ عمر : فما تركتُهنَّ منذُ سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقول ذلك .

📕صحيح مسلم (601) .
👇 👇 👇 👇 👇 👇
💥من أحاديث المصطفى
صلى الله عليه وسلم💥
📌 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
👈 ( المسجدُ بيتُ كلِّ تقيٍّ ،
وتكفَّلَ اللهُ لمَن كان
المسجدُ بيتَهُ بالرُّوحِ
والرَّحمةِ ، والجَوازِ على
الصِّراطِ إلى رِضوانِ اللهِ ،
إلى الجنَّةِ )..!!
🌴 صحيح الترغيب
٣٣٠ 🌴

📌قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
👈 (ما توطَّنَ رجلٌ مسلمٌ
المساجدَ للصَّلاةِ والذِّكرِ إلَّا
تبشبشَ اللَّهُ لَهُ كما يتبشبشُ
أَهلُ الغائبِ بغائبِهم إذا قدمَ
عليهم )..!!
🌴صحيح ابن ماجه
( ٦٥٩ )🌴

📌 عن عبدالله بن عمرو بن
العاص ، رضي الله عنهما ،
قال :
👈 ( صلَّينا معَ رسولِ اللَّهِ
صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ
المغربَ فرجعَ من رجعَ
وعقَّبَ من عقَّبَ ، فجاءَ
رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ
وسلَّمَ مُسرِعًا قد حفَزهُ
النَّفسُ ، وقد حسرَ عن
ركبتيهِ ، فقالَ :
👈🏾" أبشِروا هذا ربُّكم قد
فتحَ بابًا من أبوابِ السَّماءِ
يباهي بكمُ الملائكةَ ،يقولُ :
انظروا إلى عبادي قد قضَوا فريضةًوهم ينتظِرونَ أُخرى"..
🌴 صحيح ابن ماجة
( ٦٦٠ ) 🌴

📌 عن أبي هُريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
👈 ( إنَّ للمساجدِ أوتادًا ؛ الملائكةُ جلساؤهم ، إن غابوا يفتقدونهم ، وإن مرِضوا عادوهم ، وإن كانوا في حاجةٍ أعانوهم . ثم قال : جليسُ المسجدِ على ثلاثِ خصالٍ : أخٌ مستفادٌ ، أو كلمةُ حكمةٍ ، أو رحمةٌ مَنتظَرَةٌ )..!!
🌴صحيح الترغيب
( ٣٢٩ ) 🌴

📌 قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم :
👈 ( ألا أدلُكم على ما يمحو
اللهُ بهِ الخطايا ويرفعُ بهِ
الدرجاتِ ؟ قالوا : بلى يا
رسولَ اللهِ !! قال :
👈🏾 " إسباغُ الوضوءِ على
المكارهِ . وكثرةُ الخطا
إلى المساجِدِ . وانتظارُ
الصلاةِ بعدَ الصلاةِ . فذلكمْ
الرباطُ )..!!
🌴 صحيح مسلم
( 251)🌴

📌 عن أبي هُريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
👈 (الملائكةُ تصلِّي على
أحدِكم ، ما دام في مُصَلَّاه
الذي صلَّى فيه ، ما لم
يُحدِثْ فيه ، تقولُ اللهم
اغفِرْ له ، اللهم ارحَمْه)..
🌴 صحيح البخاري
( ٤٤٥ ) 🌴

🌷...............🌷
ن ببخل أو مرض ، وقد يكون معه التلف بإفراط واستهتار .
يمنح الله الذرية مع السكينة فإذا هي زينة الحياة الدنيا ومصدر فرح واستمتاع ، ومضاعفة للأجر في الآخرة بالخلف الصالح ، ويمسك رحمته فإذا الذرية بلاءٌ ، ونكدٌ ، وعنتٌ، وشقاءٌ ، وسهرٌ بالليل، وتعب بالنهار .

يهب الله الصحة والعافية مع السكينة فإذا هي نعمة وحياة طيبة ، ويمسك سكينته فإذا الصحة والعافية بلاءٌ يسلطه الله على الصحيح المعافى فينفق الصحة والعافية فيما يحطم الجسم ويفسد الروح ، ويزخر السوء إلى يوم الحساب .
ويعطي الله الجاه والقوة مع السكينة فإذا هي أداة إصلاحٍ ، ومصدر أمنٍ ، ووسيلةٌ لادخار الطيب الصالح من العمل والأثر ، ويمسك سكينته فإذا الجاه والقوة مصدرا قلق على فوته ، ومصدرا طغيان وبغيٍ ، ومصدرا حقدٍ وكراهية ، لا يقر لصاحبها قرار ، ويدخر بها للآخرة رصيداً ضخماً من النار .
سكينة النفس هي الينبوع الأول للسعادة ، ولكن كيف السبيل إليها إذا كانت شيئاً لا يثمره الذكاء ، ولا العلم ، ولا الصحة ، ولا القوة ، ولا المال والغنى ، ولا الشهرة والجاه ، ولا غير ذلك من نعم الحياة المادية ؟
الإيمان بالله واليوم الآخر مصدر السكينة الوحيد
إن للسكينة مصدراً واحداً لا ثاني له ؛ إنه الإيمان بالله واليوم الآخر ، الإيمان الصادق العميق الذي لا يكدره شك ولا يفسده نفاق ، والعمل بمقتضى هذا الإيمان ، هذا ما يشهد به الواقع الماثل ، وما يؤيده التاريخ الحافل ، وما يلمسه كل إنسان بصير منصف في نفسه ، وفيمَن حوله .

لقد علمتنا الحياة أن أكثر الناس قلقاً ، وضيقاً ، واضطراباً ، وشعوراً بالتفاهة والضياع ، هم المحرومون من نعمة الإيمان وبرد اليقين .
إن حياتهم لا طعم لها ولا مذاق ، وإن حفلت باللذائذ والمرفهات ، إنهم لا يدركون لها معنى ، ولا يعرفون لها هدفاً ، سمعت قصة عن أحد أكبر خمسة مهندسين في العالم ، صمم جسر استنبول الأول الذي تعبره ثلاثمئة ألف سيارة في اليوم ، في أثناء افتتاح الجسر ألقى المهندس المصمم بنفسه في البوسفور ، ونزل ميتاً ، ذهبوا إلى غرفته في الفندق ، كتب ورقة قال فيها : قد ذقت كل شيء في الحياة فلم أجد لها طعماً فأردت أن أذوق طعم الموت .

أيها الأخوة ، هذه قصة معبرة ، إنسان بلا هدف حياته تافهة ولو كان غنياً ، ولو كان قوياً ، ولو كان صحيحاً ، ولو كان وسيماً ، ولو كان ذكياً ، إنسان بلا إيمان حياته تافهة ، حياته متناقصة ، أبى الله جل جلاله أن يسمح للدنيا أن تمد الإنسان بسعادة مستمرة بل متناقصة.

السكينة ثمرة من ثمار دوحة الإيمان ومن ثمار التوحيد :

أيها الأخوة ، إن هذه السكينة ثمرة من ثمار دوحة الإيمان ، ومن ثمار التوحيد التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، هي نفحة من السماء ينزلها الله على قلوب المؤمنين من أهل الأرض ، ليثبتوا إذا اضطرب الناس ، وليرضوا إذا سخط الناس ، وليوقنوا إذا شكّ الناس ، وليصبروا إذا جزع الناس ، وليحلُموا إذا طاش الناس ، لأنك مؤمن متصل بالله تتمتع بميزات لا يعلمها إلا الله ، ميزات نفسية ، واثق من رضاء الله ، واثق من محبة الله لك ، واثق من أن هذه الدنيا لو أنها تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء ، واثق بأن الله وعدك بجنة عرضها السماوات والأرض :
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

( سورة القصص الآية : 61 )
السكينة نور من الله وروح منه :
أيها الأخوة ، هذه السكينة نور من الله وروح منه ، يسكن إليها الخائف ، ويطمئن عندها القلِق ، ويتسلى بها الحزين ، ويستروح بها المتعب ، ويقوى بها الضعيف ، ويهتدي به الحيران ، هذه السكينة نافذة على الجنة يفتحها الله للمؤمنين من عباده ، منها تهب عليهم نسماتها ، وتشرق عليهم أنوارها ، ويفوح شذاها وعطرها ، ليذيقهم بعض ما قدموا من خير ، ويريهم نموذجاً لما ينتظرهم من نعيم ، في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة ، إنها جنة القرب من الله ، ومع القرب السكينة ، ماذا يفعل أعدائي بي ؟ قال أحد العلماء : بستاني في صدري ، إن أبعدوني فإبعادي سياحة ، وإن حبسوني فحبسي خلوة ، وإن قتلوني فقتلي شهادة ، فماذا يفعل أعدائي بي ؟ قال تعالى:
أين وجد سيدنا إبراهيم الجنة وقد ألقي في النار ؟
﴿ وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾
( سورة محمد الآية : 6)
عرفها لهم يوم كانوا في الدنيا ، ينعموا من هذه النسمات بالروح والريحان ، والأمن والإيمان .

أسباب السكينة لدى المؤمن :

1ـ المؤمن هدي إلى فطرته التي فطره الله عليها :
أيها الأخوة الكرام ، أسباب السكينة لدى المؤمن ، أول أسباب السكينة لدى المؤمن أنه هدي إلى فطرته التي فطره الله عليها ، هي فطرة متسقة ، ومنسجمة ، ومتجاوبة مع فطرة الوجود الكبير كله، فعاش المؤمن مع فطرته في سلام ووئام لا في حرب وخصام ، ومع من حوله في شفافية ومشاركة لا في وحشة وعداوة ، تفاصيل المنهج الإلهي ينطبق على تفاصيل الفطرة ، أنت حينما تصطلح مع الله
تصطلح مع فطرتك ، إن في القلب شعثاً لا يلمُّه إلا الإقبال على الله ، غني عنده فراغ ، قوي عنده فراغ ، ذكي عنده فراغ ، وسيم عنده فراغ، في القلب فراغ لا يملأه إلا الإيمان بالله والاتصال به ، إن في القلب شعثاً لا يلمُّه إلا الإقبال على الله ، وفي القلب وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله ، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفة الله ، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه ، وفي القلب نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه ، وقضائه وقدره ، والصبر على ذلك إلى يوم لقائه ، وفي القلب فاقة لا تسدها إلا محبته ، والإنابة إليه ، ودوام ذكره ، وصدق الإخلاص له .
وتظل الفطرة الإنسانية تحس بالتوتر والجوع والظمأ حتى تجد الله ، وتؤمن به وتتوجه إليه ، عندها تستريح من تعب ، وترتوي من ظمأ ، وتأمن من خوف ، وتحس بالهداية بعد الحيرة ، وتشعر بالاستقرار بعد التخبط ، وتطمئن بعد القلق .

أيها الأخوة الكرام ، إن الإنسان خلق عجيب ، جُمع بين قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله فمن عرف جانب الطين ونسي نفخة الروح لم يعرف حقيقة الإنسان، ومن أعطى الجزء الطيني فيه غذاءَه ورِيَّه ولم يعط الجانبَ الروحي غذاءَه وريَّه من الإيمان بالله والإقبال عليه فقد بخس الفطرة الإنسانية حقها ، وجهل قدرها ، وحرمها ما به حياتها وقوامها .
قد تتراكم على هذه الفطرة صدأ الشبهات ، أو غبار الشهوات ، وقد تنحرف وتتدنس باتباع الظن أو اتباع الهوى ، أو التقليد الجاهل للأجداد والآباء ، أو الطاعة العمياء للسادة والكبراء ، وقد يصاب الإنسان بداء الغرور والعجب فيظن نفسه شيئاً يقوم وحده ويستغني به الله ، بَيْدَ أن الفطرة الأصيلة تذبل ولا تموت ، وتكمن ولا تزول ، فإذا أصاب الإنسان من شدائد الحياة ومصائبها ما لا قبل له به، ولا يد له ولا للناس في دفعه ولا رفعه ، فسرعان ما تزول القشرة السطحية المضللة ، وتبرز الفطرة العميقة الكامنة ، الآن بعد انكشاف الغرب ، وبعد لؤم الغرب ، وبعد عدوان الغرب ، وبعد استباحة الحقوق الإنسانية في الغرب ، بدأ الناس يعودون إلى فطرتهم ، بدأ الدين يقوى ، بدأ الشعور أن الحل في الإسلام .

2ـ وضوح الغاية والطريق عند المؤمن :

أيها الأخوة الكرام ، إنّ غير المؤمن يعيش في الدنيا تتوزعه هموم كثيرة ، وتتنازعه غاياتٌ شتى ، هذه تميل به إلى اليمين ، وتلك إلى الشمال ، فهو في صراع دائم داخل نفسه ، وهو في حيرة بين غرائزه الكثيرة أيها يرضي غريزة البقاء أم غريزة النوع ؟ وهو حائر مرة أخرى بين إرضاء غرائزه وبين إرضاء المجتمع الذي يحيا فيه ، وهو حائر مرة ثالثة أيّ فئات المجتمع يرضي ؟ وهنا يذكرون الحكاية المشهورة ؛ حكاية الشيخ وولده وحماره ، من دون سكينة ، من دون صلة بالله ، من دون معرفة بالله ، من دون إيمان باليوم الآخر ، الإنسان في حيرة ، ركب الشيخ ومشى ولده وراءه فتعرض الشيخ للوم النساء ، ركب الولد ومشى الشيخ فتعرض الولد للوم الرجال ، ركبا معاً فتعرضا للوم دعاة الرفق بالحيوان ، مشيا معاً والحمار أمامهما فتعرضا لسخرية الأولاد ، ماذا بقي ؟ أن يحمل الحمار ، من دون إيمان ، من دون سكينة ، من دون منهج ، من دون هدف ، من دون وحي إلهي ، من دون بيان نبوي ، من دون يقينيات ، من دون ثوابت ، من دون مبادئ ، من دون تصورات صحيحة الإنسان في حيرة ، والآن البشر جميعاً في حيرة :
كل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا
* * *

أيها الأخوة ، استراح المؤمن من هذا كله ، وحصر الغايات كلها في غاية واحدة، عليها يحرص وإليها يسعى وهي رضوان الله تعالى ، لا يبالي معها برضى الناس أو سخطهم، شعاره ما قاله ذاك الشاعر :
إذا صح منك الودُّ فالكل هيــن ٌوكل الذي على التراب تــرابُ
فليتك تحلو والحياة مــــريرة وليتك ترضى والأنام غضــابُ
وليت الذي بيني وبينك عامــر وبيني وبين العالمين خـــرابُ
* * *
بطولة المؤمن أنه جعل همومه هماً واحداً :

أيها الأخوة ، من بطولة المؤمن أنه جعل همومه هماً واحداً ؛ هو سلوك الطريق الموصل إلى مرضاته تعالى ، والذي يسأل الله تعالى أن يهديه إليه في كل صلاة عدة مرات :
﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾
هو طريق واحد لا عوج فيه ولا التواء ، قال تعالى :
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾
( سورة الأنعام الآية : 153)
الحق واحد لا يتعدد أما الباطل لا ينتهي تعدده ، عمرك القصير يمكن أن يستوعب الحق لكن مستحيل وألف ألف مستحيل أن يستوعب الباطل فالنصيحة أن تستوعب الحق وليكن الحق مقياساً لكل شيء .

أيها الأخوة ، ما أعظم الفرق بين رجلين أحدهما عرف الغاية وعرف الطريق إليها ، وآخر ضالٌّ يخبط في عماية ويمشي إلى غير غاية ، لا يدري إلامَ المسير ؟ ولا إلى أين المصير ؟ قال تعالى :
﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
( سورة المُلْك الآية : 22)

3ـ الشعور بمعية
الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام ، إنّ في أعماق الإنسان أصواتاً خفيةً تناديه ، وأسئلةً تُلحُّ عليه، منتظرةً الجوابَ الذي يَذهبُ به القلق ، وتطمئنُّ به النفسُ ، ما العالم ؟ ما حقيقة الدنيا ؟ ما حقيقة الكون ؟ ما حقيقة الإنسان ؟ مِن أين ؟ وإلى أين ؟ ولماذا ؟ هذه الأسئلة يجيب عنها الدين إجابات عميقة متناسقة متكاملة مرضية لا تحتاج بعدها إلى سؤال .

أيها الأخوة الكرام ، المؤمن وقد اتصل بالله يعيش في معية الله ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ الشعور بمعية الله شعور لا يقدر بثمن ، قال العلماء : المعية العامة :
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
( سورة الحديد الآية : 4 )
معية العلم أما المعية الخاصة هي معية التوفيق ، معية الحفظ ، معية النصر ، معية التأييد :
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
( سورة الحديد الآية : 4 )
أما إن الله مع المؤمنين مع المتقين ، مع الصادقين ، هذه معية خاصة .

أيها الأخوة الكرام ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .


الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين .
السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء :

أيها الأخوة الكرام ، الإنسان إذا تعرف إلى الله ، واستقام على أمره ، انعقدت صلته مع الله ، هذه الصلة تحتاج إلى استقامة ، ليس معنى هذا أن المؤمن لا يخطئ ، المؤمن يخطئ لكنه لا يصر على خطئه ، مذنب تواب ، سريعاً ما يتوب إلى الله عز وجل ، فالإنسان إذا استقام على أمر الله بعد أن عرفه انعقدت صلته مع الله عز وجل ، من خلال هذه الصلة الصحيحة تأتي السكينة ، السكينة أكبر عطاء إلهي ، أنت إنسان آخر ، إنسان متفائل ، إنسان تشعر أنك على الطريق الصحيح ، إنسان تعيش ما وعدك الله به في جنة عرضها السماوات والأرض .

فلذلك أيها الأخوة ، الدين له أشكال وله حقائق ، أن تقوم وتصلي هذه عبادة من العبادات الأساسية ، لكن أن تنعقد الصلة مع الله في الصلاة هنا المعول عليه ، أن تنعقد الصلة مع الله في الصلاة ، إن انعقدت تنزلت السكينة ، والسكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء .

الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك و نتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام ، وأعز المسلمين ، انصر المسلمين في كل مكان ، وفي شتى بقاع الأرض يا رب العالمين ، اللهم أرنا قدرتك بأعدائك يا أكرم الأكرمين .
والحمد لله رب العالمين
======================
فـــــــــائــــــــــدة.tt

*قال الشيخ ابن عثيمين*
- رحمه الله :

*تحية المسجد سنة مؤكدة حتى قال بعض العلماء إنها واجبة وهي مشروعة في كل وقت يدخل المسجد فيه وليس فيها وقت نهي.*

(شرح عمدة الأحكام / ج٢ / ص٩).
- لا إله إلا الله 🍃
🎤
خطبـة.جمعــة.بعنوان.cc
أحـــكام الوصيـــَّة والموصـــِين
والمــوصَـــى لـــهـــم والأوصـــيــــــاء
للشيـــخ/ عـــبـــدالــقـــادر الجـــنـــيـــد
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــــة.الأولــــــــــى.cc
الحمد لله المحمودِ على كل حال، الموصوفِ بصفات الجلال والكمال، المعروفِ بمزيد الإنعام والإفضال، أحمده سبحانه وهو المحمود على كل حال،
*وأشهد أن لا إله إلا الله* وحده لا شريك له، ذو العظمة والجلال،
*وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله* الصادق المقال،
اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه خيرِ صحب وآل، وسلِّم تسليما كثيرًا ما تعاقبت الليال.
_أما بعد،_

فيا أيها الناس:
اتقوا الله حق تقاته، وسارعوا إلى مغفرته ومرضاته، وأجيبوا الداعي إلى دار كرامته وجناته، ولا تغرنكم الحياة الدنيا بما فيها من زهرة العيش ولذاته، فقد قرُب الرحيل، وذُهِبَ بساعات العمر وأوقاته، ألا وإن المؤمن بين مخافتين:
بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانعٌ فيه، وأجلٍ قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه،
فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن صحته لمرضه، ومن حياته لموته، ومن غناه لفقره، فوالله مابعد الموت من مُسْتَعْتَبٍ، وما بعد الموت من دار إلا الجنةَ أو النار،

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: *(( الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَالعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ))*.

وقال الله – عزَّوجلَّ -: *{ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا }*.

ثم اعلموا – سددك الله وسلَّمكم – أن الوصية على نوعين:

■النوع الأول: الوصية الواجبة.

فمن كانت عليه ديون ومستحقات للناس، أو في ذمته حقوقٌ أو أماناتٌ أو عُهدٌ تتعلق بالغير من تُجَّارٍ أو أيتام أو شركاء أو عمل أو وظيفة أو إخوان أو أخوات أو أعمام أو عمات، أو شهادةٌ يضيع بها حق الغير أو يحصل له بها ظلم واعتداء، أو اختلاطٌ في الأنساب، أو خلوةٌ بغير المحارم، فهنا يجب عليه أن يكتب وصيةً يُبين فيها ذلك، حتى إذا عجَز عنها في حياته أو دهمه مرض يعوقه أو فجأه موتٌ، قام بها عنه مَن بعده مِن أوصياءَ أو ذريةٍ أو إخوة،

وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: *(( مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ ))*.

■النوع الثاني: الوصية المستحبة.

فمن كان عنده فضلُ مالٍ فإنه يستحب له أن يوصي بشيء منه للمحتاجين من قرابته التي لا ترثه أو الفقراءِ أو المرضى أو المعاقين أو بناء مسجد أو حفر بئر يشرب من مياهها الناس والدواب، أو طباعة كتب لأكابر أهل العلم من أهل السنة والحديث في العقيدة أو الفقه أو تفسير القرآن أو الأحاديث النبوية،

فقد قال الله ـ عز وجل ـ مرغبًا: *{ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا }*.

وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه محرضًا: *(( أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ، قَالَ: فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ ))*.

والأفضل عند عامة الفقهاء أن يجعل وصيته لأقاربه الذين لا يرثون، إذا كانوا فقراء ذوي حاجة، لأن الله تعالى بدأ بهم قبل غيرهم حين رغَّب عباده في الصدقة،

فقال سبحانه مادحًا المنفقين: *{ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ }*.

أيها الناس:
هذه جملة من الأحكام المتعلقة بالوصية، والموصِين، والموصَى لهم، والأوصياء،
فأقول مستعينًا بالله – جلَّ وعلا -:

●الحكم الأول: من ليس عنده إلا مال قليل فلا تستحب له الوصية باتفاق أهل العلم، لأن الوصية قد تضر بورثته من بعده، ونفعها للمحتاجين يسير.

●الحكم الثاني: إذا أوصى العبدُ بشيء من ماله في وجوه البِرِّ والإحسان، فإنه إن كان له ورثة فلا يتجاوز بهذه الوصية ثلثَ ماله، لِما صح عن سعد ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: *(( جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، زَمَنَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَقُلْتُ: بَلَغَ بِي مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: بِالشَّطْرِ؟ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: الثُّلُثُ، والثُّلُثُ كَثِيرٌ، أَنْ تَدَعَ وَرَث
َتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ ))*.

●الحكم الثالث: إذا أوصى العبد بأكثر من ثلث ماله كنصف أو ثلثين ثم مات، فإن الورثة لا يجب عليهم إلا إخراجُ الثلث فقط، فإن طابت أنفسهم وسمحت بإمضاء ما أوصى به كاملًا جاز ذلك باتفاق العلماء.

●الحكم الرابع: لا يجوز للعبد أن يوصي بشيء من ماله لأحد من الذكور أو الإناث الذين سيرثونه بعد موته باتفاق العلماء، لِما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: *(( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ))*.

فإن مات وقد أوصى لأحدهم بشيء، فالأمر بيد الورثة،
إن سمحوا عن طِيب نفس أُمْضِيَت الوصية،
وإن لم يأذنوا لم تُنفَّذ وصيته باتفاق العلماء، لأن المال قد انتقلت مِلكيته لهم،
وإن كان القضاء يحكم بغير الشرع فأمضى الوصية لهذا الوارث،
فإنه إن قبِل يكون قد أكل مالًا حرامًا، وظلم الورثة حيث منعهم حقهم، وأساء إلى المورِّث حيث أمضى وصيته المحرمة.

●الحكم الخامس: إذا أوصى الإنسان بشيء من ماله لبعض ورثتة فلا يجوز لأحد أن يَشهد على هذه الوصية، لأنه يكون معينًا على الظلم والجور، وقد صح أن رجلًا وهب أحد أولاده دون الآخرين فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده على هبته، فقال صلى الله عليه وسلم له: *(( أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ ))*.

●الحكم السادس: إذا أوصى الميت بشيء من ماله وهو في مرض موته أو مرض يَخاف منه الموت، فإن وصيته صحيحةٌ ونافذة، إلا أنها لا تنفذ باتفاق الأئمة الأربعة إلا في الثلث فقط فما دونه.

●الحكم السابع: إذا مات الميت وقد أوصى بشيء من ماله، وعليه ديون للناس تَذهب بجميع ماله، فإن سداد ديونه يُقدم على تنفيذ وصيته باتفاق العلماء.

●الحكم الثامن: من أوصى أن يُصرف شيء من ماله على أمر محرم فإن وصيته لا تنفذ باتفاق العلماء.
>》ومن أمثلة الوصايا المحرمة:

الوصية بشيء من ماله لبناء مسجد أو قُبة على قبر، أو إقامةِ مأتم شهريٍّ أو سنوي للنفس أو الأب أو الأم، أو عملِ مولد لوليٍّ أو غيره، أو طباعةِ كتاب بدعة وضلالة، أو كتاب مجون وخلاعة، أو نسخِ شريط غناء أو تمثيل.

●الحكم التاسع: إذا أوصى العبد بشيء من ماله إلى بعض الأشخاص أو الجهات ثم أراد الرجوع عن وصيته هذه في حياته أو تبديلها جاز له ذلك باتفاق العلماء.

●الحكم العاشر: إذا أوصى العبد بشيء من ماله أو متاعه لأحد بعد موته، ثم مات هذا المُوصَى له قبل المُوصِي، فإن الوصية تبطل باتفاق الأئمة الأربعة.

نفعكم الله بما سمعتم،
وزادكم فقهًا بدينه وشرعه،
إنه سميع مجيب.


الخطبة.الثانيــــــــــــــــة.cc
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
_أما بعد،_

فيا أيها الناس:
اعلموا – سلمكم الله – أنه يُسن للعبد أن يكتب وصيته بيده، ويُشهد عليها شاهدين، لأن ذلك أحفظُ لها، وأحوطُ لما فيها، وأضمنُ في القيام بها،

وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: *(( مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ ))*.

فإذا كتب العبد وصيته وضعها في مكان آمن، بحيث لا تطالها يد غيره فتحرفَ فيها أو تبدل، أو يضعها عند رجل معروف أمين ثقة من قبيلته أو عائلته أو أصحابه أو يضعها في صندوق في بنك.

أيها الناس:
إذا كان العبد يعلم من ورثته وقرابته أنه إن مات قاموا في حقه بارتكاب بعض البدع والمحرمات فإنه يتأكد في حقه شديدًا أن يوصيهم بأن لا يفعلوا ذلك.

>》ومن هذه البدع والمحرمات:

البناء على قبره، أو دفنه في مسجد، أو إقامة مأتم له يُطعم فيه الطعام، أو يُؤتى فيه بالمقرأين، أو قراءة الفواتح على روحه، أو النياحة عليه، أو تشييعه مع ترديد شيء من الذكر كقول لا إله إلا الله أو وحِدّوه، لأن السنة الصمت حال تشييع الجنازة.

وقد قال فقيه الشافعية أبو زكريا النووي ـ رحمه الله ـ:
ويستحب استحبابًا مؤكدًا أن يوصيَهم باجتناب ما جرت به من البدع في الجنائز، ويؤكدَ عليهم العهدَ بذلك.اهـ

أيها الناس:
إن القائم على الوصية وتنفيذِها وحفظِها ورعايتِها يُقال له الوصيّ، ويشترط له باتفاق العلماء أن يكون: مسلمًا، عاقلًا، عدلًا، ولا يصح أن يكون مجنونًا، ولا طفلًا، ولا كافرًا، ومن عُرف واشتهر بالخيانة أو الفسق فلا يصح أن يكون وصيًا عند أكثر العلماء، ويجوز باتفاق الأئمة الأربعة أن تكون الوصية امرأة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل امرأةً قيِّمةً على أولادها في النفقة،

فصح أن هند بنت عتبة – رضي الله عنه – قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: *(( إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ سِرًّا؟ قَالَ: خُذِي أَنْتِ وَبَنُوكِ مَا يَكْفِيكِ بِالْمَعْرُوفِ ))*.

وأخبر عمرو بن دينار ـ رحم
ه الله ـ : *(( أنَّ عمرَ بن الخطاب – رضي الله عنه – أوصى إلى حفصة ))*.

أيها الناس:
إذا كان للأيتام أموال فإن الوليَّ أو الوصيَّ عليهم يُخرج الزكاة منها إذا كانت نصابًا، وحال عليها الحول، وله أيضًا إن رأى المصلحة: أن يتَّجِرَّ لهم بأموالهم لتزداد، ويجوز له أن يأكل منها بقدر عمالته بالمعروف إذا كان فقيرًا محتاجًا، وإن كان غنيًا فليستعفف، فقد صح عن القاسم ـ رحمه لله ـ أنه قال: *(( كُنَّا يَتَامَى فِي حِجْرِ عَائِشَةَ فَكَانَتْ تُزَكِّي أَمْوَالَنَا ))*.

وصح عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: *(( ابْتَغُوا ـ يعني: اتجروا ـ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، لَا تَسْتَهْلِكْهَا الزَّكَاةُ ))*.

وصح عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: عند هذه الآية: *(( { وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ }: أُنْزِلَتْ فِي وَالِي اليَتِيمِ الَّذِي يُقِيمُ عَلَيْهِ وَيُصْلِحُ فِي مَالِهِ، إِنْ كَانَ فَقِيرًا أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ مَكَانَ قِيَامِهِ عَلَيْهِ بِمَعْرُوفٍ ))*.

وأما إن تجرَّأ وأكل من مال اليتيم بغير حق، فقد أتى كبيرة، وتوعده الله بوعيد شديد

فقال سبحانه: *{ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا }*.

هذا
وأسأل الله الكريم
أن ينفعنا بما علمنا، ويزيدنا فقهًا وعملًا بشرعه،
اللهم ارزقنا توبة نصوحًا، وأجرًا كبيرًا،
اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وسائر أهلينا،
اللهم من كان منهم حيًا فبارك له في عمره ورزقه، وزده هدى، ومن كان منهم ميتًا فتجاوز عنه، واجعله في قبره منعمًا،
اللهم جنبنا الشرك والبدع والمحرمات،
اللهم من أراد هذه البلاد ودينها وأمنها وأهلها وولاتها وجندها والمقيمين فيها بشر وكيد فاجعل كيده في تباب، وشره عليه وعلى من أعانه،
اللهم ارفع الضر عن المتضررين من المسلمين، اللهم ارفع عنهم القتل والقتتال والخوف والجوع والأمراض والأوبئة، وأعذنا وإياهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن،
اللهم قاتل الكفرة المعتدين، والنصيرين والحوثيين المجرمين، والخوارج المارقين،
إنك سميع مجيب،
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

========================
🎤
خطبـةجمعــةبعنــــوان.tt
الــصـــــــــــلاة والســـــــكــيــنــة
للدكتـــور/ محمـــد راتب النابلسي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وآل بيته الطيبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
من ذكره الله منحه السعادة والتفاؤل والسكينة

أيها الأخوة الكرام ، ننطلق في هذه الخطبة من قوله تعالى :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
( سورة العنكبوت الآية : 45)

أولاً : تنهى نهياً ذاتياً ، هذا هو الوازع الذي هو أصل في الدين ، أما الرادع هو منع خارجي :

﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
بعض العلماء قالوا : ذكر الله أكبر ما فيها ، لكن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يقول : "ذكر الله لك وأنت تصلي أكبر من ذكرك له ، لأنك إن ذكرته أديت واجب العبودية ، لكنه إذا ذكرك منحك الأمن ":
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
( سورة الأنعام الآية : 81-82 )
منحك التوفيق ، منحك السعادة ، منحك التفاؤل ، منحك قوة الشخصية ، منحك رؤية سديدة ، ألقى في قلبك النور .

السكينة ثمرة من ثمار الصلاة
من جملة هذه المنح موضوع الخطبة اليوم ، إذا ذكرك الله وأنت في الصلاة منحك السكينة ، ما السكينة ؟ لقد وردت في القرآن الكريم في عدة آيات من أبرز هذه الآيات :
﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ﴾
( سورة الفتح الآية : 4)
وقال تعالى :
﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ﴾
( سورة الفتح الآية : 18)

موضوع الخطبة اليوم إحدى ثمار الصلاة السكينة ، لا سعادة بلا سكينة ، ولا سكينة بلا إيمان .
السكينة هي الغاية المثلى للحياة الرشيدة و تزهر بغير عون من المال :
السكينة هي الغاية المثلى للحياة الرشيدة ، هذه السكينة تزهر بغير عون من المال، قد تكون فقيراً ويمنحك الله السكينة فتسعد بها ولو فَقَدَ كلَّ شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملَك كل شيء ، لا تحتاج إلى الصحة ، قد يكون المرء مريضاً وقد ألقى الله في قلبه السكينة .
أيها الأخوة الكرام ، هذه السكينة ليست مِلْكَ أحد ، فيمسكَها أو يرسلَها ، ولكنها في متناول كل واحد من البشر إذَا هو دفع ثمنها .

عظمة هذا الدين دين البشر ، دين أي إنسان ، بالدين لا يوجد طبقية ، بالدين لا يوجد فئة مختارة ، لا يوجد فئة متميزة ، هذه السكينة لكل البشر ، بشرط أن تدفع ثمنها ، ما مِن نعمة تُحجب معها السكينة إلا وتنقلب بذاتها إلى نقمة ، المال نعمة إذا حجبت مع المال السكينة أصبح المال نقمة ، وما من محنة تحفها السكينة إلا وتكون هي بذاتها نعمة ، ينام الإنسان على الشوك مع السكينة فإذا هو مهاد وثير ، وينام على الحرير وقد أمسكت عنه السكينة فإذا هو شوك القتاد .

يعالج المرء أعسر الأمور ومعه السكينة فإذا هي هوادة ويسر ، ويعالج أيسر الأمور وقد تخلت عنه السكينة فإذا هي مشقَّة وعسر ، يخوض المخاوف والأخطار ومعه السكينة فإذا هي أمنٌ وسلام ، ويعبر المناهج والسبل وقد أمسكت عنه السكينة فإذا هي مهلكةٌ وبوار .
هذه السكينة لا تعز على طالب كائناً من كان في أي زمان ومكان ، وفي أي حال ومآل ، وجدها إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام في النار ، وجدها يوسفُ عليه الصلاة والسلام في الجُبِّ ، كما وجدها في السجن ، وجدها يونس عليه الصلاة والسلام في بطن الحوت في ظلمات ثلاث ، وجدها موسى عليه الصلاة والسلام في اليم ، وهو طفلٌ مجرد من كل قوة وحراسة ، وجدها أصحاب الكهف في الكهف ، حينما افتقدوها في الدور والقصور ، ووجدها نبينا عليه الصلاة والسلام وصاحبه في الغار، والأعداء يتعقبونه ، ويَقُصُّون الآثار ، ويجدها كل مؤمنٍ أوى إلي ربه يائساً ممن سواه ، قاصداً بابه وحده من دون كل الأبواب .

سكينة النفس هي الينبوع الأول للسعادة :
يبسط الله الرزق مع السكينة ، فإذا هو متاع طيبٌ ، ورخاء وفير ، وإذا هو رغد في الدنيا ، وزادٌ إلى الآخرة ، ويمسك السكينة مع الرزق ، فإذا هو مثار قلق وخوف ، وإذا هو مثار حسد وبغض ، وقد يكون معه الحرما
راً.. وعاداه قومه وأخرجوه وفقد في سبيل الدعوة إلى الله أحب الناس إليه وابتلاه الله بأنواع من البلاء.. فمات أولاده كلهم قبله إلا فاطمة.. وكان يبتلى ببعض الأوجاع والإصابات التي قد تلزمه الفراش ولا يصلي بسببها إلا قاعداً وكان يمر به الشهران ولم يوقد في بيوته نار إنما يأكل هو وأزواجه الماء والتمر إلا أن يهدى إليه شيء.

ومع ذلك كانوا لربهم حامدين شاكرين وعلى ما أصابهم صابرين فهؤلاء صفوة الخلق.. أفما لك فيهم يا عبد الله أسوه أمالك في أخبارهم تخفيف وسلوه .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين . أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه . إنه هو الغفور الرحيم .



الخطـبة الثانيــة

أما بعد :
فإن أسلحة المؤمن التي يواجه بها ما يعترضه من الهموم والأكدار والمصائب كثيرة والحمد لله ومنها إضافة لما سبق ذكره الإكثار من الدعاء ولا سيما الأدعية الواردة في علاج الهموم والكربات فاحفظها أيها المهموم المغموم المكروب وتتدبرها وألح بتكرارها حين حصول أسبابها بصدق وثقة وخشوع وضراعة وسترى من عجيب لطف الله بك ما لا يخطر لك على بال.

ومن هذه الأدعية المباركة ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه و سلم يدعو عند الكرب يقول ( لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم ) متفق عليه

وعن أنس رضي اللّه عنه ، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ؛ أنه كان إذا أكربه أمر قال : ” يا حَيُّ يا قَيُّومُ ، بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ ” أخرجه الترمذي وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإِسناد وحسنه الألباني.

وعن أبي بكرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : “دَعَوَاتُ المَكْرُوب : اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أرْجُو فَلا تَكِلْنِي إلى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وأصْلِحْ لي شَأنِي كُلَّهُ ، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ ” أخرجه أبو داود وحسنه الألباني.

وعن أسماء بنت عُمَيْس رضي اللّه عنها ، قالت : قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم : ” ألا أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ تَقُولِيْنَهُنَّ عِنْدَ الكَرْبِ ـ أو في الكرب ـ اللَّهُ اللَّهُ رَبي لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ” أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

وعن سعد بن أبي وقاص رضي اللّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( دعوة ذي النون إذ دعا بها و هو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له ) رواه احمد والترمذي وصححه الألباني .

هذه أدعية مباركة وإذا خرجت من قلب صادق واثق بوعد الله عظيمِ الرجاء فيما عنده كان لها أنفع الأثر بإذن الله.

اللهم فرج هم المهمومين
واقض الدين عن المدينين ..الخ

 ========================
🎤
خطبـةجمعــةبعنـــوان.tt
سلاح المؤمن عند هجوم الهموم
للـدكتــور/ علي بن يحيـى الحــــدادي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

أما بعد عباد الله :
فإن من حكمة الله تعالى أن جعل الدنيا غير خالصة العنت والشقاء ولا خالصة السعادة والهناء فلا يزال العبد يتقلب فيها بين حالتين .. حتى ينتهي به الترحال إلى دار السعادة الخالصة أو إلى دار الشقوة الخالصة..

إن أكدار الدنيا من غموم وهموم وأحزان يصاب بها العباد على اختلاف طبقاتهم وأنواعه من مسلم وكافر.. لكن للمسلم عند نزول الهموم به ما ليس لغيره من أهل الأرض فهو يملك من سلاح الإيمان الصادق والعلم النافع ما يواجه به مصاعب الدنيا ، فلا توهن قوته ولا تضعضع عزيمته , ولا تحطم نفسيته .. لا يعدو أن يراها منحة في أثواب محنه.. لا يراها سوى نعمة ربانية لكن جاءت بلباس المصيبة

هكذا هي المصائب وما ينتج عنها من هموم تكدر الخواطر وتعكر المزاج وتظلم الدنيا على عين صاحبها .. سواء كانت مصيبة فقد عزيز أو تراكم ديون ، أو فقد مال ، أو فوات أمنية أو غير ذلك .. من مصائب الدنيا وأكدارها.

إن سلاح المؤمن الذي يواجه به ذلك كله هو إيمانه الصادق بقضاء الله وقدره .. فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه .. فلم تحزنُ لشيء لابد لابد أن يقع ولم تأسف على فائت لم يكن أبداً ليقع..)ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير” لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم “

إن من لا يؤمن بالقدر إذا نزلت به المصيبة جنَّ جنونه وفقد شعوره . وهجمت عليه الاضطرابات النفسية حتى ربما وصلت به إلى الانتحار .. تلح عليه أسئلة الاعتراض على مجريات الأقدار .. يلح عليه تأنيب النفس ، لو فعلت كذا لما كان كذا .. لو كان كذا لم يحصل كذا .. كما قال المنافقون من قبل )لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيتكم لبرز الذين كتب عليهم القتال إلى مضاجعهم (

إن هذه الاعتراضات على أقدار الله إنما هي عذاب عاجل قبل العذاب الأخروي فلا تسلكوا طريقهم .. ولا تتبعوا سنتهم ) يأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير ( ومن أسلحة المؤمن في مواجهة مصاعب الحياة ومصائبها .. أن يعلم أن كل ما يقضي الله له فهو خير إن أحسن استغلاله . إذا أنعم الله عليك بنعمة تسرك فاشكرها .. تكن من الشاكرين .. وإن نزلت بك بلية تسوؤك فاصبر تكن من الصابرين فأنت بين حالين إما مسرور شاكر وإما مبتلى صابر .. وأنت مأجور في كلا الحالتين .. لهذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ” عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خير له “. رواه مسلم.

تأمل أخي المسلم هل يشاركك أحد في الدنيا في هذه الخاصية من غير المسلمين . لا والله .. ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى للحديث ” عجباً لأمر المؤمن ، أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ” فاحمد الله أن منَّ عليك بنعمة الإيمان.

وأمر آخر أن تعلم يا عبد الله أن ما تبتلى به من هم أو غم صغير أو كبير حقير أو خطير .. فإنه كفارة لك من ذنوبك على قدر المصيبة فحيثما وقعت المصيبة وقع التكفير يقول صلى الله عليه وسلم : ” لا يصيب العبد من هم ولا غم ولا وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها من خطاياه” عجيب والله !! تفعل المعصية باختيارك ويكفرها الله بشيء ليس باختيارك ولكن ما العجب والله أكرم الأكرمين، وأيّ عجب والله بالناس رؤوف رحيم.

فإن صبرت على المصيبة كتب لك أجر الصبر وهو غير التكفير السابق للخطايا .. ومعنى الصبر أن تمنع قلبك من السَّخط على قضاء الله وأن تمنع لسانك من التلفظ بما يغضب الله وتمنع جوارحك كاليد من نتف الشعر أو لطم الخد أو شق الثياب كما تفعله النوائح أما حزن القلب ودمع العين والبكاء بدون الصراخ فلا بأس به إذ هو مما لا يعذب الله به .

ومن أسلحة المؤمن التي يواجه به ما يصادفه في حياته من البلاء تدبر القرآن الكريم حيث تجد فيه ما وعد الله الصابرين من الأجر والثواب والنعيم المقيم .. والنظر في أخبار أنبياء الله ورسله وأتباعهم وما لقوا من العناء العظيم في هذه الدنيا ..

انظر لنوح عليه السلام وهو يصارع قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ومن أعدائه زوجه وولده..

انظر لخليل الرحمن وما لقي من العناء كاده الناس.. وتسلط عليه الجبابرة وطرد من أرضه وأوقدت له النار وطرح فيها.. ونجاه الله من ذلك بعد صبر عظيم.. انظر لموسى وما لقي من فرعون وقومه.. ثم ما لقي من بعض أتباعه من بني إسرائيل ما زال معهم في عناء حتى لحق بالرفيق الأعلى..

انظر لأيوب عليه السلام وما ابتلى به من المرض الطويل وموت الأهل .. فصبر على ذلك كله حتى جاء الفرج..

وانظر لخاتم الرسل وسيدهم صلى الله عليه وسلم ولد يتيماً ونشأ فقي
‏الحرمان !!

‏ان تقرأ كل شيء إلاَّ ⁧ #القرآن
‏اللهم أخرج حب الدنيا من قلوبنا ...
‏وأبدلنا حباً لجنتك و شوقاً لرؤيتك ...
2024/09/30 23:46:58
Back to Top
HTML Embed Code: