Telegram Web Link
الموضات الفاضحة ، وفي تلك النماذج تذكير لنا جميعا بحاجتنا إلى الله وإلى معيتة وحفظه
ولنعلم أيها الكرام بأن السعادة والبركة إنما هي في ديننا وصلاتنا فالبشارات بالعطاءات والكرامات وسعة الأرزاق إنما تمنح للمحافظين على الصلوات فزكريا عليه السلام إنما بشر بالذرية الصالحة وهو قائم يصلي في المحراب فقضى الله حاجته وأجاب دعوته ورزقه الولد على كبر منه وزوجته عاقر ، ومريم بنت عمران عليها السلام إنما تدفقت عليها الأرزاق وهي في محرابها ، وليس معنى ذلك ان يقعد الإنسان عن المشي في مناكب الأرض لطلب الرزق وعمل الأسباب فذلك مشروع وعبادة أيضا ولكن يتوقف المشي لطلب الرزق عند وجوب السعي والمسارعة إلى المسجد لأداء الصلاة ، وبعد أداء الصلاة تفتح أبواب الأرزاق ويربح المصلون ويبارك الله لهم في أرزاقهم وتجاراتهم وأعمالهم قال تعالى (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) فتأمل قول الله (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) ولذلك يسن الدعاء عند الخروج من المسجد (اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك) والاشتغال بالأرزاق على حساب الصلاة خسارة محققة قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)
الصلاة أيها الناس من ثوابت الشرائع وأصول الديانات فكل الأنبياء صلوا ودعوا إلى الصلاة بل هي عبادة الكون كله فالكون بأرضه وسمائه وأحيائه وجماداته ونجومه وكواكبه يصلي ويسجد لربه وخالقه (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) ، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) ، وما أجهل هذا الإنسان وما أتعسه حين يخرج عن نظام الكون كله ويعيش غريبا شاردا عن طاعة ربه ومولاه ، وما أسعد الإنسان حين يركع مع الراكعين ويسجد مع الساجدين ويصلي مع المصلين ، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) ، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام يجب ألا يغيب عن أذهاننا وقلوبنا وأرواحنا أن الصلاة عماد الدين وطريق النصر والتمكين ، وبأنه متى صلحت صلاتنا صلحت حياتنا ، وبأن أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله ، وبأن نظام الحياة مرتبط بنظام الصلاة فإذا اختل نظام الصلاة اختل نظام الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية ، وبأن الصلاة صلة بين العبد الضعيف وربه القوي وبين العبد الفقير والله الغني ، وبأنها معراج روح المؤمن إلى الله. رَوح وراحة وسكينة وطمأنينة ، الصلاة ركن الدين الأعظم لا تسقط في صحة وسقم ، وغنى وفقر ، وسفر وحضر، وسلم وحرب ، وقوة وضعف
وينبغي أن ندرك كذلك حجم المؤامرة والكيد الذي تتعرض له أمتنا وشعبنا ووطننا ، وليس لنا من ملجأ من الله إلا إليه هو نصيرنا وملاذنا ومعيننا وهذا يقتضي مزيدا من الصلة بالله ، والصلاة هي الصلة المباشرة بين العبد وربه ، لنستمد بذلك العون والمدد الرباني والنصر والمعية الإلهية كما قال تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) وقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)
وعلينا أن نكون أكثر صلة بالمسجد تعلقا به وجلوسا وصلاة وذكرا وتربية لأنفسنا ومجتمعنا فيه فتربية المسجد ليس لها مثيل ولا بديل وما تخرج رجال الدعوة والجهاد في القديم والحديث إلا من هذه البيوت المباركة لأنهم يتربون فيها تحت اجنحة الملائكة ، وها هو أحد رموز الأمة يقول لنا ( لا بد من صنع الرجال ومثله صنع السلاح ...لا يصنع الأبطال إلا في مساجدنا الفساح ...
في روضة القرآن في ظل الأحاديث الصحاح ...من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح وصدق الله (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ، رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) وفي الحديث (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله منهم (رجل قلبه معلق بالمساجد ) فلتكن هذه سمتنا وأخلاقنا
وعلينا كذلك أن نقوم بواجبنا في تربية أنفسنا وأهلينا والنصيحة والتذكير لمجتمعنا بإقامة الصلاة بأركانها وواجباتها وسننها ومستحباتها والالتزام بالفرائض الخمس جماعة في المساجد خصوصا صلاة الفجر والعصر ، والجمعة ، والمبادرة إلى النوافل القبلية والبعدية والصف الأول وتكبيرة الإحرام حتى نحقق بذلك حسن العبادة وكمالها
وعلينا أن نتحمل مسؤوليتنا تجاه من يتهاون بالصلاة جماعة في المسجد ومن يتهاون بأداء الفريضة ولا يعطيها حظها من الإقامة والأداء لا سيما أولئك الذين تمتلئ بهم الشوارع والأسواق والمحلات التجارية ومقاهي الانترنيت وقت الصلاة ولا يعظمون شعيرة الله فالدين النصيحة ومن حقهم أن نقول لهم لا تكونوا ممن توعدهم الله بالويل والعذاب والنكال بقوله (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ،الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) ومن واجبنا أن نقول للمفرط في الصلاة صل قبل أن تؤمر بالصلاة فلا تطيق فتندم وتخسر وتذكر قول الله (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ، خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) ولنفعل كل الوسائل الممكنة للتذكير بالصلاة عبر الزيارات الفردية والجماعية وعن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها ولنتذكر جميعا قول الله (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ، وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء والدعوة إلى الجهاد بالمال
(بسم الله الرحمن الرحيم)

خطبة جمعة بعنوان

تحذير البشر من عدوهم الأكبر
لأبي عبدالله محمد بن علي السالمي.

(الخطبة الأولى)

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء: 1]
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71]
أما بعد :
فإن أحسن الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أما بعد : أيها المؤمنون عباد الله لقد أوجدنا الله في هذه الحياة للإختبار والامتحان وجعل لنا أعداء ليتميز الصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق والمجاهد من المستسلم الجبان والاعداء للمؤمن في هذه الحياة كثير
قال أحدهم :
إبليس والدنيا ونفسي والهواء ... كيف النجاة وكلهم أعدائي
ومن أخطر الاعداء إبليس لعنه الله قد حذر الله منه في كتابه
فقال سبحانه وتعالى: { يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 5، 6]
وقال تعالى: { يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [البقرة: 168، 169]
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 21]
وقال تعالى: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأنعام: 142]
وغير ذلك من الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا العدو اللّدود لا يفتر ولا يكل ولا يمل عن عداوة هذا الإنسان والتربص به كيف وقد أخذ العهد على نفسه بأنه سيغوي ذرية آدم :
قال تعالى مخبرا عنه: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } [ص: 84، 85] }
وقال تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا } [الإسراء: 62]
وقال تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16، 17]
وقال تعالى: { قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ } [الحجر: 39 - 44]
وهذا العدو هو الذي أخرج أبانا آدم وأمنا حواء من الجنة وجاءهم في صورة الناصح المشفق قال تعالى: { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف: 20 - 22]
وقد ذكر الله عباده هذا الموقف من إبليس لأجل لا يقعوا في شباكة كما وقع أبواهم قال تعالى: { يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27]
وهذا العدو يسعى لإخراج المؤمن من دينه بالكليه ليخلد معه في نار جهنم إن قدر على ذلك. قال تعالى: { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [الحشر: 17] }
وقد يزين هذا الشرك لفاعليه قال تعالى عن قوم سباء مخبرًا عن هدهد سليمان : { وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } [النمل: 24 - 26]
وإن لم يتمكن الشيطان من إيقاع الإنسان في الشرك سعى ليوقعه في كبائر الذنوب مثل قتل النفس والزنا والربا والسرقة وأكل الحرام والغش والكذب والخداع وسائر الكبائر وإذا ما أستطاع أوقعه في الصغائر ويزين له ذلك بأن ذلك الأمر سهل ولا يؤثر حتى يهلك الإنسان بكثرة الصغائر والإصرار عليها
قال صلى الله عليه وسلم: " إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كقوم نزلوا في بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه "
رواه أحمد في المسند ط الرسالة (22808) والبيهقي في شعب الإيمان (6881)والطبراني في المعجم الأوسط (7323) وعن سهل بن سعد رضي الله عنه
وصححه الألباني في صحيح الجامع (2686 )والصحيحة
(389)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رجلا سأله عن الكبائر، أسبع هي؟ قال: " هي إلى السبع مائة أقرب إلا إنه لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع إصرار.
أخرجه في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1919 )
وإسناده صحيح.
وهكذا يتدرج الشيطان بالإنسان وهذا العدو هو سبب لكل فساد وكل شر في هذه الحياه يجري من ابن آدم مجرى الدم وله خطوات لا يتبصر لها إلا من كان عالما بكيده ومكره ولن يكون ذلك إلا إذا تفقه الإنسان في دين الله تعالى وعلم إن إتباع الشيطان سبب لخسارة الدنيا والآخرة والعياذ بالله
نسأل الله العظيم أن ينجينا من كيد هذا العدو.


( الخطبة الثانية )

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه أما بعد :
أيها المسلمون عباد الله ومن مكر هذا العدو للإنسان وكيده أنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } [المائدة: 91]
ومن كيده ومكره ما جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال
: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل، فارقد فإن استيقظ فذكر الله، انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان»
رواه البخاري(1142) و مسلم (776)

ومن كيده ومكره أنه ينسي الإنسان ذكر الله فيسكن معه في بيته ويشاركه في طعامه وشرابه وجماعه .
قال تعالى: { اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: 19]
وقال تعالى: { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } [الزخرف: 36 - 39]
ومن مكر هذا العدو أنه يسعى بالتحرش بين المسلمين المصلين فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم» رواه مسلم (2812)
وهذه العدو كيده ضعيف لا يتخوف منه متخوف
قال تعالى { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا } [النساء: 76] فهو حقير وإن تعاظم في نفسه
عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ : كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَثَرَتْ دَابَّةٌ، فَقُلْتُ : تَعِسَ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ : " لَا تَقُلْ : تَعِسَ الشَّيْطَانُ ؛ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَعَاظَمَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْبَيْتِ، وَيَقُولُ : بِقُوَّتِي. وَلَكِنْ قُلْ : بِاسْمِ اللَّهِ ؛ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَصَاغَرَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبَابِ ".
رواه أبو داود (4892)
وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يطرد هذا العدو عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ : لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ. وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ : أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ. وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ : أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ "رواه مسلم(2018)
وهكذا من قراء آية الكرسي عند النوم لا يقربه شيطان حتي يصبح وكذلك المعوذات في الصباح والمساء وبعد الصلوات الخمس سلاح عظيم ضد هذا العدو بل الشيطان إذا سمع الأذان لصلاة ولى وله ضراط كما جاء ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لَا يَسْمَعَ الْأَذَانَ، فَإِذَا قُضِيَ الْأَذَانُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ : اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا. مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ".
رواه البخاري (1231)
ومسلم(389)
وكذلك ينفر من البيت الذي تقرا فيه سورة البقرة
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ ؛ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ".
رواه مسلم(780).
فعلى المسلم أن يستعين بربه على جهاد هذا العدو الماكر المتربص ويحافظ على جميع الأذكار التي تحفظه بإذن الله
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وانصر من نصر الدين
اللهم جنبنا مكر الشيطان وكيده ووسوسته إنك على كل شيء قدير
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 3 شعبان 1444هـ الموافق 24 فبراير 2023م
الخطبة الأولى : بعد الحمد والثناء على الله والأمر بالتقوى : أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام وبعد أن تحدثنا في حملة الأسبوع الماضي عن الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام وما لها من الأهمية في صلاح الفرد والمجتمع فدعونا اليوم نتذاكر عن الركن الثالث من أركان الإسلام وهي الزكاة لما لها من الارتباط الوثيق بالصلاة من جهة وبحل مشاكل الفقراء والمساكين وأسر الشهداء والجرحى والمعتقلين والمهجرين من جهة أخرى ، ودعم الجهاد والمجاهدين من جهة ثالثة ، نتحدث عن ذلك ونحن على مقربة من أداء الركن الرابع من أركان الإسلام وهو صيام رمضان شهر الجود والعطاء، والبذل والإحسان، شهر التواصل والتكافل، والذي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه (أجود الناس حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلَرَسول الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المرسلة) متفق عليه.
واذا تخلف الإنسان عن الجود والعطاء تطوعا فلا أقل من أن يحرص على أداء ما فرض الله عليه من حقوق للفقراء والمساكين ألا وهي الزكاة التي هي حقهم في المال الذى فرضه الله لهم كما قال تعالى (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ، لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) وأكد على أداء الحقوق المتعلقة بذمة الإنسان ومنها حق الفقراء والمساكين قال تعالى (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) وقال (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
والزكاة عبادة قديمة عرفت في الرسالات السابقة فهي من ثوابت الديانات وقد ذكرها الله تعالي في وصاياه إلي رسله وأنبيائه فقال (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وكانوا لنا عابدين) ويقول عن ميثاقه لبنى إسرائيل: (وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانًا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنًا وأقيموا الصلاة وآتو الزكاة) واعتبر القرآن الكريم الزكاة سببا لنيل رحمة الله تعالى قال تعالي : {ورحمتي وسعت كل شيء، فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون) وقال تعالي {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) وجعلها شرطا لاستحقاق نصره سبحانه قال تعالي (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) ومن أسباب الفلاح والصلاح في الدنيا والآخرة قال تعالي (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)
وهي الركن الثالث من أركان الدين وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ على الناس العهد على أدائها وعدم الإخلال بها فعن جرير بن عبد الله قال” بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام، الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم. و الزكاة في الإسلام ليست “تبرعا” يتفضل به غني على فقير أو يحسن به واجد على معدوم، إنها أبعد من ذلك غورا، وأوسع أفقا. إنها جزء هام من نظام الإسلام الاقتصادي، ذلك النظام الفريد الذي عالج مشكلة الفقر أو مشكلة المال على وجه عام، قبل أن تعرف الدنيا نظاما عني بعلاج هذا الجانب الخطير من حياة الإنسان. فالزكاة حق لا تفضل فهي حق الله في مال الله فالله هو المالك الحقيقي لكل ما في الكون أرضه وسمائه، والمال في الحقيقة ماله، لأنه خالقه وواهبه وميسر سبله، ومانح الإنسان القدرة على اكتسابه. ولذلك قال (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) فالزكاة حق الله ـ يؤديها المسلم طاعة لأمر الله، وشكرا له، واعترافا بفضله ، وهي حق للفقير بوصفه أخا للغني في الدين والإنسانية، فقد جعل الإسلام المجتمع كالأسرة الواحدة يكفل بعضه بعضا، بل كالجسد الواحد إذا اشتكى بعضه اشتكى كله ، فمن حق الفقير الذي لا يستطيع أن يعمل، أو يستطيع ولا يجد عملا، أو يعمل ولا يجد كفايته من عمله، أو يجد ولكن حل به من الأحداث ما أفقره وأحوجه إلى المعونة، أو كان متفرغا للجهاد دفاعا عن الدين والعقيدة والوطن أو كان يتيما فقد أباه وعائله لا سيما أيتام الشهداء أو كان مصابا معاقا كما هو حال كثير من الجرحى أو كان معتقلا ، من حق هؤلاء جميعا أن يعانوا وأن يشد من أزرهم وأن يؤخذ بأيديهم ، وليس من الإيمان ولا من الإنسانية أن يشبع
بعض الناس حتى يشكو التخمة، وإلى جواره من طال حرمانه حتى أن وتألم من الجوع.
ولا يجوز للمؤمن أن يعيش في دائرة نفسه مغفلا واجبه نحو الآخرين من ضعفاء ومساكين، فهذا نقص في إيمانه، موجب لسخط الله في الدنيا والآخرة وفي هذا يقول الله تعالى: (أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يراءون ويمنعون الماعون) فقهر اليتيم وإهمال الحث على رعاية المسكين جعلا دليلا على أن القلب خلو من الإيمان بالآخرة والتصديق بالجزاء وما كان لمثل هذا الشخص من صلاة فهي صلاة الساهين المرائين التي لا نفع لها . فيا أيها التجار ويا أصحاب الأموال ويارجال الأعمال أدوا ما أوجب الله عليكم في هذه الأموال لتبرئوا ذممكم وتطهروا أموالكم وتزكوا نفوسكم، واحذروا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم، وإياكم والبخل بما أوجب الله عليكم فإن ذلك هلاككم ونزع بركة أموالكم.واحذروا وعيد الله لمن يخل بهذا الركن العظيم بقوله (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) وقال عز وجل: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ) فيا من آمنتم بالله! يا من صدقتم بكتاب الله! يا من صدقتم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! ما قيمة الأموال التي تبخلون بزكاتها، وما فائدتها، إنها ستكون نقمة عليكم وثمرتها لغيركم، إنكم لا تطيقون الصبر على وهج نار الدنيا، فكيف تصبرون على نار الآخرة.
والزكاة أيها الكرام واجبة في كل أنواع المال النامي من عقارات ومنقولا وتجارات ونقديات ومحاصيل زراعية وديون مضمونة وغيرها ، والجدير بالتأكيد أن الزكاة واجبة في كل عروض التجارة وهي ما أعده الإنسان للتكسب من عقار أو أثاث أو مواشٍ أو سيارات أو مكائن أو أطعمة أو أقمشة أو غيرها فتجب فيها الزكاة وهي ربع عشر قيمتها عند تمام الحول، فإذا تم الحول وجب على التاجر أن يثمن ما عنده من العروض ويخرج ربع عشر قيمتها ، فاتقوا الله عز وجل واعرفوا ما أوجب الله عليكم في أموالكم، وأدوا الزكاة طيبة بها نفوسكم محتسبين بها الأجر من الله متعبدين بها إلى الله متذكرين وظيفة المسلم في الحياة من خلال قول الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : بعد الحمد والثناء على الله : أما بعد فإن ذمة المسلم لا تبرأ من الزكاة ولا تكون زكاته مقبولة عند الله إلا إذا وضعها في مواضعها التي فرض الله أن توضع فيها، واستمعوا إلى قول الله عز وجل: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) فالفقراء والمساكين والذين لا يجدون ما يكفي لسد حاجة عيالهم لا سيما في مثل هذا الوضع الاقتصادي المتردي هم أصحاب الحق في هذه الزكاة فيجب أن تسد حاجتهم ، وكذا الغارمون الذين عليهم ديون للناس لم يستطيعوا تسديدها أو وقعت عليهم حوادث لزمتهم بها ديات أو غرامات وعلاجات للمصابين أو أصلحوا بين الناس فتحملوا غرامات أو غيرها ، فهؤلاء إذا لم يكن عندهم ما يكفيهم لسداد ما عليهم فلهم حق في الزكاة ، ومن الحاجات الملحة حاجة الشباب وغير الشباب إلى الزواج فمن لم يجد تكاليف الزواج فمن حقه أن نعينه من الزكاة في مهر زوجته حتى يتزوج؛ لأن الزواج من الحاجات الأساسية للإنسان ، ومن المصارف ذات الأولوية اليوم مصرف في سبيل الله وهي النفقة على الجهاد والمجاهدين لسد حاجتهم وتوفير متطلبات المعركة من السلاح والذخيرة والغذاء والدواء والكساء وتذكروا قول الله (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ
سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) واعلموا أيها الكرام جميعا مدنيين وعسكريين وأمن وقبائل بأن العدو الحوثي المعتدي يحشد ويتربص وينتظر فرصة غفلة فكونوا على حذر وعلى أهبة الاستعداد والجاهزية عملا بقول الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ، وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا ، وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا ، فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) واعلموا يا أصحاب الأموال بأن أموالكم مهددة بالخطر والنهب والمصادرة فدافعوا عن الكثير بالقليل وابذلوا الملايين من طيب أموالكم من الدولارات والسعودي دعما للمعركة لتكون نجاة لكم من العذاب والمهانة في الدنيا وذخرا لكم في الآخرة ومضاعفة لأجوركم (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) فجاهدوا بأموالكم وأنفسكم تفوزوا بأعظم التجارة وأوفر الأرباح (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) ولا تدخروا شيئا من أموالكم ولا يتحايلن أحد على الزكاة فينتقص منها فإنه كالذي ينقص من ركعات صلاته فاحرصوا على إخراج زكاة أموالكم كاملة تامة غير منقوصة وراقبوا ربكم في ذلك قبل مراقبة الدولة أو السلطة (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ثم الدعاء والصلاة على النبي وأقم الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 11 شعبان 1444هـ الموافق 3 مارس2023م
الخطبة الأولى : بعد الحمدلة والشهادتين والوصية بالتقوى أما بعد : فيا أيها المؤمنون الكرام في منتصف شهر شعبان من العام الثاني للهجرة النبوية الشريفة زار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبيلة بني سلمة ونزل ضيفا على أمّ بشير بن البراء بن معرور فتغدّى هو وأصحابه عندها وجاء وقت صلاة الظُّهْر فخرج صلى الله عليه وسلم فصلّى بِأصحابه في مسجد بني سلمة- وكانت القبلة في ذلك الوقت إلى بيت المقدس وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب ويرجوا أن تحول القبلة إلى الكعبة وبينما هو راكع في الركعة الثانية من صلاة الظهر نزل عليه جبريل عليه السلام وأُمره أن يستقبل الكعبة المشرفة فاستدار صلوات ربي وسلامه عليه إلى الكعبة واستدارت الصّفوف خلفه ثمّ أتمّ الصّلاة إلى الكعبة وصُليت تلك الصلاة إلى القبلتين وسُمّي المسجد الذي صُليت فيه تلك الصلاة بمسجد القبلتين وتأخر الخبر عن أصحاب مسجد قباء إلى فجر اليوم التالي فجاءهم آت وهم يصلون الفجر فقال يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها فاستداروا فيما بقي من صلاتهم إلى الكعبة المشرفة ، ولربما حصل لمسجد آخر في صلاة العصر كما تفيد بعض الروايات ونزل في ذلك قول الله تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)
وقفة أيها الكرام مع هذه الحادثة ونحن على مقربة من المناسبة التي خلدها القرآن في جملة من آياته لنتعلم منها مجموعة من الدروس والعبر التي نحن بأمس الحاجة إليها في واقعنا اليوم
نعم أيها المؤمنون نتعلم من هذه الحادثة التسليم لأمر الله والاستجابة الفورية لله ولرسوله (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ) وهي خاصية مهمة في التعامل مع القرآن والسنة والدين نتعلمها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونتعود على التنفيذ الفوري لما نتعلمه من ديننا فالدين وتعاليمه ليست للتثقيف فحسب وإنما هي للتنفيذ وللتعلم والعمل فها هو النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يتحولون عن بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة فورا دون تباطؤ أو تسويف أو تأجيل إلى الصلاة الأخرى ونحن نتثاقل ونسوف فكم من الفوارق في حياتنا بين ما نعلم وما نعمل فاللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه
نتعلم الاقتداء والتأسي بخليل الرحمن وأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام والذي كان أهل الكتاب من اليهود والنصارى يدعون الاقتداء به والانتساب إليه وهم كاذبون مخالفون لطريقته وهديه ولذلك كذبهم الله وبين بأن المؤمنين أولى الناس بإبراهيم قال تعالى (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) ، وأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعلن ذلك للأمة فقال (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) ، وبالمناسبة أيها المؤمنون فإن ما يروج له اليوم باسم الديانة الإبراهيمية صورة من صور الكفر والضلال لا تمت إلى دين إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بصلة وهي صنيعة يهودية مسيحية مفتراة على إبراهيم وعلى دينه كما أفتى بذلك علماء المسلمين المعاصرين فكونوا على حذر من هذه الضلالات (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
نعم أيها المؤمنون لقد جعل الله لهذه الأمة قبلتها الخاصة ليكون لها شخصيتها وهويتها المستقلة التي تتميز بها عن غيرها من الأمم فلا تكون تبعا لغيرها بل متبوعة وهي حاملة راية الحق والعدل والخير والحرية للبشرية كلها وصاحبة الرسالة الخاتمة المعصومة المحفوظة الباقية إلى آخر الدهر وهي خير الأمم وأوسطها وأعدلها وهي الأمة القائدة الشاهدة في الدنيا والآخرة وهو ما دل عليه قول ربنا عز وجل (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) ، وقوله (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)
وتأكيدا لاستقلال الأمة في هويتها وقيمها ووظيفتها نجد الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي تنهانا عن التقليد الأعمى للضالين من أهل الكتاب عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ»، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى قَالَ: «فَمَنْ» رواه البخاري ومسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخالفهم حتى فيما بيننا وبينهم من القواسم في التشريع فلما صاموا يوم عاشوراء أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى صام التاسع مع العاشر وغيرها كثير ، فاحذروا أيها المؤمنون رجالا ونساء وشبابا أن تكونوا نهبا لثقافة الشر والإلحاد والانحلال الأخلاقي وتمزيق الأسرة والعادات والتقاليد السيئة التي تشاهدونها عبر الشاشات والمواقع وخذوا تعاليم دينكم من كتاب الله وسنة رسوله واعتزوا بدينكم وإسلامكم (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)
إن في انتقال القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة إيذان بانتقال القيادة لهذه البشرية من بني إسرائيل إلى هذه الأمة بقيادة خاتم النبيين وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وقد علم بنو إسرائيل ذلك وكانوا قبلها يتفاخرون بدينهم المحرف وبماهم عليه من الزيغ والضلال ويعدون الاتجاه إلى قبلتهم دليل وشاهد أنهم على حق وهم ألد أعداء الدين من وقت مبكر ولذلك كشف الله الأستار عن مواقفهم قبل وقوعها وبعد حدوثها وما تنطوي عليه من الكيد والمكر والتضليل والتشكيك في الحق والدين فقال (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، وقال(وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) ، وقال (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ) وهذا ما حصل منهم فعلا وواقعا في الاعتراض على شرع الله ودينه والتشكيك في التشريع ومصادره وحامله من القرآن والسنة والرسول صلى الله عليه وسلم
نتعلم أيها المؤمنون بأن ألد الأعداء لهذه الأمة هم أولئك الذين نستعيذ بالله من شرهم ونتبرأ من طريقتهم في كل ركعة من ركعات صلاتنا فرضا ونفلا فنحن نفصح في سورة الفاتحة عن هويتنا وانتمائنا وقدواتنا الذين نسير وراءهم وهم الأنبياء والمرسلون والصديقون والشهداء والصالحون ونتبرأ من طريق المغضوب عليهم وهم اليهود والضالين وهم النصارى فنردد (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) وهم حقيقة وواقعا رأس الشر والإجرام في هذه الأمة في الماضي والحاضر والمستقبل ولو تتبعنا كل حركات الهدم لقيم الأمة عبر التاريخ وإلى اليوم وكل فئات الخراب والدمار للأديان والأوطان وكل جماعات الإلحاد وكل أدوات الفساد للأخلاق والقيم لوجدناها من حيث أصولها وأفكارها وإدارتها ومحركاتها تعود إلى هؤلاء وعلى رأسها فرق الشيعة الرافضة بكل فروعها ومستوياتها فهي نبتة يهودية صليبية ، وهي أداة من أدواتهم يحمونها ويدعمونها والحوثيون في بلادنا نموذجا ، فمن أخرجهم من كهوف صعدة وقد كانوا فئة صغيرة معزولة منبوذة غير هؤلاء وأدواتهم في بلاد العرب والمسلمين ؟ ومن دعمهم بالسلاح والمال ؟ ومن فتح لهم الأبواب للسيطرة على البلاد بكل مقوماتها ؟ ثم من دافع عنهم وأنقذهم من هزائم محققة تعرضوا لها أمام الجيش الوطني لعدة مرات وصدق الله (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) وقال (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : بعد الحمد والثناء على الله والصلاة على رسول الله أما بعد : فإن الله وصف من يشككون في الدين والعقيدة والقرآن والسنة من أهل الكتاب بالسفهاء فقال (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال ابن كثير وَالسُّفَهَاءُ: جَمْعُ سَفِيهٍ، كَمَا أَنَّ الْحُكَمَاءَ جَمْعُ حَكِيمٍ ، وَالسَّفِيهُ: هُوَ الْجَاهِلُ الضَّعِيفُ الرَّأْيِ الْقَلِيلُ الْمَعْرِفَةِ بِمَوَاضِعِ الْمَصَالِحِ وَالْمَضَارِّ ، وفعلا أيها الكرام من يقف في صف الباطل مواجها لأصحاب الحق كما فعل اليهود فهو سفيه ، ومن يتسبب في خراب بلاده ودينه ووطنه ويفتح بلاده للأعداء يحتلونها ويعيثون فيها فسادا كما فعل الحوثي ومليشياته فهو سفيه ، ومن يشكك في الدين والعقيدة والقرآن والسنة فهو سفيه ، ومن ينشر الإلحاد والفسق والفجور والمخدرات والخمور فهو سفيه ، ومن يثير العصبيات والنعرات الجاهلية بين الناس ويشعل الحروب بين فئات المجتمع وقبائله فهو سفيه ، ومن يتخلى عن أداء واجبه في مواجهة العدو الغاصب الذي يحشد يوما بعد يوم فهو سفيه ، ومن يبخل بماله في الدفاع عن الدين والوطن فهو سفيه ، ولا يتنكر لملة الحق والدين إلا سفيه (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ، إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
ولذلك كان من واجب الأمة أن تقف مع الجيش والأمن والقبائل في مواجهة سفاهة الحوثي وطيشه وعبثه بمقومات حياتها الدينية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية وهو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أوجبه الله على الناس بقوله (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وكما جاء في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ يَرَى الرَّجُلَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ , فَيَنْهَاهُ ثُمَّ لَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَخَلِيطَهُ، فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ ذَلِكَ ضَرَبَ بِقُلُوبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ , وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ السَّفِيهِ أَوْ يَلْعَنُكُمْ كَمَا لَعَنَهُمُ " رواه أبو داود والطحاوي والبيهقي ، وعلينا أيها الكرام أن نكون أكثر حرصا على ديننا ووطننا وقرآننا ووحدة صفنا وكلمتنا ، وعلينا أن نكون على أهبة الاستعداد والجاهزية للعدو المتربص فلا تغفلوا أيها المقاتلون عن أسلحتكم ومتارسكم ومواقعكم ، ولا تغفلوا يا رجال الأمن عن دوركم الأمني وملاحقة كل خلايا الحوثي التي تستهدف الأمن والاستقرار وتنشر الفساد وسوء الأخلاق ، ولا تغفلوا أيها الدعاة والخطباء والعلماء والإعلاميون عن توعية شعبكم ومجتمعكم بواجباتهم الدينية والوطنية وكشف الأستار عن ضلالات الحوثي وكل أذرعته والمتعاونين معه ، ولا تغفلوا أيها التجار عن دعم هذه المعركة المصيرية بأغلى ما تملكون من أموالكم وزكواتكم ، ولا تغفلوا أيها المهاجرون وأيها القبائل من أبناء مأرب والمهاجرين إليها من أن تكونوا سندا لجيشكم وأمنكم فذلك واجب الوقت (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) ثم الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة .....شعبان 1444هـ الموافق 10 مارس 2023م
الخطبة الأولى : بعد الحمد والثناء على الله والصلاة على رسول الله والأمر بالتقوى : أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام ونحن في استقبال الشهر الكريم بنفحاته وبركاته وخيراته وخصائصه يطيب لنا أن نقف مع أمر هو من أهم مراسيم الاستقبال ومما يعين على الفوز والفلاح والنجاح في استثمار الشهر المبارك بكل أيامه وأوقاته ألا وهي التوبة إلى الله تعالى والإنابة إليه ، التوبة التي تعد من أهم الواجبات التي أوجبها الله عز وجل على كل مكلف بل جعلها من فروض العين ورغب فيها ورهب ، رحمة بالإنسان الذي لا ينفك عن الذنوب والأخطاء والآثام والتقصير فكل ابن آدم خطاء وكلنا ذو خطأ وخير الخطائين التوابون .
والتوبة أيها المؤمنون هي الاعتراف بالذنب والإقلاع عنه والعودة إلى الطاعة والندم على ما بدر من الإنسان من القصور والذنوب والمعاصي والعزم على عدم العودة إلى الذنب ورد حقوق الآخرين أو التسامح منهم، وطلب المغفرة من الله تعالى والاعتذار إليه والذل بين يديه ، وربنا سبحانه يرغبنا في التوبة ويغرينا بأنواع من الكرامات لمن تاب إليه وأناب فيبين سبحانه أنه يحب التوابين الذين يكثرون من التوبة ويلازمونها فيقول (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) ، ويخبرنا أن التوبة مكفرة للذنوب ماحية للسيئات والمعاصي فيقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ويرشدنا إلى ما يمحو السيئات ويذهب بآثارها فيقول(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) ، وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ:: اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ " أخرجه أحمد والدارمي والترمذي وهو حديث حسن ، والتوبة أيها المؤمنون من أسباب الفلاح والنجاح والنصر والتأييد والتمكين في كل أمونا الدنيوية والأخروية قال تعالى (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
وأنه تعالى أيها المؤمنون يبدل سيئات الإنسان التائب إلى حسنات قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلـهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا *يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا *إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) ولهذه الآية معنيان صحيحان يكرم الله بهما عباده ، الأول أن الله يوفق الإنسان الذي كان عاصيا ثم تاب يوفقه ويستعمله في الحسنات والطاعات بدل ما كان فيه من السيئات والمعاصي ، والثَّانِي: أَنَّ تِلْكَ السَّيِّئَاتِ الْمَاضِيَةَ تَنْقَلِبُ بِنَفْسِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ حَسَنَاتٍ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا أَنَّهُ كُلَّمَا تَذَكَّرَ مَا مَضَى نَدِمَ وَاسْتَرْجَعَ وَاسْتَغْفَرَ، فَيَنْقَلِبُ الذَّنْبُ طَاعَةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. فَيَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ وَجَدَهُ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ وَيَنْقَلِبُ حَسَنَةً فِي صَحِيفَتِهِ، كَمَا ثَبَتَتِ السُّنَّةُ بِذَلِكَ، وَصَحَّتْ بِهِ الْآثَارُ الْمَرْوِيَّةُ عَنِ السَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لَأَعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ، وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا إِلَى الْجَنَّةِ: يُؤْتَى بِرَجُلٍ فَيَقُولُ: نَحّوا كِبَارَ ذُنُوبِهِ وَسَلُوهُ عَنْ صِغَارِهَا، قَالَ: فَيُقَالُ لَهُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا، وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ -لَا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئا - فَيُقَالُ: فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا هَاهُنَا". قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. رواه مُسْلِمٌ
ومن رحمة الله أنه يفرح بتوبة عبده إذا تاب إليه فعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وَبِهِ مَهْلَكَةٌ، وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ، حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الحَرُّ وَالعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي، فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ " واه البخاري وما أعظم هذا العمل الذي يفرح به الرب وما أرحم رب العزة الذي هو أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا ، ومن أسماء الله التواب لأنه يتوب على عبده ويقبل توبته ، ومن أسماء الله المتعلقة بالتوبة الغفور الرحيم والعفو الكريم وكلها تدعوا الإنسان ليتوب إلى التواب ويستغفر الغفار ويطلب العفو من العفو ويطلب الرحمة من الرحيم ويتعرض للكريم ليكرمه
وكل الذنوب أيها المؤمنون عند ربكم لها حل ومغفرته أوسع من ذنوبنا فعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً.رواه الترمذي َوقال هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، فما ذا بقي لنا من حجة أمام ربنا ؟ وماذا بقي لنا من عذر ؟ إنه الندم المحقق والخسارة الفادحة أن يموت الإنسان بغير توبة والله يقول (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى )واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : بعد الحمد والثناء على الله : أما بعد فإن التوبة إلى الله أيها المؤمنون تبدأ بوقفة محاسبة صادقة ناقدة جادة حازمة يحاسب فيها الإنسان نفسه قبل يوم الحساب وكأن ملائكة الرحمن قد احضرت سجلاته التي لا تغادر صغيرة ولا كبيرة يفتش صحائف أعماله ثم ينظر مواضع الأخطاء في التصورات والعقائد والأفكار فالفكر والفكرة حسنة أو سيئة ، يصحح أخطاءه ويراجع نفسه ويعيدها إلى الجادة ، انظر إلى المعاصي والذنوب القلبية والعاطفية والإرادية فهي أشد إثما من المعاصي العملية فتخل عنها ، أنظر إلى المعاصي العملية السلوكية إلى معاصي اللسان والنظر واليدين والرجلين والفرج والله يدعونا إلى البراءة من كل الآثام فيقول (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ) وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ» رواه البخاري
لنحاسب أنفسنا جميعا على المعاصي التي تتعلق بحقوق الآخرين فإنها تأتي على الحسنات فتأكلها وتحيل صاحبها مفلسا يتحمل أخطاء ومعاصي من ظلمهم وأخل بحقوقهم ثم يؤمر به إلى النار ، احذروا المعاصي العامة والتي هي أشد إثما وأعظم ضررا من المعاصي الفردية والخاصة ، من يظلم فردا ليس كالذي يهدر حقوق أسرة وليس كالذي يضيع حقوق المجتمع ، من يخل بواجباته في الوظيفة العامة يعظم إثمه ويكبر ذنبه بقدر ما يحدثه من ضرر في مجتمعه ، من يحتكر السلع لا سيما أيام رمضان جرمه كبير فالناس يتنافسون في الحسنات وهو ينافس في السيئات ، من يغالي في الأسعار ومن يغالي في الإيجار ومن يخدع الناس بالدعايات الكاذبة لأسعاره ومنتجاته وبضاعته كل هؤلاء آثمون وعليهم التوبة ، من يمنع حق الفقراء والمساكين ويخل بأداء الزكاة كاملة غير منقوصة إثمه عظيم ، ومن يخون دينه ووطنه وأمته ، ومن يقف مع أعداء الإسلام ، ومن يسيء إلى الدين والقرآن والسنة والقيم ، ومن يعتدي على الآخرين ويستبد بحرياتهم ، ومن يسفك دماء الناس بغير حق أو يتسبب في ذلك ، ومن يضلل الناس باسم الدين ، ومن يحمل في نفسه حقدا أو حسدا أو غشا على المسلمين ، ومن يحقد على الصحابة والتابعين (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) ، ومن يتكبر ويتعالى على الناس ويرى نفسه فوق الناس وأفضل من الناس جرمه كبير وإثمه عظيم فلا يدخل الجنة من كان في فلبه مثقال ذرة من كبر ، من يتهاون بأداء الصلاة في المسجد في جماعة يحاسب نفسه ويتوب إلى الله من ذلك ، من
يسيء إلى أبيه وأمه وجيرانه ، من يتشبه بأعداء الدين في أوضاعهم وأحوالهم من الشباب ومن النساء يحاسب نفسه ، ومن يتخلف عن الجهاد ودعم الجيش والأمن والمقاومة بالنفس والمال ، كل هؤلاء ايها المؤمنون وغيرهم غارقون
في الآثام ومطالبون بالتوبة (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ، وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ، أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ، أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ، أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)
والتوبة أيها المؤمنون لا تقبل إلا بخمسة شروط: الأول: الإخلاص لله تعالى بأن يقصد بها وجه الله تعالى وثوابه والنجاة من عذابه لا رياء ولا سمعة ولا طلبا لثواب دنيوي . الثاني: الشعور بسوء المعصية وشؤمها والندم على فعلها فيما مضى والحزن على ذلك ويتمنى أنه لم يفعلها. الثالث :الإقلاع عن المعصية فوراً؛ فإن كانت في حق الله تعالى: تركها إن كانت في فعل محرم، وبادر بفعلها إن كانت ترك واجب، وإن كانت في حق مخلوق: بادر بالتخلص منها إما بردها إليه أو طلب السماح له وتحليله منها. الرابع: العزم على أن لا يعود إلى تلك المعصية في المستقبل. الخامس: أن تكون التوبة قبل فوات قبولها ؛ إما بحضور الأجل فإذا جاء وقت الغرغرة فلا توبة أو بطلوع الشمس من مغربها؛ قال الله تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآْنَ) اللّهم وفقنا للتوبة النصوح. وتقبل منا إنك أنت السميع العليم.
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 2 رمضان 1444هـ الموافق 23 مارس 2023م
الخطبة الأولى : الحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان والقرآن الحمد لله على نعمة الصلاة والصيام والقيام يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تكرم على عباده بمواسم للنفحات ورفع الدرجات ومضاعفة الحسنات وتكفر السيئات وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين وقدوة الصائمين القائمين صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحه والتابعين أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام ونحن في اليوم الثاني من أيام هذا الشهر المبارك شهر الصيام والقيام والقرآن والجهاد والدعوات المستجابات يطيب لي أن أهنئ الجميع بحلول الشهر الكريم ، سائلا الله أن يهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحبه الله ويرضاه ، وأن يكون شهر فرج وفرح وخير ونصر وفتح وبركات والحمد لله الذي بلغنا رمضان وأنعم علينا بالحياة والصحة والعافية والحرية لنتمكن من العبادة والجهاد ، أقف بحضراتكم أيها الصائمون القائمون مع مراتب الصوم أو الصوم الكامل لتكون هذه التذكرة معينة لنا على إحسان هذه العبادة لنحظى بكامل أجرها وتمام أثرها في حياتنا إن شاء الله تعالى شعارنا (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) ، ولترتقي النفوس والقلوب والأرواح في منازل التقوى فتفوز بجنة عرضها السماوات الأرض أعدت للمتقين
نعم أيها المؤمنون إن الإنسان لا يحظى بالأجر الكامل على صيامه وعبادته ولا ينتفع بالصيام في تهذيب أخلاقه إلا إذا كان صيامه كاملا ، وإنما يكمل الصيام عندما يتفاعل معه كيان الإنسان كله في ظاهره وباطنه وفي أقواله وأفعاله وفي أخلاقه وتصرفاته فتصوم البطن عن الطعام والشراب ويصوم الفرج عن الجماع والشهوات . ويكف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح ويمتنع عن الآثام ، ويصوم القلب والفكر عن الاشتغال بما سوى الله عز وجل ودينه وذكره وشكره ، وعلى ذلك فإن الصيام ينقسم إلى قسمين : صيام حسي وصيام معنوي ، والمفطرات كذلك مفطرات حسية ومفطرات معنوية ، دليل ذلك قول الله عز وجل (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) فهذه هي المفطرات الحسية المتمثلة في الأكل والشرب والجماع وما في معناها من الشهوات وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي) رواه مسلم
وأما الصوم المعنوي والمفطرات المعنوية فأدلتها كثيرة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" أخرجه البخاري . وفي الحديث أيضا "ليس الصيام من الطعام والشراب وإنما الصيام من اللغو والرفث" . وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وعن أبي هريرة رضي الله عنه كذلك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر" رواه أحمد . وقال جابر بن عبد الله : إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار ، وليكن عليك سكينة ووقار يوم صومك ، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء . وقال الشاعر :
إذا لـم يكن في السمـع مني تصـون    وفي بصري غض وفي منطقي صمت
فحظي إذا من صومي الجوع والظمـأ    وإن قلـت إني صمت يوماً فما صمت
فهذه المؤثرات المعنوية على الصوم من الغيبة والنميمة وقول الزور والسب واللعن وغيرها من سوء الأخلاق اتفق العلماء على أنها تذهب بأجر الصوم وأثره الأخلاقي والسلوكي ويصبح الصوم صورة بلا حقيقة وجسدا بلا روح ، ولكنها لا تبطله ولا توجب القضاء في قول عام العلماء ، وقال بعضهم بل تبطل الصوم وممن قال بذلك من الصحابة أنس بن مالك، ومن التابعين ومن بعدهم : مجاهد بن جبر ، وحفصة بنت سيرين، وميمون بن مهران، وعَبيدة السلماني، وأبو العالية، والأوزاعي، وابن حزم الظاهري . وبناء عليه فلا يكمل صومك أيها الصائم إلا بخمسة أمور :
الأول: غض البصر، وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يحرم ويُذم ويُكره وإلى كل ما يشغل القلب، ويلهيه عن ذكر الله عز وجل قال تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)
الثاني: حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء، وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن، فهذا صوم اللسان
الثالث: كفُّ السمع عن الإصغاء إلى كل محرم أو مكروه ؛ لأن كل ما حَرُمَ قوله حَرُم الإصغاء إليه؛ ولذلك قرن الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت، فقال تعالى: (سماعون للكذب أكالون للسحت)
الرابع: كفُّ بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل وكفُّ البطن عن الشبهات وقت الإفطار. فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال، ثم الإفطار على الحرام وأكل أموال الناس بالباطل .
الخامس : أن يشغل كل قواه الظاهرة والباطنة بطاعة الله وذكره ونفع مجتمعه وأمته فخير الناس أنفعهم للناس فلنحرص على ذلك متذكرين قول النبي صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : بعد الحمدلة والشهادتين والوصية بالتقوى: أما بعد فيا عباد الله إذا كان الصوم الكامل يقتضي أن يتفاعل كيان الإنسان كله مع هذه الفريضة فإن على الصائم كذلك أن يضع لنفسه برنامجا يرتب فيه أنشطته في اليوم والليلة حسب أهميتها وأفضليتها خطة تشمل التقرب إلى الله بإحسان الفرائض وأداء السنن الراتبة وصلاة الضحى والتراويح والوتر وغيرها من الرواتب المؤكدة كما يشمل النفقة اليومية في أبواب الخير والجهاد وتفقد الأقارب والأرحام والجيران والمحتاجين وتفقد أسر المرابطين والشهداء والجرحى والمعتقلين ، برنامجا يشمل الدعوة والنصيحة والأمر بالخير والنهي عن الشر وحراسة القيم الفاضلة في المجتمع والتحذير من الظلم والطغيان والفساد في الأرض برنامجا يشمل المساندة للجيش والأمن والمقاومة في مواجهة مليشيات الحوثي الإرهابية المعتدية حماية الدين والدفاع عن الحرمات ونصرة المستضعفين والمظلومين متمثلا حياة النبي المجاهد وأصحابه الذين مدحهم الله بقوله ( لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). متاجرين م الله بأربح تجارة أعلن الله عنها فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) فكونوا سندا للجيش والأمن بأموالكم وأنفسكم وثباتكم وصبركم ودعائكم وجهدكم حتى يأتي نصر الله وهو قريب بإذن الله ثم الدعاء والصلاة على النبي
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 9رمضان 1444هـ الموافق 31 مارس 2023م
الخطبة الأولى : الحمد لله على نعمة الإسلام والحمد لله على نعمة الإيمان والحمد لله على نعمة القرآن الحمد لله على نعمة الصلاة والصيام والقيام الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ، وأنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله الذي كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وعلى من استن بسنته واهتدى بهديه وعلى من تبعه بإحسان إلى يوم الدين . أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم ، ولزوم طاعته ،والجهاد في سبيله ، وأنتم في شهر القرآن والتقوى والجهاد ، فاتقوا الله واحذروا مخالفة أمره ونهيه ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) أما بعد : فيا أيها المؤمنون الصائمون القائمون ، من خصائص شهر رمضان الكريم أنه شهر القرآن : شهر القرآن لأن الله تعالى أنزل القرآن فيه ، وفي أعظم ليلة من لياليه وهي ليلة القدر ، أنزله جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء ، شهر القرآن لأن أول آيات القرآن نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستنار بها الوجود في رمضان ، شهر القرآن لأن جبريل عليه السلام أمين الوحي كان يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من ليالي رمضان فيدارسه القرآن ، ولنسمع إلى ربنا عز وجل يحدثنا عن الارتباط الوثيق بين رمضان والقرآن قال تعالى : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) ، وقال : (حم ، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ، إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ، أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ، رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ، وقال : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ، سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) ، ورمضان أيها الكرام شهر القرآن لأن سلفنا الصالح كانوا يقضون معظم وقتهم فيه مع القرآن تلاوة وتدبرا ومراجعة وحفظا وفهما وقياما به آناء وآناء النهار ، وذلك لأن القلوب والأرواح مهيأة للتفاعل مع القرآن في شهر تنزله فيستثمرون ذلك ، قال عنهم الشاعر :
أجدادنا قرؤوا القرآن واتعظوا ونفذوا حكمه فانجابت السحب
كانوا يبيتون والقرآن رائدهم لهم دوي به كالنحل تضطرب
في الذكر ذكر لهم بل فيه رفعتهم فالذكر جمعهم من بعد ما انشعبوا
نعم أيها الكرام هذا هو حال العارفين من ذلك الجيل القرآني ، وكيف لا يكون ذلك والقرآن هو الروح الذي تحيا به القلوب حياة طيبة ، وهو النور الذي تضاء به دروب الحياة فنسير فيها على بصيرة ، وهو الهدى الذي يرشدنا إلى سبل الخير في كل شؤوننا قال تعالى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ، وكذلك ينبغي أن نكون أيها الكرام ، فتشبهوا إلم تكونوا مثلهم ...إن التشبه بالكرام فلاح ، لنجعل من رمضان منطلقا جديدا لتصحيح علاقتنا مع القرآن ، وتجديد صحبتنا للقرآن وأهليتنا مع القرآن ، فنصحح المسار للمستقبل حتى نكون من المبشرين بقول النبي صلى الله عليه وسلم (اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه ) رواه مسلم ، وبقوله (يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ في الدنيا تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَآلُ عِمْرَانَ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا) . وما أحوجنا للشفاعة يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا جاه ولا قرابة .
إن القرآن إخوة الإسلام هو رمز العزة والكرامة والشرف والنصر والقوة والعظمة والكمال والجمال ، هو منبع السعادة والحق والعدل ، هو الحل لكل مشاكل البشرية وعثراتها وصدق الله القائل : (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) والقائل : (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) . فلا ذكر لنا ولا مكانة ولا سعادة إلا بقدر تمسكنا بتعاليم هذا الكتاب المقدس
يا أمتي القرآنُ حبلُ نجاتنا * * فتمسكي بعراهُ كي لا نغرقا
ولتجمعي حول الكتاب شتاتنا * * وثقي بوعد الله أن يتحققا
والإعراض عن القرآن وتعاليمه وهداياته شقاء وضنك وعذاب في الحياة وبعد الممات ، ولعل هذا ما أصاب أمتنا اليوم فجعلها عاجزة ضعيفة تمتد إليها أيادي الأعداء كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها وصدق الله وهو يحذرنا (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) . ولهذا كان من الواجب علينا أن نعمر حياتنا بالقرآن ، وأن نصلح قلوبنا بالقرآن ، وأن ننور بيوتنا بالقرآن ، وأن نربي أبناءنا على القرآن ، وأن نحرس عقيدتنا وديننا بالقرآن ، وأن نجاهد أعداءنا بالقرآن ، وأن نصلح ما فسد من أوضاعنا بالقرآن ، وأن نقيم علاقاتنا على القرآن ، وأن نرشد سياساتنا بالقرآن ، وأن نصلح اقتصادنا بالقرآن . وأن نجاهد أعداء ديننا ووطننا تحت راية القرآن وبدونه فالحياة كلها خراب ودمار وخسارة وبوار وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من ليس في جوفه شيء من القرآن فهو كالبيت الخرب) وصدق الله : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) وقد أحسن الشاعر في قوله :
أَكْـرِمْ بقـومٍ أَكْرَمُـوا القُرآنـا * * * وَهَبُـوا لَـهُ الأرواحَ والأَبْـدَانـا
قومٌ قد اختـارَ الإلـهُ قلوبَهُـمْ * * * لِتَصِيرَ مِنْ غَرْسِ الهُـدى بُسْتَانـا
زُرِعَتْ حُروفُ النورِ بينَ شِفَاهِهِمْ * * * فَتَضَوَّعَتْ مِسْكـاً يَفِيـضُ بَيَانَـا
رَفَعُوا كِتابَ اللهِ فـوقَ رُؤوسِهِـمْ * * * لِيَكُونَ نُوراً في الظـلامِ... فَكَانـا
سُبحانَ مَنْ وَهَبَ الأُجورَ لأهْلِهَـا * * * وَهَدى القُلُوبَ وَعَلَّـمَ الإنسانـا
‍يَا رَبِّ أَكْرِمْ مَـنْ يَعيـشُ حَيَاتَـهُ * * * لِكِتَابِـكَ الوَضَّـاءِ لا يَتَـوَانـى
‍واجْعِلْ كِتَابَـكَ بَيْنَنَـا نُـوراً لنـا* * * أَصْلِحْ بِهِ مَـا سَـاءَ مِـنْ دُنْيَانـا
وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فإن من الواجب علينا نحو القرآن أن نعلمه للأجيال تلاوة وحفظا وفهما وعملا وتربية وتخلقا ، وهذه هي وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم وهي كذلك وظيفة الأمة والمجتمع والدولة من بعده قال تعالى ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ وقال : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ، وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )
ومن حق القرآن علينا أن ندافع عنه من كيد الكائدين ومكر الماكرين وحقد الحاقدين وحسد الحاسدين من اليهود
والنصارى والعلمانيين ، والمنافقين والحوثيين لضالين المضلين الذين لا يريدون لهذا النور أن ينتشر ولا لهذه الروح أن تسري في الأمة وإنما (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) ، (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) ، وأخطر هذه الفئات أيها الكرام هم الروافض الإيرانيون والحوثيون الحاقدون الذين يحاربون القرآن باسم القرآن ، ويهدمون
الدين باسم الدين ، ويطعنون في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم آل البيت ، وينتقصون من أصحاب رسول الله حملة الدين والقرآن ، إنهم بحق أهل الإفك والكذب والزور ، يدعون خداعا وتضليلا للأمة بأنهم أهل المسيرة القرآنية ، وهم أشد عداوة للقرآن وقتلا لحفاظه وحملته ودعاته ، وتدميرا لدُوره ومدارسه وتآمرا على مناهجه ومحاضن تعلمه والعمل به .. بل هم الذين يدعون افتراء أن هذا القرآن لا قيمة له بدون سادتهم وكهانهم والذين يسمونهم بقرناء القرآن ، وأن القرآن بدونهم عمى ، وأن أولئك الضلال هم القرآن الناطق !! يمنعون القرآن أن يدوي في الأرجاء عبر المآذن لا سيما في هذا الشهر الكريم ولياليه المباركة ، ولا يتحرجون أن تدنس المساجد المقدسة بخرافاتهم وضلالات سيدهم ، وهم بذلك يكررون حديث أشباههم ويجددون عهد من سبقهم من أعداء الدين وأعداء القرآن الذين حكى الله عنهم فقال : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ .فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ . ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ )
واسمعوا إلى نماذج من جرائمهم في حق القرآن : عطلوا 393 مدرسة ومؤسسة قرآنية عن عملها ، فجروا ما يزيد على 20 دار قرآن أو مدرسة قرآنية ، أغلقوا 1430 حلقة قرآنية في مناطق نفوذهم ، فجروا 174 مسجدا تؤدى فيه الصلاة ويعلم فيها القرآن ، وعطلوا 2100 مسجد عن وظيفتها العبادية والقرآنية وحولوها إلى متارس أو محلات مقايل وتخزين ، شردوا وسجنوا وقتلوا أعدادا كبيرة من حفاظ القرآن ، فاستعيذوا بالله من شر هؤلاء الضالين المضلين البغاة المعتدين ، واعلموا بأنه لا حل معهم غير قول الله (فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) ، لا طريق للتفاهم معهم غير قول الله (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) ، والتواني والتخاذل عن قتالهم وكبح جماحهم بالقوة هي الكارثة التي يحذرنا الله منها بقوله (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) ، (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا) ، وأهل القرآن في القديم وفي الحديث هم أعرف الناس بذلك ، وهم أصحاب ميادين الجهاد والقتال والبطولة دفاعا عن القرآن والدين والعرض والأرض والأوطان ، فمن تصدى لمسيلمة الكذاب إلا أهل القرآن من الصحابة الأخيار رضي الله عنهم ؟ ، ومن أبطل ضلالات الأسود العنسي وسجاح وطليحة غير حفظة القرآن ؟ ومن وقف في وجه الحوثي وخرافاته وجرائمه وضحى بالنفس والمال والحياة غير أهل القرآن ؟ واقرأوا سير الشهداء والجرحى والمرابطين وأصحاب الشجاعة والإقدام ستجدون القرآن هو المحرك الذي يدفعهم بتعاليمه إلى الذود عن الدين والعرض والكرامة والوطن ، فاللهم تقبل تضحياتهم واجعلنا منهم ومعهم ولا تحرمنا أجرهم ، وما أعظم أن يبذل أبناء هذا الشعب كل غال ونفيس من المال والنفس والحياة من أجل هذا الدين وهذا القرآن فرفع الله قدرهم وشأنهم في الدنيا والآخرة ففي الحديث " إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ " ، ثم الدعاء بما يناسب المقام والصلاة على النبي ........وأقم الصلاة
ملتقى الخطباء


رسالة لمن يصوم رمضان ويضيع الصلاة
خالد بن عبدالله الشايع


عناصر الخطبة
1/من ثمرات الصيام في تهذيب النفوس 2/خطورة ترك الصلاة 3/التحذير من النوم عن الصلوات المكتوبات 4/وجوب الحرص على الاستيقاظ للصلاة.
اقتباس
الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، ولا يقبل الله من عبد عملاً وهو تارك للصلاة، وإني لأستغرب ممن يصوم ولا يصلي، هل أنت تصوم لله؟ إن الذي أمر بالصيام هو الذي أمر بالصلاة، بل الصلاة أكبر قدرًا، وآكد فرضيةً، وأعظم عقوبةً في تركها، فنقول لمن لا يصلي: لا تتعب نفسك بالصيام، فلا صيام مقبول بلا صلاة، واحذر أن تموت كافرًا،...

الخطبة الأولى:



إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.



(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].



أما بعد فيا أيها الناس: إن الصيام يهذّب النفس، ويقودها إلى الطاعات، ويبعدها عن السيئات، والكلّ يلحظ ذلك جليًّا، إلا أن البعض من الناس هداهم الله، لا تنقاد نفوسهم للطاعة، ولا تبتعد عن السيئات، مع أن الشياطين في رمضان تسلسل، وداعي المعصية يضعف، ولكن نجد هؤلاء لا ينتهون عن منكر، ولا يسارعون في طاعة، وإذا فكرت في السبب، تبيّن لك أنهم لم يأتوا بالصيام على وجهه المطلوب، فهم فقط أمسكوا عن الأكل والشرب والجماع، ولكنهم في المعاصي غارقون، نهارهم نوم، وليلهم سهرات على المنكرات، لا يتورعون عن معصية لا في سماعهم ولا في كلامهم، ولا في كسبهم، فمثل هؤلاء كيف يؤثر فيهم رمضان؟ -والعياذ بالله-.



عباد الله: كل الذنوب تهون إلا ترك الصلاة، فالذنوب فيها الصغائر وفيها الكبائر، ولكن ترك الصلاة كفر -والعياذ بالله-، هل تعلمون أنه يوجد بيننا من يصوم ولا يصلي ولا حول ولا قوة إلا بالله، والبعض يصلي ولكن بعد خروج الوقت، فتراه ينام بعد طلوع الشمس ولا يستيقظ إلا مع أذان المغرب أو بعده، جيفة بالنهار، لا يعرف من الصوم إلا ترك الأكل والشرب، ولمثل هؤلاء أقول:



اتقوا الله -تعالى-، فترك الصلاة كفر، ومن ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها من غير عذر كفر عند جمع من العلماء، قال عبد الله بن شقيق: "لم يكن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- يعدون شيئًا تركه كفر إلا الصلاة.



أخرج مسلم في صحيحه من حديث جابر قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة".



فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، ولا يقبل الله من عبد عملاً وهو تارك للصلاة، وإني لأستغرب ممن يصوم ولا يصلي، هل أنت تصوم لله؟



إن الذي أمر بالصيام هو الذي أمر بالصلاة، بل الصلاة أكبر قدرًا، وآكد فرضيةً، وأعظم عقوبةً في تركها، فنقول لمن لا يصلي: لا تتعب نفسك بالصيام، فلا صيام مقبول بلا صلاة، واحذر أن تموت كافرًا، فتكون من أهل النار خالدًا مخلدًا فيها، -والعياذ بالله-.



ونقول لمن يصلي ولكنه ينام عن الصلاة إن ذنبك عظيم، وأنت على وشك الكفر، فالصلاة لا تلاعب فيها ولا تهاون، هي الفارق بين العبد وبين الكفر كما صح به الحديث، فمن فرط في الصلاة فهو لما سواها أعظم تفريطا، فلا تجده في دنياه إلا مخذولا، معدوم التوفيق، ضائق الصدر، تعلوه الكآبة والذلة، والعياذ بالله.



معاشر المؤمنين: إن من أشنع السيئات وأعظم الموبقات النوم عن الصلوات المكتوبات، حتى أصبح أولئك المفرطون يستغرقون في نومهم، غير مبالين بصلاة تفوتهم أو صلاة يخرج وقتها، المهم أن يهنأ بنومه، لا يستشعرون ضرورة الاستيقاظ للصلاة، أضاعوا الصلاة واعتذروا بالنوم، لكن الاعتذار بالنوم لا يكون بالغياب عن الجامعة أو المدرسة، ولا بالغياب عن الوظيفة، ولا يفوت رحلة وسفراً.



أيها النائم عن الصلوات المكتوبات: ألا تخشى أن يحرمك الله لذة النوم أو يحرمك من النوم، فتعيش قلقاً لا تعرف معه للنوم لذة، ألا تخشى أن يصيبك من العذاب مثل ما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- من عذاب الذي ينام عن الصلاة المكتوبة؟ أيتحمل رأسك ضربة بحجر من ملك؟ فكيف بضربات؟!!
2024/09/21 12:37:00
Back to Top
HTML Embed Code: