Telegram Web Link
ت

دعوني حتى أذهبَ إلى ثَغْرٍ من ثُغُورِ المسلمينَ فَأُرَابِطَ هنالك مجاهدًا في سبيل الله.

وأَبَوا عليه إلا أن يَسْتَأسِرَ لهم - ولم يكن ذلك واجبًا عليه -، وأَبَوا عليه إلا أنْ يضعَ يدَه في يد ابن زياد, وأن يصير أمرُه إليه؛ فأَبَى رضي الله تبارك وتعالى عنه, فقتلوه, فَقُتِلَ مظلومًا شهيدًا رضي الله عنه.

فأهل السُّنَّة يقولون: إنَّ الحُسين رضي الله عنه ما كان مُوَفَّقًا في الخروج رضي الله عنه.

ولذلك كما يقول علماؤنا رحمة الله عليهم وكما قرروه بعد في كتبِ العقيدة من عدم الخروج على وُلَاةِ الأمرِ, وأنَّ ذلك يَجُرُّ من الشر ما يَجُرُّ, وصار ذلك مُدَوَّنًا في كتب العقيدة كما قال شيخ الإسلام في ((مِنهَاج السُّنَّة)) وفي غيره رحمة الله عليه.

فأهل السُّنَّة يقولون: إنَّ حُسينًا رضي الله عنه لمَّا جَدَّ الجِدُّ عَرَضَ عليهم ما عرض، وكان واجبًا عليهم أنْ يُنصفوه رضي الله عنه، فإمَّا أنْ يتركوه لكي يعودَ إلى المدينةِ, وإمَّا أنْ يَدَعُوه حتى يذهب إلى يزيد، وإمَّا أن يدعوه حتى يذهبَ فيُرابطَ في سبيل الله رب العالمين مجاهدًا - وقد أَنْصَفَهُم رضي الله عنه -, ولكن أَبَوا إلا أن يَسْتَأسِرَ لهم, وأَبَى أنْ يُعطِيَ الدَّنِيَّةَ من أمرِهِ, وأنْ يأتيَ الأمرَ الذي فيه المَذَلَّة؛ فَتَأَبَّى عليهم فقتلوه, ومَنَعُوا عنه الماء والماءُ مَبذُول رضي الله تبارك وتعالى عنه وعن آل البيت أجمعين.

أهل السُّنَّة لا يأخذون بالخُرافات التي نُسِجَت في هذا الموضعِ وفي ذلك الأمرِ، فأهل السُّنَّة يعلمون مُوقِنِينَ أنَّ يزيدَ لم يَأمر بقتل الحسين رضي الله عنه, وأنَّه لمَّا حُمِلَ نَعيُهُ إليهِ استَعبَرَ بَاكِيًا وقال: لَعَنَ اللهُ ابنَ مَرْجَانَةَ - ويقصد بذلك ابنَ زياد، فاستَمْطَرَ عليه لَعَنَات الله ربِّ العالمين - وقال: قد كنت أرضى منهم بما دون ذلك - وهو: قتل الحسين، يعني: كنت أرضى منهم بما دون قَتلِهِ رضي الله تبارك وتعالى عنه -, فما أمر بقتله, ما أمر بقتل الحسين وما رَضِيَ به، وأمَّا الذي نُقِلَ بعد ذلك من تلك الأساطير فشيءٌ قد نَسَجَهُ أهلُ الكذبِ.

ومعلوم أنه لم تُسبَ هاشميةٌ قط، وأمَّا أهل الكذبِ فَيُرَوِّجُونَ في كتبهم أنَّ آل البيت من النساء قد سُبِينَ, وذلك لم يكن قط, ولم تُسبَ هاشميةٌ أبدًا، ولم يحدث من ذلك شيء, بل إنَّهُنَّ لمَّا حُمِلن فدخلن دارَ يزيد علا النُّوَاحُ هنالك في دارِهِ, وأُكْرِمنَ غايةَ الإكرام، وكلُّ الذي نُسج من ذلك إنَّما هو من الخُرافات من خُرافات الروافض.

والروافض لم يأتِ إلى آل البيت شيء يَضُرُّ إلا مِن قِبَلِهِم, وما أُصيبَ آل البيت إلا بسببهم.

وآل البيت هؤلاء الشيعة أسلَمُوهم مرةً ومرةً ومرة، هم الذين خَذَلُوا الحسنَ رضي الله عنه, وهم الذين خَذَلُوا حُسينًا رضي الله عنه, وهم الذين خَذَلُوا زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه, وهم الذين رَفَضُوه وبها سُمُّوا (روافض).

هؤلاء الروافض أخبثُ النَّاس نِحلَةً, وأعظمُ الناس مكرًا, وأجبنُ الناس نفسًا.

هؤلاء الروافض أضرُّ على دينِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى.

هؤلاء الروافض الذين يَدَّعُون الألوهيةَ في علي - بعضهم -.

هؤلاء الروافض الذين يَدَّعُون العِصمَةَ في الأئمة.

هؤلاء الروافض الذين يُكَفِّرُونَ أصحابَ محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

يقول الشعبي عنهم: هم أحمقُ الناس, ولم أرَ قومًا أحمق من الروافض قطُّ، لو كانوا من الدَّواب لكانوا حُمُرًا, ولو كانوا من الطير لكانوا رَخَمًا.

هؤلاء الروافض هم أحمقُ الخَلق؛ لأنهم يأتون بأساطير وبأمورٍ لا يمكن أن تُصَدَّق.

هؤلاء الذين خذلوا حُسينًا رضي الله تبارك وتعالى عنه حتى قُتِلَ في اليوم العاشر من شهر الله الحرام الذي يُقال له المحرم سَنَةَ إحدى وستين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بكربلاء, أسلموه بعدما استقدموه فاستفزوه حتى أخرجوه ثم انفضُّوا عنهُ فكانوا هباءً كما قال ابن كثير رحمه الله تعالى، فصار إلى ما صار إليه رضي الله تبارك وتعالى عنه. هؤلاء الروافض يُحيُون النُّواح عليه.

والناس في عاشوراء أضلّ الشيطانُ قسمين كبيرين منهم, وعصمَ اللهُ ربُّ العالمينَ أهلَ السُّنَّة من الوقوع فيما يخالف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم: فقِسمٌ من الناس ينُوحُون ويُحيون النوح والبكاء في هذا اليوم - وهم أولئك الروافض - يأتون بما لا يأتِ به عاقل, فيخرجون وقد عَرَّوا الصدور, وأما النساء فقد نَشَرنَ الشعور يلطمن ويضربن الصدور، وأمَّا الرجال فإنهم يخرجون وقد عروا صدورهم, ويأتون بالسلاسل - وقد جعلوا في أطرافها الشَّفْرَات الدِّقاق - ويضربون بتلك السلاسل صدروهم وظهورهم, وبعضهم يأتي بسيوف وخناجر ويجرحون بها وجوههم ورؤوسهم ويُسيلون الدماء, ويحيون االنَّوحَ والبكاء في هذا اليوم.

ومعلوم أنَّ النِّيَاحةَ من أمرِ الجاهلية, وأنَّ من أكبرِ الذنوب التي يُبارز بها الله رب العالمين النياحة - يعلمون ذلك أو لا يعلمونه! -.

ومن أكبر ال
ذنوب

التي يُبارزُ بها اللهُ هو إحياء النِّيَاحةَ والبكاء على المصائب التي مَضَت, فيُحيون ذلك كفعل أهل الجاهلية - وهم الذين خذلوهُ بدءً, وهم الذين أسلفُوه سابقًا -، ثم يخرجون بعد ذلك يقول إمام ضلالتهم الخُميني: إنَّه ما حَفَظَ الإسلام مثلُ البكاء والنوح على سيد الشهداء عليه السلام - كما يقول! -, وما يحدثُ في الحسينيات.

وكَذَب بل إنَّه من أكبر مَعَاولِ الهدم لدين الله ربِّ العالمين, وما أُوتِيَ الإسلامُ في يومٍ من الأيام إلا من قِبَلِهم, فإنَّهم يُوالون كل عدوٍ لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ولدين الإسلام العظيم، وما كانوا في يومٍ من الأيام من حَمَلَةِ الجهاد والسيف في سبيل الله, وإنما تسلُّطهم على أهل السُّنَّة.

يُوالون اليهود، ويُوالون كل باغٍ على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, وعلى أتباع محمد صلى الله عليه وسلم, وعلى كل سُنِّي, وحقدُهم على أهل السُّنَّة معلوم معلوم.

فهذا قسمٌ من الناس يُحيُون النِّيَاحة كفعلِ أهل الجاهلية - بل أشد -, ويُشمِتُونَ في أهل الإسلام كل أعدائِهِ بما يصنعونَ مما يَتَرَفَّعُ عنه كلُّ صاحب عقل من كلِّ مِلَّةٍ كانت وتكون, ولكن كذلك يصنعون!

فيَتَّخِذُونَ هذا اليوم مَنَاحَة, ويتخذونه عيدًا للحُزن فيفعلونَ فيه ما يفعلون مما هو معلوم.

وطائفةٌ تَبِعُوا قَتَلَةَ الحُسين من النَّوَاصِبِ مِنْ مُبغِضِي آل البيت يتخدون يومَ عاشوراء يومَ فرحٍ ويومَ عيدٍ ويوم سرور, فَيُوَسِّعُونَ فيه على الأولاد, ويضعون الأحاديث في ذلك - وهي مكذوبةٌ على خير العبادِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.

ويَدَّعُون كاذبين أنَّ من وَسَّعَ في يوم عاشوراء على أولاده وعلى أهل بيته وَسَّعَ الله ربُّ العالمين عليه عامَّةِ سَنَتِهِ, وهذا كذبٌ مُختَلَقٌ على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ويَدَّعُون أنَّ من تَكَحَّلَ بالإِثْمِدِ فيه لم يرمد إلى غير ذلك من تلك الخرفات التي وضعوها من أجلِ حَضِّ الناس على إظهار الفرح في يوم عاشوراء.

وكثيرٌ من أهل السُّنَّة لا يعلمون منشأ الدعوة إلى الفرح وإظهار الفرح والتَّوسِعَةِ على العِيَال, هذا من فعل النَّواصب من مُبغضي آل البيت الذي يُظهرون الفرحَ في هذا اليوم لمقتل الحُسين رضي الله تبارك وتعالى عنه وعن آل البيت أجمعين.

وهَدَى اللهُ أهلَ السُّنَّة للحقِّ للوسطِ في هذا الأمر فيعلمون أنَّ هذا اليوم هو يومٌ صالح نَجَّى اللهُ فيه موسى وقومَهُ من فرعونَ ملأهِ، فصامه موسى شكرًا لله تعالى, وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا سَمِعَ ذلك, قال صلى الله عليه وسلم - وما تَلَقَّاه من اليهود لمَّا سألهم, فإنَّهُ صلى الله عليه وسلم معصومٌ مُؤيدٌ بالوحي صلى الله عليه وسلم فما تلقاه منهم – قال صلى الله عليه وسلم: (نحن أولى بموسى منكم), فصامه صلى الله عليه وسلم.

بل كما قالت عائشة: كان أهل الجاهلية يُعَظِّمونَ اليوم العاشر من شهر الله المحرم, كان أهل الجاهلية يصومونه, وصامه النبي صلى الله عليه وسلم قبل البَعثة.

يقول العلماء: لَعَلَّ ذلك كان عند أهل الجاهلية قبل البَعثة كأثارةٍ من آثارِ ما تلقَّوه وما بقي فيهم مِنْ شرع مَنْ سبق ومِنْ آثار المِلَّةِ التي سبقت مما كان قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, فقالت عائشة كما هو في الصحيح بل في الصحيحين قالت رضي الله عنها: (إنَّ أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء, وكان النبي يصومه صلى الله عليه وسلم، فلمَّا هاجر صلى الله عليه وسلم وجدَ اليهود يصومونه، فسأل فقالوا: هذا يوم صالح نجَّى الله فيه موسى وقومه من فرعون ملأه؛ فصامه موسى شكرًا لله فنحن نصومه، فقال: (نحن أولى بموسى منكم), فصامه النبي صلى الله عليه وسلم).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم - كما هو معلوم من أمرِهِ كلِّه - حريصًا على مخالفة أهل الكتاب, فقال في العام الذي مات فيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (نحن أولى بموسى منكم), فصامه وأمرَ بصيامه، ثم قال في العام الذي مات فيه صلى الله عليه وسلم: (لئِنْ عِشتُ إلى قَابل لأصومنَّ التاسع) صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقبض قبل ذلك صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وعليه يُحملُ حديث الحَكَمِ بن الأعرج عند مسلمٍ لما سأل ابن عباس عن يوم عاشوراء فقال له: (اعدد من الليالي تِسعًا فإذا أصبحت في يوم التاسع فصُم) وقد سألهُ عن عاشوراء، فقال بعض الناس: إنَّ عاشوراء هو اليوم التاسع من شهر الله المحرم مع أنَّهُ قد صح ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: (عاشوراء اليوم العاشر), وهو ما يقتضيه اللفظ، فعاشوراء معدُولٌ عن عاشرة؛ للمبالغة والتعظيم كما هو معلوم.

ولكن تخريج العلماء لحديث الحكم بن الأعرج عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما, وهو حديث صحيح أخرجهُ مسلم في صحيحه لمَّا قال: (اعدد من الليالي تسعًا) - يعني: إذا دخل شهر الله المحرم ثم إذا ما أصبحت فصُم التاسع -, قال العلماء لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في العام الذي مات فيه: (لئِن عِشت إلى قابل لأصومن التاسع), فلم يَعِش صلى
الله

عليه وعلى آله سلم وقَبَضَهُ الله إليه.

فدَلَّه ابن عباس عن الأمر الذي يَشتبه وعن الأمر الذي يَغمُضُ وعن الأمر الذي يَخفَى على كثيرٍ من الناس لمَّا رآه يسأل عن عاشوراء - وأمرُ عاشوراء معلوم -.

بل إنَّه كان فرضًا قبل أن ينزل فرض الصيام, ثم إنَّه لمَّا فَرَضَ الله رب العالمين صيام شهر رمضان صار بعد ذلك سُنَّةَ من سُنن النبي صلى الله عليه وسلم فمن شاء صامه ومن لم يشأ لم يصمه.

فالناس يعلمون أنَّ عاشوراء - حتى في الجاهلية - هو اليوم العاشر، فكلام ابن عباس من علمه وفقهه رضي الله عنه؛ لأنَّه يَدُلُّه على الأمر الذي يَغمُض والذي يقع فيه الاشتباه؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم التاسع؛ فدله على التاسع, ثم أَمْر العاشر معلوم؛ فدَلَّه على أن يصوم التاسع كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بعدُ يصوم - كما هو معلوم - اليوم العاشر - وهو عاشوراء - كما يصومه من يصومه من المسلمين.

أهل السُّنَّة في هذا اليوم وَسَطٌ بين الروافض الذين يُقيمون المَنَاحَةَ, يحيون أمور الجاهلية, ويفعلون ما يندى له جبين كل مسلم ينتمي منتسبًا إلى القبلة وإلى دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم, يندى جبينه ممَّا يفعلونه خِزيًا من هذا الذي يأتُونه, وهم منسُوبُون إلى القبلة, ومحسُوبُون على المِلَّة, ولكنهم يفعلون ما يفعلون.

وأهل السُّنَّةِ وسطٌ بين هؤلاء وبين النواصب الذين يُظهرون الفرح في يوم عاشوراء, ويتخذونه عيدًا يُوَسِّعُون فيه على الأهل والأولاد, وليس شيء من ذلك في سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم, وليس شيء من ذلك في فعل أحد من السلف رحمة الله عليهم، وإنما ذلك من البدع المُحدَثة, أحدثه العُبَيدِيُّون بمصر وأظهروا ما أظهروا من أمر النياحة, فكان ذلك أول ظهورٍ لأمر النياحة على الملأ - أَمْرًا عَامًّا - في أيام العُبَيدِيِّن الذين انتسبوا - زُورًا وإفكًا وطُغيانًا - لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهي بريئةٌ منهم براءةً كاملة، وإنما جَدُّهم الذي إليه ينتسبون هو ذلك القَدَّاحُ اليهودي فهذا أَصلُهم، فأظهروا ما أظهروا في ديار مصر من ذلك الأمر الشنيع, ثم مازال ذلك يَفشُو حتى صار الناس إلى ما صاروا إليه لما صارت لهم في أيامنا هذه دولة, فهم يصنعون ما يصنعون, ويأتون ما يأتون، والإسلام بريءٌ من هذا الذي يصنعونه، ومن هذا الذي يفعلونه, وهم حربٌ عليه, وهم أشد الناس خُصومة لآل محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم.

وأهل السُّنَّة أولى الناس بآل النبي صلى الله عليه وسلم يُحبونهم ويُقدمونهم ويُوالُونهم ويحترمون آل البيت, وذلك يَتَنَزَّلُ على صالحيهم - على صالحي آل البيت -.

آل البيت يعلمون حقَّ الشيخين وحق أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم, وما سُمِّيَ الشيعة رافضة إلا لرفضهم زيدَ بن علي, وذلك أنهم لمَّا خرجوا معه قالوا له: عليك أن تتبرأ من أبي بكر وعمر, فامتنع؛ فرفضوه، فقال: رفضتموني؟! فَسُمُّوا رافضةً من يوم إذ.

فهؤلاء الرافضة هم أعداء آل البيت وخذلوه, وهذا من موطن خِذلانهم لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أهل السُّنَّة يعلمون أنَّ اليوم العاشر من شهر الله المحرم يومٌ صالح, وقد نَجَّى الله ربُّ العالمين فيه موسى وقومَهُ مِنْ فرعونَ وملأهِ؛ فصامه موسى شكرًا لله ربِّ العالمين, والنبي أولى بموسى من كلِّ أحد؛ فصامه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم, ورَغَّب في صيام التاسع لكي يخالف أهل الكتاب في صيامهم لهذا اليوم، ولكنه صلى الله عليه وسلم قُبضَ قبل أن يحولَ عليه الحول, ولكن قال ما قال, وصارت سُنَّةً مَسنونةً.

نسأل الله أن يوفقنا لاتِّباع سُنَّةَ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم, وأنْ يُجنبنا مواطنَ الزلل والخلل والخَطَل, وأن يجعلنا من أهل السُّنَّة الأَجْلاد الذين يُقيمونَ على ذلك حتى يلقوا ربهم تبارك وتعالى.

ونسأل الله أن يحشرنا في زُمْرَةِ نبيِّنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.


الخطبـــةُ.الثانيـــة.cc
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين, وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له هو يتولى الصالحين, وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاةً وسلامًا دائمين مُتلازمين إلى يوم الدين.

أمـــا بـــعــــــد :
فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا وأخبر الأمة - كما نَقل عنه ذلك أبو هريرة رضي الله عنه وأخرجه مسلم رحمه الله في صحيحه: - (إنَّ أفضلَ الصيام بعد رمضان صيامُ شهر الله المحرم, وأفضلَ الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل أو صلاة الليل).

والنبي صلى الله عليه وسلم يخبر في هذا الحديث - وفي أحاديث ليست في الصحيح ولكنها صحيحة ثابتة -: (أنَّ أفضل الصيام بعد الفريضة صيام شهر الله الذين تدعونه المحرم)، فأفضل الصيام هو الصيام في شهر الله المحرم, وأفضل الصلاة بعد المفروضة ما كان في جَوف الليل الآخر قِيَامًا لله وصَفًّا للأقدام بين يديه.

وأخبرنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن فضلِ هذا الشهر
- وهو

من الأشهر الحرم - شهر الله الحرام الذي تدعونه المحرم، هذا الشهر الصيام فيه خير صيامٍ في العام إلا ما كان فرضًا, فاستثنى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شهرَ رمضان.

هل هو في صيام الشهر ككل؟

فإنَّ هنالك من الأيام ما هو خير بيقينٍ ولا نزاع في ذلك بل ذلك متفقٌ عليه بين أهل العلم كصيام يوم عرفة، فإنَّ أعظمَ الأيام في شهر الله المحرم هو اليوم العاشر منه, وهو يومِ عاشوراء.

وعند مسلم في صحيحه عن أبي قتادة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد سُئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ التي مَضَت)، يُكَفِّر ذنوب سَنَةٍ ماضية.

وهذا الحديث له روايات ومنها: (أحتسبُ على الله أنَّه يُكَفِّرُ ذنوبَ السَّنَةِ الماضية), وهذا أيضًا عند مسلمٍ في الصحيح رحمه الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ صيام يوم عاشوراء يُكَفِّرُ ذنوب سَنَةٍ مضت, وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ صيام يوم عرفة يُكَفِّرُ ذنوب سَنَةٍ خَلَت وذنوبَ سَنَةٍ بَقِيَت؛ فهو أفضل من يوم عاشوراء بلا نزاع.

فالنبي صلى الله عليه وسلم دَلَّنا على فضل الصيام في شهر الله المحرم بإجمال, ودَلَّنا صلى الله عليه وسلم على فضلِ صيامِ يوم عاشوراء على وجه الخصوص، ثم ذَكَرَ النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكر فقال: (لئِن عشت إلى قابل لأصومن التاسع), فقبضه الله إليه قبل أنْ يأتيَ بذلك صلى الله عليه وسلم.

والعلماء - كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله وتبعه على ذلك ابن حجر كما في ((الفتح)) - قالوا: إنَّ أفضل الصيام في ذلك أن يصوم يومًا قبله ويومًا بعده.

الحديث الذي عند البيهقي في ذلك حديثٌ لا يثبُت فلا يُتخذ حجةً: (صوموا يومًا قبله ويومًا بعده) هذا غير ثابت, وإن اتكأ عليه ابن القيم رحمه الله في تقرير ما قرر.

ولكن أهل العلم يقولون: يصومُ التاسعَ, ويصومُ العاشرَ, ويصومُ الحاديَ عشر فيصوم يومًا قبله ويصوم يومًا بعده, قال هذا ابن القيم رحمه الله, وتبعه على ذلك ابن الحجر رحمه الله تعالى.

ثم إنَّ المرتبة التي تلي ذلك: أنْ يصومَ التاسعَ والعاشرَ.

قالوا: وأدنى المراتبِ أن يصومَ العاشرَ وحدَه، ولهم في ذلك تخريجات, وأَعْدَلُ ما يُمكن أن يُقبل من تلك التخريجات أنهم يقولون: إنَّ الإنسان قد يُخطأ في إثبات دخول الشهر, فلو صام يومًا قبله وصامَ يومًا بعده لكان مُوَافِقًا للعاشر بلا نزاع ولا خلاف, فهذا كلامٌ قالوه.

والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أنَّه يصوم التاسع إن عاش, وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخالف أهل الكتاب, فخالفهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا, ودَلَّ المسلمين على أنَّه إن عاش إلى قابل ليصومن التاسع، ثم قُبض صلى الله عليه وسلم, وصار الأمر بعد ذلك من سُننه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فعلى المسلم الحريص على دينه المُتَّبع لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يجتهد في صيام التاسع و العاشر, فإن لم يكن فلا أقلَّ من أن يصوم العاشر؛ فهو يومٌ صالح, وصيامه يُكَفِّرُ به الله ربُّ العالمين ذنوب سَنَةٍ خَلَت.

وتكفير الذنوب كما هو معلوم إنما يقعُ على الصغائرِ دونَ الكبائر.

بل إنَّ بعض أهل العلم يقولون: إن الصغائر ليست في دَرَكَةٍ واحدة وإنما هي دَرَكَات.

فيقولون: (إنَّ الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة مُكَفِّرَات لِمَا بينهن ما اجتُنبت الكبائر) فهذا يقع به تكفير للذنوب من تلك الصغائر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما اجتُنبت الكبائر).

وصحيحٌ أنَّ الذي وَرَدَ في تكفير الذنوب بصيام يوم عرفة وصيام يوم عاشوراء ورد مطلقًا بغير قيد (يُكَفِّرُ ذنوب سَنَةٍ مضت وذنوب سَنَة بقيت) في عاشوراء وفي عرفة، فهذا كما ترى مُطلَقٌ بغير قيد, ولكنْ إذا كانت هذه الفرائضُ العظيمة لا تُكَفِّرُ الكبائرَ - ولا بد من إحداث توبة للكبائر حتى تُكَفَّركما قال علماؤنا رحمة الله عليهم -، إذا كانت الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان لا تُكَفِّرُ إلا الصغائر (مكفرات لما بينهن ما اجتُنبت الكبائر)؛ فصيام يوم من أيام النَّفل لا يمكن أن يكون أعظمَ من هذه الفرائض؛ فيقعُ تكفيرُ الذنوب بصيامه على الكبائر والصغائر.

فلابد من تقييد ما أُطلقَ هنالك على حسب هذا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فهذا يقع على الصغائر.

الصغائر ليست في دَرَكَةٍ واحدة، وهي جميعُها دون الكبائر، ولكن بعضها أغلظُ من بعض, وبعضها أحطُّ من بعض؛ فيقول بعض أهل العلم وعليه يمكن أن يُخَرَّج: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صام يوم عرفة كَفَّرَ اللهُ عنه ذنوبَ سَنَةٍ مَضَت وذنوبَ سَنَةٍ بَقِيَت) لو أنه صام عرفة التي تلي فيقع التكفيرُ على السَّنَةِ التي يستقبلها بصيام يوم عرفة في السَّنَة التي مضت يقعُ التكفير بصيام يوم عرفة مرةً أخرى عليها، فإذا صام يوم عاشوراء وقع التكفير للمرة الثالتة على ذات السَّنة، فيقول العل
ماء: إن

َّ الصغائر ليست في دَرَكَةٍ واحدة, وبعضُها أحط من بعض، فما لم يُكَفَّر بهذا كُفِّرَ بهذا, ويجعلون ذلك على طبقاتٍ في تكفير تلك الصغائر من الصوات الخمس, من الجمعة إلى الجمعة, من رمضان إلى رمضان, بصيام يوم عرفة, بصيام يوم عاشوراء، فالتكفير الذي يقع للذنوب إنما يقع للسيئات - وهي الصغائر -, وأما الكبائر فلابد من التوبة منها.

والله رب العالمينَ لا يجعل ذلك واقعًا على ذلك, وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ فرائضَ الإسلام العظيمة من الصيام الواجب كصيام شهر رمضان, وكالصلوات الخمس, وما أوجبه الله علينا من الجُمُعَات, لم يجعل الله تبارك وتعالى ذلك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم مُكَفِّرًا للكبائر.

بل إنَّ بعض أهل العلم يقولون: لنا وجهان في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما اجتُنبت الكبائر).

فيقولون: إن التكفير للسيئات للصغائر لا يقع إلا مع اجتناب الكبائر، فأمَّا إذا لم يجتنب الكبائر فإن تكفير الصغائر لا يقع أصلا، فهذا قول من قولين عند أهل العلم في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما اجتُنبت الكبائر).

والقول الثاني - وهو المشهور عند جماهير أهل العلم من أهل السُّنَّة: - أنَّ التكفيرَ يقعُ على الصغائر وإن ارتُكبت الكبائر, وأما الكبائر فإنها تحتاج إلى توبةٍ من أَجْلِ أن يغفرها الله رب العالمين، نسأل الله أن يعفو عنا أجمعين.

وأما من لَقِيَ الله ربَّ العالمين بالكبائر من غير توبة فهو إلى المشيئة كما أخبرنا الله تبارك وتعالى في كتابه العظيم: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء : 48]. وهذا في حق من مات من غير أن يتوب من الشرك فلَقِيَ الله مشركًا فإنَّ الله لا يغفر له {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}.

وأمَّا من لَقِيَ الله ربَّ العالمين بما دون الشرك فهو في المشيئة إن شاء الله رب العالمين غفر له وإن شاء عذَّبه.

وأمَّا الذي يتوب فإنَّ الله رب العالمين يغفر جميع الذنوب بالتوبةِ النصوح بشروطها حتى ولو كان الذنب كفرًا, حتى ولو كان الذنب شركًا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر : 53]، هذا في حق من تابَ ولو كان قد كفر بالله رب العالمين كما في حال بعض من ارتد عن دين الإسلام العظيم بعد موت النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم عاود الإسلام مرة أخرى ثم مازال مجاهدًا في سبيل الله حتى قُتِل, بل إنَّ بعضهم قد تَنَبَّأ بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم:

طُليحة بن خويلد: وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم تَنَبَّأ وارتد! بل وغَزَا مدينة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم! فخرج إليه جُند الإسلام البواسلِ من مُقَاتِلَةِ المسلمين من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فَشَرَّدُوه ومن معه كلَّ مُشَرَّدٍ, فما زالت الأرض تَلفِظُه حتى أبعدَ ثم عاود دين الله رب العالمين, وأسلم إلى الله رب العالمين, ومازال مجاهدًا في سبيل الله رب العالمين حتى قُتل في سبيل الله جلَّ وعلا نحسبه كذلك.

والعلماء مختلفون: هل إذا تخللت الرِّدةُ إسلام أحد من المسلمين, وكانت له أعمالٌ صالحة قبل ثم عاود الإسلام بعد الرِّدة, هل يعود له ثواب الأعمال الصالحة التي كانت قبل أن يرتد عن دين الإسلام؟ هل تعود إليه بعد أن عاود دينَ الإسلام العظيم؟

هذا خلافٌ بين أهل العلم تجده مبسوطًا عند علمائِنا الأعلام رحمة الله عليهم, وما هو منك على طَرَفِ البنان تجده في كتاب الصلاة للعلامة ابن القيم رحمه الله.

الحاصلُ: أنَّ صيام يوم عاشوراء من سُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بل هنالك مراحل لفرض الصيام كما هو معلوم، وكان صوم يوم عاشوراء فرضًا على المسلمين قبل نزول رمضان - يعني: قبل نزول فرض صيام رمضان - كما هو مقررٌ عند علمائنا الأعلام.

والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يُرسل من يُنادي في الأقوام: (من أصبح منكم صائمًا فليُتمَّ صومه, وأما من أصبح منكم مُفطِرًا فليُمسك)، ثم كان ما كان حتى مع الصبيان، فكانوا يُلَهُّون الصبيان بتلك العرائس التي يصنعونها من العِهْنِ - أي: من الصوف - ثم ما يزال ذلك حتى تغرب الشمس حتى لا يُحِسُّوا بِأَلَمِ الصيام والإمساك عن الطعام والشراب.

ثم لمَّا فَرَضَ الله ربُّ العالمين صيام رمضان لم يَصِر فرضًا على أُمَّةِ محمد صلى الله عليه وسلم, وإنما هو سُنَّةٌ من سُنن رسول الله, وفيه هذا الفضل العظيم: (إني لأحتسب على الله أن يُكَفِّرَ ذنوبَ سَنَةٍ مضت - أو السَّنَةَ الماضية -).

وكما في حديث أبي قتادة رضي الله تبارك وتعالى عنه عند مسلم رحمه الله أنَّ النبي أخبر أنَّه يُكَفِّرُ ذنوب سَنَةٍ - أي: ذنوب السَّنة التي - مَضَت.

فعلينا أنْ نجتهد في صيامه، وعلينا أنْ نخرج عن الابتداعِ فيه, فلا تَوسِعَةَ على العِيَالِ فيه, فليس مَوسِمًا من مَوَاسِمِ الشرع, ليس
هذا بِمَو

سِمٍ من مَوَاسِمِ الشرع, بل إنَّ الذي يُوَسِّعُ على العيال فيه يُشابه النواصب من أعداء آل البيت وهو لا يدري! وقد أتى ببدعةٍ في دين الله ربِّ العالمين, فلا تَوسِعَةَ فيه, وإنما التَّعَبُّدُ لله ربِّ العالمينَ فيه بصيامه كما دَلَّنا على ذلك نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ليست فيه صلاة, فهي صلاة مبتدعةٌ وحديثها موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ودعاء يوم عاشوراء دعاءٌ مُختَرَعٌ مصنوعٌ أيضًا، وهذه الخُزَعْبَلات التي يأتي بها مَنْ يأتي مِنْ أمثال أولئك الذين يَدُورُونَ في الشوارع من أَجْلِ أنْ يَستَحلِبُوا أموالَ البُلَهَاءِ والسُّذج في هذا اليوم مِنْ أَجْلِ أنْ يؤتوهم ما يؤتونهم من تلك الخزعبلات والخرافات والبدع كل هذا ليس من دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

وإِحداثُ الحُزن فيه على مقتل الحسين رضي الله تبارك وتعالى عنه شيءٌ تفعله الروافض ولا يفعله أهلُ السُّنة.

والحسين لم يكن أفضلَ من علي, وقد قُتِلَ عليٌّ رضي الله عنه قَتَلَهُ الخوارج فضربه عبد الرحمن بن مُلْجَمٍ فقتلَهُ رضي الله تبارك وتعالى عنه, فَقُتل عليٌّ وهو أفضل من الحُسين بلا خلاف.

بل إنَّ حَسَنًا قد قُتل مسمومًا أيضًا كما هو المُرَجَّحُ عند أهل السُّنة - وإنْ كان يُنازِعُ في ذلك من يُنازِع -؛ لأن بعضَهم من أهل الرفض ومن تبعهم يتهم معاوية رضي الله تبارك وتعالى عنه وعن الصحابة أجمعين بأنَّهُ أرسلَ إليهِ من دَسَّ السُّم عليه أو كان مَوتُه مسمومًا بمعرفة معاوية رضي الله عنه، وهذا كله مما لم يثبت فيه خبر, ومن أخذ به فهو طاعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فحسنٌ رضي الله عنهُ قُتل على الراجح عند أهل العلم مسمومًا كما قُتل عليٌّ رضي الله عنه شهيدًا بل قُتل عثمان - وهو خير من علي - قُتل أيضًا، بل قُتل عمر - وهو خير من عثمان -، فكان ماذا؟!

أكرمهم الله ربُّ العالمين بالشهادة، وكما يقول شيخ الاسلام في ((مِنهاج السُّنة)): إنَّ حسنًا وحُسينًا إنما نشأَ وتَرَبَّيَا وترعرعا في عزِّ الإسلام وفي رَيعَانِهِ, فلم يُعانِيا ما عاناه أهلُهما من السابقين من الجهاد والنُّصرة والهجرة, فأبَى الله ربُّ العالمين إلا أن يُعْظِمَ لهما الأجر وأن يُلحقهما بالسابقين السالفين من آلِهِمَا بالشهادة التي أكرمهما الله بها.

فحسينٌ رضي الله عنه قد قُتِلَ
شهيدًا مظلومًا هذا ما نحن عليه.

أهل السُّنة يوقنون يعتقدون أن حسينًا مات شهيدًا مظلومًا, ويُقِرُّونَ أنَّ الخروج على الولاة هو من أعظم ما يجلب الشرور, بل لم يجلب الشرور على أمَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم شيءٌ هو أعظمُ من الخروج على ولاة الأمور؛ ولذلك في عقائد أهلِ السُّنَّة فلن تجد كتابًا جامعًا في عقائد أهلِ السُّنَّة إلا وفيه تقرير هذا الأمر العظيم، وهو: أنَّ أهلَ السُّنَّة لا يخرجون على ولاة الأمور وإن ضربوا ظهورهم, وأخذوا أموالهم, واستأثروا عليهم، ويعلمون (أنَّ الأمر إنما يأتي من هنا لا يأتي من هنا) كما قال الحسن البصري رحمة الله عليه.

فممَّا ساق الشرور إلى الأمة الخروجُ على ولاة الأمور وإن كانوا جَوَرَة, وإن كانوا ظَلَمَة, وإن كانوا فَسَقَة, وإن كانوا مُستأثرين، بل الذي صار إليه أهلُ السُّنَّة أنَّه لا يجوز الخروج على ولاة الأمور أو على الحاكمين المُتَغَلِّبين ولو كفروا بالله العلي العظيم إلا عند استكمال العُدَّة ولا عُدَّة.

فلا يجوز عند أهل السُّنَّة الخروج على الحاكم ولو كفر إلا إذا توفرت الشروط: أنْ يأتي بكفرٍ لا نِزاع فيه بين أهل القبلة, أمَّا إنْ كان مُتأولًا فهذا يُكَفِّره بما تَأَوَّلَهُ وهذا لا يُكَفِّره! فهذا ليس بالكفر البَوَاح، إلا أنْ يأتي بكفر بَواحٍ ظاهر لا يختلف فيه أهل العلم من أهل الحل والعقل - لا من طلاب العلم لا كبارًا ولا صغارًا، ولا من أهل العلم الذين لم يتأهلوا للاستنباط من الكتاب والسُّنَّة الذين يُفتون في النوازل! - بل يقضي بذلك أئمتهم من علمائهم الذين يُفتون في النوازل, فهؤلاء يُرجع إليهم هذا الأمر، (إلا أن يأتي بكفر بَوَاحٍ عندك فيه) - عندك - لا أن يُنقل إليك وتقول: حدثني الثقة!

وأهل العصر أكثرهم كَذَبَةٌ؛ عَانَينَا كَذِبَهُم حتى فيمن ينتسب إلى العلم منهم!

ولم نرَ صادقًا إلا من عصمَ الله, وحسبنا الله ونعم الوكيل.

شيءٌ مزعج أن ترى الكذب يتفشى في أهل العلم ومن ينتمي إلى دين محمد, ويُوهم الناس بأنه يَحملُ العلم الذي لا يحمله من كل خَلَفٍ إلا عُدُولُهُ!!

فلا يُنقلُ إليك وإنما عندك فيه من الله برهان، ثم يأتي شرط خامس قرره أهل السُّنَّة وهو: العُدَّة فأما إذا لم تُستكمل العُدَّة فالخروج فوضى ولا يجوز، ومَنْ قُتل عند ذلك خارجًا فدمُه مُهدر ولا قيمةَ له في ميزان الإسلام العظيم, وأمرهُ إلى الله ربِّ العالمين.

الذين خرجوا من السلف الصالح لم يكونوا خوارج, فَفَارِقٌ بين الخارجِ والخَارجيّ, أمَّا الخوارج فلهم أصول يصدُرون عنها ويتحركون بها.

الحسين رضي الله عنه خرج فلمَّا جَدَّ الج
ِدُّ خيَّرَ

هم فلم يُخَيِّرُوه.

عبد الله الزبير خرج أيضًا وقُوتل حتى هدم الحجاج بالمجانيق - نصبها على الجبال حول الكعبة - حتى هدم الكعبة, وقُتل ابن الزبير رضي الله تبارك وتعالى عنه وعن أبيه وعن أمه وعن الصحابة أجمعين، قُتل في الحرم رضي الله تبارك وتعالى عنه، وهو من صِغار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, وكان أهلًا للخلافة ولكن الخروج شرٌّ.

ولذلك لمَّا أراد الحسين رضي الله عنه أن يخرجَ تعلق به ابن عباس, فالأمرُ جميع والناس قد بايعوا ليزيد، وهؤلاء الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم كانوا يَزِنُونَ الأمور, ولكن كان أمر الله قدرًا مقدورًا، والحسين كان أحقَّ بها وأهلها, ولكن قد بُويع ليزيد فانتهى الأمر، فلمَّا خرج الحُسين رضي الله تبارك وتعالى عنه ووقع ما وقع من فتح باب الشرِّ الذي لم يُغلق إلى يوم الناس هذا، فما زال الشر يَعظُم كما قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: خرج الحُسين رضي الله عنه ليحسم مادة الشر فما زال الشر يَعظُم إلى يوم الناس هذا, وقُتل مظلومًا شهيدًا, وهو وأخوه سَيِّدا شباب أهل الجنة, وهما ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوقع ما وقع عن اجتهاد منه.

لذلك يقول ابن حجر رحمة الله عليه: وكان الخروج على الولاةِ الظلمة مذهبًا للسلف الصالح أولًا, فلمَّا نَجَمَ أو نتجَ عنه ما نتج قالوا بِسَدِّ هذا الباب.

فمِنْ عقيدة أهل السُّنَّة - التي تجدها مُسَطَّرةً في عقائد الأئمة - منعُ الخروج على ولاة الأمور, وأنَّ ذلك يجلب من الشرور ما هو واقعٌ منظور, وهو معلوم في تاريخ الإسلام.

نسأل الله رب العالمين أن يرضى عن الحسن وعن الحسين، وعن آل البيت أجمعين، وأن يجمعنا معهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى من الجنة.

الحُسين رضي الله تبارك وتعالى عنه ريحانةُ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نُحِبُّه ونُوَالِيه ولا نغلو فيه رضي الله تبارك وتعالى عنه, لم يكن أفضلَ من أبيه, ولا أفضلَ ومن عثمان, ولا أفضلَ من عمر رضي الله تبارك وتعالى عنهم أجمعين, وقُتل شهيدًا مظلومًا أكرمه الله ربُّ العالمين بالشهادة، فكان ماذا؟!

ننصب عليه المناحة كما تفعل الرافضة!!

ويأتونَ بتلك الأفعال الخبيثة القبيحة, وغَلَوا في عليٍّ وبَنِيِه، وكَفَّرُوا الأصحاب رضوان الله عليهم, وسَبُّوا أمهات المؤمنين, هُمُ الخطر فاحذروهم وحذروا منهم, هم الخطر, الخطر الحقيقي على هذه الأمة يبدأ من هؤلاء، لا يبدأ من اليهود ولا من النصارى وإنما منهم، منهم, يبدأ الخطرُ منهم.

ولذلك تعجب العَجَبَ كلَّه لمن لا يعي عقيدة أهل السُّنَّة يدعو إلى التَّقَارب, وهو ليس في النهاية إلا تقريبَ أهل السُّنَّة إلى الروافض!

وأمَّا الآخرون فلا يمكن أن يتقاربوا أبدًا، يُكَفِّرُون الأصحاب, ويَسُبُّونَ أمهات المؤمنين، والذين يتكلمون في العلم ظاهرًا لا يُحَذِّرُون!

وهم الخطر على أمة محمد صلى الله عليه وسلم, وجناياتهم قد لَطَّخَت صحائف التاريخ فلو تَتَبَّعتها لرأيت العَجَب.

ولم يُؤتَ أهلُ السُّنَّة في يوم من الأيام إلا من قِبَلِهم، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، إمَّا أن يَنصروا أعداءهم عليهم كما فعلوا حتى في أيام شيخ الإسلام رحمه الله, كانوا يعتصمون بقمم الجبال يَعْتَدُون على النساء من أهل السُّنَّة، فيَسْبُون النساء لبيعهن للصليبيين بالساحل، يأخذون نساء المسلمين لبيعهن - لبيعهن وهن حَرَائِر من أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم - لبيعهن للصليبيين بالساحل، ولمَّا فَرَغَ الشيخ رحمه الله من أمرِ التتار صَعِدَ إليهم الجبل فاستَنْزَلَهم وأغلظَ عليهم وكان ما كان.

على المسلمين أن يَتَنَبَّهُوا لخطورة هؤلاء, وألا يُشاكلُوهم, وعليهم ألا يُشاكلوا - أعني: أهل السُّنَّة - عليهم ألا يُشاكلوا النَّواصب الذين يُبغضون آل البيت, يتخذون يوم عاشوراء عيدًا ومَوسِمًا! وليس كذلك, إنما هو يوم صالحٌ يصوم فيه المُسلم لله ربِّ العالمين تَقَرُّبًا، يُكَفِّر اللهُ له بصيامه ذنوبَ سَنَةٍ مَضَت بشروط تكفير الذنوب كما هو معلوم.

وأمَّا أن يزيدَ على ذلك فالتَّكَحُلُ فيه, وإظهارُ الفرحِ فيه, وإلباسُ الأهلِ الجديدَ من الثيابِ باتِّخَاذِهِ عيدًا كل ذلك من آثارِ صُنع النواصب من أعداء آل البيت وقَتَلَة الحسين في هذه الأمة مما دَخَلَ بالبدعة على أهلِ السُّنَّة.

نسأل الله أنْ يعفو عنَّا جميعًا وأنْ يرحمنا إنَّه على كل شيء قدير، نسأل الله أنْ يوفقنا لكل خير, وأنْ يهدينا للتي هي أقوم, وأنْ يُقيمنا على ذلك حتى نلقى وجه ربِّنا الكريم.

وصلى الله وسلم على نبيِّنا
محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

========================
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
عـــاشــــــوراء ســــنــة الــلـــه
في نصـرة المرسلــين وأتـباعهــم
للشيخ/ خالد بن عبدالرحمن الشايع
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعدُ:
أيها الأخوة الكرام، جاء نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم مهاجرًا من مكة المكرمة إلى المدينة النبوية المشرفة، وصل إليها في ربيع الأول، ومكث فيها النبي صلى الله عليه وسلم يُرسي دعائم الدولة الإسلامية، ولَما دار الزمان، وحلَّ شهر محرم، لاحَظ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرقُب ما يصدر عن سكان المدينة من اليهود، لاحظ منهم أنهم يصومون يوم العاشر من شهر المحرم.

فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن سبب صيامهم، فأجابوا بجوابٍ كان النبي صلى الله عليه وسلم على علم بخلفيات هذا اليوم الذي يتحدثون عنه وهو يوم العاشر من محرم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إبان إقامته بمكة، كان يلاحظ أن قريشًا كانت تصوم أيضًا.

وهذا اليوم العاشر من شهر الله المحرم، له خلفياتٌ تاريخية تعود إلى آيةٍ عظيمة من آيات الله في نصرة أوليائه، وقطْع دابر المعرضين، سأل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عن سبب صومهم، فقالوا: هذا يومٌ نجَّى الله فيه موسى ومَن معه، فنحن نصومه شكرًا لله، وكان اليهود على بقايا من كتابهم ومن سنتهم، مع ما أدخلوا في كتابهم وفي شرعهم من أنواع الباطل وكثيره.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم مُجيبًا لهم: ((نحن أحق بموسى ومَن معه منكم))، فصامَه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، نحن أحق بموسى ومن معه منكم؛ لأن الرابطة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل الإسلام، تربطهم بموسى أكثر من رباط اليهود به عليه الصلاة والسلام؛ لأننا أهلَ الإسلام على نهْج نبينا، آمنَّا بموسى وصدَّقنا به، وأنزلناه المنزلة اللائقة به نبيًّا مُرسلًا من أُولي العزم من الرسل.

بخلاف ما كان من اليهود؛ فإنهم قد حرَّفوا دينه، وتهجَّموا عليه، ووصفوه بأنواع من الأوصاف التي نزل القرآن يؤكد نزاهته منها؛ كما قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾ [الأحزاب: 69].

نحن أحق بموسى ومَن معه بالنظر إلى رابطة الإيمان التي فيها التوحيد للرحمن، بخلاف ما أدخل اليهود من أنواع الشرك بالله جل وعلا.

نحن أحق بموسى ومَن معه، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، فكان صوم يوم عاشوراء في أول الإسلام واجبًا على المسلمين جميعًا، حتى إن الصحابة رضي الله عنهم - كما ثبت في صحيح البخاري - كانوا يصومونه ويُصوِّمونه صغارهم، فكان إذا بكى الصبي وهم يُدرِّبونهم على هذه العبادة العظيمة، أعطوه اللعبة من العِهن - الصوف - يتلَّهى بها حتى وقت الإفطار.

فكان صوم يوم عاشوراء واجبًا؛ شكرًا لله تعالى، وتعبُّدًا له سبحانه، حتى نزل فرضُ صوم رمضان، فكان صوم يوم عاشوراء بعد ذلك سُنةً للمسلمين، فيه الأجر العظيم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إني أحتسب على الله تعالى - يعني في صوم يوم عاشوراء - أن يكفِّر السنة التي قبله)).

والمقصود أيها الأخوة الكرام في هذا المقام أن نتتبَّع سنة الله تعالى في إنجائه لعباده المؤمنين، وقسْمه للمعرضين المبطلين، سنةٌ ماضية لا تتبدَّل ولا تتغيَّر أن العاقبة للمؤمنين والنصرة لمن نصَر الدين؛ يقول الله جل وعلا في شأن هذه السنة العظيمة: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴾ [إبراهيم: 42 - 43].

ويقول الله سبحانه: ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [آل عمران: 196، 197].

فعُلِم بهذا أيها الأخوة الكرام أن العاقبة لجُند الله تعالى ولعباده المؤمنين، وهذا يُطمئن المؤمن إلى أن العاقبة التي سيكون إليها الإسلام وأهل الإيمان، هي عاقبة النصر والظفر، مهما تأخر هذا الأمر، أو كان فيه شيءٌ من أنواع الابتلاء، فإن العاقبة للمؤمنين، ومن لَحَظ سنة الله تعالى مع عباده في هذا الشأن، يُدركها واضحةً جليَّة، فإن الله سبحانه وتعالى قد يَبتلي من يشاء مِن عباده بأنواع من البلاء، لكن العاقبة لعباده المؤمنين، وفي هذا يقول الله جل وعلا: ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ
﴾ [الصافات: 171 - 173].

فلا ينبغي أن يَضيق صدر المؤمن حينما يشاهد في شيءٍ من الأوقات أن الدولة للباطل وأهله، فإن ذلك وضعٌ مؤقت، يُعجل الله تعالى بتبديله وتغييره، ونحن إذ نشاهد في زماننا هذا أنواعًا من التحولات التي وقعت في عالمنا الإسلامي، والتي لا شك أنها بمقاييس الزمن متواليةٌ عاجلة، كل ذلك يوضِّح قول الله تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26].

أيها الإخوة الكرام، إن العاقبة والنصر والظفر في الدنيا والآخرة، لمن استقام على هذا الدين، فواجبٌ على المسلم أن يكون حرصه البالغ على أن يؤدي ما أمَر الله به؛ تُجاه نفسه، تُجاه مَن أوجب الله عليه رعايته، تجاه مَن يتعامل معهم، وأن يؤدي الحقوق التي أوجب الله تعالى عليه لكل مَن له عليه حق؛ حتى يلقى الله تعالى وهو على خير، حتى يُمضي هذه الفترة من الحياة الدنيا - فترة الاختبار والامتحان - إلى أن يلقى الله تعالى وهو على خير.

أيها الأخوة الكرام، إن هذا اليوم العظيم يوم عاشوراء، وما كان فيه من نُصرة الله تعالى لنبيه موسى عليه السلام - هو يومٌ من أيام الله تعالى الماضية وسُنته الماضية في شأن نُصرته لعباده المؤمنين، فلا تُتطاوَل دولة الباطل؛ فإنها مهما طالت، فإن الله تعالى يقول: ﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81].

مهما توالت الأيام على وجود ظالمٍ أو مبطل، فإن عدل الله تعالى ينتظره، والقصاص حاصلٌ حاصلٌ، طال الزمان أو قصر، في الدنيا أو في الآخرة؛ ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ [إبراهيم: 42].

إن ذلك كله أيها الأخوة، ليعطي المؤمن طُمأنينةً عظيمة على أن المستقبل إنما هو للإسلام، وعلى أن الله جل وعلا سيُعاجل بعدله كل ظالمٍ مُبطل.

المستقبل للإسلام؛ كما قال ربنا جل وعلا: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله ربِّ العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبدالله ورسوله نبيِّنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أمـــا بـــعــــــد ُ:
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لحرصه على مخالفة أهل الكتاب في تشريع هذا الدين العظيم، كان من شأنه عليه الصلاة والسلام في آخر حياته أنه قال: ((لئن بقيتُ إلى قابل، لأصومنَّ التاسع والعاشر))؛ يعني: أن يصوم التاسع من المحرم والعاشر منه، فاستقرت بذلك السنة على أن المشروع لأهل الإسلام أن يصوموا يوم التاسع والعاشر من المحرم، يوم تاسوعاء، ويوم عاشوراء، وبهذا قال العلماء: إن صوم عاشوراء يقع على مراتبَ؛ مَن صام يوم العاشر وتقدَّمه بيومٍ هو التاسع، وهذا هو السنة والأكمل والأفضل، ومن صام العاشر وحده، فإنه ينال هذا الفضل والثواب الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ قال: ((إني أحتسب على الله تعالى أن يكفِّر السنة الماضية)).

هذا اليوم العظيم كما تقدم أيضًا يُشعر المؤمن بما كان من نُصرة الله تعالى لأهل الحق؛ يقول البخاري رحمه الله تعالى في جامعه الصحيح: باب: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 90].

وبوَّب البخاري أيضًا رحمه الله تعالى، فقال: باب قوله: ﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ﴾ [طه: 77 - 79].

وقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾ [البقرة: 50].

آياتٌ عظيمة تُطمْئِنُ المؤمن إلى أن الله جل وعلا قد ضمِن المستقبل لدين الإسلام، وأن الله سبحانه وتعالى بالمرصاد لكل ظالمٍ باغٍ مُعتدٍ؛ كما قال جل وعلا: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14].

أيها الأخوة الكرام، فهذه هي السُّنة في شأن صوم يوم عاشوراء لمن أراد صيامه، وحرَص عليه، والفضل في ذلك كبير، ينبغي ألا يُفرَّط فيه، وقد كان النبي صلى الله علي
ه

وسلم كما تقدَّم من قبلُ قد أوجب الصيام على أهل الإسلام فيه، حتى نُسِخ بصوم شهر رمضان، ولله الحمد والمنة والفضل.

ألا وصلوا وسلموا على نبي الهدى؛ فقد أمرنا الله بذلك، فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميدٌ مجيد، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفر والكافرين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم اجعَل هذا البلد آمنًا مُطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلح أئمَّتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبعِد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.

اللهم احقن دماء إخواننا في سوريا وفي اليمن، وفي غيرها من البلاد.

اللهم اجعَل لهم من فِتنتهم مخرجًا.

اللهم اكْفهم شرارهم، وَوَلِّ عليهم خيارهم.

اللهم جنِّبنا وإياهم الفتنَ؛ ما ظهر منها، وما بطن.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّوْنا صغارًا.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار.

اللهم إنا نسألك وأنت العزيز الكريم أن تغفِر لنا ذنوبنا، وما سلف من خطايانا، وأن تُعيننا على ذكرك وشكرك، وحُسن عبادتك.

سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

========================
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
الـثــبات على الديـن ووســائله
للـشيـــخ/ مـــــــــراد الــقــــــدسـي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

ملخص الخطبة :
1- أهمية الموضوع وتعلقه بالقلب. 2- الثبات هبة إلهية. 3- الثبات في الفتن. 4- الثبات على الدين. 5- وسائل تستجلب الثبات على الدين.

الخطبـــة.الأولـــى.cc
أهميـــة الموضـــوع :
~ كثرة الردة والنكوص على الأعقاب
~ كثرة الفتن والمغريات ..
والتي تؤدي بالفرد إلى الانحراف.

تعلق الموضوع بالقلب:
روى الإمام أحمد عن المقداد بن الأسود: ((لقلب ابن آدم أشد انقلاباً من القدر إذا اجتمعت غلياً)).

روى أحمد والطبراني عن أبي موسى: ((إنما سمى القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً لبطن)).

وقال الشاعر:
وما سمى الإنسان إلا لنسيه
ولا القلب إلا لأنه يتقلـــب

وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو: ((إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء)).

1- الثبات من الله:
{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء.}

{ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً.}

وجاء السؤال بطلب الثبات:قالوا {ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.}

{وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا.}

{ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.}

المواطن التي يلزم فيها الثبات:
1- الثبات على الدين:
روى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو، ثم قال رسول الله : ((اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك)).

{ ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجثتت من فوق الأرض ما لها من قرار.}

2- الثبات في الفتن:
روى مسلم وأحمد عن حذيفة: قال:قال رسول الله ((تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نُكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره الفتنة مادامت السماوات والأرض والآخر مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب هواه)).

والفـــتن أنـــواع :
1- الجاه:
{واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا.}

روى أحمد عن كعب بن مالك: قال:قال رسول الله ((ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)).

2- فتنة الزوجة والنساء:
{اعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة.}

{إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم.}

روى مسلم عن أبي سعيد: قال:قال رسول الله ((اتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة كانت في بني إسرائيل في النساء)).

وفي مسند أبي يعلى عن أبي سعيد: قال:قال رسول الله ((الولد مجبنة مبخلة محزنة)).

3- فتنة الاضطهاد والطغيان والظلم:
قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود ـ إلى قوله ـ شيء شهيد.

روى مسلم في حديث خباب: ((شكونا إلى رسول الله وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، فقلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه)).

4- فتنة الدجال:
روى ابن ماجه وغيره من حديث أبي أمامة قال:قال رسول الله ((يا أيها الناس إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله آدم أعظم من فتنة الدجال..)).

((يا عباد الله: أيها الناس فاثبتوا، فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه قبلي نبي..)).

5- فتنة المال:
ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون.

ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة.

3- الثبات في الجهاد.
{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون.}

{ يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم.}

إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان.

روى البخاري من حديث البراء بن عازب: كان النبي ينتقل التراب يوما لخندق حتى أغمر أو اغبر بطنه يقول:

والله لولا الله ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سـكينة علينـا
وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الألى قد بغوا علينـا
إذا أردوا فـتنة أبينـا

ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين.

4- الثبات على المنهج:
المنهج لغة: هو الطريق الواضح البين.

وأقصد: الثبات على منهج أهل السنة و
الجماعة، وهذا يعم العقيدة والعبادات والسلوك والأخلاق.

{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً.}

5- الثبات عند الممات:
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون.

يثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة. أ.هـ.

وسائل الثبات على دين الله:
1- استشعار عظمة الله:
وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين.

وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه.

روى البخاري من حديث أبي هريرة: قال:قال رسول الله ((يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السموات بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض)).

قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً.وفسره الترمذي في حديث أنس: ((هكذا، ووضع الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر، ثم قال: فساخ الجبل)).

وروى مسلم من حديث أبي موسى: قال:قال رسول الله ((حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)).

روى البخاري من حديث أبي هريرة: قال:قال رسول الله ((إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير)).

2- الالتزام بالدين:
ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً ولهديناهم صراطاً مستقيماً.

ومن الالتزام:
أ) الإكثار من العمل الصالح:
روى مسلم عن أبي هريرة: قال:قال رسول الله ((من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً قال أبو بكر: أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة)).

{وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض.}

{سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض.}

روى مسلم عن أنس بن مالك: قال:قال رسول الله ((قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض فقال عمير بن الحمام: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: نعم، قال: بخ بخ، قال: ما يحملك على قولك بخ بخ؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها، فأخرج ثمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل ثمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل)).

وينبغي لمن رزقه الله الطاعة الاستمرار عليها:روى مسلم عن عائشة: قالت:قال رسول الله ((أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل)).

ب) قراءة القرآن:
وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاّ ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً.

ولقراءة القرآن فوائد:
يزرع الإيمان ويزكي النفس.
يتقوى به المؤمن أمام الفتن.
يعطى المؤمن التصورات الصحيحة حول الحياة والكون ونفسه.
يرد الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام.

ج) ذكر الله:
{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً.}

يوسف قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون.
د) الالتزام بالمنهج الصحيح:فالابتعاد عنه سبب في:

أ- تحير أهل البدع:يقول الرازي:
نهايـة إقـدام العقـول عقـال
وغاية سعي العالمين ظـلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا
وحاصـل دنيانـا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

وقال الشهرستاني:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعـاً سن نـادم

والصنعاني يجيب:
لعلك أهملت الطـواف بمعهـد الرسول ومن لاقاه من كل عالم

فما جار من يهدي بهدي محمد ولست تـراه قـارعاً سـن نادم

نصائح إلى كل ملتزم بمنهج الرسول:
1- لابد من الشعور بالاصطفاء.الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
(ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)
2- أن هذا الطريق قديم عتيق
3- سيحصل الثبات بإذن الله تعالى
روى البخاري عن ابن عباس: (قال هرقل لأبي سفيان: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قال: لا، ثم قال: وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب)

هـ) ممارسة الدعوة إلى الله:
- خير وسيلة للدفاع الهجوم.
- فيها أمر بمعروف ونهي عن منكر.
- فيها أشغال النفس بالطاعة.

ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين.

و) استجماع الأخلاق المعينة:

1- الصبر:في الحديث المتفق عليه من حديث أبي سعيد: قال:قال رسول الله ((ما أ
عط

ى أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر)).

2- الاستـــقامة :
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا.

روى أحمد عن ثوبان: ((استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)).

3- محاسبة النفس:يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد.

روى أحمد عن عمر من قوله: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا).

وقال ميمون بن مهران: لا يكون العبد تقياً حتى يكون أشد محاسبة لنفسه من الشريك لشريكه.

3- تدبر قصص الأنبياء والصالحين:
وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين.

وفي ذلك ثبات إبراهيم قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين.

وعن ابن عباس: ((كان آخر قول إبراهيم حين ألقى في النار: حسبنا الله ونعم الوكيل)).

وفي ذلك ثبات موسى فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين.

وثبات سحرة فرعون فلا قطعن أيديكن وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى.فكان جوابهم لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا.

ومثله قوله: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادوهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل.

4- وصية الرجل الصالح:
الإمام أحمد ابتلي في فتنة خلق القرآن، فكان مما ثبته يومئذ وصايا بعض الصالحين له، ومن ذلك:

قول أعرابي: يا هذا ما عليك أن تقتل ها هنا وتدخل الجنة.

وقال آخر: إن كنت تحب الله فاصبر على ما أنت فيه، فإنه ما بينك وبين الجنة إلا أن تقتل.

وقال أعرابي: يا أحمد أن يقتلك الحق مت شهيداً، وإن عشت عشت حميداً.. قال أحمد: فقوي قلبي.

وقال له محمد بن نوح: أنت رجل يقتدى بك قد مدَّ الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك، فاتق الله واثبت لأمر الله.

وعندما خاف السوط قال بعض المسجونين: لا عليك يا أبا عبد الله، فما هو إلا سوطان ثم لا تدري أين يقع الباقي.

5- الالتفاف حول العناصر المثبتة:
روى ابن ماجة عن أنس: قال:قال رسول الله ((إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر)).

وقال علي بن المديني: أعز الله الدين بالصديق يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة.

وكان ابن القيم: يلجأ إلى شيخ الإسلام – رحمهما الله - عند الفتن.

6- الدعـــاء :
روى الترمذي عن أنس: ((كان رسول الله يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، فقلنا: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء)).

وفي حديث الطبراني والحاكم عن ابن عمر قال:قال رسول الله ((إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم)).

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

7- التفاعل مع الآيات الكونية:
روى الشيخان عن عائشة: ((كان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه)). وإذا قيل له: قال: ((يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذه عارض مطرنا)).

وفي مسند أحمد عن عائشة: ((أخذ.. بيدي ثم أشار إلى القمر فقال: يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الفاسق إذا وقب)).

وعن عقبة بن عامر قال: قال : ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، فإذا رأيتم منهما شيئاً فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم)).

8- قصر الأمل:
أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون.
كأن لم يلبثوا إلا ساعة من نهار.

9- الإكثار من ذكر الموت:
روى الترمذي عن ابن عمر قال:قال رسول الله ((أكثروا ذكر هادم اللذات يعني الموت)).

روى الحاكم في المستدرك عن أنس: قال:قال رسول الله ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها يرق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجراً)).

10- الخوف من سوء الخاتمة:
روى الشيخان من حديث أبي هريرة: قال:قال رسول الله ((ومن قتل نفسه بحديده فحديدته في يده يتوجا بها في بطنه.. ومن شرب سماً يتحساه.. ومن تردى من جبل فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)).

11- تذكر منازل الآخرة:
روى الحاكم في المستدرك: قال:قال رسول الله ((صبراً آل ياسر صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة)).

وفي الحديث المتفق عليه من حديث أسيد بن حضير أنه قال للأنصار: ((إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)).
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
محـــن المسلمــين وابتــلاؤهــم
مـــن أنفســــهـــم ومـــن أعـــدائــهـم
للشيخ/ فــؤاد بن يوسـف أبو ســعيــد
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــــة.الاولــــى.cc
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً *يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذنا الله وإياكم من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

عباد الله؛ نعيش في هذه الآونة وقد امتلأت الأخبار وملئت الأسماع وملئت الأبصار بما يحدث من استضعاف للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في فلسطين وفي غيرها من بورما وما شابه ذلك، هذا يا عباد الله قدر كوني للمسلمين في حال الضعف وفي حال أن المسلمون لم يعرفوا قدرهم، ولم يتوجهوا لربهم سبحانه وتعالى، فأكثروا في الأرض فسادا، تركوا الأيتام دون رعاية، والمساكين دون زكاة أو صدقات، وتركوا أمورا كثيرة، بل فعلوا ما حرم الله، فأكلوا الربا إلا من رحم الله وأكلوا المحرمات، وكل ما يجري لم يكن عن الله سبحانه وتعالى ببعيد، فهو قدره، وكلّ شيء يجري في الأرض وفي السماء بقدر الله؛ امتحانا وابتلاءً لعباد الله، قال سبحانه وتعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22]، وقال سبحانه في حقِّ الصحابة عندما أصابهم ما أصابهم في الغزوات؛ من جروح وقتل وأسر قال: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 166].

والمصائب لها أسبابٌ من فعلنا نحن البشر، قال سبحانه: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].

والابتلاء في المال والنفس، والأذى بالكلام ونحوه من اليهود والصليبيين وعموم المشركين ضدَّ المسلمين، فيا أيها المسلمون ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186].

وقال سبحانه: ﴿ ... يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾. [يونس: 23].

وقال سبحانه: ﴿ ... إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا... ﴾ [الإسراء: 7]

فمن اقتدى بالأنبياء في صبرِهم، والرسل في مصابرتهم، جاءهم نصر الله وفتحٌ قريب، قَالَ سبحانه وتَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأنعام: 34].

فقد ابتُلي نوحٌ عليه السلام، وأوذي من قومه فصبر، ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ﴾ [القمر: 10]، فانتَصَر.

وابتُلِي أيوبُ عليه السلام فصبر، فمدحه الله الوهاب، فقال سبحانه: ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ* ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 41 - 44].

وكذلك جميعُ الأنبياءِ والرسلِ عليهم الصلاة والسلام ابتلوا فصبروا، فنالوا النصرَ والتمكي
ن، والأجر َوالثواب، وأمر الله سبحانه خاتمَ أنبيائه ورسله عليه الصلاة والسلام؛ أن يقتديَ بهم، فقال سبحانه: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90]، وَقَالَ جل جلاله: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف: 35]
 
عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما: (كَانَ الْإِسْلَامُ قَلِيلًا، فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ، إِمَّا يَقْتُلُونَهُ). [1]، (وَإِمَّا يُعَذِّبُونَهُ، حَتَّى كَثُرَ الْإِسْلَامُ, فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ). [2]

وهذه سنة الله الكونية، في حالِ ضعف المسلمين يكون استضعافهم من قبل المشركين؛ بوذيين وغيرهم، فيعذِّبون النساء، والأطفال والشيوخ والأبرياء، أو يقتلونهم أو يحرقون، والله المستعان.

لكن؛ فلنتذكر قولَ المنتقم الجبار سبحانه: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [آل عمران: 178].

ولا ننسى قولَ الله جلَّ جلاله: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [الأنعام: 123].

وعذب عمار بن ياسر ووالده وأمه سمية (فَقَالَ صلى الله عليه وسلم -مسلِّيًا لهم-: "صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ")[3].

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: (كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ وَصُهَيْبٌ، وَبِلَالٌ، وَالْمِقْدَادُ، فَأَمَّا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَنَعَهُ اللهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، -كان في حمايته- وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللهُ بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ) -أَيْ: أطاعهم- (عَلَى مَا أَرَادُوا، إِلَّا بِلَالٌ رضي الله عنه، فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللهِ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ, فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ: (أَحَدٌ أَحَدٌ)[4].

ولم يسلم من القهر والتعذيب نساء المسلمين المستضعفات، ومنهن زِنِّيرة [بكسر أولها وتشديد النون المكسورة بعدها تحتانية مثناة ساكنة الروميّة...

كانت من السابقات إلى الإسلام، وممن يعذّب في اللَّه، وكان أبو جهل يعذبها، ... عن سعد بن إبراهيم، قال: كانت زنّيرة رومية، فأسلمت فذهب بصرها، -أي من شدة التعذيب- فقال المشركون: (أعمتها اللات والعزى)، فقالت: (إني كفرت باللات والعزى)، فردّ اللَّه إليها بصرها][5].

وممن تعرضت للصهر في الشمس؛ سميةُ [والدة عمار بن ياسر، كانت سابعة سبعة في الإسلام، عذّبها أبو جهل، وطعنها في قبلها، فماتت، فكانت أول شهيدة في الإسلام، ...][6].

ومن وسائل التعذيب عند المشركين؛ سقيُ العسلِ مع المنع من شرب الماء؛ وهذا ما حدث مع [أمِّ شريك رضي الله عنها، واسمها غُزَيَّةُ بنتُ جابر بن حكيم الدوسية، قال الأكثرون: هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها فلم تتزوج حتى ماتت. فعن ابن عباس قال: (وقع في قلب أم شريك الإسلام فأسلمت وهي بمكة، وكانت تحت أبي العكر الدوسي، ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرًّا فتدعوهن، وترغبهن في الإسلام، حتى ظهر أمرها لأهل مكة، فأخذوها)، وقالوا: (لولا قومك؛ لفعلنا بك وفعلنا، لكنا سنردك إليهم).

قالت: (فحملوني على بعير ليس تحتي شيء، ثم تركوني ثلاثا لا يطعموني ولا يسقوني، وكانوا إذا نزلوا منزلا أوثقوني في الشمس، واستظلوا هم منها، وحبسوني عن الطعام والشراب، فبيناهم قد نزلوا منزلا، وأوثقوني في الشمس)، وفي رواية:

(وحملوني على جمل ثقالٍ شرَّ ركابهم وأغلظَه، يطعموني الخبز بالعسل ولا يسقوني قطرة من ماء، حتى إذا انتصف النهار وسخنت الشمس، ونحن قائظون، -أي في وقت القيظ- نزلوا فضربوا أخبيتهم، وتركوني في الشمس، حتى ذهب عقلي، وسمعي وبصري، فعلوا بي ذلك ثلاثة أيام، فقالوا لي في اليوم الثالث: اتركي ما أنت عليه! قالت: فما دريت ما يقولون إلا الكلمة بعد الكلمة، فأشير بأصبعي إلى السماء بالتوحيد، قالت: فوالله إني لعلي ذلك وقد بلغني الجهد)، (إذا أنا ببرد شيء على صدري، فتناولته، فإذا هو دلو من ماء، فشربت منه قليلا، ثم نزع مني فرفع، ثم عاد فتناولته، فشربت منه ثم رفع، ثم عاد فتناولته، ثم رفع مرارا، ثم تركت فشربْتُ -منه- حتى رَوِيت، ثم أفضْتُ سائرة على جسدي وثيابي، فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء، ورأوني حسنة الهيئة، فقالوا لي: انحللتِ فأخذتِ سقاءنا فشربتِ منه؟! قلتُ: لا والله! ولكنه كان من الأمر ك
ذا

وكذا، قالوا: لئن كنتِ صادقة لدينك خير من ديننا. فلما نظروا إلى أسقيتهم وجدوها كما تركوها، فأسلموا عند ذلك، وأقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوهبت نفسها له بغير مهر...][7].

إن ما يحدث في بورما وغيرِها من بلاد الجبروت والطغيان، على المستضعفين من المؤمنين المسلمين، يشبه ما وقع من عذابٍ على المؤمنين فيما سبق في غابر الأزمان، فمن عذاباتِ نشرٍ بالمناشير، وحرقٍ للأجساد بالنيران، حوادثُ قديمةٌ متجددةٌ على المؤمنين حتى يرجعوا عن دينهم، لكنهم صبروا حتى الموت.

وهذه قصة أصحاب الأخدود، فعَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ, وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ"), -وزيره الذي يشير عليه ومستشاره الخاص، ولكنه ساحر- ("فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ, فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ, فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ, فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَةٍ") -قَالَ مَعْمَرٌ: أَحْسِبُ أَنَّ أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ كَانُوا يَوْمَئِذٍ مُسْلِمِينَ-،

("فَأَتَى الْغُلَامُ عَلَى الرَّاهِبِ, فَسَمِعَ مِنْ كَلَامِهِ, فَأَعْجَبَهُ نَحْوُهُ وَكَلَامُهُ، فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَسْأَلُ ذَلِكَ الرَّاهِبَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ, فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَخْبَرَهُ, فَقَالَ: إِنَّمَا أَعْبُدُ اللهَ, فَجَعَلَ الْغُلَامُ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ, مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ, فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ الْغُلَامِ:

("إِنَّهُ لَا يَكَادُ يَحْضُرُنِي"), -أي أن الغلام يتأخر- ("فَأَخْبَرَ الْغُلَامُ الرَّاهِبَ بِذَلِكَ, فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ:

إِذَا أَرَادَ السَّاحِرُ أَنْ يَضْرِبَكَ"), -لأنك تأخرت- ("فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي, وَإِذَا أَرَادَ أَهْلُكَ أَنْ يَضْرِبُوكَ, فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ. قَالَ:

فَبَيْنَمَا الْغُلَامُ عَلَى ذَلِكَ, إِذْ مَرَّ عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتْ النَّاسَ")، -منعتهم أن يمروا في طرقهم وفي مدينتهم- ("فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَجُوزُوا, فَقَالَ") -الغلام-:

("الْيَوْمَ أَعْلَمُ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ, أَمْ أَمْرُ السَّاحِرِ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا, فَقَالَ:

اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ، فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ. فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا, وَمَضَى النَّاسُ, فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ, فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ:

أَيْ بُنَيَّ, أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي, قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى, وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى"), -أي ستعذب- ("فَإِنْ ابْتُلِيتَ فلَا تَدُلَّ عَلَيَّ"). -وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ, وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ.

("فَسَمِعَ بِهِ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ") -ليس الساحر- ("كَانَ قَدْ عَمِيَ, فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ, فَقَالَ:

مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ, إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي, فَقَالَ:

إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا, إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ, فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ, دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ, فَآمَنَ بِاللهِ.

فَدَعَا اللهَ لَهُ فَشَفَاهُ، فَأَتَى الْمَلِكَ, فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ, فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ:

يَا فُلَانُ, مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟! فَقَالَ: رَبِّي, قَالَ: أَنَا؟!") -أي كأنه هو ردَّ عليه بصره وهو لا يدري- ("قَالَ: لَا, لَكِنْ رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ, قَالَ:

أَوَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟! قَالَ: نَعَمْ! فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ, فَجِيءَ بِالْغُلَامِ, فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ:

أَيْ بُنَيَّ, قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ؟! وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ؟! فَقَالَ:

إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا, إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ, فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ, فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ, فَقِيلَ لَهُ:

ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ, فَأَبَى, فَدَعَا بِالْمِنْشَارِ, فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأسِهِ, فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ, ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ, فَقِيلَ لَهُ:

ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ, فَأَبَى, فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأسِهِ, فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ, ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ, فَقِيلَ لَهُ:

ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ, فَأَبَى, فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ, فَقَالَ:

اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا, فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ, فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ, فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ, وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ, فَذَهَبُوا بِهِ ف
َصَ

عِدُوا بِهِ الْجَبَلَ, فَقَالَ:

اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ, فَرَجَفَ بِهِمْ الْجَبَلُ, فَسَقَطُوا, وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ, فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟! قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ, فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ, فَقَالَ:

اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ") -القرقور: السفينة العظيمة.

("فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ, فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ, وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ, فَذَهَبُوا بِهِ, فَقَالَ:

اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ, فَانْكَفَأَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا, وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ, فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟, قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ! ثُمَّ قَالَ") -الغلام- ("لِلْمَلِكِ:

إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ, فَإِنْ أَنْتَ فَعَلْتَ مَا آمُرُكَ بِهِ قَتَلْتَنِي, وَإِلَّا فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ قَتْلِي. قَالَ: وَمَا هُوَ؟! قَالَ:

تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ") -الصعيد: الأرض الواسعة المستوية.-

("وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ, ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي, ثُمَّ ضَعْ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ, ثُمَّ قُلْ:

بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلَامِ, ثُمَّ ارْمِنِي, فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي, فَجَمَعَ") -الملك- ("النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ, وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ, ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ, ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ, ثُمَّ قَالَ:

بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلَامِ, ثُمَّ رَمَاهُ, فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ") -الصُّدغ: ما بين العَين إلى شَحْمة الأذُن.

("فَوَضَعَ الْغُلَامُ يَدَهُ عَلَى مَوْضِعِ السَّهْمِ وَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ:

آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ, آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ, آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ, فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ:

أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ؟! قَدْ وَاللهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ؛ قَدْ آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ! ") -كانوا مجموعة مع الغلام، وآمنوا جميعا،-

("فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ") -أي: الطرق.- ("فَخُدَّتْ") -أَيْ: حُفِرت- ("وَأُضْرِمَتْ فِيهَا النِّيرَانُ، ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ, فَقَالَ:

مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ تَرَكْنَاهُ, وَمَنْ لَمْ يَرْجِعْ, أَلْقَيْنَاهُ فِي هَذِهِ النَّارِ, فَجَعَلَ يُلْقِيهِمْ فِي تِلْكَ الْأُخْدُودِ").

وفي رواية: (فَكَانُوا يَتَعَادَوْنَ فِيهَا وَيَتَدَافَعُونَ، حَتَّى جَاءَتْ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا تُرْضِعُهُ")، - لا زال رضيعا لم يصل إلى حد الكلام- ("فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِي النَّارِ, فَقَالَ الصَّبِيُّ:

يَا أُمَّاهْ اصْبِرِي, فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ")[8].

وهذه المرأة كادت أن ترجع عن دينها بلسانها لا بقلبها، لكن ثبتها الله بولدها الصغير، يا أماه اصبري فإنك على الحق.

ونحن نقول لأنفسنا: فلنصبر على ما آذانا أعدائنا في بلاد المشرق والمغرب، ولنتوكل على الله، ولنعمل الصالحات.

توبوا إلى الله واستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 
الخطبــــة.الثانيــــة.cc
الحمد لله حمدا كثيرا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة مهداة للعالمين كافة، أما بعد:

كيف يفعلُ الكفارُ قديما وحديثا وفي المستقبل؟ يعذبون المستضعفين من المسلمين، فما موقفنا نحن المسلمين، ماذا تعلَّمنا من ديننا؟ وماذا علمنا ربنا ورسولنا صلى الله عليه وسلم؟

أما نحن المسلمين؛ فقد أدَّبنا ربنا ونبينا ودينُنا؛ ألاّ نعذبَ الضعفاءَ من اليهود والنصارى وغيرهم، ممن يعيش بيننا كأهل الذمة، أو ما يسمى بالمواطنة، وهم مسالمون لم يؤذنا ولم يضرونا، فالاعتداء عليهم حرام لا يجوز، فَعَنْ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ: (مَرَّ هِشَامُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه عَلَى أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالشَّامِ, قَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ, وَصُبَّ عَلَى رُءُوسِهِمْ الزَّيْتُ، فَقَالَ: (مَا هَؤُلَاءِ؟!) -يعني ماذا فعلوا حتى يعذبهم هذا العذاب- قَالُوا: (بَقِيَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ الْجِزْيَةِ)، -الجِزْية: عبارة عن الْمَال الذي يُعْقَد للْكِتَابي عليه الذِّمَّة، -وهم الذين يعيشون بيننا، والجزية- وهي فِعْلة، من الجزَاء، كأنها جَزَت عن قَتْلِه، والجزية مقابل إقامتهم في الدولة الإسلامية وحمايتها لهم.

فَقَالَ -هشام بن حكيم بن حزام-: إِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ("إِنَّ اللهَ عزّ وجلّ يُعَذِّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا") -هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم إن عذبت أحدا في الدنيا، يعذبك الله يوم القيامة- -قَالَ: (وَأَمِيرُ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ عَلَى فِلَسْطِينَ-
فَدَ

خَلَ عَلَيْهِ فَحَدَّثَهُ, فَخَلَّى سَبِيلَهُمْ)[9].

ومن تأديب ديننا لنا في هذا الشأن، ما قاله رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ, أَشَدُّهُمْ عَذَابًا لِلنَّاسِ فِي الدُّنْيَا")[10].

وعذاب المسلمين وابتلاؤهم، ومحنتهم في دينهم لم تنته بعد، حتى يأتي الله النصر والفرج من عنده سبحانه، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ("أَحْصُوا لِي كَمْ يَلْفِظُ الْإِسْلَامَ مِنْ النَّاسِ"), -من هو مسلم؟ من هو موحِّد؟- (فَكَتَبْنَا لَهُ, فَوَجَدْنَاهُمْ مَا بَيْنَ السِّتِّمِائَةٍ إِلَى السَّبْعِمِائَةٍ)، فَقُلْنَا: (يَا رَسُولَ اللهِ! أَتَخَافُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ مَا بَيْنَ السِّتِّمِائَةٍ إِلَى السَّبْعِمِائَةٍ؟!) فَقَالَ: "إِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ, لَعَلَّكُمْ أَنْ تُبْتَلَوْا", قَالَ حُذَيْفَةُ: (فَابْتُلِينَا, حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لَا يُصَلِّي إِلَّا وَحْدَهُ سِرًّا وَهُوَ خَائِفٌ)[11].

فعلينا عباد الله! أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، لأنه ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].

فبحسب الذنوب تكون العقوبات، ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [يونس: 44].

اللهم صلى وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا مبتلا إلا عافيته، ولا سجينا إلا أطلقته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضا، ولنا فيه صلاح إلا أعنتنا على قضاءها ويسرتها لنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

وأقم الصلاة؛ ﴿ ... إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].


[1] (خ) (4650).
[2] (خ) (4514).
[3] (ك) (5646), (5666)، (طس) (1508), صحيح السيرة (ص 154)، وفقه السيرة (ص 103).
[4] (جة) 150, (حم) 3832, (حب) 7083, انظر صحيح السيرة (ص: 122).
[5] ذكر ذلك الإمام ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة (8/ 150- 151).
[6] الإصابة في تمييز الصحابة (8/ 190).
[7] صفة الصفوة (2/ 53).
[8] (م) 73- (3005) (ت) (3340)، (حم) (23976), وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
[9] (م) 117، 118- (2613)، (د) (3045)، (حم) (15366), وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.
[10] (حم) (16865), انظر صَحِيح الْجَامِع (998), والصحيحة (1442).
[11] (خ) 2895، (م) 235- (149), (جة) (4029), (حم) (23307).
🎤
خطبــة.جيــدة.بعنــوان.cc
سلـسلــة خطــب عن الهــجـــــــرة (2)
الهجرة وعاشوراء علاقة نصر وتفاؤل وأمل
للــشيــخ/ مــــحـــــمــــــــــــــد الــجـــــــــــرافــــي
9 مــحــــرم1439هــ 29 سبتــمــبر 2017 م
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله الذي خلق الإنسان فأتقن ما صنع وشرع الشرائع فأحكم ما شرع، سبحانه وتعالى لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فيما خلق وأبدع ألف القلوب بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وأقنع ووحد به الصفوف وجمع وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل من عبد الله وخضع وهاجر في سبيل الله فأيده الله بجنود لا ترى ولا تسمع صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا حتى انتشر دين الله وسطع وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم يحصد فيه الإنسان من الدنيا ما زرع .

أمــــا بعــــد :
فيا أيها الاخوة : المؤمنون!

أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته (ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)

*عــــباد اللــــه :
نستقبل عاما جديدا نبدأه بشهر الله المحرم وصيامه أفضل الصيام بعد صيام شهر رمضان كما أخرج مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَرْفَعُهُ قَالَ: سُئِلَ أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: "أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ".

وفيه يوم عظيم صالح هو يوم عاشوراء صامه أهل الجاهلية وصامته اليهود وصامه النبي صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه قبل فرض رمضان كما في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: (كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ رَمَضَانُ الْفَرِيضَةَ وَتُرِكَ عَاشُورَاءُ فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ).

وفي الصحيحين أيضا عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟" فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ" فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.

وكان صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيامه كما في الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ) وبين صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفر ذنوب السنة الماضية كما عند مسلم من حديث أبي قتادة –رضي الله عنه- قال: وَسُئِلَ (أي رسول الله صلى الله عليه وسلم) عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ".وعند مسلم من حديث ابن عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ" يعني مع العاشر .

إذًا فالمسلم يصوم يوم العاشر وهو السبت ويصوم يومًا قبل العاشر وهو يومنا هذا الجمعة أو يصوم يومًا بعد العاشر مع السبت الأحد وإن جمع الأيام الثلاثة كلها فحَسَنٌ.

*في يوم عاشوراء الكريم تصوم البيوت المباركة اتباعًا لسنة النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فيترقب أفراد البيت ليالي التاسع والعاشر والحادي عشر كلها أو بعضها لابتدارها بالسحور والاستعداد للصوم رغبة وطمعًا في ثواب المولى جل وعلا.

فصيامه سُنَّة وكان المسلمون يصومُونه ويُصوِّمونه صبيانهم ويعطونهم اللّعب من العِهْن تسليةً لهم عن الفِطْر في ذلك اليوم. ثبت ذلك في صحيح البخاري ومسلم في الصيام من حديث الربيِّع بنت معوِّذ - رضيَ الله عنها.

* عــــباد اللــــه :
ليس من قبيل المصادفة أن يخرج المسلم من حدث الهجرة إلى حدث عاشوراء فلا شيء في كون الله تعالى إلا وهو مخلوق بقدَر ولئن كانت تلك أيام الله فيا ترى ما حكمة أن يكون يوم عاشوراء هو المناسبة الأولى
التي تنتظر المسلم بعد خروجه من أيام الهجرة؟

* فهناك عباد الله :
علاقة بين الهجرة النبوية وبين عاشوراء اليوم الذي نجى الله موسى هو يوم الخروج من مصر الى سيناء (دار هجرة موسى ومن معه )من فرعون ونصر الله لموسى ومن معه ونجاتهم وغرق فرعون ومن معه

فالمتدبر للقرآن الكريم يجد الشبه كبيرا بين هجرة موسى وهجرة محمد صلى الله عليه وسلّم باعتبارهما يحملان ذات الحقّ الذي انزله الله تعالى على الناس . 
ولا شك بأن يوم هجرة موسى ونجاته مع قومه من ظلم فرعون هو اعظم أيام موسى في دعوته الى الله تعالى .

غير ان انحرافهم وعدم صدقهم في الانتساب الى موسى ودعوته وتحريفهم للحق جعلهم غير مستأهلين لتوفيق الله تعالى في اتخاذ هذا اليوم ..

الأمر الذي اختلف مع امتنا الاسلامية التي وفقت - في زمن الفاروق - الى اعتبار يوم الهجرة ونجاة المؤمنين من ظلم قريش واستضعافها هو يوم البداية الفارقة في انتصار الحق الذي حملوه .

لقد كانت اقامة تلك الدولة الحامية للحق والمجاهدة في سبيله على عهد نبينا محمد  بعد الهجرة بعشر سنين اي بعد فتح مكة حيث استطاعت بعد الفتح تحقيق البعد العالمي للرسالة الاسلامية فكانت بذلك خلافة الله على الارض فكانت الفترة من الهجرة الى استقرار امر دولة الدعوة لتكون عالمية بعد ذلك عشر سنين .

وأما دولة الحق بعد نجاة موسى ومن معه فلم تقم مباشرة بعد الانتقال الى ارض سيناء حيث كانت الفترة من خروج موسى الى دخول الارض المقدسة اربعين سنة .

ومن بعص صور التشابه بين معاني الهجرتين كما في الآيات القرآنية الكريمة هو معنى اليقين والثقة بوعد الله ونصر الله تعالى جاء في سياق قصة موسى الشعراء (آية:61 - 62 )﴿ فلما تراءى الجمعان قال اصحاب موسى انا لمدركون قال كلا ان معي ربي سيهدين ﴾
وجاء في سياق قصة هجرة نبينا  :
التوبة (آية:40):﴿ الا تنصروه فقد نصره الله اذ اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا ﴾

*في أمر هجرة محمد  نجد الآيات تنطق بالوضوح عن المعنى العام من قانون الهجرة الذي يعبر عنه بالاستفزاز من الارض بهدف اخراج المؤمنين منها
وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً (77) 

وفي أمر هجرة موسى من قوم فرعون وأذاه نقرأ :
فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) 

قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفره إنه هو الغفور الرحيم


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لاإله إلا هو وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد أيها الناس

* وثمَّث دروس عظيمة نتعلمها من هذه المناسبة الجليلة. ففي قوله صلى الله عليه وسلم : "لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ" درس عظيم جدا: هو وجوب مخالفة المشركين من الكفار ومن كفرة أهل الكتاب على السواء.

فيا معاشر المسلمين!
خالفوا المشركين وحافظوا على هويتكم العربية الإسلامية واحذروا تقليد الكفار في عاداتهم وعباداتهم واعتزوا بدينكم وافخروا بسنة نبيكم فوالله لن تحرزوا تقدما ولن تسودوا الأمم إلا باتباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.

فشخصيَّة صاحب الحق شخصيَّة مستقلَّة مترفِّعة عن الدنايا يأخذ الحكمةَ أنَّى وجدها ويستفيد بها وفي ذات الوقت يستقلُّ بنفسه ومنهجِه متى ما استبانَت له السَّبيل ووضحَت له المحجَّة يَنتصر بذلك على فِتن التغريب وطغيان عادات غير المسلمين عليه.

*ودرس آخر نتعلمه من قوله صلى الله عليه وسلم-: "فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ" لأن موسى ومحمدا عليهما الصلاة والسلام- نبيان كريمان دينهما واحد وطريقتهما واحدة ونهجهما واحد وكلاهما مرسل من لدن حكيم خبير فمهما طالت المدة ومهما بعدت الأزمان فنحن أولى بموسى –عليه السلام- ممن عصاه وبدل كتابه التوراة وحرف ما أرسله به مولاه. فلا حدود زمانية ولا موانع مكانية تمنع بين أهل الإسلام بعضهم البعض وإن كانوا من الأمم السابقة والقرون السالفة.

وإذا كانت هذه الأخوة الدينية والوشيجة الإيمانية بين محمد وأتباعه وموسى وأتباعه الحقيقيين فكيف بالأخوة الدينية بين أتباع محمد الأمين مع بعضهم البعض؟! لا شك أنها أولى بالمراعاة وأحرى بالموالاة.

فحري بكم معاشر المسلمين! يا من آخى بينكم الدين! حري بكم أن تتحدوا ولا تتفرقوا وتتفقوا ولا تختلفوا وتتآلفوا ولا تنافروا وتتآزروا ولا تتناطحوا وليكن اتفاقكم وتآلفكم واتحادكم على الكتاب والسنة وحب الدين وحفظ المجتمع والوطن
2024/09/24 15:24:29
Back to Top
HTML Embed Code: