‏سُبْحَان مَن جَمَعَ الضدينِ فَائتلفا
بَيَاضُ خدّكِ والخالُ الَّذي فيهِ
فلا مَحت آية اللَّيل النَّهار بهِ
ولا النّهارُ تَلاشَى في لياليهِ

على وفاقٍ أقاما فوق صفحتهِ
لا النورُ يَبّغي ولاالظلماءُ تُطفيهِ
ياجامع الضدِّ بالضدِّ النقيضِ لهُ
أنت الطبيبُ فَخفف ما أُعانيهِ

إنْ كَانَتِ النِّساءُ أقمَارٌ
وبدورُ ليلٍ فِي اللَّيالِي!
فإنَّ محبُوبتِي شَمسٌ
والبدروُ تعكِسُ الضَيَاء

وأنا الذي باتَ الليالي ساهرًا
‏يرعى النجومَ لعلهُ يلقاكِ
‏مادامَ قلبي والفؤاد ومُهجتي
‏أسرى لديكِ فأكرمي أسراكِ

أتعرفُ أن غيث الحزن
‏في الأجفانِ قد أمطر
‏فأنبت في حنايا الروح
‏ما أضنى .. و ما أسهر

أتاني هواها قَبْلَ أَنْ أَعْرِفَ الهوى
فصادفَ قلبًا خاليًا فتمكَّنا

إِلَى الله أَشْكُو أَنَّنِي كُلَّ لَيْلَةٍ
‏إِذَا نِمْتُ لَمْ أَعْدَمْ طَوَارِقَ أَوْهَامِي
‏فَإِنْ كَانَ شَرّاً فَهُوَ لَا بُدَّ وَاقِعٌ
‏وَإِنْ كَانَ خَيْراً فَهُوَ أَضْغَاثُ أَحْلَامِ

لَوْلَا المَشَقَّةُ سَادَ النَّاسُ كُلُّهُمُ
الجُودُ يُفْقِرُ وَالإِقْدَامُ قَتَّالُ

فلستُ الذي تُغْريه في الخَلقِ كثرةٌ
‏ ولستُ الذي إنْ قلّ صَحبٌ تَبَرّمَا

إِذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلّا تَكَلُّفاً
فَدَعهُ وَلا تُكثِر عَلَيهِ التَأَسُّفا
فَفي الناسِ أَبدالٌ وَفي التَركِ راحَةٌ
وَفي القَلبِ صَبرٌ لِلحَبيبِ وَلَو جَفا
فَما كُلُّ مَن تَهواهُ يَهواكَ قَلبُهُ
وَلا كُلُّ مَن صافَيتَهُ لَكَ قَد صَفا
إِذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَةً
فَلا خَيرَ في وِدٍّ يَجيءُ تَكَلُّفا

وكنتُ مُعداً للعتاب صحائفاً
فلما ألتقينا ما وجدتُ ولا حرفاً

‏وَالهَجرُ أَقتَلُ لي مِمّا أُراقِبُهُ
‏أَنا الغَريقُ فَما خَوفي مِنَ البَلَلِ

وتساءلَتْ ماذا دهاك حبيبي
وطواني الشذا وغنَّى الهديلُ
اترك الجرح لحظةً يتكلم
رُبَّ جُرحٍ يطيبُ حينَ يقولُ
يا أعزَّ النساء.. همي ثقيلٌ
هل بعينيكِ مرتعٌ ومقيلُ؟
هل بعينيك.. حين آوي لعينيك
مروج خضر وظلٌ ظليلُ؟
هل بعينيك بعد زمجرة القفر
غديرٌ... وخيمةٌ.. ونخيلُ؟
يا أعز النساء.. جئتك جوعان
طعامي كآبةٌ وذهولُ
يا أعز النساء.. جئتك حيران
فأين الحادي وأين الدليلُ؟
يا أعز النساء.. جئتك ظمآن
فأين الأكوابُ والسلسبيلُ؟
يا أعز النساء.. جئتُ حصاناً
مُثخناً هدَّه السباقُ الطويلُ
كُسرت ساقهُ فَجُنَّ إباءً
كيف يحبو هذا الجوادُ الأصيلُ
أين ولَّتْ براءتي؟ أين طُهري؟
أين ذاك الفتى العفيفُ الخجولُ؟
كبر الطفل شيَّبته الليالي
وعرَّته من صباه الفصولُ
قبضةُ الأربعين تصهر روحي
فأحاسيسي العذارى كهولُ!
لم تعد ثَم شُعلة من حماسٍ
سُكِبَ الزيت واستراح الفتيلُ
قدري ما صنعته باختياري
قدري صاغه العلي الجليل..

فَلا تَرضَ بِمَنقَصَةٍ وَذُلٍّ
‏وَتَقنَع بِالقَليلِ مِنَ الحُطامِ
‏فَعَيشُكَ تَحتَ ظِلِّ العِزِّ يَوما
‏وَلا تَحتَ المَذَلَّةِ أَلفَ عامِ