Telegram Web Link
🎤
خطبـةجمعــةبعنـــوان.tt
أســـــــباب دفـــع الــعــقـــوبـــــات
للشيخ/ عبــدالعزيز بن أحمـــد الغامــدي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــــة.الأولــــى.cc
عباد الله، إنّ تدبر القرآن الكريم الذي يقود للعمل هو أعظم حكمة لنزول القرآن، وإنَّ مِن تدبر القرآنِ وتَتَبُّعَ ما ذكره الله من عقوبات وقعت على أمم مضت بسبب انحرفها عن منهج الله، سيجد أن هذه العقوبات كثيرة ومتنوعة، وقد أمرنا الله بأخذ العبرة والعظة؛ قال سبحانه: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [آل عمران:137]. أمرنا بأخذ العبرة والعظة حتى لا نقع فيما وقعوا فيه؛ فيحل علينا ما حل بهم. وذكر سبحانه الأسباب التي إذا أخذ بها الأفراد والمجتمعات والأمم رُفِعت عنهم العقوبات ودفعت.

إخوة الإيمان، إنَّ الأمة في الأزمنة المتأخِّرة تعرَّضَتْ لعقوبات ربانية - ونراها في ازدياد-، نحن نعيش مرحلة صعبة، ومن تَدَبَّرَ حالَ الأمة وحالَها مع هذه الأزمات يأخذه الخوف والعَجَب، وإن المخرج من هذه الفتن لن يكون إلا بالعمل بكتاب الله وسنة رسول الكريم صلى الله عليه وسلم ففيهما النور والهدى، ولعلنا في هذه الخطبة أن نقف مع أهم تسعة أسباب لدفع هذه العقوبات من خلال تدبر آيات كتاب الله:
السبب الأول لدفع هذه العقوبات: الإيمان بالله وبوعده، وقد وعد سبحانه أن أي أمة آمنت بالله حق الإيمان ولم تفرط بهذا الإيمان الذي هو سر قوتها ونصْرِها على أعدائها، وَعَدَها بالنجاة وقت الأزمات، فقال سبحانه: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس:103].

السبب الثاني: الإصلاحُ والدعوةُ إلى الله؛ ومحاربة الفساد؛ قال سبحانه: ﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود:116-117]، وتدبروا معي: قال الله [مصلحون] ولم يقل [صالحون]، فالمطلوب منا أيها الإخوة الكرام الصلاح والإصلاح، ولا يكفي الصلاح لدفع العقوبات بدون إصلاح، فالواجب علينا جميعا أن نسعى جهدنا في صلاح أنفسنا وإصلاح غيرنا وفق هدي قدوة الصالحين المصلحين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

السبب الثالث لدفع العقوبات: البعد عن الغفلة، وعدم الأمن من مكر الله، وعدم السير وراء اللهو والعبث، وذلك يكون بالثبات على طاعة الله؛ قال سبحانه: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف:95-99]. ويقول سبحانه مبينا أن الغفلة والنسيان سبب من أسباب العقوبة: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام:44] يقول التابعي المفسر قتادة – رحمه الله -: بغت القومَ أمرُ الله، وما أخذ الله قوماً قط إلا عند سكرتهم وغِرّتهم ونعمتهم، فلا تغتروا بالله، إنه لا يغتر إلا القوم الفاسقون.

السبب الرابع: التوبة، والاستغفار من الذنوب، والإقلاع عنها، فرادى وجماعات، والحذر الحذر من المجاهرة بما يغضب الله، فإن المعاصي نذير شؤم على الأمة كلها؛ يقول - جل وعلا -: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال:33]، قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: كان فيهم أمانان: النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار؛ فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار. والرسول صلى الله عليه وسلم لما سألته زوجه - رضي الله عنها - فقالت: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: [نعم، إذا كثر الخبث]، والخبث هو كل ما يغضب الله من المعاصي والموبقات. رواه البخاري.

السبب الخامس لدفع العقوبات: الدعاء، والتضرع، والاستغاثة بالله؛ فإن الله لا يرد من سأله: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل:62]، ويقول سبحانه: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر:60]، والله سبحانه قد بين أن سبب هلاك بعض الأمم أنها تركت التضرع واللجوء إلى إليه وقت الأزمات والحاجات، فقال سبحانه: ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَ
سَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[الأنعام:43].

السبب السادس: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ يقول - جل وعلا -: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾[الأعراف:165]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : [وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ] صحيح سنن الترمذي للألباني، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : [مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا! فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا] رواه البخاري.

إخوة الإسلام، فلنحيي هذه شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ حتى ننجو جميعا؛ نحييها في بيوتنا وأعمالنا وأسواقنا وفي حياتنا كلها، ولنقف صفاً واحداً ضد من يريد خرق سفينة مجتمعنا، ولنساند الجهات الرسمية في ذلك.

السبب السابع: رفع الظلم، ونشر العدل، وإعطاء الحقوق إلى أهلها، جاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود:102]. والأمم الماضية كانت تمارس أنواعاً من الظلم أعظمها وأخطرها الشرك بالله - عز وجل - فأهلكهم الله بظلمهم، فقال سبحانه: ﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ﴾ [الكهف:59].

اللهم عافنا؛ وتجاوز عنا، ولا تؤاخذنا بسوء أعمالنا ولا بما فعله السفهاء منا. أقول ما تسمعون، واستغفر الله...


الخطبــــة.الثانيــــة.cc
السبب الثامن لدفع العقوبات:
وحدة الصف والكلمة، وعدم التفرق والتشرذم؛ بل إن الفرقة والتنازع هي عقوبة في ذاتها، فلنكن مع بعضنا كالبنيان المرصوص، ولنعمل بوصية ربنا حيث قال: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا... ﴾ [آل عمران:103].

والله سبحانه قد نهانا عن التفرق، وبين لنا أنه منهج الضالين من الأمم، وبين أنه سبب عظيم للضعف وتسلط الأعداء، فقال سبحانه: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ.. ﴾ [الأنفال:46].

السبب التاسع: عدم الغرور والعجب، والتفاخر، والتكبر، والتعالي على الخلق؛ فإن الله سبحانه أنزل عقوبةً بأفضل الخلق بعد الأنبياء وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بسبب عجبهم بكثرتهم، فقال - جل وعلا -: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾ [التوبة:25].
وهذا قارون أهلكه الله وهو في أُبّهةِ مجده، وفي قِمّة غطرسته، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ ، إلى أن قال سبحانه: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ [القصص:76-81].

وأنزل الله سخطه بقوم عاد لأنهم اغتروا وتكبروا بقوتهم، ونسوا أن الذي أعطاهم القوة هو القوي العزيز سبحانه، فقال - جل وعلا -: ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ [فصلت:15].
وإننا - والله! - لمّا نسمع ما يتبجح به أعداء الله من اليهود والنصارى، ونرى غطرستهم وكِبرهم وخيلاءهم نقول إنها والله البشارة بقرب زوال ملكهم ومجدهم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين... اللهم قنا شر الفتن... اللهم وفقنا وأهلينا ومجتمعاتنا وبلاد المسلمين لطاعتك، وجنبنا معاصيك، واحفظنا بحفظك.
========================
🎤
خطبـةجمعــةبعنـــوان.tt
صفاتُ المنافقين في القرآن والسنة
للشيـــخ/ خــالـــد بن عـــلي الغـامـــدي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــــــــة.الأولى.cc
إن الحمد لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسنا وسيئات أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحْدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آلهِ وأصحابِه، والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدّين، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:
فاتَّقوا الله - عبادَ اللهِ -، وراقِبوه في السرِّ والعلانية؛ فإن حقيقةَ التقوَى: هي الإخلاصُ للهِ، والصدقُ معه، وخشيتُه في كل الأحوال، وإصلاحُ السرائِر والقلوبِ، فإنها محلُّ نظر الربِّ - سبحانه -.

وإن قومًا يأتُون يوم القيامة بحسناتٍ كجِبال تِهامة بِيضًا، فيجعلُها اللهُ هباءً منثُورًا؛ لأنهم كانوا إذا خلَوا بمحارِمِ الله انتهَكُوها، فجعلُوا اللهَ أهونَ الناظرين، ﴿ *وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام: 91].*

أيها المُسلمون:
قدَرُ الله على هذهِ الأمةِ المُحمدية، في هذه الأزمانِ المُتأخِّرة، أن يتكالَبَ عليها الأعداءُ من كل حدَبٍ ينسِلُون، ويتنادَوا على خيراتِها، ويتكاتَفُوا لتمزيقِها وتعويقِها وتأخير نهضَتِها.

ومن رحمةِ الله: أنه لم ترُك الأمةَ بدون بيانٍ وتحذيرٍ من هؤلاءِ الأعداء، وهَتكِ أستارِ مكرِهم وكَيدِهم، وكان من بيانِ الله - سبحانه - أن أعداءَ الأمةِ على قِسمَين، هما:

كُفَّار صُرحاء، ظاهرةٌ عدواتُهم، وبيِّنٌ كيدُهم، كما قال الله تعالى: ﴿ *إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾ [النساء: 101]،* يعني: ظاهِرين بيِّنِين في عداوتهم، وهؤلاء الكُفَّار الصُّرحاءُ لم تُعانِ الأمةُ كثيرًا من التعرُّف عليهم، واتِّقاءِ شرِّهم؛ لوُضوحِهم وظُهورِهم.

وإنما عانَتِ الأمةُ الأمَرَّين منذ عهدِ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وذاقَت العلاقِمَ المرائِر من النِّفاق وأهلِه، الذين هم أعداءُ الأمة حقًّا، المُتلوِّنون المُخادِعُون، الطاعِنون الأمةَ بخناجِرَ مسمُومةٍ في دينِها وعقيدتِها ووحدتِها، واجتِماعِ كلمتِها، المُتربِّصُون بها الدوائِر مكرًا وكيدًا، وإثارةً للفتنِ والقلاقِل.

ولا تزالُ المُعاناةُ والمكائِدُ منهم مُستمرَّةً؛ حتى يخرُجَ رأسُ النِّفاق الأكبَر المسيحُ الدجَّالُ الأعوَرُ ومن معَه من اليهود والمُنافِقين، فيُهلِكَهم الله على يدِ مسيحِ الهُدى والحقِّ عيسى ابن مريم - عليه وعلى نبيِّنا أفضلُ الصلاة والسلام -.

عبادَ الله:
لم تكُنْ هناك حاجةٌ لكَي ينشَأ النفاقُ في العهدِ المكيِّ في زمن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لوُضوحِ عداوَة الكُفَّار وصراحَتهم.

وإنما نشَأَ في أوائِلِ ما نشَأَ بعد غزوة بدرٍ الكُبرى، حينما رأى اليهود ومن في قلبِه مرضٌ أن أمرَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد توجَّه، وأن رايةَ الإسلام آخِذةٌ في الظُّهور، فخشوا على أنفسِهم، واقترَحَ طائفةٌ من اليهود على أوليائِهم خُطَّة النفاقِ هذه، كما قال الله - سبحانه -: ﴿ *وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: 72]،*فاشتعلَت شرارةُ النفاقِ الأولى، ونبَتَت نبتَتُه، فبسَقَت شجرةً يهوديَّةً خبيثةً بمكرِ وخديعة مرَضى القلوب، حتى غدَا النفاقُ موئِلَ الغادِرين الحاقِدين، ينضَوُون تحت لوائِه؛ ليُصبِحُوا شوكةً في خاصِرةِ الأمة، وأشدَّ عُدوانًا وخطرًا على عقيدةِ الأمة ومُقدَّراتها من الكُفَّار الصُّرحاء.

ولسُوء أفعالهم، وخُبث طويَّتهم، وإضمارهم الشرَّ للأمة تولَّى الله - سبحانه - بنفسِه فضحَ هذه الطائفة المُندسَّة، وبيَّن - سبحانه - خُطُورتَهم وعلاماتهم وصفاتهم، وخصائِص سُلوكيَّاتهم، وبواعِثَ تحرُّكاتهم، والمنهجَ الصحيحَ في التعامُل معهم في آياتٍ مُحكَماتٍ عظيماتٍ، كأنَّها الصواعِقُ المُحرِقةُ تهتِكُ أستارَهم.

آياتٌ حيَّةٌ نابِضةٌ لكأنَّها أُنزِلَت اليوم، من حيويَّتها وتدفُّق معانِيها، كما في صدر سُورة البقرة في ثلاث عشرة آية، وفي سُورة آل عمران، والنساء، والأنفال، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والحديد، والمجادلة، والحشر، والمُنافِقُون، وما أعظمَ بيانَ الله في سُورة التوبة التي تُسمَّى "الفاضِحة" لأحوال المُنافِقين وصفاتِهم؛ حيثُ ما زالَ الله تعالى يقولُ فيها: ومنهم، ومنهم، ومنهم، حتى ظنَّ الصحابةُ أنه لا يبقَى أحدٌ إلا ذُكِرَ فيها.

ولقد بيَّن رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بيانًا مُشرِقًا كثيرًا من صفاتهم، وملامِح شخصياتهم والتعامُل معهم، في سنُنه القولية والفعلية والعملية، وسيرته التطبيقيَّة التي تَفيضُ بها دواوينُ السنَّة النبوية، وكل ذلك - يا عباد الله - حتى يحذَر المسلمون، ويعُوا خطرَ النفاق الداهِم، وأن أهلَه هم العدوُّ حقًّا،
هم العدوُّ على الحقيقة، فاحذَرُوهم - يا عباد الله -، قاتَلَهم الله أنَّى يُؤفَكون.

أيها المسلمون:
النفاقُ الذي ذمَّه الله ورسولُه - صلى الله عليه وآله وسلم - على نوعَين، وهو في حقيقته وأصله يرجِعُ إلى اختِلاف حالة السرِّ عن حالة العلانية وتغايُرهما، فإن كان هذا الاختِلاف والتغايُر يرجِعُ سببُه إلى أن يُظهر العبدُ الإسلامَ والإيمانَ بأصول الاعتقاد، ويُبطِن الكفرَ والعقائِدَ الباطلة، فهو النفاقُ الأكبرُ الاعتقادِيُّ المُخرِجُ من الملَّة، وأهل هذا النفاق، آمَنُوا بأفواهِهم ولم تُؤمِن قلوبُهم.

ولهم علاماتٌ وصفاتٌ بيَّنها الله أتمَّ بيان، وهي تظهَرُ منهم - أعني: هذه العلامات - في لَحن القول والعمل، وإسرارهم إلى أوليائهم إذا خلَوا إليهم.

والقرآن العظيم لم يتعرَّض لذِكر أسمائهم وأعيانهم، بل كان حديثُه عنهم مُركَّزًا في بيان صِفاتهم وأفعالهم، وهذا المنهجُ القرآنيُّ الفريدُ هو أعظَمُ نفعًا، وأبقَى أثرًا، وأسلَم عاقبة؛ لأن النفاق وأهله ليسُوا مرحلةً تاريخيةً مرَّت وانتَهَت، بل هم نموذجٌ يتكرَّر في كل زمانٍ ومكانٍ.

وهؤلاء المنافقون أصنافٌ؛ فمنهم الذين يكرَهُون الإسلامَ وشعائِرَه وأهلَه، ويتحاكَمُون إلى الطاغوت، ﴿ *وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ﴾ [النور: 48].*

ومنهم الذين يُكذِّبُون الله ورسولَه تكذيبًا كلِّيًّا أو جُزئيًّا، ويُظهِرون حبَّ الإسلام ونُصرة المسلمين، وهم في الحقيقةِ في حقيقةِ أمرهم مثلُ أصحابِ مسجد الضِّرار، يُبطِنُون الكفرَ المحضَ، والغدرَ والخيانةَ والإضرارَ بالمسلمين.

ومنهم الذين يُؤذون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بالقولِ والفعلِ، ويُبغِضُونه ويسخَرُون منه، ويطعَنُون في سنَّته وهديِه، ويلمِزُون المُتمسِّكين بسنَّته ويهزَأُون منهم، خاصَّةً صحابةَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من الخلفاء الراشدين، وبقية الصحابة، وأمهات المؤمنين - رضي الله عنهم أجمعين -.

ومنهم الذين يكرَهون انتِصارَ الإسلام وأهله، ولا يَودُّون أن يُنزَّل عليكم من خيرٍ من ربكم، ولا يرقُبُون في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمَّة، ويفرَحُون ويبتَهِجُون بهزيمة المسلمين، وتسلُّط الأعداء عليهم بالقتل والدمار والتشريد، ﴿ *قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ [آل عمران: 118]،* وقد عضُّوا على المسلمين الأنامِلَ من الغيظ، وودُّوا لو تكفُرون كما كفروا فتكونون سواءً، وإن تمسَسكم حسنةٌ تسُؤهم، وإن تُصِبكم سيئةٌ يفرَحُوا بها.

ومنهم الذين يتربَّصُون بالمسلمين الدوائِر يبغُونهم الفتنةَ، ويسعَون في تخذِيل المسلمين وكسر شوكتهم، والرقصِ على جِراحهم وآلامهم، وتمزيق وحدتهم، وتفريق كلمتهم، وتخريب بُلدانهم، وحواضِرهم الكبرى.

كما يفعَلُ الباطنيُّون اليوم مُنافِقُو العصر، أحفادُ ابن العلقَمِيِّ، ومن عاوَنَهم في ذلك من أدعِيَاء الخلافة الإسلامية زُورًا وبُهتانًا، الذين ينشُرون الطائفية والنَّعرات الجاهلية، ويُحرِّضون على حُكَّام المسلمين، ويُحاوِلون إسقاطَ ولاةَ أمرهم والشعوب المسلمة في وحل الدمار والهلاك والتخريب والفوضى، كما كان المُنافِقون الأوائِل يُظهِرون الطاعةَ لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإذا برزُوا من عند النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بيَّتَ طائفةٌ منهم الشرَّ، ودبَّروا الخروجَ عن طاعةِ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وعِصيانه.

ولذلك حاوَلُوا مِرارًا قتلَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولكن الله عصَمَه منهم، وهم الذين أثَارُوا الفتنةَ على أمير المؤمنين عُثمان - رضي الله تعالى عنه -، وحرَّضُوا عليه غَوغَاء الناس ودَهماءَهم، حتى قُتل شهيدًا صابِرًا مُحتسبًا، كما وصَّاه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: «يا عثمان! إن الله مُقمِّصُك قميصًا، فإن أرادَك المنافقون على خَلعِه، فلا تخلَعه حتى تلقَاني»؛ أخرجه أحمد والترمذيُّ بسندٍ صحيحٍ.

ومنهم الذين لا يذكُرون الله إلا قليلاً، ويكرَهون قراءةَ القرآن، ووالله لنَقلُ الحجارة أهوَنُ عند المنافِقِ من مُداوَمَة قراءة القرآن، ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: 67]، ﴿ *وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [الزمر: 45].*

ومنهم الذين يأمُرون بالمنكر، وينهَون عن المعروف، ويُحبُّون أن تشِيعَ الفاحشَةُ في الذين آمنوا؛ ابتِغاءَ الفتنة والضلالة فيهم، وإذا لَقُوا الذين آمنوا قالُوا آمَنَّا، وإذا خلَوا سَلَقُوكم بألسنةٍ حِدادٍ أشحَّةً على الخير، ويقبِضُون أيديهم، ولا يُنفِقُون إلا وهم كارِهون، وإذا رأيتَهم تُعجِبك أموالهم وأولادهم وأجسادهم، وإن يقولُوا تسمَع لقولهم من فصاحَتهم وتشدُّقهم بالكلام، وهم أجبَنُ الناس وأشدُّهم خوفًا وفرَقًا، يحسَبُون كلَّ صيحةٍ عليهم، ولذلك كرِه
ُوا الجهادَ في سبيل الله، ورَضُوا بأن يكونوا مع الخوالِفِ، وطُبِع على قلوبهم فهم لا يفقَهون.

إلى غير ذلك من صفاتِ أهل النفاق الأكبر، الذين هم قال الله فيهم: ﴿ *إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [التوبة: 67]،* وقال: ﴿ *إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [النساء: 145].*

أمة الإسلام:

هذا النفاقُ الأكبرُ هو الذي كان عليه المنافقون في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، الذين نزَلَ القرآنُ بتكفيرهم وتخلِيدهم في النار، وقد كان على رأس المنافقين آنَذَاك عبدُ الله بن أُبَيٍّ، الذي حقَدَ على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما قدِمَ المدينة مُهاجرًا، وأشرَقَت المدينةُ بأنوَاره - صلى الله عليه وآله وسلم -، والْتَفَّ الناسُ حولَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وفرِحُوا به فرحًا شديدًا.

فأغاظَ ذلك ابنَ أُبَيٍّ، فأضمَرَ للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - العداوةَ أبدًا، وبدأ هو ومن معه من اليهود ومرضَى القلوب يكِيدُون للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وصحابته المكائِدَ والدسائِسَ، فكان أن خَذَلَ النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - في معركة أُحُد، وانسَحَب بثُلُث الجيش، وكشَفَ ظهرَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للمُشركين.

ثم سعَى هو ومن معه لتجميعِ الأحزابِ لمُحاصَرَة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المدينة، وكانوا على رأس المُخذِّلين والمُرجِفين ليفُتُّوا في عضُد المسلمين.

وهم الذين كانوا وراءَ حادثة الإفك الشهيرة، التي أرادُوا من ورائِها تشويهَ بيت النبوة الشريف، وإسقاط رمز الإسلام والمسلمين، إلى غير ذلك من المؤامرات والمكائِدِ، من هذه الفئة المنافقة التي غدَتْ قُدوةً سيئةً لكل من يُبطِن الكفرَ والخيانةَ والغدرَ والكيدَ للمسلمين، ﴿ *بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [النساء: 138، 139].*

بارَكَ الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفَعَنا بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ قولِي هذا، وأستغفِرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلِّ ذنبٍ، فاستغفِرُوه، إنه هو الغفورُ الرحيم.


الخطبة الثانية :
الحمدُ لله، الحمدُ لله الذي قال لنبيِّه: ﴿ *وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ﴾ [الأحزاب: 48]،* وأمَرَ عبادَه المؤمنين أن يتَّقُوا الله وأن يكونوا مع الصادِقين، وأُصلِّي وأُسلِّمُ على إمام الحُنفَاء المُخلِصين، وسيِّد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحابته الذين أخلَصُوا دينهم لله، وأنابُوا إلى ربهم، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاعلَمُوا - أيها المسلمون - أن النوعَ الثاني من النفاقِ الذي ذمَّه الله ورسولُهُ - صلى الله عليه وآله وسلم -: هو النفاقُ الأصغر نفاقُ العمل، وهو التخلُّقُ بشيءٍ من أخلاق وأعمال المنافقين، مع بقاءِ أصلِ الإسلام في القلبِ، وهو لا يُخرِجُ من الملَّة، لكن صاحِبه على خطرٍ عظيمٍ، وعلى شفَا هلَكَة؛ لظهور علامات المنافقين عليه التي تدُلُّ على اختِلاف حالة السرِّ عن حالة العلانية.

وقد قال أبو الدرداء - رضي الله عنه - عن خُشُوع النفاقِ لما سُئِل عنه: "أن ترَى الجسَدَ خاشِعًا والقلبُ ليس بخاشِعٍ".

وقال الحسنُ البصريُّ - رحمه الله -: "من النفاقِ: اختِلافُ القلب واللسان، واختِلافُ السرِّ والعلانية، واختِلافُ الدخول والخروج".

ومن علامات صاحب هذا النفاقِ: أنه يُظهِر للناس علانيةً صالحةً وتقوَى، فإذا خلاَ بنفسه، اختَلَفت حالتُه، وقَلَّ خوفه وحياؤه من ربه، ﴿ *يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء: 108].*

وهو يُرائِي الناسَ بأعماله، ويسعَى للتسميع بما يفعَل، وإذا صلَّى بين الناس جوَّدَ صلاتَه وأتقَنَها، وإذا خلاَ بنفسه فرَّط فيها ونقَرَها وأخَّرَها عن وقتها، يتخلَّفُ عن الصلوات بالمساجِدِ دائمًا بلا عُذر، وأثقَلُ الصلوات على المنافقين صلاةُ العشاء والفجر، ومن تَرَك ثلاث جُمَعٍ بلا عُذرٍ كُتِب من المنافقين، كما ثبَتَ عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -.

عباد الله:
ومن خُطورة هذا النفاقِ الأصغر: أنه سُلَّمٌ وجسرٌ إلى النفاق الأكبر، إذا استمَرَّ صاحبُه على أخلاق المنافقين، وأكثَرَ من شُعب النفاقِ ولم يدَعْها، ويُخشَى عليه أن يُسلَب الإيمان عند الموت، ويُختَم له بخاتمةٍ سيئةٍ.

كما ثبَتَ في "الصحيح": «أن الرجلَ ليعمَلُ الزمنَ الطويلَ بعمَل أهل الجنَّة، ثم يُختَم له عملُه بعملِ أهل النار».

وقد بيَّنَت الروايةُ الأُخرى في "الصحيح": أن عمَلَه بعمَلِ أهل الجنة ذاك، إنما كان فيما يبدُو للناسِ.

وهذا النفاقُ الأصغرُ - يا عباد الله - دليلٌ على ضعفِ الإيمان في
القلب، وقِلَّة تعظيمِ الله والرغبةِ في الدار الآخرة، فلذلك ترَى صاحِبَه في علاقته بالناس، إذا حدَّث كذَب، وإذا وعدَ أخلَف، وإذا خاصَمَ فَجَر، وإذا عاهَدَ غدَر، وإذا اؤتُمِن خانَ الأمانةَ، وغشَّ المسلمين، وإذا عامَلَهم داهَنَهم وعامَلَهم بوجهَين، وإن من شِرار الناس عند الله ذا الوجهَين، الذي يلقَى هؤلاء بوجهٍ وهؤلاء بوجهٍ.

وهذا دليلٌ على اختِلاف حالة سرِّه عن حالة علانيتِه، فهو مُتردِّدٌ مُتحيِّرٌ في أمره، لا تستقِرُّ شخصيَّتُه على مبدأٍ أصيلٍ، ومنهجٍ واضحٍ، بل هو مع مصالحه الشخصية، وأغراضه النفعِيَّة المادية، وحيث كانت توجَّهَت إليها ركائِبُه، كما وصَفَه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وصفًا دقيقًا بقولِه: «مَثَلُ المنافقِ كمثلِ الشَّاةِ العائرةِ بين الغنمَيْن - يعني: المُتردِّدة والحائِرة - تعِيرُ إلى هذه مرَّةً، وإلى هذه مرَّةً، لا تدري أيَّهما تَتْبَعُ»؛ أخرجه أحمد ومسلم.

ومن علاماته: أنه يدعُو بدعوَى الجاهلية، ويُفارِق الجماعة، وينزِع يدًا من طاعة، ويستخِفُّ بولاةِ الأمر والعلماءِ والمصلحين.

كما قال عمَّارٌ وجابِرٌ - رضي الله عنهما -: "ثلاثةٌ لا يستخِفُّ بحقِّهن إلا مُنافقٌ بيِّنٌ نفاقُه: الإمامُ المُقسِط، ومُعلِّم الخير، وذو الشَّيبَة في الإسلام".

وترَى صاحِبَ هذا النفاق يتشبَّعُ بما لم يُعطَ كلابِسٍ ثوبَيْ زُور، ويُحبُّ أن يُحمَد بما لم يفعَل، ويُكثِر من اللَّعن والسبِّ والفُحش في منطِقِه، وإن البذاءَ والبيانَ شُعبَتَان من النفاق، كما ثبَتَ عند الإمام أحمد في "مسنده".

ونُشُوزُ المرأة على زوجها بغير حقٍّ، وطلبها الخُلْع منه بدون عُذر، وتبرُّجُ المرأة وسُفُورُها، وخَلعُها الحياء والحِشمَة والعفاف من خِصالِ النفاقِ، كما ثبَتَ ذلك عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.

أيها المسلمون:
هذا النفاقُ الأصغرُ العمليُّ هو الذي كان الصحابةُ والسلفُ يخافُون منه ويُحاسِبون أنفسَهم؛ لئلا يقَعُوا في خصلةٍ من خِصاله، فقد امتَلأت قلوبُهم بتعظيمِ الله - سبحانه -، والإخلاص له، والصدقِ معه ومُراقبَته، وعلِمُوا أن النفاقَ أساسُ بنائِه على الكذِبِ والخِداعِ والتلوُّن، فلذلك عمَرُوا بواطِنَهم بالخيرات، وأصلَحُوا سرائِرَهم، وحرصوا على لُزُوم جماعة المسلمين وإمامهم، والنُّصح لكل مسلمٍ؛ فإن ذلك يُصفِّي القلوب، ويُطهِّرها من الدَّغَل والغشِّ.

وأكثَرُوا من نوافِل السرِّ التي هي أحبُّ إليهم من نوافِلِ العلانية، وداوَمُوا على تلاوة القرآن وذِكرِ الله، وحرصُوا على إدارك تكبيرةِ الإحرام التي من حافَظَ عليها كُتبَت له براءَتَان من النفاقِ ومن النارِ.

وكتَمُوا حسناتهم، وأخفَوا أعمالهم، واستَوَى عندهم مَدحُ الناس وذمُّهم، والْتَمَسُوا رضَا الله ولو سخِطَ الناس، وكانت لهم خبيئَاتُ الأعمال، فلذلك صلَُحت قلوبهم، وخلُصَت من الرياء والسمعة، وطهُرَت من النفاق، وأصلَحَ الله لهم علانيَتَهم وأغيرَتهم، وكفاهم أمرَ دينهم.

يقول ابنُ الجوزيِّ - رحمه الله -: "من أصلَحَ سريرَتَه فاحَ عبيرُ فضلِه، وعبَقَت القلوب بنشر طِيبه. فاللهَ اللهَ في إصلاحِ السرائِر، فإنه ما ينفَعُ مع فسادِها صلاحُ الظاهِر".

أيها المسلمون:

إن إخوانَنا في سوريا، وخاصَّةً في حلَب، يتعرَّضُون لأبشَع العُدوان والظُّلم وسفك الدماء، وتسلُّط الأعداء من الباطنية والخوارج وغيرهم، وإن من علامات المؤمن الصادق: أنه يحزَنُ لمُصاب إخوانه، ويهتمُّ بأمرِهم، ويسعَى لإغاثَتِهم.

ومن هنا أمَرَ خادمُ الحرمين الشريفين - وفَّقه الله وأيَّده - بإقامة حملةٍ شعبيةٍ لإغاثة إخوانِنا في سوريا والوقوفِ معهم وإسعافهم، وإننا لنحُثُّ المسلمين جميعًا على المشاركة الفاعِلَة في هذه الحملة، ومُساعَدة أهلنا في سوريا، والوقوف معهم في كَربهم، وإدخال السُّرور على قلوبهم، والله في عَون العبدِ ما دام العبدُ في عَون إخوانه.

ثم صلُّوا وسلِّموا على سيِّد البشرية وهادِيها وسراجِها المنير، فإن الله - عزَّ وجل - قد أمَرَنا بالصلاةِ والسلامِ عليه؛ حيث قال في مُحكَم تنزيله: ﴿ *إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].*

وثبتَ عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «من صلَّى عليَّ واحدةً، صلَّى الله عليه بها عشرًا».

فاللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وأنعِم على عبدك ورسولك نبيِّنا وحبيبِنا وسيِّدنا وقُدوتنا محمدٍ، وعلى آلهِ وأزواجه، وصحابتِه الكرامِ، وخُصَّ منهم: أبا بكرٍ الصدِّيقَ، وعُمرَ الفاروقَ، وعُثمانَ ذا النُّورَين، وعليًّا أبا الحسنَين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين.

اللهم انصُر إخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم انصُر إخواننا في فلسطين، اللهم انصُر إخواننا في الشام، اللهم انصُر إخواننا في سوريا، اللهم انصُر إخواننا في العراق وفي اليمن، اللهم انصُرهم نص
رًا مُؤزَّرًا، وكُن معهم ولا تكُن عليهم، وانصُرهم ولا تنصُر عليهم بقوَّتك يا قويُّ يا عزيز.

اللهم انصُر إخواننا المجاهدين المرابطين على الحدود، اللهم انصُر إخواننا المجاهدين المرابطين على الحدود، اللهم انصُرهم نصرًا مُؤزَّرًا، وأعِنهم بقوَّتك يا قويُّ يا عزيز.

اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّه وترضَاه، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّه وترضَاه، اللهم وفِّقه ونائبَيه لما فيه صلاحُ البلاد والعباد، واجعَلهم مفاتيحَ للخيرِ مغاليقَ للشرِّ برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.

اللهم اغفِر لنا ولوالِدِينا، اللهم اغفِر لنا ولوالِدِينا ولجميع المسلمين، برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.

اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافِنا واعفُ عنَّا، وارزُقنا واجبُرنا، وارفَعنا ولا تضَعنا، وأكرِمنا ولا تُهنَّا، وأعِنَّا ولا تُعِنْ علينا، وانصُر ولا تنصُر علينا، اللهم انصُرنا على من ظلَمَنا، اللهم انصُرنا على من بغَى علينا، اللهم انصُرنا على من عادانا، ولا تُشمِت بنا عدُوًّا ولا حاسِدًا برحمتِك يا أرحم الراحمين.

وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على نبيِّنا
محمدٍ، وعلى آله وأصحابِه أجمعين.
======================
🎤
خطبـةجمعــةبعنـــوان.tt
مكارم الأخلاق في الرسالة المحمدية
للشيـــــــخ/ احــــمــــــــــد ابـــو عــيـــــــــد
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

عناصر الخطبة:
1- تعريف الأخلاق.
2- دعوة الإسلام إلى حسن الخلق.
3- أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
4- صور من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
5- وسائل لتحصيل حسن الخلق.
6- عاقبة سوء الخلق.

الموضوع
أولاً: تعريف الأخلاق:
1- تعريف الأخلاق لغة:
الخُلُق في لغة العرب: هو الطَّبْع والسجيَّة، وقيل: المروءة والدِّين، قال العلامة ابن فارس: "الخاء واللام والقاف أصلان: أحدهما تقدير الشيء، والآخر ملامسة الشيء.

ومن ذلك: الخُلُق وهي السجية؛ لأن صاحبه قد قُدِّر عليه.

وقال الفيروز آبادي: "الخُلق: بالضمِّ، وبضمتين: السجية والطَّبع، والمروءة والدين.

وقال ابن منظور: "الخُلُق: الخليقة؛ أعني: الطبيعة، وفي التنزيل: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، والجمع: أخلاق، لا يُكسَّر على غير ذلك.

والخُلْق والخُلُق: السَّجيَّة - يقال: خالِصِ المؤمن وخالِقِ الفاجر، وفي الحديث: ((ليس في الميزان أثقل من حُسْن الخلق)).

والخُلُق: بضم اللام وسكونها، وهو الدين والطبع والسجية، وحقيقته أنه لصورة الإنسان الباطنة، وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصَّة بها، بمنزلة الخَلْق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها، ولهما أوصاف حسنة وقبيحة، والثواب والعقاب يتعلَّقان بأوصاف الصورة الباطنة أكثرَ مما يتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة؛ ولهذا تكرَّرت الأحاديث في مَدْح حُسْن الخُلُق في غير موضِعٍ".

وفي التفريق بين الخَلْق (بفتح الخاء) والخُلق (بضمها)، قال العلامة الراغب الأصفهاني: "والخَلْق والخُلْق في الأصل واحد كالشَّرب والشُّرب، والصَّرم والصُّرم، لكن خُصَّ الخَلْق بالهيئات والأشكال والصور المُدرَكة بالبصر، وخُصَّ الخُلْق بالقوى والسجايا المُدرَكة بالبصيرة".

قال القرطبي: "وحقيقة الخُلُق في اللغة هو ما يأخذ الإنسانُ به نفسه من الأدب يُسمَّى خُلُقًا؛ لأنه يسير كالخِلْقة فيه، وأما ما طُبِع عليه من الأدب فهو الخِيم (بالكسر): السَّجيَّة والطبيعة، لا واحد له من لفظه، فيكون الخُلُق الطَّبع المتكلَّف، والخِيم: الطبع الغريزي.

2- الأخلاق شرعا
وحُسْن الخُلُق هو التخلق بأخلاق الشريعة، والتأدب بآداب الله التي أدَّب بها عبادَه في كتابه، قال ابن رسلان: "الخُلُق عبارة عن أوصاف الإنسان التي يُعامِل بها غيره".

وهذه المعاني في حقيقتها لا تُخالِف الوضعَ اللُّغوي لكلمة الخُلُق، وإن صُبِغت بمعنى شرعي حين يعبِّر حُسْن الخُلُق عن الالتزام بالآداب الشرعية الصادرة عن الأحكام القرآنية والتعاليم النبوية خاصة.

3- الأخلاق في الاصطلاح:
فمن العام ما ذكره الغزالي حين عرَّف الخُلُقَ بقوله: "الخُلُق عبارة عن هيئة في النفس راسخة، عنها تَصدُر الأفعال بسهولة ويُسرٍ من غير حاجة إلى فِكْر ورويَّة".

فالأخلاق هيئة ثابتة راسخة مُستقِرة في نفْس الإنسان غير عارضة طارئة، فهي تُمثِّل عادة لصاحبها تتكرَّر كلما حانت فرصتها.

والخُلُق في اصطلاح الحكماء: مَلَكة؛ أي: كيفية راسخة في النفس؛ أي: متمكِّنة في الفِكْر، تَصدُر بها عن النفس أفعالُ صاحبها بدون تأمُّل.

أما الإطلاق الأخص لكلمة الخُلُق في الاصطلاح، فيُطلَق على التمسُّك بأحكام الشرع وآدابه فعلاً وتركًا.

ثانياً: دعوة الإسلام إلى حسن الخلق:
1- مجمل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم تدعو إلي حسن الخلق:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ".

وقد وقف العلماء عند هذا الحديث قائلين: لماذا حصر النبي بعثته في مكارم الأخلاق مع أنه بعث بالتوحيد والعبادات وهي أرفع منزلة وأهم من الأخلاق؟!!
والجواب: أن التوحيد والعبادات شرعت من أجل ترسيخ مكارم الأخلاق بين أفراد المجتمع، فالغاية والحكمة الجليلة من تشريع العبادات هي غرس الأخلاق الفاضة وتهذيب النفوس؛ كما هو معلوم في الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها.

2- الأخلاق الحسنة هي شِعار المؤمنين، وحِليَة المحسِنين:
وعَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ؟ فَقَالَ: الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ " مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم " خياركم أحاسنكم أخلاقًا " متفق عليه.

ومن ثم فما من شئ أثقل في ميزان العبد من حسن أخلاقه ورقي سلوكه، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ " (صحيح الترمذي)

3- سبب لدخول الجنة في الآخرة:
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ" السلسلة الصحيحة.

وقال صلى الله عليه وسلم " إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَحْسُنُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ الْجَنَّةَ، وَيَسُوءُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ سُوءُ خُلُقِهِ النَّارَ" شعب الإيمان للبيهقي.

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟! عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ" [ السلسلة الصحيحة – الألباني ].

4- أقرب الناس مجلسا من رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا) رواه الترمذي.

5- أثقل شئ في ميزان المؤمن يوم القيامة:
وعَنْ أَبِي الدرداء - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " مَا مِنْ شَيْءٍ فِي اَلْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ اَلْخُلُقِ" ( أَبُو دَاوُدَ).

6- العبادات التي أمر الله بها تدعوا إلي حسن الخلق:
أ- الصلاة:
قال تعالى ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].

ب- الصيام:
قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

"الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ " (البخاري ومسلم).

ج- الحج:
قال تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197].

د- الصدقات:
قال تعالى ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103].

7- الدعوة إلي الله بالأخلاق الحسنة:
قال تعالى ﴿ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾.

قال تعالى ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

8- دليل علي كمال الإيمان:
قال صلى الله عليه وسلم " أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا" - سنن أبى داود – صحيح الالبانى.

قال الفيروز آبادي - رحمه الله تعالى -: اعلم أن الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق؛ زاد عليك في الدين.

قال صلى الله عليه وسلم " لا يَزني الزَّاني حِينَ يَزني وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَشرَبُ الخَمرَ حِينَ يَشرَبُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَسرِقُ حِينَ يَسرِقُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَنتَهِبُ نُهبَةً يَرفَعُ النَّاسُ إِلَيهِ فِيهَا أَبصَارَهُم حِينَ يَنتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤمِنٌ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " وَاللهِ لا يُؤمِنُ، وَاللهِ لا يُؤمِنُ، وَاللهِ لا يُؤمِنُ " قِيلَ: مَن يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " الَّذِي لا يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" متفق عليه.

وسئل صلى الله عليه وسلم: أيكذب المؤمن؟ قال: (لا) ثم تلا قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [النحل: 105].

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم " ثَلاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَحَجَّ وَاعتَمَرَ وَقَالَ إنِّي مُسلِمٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخلَفَ، وَإِذَا اؤتُمِنَ خَانَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ.

المسلمون الأخيار
9- الكلمة الطيبة:
قال تعالى ﴿ وقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾ [البقرة: 83].

وقال تعالى ﴿ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِ
يَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً ﴾ [الإسراء: 53].

وعن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ؛ ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، ثَلاَثًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ " البخاري.

10- أساس اختيار الزوجة:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ".

11- في البيع والشراء:
قال تبارك وتعالى: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾ [المطففين: 1-3].

و يحث على السماحة واللين في البيع والشراء، كما قال صلى الله عليه وسلم " رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا، إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى " البخاري.

و يحذر من أكل أموال الناس بالباطل، ومن الغش، والتدليس.

قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ﴾ [النساء: 29].

و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: " مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ "، قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ، فَلَيْسَ مِنِّي " رواه مسلم.

12- حث الإسلام على طيب النفس وحسن سلوكها وعدم إيذاء الناس بقول أو فعل:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 11-12].

و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لَيسَ المُؤمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الفَاحِشِ وَلا البَذِيءِ " أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

13- رد الإساءة بالحسنى:
قال تعالى -: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34].

﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾؛ لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذا يا جبريل؟" قال: إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك."( تفسير ابن كثير).

ولذلك ضرب بالأحنف بن قيس المثل في الحلم والصفح، فقيل له: كيف وصلت إلى هذه المنزلة؟ فقال: ما آذاني أحد إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث: إن كان فوقي عرفت له فضله، وإن كان مثلي تفضّلت عليه، وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه.

14- الأخلاق هي المؤشِّر على استمرار أمَّة ما أو انهيارها:
فالأمة التي تنهار أخلاقُها يوشك أن ينهارَ كيانُها، قال تعالى -: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء: 16].

يقول الشاعر:
إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ثالثاً: أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد شاء الله تبارك وتعالى بحكمته وفضله أن يختار نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم من بين البشر كلهم أجمعين، ويصطفيه، ويخصه من الخصائص، بما لم يخص به أحداً من العالمين.

حتى كان صلى الله عليه وآله وسلم قدوةً للناس - كلهم أجمعين - في كل شيء قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾ [الأحزاب:21].

فإنك إن نظرت إلى رسول الله صَلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً؛ وجدته المقدم
على أنبياء الله تعالى، ورسله فهو سيدهم وأفضلهم وخاتمهم.

وإن نظرت إليه معلماً وجدته أفضل المعلمين، وإذا نظرت إليه خطيباً، وجدته المتحدث، الذي يصل قوله إلى كل قلب.
وإن نظرت إليه زوجاً وجدته خير الأزواج لأهله
وإن نظرت إليه أباً، وجدته خير الآباء، وأحسنهم تعليماً،
وإن نظرت إليه مقاتلاً، وجدته المقاتل الشجاع
وإن نظرت إليه كصاحب خلق وجدته متربع على عرش الأخلاق بأسرها.

قال ربنا ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾.
وتأمل معي كيف خاطبه الله عز وجل
لم يقل له وإنك لذو خلق عظيم
ولم يقل له وإنك لصاحب خلق عظيم
لم يقل له وإن أخلاقك عظيمة.

لم يقل ربنا له ذلك وإنما قال له ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ خاطبه بحرف (على) الذي يفيد الاستعلاء فكأنه صلى الله عليه وسلم متربع على عرش الأخلاق بأسرها.
فالأخلاق إذا ذكرت كان رسول الله عنوانها
والأخلاق إذا ذكرت كان رسول الله أستاذها
والأخلاق إذا ذكرت كان رسول الله سيدها
يا سيد السادات يا من قدره لا تستطيع له الورى إدراك
ماذا يقول الناس فيك وربهم بأتم تربية له رباك
حلاك بالخلق العظيم وفضله الفضل العظيم عليك ما أعلاك
آواك من يتم وأعطاك الغنى ولدينه الدين القويم هداك
شكرا لك اللهم أنت كفلته نعم الكفيل تقدست أسماك
بماذا أصفك وكل الوصف في حقك قليل
بالصدق أم بالأمانة أم بكونك جـميلا
بالكرم أم بالخلق الرفيع أم بالنسب الأصـيل
أم أصفك بالحبيب أم بالمصطفى أم بالخليل
أم أصف شوق المحبين لرؤياك وكيف الدموع لذكراك تسيل
تعددت صفاتك يا سيدي فلا وسـيلة لعدها ولا سبيل
قد عدت لدرب الله تائبا فعسى أن يكون حبي لك هو الدليل
رباه قد ملأ قلبي بحبك وحب نبيك فهل تقبل قلبي الذليـل؟

1- مدحه الله في خلقه:
قال تعالى ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].

2- خلقه القرآن:
و لما سئلت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها عن أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم من سعيد بن هشام بن عامر حين قدم المدينة، قَالَت له: أَلَستَ تَقرَأُ القُرآنَ؟
قُال: بَلَى، قَالَت: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ القُرآنَ.

3- وصف الصحابة لخلقه:
ثبت في الصحيحين عن أنس قال: خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما قال لي: " أف " قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلته؟ وكان - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقا، ولا مسست خزا، ولا حريرا، ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

4- أكثر الناس حياءً:
كان أكثر الناس حياء فعن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ" (متفق عليه).

5- أثر أمته بدعوته المستجابة:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ". مسلم.

رابعاً: صور من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم:
1- مع الجاهلين:
فعن أَبى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ ".

2- مع المذنبين:
و عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، فَزَجَرُوهُ، قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: " ادْنُهْ "، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ: " أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ "، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ "، قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ "، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ "، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ، قَال: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ "، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ "، قَالَ: لَا وَاللَّهِ،
جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ "، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.

3- حلمه صلى الله عليه وسلم:
أ- فقد كان يسبق حلمه غضبه
فهذا زيد بن سعنه وقد كان حبراً من أحبار اليهود، ويعرف أوصاف النبي عليه الصلاة والسلام كما قال الله جل وعلا: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:146].

يقول زيد بن سعنه: ( والله ما من شيء من علامات النبوة إلا وقد رأيته في محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أنني لم أعرف من العلامات علامتين: الأولى: يسبق حلمه جهله، والثانية: لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً ) يعني: حلمه أسبق، ولو جهل عليه ازداد بهذه الجهالة حلماً.

قال: ( فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الحجرات، ومعه علي بن أبي طالب، فاستوقفه رجل، فقال: يا رسول الله! إن قومي من بني فلان في قرية كذا قد دخلوا الإسلام، وقد وقع بهم شدة، وكنت قد وعدتهم إن دخلوا في الإسلام أن يأتيهم رزقهم رغداً، وأخشى اليوم أن يخرجوا من الإسلام طمعاً كما دخلوا في الإسلام طمعاً، فإن رأيت أن تغيثهم بشيء من المال فعلت، وجزاك الله خيراً، فالتفت النبي عليه الصلاة والسلام إلى علي وكأنه يريد أن يسأله عن مال، فقال علي: والله ما بقي منه شيء يا رسول الله.
قال زيد بن سعنه: فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأعطيته ثمانين مثقالاً من الذهب على أن يعطيني بها تمراً إلى أجل معلوم
ودفع النبي صلى الله عليه وسلم الذهب كله إلى هذا الرجل، وقال: أغث به قومك، وانطلق.

ب- خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً يصلي على جنازة، ومعه أبو بكر و عمر و عثمان، فجلس إلى جوار جدار في المدينة من شدة الحر، قال زيد بن سعنه: فانطلقت إليه وأنا مغضب، وأخذت النبي من مجامع ثوبه، وقلت له: أدِ ما عليك من حق يا محمد، فوالله ما علمتكم يا بني عبد المطلب إلا مطلاً يعني: في سداد الحق، فانقض عمر رضوان الله عليه، وقال: يا عدو الله! تقول هذا لرسول الله، وتفعل به ما أرى؟! والله لولا أني أخشى غضبه لضربت رأسك بسيفي هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر ! والله لقد كان من الواجب عليك أن تأمرني بأداء الحق، وأن تأمره بحسن الطلب، خذه يا عمر فأعطه حقه، وزده عشرين صاعاً من تمرٍ جزاء ما روعته، فأخذه عمر رضوان الله عليه فأعطاه حقه وزاده عشرين صاعاً من تمر؛ فقال له زيد بن سعنه: ما هذه الزيادة؟ قال: أمرني رسول الله أن أدفعها لك جزاء ما روعتك، قال له: ألا تعرفني يا عمر؟ قال: لا أعرفك، قال: أنا زيد بن سعنه، قال: حبر اليهود؟ قال: نعم، قال: وما الذي حملك أن تفعل برسول الله ما فعلت، وأن تقول له ما قلت؟ قال: يا عمر لقد نظرت في علامات النبوة؛ فوجدت كل العلامات فيه، لكنني أردت أن أختبر فيه هاتين العلامتين: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهالة عليه إلا حلماً، وهاأنذا قد جربتهما اليوم فيه؛ فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتصدق بشطر ماله للفقراء والمساكين، وجاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد معه معظم الغزوات، وقتل شهيداً مقبلاً غير مدبر في غزوة تبوك).

4- مع الذين أذوه وأخرجوه من أرضه:
فيقول لهم: "مَا تَرَوْنَ أَنِّى صَانِعٌ بِكُمْ؟". قَالُوا: خَيْرًا أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ: " اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ".

5- غير المسلمين:
وعن أنس: كنت أمشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برده غليظة الحاشية، فأدركه أعرابيًا فجذبه جذبه شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله، و قد أثرت به حاشية البردة من شده جذبته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك! فإن المال ليس بمالك ولا بما أبيك فألتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضحك، وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم أغناما كثيرة وقال له هل رضيت قال: لا.

فأعطاه الثانية وقال هل رضيت قال: لا.

فأعطاه الثالثة وقال هل رضيت فقال الأعرابي: أشهد أن هذه أخلاق الأنبياء وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.

وساق الأعرابي أغنامًا كثيرةً بين جبلين، ورجع إلى قومه يقول لهم: جئتكم من عند خير الناس، أسلموا؛ فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبدًا.

فقد قال تعالى ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].

و قال صلى الله عليه وسلم " مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا "
البخاري.

وقال صلى الله عليه وسلم " أَيُّمَا رَجُلٍ أَمِنَ رَجُلا عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا " صحيح بن حبان.

6- مع الحيوانات:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ؛ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ.فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟! قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ"(البخاري).

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ" (متفق عليه).

خامساً: وسائل لتحصيل حسن الخلق:
1- الدعاء بحسن الخلق:
كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بذلك.:" وأهدني لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ؛ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ " (الترمذي)، كذلك كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ من سوء الخلق فكان يقول: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ ". ( أبو داود والنسائي).

2- التفكر في ثواب حسن الخلق وما أعده الله من النعيم
3- قبول النصيحة من الغير مهما كان.
4- الاستماع والانتفاع بكلام الأعداء والخصوم.
5- مصاحبة أهل الفضل والمروءة.
6- النظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والتأمل في مواقفه الرائعة.
7- مجانبة السفهاء والبطالين.
8- التأمل والتعرف على ما تحمله النفس من أخلاق سيئة وعادات قبيحة.
9- تمرين النفس على فعل الأخلاق الحسنة بالتطبيق العملي.
10- مجاهدة النفس واستفراغ الوسع على ترك الأخلاق السيئة.

سادساً: عاقبة سوء الخلق:
1- فساد العمل:
قال صلى الله عليه وسلم "وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ يُفْسِدُ الْعَمَلَ، كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ". السلسلة الصحيحة للألباني.

2- ضياع الحسنات والدرجات:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ".

3- البعد عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة:
وعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: الْمُتَكَبِّرُونَ" [ السلسلة الصحيحة – الألباني ].

4- دخول النار:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا. قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا. قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ" (صحيح الترغيب والترهيب).

5- دخول الشيطان:
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: "يْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَعَ رَجُلٌ بِأَبِي بَكْرٍ فَآذَاهُ فَصَمَتَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ؛ ثُمَّ آذَاهُ الثَّانِيَةَ فَصَمَتَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ؛ ثُمَّ آذَاهُ الثَّالِثَةَ فَانْتَصَرَ مِ
نْهُ أَبُو بَكْرٍ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ حِينَ انْتَصَرَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَوَجَدْتَ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَزَلَ مَلَكٌ مِنْ السَّمَاءِ يُكَذِّبُهُ بِمَا قَالَ لَكَ فَلَمَّا انْتَصَرْتَ وَقَعَ الشَّيْطَانُ فَلَمْ أَكُنْ لِأَجْلِسَ إِذْ وَقَعَ الشَّيْطَانُ" (الصحيحة للألباني).

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد
مكارم الأخلاق في الرسالة المحمدية

عناصر الخطبة:
1- تعريف الأخلاق.
2- دعوة الإسلام إلى حسن الخلق.
3- أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
4- صور من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
5- وسائل لتحصيل حسن الخلق.
6- عاقبة سوء الخلق.

الموضوع
أولاً: تعريف الأخلاق:
1- تعريف الأخلاق لغة:
الخُلُق في لغة العرب: هو الطَّبْع والسجيَّة، وقيل: المروءة والدِّين، قال العلامة ابن فارس: "الخاء واللام والقاف أصلان: أحدهما تقدير الشيء، والآخر ملامسة الشيء.

ومن ذلك: الخُلُق وهي السجية؛ لأن صاحبه قد قُدِّر عليه.

وقال الفيروز آبادي: "الخُلق: بالضمِّ، وبضمتين: السجية والطَّبع، والمروءة والدين.

وقال ابن منظور: "الخُلُق: الخليقة؛ أعني: الطبيعة، وفي التنزيل: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، والجمع: أخلاق، لا يُكسَّر على غير ذلك.

والخُلْق والخُلُق: السَّجيَّة - يقال: خالِصِ المؤمن وخالِقِ الفاجر، وفي الحديث: ((ليس في الميزان أثقل من حُسْن الخلق)).

والخُلُق: بضم اللام وسكونها، وهو الدين والطبع والسجية، وحقيقته أنه لصورة الإنسان الباطنة، وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصَّة بها، بمنزلة الخَلْق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها، ولهما أوصاف حسنة وقبيحة، والثواب والعقاب يتعلَّقان بأوصاف الصورة الباطنة أكثرَ مما يتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة؛ ولهذا تكرَّرت الأحاديث في مَدْح حُسْن الخُلُق في غير موضِعٍ".

وفي التفريق بين الخَلْق (بفتح الخاء) والخُلق (بضمها)، قال العلامة الراغب الأصفهاني: "والخَلْق والخُلْق في الأصل واحد كالشَّرب والشُّرب، والصَّرم والصُّرم، لكن خُصَّ الخَلْق بالهيئات والأشكال والصور المُدرَكة بالبصر، وخُصَّ الخُلْق بالقوى والسجايا المُدرَكة بالبصيرة".

قال القرطبي: "وحقيقة الخُلُق في اللغة هو ما يأخذ الإنسانُ به نفسه من الأدب يُسمَّى خُلُقًا؛ لأنه يسير كالخِلْقة فيه، وأما ما طُبِع عليه من الأدب فهو الخِيم (بالكسر): السَّجيَّة والطبيعة، لا واحد له من لفظه، فيكون الخُلُق الطَّبع المتكلَّف، والخِيم: الطبع الغريزي.

2- الأخلاق شرعا
وحُسْن الخُلُق هو التخلق بأخلاق الشريعة، والتأدب بآداب الله التي أدَّب بها عبادَه في كتابه، قال ابن رسلان: "الخُلُق عبارة عن أوصاف الإنسان التي يُعامِل بها غيره".

وهذه المعاني في حقيقتها لا تُخالِف الوضعَ اللُّغوي لكلمة الخُلُق، وإن صُبِغت بمعنى شرعي حين يعبِّر حُسْن الخُلُق عن الالتزام بالآداب الشرعية الصادرة عن الأحكام القرآنية والتعاليم النبوية خاصة.

3- الأخلاق في الاصطلاح:
فمن العام ما ذكره الغزالي حين عرَّف الخُلُقَ بقوله: "الخُلُق عبارة عن هيئة في النفس راسخة، عنها تَصدُر الأفعال بسهولة ويُسرٍ من غير حاجة إلى فِكْر ورويَّة".

فالأخلاق هيئة ثابتة راسخة مُستقِرة في نفْس الإنسان غير عارضة طارئة، فهي تُمثِّل عادة لصاحبها تتكرَّر كلما حانت فرصتها.

والخُلُق في اصطلاح الحكماء: مَلَكة؛ أي: كيفية راسخة في النفس؛ أي: متمكِّنة في الفِكْر، تَصدُر بها عن النفس أفعالُ صاحبها بدون تأمُّل.

أما الإطلاق الأخص لكلمة الخُلُق في الاصطلاح، فيُطلَق على التمسُّك بأحكام الشرع وآدابه فعلاً وتركًا.

ثانياً: دعوة الإسلام إلى حسن الخلق:
1- مجمل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم تدعو إلي حسن الخلق:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ".

وقد وقف العلماء عند هذا الحديث قائلين: لماذا حصر النبي بعثته في مكارم الأخلاق مع أنه بعث بالتوحيد والعبادات وهي أرفع منزلة وأهم من الأخلاق؟!!
والجواب: أن التوحيد والعبادات شرعت من أجل ترسيخ مكارم الأخلاق بين أفراد المجتمع، فالغاية والحكمة الجليلة من تشريع العبادات هي غرس الأخلاق الفاضة وتهذيب النفوس؛ كما هو معلوم في الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها.

2- الأخلاق الحسنة هي شِعار المؤمنين، وحِليَة المحسِنين:
وعَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ؟ فَقَالَ: الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ " مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم " خياركم أحاسنكم أخلاقًا " متفق عليه.

ومن ثم فما من شئ أثقل في ميزان العبد من حسن أخلاقه ورقي سلوكه، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلّ
َى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ " (صحيح الترمذي)

3- سبب لدخول الجنة في الآخرة:
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ" السلسلة الصحيحة.

وقال صلى الله عليه وسلم " إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَحْسُنُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ الْجَنَّةَ، وَيَسُوءُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ سُوءُ خُلُقِهِ النَّارَ" شعب الإيمان للبيهقي.

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟! عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ" [ السلسلة الصحيحة – الألباني ].

4- أقرب الناس مجلسا من رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا) رواه الترمذي.

5- أثقل شئ في ميزان المؤمن يوم القيامة:
وعَنْ أَبِي الدرداء - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - " مَا مِنْ شَيْءٍ فِي اَلْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ اَلْخُلُقِ" ( أَبُو دَاوُدَ).

6- العبادات التي أمر الله بها تدعوا إلي حسن الخلق:
أ- الصلاة:
قال تعالى ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].

ب- الصيام:
قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].

"الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ " (البخاري ومسلم).

ج- الحج:
قال تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197].

د- الصدقات:
قال تعالى ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103].

7- الدعوة إلي الله بالأخلاق الحسنة:
قال تعالى ﴿ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾.

قال تعالى ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

8- دليل علي كمال الإيمان:
قال صلى الله عليه وسلم " أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا" - سنن أبى داود – صحيح الالبانى.

قال الفيروز آبادي - رحمه الله تعالى -: اعلم أن الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق؛ زاد عليك في الدين.

قال صلى الله عليه وسلم " لا يَزني الزَّاني حِينَ يَزني وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَشرَبُ الخَمرَ حِينَ يَشرَبُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَسرِقُ حِينَ يَسرِقُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَنتَهِبُ نُهبَةً يَرفَعُ النَّاسُ إِلَيهِ فِيهَا أَبصَارَهُم حِينَ يَنتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤمِنٌ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " وَاللهِ لا يُؤمِنُ، وَاللهِ لا يُؤمِنُ، وَاللهِ لا يُؤمِنُ " قِيلَ: مَن يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " الَّذِي لا يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" متفق عليه.

وسئل صلى الله عليه وسلم: أيكذب المؤمن؟ قال: (لا) ثم تلا قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [النحل: 105].

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم " ثَلاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ وَإِنْ صَامَ وَ
صَلَّى وَحَجَّ وَاعتَمَرَ وَقَالَ إنِّي مُسلِمٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخلَفَ، وَإِذَا اؤتُمِنَ خَانَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ.

المسلمون الأخيار
9- الكلمة الطيبة:
قال تعالى ﴿ وقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾ [البقرة: 83].

وقال تعالى ﴿ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً ﴾ [الإسراء: 53].

وعن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ؛ ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، ثَلاَثًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ " البخاري.

10- أساس اختيار الزوجة:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ".

11- في البيع والشراء:
قال تبارك وتعالى: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾ [المطففين: 1-3].

و يحث على السماحة واللين في البيع والشراء، كما قال صلى الله عليه وسلم " رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا، إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى " البخاري.

و يحذر من أكل أموال الناس بالباطل، ومن الغش، والتدليس.

قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ﴾ [النساء: 29].

و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: " مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ "، قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ، فَلَيْسَ مِنِّي " رواه مسلم.

12- حث الإسلام على طيب النفس وحسن سلوكها وعدم إيذاء الناس بقول أو فعل:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 11-12].

و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لَيسَ المُؤمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الفَاحِشِ وَلا البَذِيءِ " أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

13- رد الإساءة بالحسنى:
قال تعالى -: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34].

﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾؛ لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذا يا جبريل؟" قال: إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك."( تفسير ابن كثير).

ولذلك ضرب بالأحنف بن قيس المثل في الحلم والصفح، فقيل له: كيف وصلت إلى هذه المنزلة؟ فقال: ما آذاني أحد إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث: إن كان فوقي عرفت له فضله، وإن كان مثلي تفضّلت عليه، وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه.

14- الأخلاق هي المؤشِّر على استمرار أمَّة ما أو انهيارها:
فالأمة التي تنهار أخلاقُها يوشك أن ينهارَ كيانُها، قال تعالى -: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء: 16].

يقول الشاعر:
إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ثالثاً: أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد شاء الله تبارك وتعالى بحكمته وفضله أن يختار نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم من بين البشر كلهم أجمعين، ويصطفيه، ويخصه من الخصائص، بما لم يخص به أحداً من العالمين.

حتى كان صلى الله عليه وآل
ه وسلم قدوةً للناس - كلهم أجمعين - في كل شيء قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾ [الأحزاب:21].

فإنك إن نظرت إلى رسول الله صَلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً؛ وجدته المقدم على أنبياء الله تعالى، ورسله فهو سيدهم وأفضلهم وخاتمهم.

وإن نظرت إليه معلماً وجدته أفضل المعلمين، وإذا نظرت إليه خطيباً، وجدته المتحدث، الذي يصل قوله إلى كل قلب.
وإن نظرت إليه زوجاً وجدته خير الأزواج لأهله
وإن نظرت إليه أباً، وجدته خير الآباء، وأحسنهم تعليماً،
وإن نظرت إليه مقاتلاً، وجدته المقاتل الشجاع
وإن نظرت إليه كصاحب خلق وجدته متربع على عرش الأخلاق بأسرها.

قال ربنا ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾.
وتأمل معي كيف خاطبه الله عز وجل
لم يقل له وإنك لذو خلق عظيم
ولم يقل له وإنك لصاحب خلق عظيم
لم يقل له وإن أخلاقك عظيمة.

لم يقل ربنا له ذلك وإنما قال له ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ خاطبه بحرف (على) الذي يفيد الاستعلاء فكأنه صلى الله عليه وسلم متربع على عرش الأخلاق بأسرها.
فالأخلاق إذا ذكرت كان رسول الله عنوانها
والأخلاق إذا ذكرت كان رسول الله أستاذها
والأخلاق إذا ذكرت كان رسول الله سيدها
يا سيد السادات يا من قدره لا تستطيع له الورى إدراك
ماذا يقول الناس فيك وربهم بأتم تربية له رباك
حلاك بالخلق العظيم وفضله الفضل العظيم عليك ما أعلاك
آواك من يتم وأعطاك الغنى ولدينه الدين القويم هداك
شكرا لك اللهم أنت كفلته نعم الكفيل تقدست أسماك
بماذا أصفك وكل الوصف في حقك قليل
بالصدق أم بالأمانة أم بكونك جـميلا
بالكرم أم بالخلق الرفيع أم بالنسب الأصـيل
أم أصفك بالحبيب أم بالمصطفى أم بالخليل
أم أصف شوق المحبين لرؤياك وكيف الدموع لذكراك تسيل
تعددت صفاتك يا سيدي فلا وسـيلة لعدها ولا سبيل
قد عدت لدرب الله تائبا فعسى أن يكون حبي لك هو الدليل
رباه قد ملأ قلبي بحبك وحب نبيك فهل تقبل قلبي الذليـل؟

1- مدحه الله في خلقه:
قال تعالى ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].

2- خلقه القرآن:
و لما سئلت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها عن أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم من سعيد بن هشام بن عامر حين قدم المدينة، قَالَت له: أَلَستَ تَقرَأُ القُرآنَ؟
قُال: بَلَى، قَالَت: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ القُرآنَ.

3- وصف الصحابة لخلقه:
ثبت في الصحيحين عن أنس قال: خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما قال لي: " أف " قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلته؟ وكان - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقا، ولا مسست خزا، ولا حريرا، ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

4- أكثر الناس حياءً:
كان أكثر الناس حياء فعن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ" (متفق عليه).

5- أثر أمته بدعوته المستجابة:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ". مسلم.

رابعاً: صور من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم:
1- مع الجاهلين:
فعن أَبى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ ".

2- مع المذنبين:
و عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، فَزَجَرُوهُ، قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: " ادْنُهْ "، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ: " أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ "، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ "، قَالَ: " أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ "، قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ "، قَالَ: لَا وَاللَّه
ِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ، قَال: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ "، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ "، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ "، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.

3- حلمه صلى الله عليه وسلم:
أ- فقد كان يسبق حلمه غضبه
فهذا زيد بن سعنه وقد كان حبراً من أحبار اليهود، ويعرف أوصاف النبي عليه الصلاة والسلام كما قال الله جل وعلا: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:146].

يقول زيد بن سعنه: ( والله ما من شيء من علامات النبوة إلا وقد رأيته في محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أنني لم أعرف من العلامات علامتين: الأولى: يسبق حلمه جهله، والثانية: لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً ) يعني: حلمه أسبق، ولو جهل عليه ازداد بهذه الجهالة حلماً.

قال: ( فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الحجرات، ومعه علي بن أبي طالب، فاستوقفه رجل، فقال: يا رسول الله! إن قومي من بني فلان في قرية كذا قد دخلوا الإسلام، وقد وقع بهم شدة، وكنت قد وعدتهم إن دخلوا في الإسلام أن يأتيهم رزقهم رغداً، وأخشى اليوم أن يخرجوا من الإسلام طمعاً كما دخلوا في الإسلام طمعاً، فإن رأيت أن تغيثهم بشيء من المال فعلت، وجزاك الله خيراً، فالتفت النبي عليه الصلاة والسلام إلى علي وكأنه يريد أن يسأله عن مال، فقال علي: والله ما بقي منه شيء يا رسول الله.
قال زيد بن سعنه: فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأعطيته ثمانين مثقالاً من الذهب على أن يعطيني بها تمراً إلى أجل معلوم
ودفع النبي صلى الله عليه وسلم الذهب كله إلى هذا الرجل، وقال: أغث به قومك، وانطلق.

ب- خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً يصلي على جنازة، ومعه أبو بكر و عمر و عثمان، فجلس إلى جوار جدار في المدينة من شدة الحر، قال زيد بن سعنه: فانطلقت إليه وأنا مغضب، وأخذت النبي من مجامع ثوبه، وقلت له: أدِ ما عليك من حق يا محمد، فوالله ما علمتكم يا بني عبد المطلب إلا مطلاً يعني: في سداد الحق، فانقض عمر رضوان الله عليه، وقال: يا عدو الله! تقول هذا لرسول الله، وتفعل به ما أرى؟! والله لولا أني أخشى غضبه لضربت رأسك بسيفي هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر ! والله لقد كان من الواجب عليك أن تأمرني بأداء الحق، وأن تأمره بحسن الطلب، خذه يا عمر فأعطه حقه، وزده عشرين صاعاً من تمرٍ جزاء ما روعته، فأخذه عمر رضوان الله عليه فأعطاه حقه وزاده عشرين صاعاً من تمر؛ فقال له زيد بن سعنه: ما هذه الزيادة؟ قال: أمرني رسول الله أن أدفعها لك جزاء ما روعتك، قال له: ألا تعرفني يا عمر؟ قال: لا أعرفك، قال: أنا زيد بن سعنه، قال: حبر اليهود؟ قال: نعم، قال: وما الذي حملك أن تفعل برسول الله ما فعلت، وأن تقول له ما قلت؟ قال: يا عمر لقد نظرت في علامات النبوة؛ فوجدت كل العلامات فيه، لكنني أردت أن أختبر فيه هاتين العلامتين: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهالة عليه إلا حلماً، وهاأنذا قد جربتهما اليوم فيه؛ فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتصدق بشطر ماله للفقراء والمساكين، وجاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد معه معظم الغزوات، وقتل شهيداً مقبلاً غير مدبر في غزوة تبوك).

4- مع الذين أذوه وأخرجوه من أرضه:
فيقول لهم: "مَا تَرَوْنَ أَنِّى صَانِعٌ بِكُمْ؟". قَالُوا: خَيْرًا أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ: " اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ".

5- غير المسلمين:
وعن أنس: كنت أمشى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برده غليظة الحاشية، فأدركه أعرابيًا فجذبه جذبه شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله، و قد أثرت به حاشية البردة من شده جذبته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك! فإن المال ليس بمالك ولا بما أبيك فألتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضحك، وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم أغناما كثيرة وقال له هل رضيت قال: لا.

فأعطاه الثانية وقال هل رضيت قال: لا.

فأعطاه الثالثة وقال هل رضيت فقال الأعرابي: أشهد أن هذه أخلاق الأنبياء وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.

وساق الأعرابي أغنامًا كثيرةً بين جبلين، ورجع إلى قومه يقول لهم: جئتكم من عند خير الناس، أسلموا؛ فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبدًا.

فقد قال تعالى ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّ
ِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].

و قال صلى الله عليه وسلم " مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا " البخاري.

وقال صلى الله عليه وسلم " أَيُّمَا رَجُلٍ أَمِنَ رَجُلا عَلَى دَمِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا " صحيح بن حبان.

6- مع الحيوانات:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ؛ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ.فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟! قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ"(البخاري).

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ" (متفق عليه).

خامساً: وسائل لتحصيل حسن الخلق:
1- الدعاء بحسن الخلق:
كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بذلك.:" وأهدني لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ؛ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ " (الترمذي)، كذلك كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ من سوء الخلق فكان يقول: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ ". ( أبو داود والنسائي).

2- التفكر في ثواب حسن الخلق وما أعده الله من النعيم
3- قبول النصيحة من الغير مهما كان.
4- الاستماع والانتفاع بكلام الأعداء والخصوم.
5- مصاحبة أهل الفضل والمروءة.
6- النظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والتأمل في مواقفه الرائعة.
7- مجانبة السفهاء والبطالين.
8- التأمل والتعرف على ما تحمله النفس من أخلاق سيئة وعادات قبيحة.
9- تمرين النفس على فعل الأخلاق الحسنة بالتطبيق العملي.
10- مجاهدة النفس واستفراغ الوسع على ترك الأخلاق السيئة.

سادساً: عاقبة سوء الخلق:
1- فساد العمل:
قال صلى الله عليه وسلم "وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ يُفْسِدُ الْعَمَلَ، كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ". السلسلة الصحيحة للألباني.

2- ضياع الحسنات والدرجات:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ".

3- البعد عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة:
وعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: الْمُتَكَبِّرُونَ" [ السلسلة الصحيحة – الألباني ].

4- دخول النار:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا. قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا. قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ" (صحيح الترغيب والترهيب).

5- دخول الشيطان:
عَنْ سَعِيدِ ب
ْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: "يْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَعَ رَجُلٌ بِأَبِي بَكْرٍ فَآذَاهُ فَصَمَتَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ؛ ثُمَّ آذَاهُ الثَّانِيَةَ فَصَمَتَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ؛ ثُمَّ آذَاهُ الثَّالِثَةَ فَانْتَصَرَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ حِينَ انْتَصَرَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَوَجَدْتَ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَزَلَ مَلَكٌ مِنْ السَّمَاءِ يُكَذِّبُهُ بِمَا قَالَ لَكَ فَلَمَّا انْتَصَرْتَ وَقَعَ الشَّيْطَانُ فَلَمْ أَكُنْ لِأَجْلِسَ إِذْ وَقَعَ الشَّيْطَانُ" (الصحيحة للألباني).

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد

===========================
2024/11/18 11:10:50
Back to Top
HTML Embed Code: