Telegram Web Link
فهذه دروس عظيمة ومواقف نبيلة نتعلمها من يوم عاشوراء ومن أحداث الهجرة فلنأخذ منهما العبرة ...

*ودرس آخر نتعلمه من سبب صيام يوم عاشوراء. فهنا درس آخر: هو مقابلة النعمة بالشكر والمنة بالطاعة والعبادة لا بالمعصية. فإن نبي الله موسى -عليه السلام- صام يوم عاشوراء شكرا لربه -جل وعلا- أن نجاه من الغرق ونصره على عدوه وهكذا يجب أن يكون المسلم يقابل نعم ربه عليه وإحسانه إليه بالانقياد والعبادة لا بالعناد والمعصية والناظر في حال المسلمين اليوم يجدهم –إلا من عصم الله رب العالمين- يقابلون نعم الله عليهم وتفضله وإحسانه إليهم بالمعاصي والمخالفات التي تجلب غضب رب الأرض والسماوات .

*عــــباد اللــــه :
في قوله صلى الله عليه وسلم نحق احق واولى بموسى منهم كان منهجُ الإسلام في الإصلاح وبالأحرى منهجه في استلام راية الرسالة الخاتمة وكلمة الله الأخيرة إلى العالمين منهج يجوز أن نسميه: "نحن أوْلَى".

فكل خير في هذه الحياة وإن فعله غيرُنا فنحن أولى به منهم أي: نحن الأولى بأن نفعله منهم وبما أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجتْ للناس فإنها الأحقُّ والأجدر بأن تكون صاحبة اليد العليا والسابقة إلى الخيرات مِن بين كل الأمم هكذا سجل الله في كتابه مِن صفات المؤمنين {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61].

وأول الخير وأرفع المنازل هو ما سنَّه الأنبياء من قبلنا فنحن أوْلى بكل نبي ممن يدَّعي صلته به وانتسابه إليه وعلى هذا رفع النبي شعار هذه الأمة: ((نحن أولى بموسى منكم)). فهنا سعت الأمة - في جيلها الذهبي الفريد - إلى التميُّز عن اليهود والنصارى فكان أن وجَّههم - صلى الله عليه وسلم - إلى الزيادة في العمل ليتحقق به التميُّز فسنَّ صيام يوم التاسع من المحرَّم.

*كذلك نحن أمة ورسالة..!
"أمة الوسطية" هي "الحقيقة الكبرى" التي تتجلّى في هذا اليوم.. واقعًا وتاريخًا ورسالة! أمة الوسط (الحق والعدل) بين أهل الغلو.. وأهل الغفلة! أمة القرآن والسنة بين أهل الهوى والبدع أمة التوقير والتعظيم للرسل أولي العزم والهمة!

* كما يغرس يوم عاشوراء العزة في النفوس.. يبرز المسؤولية عن هذا الدين الخاتم الذي تتعطش البشرية إلى نوره المبين في خضم أمواج متلاطمة من الانحرافات والتحريفات والاعتداءات والانتهاكات!

*إن المرء ليشعر بالفخر كما يشعر بالمسؤولية وهو يحمل منهجًا يرتفع فوق العصبية والعنصرية والطبقية وسائر أوصال الجاهليات لا سبيل في الإسلام إلى الدرجات العلى عند الله وعند الناس إلا بالعمل وبذل الخير ولا فرق في هذا بين عنصر وعنصر ولا بين جنس وجنس {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم}

*يوم عاشوراء تذكير لأهل الأرض عامة بهزيمة الله لأعدائه وتذكير لأهل الأرض عامة بنصرة الله لأوليائه وهذا يجدد في النفس الأمل ويبعث التفاؤل.

فعاشوراء (أمل) يتجدَّد في نفوس البائسين بأنَّ الفرج قريبٌ مهما بدا لنا بُعدُه وأنَّ النَّصر للحقِّ مهما تزَلزَل أهلُه وأنَّ النور من رَحِم الظَّلماء مسراه مهما كثرَت الشكوك فيه لتتأمَّل الأنفسُ اليائسة آيات الله في كلِّ زمان ومكان ولتعتبِر بما حكى القرآنُ من جولات الصِّراع بين الحقِّ والباطل - نوح وهود وصالح وإبراهيم وموسى ومحمد مع أقوامهم - ما فيها وما قد كان حتمًا سترتدُّ قلوبهم موقِنَة ونفوسُهم مطمئنَّة إلى أنَّ النصر حليفهم وأن الأمل قريب... ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ 
إن النفوس المستبشرة بنصر الله تعالى وفرجه الموقنة بقدرته المنتظرة لرحمته هي التي يُرجى تحقق الإنجازات على أيديها أما النفوس اليائسة المنقبضة الكئيبة التي تبحث عن الحزن ومناسباته فليست بالتي يتوقع منها نصر ولا تقدم ولا إنجاز فهم مساكين لا يزال يقعد بهم اليأس فيخشون التحرك للتغيير ويخافون الفراعنة بل وربما عاونوهم ضد من يعملون لإنقاذهم وأساءوا إليهم . 

*يوم عاشوراء دليل على تنوع النصر بالنسبة للمسلمين فقد لا يكون النصر على الأعداء بهزيمتهم والغنيمة منهم بل أحيانًا يكون النصر عليهم بهلاكهم وكفاية المسلمين شرهم كما حدث مع موسى  عليه السلام وكما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم - في الخندق.

*صيام يوم عاشوراء تربية للناس على فتح باب المسابقة والتنافس في الخيرات فقد دل النبي صلى الله عليه وسلم على فضل عاشوراء ثم ترك الأمر راجع إلى اختيار الشخص حتى يتبين المسابق للخيرات مع غيره .

هذا وصلوا وسلموا على النبي المصطفى والحبيب المرتضى كما أمركم بذلك المولى جلَّ وعَلا فقال تعالى قولاً كريماً : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، يا منان، يا ب
دي

ع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي  يا قيوم نسألك أن تجعل عامنا هذا وما بعده من أعوامٍ أعوامَ أمن وطمأنينة وعلم نافع وعمل صالح به رشاد الأمة وذلُّ الأعداء في جميع البلاد يا أرحم الراحمين.

اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظ بلادنا واقض ديوننا واشف أمراضنا وعافنا واعف عنا وأكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤاثر علينا وارحم موتانا واغفر لنا ولوالدينا وأصلح أحوالنا وأحسن ختامنا يارب العالمين
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله اكبر واقم الصلاة .
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
مـــــكــــــــــــارم الاخـــــــــــــلاق
للشيـخ/ حـــســــــان الــعــمــــــاري
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الأولـــى.cc
الحمد لله الذي تفرد في أزليته بعز كبريائه، ونوّر بمعرفته قلوب أوليائه، وطيّب أسرار القاصدين بطيب ثنائه، وأمّن خوف الخائفين بحسن رجائه، الحي العليم الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في أرضه ولا سمائه، القدير لا شريك له في تدبيره وإنشائه. وأشهد ألا لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو على كل شيء قدير.

يا رب:
أنا من أنا؟ أنا في الوجود وديعة
وغدًا سأمضي عابرًا في رحلتي
أنا ما مددت يدي إلى غيرك سائلاً
فارحم بفضلك يا مهيمن ذلتي

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا.. عبدُ الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه إلى يوم الدين.

أمـــا بعـــد - عـــباد اللـــه :
إن للأخلاق مكانة عظيمة في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب، ولذلك اعتبرها الإسلام قيمة إيمانية مرتبطة بعقيدة الفرد وصلته بربه، ورتب عليها الجزاء في الدنيا والآخرة، وجعل -سبحانه وتعالى- تربية الخلق وتزكية نفوسهم بالأخلاق والفضائل من أهداف الرسالات والنبوات فقال عن نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [الجمعة 2]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاق" وفي روايةٍ "صالحَ الأخلاقِ" (السلسلة الصحيحة).

وأهل البر هم أصحاب الأخلاق الكريمة والتي من أعظمها ما ذكره الله في كتابه فقال: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة:177].

بل إن صاحب الخلق ليبلغ به خُلقه منازل عالية في الدنيا والآخرة، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "إنّ من أحبِّكم إليّ وأقربِكم منّي مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا" (رواه البخاري في الأدب المفرد).

وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما شيء أثقل من ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلق حسن وإن الله ليبغض الفاحش البذيء"(صحيح الترغيب والترهيب).

وأخلاق المسلم ثابتة لا تتغير يجب أن يلتزم بها في حال الغضب والرضا والحرب والسلم، والعسر واليسر، والقوة والضعف، وفي الفقر والغنى.. لما فتحت فارس وسقط مُلك الأكاسرة أرسل القائد الفاتح نفائس الإيوان إلى المدينة المنورة؛ كانت أكوامًا من الذهب والجواهر في حقائب بعضها فوق بعض، حُملت من المدائن إلى دار الخلافة لم تنقص ذرة خلال آلاف الأميال.

قال ابن جرير: لما قدم بسيف كسرى مع بقية الكنوز قال عمر: "إن أقوامًا أدوا هذا لذوو أمانة"، فقال له علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "إنك عففت يا أمير المؤمنين فعفت الرعية".

إنها أخلاق الإسلام، فلا يمكن أن يأتي زمن أو ظروف أو حادثة تبيح للمسلم أن يتنصل عن هذه الأخلاق.

ولا يعني وجود المشاكل والاختلافات بين الناس الخروج عن هذه الأخلاق والقيم والخضوع لغرائز الغضب والحمية الجاهلية، وإشباع نوازع الحقد والقسوة والأنانية، فلابد أن يكون المسلم عادلاً ورعاً وأميناً وصادقاً ووفياً في سائر أحواله؛ لأنه يتعبد الله بهذه الأخلاق، ويبتغي مرضاة الله بهذا السلوك، قال تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8]. أي لا يحملكم بغضكم لأعدائكم أن تتجاوزوا وتظلموا بل التزموا بالعدل في أقوالكم وأفعالكم. وقال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأنعام: 152].

أيها المؤمنون عباد الله: عند نزول الفتن وحدوث الصراعات والاختلافات، واحتدام المشاكل بين الأفراد والمجتمعات والدول ينبغي للمسلم أن يوطّن نفسه أن يكون صاحب أخلاق عظيمة يُرضي بها ربه، وتكون سبباً في دفع المصائب والشرور عنه، وطريقاً للنجاة ومثالاً يحتذي به غيره.

ومن هذه الأخلاق: صدق اللسان وسلامة المنطق، والقول الحسن؛ فقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من خطورة اللسان وسوء استخدامه وبيّن لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن ط
ريق السلامة وسبيل الخيرية إنما يكون بكفّ اللسان عن الشر. قال معاذ: يا نبي اللّه وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبّ الناسَ في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم" (صحيح الترغيب والترهيب).

فكل كلمة أو لفظ مسجل ومحسوب يقول الله -عز وجل-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18ٍ].. وقال -تعالى-: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف:80].

إن حفظ اللسان عن المآثم والحرام والكذب والخوض في الباطل عنوانٌ على استقامة الدين وكمال الإيمان في قلب المسلم. يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه" (صحيح الترغيب).

وعند الفتن والمشاكل تزداد شهوة الكلام، وتكثر الأخبار، وتنتشر الشائعات وتتنوع المعلومات، ويكثر القيل والقال، خاصة في زماننا مع وجود وسائل الإعلام المختلفة والقنوات الفضائية وشبكات الإنترنت وغيرها، وكم من أخبار كاذبة ومعلومات خاطئة، واتهامات باطلة، وشائعات مغرضة تنشر في هذه الوسائل ضد أفراد أو مجتمعات أو شعوب أو دول، ومع ذلك تجد الكثير لا يتثبت ولا يتحرى الصدق، ولا يتأنى، بل يشارك في نقلها، ولا يدرك أن ناقل الكذب والمروّج له -سواء علم أو شك- أنه كذب، أو أذاعه من دون تثبت ولا تمحيص هو أحد الكاذبين؛ لأنه معين على الشر والعدوان، ناشر للإثم والظلم، والنبي-صلى الله عليه وسلم- يقول: "بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا" (صححه الألباني).

وهذه هي التي يسميها بعض الناس: "وكالة قالوا" دون تثبت أو فحص وتأكد، ودون مراعاة للمصالح والمفاسد من وراء ذلك؛ بل هو الخوض في أعراض الناس ودمائهم وأموالهم، والذي يندم أصحابه يوم القيامة وهم يسألون عن سبب وجودهم النار، فأجابوا كما أخبر -تعالى-: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر42-48].

وعن أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم بشراركم؟!" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "المشاءون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت" (حسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد)، أي الذين يريدون تلطيخ سمعة غيرهم.

فالمسلم إن لم يتكلم في الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصلح بين الناس ويجمع الكلمة وينصح للمسلمين؛ وإلا فإن الصمت أولى وأوجب؛ فأخلاقه وقيمه ومبادئه ثابتة في الرخاء والشدة، والعسر واليسر، ولا يمكن أن تُباع في سوق الفتن؛ لأنه يتعبد الله بها ويبتلى من الله في ذلك قال -تعالى-: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) [الفرقان 20].

عباد الله: إن على المسلم أن يتصف كذلك بالأناة والتؤدة وعدم التسرع والعجلة، وعليه أن يحكّم الشرع والعقل والمصلحة في كل أموره وفي كل قراراته؛ حتى يتبين له الحق من الباطل، والخير من الشر، والمصلحة من المفسدة، وعليه أن يستعين بمن شاء من أصحاب العلم والأخلاق والفهم والرأي.

وفي زمن الشدائد والفتن أحرى وأولى للمسلم أن لا يتسرع أو يتعجل الأمور قبل أن تتبين له؛ لأنه وقت تطيش فيه العقول، وتضطرب القلوب، وتختل المواقف، ولا يسعف المرء إلا التثبت والأناة والحلم والرفق واتباع الحق؛ فالعجلة والتسرع والغضب المذموم قد يزيد من انتشار الشر، وزيادة المنكر، وذهاب الأمن وحلول المصائب وظهور العداوات، وبالتالي يخسر المسلم دينه ودنياه وآخرته بسبب لحظة عابرة أو موقف تافه أو سلوك لا يدرك خطورته ولا يستوعب عواقبه ولا يقدر نتائجه.

ولهذا جاء عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "إنها ستكون أمور مشتبهات؛ فعليكم بالتؤدة، فإنك أن تكون تابعاً في الخير خير من أن تكون رأساً في الشر" (أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف).

فأوصى بالتؤدة: وهي الأناة وعدم التعجل، وأن يكون معول خير لا معول هدم آمراً بمعروف وناهياً عن منكر، وقائلاً بكلمة الحق لا يخشى لومة لائم، ساعياً بكل ما أوتي من قوة إلى درء الفتنة ونشر الخير وجمع الكلمة، وإصلاح ذات البين والدعوة إلى الأخوة والألفة والتراحم، والله -تبارك وتعالى- يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات: 10].

كتب رجلاً إلى ابن عمر -رضي الله عنه- ما يطلب منه أن أكتب له شيئاً عن العلم؛ فكتب إليه: "إن العلم كثير يا ابن أخي، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء المسلمين، خميص البطن من أموالهم، كافّ اللسان عن أعراضهم، لازماً لجماعتهم، فافعل" (سير أعلام النبلاء
)

فاحذر التسرع والعجلة والحكم على الأمور، وتيقن قبل أن تكون سبباً في دماء تُسفك وأعراض تُنتهك، وأموال تُنهب، وفتنة تعمّ، وإنسان يُظلم، وباطل يُنصر، وحق يُخذل، ومعروف يُهمل.. قال -عليه الصلاة والسلام- لأشج عبد القيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله، الحلم والأناة" (رواه مسلم).

ويقول الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِي عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النّاسِ" فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ. قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ: "لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ؛ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالا أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ" (رواه مسلم).

فكيف لا نلتزم بهذه الأخلاق وهي من صميم ديننا، ذكرها الله في كتابه وذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- في سُنته ومارسها صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في واقع الحياة ففتحت لهم القلوب ودانت لهم الدنيا.

اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سواء السبيل.. قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
عباد الله: يقول عز من قائل: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء:114].

فكن صاحب خُلق لا ترهبك فتنة، ولا تستهويك شهوة، ولا يزين الشيطان لك سوء أعمالك، فيصدك عن الحق والخير والعدل والأمانة والصدق والوفاء، ولا تنس المعروف بينك وبين إخوانك المسلمين تحت أي ظروف.

وانظروا إلى رسولكم -صلى الله عليه وسلم- والحرب تدور رحاها مع المشركين يوم بدر والمسلمين في ضائقة وكرب لم ينسَ -صلى الله عليه وسلم- من أسدى إليه معروف يوماً من الأيام؛ فهذا أبا البحتري بن هشام أحد الرجال القلائل من المشركين الذين سعوا في نقض صحيفة الحصار والمقاطعة الظالمة التي تعرض لها رسول الله وأصحابه في شعب أبي طالب فعرف له الرسول جميله وحفظه له، فلما كان يوم بدر قال -صلى الله عليه وسلم-: "من لقي أبا البحتري بن هشام فلا يقتله".

يا لعظمة هذه الأخلاق ويا لروعة هذا الوفاء.. مع أنه عدوه ويحاربه وهم في ميدان مواجهة ومع ذلك لم ينس المعروف.

وأنت كم بينك وجيرانك وإخوانك في الدين والوطن من معروف وصلات أرحام ووشائج قربى؛ فاحذر من الفتنة ومن العصبية والعداوة والبغضاء، واحذر مزالق الشيطان وخطواته، واحذر من شياطين الأنس الذين انحرفت أخلاقهم وسلوكياتهم؛ فالحق أحق أن يُتبع، والسعيد من جنبه الله الفتنة، وهداه إلى الحق بإذنه.

واعلم أن أخلاقك دين تتعبد الله بها، وليست للبيع والشراء أو المساومة وأنصاف الحلول ومجاملة فلان وعلان من الناس أو تقرباً من هذا وذاك كلا.. إنها رأس مالك فاثبت عليه ومارسها سلوكاً في الحياة.

ولن تنال هذه الأمة رحمة الله ولن تفرّج كرباتها إلا بعقيدة صحيحة وأخلاق حسنة وسلوك قويم؛ فأحسنوا الظن بالله وبعفوه ورحمته، وثقوا بحسن بتدبيره، وتوكلوا عليه.

اللهم اهدنا بهداك ولا تولنا أحداً سواك، وألف بين قلوبنا واحقن دماءنا، واحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين.

وصلّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين .
🎤
محاضرة.قيمة.بعنوان.cc
أســــــــــبـــاب دخــــــــــول الـــنــار
للشيــخ/ مـحــمــد بن صـالــح العثيمـين
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الحمدُ لله، أحمدُه سبحانَه
حمدَ الشاكِرين، وأشهد أنْ لا إِله إِلاَّ الله ، وأنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله، وسائِر أصَحابِه الطَّيِّبين، وعلى أتباعِه في ديِنه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً، وبعد،،،

فإن لدخولِ النار أسباباً بيَّنها اللهُ في كِتابِه، وعلى لسانِ رسولِه صلى الله عليه وسلّم؛ ليَحْذَرَ الناسُ منها ويَجتنبُوها، وهذِه الأسبابُ على نوعين:

النوعُ الأولُ: أسبابٌ مُكَفِّرةٌ تُخرِج فاعلَها من الإِيمانِ إلى الكفرِ، وتوجبُ له الخلودِ في النار.

النوعُ الثاني: أسبابٌ مُفَسِّقَةٌ تُخْرجُ فاعلَها مِنَ العدالةِ إلى الْفِسق، ويَسْتَحِقُ بها دخولَ النارِ دونَ الخلودِ فيها.

فأمَّا النوعُ الأولُ فنَذْكُرُ منه أسباباً:

السبب الأولُ: الشركُ بالله: بأنْ يجعلَ لله شريكاً في الرُّبوبية،ِ أو الألُوهيةِ، أو الصِّفَاتِ. فمَن اعتقد أنَّ مع الله خالقاً مشاركاً، أو منفرداً، أو اعتقد أن مع الله إلهاً يستحق أنَ يُعْبَد، أو عَبَد مع الله غيره فصرف شيئاً من أنواع العبادة إليه، أو اعتقد أنَّ لأحدٍ من العلمِ والقدرةِ والعظمةِ ونحوها مثل ما لله عزَّ وجلَّ؛ فقد أشركَ بالله شرْكاً أكْبَرَ، واستحقَّ الخلودَ في النار، قال الله عزَّ وجلَّ:{...إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[72]}[سورة المائدة].

السبب الثاني: الكفرُ بالله عزَّ وجلَّ، أوْ بملائكتِه، أوكتبِه، أو رسلِه، أو اليومِ الآخرِ، أو قضاءِ الله وقدرِه: فمَنْ أنكر شيئاً من ذلك تكذيباً، أو جَحْداً، أو شكَّ فيه؛ فهو كافرٌ مخلَّدٌ في النار. قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا[150]أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا[151]}[سورة النساء].

السبب الثالثُ: إنكارُ فرض شيء من أركانِ الإِسلامِ الخمسةِ: فَمَنْ أنكرَ فَرِيضَةَ توحيدِ ال،له أو الشهادةِ لرسولِه بالرسالِة، أو عمومِها لجميع الناسِ، أو فريضةَ الصلواتِ الخمسِ، أو الزكاةِ، أو صوم رمضانَ، أو الحجِ فهو كافرٌ؛ لأنه مُكذِّبٌ لله ورسولِه وإجماع المسلمين، وكذلك مَنْ أنكر تحريمَ الشركِ، أو قتلِ النفسِ التي حَرَّم الله، أو تحريمِ الزِّنا، أو اللواطِ، أو الخمرِ، أو نحوها مما تَحْريمُه ظاهرٌ صريحٌ في كتاب الله، أو سنة رسولِه صلى الله عليه وسلّم؛ لأنه مُكَذِّبَ لله ورسولِه، لكن إن كان قريبَ عهدٍ بإسلامٍ، فأنكر ذلك جهلاً؛ لم يَكفُر حتى يُعَلَّم فينكرَ بعد عِلْمِهِ.

السبب الرابعُ: الاستهزاءُ بالله سبحانه، أو بدينهِ، أو رسولِه صلى الله عليه وسلّم: قال تعالى:{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ[65]لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ[66]}[سورة التوبة] . والاستهزاء هو السُّخْريَّةُ، وهو من أعظم الاستهانةِ بالله ودينه ورسولِه، وأعظمِ الاحتقارِ والازدراءِ تعالَى اللهُ عَنْ ذلك عُلوَّاً كبيراً.

السبب الخامسُ: سبُّ الله تعالى، أو دينِه، أو رسولِه، وهو القَدْحُ والْعَيْبُ وذِكْرُهُمْ بما يقتضي الاستخفافَ والانتقاصَ كاللَّعنِ والتَقْبِيحِ ونحوِ ذلك. قال شيخُ الإِسلام ابن تيميةَ رحمه الله: ' مَنْ سَبَّ الله، أو رسوله فهو كافرٌ ظاهراً وباطناً، سواءُ كان يعتقد أنَّ ذلك محرمٌ، أو كان مُسْتَحِلاًّ له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاد . وقال أصحابنا: يكفر سواء كان مازحاً أوجاداً. وهذا هو الصواب المقطوع به، ونقل عن إسحق بن راهويه: أن المسلمين أجمعوا على أن من سبّ الله، أو سبَّ رسولَه، أو دفع شيئاً مما أنزَل الله؛ فهو كافرٌ- وإن كان مقرَّاً بما أنزل الله-' وقال الشيخ أيضاً:' والْحُكْمُ في سَبِّ سائِر الأنْبياءِ كالحكم في سبِّ نبيِّنا صلى الله عليه وسلّم، فمَنْ سبَّ نبيَّاً مُسَمَّى باسمه من الأنبياء المعروفينَ المذكورينَ في القرآنِ، أو مَوْصُوفاً بالنُّبوةِ بأن يُذْكرَ في الحديثِ أن نبيَّاً فَعلَ أو قَالَ كذا فَيَسُبَّ ذلك الفاعلَ أو القائل مع عِلمِهِ أنه نبيٌّ فحكمه كما تقدم'. اهـ.

وأما سبُّ غير الأنبياء: فإن كان الغرض منه سبَّ النبي مثلُ أن يَسبَّ أصحابَه يقصد به سبَّ النبيِّ؛ لأنَّ المقارِنَ يقتدي بمَنْ قارنَه، ومثلُ أن يقذِفَ واحدةً من زوجاتِ النبي صلى الله عليه وسلّم بالزِّنا ونحوه؛ فإنَّه يكفرُ لأن ذلك
قَدْحٌ في النبيِّ وسبٌّ له، قال تعالى: { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ[26]}[سورة النور].

السبب السادسُ: الْحُكْمُ بغير ما أنزلَ الله مُعْتَقِداً أنَّه أقربُ إلى الْحَقِّ، وأصلحُ للخلْق، أو أنه مساوٍ لحكم الله، أو أنه يجوز الحكم به، فهو كافرٌ: لقوله تعالى:{...وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[44]}[سورة المائدة].

وكـذا لو اعتقَدَ أنَّ حكمَ غيرِ الله خيرٌ من حكم الله، أو مساوٍ له، أو أنه يجوزُ الحكمُ به؛ فهو كافرٌ وإن لم يَحْكَمْ به؛ لأنه مكذِّبٌ لقوله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[50]}[سورة المائدة]. ولما يقتضيه قوله:{...وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[44]}[سورة المائدة].

السبب السابعُ: النفاقُ: وهو أنْ يكونَ كافراً بقلبِه، ويظهرَ للناسِ أنه مسلمٌ: إما بقولِه، أو بفعلِه، قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا[145]}[سورة النساء].

وهذا الصنفُ أعظم مما قَبْلَه؛ ولذلك كانَتْ عقوبةُ أصحابه أشَدَّ، فهمْ في الدركِ الأسفل من النار؛ وذلك لأن كُفْرَهم جامعٌ بين الكفر والخِداع، والاستهزاءِ بالله وآياتِهِ ورسولِه.


عــــلامــــات النــــفاق :
للنفاق علاماتٌ كثيرةٌ منها:

1- الشَّكُّ فيما أنزلَ الله، وإن كان يُظْهِرُ للناس أنه مؤمنٌ: قال الله عزَّ وجلَّ:{ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ[45]}[سورة التوبة].

2- كراهةُ حُكْم الله ورسوله: قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا[60]وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا[61]}[سورة النساء].

3- كراهةُ ظهورِ الإِسلامِ وانتصار أهلِه، والفرحُ بخُذْلانِهم: قال تعالى: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ[50]}[سورة التوبة].

4- طلبُ الفتنةِ بينَ المسلمينَ، والتفريق بينهَم، ومحبَّة ذلك: قال تعالى:{ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ[47]}[سورة التوبة].

5- محبةُ أعْداءِ الإِسلامِ وأئِمَّةِ الكفرِ ومدحُهم، ونشرُ آرائِهم المخالفة للإِسلام: قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[14]}[سورة المجادلـة].

6- لمز المؤْمِنِينَ وعيبُهم في عباداتِهم: قال تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[79]}[سورة التوبة]. فيعيبونَ المجتهدينَ في العبادةِ بالرِّياءِ، ويعيبون العاجِزينَ بالتَّقْصِير.

7- الاستكبارُ عن دُعاءِ المؤمنينَ احتقاراً وشكّاً: قال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ[5]}[سورة المنافقون].

8- ثِقَلُ الصلاةِ والتكاسلُ عنها: قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا[142]}[سورة النساء].

9- أذِيَّةُ الله ورسولِهِ: قال تعالى:{ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[61]}[سورة التوبة]. وقال تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا[57]وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِن
َ

اتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا[58]}[سورة الأحزاب].

فهذه طائفةٌ من علاماتِ المنافقينَ ذكرناها للتحذيرِ منها، وتطهيرِ النفسِ من سلوكِها.

اللَّهُمَّ أعذْنَا من النفاق وارزقنا تحقيقَ الإِيمَان على الوجهِ الَّذِي يرضيكَ عنَا واغَفر لنا ولوالِدِينا ولجميع المسلمينَ يا ربَّ العالمين وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمدٍ وآلِهِ وصحبِه أجمعين.

النوع الثاني: وهي الأسبابُ التي يستَحِقُّ فَاعلُها دخول النار دونَ الخلودِ فيها:

السببُ الأوَّلُ: عُقُوقُ الوالِدَين:وعقوقُهما أنْ يقطعَ ما يجبُ لهما من بِرٍّ وصلةٍ، أو يُسيءَ إليهما بالقولِ أو الفعلِ، قال تعالى:{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا[23]وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا[24]}[سورة الإِسراء]. وقال تعالى: {...أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ[14]}[سورة لقمان].

السببُ الثاني: قطيعةُ الرَّحِمِ: وهي أنْ يُقَاطِع الرجلُ قرابته فيمنَعَ ما يجبُ لهم من حقوقٍ بدنيةٍ، أو ماليةٍ، فعن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: [لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ]رواه البخاري ومسلم. قال سفيانُ: يعني قاطعُ رَحِمٍ. وقال صلى الله عليه وسلّم: [ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتْ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَهُ مَهْ قَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ قَالَ أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَذَاكِ] ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ:{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ[22]أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ[23]}[سورة محمد] ] رواه البخاري ومسلم.

ومن المُؤْسِفِ أنَّ كثيراً من المسلمين اليومَ غفَلُوا عن القيامِ بحقِّ الوالدينِ والأرحامِ، وقطَعوا حبْلَ الْوَصْل، وحُجَّةُ بعضِهِم أنَّ أقاربَه لاَ يصِلُونَه، وهذه الحجةُ لا تنفعُ؛ لأنه لو كانَ لا يصلُ إِلاَّ مَنْ وصلَه لم تكنْ صلتُه لله، وإنما هي مُكافَأةٌ كما في صحيح البخاريِّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: [لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا]رواه البخاري.

وإذا وصَلَ رَحِمَه وهم يقطعونَه فإنَّ له العاقبةَ الحميدةَ، وسَيَعُودون فيصلُونَه كما وصَلَهم إن أراد الله بهم خيراً.

السبب الثالثُ: أكْلُ الرِّبا: قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[130]وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ[131] وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[132]}[سورة آل عمران]. وقد تَوَعَّدَ الله تعالى مَن عَادَ إلى الرِّبا بعد أن بلغتْهُ موعظةُ الله، وتحذيُره توعَّده بالخلودِ في النار، فقال سبحانه: { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[275]}[سورة البقرة].

السبب الرابع: أكل مُال اليتامى ذكوراً كانوا، أم إناثاً، والتلاعب به: قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا[10]}[سورة النساء]. واليتيم هو الذي مات أبوه قبل أن يبلغ.

السبب الخامس: شهادةُ الزُّور: فعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [لَنْ تَزُولَ قَدَمَا شَاهِدِ الزُّورِ حَتَّى يُوجِبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ] رواه ابن ماجه والحاكم وقال: صحيح الإِسناد. وشهادةُ الزور أنْ يشهدَ بما لا يَعْلَمُ، أو يشهدَ بما يَعْلَمُ أن الواقعَ خلافُه؛ لأن الشهادة لا تجوزُ إلاَّ بما عَلِمه الشاهدُ.

السببُ السادس: الرِّشوةُ في الحُكْمِ: فعن عبدِالله بن عمْرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: [الرَّاشِي والْمُرْتَشِي فِي النّار]رواه الطبراني ورُوَاتُهُ ثقات معروفونَ، قاله
في

الترغيبِ والترهيب. قال في النهايةِ: الراشِي: من يُعْطِي الذي يُعِيْنُه على الباطِل، والمرتِشي: الآخذ. فأَمَّا ما يُعطَى تَوَصُّلاً إلى أخذِ حقٍّ أو دفعِ ظلمٍ فغيرُ داخلٍ فيه. اهـ.

السببُ السابعُ: اليمينُ الغَموسُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَنْ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ]رواه البخاري ومسلم. وسُميتْ غَموساً لأنها تَغْمِس الحالفَ بهَا في الإِثمِ ثُم تغمسِهُ في النارِ. ولا فرقَ بينَ أنْ يحلِف كاذباً على ما ادَّعاهُ فيُحْكمَ له به، أو يحلفَ كاذباً على ما أنكَرَه فيُحكَمَ ببراءته منه.

السببُ الثامنُ: القضاءُ بين الناسِ بغير علمٍ، أو بِجورٍ وميلٍ: لحديثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ] رواه أبو داود والترمذيُّ وابنُ ماجة.

السبب التاسعُ: الغِشُّ للرعيَّةِ، وعدمُ النصحِ لهم، بحيثُ يَتَصَرّفُ تصرُّفاً ليس في مصلحتهم، ولا مصلحةِ العملِ: لحديث: [مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ]رواه البخاري ومسلم. وهذا يعمُّ رعايةَ الرجلِ في أهلِه، والسلطانَ في سلطانِه، وغيرهم؛ لحديث النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ] رواه البخاري ومسلم.

السبب العاشر: تصويرُ ما فيهِ رُوْحٌ من إنسانٍ، أو حيوانٍ: فعن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: [ كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ]رواه البخاري ومسلمٌ-واللفظ له-. فأما تصوير الأشجار والنباتِ والثمراتِ ونحوها مما يخلقُه الله من الأجسام الناميِة فلا بأسَ بِه على قول جمهورِ العلماءِ.

السبب الحادي عشر: ما ثبتَ في الصحيحين عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ] رواه البخاري ومسلمٌ. فالعتلُّ: الشديدُ الغليظُ الذي لا يلين للحَقِّ، ولا للخلقِ، والجَّواظُ: الشحيحُ البخيل فهو جمَّاعُ منَّاعُ، والمستكبرُ: هو الذي يردُّ الحقَّ ولاَ يتواضعُ للخلقِ فهو يرَى نفسه أعلى من الناس ويرى رأيَه أصوبَ من الحقِّ.

السبب الثاني عشر: استعمالُ أواني الذَّهب والفضةِ في الأكلِ والشرب للرجالِ والنساءِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ مَنْ شَرِبَ فِي إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ] رواه البخاري ومسلمٌ-واللفظ له-.

فاحذرُوا إخواني أسبابَ دخولِ النار، واعملُوا الأسبابَ التي تُبْعِدُكم عنها؛ لتفوزُوا في دارِ القرارَ، واعلمُوا أن الدنيا متاعٌ قليلٌ، سريعةُ الزوالِ والانهيار، واسألوا ربَّكم الثباتَ على الحقِّ إلى الممات، وأن يحشُرَكم مع الذين أنعمَ الله عليهمْ من المؤمنين والمؤمنات..اللَّهُمَّ ثبّتْنَا على الحقِّ وتوفَّنا عليه، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبهِ أجمعين.

من كتاب: مجالس شهر رمضان' للشيخ
محمد بن صالح العثيمين رحمه الله .
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
التربية والتعليم قضيتنا جميعا
للشيـخ/ حـــســــان احـمــد الـعــمــاري
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ، جعل العلم النافع طريقاً موصلاً لرضاه، وصراطاً يتبعه من أراد هداه، ويحيد عنه من ضل واتبع هواه، وأشهد أن لا إله إلا الله رفع شأن العلم وأهله حتى وصلوا من المجد منتهاه، ومن العز أعلى ذراه، القائل سبحانه ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11].

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المعلم الأول القائل (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة)( رواه مسلم عن أبي هريرة (17/21) صـلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الهداة التقاه ، ومن سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم أن نلقاه أما بعد : -

عبـــــــــاد اللـــه :
عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من أبنائنا وبناتنا الطلاب والطالبات يتوجهون إلى مدارسهم في بداية عامٍ دراسي جديد لينهلوا من العلم والمعرفة والأدب والسلوك ما ينمي عقولهم ويقوم سلوكهم ويقوي عزائمهم حتى يكونوا أفراداً صالحين ومؤثرين وفاعلين في مجتمعاتهم وأوطانهم وأمتهم .. قال تعالى (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) [الأعراف : 58] ..

وهاهي البيوت والأسر والآباء والأمهات والطلاب والمؤسسات التعليم يعيشون هذه الأيام حالة طوارىء استعداداً للعام الدراسي الجديد وهذا أمر جيد وعمل مهم فبالعلم تزدهر الحضارات وتتقدم الأمم وتتربى الأجيال أذا قام كل فرد من أفراد المجتمع بواجباته ومسئولياته تجاه العملية التربوية والتعليمة ..

ذلك أن الأمة التي تهتم بتعليم أبنائها وتربيتهم وتبصيرهم بالكون بما فيه هي أمة حيّة تسير في سلم الرقي والتقدم والحضارة.

ومن هنا فلا بد أن تتضافر جهود كل المؤسسات التربوية والعلمية، للنهوض بالأجيال نحو العلم وهدفه ورسالته في صناعة الإنسان وازدهار الأوطان.

أيهــا المؤمنـــون :
أيها الآباء / أيها المعلمون والمربون / أيها الطلاب: - لقد رفع الله تعالى شأن العلم وأهله، وبين مكانتهم، ورفع منزلتهم،سواء كان العلم الشرعي وفقه الشريعة أو العلم الدنيوي الذي ينفع البلاد والعباد فقال سبحانه وتعالى( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ )[المجادلة:11].

ومنع الله سبحانه المساواة بين العالم والجاهل، لما يختص به العالم من فضيلة العلم ونور المعرفة،( قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الاْلْبَابِ )[الزمر:9].. ولم يأمر المولى جلا و علا نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستزادة من شيء إلا من العلم، فقال له سبحانه وتعالى( وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْماً) [طه:114]

وما ذاك إلا لما للعلم من أثر في حياة البشر،فبالعلم يعرف العبد ربه ويعبده حق عبادته ويكون أكثر الناس خوفاً وخشيةً منه سبحانه القائل (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)[فاطر : 28]

وبالعلم يحصَّن المسلم نفسه من الشهوات والشبهات وبه يعرف الحلال من الحرام والحق من الباطل والخير من الشر والصحيح من الخطأ .. عن عطاء بن أبي رباح قال : سمعت ابن عباس يخبر أن رجلا أصابه جرح في رأسه ، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أصابه احتلام ، فأمر بالاغتسال (أي أمره من كان حوله وأفتوه بالإغتسال) ، فاغتسل ، فمات ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " قتلوه ، قتلهم الله ، أولم يكن شفاء العي السؤال "( حسنه الألباني صحيح سنن ابن ماجة /464 وفي صحيح أبي داود/ 364 )

والعلم طريق موصل إلى جنة الله ورضوانه .. عن أبي الدرداءِ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب إن العلماء هم ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)(صحيح ابن ماجه للألباني/183) ..

وبالعلم تُبنى الأمجاد، وتشيد الحضارات، وتسود الشعوب، وتبنى الممالك، ولا يستطيع أن يقدم أحدٌ لمجتمعه خيراً، أو لأمته عزاً ومجداً ونصراً إلا بالعلم.

وما فشا الجهل في أمة من الأمم إلا قَوَّض أركانها، وصدَّع بنيانها، وأوقعها في الرذائل والمتاهات المهلكة .. وإن هتلر الذي دوخ العالم بقوته وغزا أوربا ووقف يحارب العالم لم يكن يُرجِع سبب انتصاراته إلى ما عنده من رجال أو عتاد أو قوة عسكرية ضاربه بل كان يقول عندي تعلي
ف

ي المناهج أن تربي النشئ على قيم الاسلام وأخلاقه وثوابته، وتربي النشئ على حب الوطن والتشبع بالوطنية والتي تعني البذل والعطاء والتضحية من أجل ثوابت هذا الوطن والسعي الجاد لرقيه وازدهاره ، والدعوة إلى التآلف والأخوة بين أبنائه ...

ثم إن على أفراد المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني تبجيل العلم والمعلم ونشره ورصد الجوائز والمسابقات العلمية وتشجيع أفراد المجتمع على طلبه حتى كبار السن فهناك مدارس محو الأمية في الفترة المسائية ...

أسأل اللهَ جل في علاه أن يرزُقَنِي وإيَّاكمُ وأبنائنا وبناتنا الإيمانَ الكاملَ والعلمَ النافعَ والعملَ الصالحَ .. قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.


الخطــبــة.الثانــيـــة.cc
عبــــــــاد الله :- ليقم كل واحدٍ منا بواجباته ومسئولية فإن ذلك من الأمانة التي سيسأل عنه الجميع بين يدي الله يوم القيامة ولنجعل هذا العام الدراسي الجديد عام جد واجتهاد ونشاط ومتابعة وتربية وتعليم لتنتفع البلاد والعباد ...

وإن وضعنا التعليمي في مدارسنا ومؤسساتنا ليحتاج إلى جهود جبارة وتعاون من الجميع حتى نستبشر كبارا وصغارا ببدء العام الدراسي بعد طول غياب لنتقدم بخطوات مليئة بالثقة والحرص على التعليم و العلوم وعلى الآداب والأخلاق والقيم ..... فكم تبكي حروف العلم على أبواب مدارسنا وعلى عتبات منازلنا وفي أدراج ودفاتر وكراسات طلابنا ...

وكم من الأخلاق والآداب والقيم تحتاج إلى تصحيح في نفوس طلابنا وكم من همم هبطت وسقطت وضعفت تشربتها نفوس أبنائنا حين أصبح التعليم مجرد أشكال لا مضمون فيها .

وكم كنا نتمنى أن لا يصبح التعليم عالة وهم وغم على المعلم وولي الأمر والطالب والتربية لسوء مخرجاته .....

وإنها دعوة للجميع للمساهمة الجادة في أن تكون التربية التعليم مشروعا وطنيا وتكون قضيتنا جميعاً لا ننفك عنها او نحيد نفكر بها ونحلم لها ونعيش لأجلها إدارات ومعلمين ومجتمع وطلاب ومؤسسات وحكومة.....

فنسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لأداء ما ائتمننا عليه، وأن يحفظ علينا أمننا وأعراضنا وأموالنا وبلادنا وكل ما أنعم به علينا، وأن يعيننا على شكره وحسن عبادته، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح وأن يأخذ بأيدينا إلى كل خير ....

هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير الورى، على النبي المصطفى والحبيب المجتبى، كما أمركم بذلك ربكم جلَّ وعلا فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56] .. اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
ســــــكــــــــرات الــــمـــــــــــــــــوت
للشيخ/ مـــحــــمـــــــد حـــــــســــــــان
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

كفى بالموت واعظاً وزاجراً ..
عن المعاصي والشهوات لمن تذكره وتدبر فيه، فإنه ما ذكر في كثير إلا قلله، ولا في واسع إلا ضيقه، كما أن أهوال البعث كافية لتنبيه الغافل ودعوته إلى الله، فهذه حقائق يمر بها كل مخلوق حتى الأنبياء، فيا سعادة من تذكر فأصلح عمله، ويا خسارة من عاش في سكرة الغفلة حتى داهمه ملك الموت.

سلام الله على يحيى بن زكريا
في أشد الأحوال التي تمر على الإنسان

الخطبــــة.الاولــــى.cc
الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو فلا خالق غيره ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة ولذا قضى ألا نعبد إلا إياه، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [لقمان:30] عالم الغيب والشهادة الذي يستوي في علمه ما أسر العبد وما أظهر، الذي يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول الذي لا ضد له، وهو الصمد الذي لا منازع له، وهو الغني الذي لا حاجة له، جبار السماوات والأرض، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، إنما قوله لشيء إذا أراده أن يقول له كن فيكون.

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا ومعلمنا وقدوتنا محمداً رسول الله، اللهم صل وسلم وبارك -عليك يا سيدي يا رسول الله- صلاة وسلاماً يليقان بمقامك يا أمير الأنبياء ويا سيد المرسلين، وأشهد لك يا سيدي ويشهد معي الموحدون أنك أديت الأمانة، وبلغت الرسالة، ونصحت الأمة، وكشف الله بك الغمة، وعبدت ربك حتى لبيت داعيه، وجاهدت في سبيله حتى أجبت مناديه، وعشت طوال أيامك ولياليك تمشي على شوك الأسى وتخطو على جمر الكيد والعنت، تلتمس الطريق لهداية الضالين وإرشاد الحائرين حتى علمت الجاهل يا سيدي، وقومت المعوج يا سيدي، وأمنت الخائف يا سيدي، وطمأنت الخلق يا سيدي، ونشرت أضواء الحق والخير والإيمان والتوحيد كما تنشر الشمس ضياءها في رابعة النهار، فصلى الله وسلم وبارك عليك يا رسول الله صلاة وسلاماً يليقان بمقامك يا أمير الأنبياء ويا سيد المرسلين.

أمــا بــعــد: فيا أيها الأحباب؛ أحباب الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم! تعالوا بنا لنطوف سوياً في روضة القرآن الكريم، ومع اللقاء العاشر على التوالي ما زلنا نطوف مع حضراتكم في بستان سورة مريم، ونكرر القول بين يدي كل لقاء من لقاءات تفسيرنا لهذه السورة المباركة ونكرره ونقول: أولاً: إن عقيدتنا نحن المسلمين هي أننا نوحد الله جل وعلا، ونعلنها صريحة في كل زمان ومكان، ونقول جميعاً: لا إله إلا الله، كلمة التوحيد والإخلاص

أما بالنسبة لتفسير الآيات فلقد توقفنا في اللقاء الماضي عند آخر مؤهل من مؤهلات النبوة عند يحيى عليه السلام على حسب تعبير صاحب ظلال القرآن الشيخ سيد قطب عليه رحمة الله، قلنا: إن الله قد زود يحيى عليه السلام بمؤهلات لحمل الأمانة الكبرى والمسئولية العظمى، هذه المؤهلات هي وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا* وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا [مريم:12-14]

وانتهينا في اللقاء الماضي عند معنى كلمة (عصياً)، وشرحنا في اللقاء الماضي معنى كلمة: (لم يكن جباراً عصياً)، وبهذا نكون قد أنهينا اللقاء عن مؤهلات النبوة عند يحيى عليه السلام، وبعد هذه الصفات الغالية التي زود الله بها يحيى يسلم الله عز وجل عليه فيقول: وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا [مريم:15].

انظروا يا أحباب!
الله سبحانه وتعالى يسلم عليه في مواطن ثلاثة هي أشد ما تكون على الإنسان: يوم أن يولد، ويوم أن يموت ويوم أن يبعث حياً ليلقى الله الحي الذي لا يموت، يسلم الله عليه في هذه الأحوال الثلاثة وفي هذه المواقف الثلاثة، فيقول: وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا [مريم:15]. ذكر الإمام ابن كثير عن قتادة أن الحسن قال: التقى يحيى وعيسى عليهما السلام، فقال عيسى ليحيى: ادع الله لي فإنك أفضل مني، فقال يحيى لعيسى: بل أنت أفضل مني يا عيسى، فقال عيسى: لا يا يحيى، بل أنت أفضل مني؛ لأنني أنا الذي سلمت على نفسي فقلت: وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً [مريم:33]، أما أنت فقد سلم الله عليك فقال: وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا [مريم:15].

انتقال الإنسان من عالم الأحشاء إلى عالم الدنيا
هذه الأحوال هي أشد الأحوال والأوقات التي يمر بها الإنسان: يوم أن يولد، ويوم أن يموت، ويوم أن يبعث حياً، لماذا أيها الأحباب؟ ل
أن العبد في هذه الأحوال الثلاثة ينتقل من عالم إلى عالم آخر جديد غريب عليه، فهو ينتقل في المرحلة الأولى من عالم الأحشاء في بطن أمه إلى عالم الدنيا، ثم بعد ذلك يترك عالم الدنيا إلى عالم البرزخ، فيترك القصور والدور إلى عالم الدود والقبور، ثم بعد ذلك يترك عالم البرزخ إلى عالم البعث، إلى العرض على محكمة الله جل وعلا، فما بين مسرور محبور، ومحزون مثبور، وما بين جبير وكسير، فريق في الجنة وفريق في السعير، أحوال ثلاثة عجيبة، أحوال شديدة على أي إنسان، يوم أن يولد ويوم أن يموت ويموت أن يبعث حياً.

المرحلة الأولى هي المرحلة التي ينتقل فيها الإنسان من عالم الرحم والأحشاء، ذلك العالم الآمن الأمين الحصين المكين، هذا العالم الذي تكلف الله برعايته له بكل شيء، وما كلفه الله في هذا العالم بأي شيء، فيد الله وحده هي التي ترعاه وترزقه: وسل الجنين يعيش معزولاً بلا راع ومرعى ما الذي يرعاك الله وحده هو الذي يرعاك وأنت في هذه الأحشاء، وأنت في هذه الأجواء، وأنت في هذا العالم العجيب، يد الله وحده هي التي ترعاك، ويد الله وحده هي التي ترزقك، ويد الله وحده هي التي تتكفل بعنايتك ورعايتك: وسل الجنين يعيش معزولاً بلا راع ومرعى ما الذي يرعاك ومن الذي يقدم له رزقه؟! ومن الذي يتكفل له بطعامه وشرابه؟! ومن الذي يتكفل بتنفسه في هذا العالم؟! إنه الله رب العالمين. وفي الوقت الذي قدر الله له فيه أن يخرج من ذلك المكان الآمن يخرج إلى عالم الشقاء، يخرج إلى عالم الدنيا، يخرج إلى عالم الفتن والشهوات والشيطان، فيستقبله الشيطان منذ أول لحظة نزل فيها إلى هذه الحياة والمولدة تولده، فيستقبله الشيطان فيطعنه فيصرخ المولود، وهذا كما أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم، في جزء من حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مولود يولد إلا ويمسه الشيطان، فيستهل المولود صارخاً من مس الشيطان إياه).

من هذه اللحظة تبدأ
في مصارعة الشيطان والأهواء والفتن، وتعيش في هذه الحياة ما قدر الله لك أن تعيش تصارع الشيطان وتصارع النفس الأمارة بالسوء، وتصارى الأهواء، وتظل في هذه الحياة ما قدر الله لك فيها.

نقلة الإنسان بالموت إلى عالم البرزخ
ثم تأتي اللحظة التي قدر الله عز وجل لك فيها أن تترك عالم الدنيا إلى عالم البرزخ، أي: إلى عالم الفناء.. إلى عالم القبور، فيأتي الموت في اللحظة التي حددها الله تبارك وتعالى لك، فينقلك الموت -بعظمة الله جل وعلا- من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان، ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ في الوحل والتراب. هذه هي المرحلة الثانية مرحلة الموت، يوم أن تنتقل بعد مولدك وبعد حياتك وبعد عيشك إلى عالم يسمى بعالم البرزخ، إلى عالم الفناء، إلى عالم الحق عند الله الحق جل وعلا.

الاستــعــداد للمــــوت
الموت، الموت أيها الأحباب، ولقد تكلمت كثيراً كثيراً عن الموت، ولكن يجب علينا أن نتكلم عن الموت في كل زمان وفي كل مكان، ويجب علينا أن نذكر الموت في كل ساعة من ساعات حياتنا، وفي كل ساعة من ساعات عمرنا، كما أخبرنا وأمرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، يقول في حديثه الصحيح الذي خرجه النسائي وخرجه الترمذي وخرجه ابن ماجة من حديث عمر بن الخطاب ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أكثروا من ذكر هادم اللذات، قالوا: وما هادم اللذات يا رسول الله؟ قال: الموت) هادم اللذات هو الموت، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نكثر من ذكر الموت. ولما سأله رجل من الأنصار وقال: (يا رسول الله! من أكيس الناس؟ قال صلى الله عليه وسلم: أكيس الناس أكثرهم ذكراً للموت، وأكثرهم استعداداً للموت، أولئك الأكياس، ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة) رواه الطبراني بإسناد حسن. العاقل اللبيب هو الذي يذكر الموت، وهو الذي يستعد للموت، وهو الذي يذكر نفسه دائماً وأبداً بالموت، وهو الذي يعلم علم اليقين أن هذه الحياة مهما عاش فيها فهي قصيرة، ومهما عظمت فهي حقيرة، لأن الليل مهما طال لا بد من طلوع الفجر، ولأن العمر مهما طال لا بد من دخول القبر، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: (الكيس -العاقل- من دان نفسه -أي: من حاسب نفسه- وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني)، هذا هو المغرور الذي يتواكل على سعة رحمة الله ولا يعمل، الذي يتواكل على سعة عفو الله وهو في المعاصي ليل نهار، ويقول: إن الله غفور رحيم، وما الذي أنساك أن الله شديد العقاب للعاصين والمذنبين والمقصرين؟

إنها الحقيقة الكبرى ..
أيها الأحباب، حقيقة الموت، إنها الحقيقة الكبرى في هذا الوجود، الحقيقة التي خضع في محرابها المتكبرون والمتجبرون، إنها الحقيقة الكبرى التي تسربل بها العصاة والطائعون والرسل والأنبياء والمقربون والأصفياء. إنها الحقيقة الكبرى التي ترن في أذن كل سامع وعقل كل مفكر قائلة: إنه لا بقاء إلا لله وحده، ولا
أ

لوهية إلا لله وحده، ولا حاكمية إلا لمن تفرد بالبقاء والجلال، فـ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88].

إنها حقيقة الموت التي قال الله تبارك وتعالى عنها: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19] فالحق أنك تموت والله حي لا يموت. (وجاءت سكرة الموت بالحق): والحق أن ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ترى ملائكة العذاب. (وجاءت سكرة الموت بالحق): والحق أن تكون حفرتك روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران. (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد): ذلك ما كنت منه تهرب، ذلك ما كنت منه تفر، ذلك ما كنت منه تحيد إلى الطبيب إذا جاءك المرض، وتحيد إلى الطعام إذا أحسست بالجوع خوفاً من الموت، وتحيد إلى الشراب إذا أحسست بالظمأ خوفاً من الموت، ولكن أيها القوي الفتي، أيها العبقري، يا أيها الكبير ويا أيها الصغير: (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) وصدق من قال: كل باك فسيبكى وكل ناع فسينعى وكل مدخور سيفنى وكل مذكور سينسى ليس غير الله يبقى من علا فالله أعلى (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد): ذلك ما كنت منه تفر، ذلك ما كنت منه تهرب، ولكن أين المفر؟ أين المآل؟ وأين المصير؟! إن المصير إلى الله، وإن المآل إلى الله، وإن المنتهى إلى الله، وإن المرجع إلى الله جل وعلا.

كل شيء هالك إلا وجه الله عز وجل
الحقيقة الأولى في هذا الوجود هي وحدانية الله جل وعلا، وهي أن تقر بهذه الحقيقة وهي لا إله إلا الله، ثم الحقيقة الثانية هي أن كل شيء هالك إلا وجه الله جل وعلا. (الموت)، من منا يفكر بالموت؟ من منا يذكر الموت؟ من منا يستعد للموت؟ من منا عمل لهذا اللقاء؟ من منا عمل للقاء الله جل وعلا؟ من منا استعد لسؤال الملكين في دار الحقيقة دار البرزخ، دار الصدق، دار الحق؟ من منا استعد؟ ما من يوم يمر علينا إلا ونشيع فقيداً، ما من يوم يمر علينا إلا ويموت بيننا ميتاً أو ميتة، ولكن ربما ذهبنا معه إلى القبور، وربما رأينا الموت حقيقة أمام أعيننا وبين أيدينا؛ ولكن إذا نظرت إلى الناس وجدتهم ينسون الموت، ويتكلمون في أمور الدنيا!

هـــذا هــــو الحـــال
ولكن اعلم أيها الحبيب أنه لا مفر لك، وحتى تعلم أنه لا يمكن لأي قوة على ظهر هذه الأرض أن تحول بين الإنسان وبين هذه الحقيقة الكبرى مهما كانت تلك القوة، مهما كان منصبه، ومهما كان جاهه، ومهما كانت أموالك، ومهما كان غناك، فلن تستطيع قوة على ظهر الأرض أن تحول بينك وبين هذه الحقيقة، إنها حقيقة الموت. انظر حينما تأتي ساعة الصفر ويقترب الأجل، وتتلاشى اللحظات الأخيرة من عمرك، وتنام على فراش الموت، وحولك أولادك وأحبابك يبكون، والأطباء من حولك يحاولون؛ بذلوا لك كل رقية، وقدموا لك كل دواء، وقدموا لك كل علاج. فأنت من أنت؟ أنت صاحب الأفعال، وأنت صاحب الجاه، وأنت صاحب السلطان، وأنت صاحب المنصب، وأنت الغني، بذل الأطباء لك كل رقية، وقدموا لك دواء، وبذلوا لك كل علاج، ولكن انظر إليه قد اصفر وجهه، وشحب لونه، وتصبب جبينه بالعرق، وتجعد جلده، وبدأ يحس بزمهرير قارس يزحف إلى أنامل يديه وقدميه، ويريد أن يحرك شفتيه بكلمة التوحيد، فيحس أن الشفة كالجبل لا يزحزح، وينظر إلى من حوله من أحبابه، إلى أهله، إلى أقاربه، فيراهم تارة يبتعدون، وتارة يقتربون، ومرة يسمعهم ومرة لا يسمعهم، ويرى الغرفة التي هو فيها والفراش الذي هو ممتد عليه، يرى هذه الغرفة تتسع مرة كالفضاء الموحش، ومرة تضيق فتصير كخرم إبرة، وهو بين هذه السكرات، وبين هذه الكربات، وفي هذا الحزن الشديد. فلقد فاتته الآمال ولم يحققها، بنى داره وجهد واجتهد وكنز الأموال، فهو بين حزن شديد على ما فات وبين غم شديد على أنه لا يدري ما الذي سيلاقيه بين يديه من هذا العالم الجديد، عالم البرزخ الذي سيترك عالم الدنيا ويدخل إلى هذا العالم بعد الموت. هو في هذه السكرات، وفي هذه الكربات، وبين هذا الغم والهم، ينظر فجأة فيرى ملائكة من بعيد تقترب، يا ترى أهذه الملائكة التي أراها هي ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟! يا ترى هذا الذي جلس عند رأسي ملك الموت ينتظر الأجل أن يوفى من الله كما قدر الله جل وعلا؛ هل سينادي على روحي ويقول: يا أيتها الروح الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، ورب راض غير غضبان، أم سينادي ويقول: يا أيتها الروح الخبيثة أخرجي إلى سخط الله وعذابه؟ يا ترى هل ستكون حفرتي روضة من رياض الجنة أم ستكون حفرة من حفر النيران؟ بين حزن شديد على ما فات، وبين غم شديد؛ لأنه لا يدري ما الذي سيلاقيه، ما الذي سيكون بين يديه. ينظر إلى أولاده وإلى أحبابه وإلى أهله الذين التفوا من حوله يبكون، فينظر إليهم حينما يفيق بين السكرات والكربات نظرة كلها استعطاف، نظرة كلها شفقة، نظرة كلها رجاء، نظرة كلها رحمة، نظرة كلها سؤال، ويقول لهم: يا أولادي، يا أحبابي- فدوني بأعماركم، لا تتركوني وحدي، ولا تفردوني في لحدي، من منكم يزيد في عمري ساعة أو ساعتين، أنا صاحب الأموال، أنا ال
م جيد .. واليابان التي دُمرت في الحرب العالمية الثانية وضُربت بالقنابل الذرية أدركت أن بناء القوة والاستحواذ عليها لا يحقق لها البقاء والتطور والرخاء ولذلك اتجهت إلى العلم وبناء الإنسان فعن طريق ذلك يأتي كل شيىء ومن يشاهد اليوم التطور والرقي والحضارة وكثرة الاختراعات والانجازات واكتشاف خبايا هذا الكون الفسيح والاستفادة منها يجد أن طريق العلم وحده من أوصل تلك الدول والشعوب إلى ما وصلت إليه.

عبـــــــــاد اللـــه :
نحن أمة كانت الصيحة الأولى المدوية في حياتها التي أطلقها الإسلام في أنحاء المعمورة عند نزول الوحي (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ َخلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق 1-5) وما سادت أمة الإسلام وحكمت الدنيا وبنت الحضارة إلا بالعلم في جميع جوانب الحياة وفي جميع التخصصات والعلوم .. ولما ضعف الإيمان وفسدت القيم وأُهمل العلم في حياة المسلمين ظهر التأخر والتخلف في جميع جوانب الحياة وأصبحنا أمة مستهلكة بعد أن كنا أمة منتجة وفاعلة ..

بل شهد الغرب أنفسهم بدور هذه الأمة وبفضل علماء الحضارة الإسلامية على أوربا، ومن هؤلاء: الألمانية (سيجريد هونكه) في كتابها الرائع (شمس العرب تَسْطع على الغرب)، حيث قالت في مقدمته: إن هذا الكتاب يرغب في أن يرد للعرب ديْنًا لهم على البشرية استُحِقَّ منذ زمن بعيد).

أيهــا المؤمنـــون :
وإذا كان العلم بهذه الأهمية وهذه آثاره في حياة الأفراد والشعوب والمجتمعات فما هو دور الآباء والمعلمين والقائمين على التربية والتعليم ومؤسسات المجتمع المدني في تربية وتعليم أبنائنا ..

إن المسئولية عظيمة
والأمانة كبيرة و أن أقل ما يُنتظَر من المعلم أن يكون قدوة حسنة لطلابه في قوله وفعله وسلوكه ومظهره، وأن يكون معلماً ناجحاً ومربياً مخلصاً فلا علم بدون تربية فأبناء المسلمين أمانة بين يديه وعليهم تعول الأمة ومنهم سيكون الأمير والوزير والطبيب والمهندس والضابط والعالم وغيرهم ... فإذا ما قصر في واجباته فقد فرط في هذه الأمانة ولذلك يقول الشاعر :

وإذا المعلم ساء لحظ بصيرةٍ
جاءت على يده البصائر حولا

وإن أقل ما ينتظر من ولي أمر الطالب أن يكون عوناً للمدرسة في تربية وتعليم ابنه فيكون متابعاً جيد لسلوكيات ابنه وتحصيله العلمي , يزور المدرسة ويسأل عن أبنائه ومستوياتهم وفي البيت يتابع مذاكرة دروسهم وتحفيزهم على النجاح ..

وكم يحز في النفس أن تجد بعض الآباء لا يتابعون ولا يعرفون حتى في أي صف يدرس أولادهم وليس لهم أي عذر قد شغلوا بالدنيا عن فلذات أكبادهم وثمار جهودهم وأعظم مشروع في حياتهم ..

وليحرص ولي الأمر على العدل في تعليم أبنائه فكما يعلم الذكور من أبنائه عليه تعليم بناته وتشجيعهن وتربيتهن حتى يتعلمنّ واجباتهن الشرعية والدنيوية فالعلم فريضة على كل مسلم ومسلمة

وقد رأيتم أن أوائل الطلاب في التعليم الأساسي والثانوي من الطالبات وما ذاك إلا لحرصن وتفوقهن وكم هي المجتمعات محتاجة إلى المرأة الطبيبة تعالج بنات جنسها وإلى المعلمة وإلى المربية والعالمة بأمور دينها ودنياها

وقد روى البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث أبي سعيد _ رضي الله عنه _ قال : جاءت إمراءة إلى رسول الله ، فقالت : يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك ، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله ، فقال : اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا " فالمرأة نصف المجتمع وهي التي تقوم بتربية وتعليم النصف الآخر .........

وإذا النسـاءُ نشـأن فــي أُمّـيّـةٍ
رَضَـعَ الرجـالُ جهالـةً وخمـولا

ليس اليتيمُ مـن إنتهـى أبـواه
مـن هــمِّ الحـيـاةِ وخلّـفـاهُ ذلـيـلا

فأصـابَ بالدنيـا الحكيمـةِ مِنهُمـا
وبِحُسـنِ تربيـةِ الـزمـان بـديـلا

إن اليتيـم هـو الـذي تلقـى لــه
أمـاً تخـلّــــت او أبــاً مشــــغـــــــولا

عبـاد اللـــه :
وهناك واجب على وزارة التربية والتعليم و المناطق التعليمية ومكاتب التربية وإدارة المدارس توفير البيئة التعليمة المناسبة للطلاب والكتب المدرسية والكراسي والوسائل التعليمية و البحث عن المعلم الكفء وتدريبه والتوجيه عليه ومتابعة أدائه طوال السنة وتكريمه والثناء عليه بما هو أهله وإعطائه حقوقه وليقف الجميع أمام الإهمال والتسيب واللامبالاة التي أوصلت التعليم في بلادنا إلى مستويات متأخرة وضعيفة ..

وعلى وزارة التربية والتعليم النظر في المناهج الدراسية وتجديدها بما يوافق العصر والنظريات العلمية الحدية والتطورات المجتمعية المتجددة مع الحفاظ على الثوابت الدينية والقيم الاخلاقية ، ويجب أن تكون المناهج بعيدة كل البعد أثارت النعرات والدعوة إلى الطائفية والمذهبية والسلالية والمناطقية أو أن تكون موجهة لخدمة نظام سياسي معين، فهذا كله سيؤدي إلى شرخ كبير على مستوى الوطن ومصائب لا تعد ولا تحصى ونعرات جاهليه لن تتوقف، وصراعات ستأكل الأخضر واليابس، والأصل
فقال:

السلام عليك يا رسول الله، فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام، فقال جبريل: يا رسول الله! ها هو ملك الموت قد أرسله الله إليك، ولكنه لن يدخل عليك إلا بعد أن تأذن له يا رسول الله! لقد أمره الله ألا يدخل عليك إلا بعد أن تأذن له، والله ما استأذن ملك الموت على أحد من قبلك، ولن يستأذن ملك الموت على أحد من بعدك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ائذن له يا جبريل). ودخل ملك الموت فقال: السلام عليك يا رسول الله، لقد أمرني الله أن أخيرك، إن أمرتني أن أقبض روحك قبضت، وإن أمرتني أن أترك تركت، فمرني بما شئت يا رسول الله! فنظر النبي إلى جبريل، فقال جبريل: يا رسول الله! إن ربك مشتاق إليك، إن الله مشتاق إليك يا رسول الله! فنظر الحبيب المصطفى إلى جبريل وقال: وأنا قد اشتقت إلى لقاء ربي عز وجل، وأنا قد اشتقت إلى لقاء الله جل وعلا، انصرف يا جبريل، أقبل يا ملك الموت، فقال جبريل: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليكم أهل البيت ورحمة منه وبركاته. وانصرف جبريل عليه السلام، وأقبل ملك الموت، وجلس عند أشرف رأس، وعند أطهر روح، جلس عند رأس المصطفى وقال: يا أيتها الروح الطيبة، روح محمد بن عبد الله، روح خير خلق الله، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، ورب راض عنك غير غضبان، يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ [الفجر:27-28] نفس محمد، نفس رسول الله، يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30].

هذا هو حال المصطفى صلى الله عليه وسلم عند الموت، يقول: (إن للموت لسكرات، اللهم هون على أمتي سكرات الموت). ها هو الموت أيها المسلمون، ها هو الموت أيها الغافلون، ها هو الموت أيها المذنبون، ها هو الموت أيها العاصون، رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن للموت لسكرات، إن للموت لسكرات، إن للموت لسكرات، اللهم هون علينا سكرات الموت).

أبو بكر الصديق يعاني سكرات الموت
وهاهو الصديق رضي الله عنه وأرضاه، لما نام على فراش الموت جاءت ابنته عائشة تبكي وتصرخ، وتقول: يا أبتاه، يا أبتاه، وتقول في حقه شعراً لـحاتم الطائي، فكشف الصديق الغطاء عن وجهه وقال: لا تقولي شعراً، وإنما قولي قول الحق جل وعلا، قولي: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19]، فقالوا: يا أبا بكر ، ويا خليفة المسلمين، نستدعي لك الطبيب، فقال الصديق: لقد جاءني الطبيب ونظر إليَّ، فقالوا: وماذا قال لك؟ قال: قال لي: إني فعال لما أريد.

عمر بن الخطاب وسكرات الموت
يا عمر، يا ابن الخطاب، يا فاروق الأمة، يا أعدل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا من قال النبي في حقه: (لو كان نبي بعدي لكان عمر)! يا ابن الخطاب، يا عمر، يا فاروق هذه الأمة، يا من قال في حقك ابن مسعود (أكثروا من ذكر عمر، فإنكم إذا ذكرتم عمر ذكرتم العدل، وإذا ذكرتم العدل ذكرتم الله) يا عمر ، كيف وجدت الموت؟ لما احتضر عمر بعد أن طعنه أبو لؤلؤة عليه لعنة الله، سأل الفاروق أول ما حملوه إلى داره: من الذي قتلني؟ طمئنوني وأخبروني، فقالوا: اطمئن يا أمير المؤمنين، إن الذي قتلك شاب مجوسي، فسجد عمر بن الخطاب شاكراً لله، ثم قال: الحمد لله الذي جعل قتلي على يد رجل ما سجد لله سجدة فيحتج بهذه السجدة علي أمام الله يوم القيامة! فنظر وغشي عليه، وبعدما أفاق من سكرات وضربات الموت، نظر إلى ولده عبد الله وقال: يا عبد الله ! أين أنا؟ فوجد رأسه على فخذ ولده عبد الله ، فنظر عمر وبكى وقال: ما هذا يا عبد الله ! ما هذا! قال: ماذا تريد يا أبتي؟! قال: ضع رأسي على التراب، ضع هذا الرأس على التراب يا عبد الله ، قال: وما ضرك يا والدي، وما ضرك يا أبتي ورأسك بين فخذي؟! فبكى عمر الفاروق وقال: ويحك يا عبد الله ! ضع رأسي على التراب، حتى ينظر الله إلي بعين رحمته، فيخفف علي سكرات الموت. هذا هو عمر .

عثمان بن عفان يعاني سكرات الموت
ولما حصر عثمان بن عفان رضي الله عنه دخل عليه عبد الله بن سلام ليزوره في هذا الحصار الشديد، فقال عثمان : يا عبد الله بن سلام والله لقد كنت مع رسول الله في الليلة الماضية، لقد جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة وقال لي: (يا عثمان ! حصروك؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: يا عثمان : منعوا عنك الماء؟ قلت: نعم يا رسول الله، فقال عثمان : فأدلى لي النبي دلواً فشربت من دلو النبي صلى الله عليه وسلم حتى إني أجد برد هذا الماء على ثديي وعلى كتفي الساعة، ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عثمان إن شئت أن ينصرك الله نصرك عليهم، وإن شئت أن تفطر عندنا اليوم فلك ما شئت، فقال عثمان : بل أفطر معك الليلة يا رسول الله). أترك هذا العالم عالم الشقاء وعالم الهم والغم وأفطر معك اليوم يا رسول الله! فقتل من يومها، واحتضر عثمان في يومها، وما كان يتكلم إلا بهذه الكلمة: الله
وجلاله، وك

لما دار ببالك من صفات الله فالله بخلاف ذلك، ويستوي الملك على كرسيه استواءً لا تدركه العقول، ولا تكيفه الأفهام، وللكلام بقية، ولكنني أكتفي بهذا القدر وأسأله الله العظيم رب العرش الكريم، أن يحشرنا في زمرة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
ذي ب

نيت الدور، وأنا الذي بنيت القصور، وأنا الذي جمعت المال، وأنا الذي جهدت واجتهدت، فافدوني بأعماركم، زيدوا في عمري ساعة أو ساعتين، أريد أن أستمتع بالأموال، أريد أن أستمتع بالسيارات، أريد أن أستمتع بالعمارات، ولكنه في واد والناس في واد آخر!

صوت الحق ينادي المحتضر
وبينما هو يتمنى يأتيه صوت الحق من الله جل وعلا، يقول تبارك وتعالى: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:83-96]. كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى * أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:26-40] بلى قادر! دع عنك ما فات في زمن الصبى واذكر ذنوبك وابكها يا مسلم لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب فالليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيها تعد وتحسب أيا من يدعي الفهم إلى كم يا أخي الوهم تعب الذنب بالذنب وتخطي الخطأ الجم أما بان لك العيب أما أنذرك الشيب وما في نصحه ريب أما نادى بك الموت أما أسمعك الصوت أما تخشى من الفوت فتحتاط وتهتم فكم تسير في السهو وتختال من الزهو وتنفض إلى اللهو كأن الموت ما عم كأني بك تنحط إلى اللحد وتنغط هناك الجسم ممدود ليستأكله الدود إلى أن ينخر العود ويمسي العظم قد رم فزود نفسك الخير ودع ما يعقب الضير وهيئ مركب السير وخف من لجة اليم بذا أوصيك يا صاح وقد بحتك من باح فطوبى لفتى راح بآداب محمد يأتم

سكرات الموت يعانيها الأنبياء والصالحون
لا تستطيع قوة على ظهر الأرض أن تحول بينك وبين هذه الحقيقة مهما كان جاهك، ومهما كان منصبك، ومهما كانت قوتك، لا يمكن بأي حال وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78]؛ لأن الذي أصدر الأوامر لملك الموت هو من يقول للشيء كن فيكون، إنه الله رب العالمين. فيا أيها الغافلون! ويا أيها اللاهون! ويا أيها الساهون! ويا أيها المذنبون! ويا أيها الظالمون! ويا أيها المقصرون! اعلموا أنكم راحلون إلى الله جل وعلا، اعلموا أنكم ستقفون بين يدي الله جل وعلا، فيحاسبكم عن القليل والكثير، وعن النقير والقطمير، وعن الصغير والكبير، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8].

إبراهيم وموسى يعانيان سكرات الموت
إنه الموت، إنها الحقيقة الكبرى، وانتبهوا أيها الموحدون، انتبهوا أيها المسلمون، أذكركم ونفسي أولاً بهذه الحقيقة، سأل الله إبراهيم الخليل عن الموت، فقال له: كيف وجدت الموت يا إبراهيم؟ ومن هو إبراهيم؟ إنه خليل الرحمن! كيف وجدت الموت يا إبراهيم؟ فقال إبراهيم: يا رب! وجدت الموت كسفود موضوع بين صوف مبلول-أي: كقطعة حديد شديدة الصلابة، وضعت في وسط صوف مبلول- وجذبت هذه الحديدة بشدة. فقال الله لإبراهيم: أما إنا قد هونا عليك الموت يا إبراهيم. كيف وجدت الموت يا موسى بن عمران؟ فقال موسى: وجدت الموت كعصفور وضع على مقلاة يقلى على النار! هكذا وجد موسى الكليم الموت، وجدت الموت كعصفور وضع على مقلاة، لا يستطيع أن يطير فينجو، ولا هو يموت فيستريح.

خاتم الأنبياء يعاني سكرات الموت
كيف وجدت الموت يا رسول الله، يا خير خلق الله، يا من غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ انظروا إلى احتضار النبي صلى الله عليه وسلم، احتضر النبي ونام على فراش الموت، وتألم للموت وأحس بسكرات الموت، ورشح جبينه الأنور بالعرق، ووضع يده في إناء به ماء كانت تحمله عائشة فمسح جبينه الأنور ثم قال: (لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات) حتى أنت يا حبيبي يا رسول الله، حتى أنت يا رسول الله: (إن للموت لسكرات، اللهم هون علي سكرات الموت).

هذا هو حال نبينا، هذا هو حال رسولنا صلى الله عليه وسلم، وظل هكذا يقول: ( إن للموت لسكرات ) إلى أن نزل عليه جبريل
م اجمع

أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قالها عثمان ثلاثاً، ثم لقيت روحه ربها تبارك وتعالى.

علي بن أبي طالب يعاني سكرات الموت
وهكذا لما احتضر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد أن ضربه ابن ملجم عليه لعنة الله، كان لا يقول إلا هذه الكلمة: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله أخلو بها وحدي، لا إله إلا الله يغفر بها ذنبي، لا إله إلا الله يجبر بها كسري، لا إله إلا الله يقبل بها عملي، لا إله إلا الله ألقى بها ربي. هكذا كان يقول علي إلى أن لقيت روحه ربها جل وعلا.

المأمون وهارون الرشيد يحتضران
ولما احتضر هارون الرشيد ونام على فراش الموت طلب أن يرى كفنه، ونظر إلى كفنه بعينيه قبل أن يموت، وبكى وبكى وبكى، ثم قال: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29]، أين المال؟ وأين منصبي؟ وأين جاهي وأين سلطاني؟ وأين مرءوسي؟ وأين خدمي وأين حشمي؟ وأين عماراتي؟ ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانية! ولما احتضر المأمون أمرهم إذا أفاق من سكرات الموت أن يحملوه فيرى قبره بعينيه قبل أن يموت، فحملوه إلى قبره، فنظر إلى قبره وقبض على لحيته، وأخذ يبكي ويبكي ويبكي، ثم رفع رأسه إلى الله وقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه. ويروى أن أحد الصالحين قام فجعل لنفسه في بيته قبراً، وكلما سيطرت عليه الشهوات، وسيطرت عليه الدنيا، وسيطرت عليه الفتن؛ نزل إلى هذا القبر الذي حفره بيديه، ويغلقه على نفسه بخشبة أعدها لذلك، ويظل يصرخ في قبره ويصيح ويقول: رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت، ويظل يصرخ ويصيح بأعلى صوته حتى تنقطع أنفاسه، ويغرق في عرقه، فيقلع الخشبة ويخرج إلى النور والهواء، ويبكي ويقول: ها أنت يا نفس قد عدت.

عمرو بن العاص يصف الموت
لما حضرَت الَوفاة عمرو بن العاص صعد إليه ولده وقال له: يا أبتي! لقد كنت تتعجب ممن نزل به الموت ولا يستطيع أن يصف الموت، ولقد نزل الموت بك اليوم، فصف لي الموت يا أبتاه! فماذا قال عمرو بن العاص ؟! قال: يا بني! إن الأمر أكبر مما كنت أتوقع بكثير، إن أمر الموت أكبر من هذا بكثير، ولكنني سأصف لك شيئاً منه، والله إنني لأحس الآن أن في جوفي شوكة عوسج، وأن على شفتي جبلاً عظيماً، وإن روحي كأنها تخرج من ثقب إبرة، وأن السماء قد أطبقت على الأرض وأنا بينهما. هذا قليل من كثير! ويكفيك في سكرات الموت وكربات الموت، أن ترى ملك الموت، فلرؤية وجه ملك الموت أشد من آلاف الضربات بالسيوف، رؤية وجه ملك الموت أشد من ضربة بسيف، فيا أيها المسلمون، يا أيها العاصون، يا أيها المذنبون، يا أيها الغافلون، يا من تمرحون وراء الفتن، ويا من تمرحون وراء الهوى، ويا من تمرحون وراء الشهوات، ويا من تعصون الله ليل نهار! انتبهوا فإن الموت قريب، إن الموت يأتي بغتة، وبعد الموت ستعرضون على الله فرداً فرداً، وستسألون أمام الله حرفاً حرفاً، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8].

هذه هي المرحلة الثانية، يوم أن تنتقل بالموت من عالم الحياة إلى عالم الفناء، من القصور إلى القبور، من ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، من ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان، من التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ في الوحل والتراب.

أسأل الله سبحانه أن يجعلني وإياكم ممن ختم الله لهم عند موتهم بالتوحيد، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.


البعث والنشور
الخطبــــة.الثانيــــة.cc
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من سار على دربه واستن بسنته إلى يوم الدين. أما بعد: وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا [مريم:15] هذه هي المرحلة الثالثة يوم أن نبعث من القبور، وإن هذه المرحلة أيضاً أمرها خطير، وخطرها عظيم، نستمع أيها الأحباب في عجالة سريعة إلى كلمات موجزة عن هذه المرحلة الثالثة والأخيرة؛ لأن ما بعدها إما عذاب وإما نعيم، إما جنة وإما نار. وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا [مريم:15]، هذه المرحلة الثالثة التي سلم الله فيها على يحيى عليه السلام، يوم أن ولد ويوم أن مات ويوم أن يبعث، يسلم الله عليه، ويؤمنه الله في هذه المواطن الثلاث.

نفخة الفزع ونفخة الصعق
يوم البعث خطره عظيم، وهو بعد مرحلة الصعق، وبعد نفخة الصعق أي: الموت، ولا بأس على الإطلاق أن نكرر ونذكر بهذا الكلام، فإننا في أمس الحاجة إلى أن نتذكره دائماً، لأن إسرافيل ينفخ في الصور ثلاث مرات، وهذا هو الصحيح: نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث، فنفخة الفزع يفزع بعدها كل من في السماوات وكل من في الأرض إلا من شاء الله، ثم تأتي نفخة الصعق- أي: الموت- فيموت بعدها كل حي على ظهر هذه الأرض، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ [الزمر:68] أي: فمات مَنْ فِي السَّمَو
َاتِ وَم

َنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [الزمر:68] وقلنا: إن الاستثناء هنا لجبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت وحملة العرش. ويأتي ملك الموت إلى الله بعدما مات الملوك، ومات الحكام، ومات الرؤساء، ومات الجبابرة، ومات كل مخلوق، فيقول الملك لملك الموت: يا ملك الموت! من بقي؟ فيقول ملك الموت: يا رب! بقيت أنت الحي الذي لا تموت، وبقي جبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت وحملة العرش، فيقول الله لملك الموت: ليمت جبريل -اللام لام الأمر، لام العظمة، لام الكبرياء، لام الإرادة، لام من يقول للشيء كن فيكون- فيموت جبريل، ليمت ميكائيل، فيموت ميكائيل. فيأتي ملك الموت إلى الملك فيقول الملك لملك الموت: يا ملك الموت من بقي؟ فيقول: يا رب! مات جبريل ومات ميكائيل، فيقول الله تبارك وتعالى: ليمت حملة العرش، فحملة العرش الذين يحملون عرش الله يموتون .

إذاً: بعد موتهم من الذي يحمل عرش الله! الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] استوى كما أخبر وعلى الوجه الذي أراد، وبالمعنى الذي قال، استواءً منزهاً عن الحلول والاستقرار، فلا العرش يحمله، ولا الكرسي يسنده، بل العرش وحملته والكرسي وعظمته؛ الكل محمول بلطف قدرته، مقهور بجلال قبضته. ليمت حملة العرش، فيموتون، فيأتي ملك الموت، فيقول الله له: من بقي؟ فيقول: يا رب بقي إسرافيل الذي ينفخ الصور، والصور هو البوق، فيأمر الله الصور فينتقل من إسرافيل، ويقول: ليمت إسرافيل، فيموت إسرافيل، ويبقى ملك الموت، فيأتي ملك الموت إلى ملك الملوك، فيقول الملك لملك الموت: يا ملك الموت من بقي من خلقي؟ فيقول: يارب! بقيت أنت الحي الذي لا تموت، وبقي عبدك الذليل الضعيف الماثل بين يديك، فيقول الله جل وعلا لملك الموت: يا ملك الموت أنت خلق من خلقي، وخلقت لما ترى، فمت يا ملك الموت، فيموت ملك الموت.

مات الجميع، مات جبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت وحملة العرش، إذاً: من الباقي؟ وهنا يقبض الله الدنيا ويبسطها ثلاث مرات، ويهتف بصوته ويجيب، فما من سائل يومها ولا مجيب إلا الله، فينادي ويهتف بصوته ويقول: أنا الجبار.. أنا الجبار.. أنا الجبار لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافر:16] ثلاث مرات؟ فلا يجيبه أحد؛ لأنه لا أحد، فيقول بذاته بلغة العظمة والكبرياء: الملك اليوم لله الواحد القهار. كان آخراً كما كان أولاً، أول بلا ابتداء وآخر بلا انتهاء، هو الأول، وهو الآخر، وهو الظاهر، وهو الباطن، وهو بكل شيء عليم.

نفخــــة البعث
وتأتي بعد ذلك نفخة البعث، يوم أن يحيى الله إسرافيل وجبريل وميكائيل وملك الموت وحملة العرش، فينادي الحق تبارك وتعالى ويقبض الله الأرواح بيمينه، فأرواح المؤمنين تتوهج لها ضياء ونور، وأرواح المشركين لها ظلمة، فيقبضها الله بيمينه ويضعها في الصور، ويأمر الله إسرافيل بالنفخ ثم يقول: وعزتي وجلالي ليرجعن كل روح إلى جسده! صاروخ موجه من قبل من يقول: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49].

ثم ينادي مناد من قبل الحق على أهل القبور ويقول: أيتها العظام البالية، أيتها العظام الناخرة، قومي لفصل القضاء بين يدي رب الأرض والسماء! فيخرج الجميع بعدما أحياهم الله، وبعدما انشقت عنهم الأرض، ونبينا أول من تنشق عنه الأرض، يخرج الناس حفاة عراة غرلاً، والحافي هو من ليس في قدميه نعل، والعاري هو من ليس على بدنه ثوب، و(غرلاً) جمع أغرل، والأغرل هو الصبي قبل الختان، كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:104].

فيخرج الناس مذهولين مذعورين، فكلهم في فزع، وكلهم في رعب، والكل شاخص ببصره إلى السماء ينتظر الأمر من الله جل وعلا. والشمس فوق الرءوس، ها هي أرض المحشر، وها هو يوم البعث، (ويوم يبعث حياً) يوم أن نبعث من القبور حفاة عراة غرلاً، قالت عائشة : (الرجال مع النساء يا رسول الله؟ قال: نعم يا عائشة ، قالت: يا رسول الله! ينظر الرجل إلى سوءة المرأة، والمرأة إلى سوأة الرجل؟ قال: يا عائشة ! إن الأمر أكبر من أن يهمهم ذلك، أما قرأت قول الله جل وعلا: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:37]).

الكل شاخص ببصره ينتظر الأمر من الله، وفجأة تتنزل الملائكة صفوفاً، أهل السماء الأولى من الملائكة يصفون، ويقفون إلى جوار الخلائق وفيهم الأنبياء، تنزل الملائكة وهي وتنظر الخلائق إلى الملائكة المخلوقات النورانية، فتقول الخلائق للملائكة: أفيكم ربنا؟ فتقول الملائكة: سبحان الله! كلا، وهو آت.يأتي إتياناً يليق بكماله وجلاله للفصل بين العباد، وللقضاء بين العباد، وتتنزل الملائكة من السماء الثانية ومن الثالثة حتى السابعة، وبعد ذلك ينزل حملة العرش لهم صوت بتسبيحهم وهم يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ذي العزة والجبروت، سبحان من لا يذوق الموت، سبحان من كتب الموت على الخلائق ولا يموت، سبوح قدوس رب الملائكة والروح .

وبعدها ينصب الكرسي حيث شاء الله وحيث أراد الله، وينزل الملك نزولاً يليق بكماله
2024/09/24 17:22:55
Back to Top
HTML Embed Code: