Telegram Web Link
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 12رجب 444هـ الموافق 3 فبراير 2023م
الخطبة الأولى : الحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته وذل كل شيء لعزته وخضع كل شيء لملكه واستسلم كل شيء لقدرته ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له يحكم فلا معقب لحكمه ويقضي فلا راد لقضائه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته والجهاد في سبيله والثبات على الحق في كل حال وعلى كل حال (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ، وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام : إن هذه الحياة قائمة على الصراع بين الحق والباطل والخير والشر والهدى والضلال من أول يوم من ايامها ، ولذلك أمر الله آدم وإبليس بالهبوط إلى الأرض للصراع لا للراحة والمسالمة قال الله تعالى(وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ). وهذا الصراع دائم إلى يوم القيامة لا ينتهي قال الله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) وقال سبحانه(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) وقال الله تعالى(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ).
نعم إخوة الإسلام وفي كل جيل يوجد الأخيار والأشرار والمتقون والفجار والمؤمنون والكفار ولن يخلو جيل من أي منهما وليس أمام المسلمين وأهل الحق سوى الاستعداد الدائم للمواجهة وإعداد المستطاع من القوة والعدة والحذر من الغفلة والأمن من مكر العدو المتربص الذي يتمنى وقت غفلة من أهل الإيمان فيميل عليهم بكل ما لديه من قوة ، سواء كان ذلك العدو من شياطين الجن أو من شياطين الإنس أو منهما معا فالتعاون بينهما حاصل كما سبق في الآية الكريمة وكما في قوله تعالى (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً) ، وهذا الصراع أيها المؤمنون يستهدف القضاء على مقومات الحياة للجماعة المؤمنة من الدين والنفس والعرض والمال والنسل والوطن والأمن والحرية والكرامة وصدق الله (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) .
وما جرى ويجري للمسلمين عبر تاريخنا الطويل وإلى اليوم شاهد على هذه الحقيقة في الأندلس والهند وكشمير والبوسنة والهرسك وبورما والصين وفلسطين وإيران والعراق وسوريا واليمن وغيرها ، ولا حفظ ولا بقاء للدين بغير قوة تحميه وتدافع عنه كما قال تعالى (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).بل ولعم الفساد جميع أنحاء الأرض قال تعالى (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى
الْعَالَمِينَ)
إن جميع أعداء الإسلام أيها الكرام من اليهود والنّصارى والمشركين والمنافقين يجمعهم هدف واحد هو القضاء على الإسلام والمسلمين مهما وقعت بينهم من حروب ومهما اختلفت عقائدهم ولغاتهم وقومياتهم قال الله تعالى عن اليهود والنّصارى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقال سبحانه عنهم (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقال سبحانه عنهم(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) وقال سبحانه عن المنافقين (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً). ونحن مطالبون شرعا أن نواجه حشد الباطل وتعاونهم بحشد أهل الحق ودعم صفوف المجاهدين قال تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)
ومن الحقائق الإيمانية الثابتة أن الله تعالى قادر على نصر دينه وإعلاء كلمته بدون جهد من البشر لكن إرادته اقتضت أن يبتلي العباد ببعضهم وأن يجعل بعضهم لبعض فتنة ومتى تخلوا عن ذلك ونكلوا عن الجهاد والتضحية وحراسة الدين والقيم استبدلهم الله بغيرهم قال الله تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) وقال جل جلاله (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقال سبحانه(وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ).
وسيدفع المسلمون عند ترك الجهاد ثمنا باهضا فسيخسرون دينهم وهويتهم ودماءهم وحرياتهم وحقوقهم الشرعية وثروات بلادهم وسيادتهم واستقلالهم فهو ذل وخسار وعار ونار والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في حديث ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ).رواه أبو داود وصححه الألباني ، وقد شنع الله على المنافقين فرحهم بالتخلف عن الجهاد وتوعدهم بالعذاب والبكاء الدائم في الآخرة فالجزاء من جنس العمل قال الله تعالى(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ، فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فيا ايها المؤمنون الكرام عندما يعمل الناس الأسباب فيجاهدون في سبيل الله دفاعا عن دينهم وهويتهم ودمائهم وأعراضهم وكرامتهم وحرياتهم وحقوقهم الشرعية وثروات بلادهم وسيادتهم واستقلالهم يفوزون بالأجر العظيم يوم القيامة وبالنصر القريب في الدنيا ، فمن استشهد كافأه الله الفردوس الأعلى من الجنة قال الله تعالى(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) ، ومن قاتل ولم يستشهد وإنما مات موتا في سبيل الله مع صدق النية أكرمه الله بمنزلة الشهداء فعن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) رواه مسلم ،
ويكتب الله الأجر للمجاهدين على كل إسهام يقومون به قال الله تعالى(مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ، وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقال سبحانه (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) وعَنْ سَلْمَانَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَصِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، إِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ أَجْرُ الْمُرَابِطِ حَتَّى يُبْعَثَ، وَيُؤْمَنَ الْفَتَّانَ) رواه أحمد ، وفي سنن ابن ماجه بسند صحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال(قيام ساعة في الصفّ خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود) وذلك يؤكده قول الله تعالى (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ). وقال (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) ، كما يمن الله على المؤمنين المجاهدين بالنصر والتمكين قال تعالى(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، ولا عذر في التخلف بسبب مؤامرات الأعداء وخذلان الأصدقاء وقلة الإمكانات المادية والبشرية لأن الله إنما كلفنا ما نستطيع وقد استنكر على قوم موسى خذلان نبيهم عندما دعاهم إلى الجهاد عندما قال لقومه (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ، قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ، قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ونصر طالوت وجنوده مع أنه لم يبق معه إلا قليل من قليل من قليل من قليل ولكنهم انتصروا وتأسست بعدهم أعظم دولة في التاريخ كان ملكها سليمان عليه السلام
وقد أمر الله تعالى عباده بالصبر والمصابرة والرباط والمرابطة ووعدهم من وراء ذلك النصر بقوله(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وبقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وأثنى على المؤمنين الثابتين بقوله تعالى (كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ، وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي).
فيا أحرار اليمن واصلوا جهادكم بالنفس والمال مع أبطال الجيش الوطني والأمن لإسقاط المشروع الصهيوني المجوسي المشترك ولإسقاط انقلابات ميليشيات إيران وعملاء إسرائيل ولاستعادة الدولة الشرعية (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) فإن وعد الله حق(وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ولا تلفتوا إلى دعوات السلام مع الحوثي فهي حوارات ودعوات خالية من محتوى لسلام الحقيقي فلا يصنع السلام إلا جهاد المجاهدين وثباتهم فهو التجارة الرابحة دينا ودنيا وصدق الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) ثم الدعاء والصلاة على النبي والدعوة للجهاد بالمال
خطبة وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الأرض قرارا ومهادا، وفراشا وبساطا، ألقى فيها رواسي أن تميد بكم، وجعل السماء سقفًا محفوظًا، أحمده على نعمه الظاهرة والباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يرسل بالآيات تخويفا، له الخلق والأمر وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أعرف الخلق بربه، وأتقاهم له، اللهم صل عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما كثيرا.
عباد الله اوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله لعباده الاولين والاخرين فاتقوا الله عز وجل، بفعل ما امر، والبعد عما نهى عنه، فهو القائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون} ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}.
أيها الاخوة المسلمون/ لقد قضت سنة الله عز وجل أن تُبتلى النفوس في هذه الدنيا بالخير والشر والأمن والخوف؛ والمنح والمحن؛ والأقربين والأبعدين؛ وأن هذه الابتلاءات بأنواعها فيها الابتلاء والاختبار من رب العالمين؛ قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35]، ومن الابتلاءات الزَّلَازِلُ والبَراكِينُ، والعَواصِفُ والفَيَضاناتُ، والكُسوفُ والخُسوف، واللَّيلُ والنَّهارُ، والحَرُّ والبَرْدُ؛ كُلُّهَا مِنْ آياتِ الله تعالى، الدَّالَّةِ على وَحْدانِيَّتِهِ ورُبوبِيَّتِهِ وقَيُّومِيَّتِهِ، وعَظِيمِ قُدْرَتِه، وكَمالِ تَدْبِيرِه، واستحقاقِهِ للعبادة وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ الخَلْقَ كُلَّهم مُفْتَقِرونَ له، خَاضِعونَ له، ليس للطَّبيعَةِ في ذلك أمرٌ، ولا قُدْرَةٌ، فما أصابَنَا لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَنا، وما أخْطَأَنا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَنا، وقَدْ تكون هذه الابتلاءات: عُقُوبَةً عَلَى المَعاصِي؛ كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]؛ وقال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]؛ وقال عز وجل: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك: 16]؛ وقال: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} [النحل: 45].
نعم أيها الأحبة/ قبل أيام أصاب شمال سوريا وجنوب تركيا ومناطق أخرى في البلدين، زلزالٌ قويٌّ مدمّر، تسبب في وفاة وإصابة الآلاف، وهدم العديد من المباني والمنشآت، وبلغ من قوته أن شعر به سكان البلاد التي تقع قريبًا من مركز الزلزال، بل وصل أثره إلى بعض الدول المجاورة، شعر بعضهم باهتزاز الأرض من تحته، وأُخْلِيَتْ بعضُ المباني المرتفعة، ومعظم الناس في هذه المناطق قد خرجوا من مساكنهم وجلسوا في الشوارع، وبعض العوائل خرجت من بيوتها إلى قارعة الطريق.
اخوة الإسلام حفظكم الله ورعاكم/ إن هذه الحادثة يجب ألا تمر علينا مرور الكرام، وينبغي أن نتوقف عندها، لنستخلص الدروس والعبر، ولنا معها عدة وقفات:
الوقفة الأولى: لقد جعل الله -تبارك وتعالى- الأرض قرارًا ومستقرًا، وأنشأ فيها جبالاً أوتادًا، تثبتها أن تميد وتزول وتضطرب، لكن؛ حين يأذن الله -تعالى- للأرض أن تضطرب فلا رادّ لأمره وحكمه، عندها تصبح هذه الأرض التي كانت ملجأً من الأخطار هي الخطر ذاته، ويصبح بقاء الإنسان في مسكنه الذي يتقي به الأذى، سببًا من أسباب حدوث الضرر والأذى.
نعم/ إن الأرض في أصلها مستقرة، وقد اعتاد عليها الإنسان كذلك، وهذا الاستقرار نعمة عظيمة من الله يغفل عنها كثير من الناس، ولا يدركونها؛ لاعتيادهم عليها وعدم استشعارهم عظيم هذه النعمة، ولذلك؛ امتن الله كثيرًا في كتابه على عباده بهذه النعمة، قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ:6-7]، وقال عز وجل: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النمل:61]، وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ
فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر:64-65]،
قال ابن القيم رحمه الله: (وتَأمَّلْ خَلْقَ الأرضِ على مَا هِيَ عَلَيْهِ، حِين خُلِقَتْ واقِفَةً سَاكِنَةً؛ لِتَكونَ مِهادًا، ومُسْتَقَرًا لِلحَيَوانِ والنَّباتِ والأَمْتِعَةِ، ويَتَمَكَّنُ الْحَيَوَانُ وَالنَّاسُ من السَّعْي عَلَيْهَا فِي مآرِبِهم، وَالْجُلُوسِ لِراحاتِهم، وَالنَّوْمِ لِهُدوئِهِم، والتَّمَكُّنِ من أعمالِهم. وَلَو كَانَتْ رَجْراجَةً مُتَمَايِلَةً؛ لم يستطيعوا على ظَهْرِهَا قرارًا وَلَا هُدُوءًا، وَلَا ثَبَتَ لَهُم عَلَيْهَا بِنَاءٌ، وَلَا أَمْكَنَهم عَلَيْهَا صِنَاعَةٌ، وَلَا تِجَارَةٌ، وَلَا حِراثةٌ، وَلَا مَصْلَحَةٌ! وَكَيف كَانُوا يَتَهَنَّونَ بِالعَيْشِ والأرضُ تَرْتَجُّ مِنْ تَحْتَهِم؟! وَاعْتَبِرْ ذَلِك بِمَا يُصِيبُهم مِنْ الزَّلازِلِ، على قِلَّةِ مُكْثِهَا، كَيفَ تُصَيِّرُهم إلى تَرْكِ مَنَازِلِهمْ، والهَرَبِ عَنْهَا؟!).
اما الوقفة الثانية أيها الاحبة: إن هذه الهزة الأرضية، وفزع الناس منها، يذكرنا بالزلزلة العظيمة الكبرى، يقول ربنا تبارك وتعالى، في مطلع سورة الحج: {يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1-2]، مطلع عنيف مرعب، ومشهد ترتجف لهوله القلوب، يبدأ بالنداء الشامل للناس جميعا مسلمهم وكافرهم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، يدعوهم إلى الخوف من الله: {اتَّقُوا رَبَّكُمْ}، ويخوفهم ذلك اليوم العصيب: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}، هكذا بدأ بالتهويل قبل التفصيل، ثم يأخذ في التفصيل، فإذا هو أشد رهبة من التهويل، وإذا هو مشهد حافل! هناك مرضعة ذاهلة عما أرضعت تنظر ولا ترى، وتتحرك ولا تعي! وهنا حامل تُسقط حملها للهول المروع ينتابُها! وكذلك الناس سكارى وما هم بسكارى، يتبدّى السُكْرُ في نظراتهم الذاهلة، وفي خطواتهم المترنحة! مشهد مزدحم بذلك الحشد المتماوج، تكاد العين تبصره لحظة التلاوة، بينما العقل يتخيله، يوم القيامة تزلزل الأرض كلها، من أقصاها إلى أقصاها، ويستنكر الإنسان هذا الأمر ويفزع، قال تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا} [الزلزلة:1-3]. يقول: ما لها؟ ما الذي حدث بها، وقد عهدتها مستقرة؟...، وقال عز وجل: {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة:4-6]، في ذلك اليوم؛ ما هو حال الناس؟ فالناس ثلاثة أصناف، قال تعالى: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ*وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [الواقعة:7-12]. فلمثل هذا اليوم فأعدوا.
الوقفة الثالثة: في الأزمان المتأخرة كثرت الزلازل والهزات الأرضية، بدرجات قوتها المختلفة، وهذه علامة من علامات الساعة، روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ)) رواه البخاري، وأغلب ما في الحديث واقع مشاهد في هذه الايام، يقول ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-: "وقَدْ وَقَعَ فِي كَثِير مِنْ الْبِلَاد الشّمَالِيَّة وَالشَّرْقِيَّة وَالْغَرْبِيَّة كَثِير مِنْ الزَّلَازِل، وَلَكِنَّ الَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِكَثْرَتِهَا شُمُولها وَدَوَامها"، وثبت في السنة الصحيحة أن الخسف والمسخ وكثرة الزلازل من علامات الساعة الصغرى، وأيد ذلك ما أثبته العلم الحديث "من أنه يقع في الأرض مليون زلزال كل عام" كما في دراسة نشرتها إحدى المجلات، ويظهر بعض هذه الزلازل وأكثرها تكون في البحار والصحاري.
نسأل الله تعالى أن يجنبنا الزلازل والفتن، ما ظهر منها وما بطن، انه على كل شيء قدير، ونسأله تعالى أَن يصْلِحْ لنا شَأْننا كُلَّه، وأن يجعلنا من الصابرين الشاكرين، وأن يغفر لنا ذنوبنا، وتقصيرنا، وإسرافنا في أمرنا، وأن يثبت أقدامنا، وينصرنا على القوم الكافرين......
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على ما قضى وقدر، والشكر له على ما امتن به وتفضل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، اللّهُمّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد فإن الله عز وجل خلق الخلائق لعبادته، وجعل الحياة الدنيا دار اختبار وابتلاء لينظر كيف يعملون، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}، {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35].
اخوة الإسلام حفظكم الله ورعاكم/ ما زلنا نستخلص الدروس والعبر من حادثة اهتزاز الأرض واضطرابها.
الوقفة الرابعة: لا شك أن للزلازل والاهتزازات أسبابًا دنيوية مادية، لا ينكرها منكر، وقد أقر بهذه الأسباب علماء الشرع منذ القدم، وأما أسبابه؛ فمن أسبابه المادية انضغاط البخار في جوف الأرض كما ينضغط الريح والماء في المكان الضيق، فإذا انضغط طلب مخرجا؛ فيَشُقُ ويُزلزل ما قرب منه من الأرض، فإذا عرفنا ذلك؛ وعلمنا أن للزلازل أسبابًا دنيوية، لكن؛ لها في المقابل أسباب شرعية، فمن الذي أذن لهذه الأرض أن تهتز وتضطرب في هذا الوقت بالتحديد بعد أن كانت هامدة مدة طويلة؟ ومن هو القادر على أن يوقف هذا الزلزال؟ ومن الذي يحدد قوة الزلزال وتأثيره في الأرواح والممتلكات؟ إنه الله جل جلاله.
نعم اخوة الإسلام/ مهما توقع علماء الأرض وخططوا ودرسوا فإن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، ومهما محصوا فإن الله يأتي بالزلزال بغتة دون أن يشعروا، ولو تنبؤوا وعلموا بوقته وموضعه ما استطاعوا دفعه وإيقافه، فتبارك الله رب العالمين.
الوقفة الخامسة: إذا علمنا أن للزلازل أسبابًا فإن لها حكمًا، ومن أبرز حكمها: التخويف؛ قال ربنا عز وجل: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59]، إن الإنسان إذا رأى اضطراب الأرض واهتزازها من تحته حتى لا يستطيع معها قرارًا ولا ثباتًا، يصيبه الخوف والهلع، خصوصًا إذا علم أن بعض الأقوام كان هلاكهم وعذابهم بالرجفة والزلزلة, كما قال -تعالى- عن قوم شعيب -عليه السلام-: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [العنكبوت:37]، وقال عن ثمود قومِ صالح -عليه السلام-: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف:78].
وقال عمر بن عبد العزيز-رحمه الله تعالى: "إن هذا الرجف شيء يعاقب الله به العباد".
عباد الله، واما الوقفة السادسة: إذا وقعت الهزات والزلازل؛ فما الذي ينبغي أن يفعله المسلم؟ هناك من يفزع إلى القنوات الفضائية، يتابع أخبار الزلزال: كم عدد الضحايا؟ إلى أي مدى بلغ؟ ويلتهون بذلك، وآخرون يتجهون لبث الأخبار والأراجيف مما يضر ولا ينفع.
لكن المسلم الحصيف ينبغي عليه أن يلتزم هدي الإسلام في مثل هذه المواقف، فيلجأَ إلى الله تعالى، ويكثرَ من الأعمال الصالحة؛ فالزلازل والكوارث تنبيه من الله -عز وجل- لعباده، وتجب التوبة إلى الله، والإكثار من الذكر والاستغفار والدعاء وقراءة القران؛ فالله تعالى يقول: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام:43]، وكذلك فإن الاستغفار له أثر كبير في منع وقوع العذاب، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [ الأنفال:33].وكذلك الصدقة، فقد وقعت رجفة في عهد عمر بن عبد العزيز فكتب إلى أهل البلدان: "إن هذه الرجفة شيء يعاتب الله به عباده، فمن استطاع أن يتصدق فليفعل؛ فإن الله يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى:14]، وكذلك التفكر في اقدار الله، وذكر الله في كل حال، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190-191].
اخوة الايمان حفظكم الله واعانكم/ إن من الواجب الشرعي على كل المسلمين حكاما ومحكومين مد يد العون لإخوانهم المتضررين بكل ما لديهم من إمكانات مالية ومادية، وكذلك على المسلمين عامة الدعاء والتضرع الى الله للمنكوبين، بان يصرف الله عنهم هذه الكوارث، وان يلطف بهم، وان يرحم موتاهم وان يشفي جرحاهم.
اللهم اصرف عنا وعن إخواننا المسلمين الزلازل والفتن والكوارث، اللهم الطف بالمنكوبين، اللهم ارحم موتاهم واشف جرحاهم، وكن لهم حافظا ومعينا، اللهم اجعلنا لنعمك شاكرين؛ وعند البلاء صابرين... اللهم يا سميع يا بديع يا رفيع يا واسع يا حافظ يا مغيث يا مجيب يا الله؛ اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنا َمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، ومِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، وَمِنْ كُلِّ بَلاَءٍ عَافِيَةً وارزقنا اللهم من حيث لا نحتسب، اللَّهُمَّ آمِنْ رَوْعاتِنا، وَاسْتُرْ عَوْرَاتِنا، وَأَصْلِحْ نِيّاتِنا، وَذُرِّيّاتِنا، وَأَحْسِنْ خَواتِمَنا، وَاحْفَظْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِينا، وَمِنْ خَلْفِنا، وَعَنْ أَيْمانِنا، وَعَنْ شَمائِلِنا، وَمِنْ فَوْقِنا، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنا، يا ذا الْجَلاَلِ وَالإِكْرامِ!
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: {إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا}.. اللهم صلى وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على نهجه، وترسموا خطاه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل والنهار على الوجه الذي يرضيك عنا، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله أوله وآخره اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا و للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ،اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفار فأرسل السماء علينا مدرار اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين اللهم اسقنا وأغثنا اللهم أعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالغيث الهني الوافر، اللهم رحمتك نرجوا فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، دمر أعداءك أعداء الدين اجعل تدميرهم في تدبيرهم، اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين، اللهم احفظ اليمن ،اللهم احقن دماء اليمنيين ولم شعثهم ووحد صفهم وألف بين قلوبهم، اللهم امكر بمن يمكر بيمننا وشعبنا وانتقم من المعتدين على شعبنا انك على كل شيء قدير.
اللّهمّ بارك لنا في رجبٍ وشعبانَ، وبلّغنا رمضانَ، ونحن في أمنٍ وأمانٍ، وسلامةٍ وإسلامٍ، اللّهمّ آمينَ، آمينَ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم... {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]، فاذكُروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكرُوه على آلائِه ونعمِه يزِدكم، {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 19 رجب 1444هـ الموافق 10 فبراير 2023م
الخطبة الأولى : الحمد لله الولي الحميد المبدئ المعيد الفعال لما يريد يحكم سبحانه فلا معقب لحكمه ويقضي في خلقه بما شاء فلا راد لقضائه ، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن الخلق خلقه والأمر أمره ولا إله غيره (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له المتفرد بالجلال والجمال والكمال له الأسماء الحسنى والصفات العلا (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله أرسله الله رحمة للعالمين وهاديا للسائرين صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته والبعد عن معصيته والجهاد في سبيله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام من الأحداث التي وقعت في عهد النبوة في مجال القتال والجهاد في سبيل الله عز وجل في هذا الشهر غزوة العسرة أو غزوة تبوك فقد حدثت في شهر رجب من العام التاسع من الهجرة النبوية الشريفة وهي آخر غزوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأننا أيها المؤمنون في حرب مع عصابة الحوثي الإيرانية الفارسية السلالية الانقلابية ومن ورائها أعداء اليمن وأعداء الدين عبر التاريخ فنحتاج بين كل فترة وأخرى أن نقف مع النبي المجاهد صلى الله عليه وسلم ليتبن لنا جملة من الحقائق تمثل زادا لجيشنا وأمننا وقبائلنا وكل رجالنا المجاهدين والكل كذلك
الحقيقة الأولى : أن التعايش بين الحق الباطل مستحيل أو غير ممكن إنهما ضدان لا يجتمعا ، وأن مشاريع السلام والحوار والتفاوض لا تجدي إلا عند حصول حالة من توازن الرعب والذي يعني أن الحلول السلمية إنما تفرض على العدو بالقوة فإذا أحس العدو بقوة الاستعداد والجاهزية عند المجاهدين أصيب بالرعب والخوف وبالتالي يتوقف عن اعتداءاته وجرأته وتماديه في غيه وهو معنى قول الله عز وجل (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) ثم جاء بعدها قوله (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ويؤكد ذلك غزوة تبوك فإن الروم بمجرد أن رأوا جاهزية المسلمين واستعدادهم وخروجهم للمواجهة توقفوا عن التحشيد وانسحبوا من المواجهة وهذا ما يجب أن نفعله في مواجهة الحوثي
الحقيقة الثانية : أن الجهاد فريضة ماضية مستمرة ما دام الحق موجود والباطل موجود ولو كان للسلام مكان وللعقل والمنطق والحجة والبرهان مجال لكان الأولى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حجة أعظم من حجته ولا عقل أكبر من عقله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك عاداه أعداء الحق والدين وعاندوه وعاش حياته كلها جهادا متواصلا من معركة إلى أخرى حتى لحق بربه وراية جيش المسلمين معقودة بقيادة أسامة بن زيد ، واستمر الجهاد في حياة الخلفاء من بعده ، وتستمر المعركة اليوم بصور متعددة عسكرية وأمنية وسياسية واقتصادية ، مع الحوثي ومن وراءه من المغضوب عليهم والضالين والذين نستعيذ بالله من شرهم في كل ركعة من ركعات صلاتنا
الحقيقة الثالثة اليمن أرض المدد في الماضي والحاضر والمستقبل وقد أسهم أجدادنا في هذه المعركة إسهاما كبيرا لنقتدي بهم ولنسير على منوالهم روى البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَسْأَلُهُ الحُمْلاَنَ لَهُمْ، إِذْ هُمْ مَعَهُ فِي جَيْشِ العُسْرَةِ، وَهِيَ غَزْوَةُ تَبُوك، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ أَصْحَابِي أَرْسَلُونِي إِلَيْكَ لِتَحْمِلَهُمْ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَيْء»، وَوَافَقْتُهُ، وَهُوَ غَضْبَانُ وَلَا أَشْعُرُ، وَرَجَعْتُ حَزِينًا مِنْ مَنْعِ النبي صلى الله عليه وسلم، وَمِنْ مَخَافَةِ أَنْ يَكُونَ النبي صلى الله عليه وسلم وَجَدَ فِي نَفْسِهِ عَلَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَأَخْبَرْتُهُمُ الَّذِي قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا سُوَيْعَةً، إِذْ سَمِعْتُ بِلَالًا يُنَادِي: أَيْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ، فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: أَجِبْ رَسُولَ
الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُوكَ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ قَالَ: «خُذْ هَذَيْنِ القَرِينَيْنِ - لِسِتَّةِ أَبْعِرَةٍ ابْتَاعَهُنَّ حِينَئِذٍ مِنْ سَعْدٍ - فَانْطَلِقْ بِهِنَّ إِلَى أَصْحَابِكَ فعاد بهن إلى أصحابه يتناوبون عليهن في الغزوة وقد كان المجاهدون يوم تبوك يتناوب على البعير الواحد ثمانية عشر رجلا فما فوق وإنا على دربهم سائرون إن شاء الله نواجه الحوثي بما هو مستطاع
الحقيقة الخامسة : دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى النفير فلم يتخلف عن هذه الغزوة أحد إلا الثلاثة الذي خلفوا وهم قادرون ثم تابوا فتاب الله عليهم ، أو العاجزون البكاؤون الذين (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) أو المنافقون أصحاب القلوب المريضة الذين فرحوا ( بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ، فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ، فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ) ودعونا نقول لأنفسنا اليوم يجب أن يكون الجميع مع المعركة فتلك في مواجهة الروم وهذه في مواجهة الفرس وكلهم أعداء تاريخيون متربصون بأمتنا وديننا ووطننا
الحقيقة السادسة الجيش المجاهد وبوجود النبي صلى الله عليه وسلم لا يجد النفقة ولا الراتب ولا المصاريف الضرورية لنتعلم من ذلك بأن هذا نوع من الابتلاء للمجاهدين الصابرين (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) بل عانى الجيش من قلة وسائل المواصلات والدروع والزاد فقد أكلوا أوراق الشجر حتى تورمت شفاههم، واضطروا إلى ذبح الإبل مع قلتها ليشربوا ما في كروشها من الماء، ولذلك سمي هذا الجيش بجيش العسرة وفي هذا الدرس تثبيت لجيشنا وأمننا البواسل الذي يتحملون عبء المعركة في ظل عدم وجود الرواتب وعدم وجود المصاريف الأساسية للمقاتلين وتأمين أسرهم وليس هذا تبريرا للرئاسة والحكومة أو إعفاء لهم من المسؤولية بل تثبيت لجيشنا وتذكير للرئاسة والحكومة بواجبها الديني والوطني في توفير الرواتب وانتظامها شهريا وفي توفير المصاريف المناسبة لحماة الدين والعرض والأرض والوطن والجمهورية والوحدة والثورة
الحقيقة السابعة تسابق الناس للنفقة على الجهاد ومتطلبات المعركة فلم يدخروا جهدا كل منهم حسب قدرته فهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه جاء بمائتي أوقية من الفضة ، وألف دينار من الذهب فنثرها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها ويقول: «مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ اليَوْمِ ، وزاد فوق ذلك ستمائة وأربعين بعيرًا وستين فرسًا.  وجاء عبدالرحمن بن عوف بمائتي أوقية فضة، وجاء أبو بكر بماله كله ولم يترك لأهله إلا الله ورسوله وهو أول من جاء بصدقته، وجاء عمر بنصف ماله، وجاء العباس بمال كثير، وجاء طلحة وسعد بن عبادة ومحمد ابن مسلمة، كلهم جاؤوا بمال، وجاء عاصم بن عدي بتسعين وسقًا من التمر، وتتابع الناس بصدقاتهم قليلها وكثيرها حتى كان منهم من أنفق مدًّا أو مدين ولم يكن يستطع غيرها، وبعثت النساء ما قدرن عليه من مسك ومعاضد وخلاخل وقرط وخواتم، ولم يمسك أحد يده، ولم يبخل بماله إلا المنافقون وكانوا يؤذون المؤمنين قال تعالى عنهم ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ فلنتسابق كما تسابقوا (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فيا أيها المؤمنون الكرام وفي ظل هذه الحقائق الجهادية التي يقتضيها واقعنا نذكر بوجوب حشد كل الطاقات والجهود لحسم المعركة مع الحوثي في صورتها العسكرية والأمنية وفي مظهرها الفكري والأخلاقي وسرنا هذا الأسبوع انعقاد ملتقى الدعاة والعلماء والمكونات الدعوية في هذه المحافظة المجاهدة للإسهام في حماية الهوية الدينية والوطنية لهذا الشعب المجاهد وتحت شعار (الخرافات الحوثية أساليب إيرانية لتجريف الهوية اليمنية) وإنا لمتفائلون بمخرجات هذا الملتقى في تفعيل دور العلماء والدعاة والخطباء والمرشدين في هذا
الميدان المهم من ميادين المعركة لحفظ الثوابت وكشف الضلالات والشبهات التي يبثها الحوثي وكل المليشيات التي تقف خادمة لمشروعه تحقيقا لقول الله (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) كما نأمل من أصحاب الإعلام وأرباب الكلمة التي تجوب الآفاق أن يكون لهم دوار فاعلا هادفا مؤثرا والله يأمرنا بالتعاون فيقول (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)
وأختم أيها المؤمنون موعظتي هذه بوقفة تضامن وتعاون مع إخواننا في تركيا وسوريا وما نزل بهم من البلاء من تلك الزلازل التي أحدثت دمارا واسعا في المباني والطرقات والجسور والموانئ وقبل ذلك في البشر فالشهداء فيها يقارب خمسة عشر ألف شهيد والمصابون يقارب الخمسين ألفا ولا زلت أعداد تحت الأنقاض لا يعلم مصيرها ، ملايين من الشعب التركي والمقيمين فيه من اليمن ومن غيرها خرجوا إلى الخيام كيوم ولدتهم أمهاتهم قد فقدوا كل شيء من متطلبات الحياة ،عزاؤنا ودعاؤنا لإخواننا في تركيا وسوريا اللهم الطف بنا وبهم في قضائك ونجنا وإياهم من بلائك وارحم الشهداء والمصابين فإن من يموت في هذه الأحداث شهيد إن شاء الله كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة ، اللهم آجرهم في مصيبتهم واخلف عليهم فيما فقدوا واجبر مصابهم يا جبار ، ندعو لإخواننا فقد خرجت عشرات الآلاف من الأسر إلى الخيام بعد أن كانوا مستقرين مستورين في بيوتهم ، وإن في هذه الزلازل مواعظ وتذكير للبشر بنعمة الله الذي جعل لنا الأرض قرارا ومهادا وذلولا ولو جمحت هذه الدابة الذلول فحياتنا بكل مقوماتها مهددة بالخطر فتذكروا نعمة ربكم القائل (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ، أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) ، والقائل (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) والقائل (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ، وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) وعلينا أن نكون لله من الشاكرين والذاكرين والتائبين والمستعدين للقاء الله رب العالمين (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وفيما حدث كذلك آيات وعظات وعبر توقفنا أمام عدد من حقائق الإيمان بالحياة والموت والقضاء والقدر فلنتعظ جميعا ولنعد إلى الله فلا ملجا من الله إلا إليه (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء والدعوة للجهاد بالمال وأقم الصلاة
🎤
*خطـبة جمعة بعنـوان:*
*الزلازل آيات وعـبر وأحـكام*
*للشيخ/ سعود بن ابراهيم الشريم*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

*عناصر الخطبة*
1/ الزلازل وإدراك العقلاء لحكمتها
2/ كثرة الزلازل من الإعجاز الغيبي 3/ أول ما شوهدت الزلازل كان في عهد عمر رضي الله عنه
4/ الزلازل من آيات الله يخوف بها عباده
5/ من هديِ الإسلام الاعتبارُ بالزلازل
6/ قصر أسباب الزلازل على الأسباب الطبيعية خلل في التفكير والعلم

*الخطـبة الأولـى:*
الحمد لله العليم القدير، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11]، خلق كل شيءٍ فقدَّرَه تقديرًا، أحاطَ بكل شيءٍ علمًا، وأحصَى كل شيءٍ عددًا، (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الأنعام: 103]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، وخيرتُه من خلقه، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصحَ الأمة، وتركَنا على المحجَّة البيضاء ليلُها كنهارها لا يزيغُ عنها إلا هالِك، فصلواتُ الله وسلامُه عليه، وعلى آل بيتِه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المُؤمنين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

*أما بعد:*

فاتقوا الله -عباد الله-، (وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحديد: 28].

عباد الله: للناس في حياتهم مدٌّ وجزرٌ، وخوفٌ ورجاءٌ، وإعطاءٌ وأخذٌ، وقوةٌ وضعفٌ، وهم مع ذلك كلِّه إما راجُون خيرًا ونعمة، أو خائِفون شرًّا ونقمة، وخوفُهم ورجاؤُهم مُتعلِّقٌ بدينهم وأنفسِهم وعقولِهم وأموالِهم وأعراضِهم؛ فهم يرجُون الهداية ويخافون الغواية، ويرجُون حياةَ النفس ويخافون مواتَها بغير حقٍّ، ويرجُون سلامةَ العقل الحسِّيِّ والمعنويِّ ويخافون خللَه حسًّا ومعنًى، وقولوا مثلَ ذلكم في أموالِهم وأعراضِهم.

وهم في نظرتهم لسُنن خالقهم الكونية يرجُون المطرَ المُحيِي ويُخافون المطرَ المُحرِق، ويرجُون الرياحَ المُبشِّرات ويخافون الرِّيحَ المُنذِرة.

ولعُقلاء الناس إدراكٌ لبعض حِكَم تدبير الخالق في كونِه، وما يُرسِلُه من الآيات بين الفَيْنة والأخرى؛ إذ لديهم من الحسِّ والإيمان بالبارِي -سبحانه-، وتذكُّرهم بأيام الله وقد خلَت من قبلهم المثُلات ما يجعلُهم شاخِصِي الأبصار، اعتبارًا بآيات الله وسُننه الكونية، وتتجدَّدُ في أذهانِهم لحظاتُ التصديقِ للنبوءَات التي تحدَّث بها الصادقُ المصدوقُ -صلوات الله وسلامه عليه- عما يكونُ من سُنن في أعقاب الزمن.

فكان مما جاء به وحيًا في الكتاب والسنة عن آيةٍ من آيات الله -جلَّ شأنُه-، ألا وهي: الزلازل.

فقد أقسمَ الله في كتابه بقوله: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ) [الطارق: 11- 14]، وقال -سبحانه-: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا...) الآية [الأنعام: 65].

والعذابُ الذي من تحت الأرجُل هو الخسفُ والزلازلُ، كما قال ذلك المُفسِّرون..

وقد أخرج البخاري في صحيحه أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقومُ الساعةُ حتى يُقبَضَ العلمُ، وتكثُر الزلازِلُ، ويتقارَبُ الزمانُ...". الحديث.

والزلزلةُ -عباد الله- لم تقَع في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما سمِعوا بها في كتاب الله وسُنَّة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، فآمَنوا بها، وصدَّقوا أنها آيةٌ من آيات الله، يُرسِلُها الله على من يشاءُ من عباده.

وكثرتُها في زماننا هذا هو من الإعجاز الغيبيِّ والعلميِّ في سُنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث ذكرَ كثرتَها في آخر الزمان.

وقد أقسم الله -سبحانه- بالأرض ذات الصَّدع، ولم يكُ هذا الصَّدعُ معلومًا أربعة عشر قرنًا من الزمان، حتى اكتُشِفَ جيولوجيًّا في القرن الماضي، فوجدَ العلماءُ صدعًا ضخمًا في باطنِ الأرض في قاع المُحيط، وأن مُعظمَ الزلازِلِ في العالمِ تتركَّزُ في هذا الصَّدع.

فدلَّ قسمُ الباري بالأرض ذات الصَّدع على الإعجاز؛ ليستَبينَ المُلحِدون سبيلَهم المُنحرِف، وأن ما اكتشَفُوه قد ذكرَه الله قبلَهم بأربعة عشر قرنًا من الزمن، وأن ما يأتي به النبي الأُمِّي إنما هو وحيٌ يُوحَى، لا نُطقٌ عن الهوَى، (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف: 158].
إن أولَ ما شُوهِدَت الزلزلةُ في الإسلام في عهد الفاروق -رضي الله عنه-؛ فعن صفيَّة بنت أبي عُبيد قالت: زُلزِلَت الأرضُ على عهد عُمر حتى اصطفَقَت السُّرُر، فخطبَ عُمرُ الناسَ فقال: "أحدَثتُم، لقد عجَّلتُم، لئن عادَت لأخرُجنَّ من بين أظهُركم". وفي روايةٍ قال: "ما كانت هذه الزلزلةُ إلا عند شيءٍ أحدَثتُموه، والذي نفسِي بيدِه؛ إن عادَت لا أُساكِنُكم فيها أبدًا". رواه ابن أبي شيبة.


عباد الله: إن الزلازِل آياتٌ من آيات الله، يُجرِيها في أرضِه لحكمةٍ بالغةٍ، وله -سبحانه- الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ، ويخلقُ ما يشاءُ ويختارُ، وهو -سبحانه- رحيمٌ بعبادِه، ورحمتُه سبقَت غضبَه؛ بل إنها وسِعَت كلَّ شيءٍ. غيرَ أن ذلك لا يعنِي الاتِّكالَ على ثوابِه -سبحانه- والغفلةَ عن عقابِه، ولا يعنِي الاتِّكالَ على رحمتِه وتجاهُلَ غضبِه، ولا الاتِّكالَ على عفوِه وتغافُل مكرِه -سبحانه-.


(أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 97- 99].


قال الحسنُ البصريُّ -رحمه الله-: "المؤمنُ يعملُ بالطاعات وهو مُشفقٌ وجِلٌ، والفاجِرُ يعمل بالمعاصِي وهو آمِن". وهذا هو الذي يأمَنُ مكرَ الله -عباد الله-.

وقد ذكرَ أئمةُ الدينِ أن الزلازِلَ من الآياتِ التي يُخوِّفُ اللهُ بها عبادَه، كما يُخوِّفُهم بالكُسُوفِ وغيرِه؛ ليُدرِكوا ما هم عليه من نعمةِ سُكون الأرض ورُسُوِّها واستِقرارها للحيوان والنبات والمتاع والمسكَن، وأن ما يحصُلُ فيها من خسفٍ وزلزلةٍ واختِلالٍ إنما هو ابتلاءٌ وامتِحانٌ أو عقوبةٌ وإنذار، كما رُجِفَ بثمود وخُسِف بقارون.

قال الحافظ ابن حجر: "لما كان هَبُوبُ الرياح الشديدة يُوجِبُ التخويفَ المُفضِي إلى الخُشوع والإنابَة كانت الزلزلةُ ونحوُها من الآيات أولَى بذلك، لا سيَّما وقد نصَّ الخبرُ أن كثرةَ الزلازلِ من أشراط الساعة".

إنه لما رجَفَت الأرضُ بالكُوفة زمنَ ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: "أيها الناس: إن ربَّكم يستعتِبُكم فأعتِبُوه"؛ أي: فاقبَلُوا عتبَه، "وتوبوا إليه قبل أن لا يُبالِيَ في أي وادٍ هلكتُم".

وكتبَ عُمرُ بن عبد العزيز في زلزلةٍ كانت بالشَّام أن: "اخرُجوا، ومن استطاعَ منكم أن يُخرِجَ صدقةً فليفعَل؛ فإن الله تعالى يقول: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) [الأعلى: 14، 15]".

ولذا -عباد الله- كان من هديِ الإسلام: الاعتبارُ بالزلازل، وأن المرءَ المُسلمَ مُطالَبٌ بأن يفعلَ من أسباب الخير الظاهِرة ما يجلِبُ الله به الخيرَ، ويدَعَ من أسباب الشرِّ الظاهرة ما يدفعُ الله به الشَّر.

ومن ذلك: التوبةُ والاستغفارُ والصدقةُ، والصلاةُ تُشرعُ لها عند بعضِ أهل العلم دون الجماعة؛ فقد "صلَّى ابنُ عباسٍ -رضي الله عنهما- للزلزلةِ بالبصرة". رواه البيهقي بسندٍ صحيحٍ.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أمتِي هذه أمةٌ مرحومةٌ، ليس عليها عذابٌ في الآخرة، عذابُها في الدنيا الفتنُ والزلازلُ والقتلُ". رواه أحمد وأبو داود بسندٍ حسنٍ.

والمقصودُ: ليس عليها عذابٌ في الآخرة بمجموعِها كأمَّةٍ، بخلافِ أفرادِها.

ألا فاتقوا الله -عباد الله-، والتمِسُوا رحمتَه وعفوَه، واتقوا غضبَه؛ فإن الله يُمهِلُ ولا يُهمِلُ، ويُملِي للظالِمِ حتى إذا أخذَه لم يُفلِتْهُ، (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 117].

فاستمسِكوا بصلاح النفوسِ والمُجتمعات وإصلاحِها؛ فإن الله نفَى إهلاكَ القُرى إذا تحقَّقَ فيها الإصلاحُ الصادقُ المُشفِقُ، فمن مُوجِبات الهلاكِ ردُّ النُّصحِ، وإهمالُ الإصلاح. فما خُسِف بقارون إلا بعد أن قِيلَ له: (لا تَفْرَحْ) [القصص: 76]، فاستكبَر، وما أخذَت الرجفةُ ثمود إلا لما كرِهوا النُّصحَ.

وقد حذَّر الله الأُمم بقولِه: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) [هود: 102، 103].

باركَ الله ولكم في الكتاب والسُّنَّة، ونفعَني وإياكم بما فيهما من الآياتِ والذكرِ والحكمة، وأقولُ قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المُؤمنين والمُؤمنات من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إن ربي كان غفَّارًا.

*الخطبة الثانية:*

الحمد لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقه وامتِنانه.

وبعد:

فإن من سُنن الله: أن تُخوَّفَ أُممٌ بالحُروب، وأُخرى بقِلَّة الأمنِ، وثالثةٌ بالنَّقصِ في الأموالِ والأنفُسِ والثَّمَرات، ورابعةٌ بالفِتَن والزلازِلِ ونحوِها.
والنتيجةُ المُحصَّلةُ -عباد الله-: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155- 157].

فهنا -سبحانه- قد ذكرَ أن الابتلاءَ والتخويفَ قد أثمرَا نتيجةً مع المُخوَّفِ بهما، فتذكَّرَ ورجعَ إلى الله، فحقَّت له الهِداية، ولا يُستثنَى عصرٌ ولا مِصرٌ من التخويفِ، فقد كسَفَت الشمسُ في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- خيرِ العُهود والقُرون، وذكرَ أن الله -سبحانه وتعالى- يُخوِّفُ بها عبادَه.

ألا وإن من الخلَلِ في التفكيرِ والقُصُور في العلمِ والإيمانِ بالله: أن تُقصَر الزلازِلُ على سببٍ طبَعيٍّ جيولوجيٍّ بحتٍ، لا حكمةَ فيه ولا ثمرة، أو أنه لا مجالَ للإيمانيات والرِّقاقِ فيها؛ بَلْهَ من يسخرُ بكل مُذكِّرٍ بآيات الله وسُننه الكونية، ووصفِه بالتخلُّفِ وإقحامِ الدين في كل شيءٍ، وأن الزلازِل قد عُرِفَ سببُها الظاهرُ؛ فكيف تكونُ عقوبةً أو ابتلاءً وامتِحانًا؟!

ولأجلِ أن نُدرِك أيَّ الفهمَيْن أقربَ إلى هُدى الله -جل وعلا-؛ فقد ثبَت في الصحيحين عن زيد بن خالد الجُهنيِّ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلَّى بأصحابِه صلاةَ الصُّبْح بالحُديبية على أثر سماءٍ كانت من الليل -أي: مُمطِرة-، ثم قال: "أتدرُون ماذا قال ربُّكم؟! قال: أصبَح من عبادِي مؤمنٌ بي وكافرٌ؛ فأما من قال: مُطِرنا بفضل الله ورحمته فذلك مُؤمنٌ بي، كافرٌ بالكوكَب، وأما من قال: مُطِرنا بنَوْءِ كذا ونَوْءِ كذا فذلك كافرٌ بي، مُؤمنٌ بالكوكَب"


فإذا كان هذا في المطَر الذي هو من سُنن الله الكونيَّة والذي شُرِع الاستِسقاءُ من أجلِه وقد عُرِف سببُه الظاهِر، ومع ذلك وُجِد من يحصُرُه في نطاقِ تفسيرٍ مادِّيٍّ صِرفٍ، ولا يسمَحُ عقلُه العَطِن أن يجعلَ للاعتبار والثوابِ والعقابِ والابتلاءِ أثرًا به.

ولا عجَبَ -عباد الله-؛ فقد قال الله -سبحانه-: (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) [يونس: 96، 97]، وقال -سبحانه-: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59].

هذا؛ وصلُّوا -رحمكم الله- على خيرِ البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله، صاحبِ الحوض والشفاعة؛ فقد أمركم الله بذلك في قولِه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّك وعبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائِه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشركَ والمشركين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.

*نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها*
*ولاتبخل على نفسك بهذا الأجر العظيم*
======================
■ الزلازل عِبرٌ وعِظات، وتعاونٌ وأخلاق
الحمد لله على نِعَمه التي لا تُعد ولا تُحصى، خلقنا من العَدَم، ورزقنا من النِّعم، ودفع عنا النِّقم، الحمد لله نِعَمه الظاهرة والباطنة، والسابقة واللاحقة، والدينية والدنيوية، ما نعلم منها وما نجهل، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، نعبدك وحده لا شريك لك، نركع ونسجد لك ذلا وخضوعا، ونصلي لك شكرا وتعظيما، وندعوك خوفا وطمعا، نخاف عذابك، ونرجو رحمتك، لا ملجا لنا منك إلا إليك، ولا حول لنا ولا قوة إلا بك.
وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حيٌ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، فعَّالٌ لما يريد، أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا.
وأشهد أنَّ محمدا عبدُه ورسولُه، أرسله الله رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فيقول ربنا سبحانه وتعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ * قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ * وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 63 - 67].
أيها الإنسان، ما دُمت في هذه الدار لا تسلَم من الأكدار.
طُبِعَت على كَدَرٍ وأنت تريدُها ... صَفْوًا من الأقْذاءِ والأكدارِ
أيها المسلمون، الله سبحانه خلقنا لعبادته، وسخر لنا النعم الظاهرة والباطنة التي لا تعد ولا تحصى لنشكره، قال الله سبحانه: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51]، وقال تبارك وتعالى: {وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26].
فمَنْ أكل من رِزق الله واستعمل نعمه في معصيته فقد استحق عذابَه، قال الله العزيز القهار: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: 147].
ومَنْ آمَن وعمِل الأعمالَ الصالحة فقد وعده الله بالحياة الطيبة في الدنيا، والفوز بالجنة في الآخرة، قال الله عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [النحل: 97].
وقال الله تبارك وتعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ * أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [الأعراف: 96 - 100].
أيها المسلمون، من حكمة الله سبحانه أن الناس إذا لم يشكروا الله سبحانه على نِعَمِه، ونسُوا ذِكرَه، وأعرضوا عن عبادته، فإنه يبتليهم بالشدائد والأمراض والزلازل والفيضانات لعلهم يرجعون عن الكفر إلى الإيمان، وعن المعصية إلى الطاعة، فمِن الناس من يعتبر ويتعظ ويتوب إلى الله سبحانه، ومن الناس من يستمر في غفلته، ولا يفيقُ من سكرتِه بالدنيا إلا عند موتِه، وهذا حال أكثر الناس إلا من رحم الله.
قال الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].
وقال سبحانه: {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} [الإسراء: 60].
نُهالُ للأَمرِ الذي يَروْعُنا ... ونَرتَعي في غَفلةٍ إذا انقضى
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ * حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [المؤمنون: 76، 77].
وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ * قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 42 - 47].
وقال الله عز وجل: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: 21].
والناظر في كتب التاريخ يجد أن الله سبحانه يعذب الناس بأنواع من العذاب الدنيوي لعلهم يتوبون إليه، فمنهم من يتوب، وأكثرهم لا يعقلون، {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة: 18].
اقرءوا التاريخَ إذْ فيه العِبَر ... ضلَّ قومٌ ليس يَدرون الخبَر
ففي الزمن القريب حصلت زلازلُ وفيضاناتٌ وإعصاراتٌ وأمراضٌ متفشيةٌ وجدْبٌ وغلاءٌ وخوفٌ وجوعٌ، وكل ذلك بسبب ذنوب العباد، قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].
وإن كثرة الزلازل من علامات اقتراب يوم القيامة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكم تخلف هذه الزلازل من قتلى ومصابين ومشردين وخسائر مادية كثيرة، ومن الزلازل المشهورة في الزمن القريب:
زلزالٌ في الصين سنة 1920 قتل نحو 200,000 شخص.
زلزالٌ في اليابان سنة 1923 قتل نحو 143,000 شخص.
زلزالٌ في الصين سنة 1927 م قتل نحو 200,000 شخص.
زلزالُ بنجلاديش سنة 1970 م الذي قَتَل نحو 500,000 شخص.
زلزالٌ في الصين سنة 1976 م قتل نحو 255,000 شخص.
زلزالُ المحيط الهندي سنة 2004م الذي سبب إعصار تسونامي، وخلَّف أكثر من 000, 150 قتيل، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المفقودين، وأكثر من مليون مشرد.
زلزال وتسونامي اليابان سنة 2011م الذي خلَّف نحو 000, 18 قتيل.
ومن الزلازل القريبة الوقوع فيما حولنا من بلاد المسلمين:
زلزال ذمار في اليمن سنة 1403 هـجرية الموافق 1982 ميلادية.
زلزال في شمال غرب إيران سنة 1414 هـ.
زلزال في مدينة القاهرة بمصر سنة 1413 هـ.
زلزال خليج العقبة في الأردن وفلسطين سنة 1416 هـ.
زلزال في شمال غرب تركيا سنة 1420 هـ.
زلزال في شمال المغرب سنة 1425 هـ.
زلزال في شمال باكستان وكشمير سنة 1426 هـ، وفي نفس العام زلزال في شرق أندونيسيا.
زلزال في شرق العاصمة الجزائرية سنة 1427 هـ، وفي نفس العام زلزال قوي في جزيرة جاوا الأندونيسية، وزلزال آخر في شمال أندونيسيا.
زلزال في باكستان سنة 1429 هـ، وفي نفس العام زلزال قوي في شمال أندونيسيا.
زلزال في إيران سنة 1430 هـ.
وقبل 12 سنة وقع زلزال قوي في شرق تركيا سنة 1432 هـ.
وفي هذا الأسبوع في شهر رجب سنة 1444 هجرية وقع زلزال قوي جدا في جنوب شرق تركيا وفي شمال سوريا، خلف كثير من القتلى والجرحى والمشردين، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أيها المسلمون، عذاب الله إن وقع عاما في الدنيا فإنه يشمل الصالح والفاسد، لكنه يكون عقوبةٌ للمجرمين، وتطهيرٌ للصالحين، ورفعُ درجات للمؤمنين، ويكون عظةٌ وعبرةٌ للمعتبرين.
قال الله سبحانه: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25].
فالله يأمرنا أن نعلم أنه شديد العقاب، فهو يغضب على من كفر وعصاه، ولم يشكره على نعمه، والله لا يحابي أحدا، قال الله سبحانه: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78، 79]، وقال عز وجل: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } [النساء: 123].
فهذه الزلازل ونحوها عقوبات من الله، قال الله تبارك وتعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].
ومن يموت بالزلازل والفيضانات من المسلمين فإنه من الشهداء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المطعون شهيد، والمبطون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب الهدم شهيد، وصاحب الحرق شهيد، والمرأة تموت في نفاسها شهيدة)، وهذه الدنيا دار بلاء وابتلاء، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} [آل عمران: 198]، {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 17]، فالدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وقد يبتلي الله الصالحين فيها بما يشاء في الدنيا، ويجعل ذلك كفارة لهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما يصيب المسلم، من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه)، وعِظَمُ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخِط فله السَّخَط، فالمؤمن يرضى بالله ربا، ويرضى بحكمه الشرعي وحكمه القدري، فهو راض عن الله فيما شرعه، وفيما قدره، ويموت وهو راض عن الله فيما ابتلاه به، فيرفع الله درجاته، ويغفر له ذنوبه، ولا يصل إلى منزلة الرضا عن الله في كل ما شرَعَه، وفي كل ما قدَّره، إلا من كان يخشى الله ويتقيه، ويطمئن بذكره، كما قال الله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: 8]، وتبشر الملائكة هؤلاء المتقين بالجنة عند موتهم وتقول لهم: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27 - 30]، فهم الفائزون وإن أصابهم ما أصابهم من بلاء الدنيا، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185].
أيها المسلمون، يجب على المسلم أن يعلم أن الله فعال لما يريد، وأنه أحكم الحاكمين، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وكل شيء عنده بمقدار، {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2]، ومَنْ أصابته مصيبة فهي بإذن الله وتقديره، وقد كتب الله ذلك عليه قبل أن يخلقه، قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 22، 23]، {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157].
والقدَرُ سرُّ اللهِ في خلقه، فلا يجوز الخوضُ فيه بالرأي، فالقَدَر كالشمس، من أكثر النظر فيها ضعف بصرُه، {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]، فيجب أن نؤمن بالقدر خيره وشره، فالله خالق كل شيء، قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، وقال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107].
دعِ الاعتراضَ فما الأمرُ لك ... ولا الحكمُ في حركاتِ الفَلَك
ولا تسألِ اللهَ عن فعلِه ... فمَنْ خاضَ لُجَّةَ بحرٍ هَلَك
إليه تَصيرُ أمورُ العِباد ... دعِ الاعتراضَ فما أجهلَك

● الخطبة الثانية:
الحمد للهِ وليِّ الصالحين في الآخرة والأولى، وسِع كلَّ شيء رحمة وعلما، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله. أما بعد:
ففي الزلازل عبرة وعظة للمعتبرين، ويكفي أنها تبين للناس قوة الله وقدرته، وتذكر الناس بالزلزلة الكبرى يوم القيامة، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1، 2].
{يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} [المزمل: 14]
{يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} [النازعات: 6، 7]
{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة: 1 - 5].
{كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا} [الفجر: 21].
{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [الحاقة: 13 - 15].
أيها المسلمون، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى))، فيجب على المسلم أن يسارع في مساعدة إخوانه المنكوبين، ويسارع في إغاثتهم بما يستطيع ببدنه وماله، ونص أهل العلم على أنه يجوز تعجيل الزكاة للمتضررين من المسلمين أينما كانوا، ومن لم يستطع أن يعينهم ببدنه أو ماله فليحرص على الدعاء لهم، ويحث غيره من المستطيعين على نفعهم، فخير الناس أنفعهم للناس، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، ومن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كُرَب الدنيا نفَّس اللهُ عنه كُربةً من كُرَب يوم القيامة.
وقد أمر الله عباده بالتعاون على فعل الخير وتحقيق المصالح الدينية والدنيوية، ودفع الشرور والمفاسد الدينية والدنيوية، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].
وأمر الله عباده بفعل الخير، والإحسان إلى جميع الناس، وكل معروف صدقة، ولو على حيوان، فما بالك بإنسان؟! وإن من أعظم المعروف عند النوازل إغاثة المنكوبين، وتخفيف مصابهم، والصدقة عليهم، وعدم استغلال حاجتهم، ومن الخير مساعدة المنكوبين والمتضررين خير ولو كانوا فسقة أو كفرة، فكم من فاسق أو كافر يرجع إلى ربه بعد مصيبته، وحسن الأخلاق من أساليب الدعوة إلى دين الله، فإذا علم الفاسق أو الكافر أن المسلمين الصالحين يحرصون على إغاثته وتفريج كربته، وأنهم يحسنون إليه لإصلاح دنياه، فإنه يقبل منهم إصلاح دينه، ومن مات منهم {فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117].
أيها المسلمون، لا يجوز أن نظن الزلازل كوارث طبيعية كما يقول الجاهلون، بل هي بأمر الله سبحانه وقدرته وحكمته، فهو الذي يقدر المقادير، ويسبب الأسباب، وهو على كل شيء قدير، فالمسلم يعتبر ويتعظ، ويعلم أن الله قادر عليه في نومه ويقظته، وفي ليله ونهاره، والكافر والفاجر لا يتعظ بهذه الآيات، ويظنها أمور طبيعية، ولا يعلم أنها عقوبات إلهية على بعض ذنوب الناس، وأنها تحذير من الله لعباده ليخافوا عقوبته، وتنبيه لهم ليتوبوا إليه، ولو يؤاخذ الله الناس في الدنيا بجميع ذنوبهم لأهلك الأرض ومن عليها، كما قال الله العزيز القهار: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} [فاطر: 45].
وقال الله تعالى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [الرعد: 31].
وقال سبحانه: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل: 45 - 47].
وقال عز وجل: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [الملك: 16 - 18].
أيها المسلمون، نحن ضعفاء، ولا حول لنا ولا قوة إلا بالله الذي خلقنا، فمن يعطينا الهواء الذي نتنفسه؟ ومن يُنزِل علينا الماء الذي نشربه؟ {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30]، ولو شاء الله أمات الواحد منا بشرغة من الماء الذي يشربه، أو بسكتة قلبية أو بجلطة دماغية، ولو شاء الله حين ينام الواحد منا لا يبعثه من نومه، فالنوم أخو الموت، فإذا أبقاك الله
حيا بعد نومك فاحمد الله على أن أحياك بعد موتك، واعمل صالحا واشكر ربك، ولا تجعل يقظتك للمعاصي والغفلة عن ذكر الله وشكره، {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر: 42].
{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات: 50]، فلنتب إلى الله توبة نصوحا، ولنستعد للقاء الله بالتوبة والأعمال الصالحة، {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 185].
أيها المسلمون، {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24].
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 26 رجب 1444هـ الموافق 17 فبراير 2023م
الخطبة الأولى : الحمد لله رب العالمين القائل ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ .الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ )، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير من صلى وصام وعلم وذكر وتهجد واستغفر من خاطبه ربه بقوله (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) ، ومن تقول عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه كان يشتغل بمهنة أهله فإذا سمع النداء بالصلاة ، قام من مجلسه، فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه ). لقد كانت الصلاة رَوحه وراحته ، وهو القائل صلى الله عليه وسلم : (أرحنا بها يا بلال) والقائل (وجعلت قرة عيني في الصلاة) ، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا حزبه أمر ..أي أهمه فزع إلى الصلاة .. صلى الله على القانت المنيب والداعية العابد المجاهد الحبيب محمد وعلى آله السائرين على سبيله ، والمهتدين بهديه ، عقيدة وعبادة وجهادا ودعوة ، وأخلاقا وتربية ، ومدافعة ومراغمة ، وروحانية وربانية ؛ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته والبعد عن معصيته والجهاد في سبيله والمحافظة على الصلوات في أوقاتها في جماعة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ، وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما بعد .. فيا أيها المؤمنون الكرام بمناسبة ذكرى فرضية الصلاة في ليلة الإسراء والمعراج وفي ذلك المقام العالي فوق السماء السابعة وبحضرة الملك الجليل سبحانه وبحمده يتحدث مع عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم يطيب الحديث عن الصلاة تذكيرا بمكانتها ودعوة إلى حسن أدائها في أوقاتها في جماعة وفي المسجد ، وترغيبا في استثمار هذه الصلاة في تقوية الصلة بالله العلي الكبير الذي بيده مقاليد السماوات والأرض وإليه المرجع والمئاب ، وتعاونا في معالجة حال الغافلين اللاهين اللاعبين الذين هم عن صلاتهم ساهون وعن عبادة ربهم غافلون ، وتحفيزا للقلوب والأرواح لتتوقف عن كل نشاط وعمل عند سماع ذلك النداء الرباني (حي على الصلاة حي على الفلاح ) وتشتغل بإجابة دعوة الله فقط ، وبالمناسبة فقد أطلق مكتب الأوقاف والإرشاد بمأرب وبالتعاون مع المكونات الدعوية حملة تحت شعار (الصلاة عماد الدين) وتحت لافتة (التحيات لله ..حياة ونجاة ) والتي تستهدف الدعوة إلى إقامة هذا الركن العظيم من أركان الدين وعدم التشاغل عنه بأهل أو مال أو ولد أو عمل أو وظيفة أو شهوة أو غيرها ففي الصحيحين عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتِ) ، وإذا اختل هذا الركن أيها المؤمنون بطل إسلام المسلم واختل نظام حياته وحرم الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة وصدق الله (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) ، (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) ، والصلاة أيها المؤمنون عماد الدين وطريق النصر والتمكين فمن أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين ، وهي تعد من أهم عوامل التربية والتهذيب للنفس ومن أهم وسائل الصلة بين العبد والرب ومن أهم أسباب العون والمدد الرباني ومن أهم عوامل النصر والتسديد والتأييد والتثبيت ومن أهم موارد الزاد للقلوب والأرواح لتتحمل أعباء الدعوة والجهاد وتواجه بها الشدائد والابتلاءات وما أعظم تلك النماذج التي تخرج من تحت الأنقاض في تركيا وسوريا من الصغار والكبار والصلاة لا تغيب عن أذهانهم رغم الأهوال وتلك موعظة لنا جميعا ونحن في رخاء وسعة ، وما أجمل ذلك الإنسان الذي يخرج من تحت الركام ذاكرا لربه يتلوا كتاب الله وهو يذكرنا بخروج المؤمنين من الأجداث لربهم ذاكرون ، وما أروع تلك المرأة التي ما نسيت دينها رغم شدة ما نزل بها فتطلب الملابس لتستتر وتلبس حجابها قبل الخروج من تحت الأنقاض فهي موعظة لكل امرأة تتساهل في لباسها الشرعي وتنساق وراء
2024/09/21 14:55:21
Back to Top
HTML Embed Code: