Telegram Web Link
ن القصبة خوفًا من أبيهما؛ وذلك أن شياطين الإنس صاروا يوسوسون لأمهما ويخوفونها عليهما من سطوة أبيهما، ويغوونها مع ما كان بينها وبين مملوكة أبيهما الرومية ثريا من الشحناء، فلم يزالوا يغوونها حتى سمحت لهم بهما، فاحتالت عليهما بالليل، وأخرجتهما إليهم، وساروا بهما إلى وادي آش، فقام أهل وادي آش بدعوتهما، ثم قامت غرناطة - أيضًا - بدعوتهما، واشتعلت نار الفتنة ببلاد الأندلس، ووقعت بينهم حروب وكوائن أعرضنا عن ذكرها لقبحها؛ لأن الآمر آل بينهم إلى أن قتل الوالد ولده، ولم تزل نار الفتنة مشتعلة وعلاماتها قائمة في بلاد الأندلس والعدو - دمره الله - مع ذلك كله مشتغل بحيلته في أخذ الأندلس، إلى أن ساعده الزمان ووافقته الأقدار »[٧].

١٧٩٩- ويعرض لنا الأستاذ محمد عبد الله عنان هذا الأمر في أسلوب قصصي شائق مستعينًا فيه بالروايات العربية والقشتالية، فيقول : « تحتل شخصية عائشة الحرة في حوادث سقوط غرناطة مكانة بارزة، وليس ثمة - في تاريخ تلك الفترة الأخيرة من المأساة الأندلسية - شخصية تثير من الإعجاب والاحترام، ومن الأسى والشجن قدر ما يثير ذكر هذه الأميرة النبيلة الساحرة، التي تذكرنا خلالها البديعة ومواقفها الباهرة، وشجاعتها المثلى إبان الخطوب المدلهمة بما نقرأه في أساطير البطولة القديمة من روائع السير والمواقف ...كانت عائشة الحرة ملكة غرناطة في ظلِّ مُلك يحتضر، ومجد يشع بضوئه الأخير ليخبو ويغيض .... وكانت عائشة ترى من الطبيعي أن يئول الملك إلى ولدها، ولكن حدث بعد ذلك ما يهدد هذا الأمل المشروع؛ ذلك أن السلطان أبا الحسن ركن في أواخر أيامه إلى حياة الدعة، واسترسل في أهوائه وملاذه، واقترن للمرة الثانية بفتاة نصرانية رائعة الحُسن، تعرفها الرواية الإسلامية باسم « ثريا » الرومية، وتقول الرواية الإسبانية : إن ثريا هذه واسمها النصراني إيسابيلا ... فهام بها السلطان أبو الحسن، ولم يلبث أن تزوجها، واصطفاها على زوجه الأميرة عائشة، التي عُرفت عندئذ بـ« الحرة »؛ تمييزًا لها عن الجارية الرومية، أو إشادة بطهرها ورفيع خلالها ...

١٨٠٠- وكان السلطان أبو الحسن قد شاخ يومئذٍ، وأثقلثه السنون، وغدا أداة سهلة في يد زوجه الفتية الحسناء، وكانت ثريا فضلاً عن حسنها الرائع فتاة كثيرة الدهاء والأطماع، وكان وجود هذه الأميرة الأجنبية في قصر غرناطة، واستئثارها بالسلطان والنفوذ في هذه الظروف العصيبة، التي تجوزها المملكة الإسلامية عاملاً جديدًا في إذكاء عوامل الخصومة والتنافس الخطرة. وكانت ثريا في الواقع تتطلع إلى أبعد من السيطرة على الملك الشيخ؛ ذلك أنها أنجبت من الأمير أبي الحسن كخصيمتها عائشة ولدين؛ هما : سعد ونصر، وكانت ترجو أن يكون الملك لأحدهما، وقد بذلت كل ما استطاعت من صنوف الدس والإغراء لإبعاد خصيمتها الأميرة عائشة عن كل نفوذ وحظوة، وحرمان ولديها محمد ويوسف من كل حق في الملك، وكان أكبرهما أبو عبد الله محمد ولي العهد المرشح للعرش، وكان أشراف غرناطة يؤثرون ترشيح سليل بيت الملك على عقب الجارية النصرانية، ولكن ثريا لم تيأس ولم تفتر همتها، فما زالت بأبي الحسن حتى نزل عند تحريضها ورغبتها، وأقصى عائشة وولديها عن كل عطف ورعاية، ثم ضاعفت ثريا سعيها ودسها حتى أمر السلطان باعتقالها، وزجت عائشة مع ولديها إلى برج قمارش أمنع أبراج الحمراء، وشدد في الحجر عليهم، وعوملوا بمنتهى الشدة والقسوة.

١٨٠١- فأثار هذا التصرف غضب كثير من الكبراء، الذين يؤثرون الأميرة الشرعية وولديها بعطفهم وتأييدهم، وكان نذير الاضطراب والخلاف في المجتمع الغرناطي، وانقسم الزعماء والقادة إلى فريقين خصيمين؛ فريق يؤيد الأميرة الشرعية وولديها، وفريق يؤيد السلطان وحظيته، واستأثر الفريق الأخير بالنفوذ مدى حين، واضطرمت الأهواء والشهوات والأحقاد، واشتدَّ السخط على أبي الحسن وحظيته التي أضحت سيدة غرناطة الحقيقية، واستأثرت بكل سلطة ونفوذ. وذهبت ثريا في طغيانها إلى أبعد حدٍّ، فحرضت الملك الشيخ على إزهاق ولده أبي عبد الله عثرة آمالها.

١٨٠٢- وكانت الأميرة عائشة امرأة وافرة العزم والشجاعة، فلم تستسلم ... بل عمدت إلى الاتصال بعصبتها وأنصارها، وفي مقدمتهم بنو سراج أقوى أسر غرناطة، وأخذت تُدَبِّر معهم وسائل الفرار والمقاومة؛ ولم يغفر السلطان أبو الحسن لبني سراج هذا الموقف قط. ويقال : إنه عمد فيما بعد إلى تدبير إهلاكهم في إحدى أبهاء الحمراء. ولما وقفت الأميرة عائشة من أصدقائها على نية أبي الحسن، قررت أن تبادر بالعمل، وأن تغادر قصر الحمراء مع ولديها بأية وسيلة، وفي ليلة من ليالي جمادى الثانية سنة (٨٨٧هـ=١٤٨٢م) استطاعت الأميرة أن تفر مع ولديها محمد ويوسف ...

١٨٠٣- وكان اسم عائشة ورفيع خلالها، وقصة فرارها الجريء تثير أيما عطف وإعجاب، وظهر ولدها الأمير الفتى أبو عبد الله محمد في وادي آش حيث مجمع عصبته وأنصاره، وكان السلطان أبو الحسن وقت فرار الأميرة وولديها بعيدًا عن غرناطة، يدافع النصارى عن أسوار لوشة، وكانت الحوادث تسير بسرعة مؤذنة
باضطرام عاصفة جديدة»[٨].

#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
__________________
د.راغب السرجاني.

[١] ينبغي أن نسجل هنا شكرًا بالغًا للمجهود الرائع الذي بذله الأستاذ محمد عبد الله عنان في التأريخ لهذه الفترة، وهو يُعَدُّ مصدرًا رئيسًا لها، فهذه الفترة تعاني ندرة في المصادر العربية، وقد بذل الأستاذ عنان جهدًا مبكرًا في جمع وتحليل الروايات القشتالية والإفرنجية المتاحة، كما قد عثر على وثائق كثيرة في شكل مخطوطات عربية وإفرنجية في رحلاته لإسبانيا والمغرب، وغيرها من المدن الأندلسية القديمة والمغاربية أيضًا، ولا يكاد يخلو كتاب - أرَّخ لهذه الفترة بعدَه - من الاعتماد على ما أتى به.
[٢] كان محمد بن يوسف بن نصر مؤسس هذه الدولة بغرناطة يلقب أيضًا بـ « الغالب بالله »، وهكذا كان أبو عبد الله محمد بن علي آخر ملوك غرناطة، والذي عُرف في التاريخ الإسباني من بعد بـ« الملك الصغير »، وكان يُلقب بـ « الغالب بالله »، ويُعلق الأستاذ محمد عبد الله عنان على ذلك بقوله،٧/ ٢٨٨ : « وهي شعار سائر ملوك غرناطة ».
[٣] محمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس، ٧/ ١٩٤.
[٤] مجهول : نبذة العصر، ص٤٥-٥٠.
[٥] المقري : نفح الطيب،٤/ ٥١١-٥١٢.
[٦] محمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس، ٧/ ٢٠٠ .
[٧] مجهول : نبذة العصر، ص٤٦- ٦٢، وانظر أيضًا : المقري : نفح الطيب،٤/ ٥١٢- ٥١٤.
[٨] محمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس٧/ ١٩٦- ٢٠١.

💥 نلتقى بإذن الله تعالى
فى الحلقة( ٢٠٦ )

🏳 من قصة الأندلس

وصلى الله وسلم على نبينا محمد ﷺ .

💎💎💎🌴💎💎💎
🌙 *قصة الأندلس*🌄
☆¤☆¤☆¤☆
📜 الحلقة ( ٢٠٦ )
☆☆☆☆☆
📚 *أمة اقرأ يجب أن تقرأ.*
•┈┈•✿❁✿•┈┈•
👑 *مملكة غرناطة*
•••━═•✿•═━•••
*حصار غرناطة*
•••━═•✿•═━•••
🗡 *فرناندو الخامس واستغلال النزاع والفرقة:*
•┈┈••✦✿✦••┈┈•
١٨٠٤- حيال هذا الوضع الذي آل إليه حال المسلمين في الأندلس استغل فرناندو الخامس هذا الموقف جيدًا لصالحه، وبدأ يهاجم حصون غرناطة؛ حيث كان يعلم أن هناك خلافًا وشقاقًا كبيرًا داخل البلد، فدارت المعارك بين المسلمين والقشتاليين على أكثر من جبهة، استطاع المسلمون الانتصار في بعضها، وانهزموا في البعض الآخر، وهذه الهزائم لم تكن لقوة عدوهم بقدر ما كانت للضعف الذي كان قد وصلت إليه مملكتهم، نتيجة لاستمراء أميرهم لحياة الدعة والراحة، أما الشعب فإنه كان متحفزًا للدفاع عن نفسه تحفزًا كبيرًا، ثم تتابعت الأحداث، إذ قامت ثورة وضعت أبا عبد الله محمدًا في السلطة، وفرَّ أبوه إلى الزغل في مالقة، وهناك ومن مالقة كان الزغل يدفع النصارى عنها أشد دفاع، واستطاع – بعون الله تعالى - رد النصارى بعد هزائم شديدة مريرة، فقدوا فيها الكثير ومنهم بعض زعمائهم، كما فقدوا فيها الكثير من العُدد والآلات، فنشط أبو عبد الله هو الآخر لغزو النصارى، وغزاهم بالفعل واستطاع أن ينتصر عليهم ... وأن يتوغل في بلادهم، وأثناء عودته من هناك محملاً بالغنائم، قطع عليه النصارى طريق عودته، ودارت بين الفريقين معركة قرب إلياسنة هُزم فيها المسلمون، وأُسر ملكهم أبو عبد الله محمد الصغير[١].

١٨٠٥- وبعد أَسْر الصغير عاد أبوه الزغل لحكم غرناطة، فأصبحت من جديد إمارة واحدة تحت حكم الزغل، غير أن المرض كان قد هدَّه وذهب ببصره؛ إذ أُصيب بمرض شبه الصرع، وأصيب في بصره، وأصابه خدر في جسده، وعاقبه الله تعالى بأنواع من البلاء؛ فتنازل عن الملك لأخيه محمد بن سعد، وحُمل إلى مدينة المنكب فأقام بها حتى مات[٢].

١٨٠٦- وبذل أبو الحسن حين عوده إلى العرش جهده لافتداء ولده، لا بباعث الحب له والشفقة عليه، ولكن لكي يحصل في يده ويأمن شره ومنافسته، وعرض على فرناندو نظير تسليمه أن يدفع فدية كبيرة، وأن يُطلق عددًا من أكابر النصارى المأسورين عنده، فأبى فرناندو، وآثر أن يحتفظ بالأسير إلى حين، وبذلت الأميرة عائشة من جهة أخرى مجهودًا آخر لإنقاذ ولدها، بمؤازرة الحزب الذي يناصره، وأرسلت إلى ملك قشتالة سفارة على رأسها الوزير ابن كماشة؛ ليفاوض في الإفراج عن الأسير مقابل الشروط التي يرضاها، وانتهت المفاوضات بين الفريقين بعقد معاهدة سرية تتلخص نصوصها فيما يلي : أن يعترف أبو عبد الله بطاعة الملك فرناندو وزوجه إيزابيلا، وأن يدفع لهما جزية سنوية قدرها اثنا عشر ألف دوبلا من الذهب، وأن يُفرج في الحال عن أربعمائة من أسرى النصارى الموجودين في غرناطة يختارهم ملكهم، ثم يطلق بعد ذلك كل عام سبعين أسيرًا لمدة خمسة أعوام، وأن يُقَدِّم أبو عبد الله ولده الأكبر رهينة مع عدد آخر من أبناء الأمراء والأكابر ضمانًا بحسن وفائه. وتعهَّد الملكان الكاثوليكيان من جانبهما بالإفراج عن أبي عبد الله فورًا، وألا يكلف في حكمه بأي أمر يخالف الشريعة الإسلامية، وأن يعاوناه في افتتاح المدن الثائرة عليه في مملكة غرناطة، وهذه المدن متى تم فتحها، تغدو واقعة تحت طاعة ملك قشتالة، وأن تستمر هذه الهدنة لمدة عامين من تاريخ الإفراج عن السلطان الأسير »[٣].
•┈┈•◈◉✹◉◈•┈┈•
🌌 *ملك إسبانيا والتداعي على باقي القصعة:*
•┈┈┈•◉۩ ۩◉•┈┈┈•
*فرناندو واحتلال مالقة ووادي آش*
•┈┈•◈◉✹◉◈•┈┈•
١٨٠٧- كان على الساحة الآن « الصغير » ومعه ولاية غرناطة، والزغل ومعه وادي آش، ثم ملك إسبانيا وتحت قبضته مالقة، واستكمالاً لآمال كان قد عقدها قديمًا، وفي سنة ( ٨٩٥هـ= ١٤٩٠م ) انطلق ملك إسبانيا من مالقة إلى ألمرية على ساحل البحر المتوسط، واستولى على كل ما في طريقه إليها من مدن وحصون، ثم تمَّ تسليم ألمرية له بعد ذلك، وقد دافع المسلمون عن مدنهم أشد دفاع وأسناه، ولكن فارق الإمكانيات لم يساعدهم، ولم يحل شيء دون وقوع المصير المحتوم[٤].

١٨٠٨- ثم منها توجه إلى وادي آش ( التي هي في يد الزغل ) فاستولى عليها، بعد أن رأى الزغل أنه قد أحيط به، وأنه ما عاد يستطيع الدفع عن بلاده، وبعد أن استنجد بمن استطاع الاستنجاد به من ملوك المسلمين[٥].
*┅─❉──❉─┉*
*حصار غرناطة*
*┅─❉──❉─┉*
١٨٠٩- كان الوضع الآن أن حوصرت مدينة غرناطة وكل قراها ومزارعها من كل مكان بجيوش النصارى، أحاطوها من الشرق ومن الغرب ومن الشمال ومن الجنوب، وكان كما قال رسول الله ﷺ : « يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا ». فقال قائلٌ : ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ قال : « بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ». فقال قائلٌ : يا رسول الله، و
ما الوهن. قال : « حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ »[٦].

١٨١٠- فقد تداعت ملوك النصارى حول مملكة غرناطة الصغيرة والضعيفة جدًّا في ذلك الوقت، واستولى ملك إسبانيا ( قشتالة وأرجون متحدتين ) على برجين : برج ملاحة غرناطة، وبرج قرية همدان، وكانا برجين كبيرين حصينين، فزادهما تحصينًا وشحنهما بالرجال، وما يحتاج إليه من آلة الحرب؛ ليضيق على أهل غرناطة؛ لأنهم كانوا قريبين منهما، فضيَّق بذلك عليهم أشدَّ الضيق.

#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
__________________
د. راغب السرجاني .

[١] مجهول : نبذة العصر، ص٥٠- ٦٧، والمقري : نفح الطيب،٤/ ٥١٢- ٥١٥، ومحمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس،٧/ ٢٠١- ٢٠٣، ومحمود علي مكي : التاريخ السياسي للأندلس ص١٣٤، منشور في الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، تحرير : سلمى الخضراء الجيوسي.
[٢] مجهول : نبذة العصر ص ٦٧ ، ٦٨، والمقري : نفح الطيب، ٤ /٥١٥، ومحمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس٧/ ٢٠٤.
[٣] محمد عبد الله عنان في دولة الإسلام في الأندلس،٧/ ٢٠٤، ٢٠٥.
[٤] مجهول : نبذة العصر، ص٩٨، والمقري : نفح الطيب،٤/ ٥٢٢، ومحمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس،٧/ ٢٢٦، ٢٢٧.
[٥] مجهول : نبذة العصر، ص٩٩- ١٠١، والمقري : نفح الطيب،٤/ ٥٢٢، ٥٢٤، ومحمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس،٧/ ٢٢٧، ٢٢٨.
[٦] أبو داود : كتاب الملاحم، باب في تداعي الأمم على أهل الإسلام(٤٢٩٧)، وقال الألباني : صحيح

💥 نلتقى بإذن الله تعالى
فى الحلقة( ٢٠٧ )

🏳 من قصة الأندلس

وصلى الله وسلم على نبينا محمد ﷺ .

💎💎💎🌴💎💎💎
🌙 *قصة الأندلس*🌄
☆¤☆¤☆¤☆
📜 الحلقة ( ٢٠٧ )
☆☆☆☆☆
📚 *أمة اقرأ يجب أن تقرأ.*
•┈┈•✿❁✿•┈┈•
👑 *مملكة غرناطة*
•••━═•✿•═━•••
🏴 *معاهدة تسليم غرناطة*
•┈┈•◈◉✹◉◈•┈┈•
١٨١١- وفي أول عام ( ٩٨٥هـ= ديسمبر ١٤٨٩م ) وحسبما تُشير بعض الوثائق، تم صلح جديد، « حسبما تدل على ذلك وثيقة صادرة عن أبي عبد الله نفسه في( المحرم سنة ٨٩٥هـ) ( ديسمبر سنة ١٤٨٩م )، وهي عبارة عن خطاب موجه منه إلى قادة وأشياخ بلدة أجيجر، وفيه يُنَوِّه أبو عبد الله بهذا ( الصلح السعيد ) المعقود لعامين، ويدعو إلى الدخول فيه ... وبالرغم من أننا لا نعرف نصوص هذا الصلح مفصَّلة، فإن بعض الروايات القشتالية تذكر لنا أن أبا عبد الله قد تعهد في هذا الصلح بأن يُسَلِّم مدينة غرناطة للملكين الكاثوليكيين، متى تمَّ تسليم بسطة وألمرية ووادي آش. وعلى أي حال ففي فاتحة سنة ( ١٤٩٠م ) ( أوائل صفر ٨٩٥هـ ) أرسل الملكان الكاثوليكيان إلى السلطان أبي عبد الله سفارة لتخاطبه في موضوع التسليم ... ولم يطلب ( ملك قشتالة ) تسليم غرناطة ذاتها، ولكن طلب تسليم مدينة الحمراء مقر الملك والحكم.
❂:::ــــــــــــــ✺ـــــــــــــ:::❂
🗡 *فماذا كان جواب أبي عبد الله؟*
❂:::ــــــــــــــ✺ـــــــــــــ:::❂
١٨١٢- لقد كان في سابق مواقفه ما يحمل الملكين الكاثوليكيين على توقُّع استسلامه وخضوعه، ولكن حدث عكس ما توقعه الملكان؛ إذ أرسل إليهما القائد أبا القاسم المليح برسالة ( بتاريخ ٢٩ صفر سنة ٨٩٥هـ= ٢٣ يناير سنة ١٤٩٠م )؛ وبالرغم من اللهجة المهذبة المقرونة بعبارات الخضوع والطاعة التي اختتمت بها الرسالة، فقد كان فحواها هو الرفض. لكن الملكان الكاثوليكيان أصرَّا على طلبهما، فاعتزم أبو عبد الله أن يشهر عليهما الحرب، لولا أن نصحه بعض الأكابر بالروية والتريث. فأرسل وزيره يوسف بن كُماشة ومعه تاجر كبير من سراة غرناطة، له علائق طيبة مع النصارى يدعى إبراهيم القيسي إلى الملكين الكاثوليكيين في إشبيلية؛ لإقناعهما بالعدول عن مطلبهما، ولكنهما عادا خائبين، وعلى ذلك استؤنفت الحرب بين المسلمين والنصارى.

١٨١٣- وهنا نقف قليلاً لنتأمل هذا الموقف الجديد من جانب أبي عبد الله؛ أجل كانت الخطوب والمحن التي جازتها الأندلس في هذه الأعوام المليئة بالحوادث، قد جعلت من أبي عبد الله رجلاً آخر، وكان هذا الأمير الضعيف يرقب سير الحوادث جزعًا، ويستشف من ورائها القدر المحتوم، وكان قد تخلَّص بانسحاب عمه من الميدان من منافسه القوي، ولكنه فقد في الوقت نفسه أقوى عضد يمكن الاعتماد عليه في الدفاع والمقاومة، وكانت سائر قواعد الأندلس الأخرى قد غدت نهائيًّا من أملاك مملكة قشتالة، وعيّن لها حكام من النصارى، وتدجن مَن بقي من أهلها، أو غدوا مدجَّنين يدينون بطاعة ملك النصارى، وذاعت بها الدعوة النصرانية، وارتد كثير من المسلمين حرصًا على أوطانهم ومصالحهم، أو اتقاء الريب والمطاردة، ولكن كثيرًا منهم ممن أشفقوا على أنفسهم ودينهم جازوا البحر إلى المغرب.

١٨١٤- وهرعت جموع غفيرة أخرى منهم إلى غرناطة معقل الإسلام الوحيد الباقي؛ حتى غدت الحاضرة تموج بسكانها الجدد، وحتى أصبحت تضمُّ بين أسوارها وأرباضها أكثر من أربعمائة ألف نفس، وكانت موجة عامة من اليأس والنقمة تغمر هذه الألوف، التي أوذيت في الأوطان والأنفس والولد والمال، دون أن تجني ذنبًا أو جريرة، وكانت فكرة التسليم للعدو الباغي أو مهادنته تلقى استنكارًا عامًّا، ولم يكن أبو عبد الله يجهل هذا الاتجاه العام، فلما وفد إليه سفيرا ملكي قشتالة في طلب التسليم، ثارت نفسه لهذا الغدر والتجني، وأدرك - وربما لأول مرة - فداحة الخطأ الذي ارتكبه في محالفة هذا الملك الغادر، ومعونته على بني وطنه ودينه، ولما أصرَّ فرناندو على تجنيه جمع أبو عبد الله الكبراء والقادة، فأجمعوا على رفض ما طلبه الملكان النصرانيان، وأعلنوا عزمهم الراسخ على الدفاع حتى الموت عن وطنهم ودينهم، وأبلغ أبو عبد الله ملك قشتالة بأنه لم يَعُدْ له القول والفصل في هذا الأمر، وأن الشعب الغرناطي يأبى كل تسليم أو مهادنة، ويُصَمِّم على المقاومة والدفاع. هكذا كان جواب أبي عبد الله لملكي قشتالة، وهكذا حمل الأمير الضعيف - بعزم شعبه - من الاستكانة والمهادنة إلى التحدي والمقاومة»[١].

١٨١٥- وما أن علم ملك قشتالة بامتناع أبي عبد الله عن التسليم ذهب إلى غرناطة، وحاصرها، فحاربه المسلمون وبرز إليه الأمير أبو عبد الله محمد، وصمد المسلمون في وجه الطاغية صمودًا بطوليًّا رده – بفضل الله تعالى - خائبًا خاسرًا إلى بلاده، وما أن ذهب حتى بدأ المسلمون بقيادة أبي عبد الله يغزون البلاد النصرانية المحيطة، ويساعدون الثوار المسلمين في البلاد التي استولى عليها النصارى قريبًا، وقد استطاعوا بالفعل الاستيلاء على عدد من الحصون والمدن القريبة والمهمة، ثم عاد الطاغية لمحاصرة غرناطة، ورده الله دون أن ينال منها شيئًا، ورجع المسلمون لغزواتهم، وهكذا حتى جاءهم الطاغية محاصرًا للمرة الثالثة، وكله تصميم على
ألا يرحل هذه المرة عن غرناطة إلا بعد فتحها، ولعل أحد أسباب تصميمه هذا هو خوفه من هذا النشاط الذي ظهرت به غرناطة في فترتها الأخيرة، على أن غرناطة لم تستسلم لهذا الحصار، وعملت على كسره ضاربة بذلك أروع أمثلة البطولة والفروسية، بل كانت سرايا المسلمين تخرج للعيث في البلاد النصرانية القريبة[٢].

#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
__________________
د.راغب السرجاني.
.
[١] مجهول : نبذة العصر، ص١٠٢، ١٠٣، والمقري : نفح الطيب،٤/ ٥٢٣. ومحمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس،٧/ ٢٢٩- ٢٣٢، ونقلنا عن هذا المصدر الأخير باختصار.
[٢] مجهول : نبذة العصر، ص١٠٣- ١١٧، والمقري : نفح الطيب،٤/ ٥٢٣، ٥٢٤، ومحمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس،٧/ ٢٣٢- ٢٣٦.

💥 نلتقى بإذن الله تعالى
فى الحلقة( ٢٠٨ )

🏳 من قصة الأندلس

وصلى الله وسلم على نبينا محمد ﷺ .

💎💎💎🌴💎💎💎
🌙 *قصة الأندلس*🌄
☆¤☆¤☆¤☆
📜 الحلقة ( ٢٠٨ )
☆☆☆☆☆
📚 *أمة اقرأ يجب أن تقرأ.*
•┈┈•✿❁✿•┈┈•
👑 *مملكة غرناطة*
•••━═•✿•═━•••
🗡 *موسى بن أبي غسان .. آخر مجاهدي الأندلس*
•┈┈••✦✿✦••┈┈•
🌌 *غرناطة .. حصار حتى الموت*
•┈┈••✦✿✦••┈┈•
١٨١٦- برز في هذا الحصار الأخير داخل غرناطة حركة جهادية بارزة على رأسها رجل يُسمى موسى بن أبي غسان، فكان أن حرَّك الجهاد في قلوب الناس، وبدأ يُحَمِّسهم على الموت في سبيل الله، وعلى الدفاع عن بلدهم وهويتهم، فاستجاب له الشعب وتحرك للدفاع عن غرناطة[١].

١٨١٧- وطيلة سبعة أشهر كاملة ظل أصحاب الانتفاضة في دفاعهم عن حصون غرناطة ضد الهجمات النصرانية الشرسة، وإليك طرفًا من هذا الصمود يحكيه الفارس المعاصر صاحب كتاب نبذة العصر :
« رجع ملك قشتالة إلى فحص غرناطة، ونزل بمحلته بقرية عتقة، ثم شرع في البناء، فبنى هنالك سورًا كبيرًا في أيام قلائل، وصار يهدم القرى، ويأخذ ما فيها من آلة البناء، ويجعله على العجل، ويحمله إلى ذلك البلد الذي بناه، ويبني به، وهو مع ذلك يقاتل المسلمين ويقاتلونه قتالاً شديدًا، وحارب ملك الروم - أيضًا - أبراج القرى الدائرة بغرناطة وأخذها، ولم يبق إلا قرية الفخار، فلم يزل يُلِحُّ عليها ويجلب عليها بخيله ورجله، ويطمع أن يجد فرصة فلم يقدر على شيء، حتى قتل له عليها خلق كثير من الروم، ووقعت عليها ملاحم كثيرة بين المسلمين والنصارى؛ لأن المسلمين كانوا يُلِحُّون على حمايتها خوفًا من أن يملكها الروم؛ فتكون سببًا في إخلاء قرى الجبل وحصار البلد، فلم يزالوا يدافعون عنها ويقاتلون مَنْ قصدها؛ حتى قصر عنها العدو؛ لكثرة ما قُتل له عليها من خيل ورجال.

١٨١٨- ولم تزل الحرب متصلة بين المسلمين والنصارى كل يوم؛ تارة في أرض الفخار، وتارة في أرض بليانة، وتارة في أرض رسانة، وتارة في أرض طفير، وتارة في أرض يعمور، وتارة في أرض الجدوى، وتارة في أرض رملة أفلوم، وتارة في أرض الربيط، وتارة وادي منتثيل، وغير ذلك من المواضع التي على غرناطة، وفي كل ملحمة من هذه الملاحم يثخن كثير من أنجاد الفرسان بالجراحات من المسلمين، ويستشهد آخرون، ومن النصارى أضعاف ذلك، والمسلمون فوق ذلك صابرون محتسبون، واثقون بنصر الله تعالى، يقاتلون عدوهم بنية صادقة وقلوب صافية، ومع ذلك يمشي منهم الرجال في ظلام الليل لمحلة النصارى، ويتعرضون لهم في الطرقات، فيغنمون ما وجدوا من خيل وبغال وحمير وبقر وغنم ورجال، وغير ذلك حتى صار اللحم بالبلد من كثرته : رطل بدرهم.

١٨١٩- ومع ذلك لم تزل الحرب متصلة بين المسلمين والنصارى، والقتل والجراحات فاشيان في الفريقين سبعة أشهر، إلى أن فنيت خيل المسلمين بالقتل، ولم يبقَ منها إلا القليل، وفني - أيضًا - كثير من نجدة الرجال بالقتل والجراحات »[٢].

١٨٢٠- إلاَّ أن البسالة وحدها لا تكفي في ظلِّ وضع كهذا؛ إذ المسلمون محاصرون داخل المدينة ولا يمكنهم الحصول على الإمدادات، فيما النصاري يحاصرونهم من الخارج، وخطوط الإمدادات مفتوحة من بلادهم، ولا سيما أن الحرب دفعت بكثير من الغرناطيين إلى الخروج من البلدة، بما انتهبها من الخوف والفزع، وتبعات الحرب المتواصلة، فظلت غرناطة تضعف شيئًا فشيئًا، ثم لما دخل فصل الشتاء ونزلت الثلوج أصابت طريق البشرة - الذي كانت الأطعمة تأتي عبره إلى غرناطة - فقل الطعام عند ذلك في أسواق المسلمين في غرناطة، واشتد الغلاء وأدرك الجوع كثيرًا من الناس وكثر السؤال.
•┈┈•◈◉✹◉◈•┈┈•
🌌 *تسليم غرناطة*
•┈┈•◈◉✹◉◈•┈┈•
١٨٢١- وهنا لم يكن أمام الغرناطيين إلا التسليم بالأمان، فذهب جمع منهم إلى ملكهم محمد؛ طالبين منه أن يفاوض ملك قشتالة على التسليم بالأمان، وقد أورد صاحب نبذة العصر ما يُفيد بأن التسليم كان رغبة قائمة في نفس محمد الصغير من قبل، إلاَّ أنه خاف من العامة، فكان يُراسل ملك قشتالة سرًّا، ولهذا قطع ملك قشتالة الحرب فترة، وبقي على ما هو فيه من الحصار والتشديد، منتظرًا جهود محمد الصغير في إقناع العامة بالتسليم بالأمان، فلما أثمرت جهوده مع العامة، وذهب وفدهم إليه، سارع مستجيبًا لهم، ثم سارع مرسلاً وزراءه إلى ملك قشتالة، الذي سارع بدوره بالقبول[٣].

١٨٢٢- ونحن نذهب إلى قبول هذه الرواية وترجيحها، لا سيما وأن سيرة ملك غرناطة وطبيعة وزرائه تدفعنا لإسائة الظن بهم، ثم وجدنا الأستاذ محمد عبد الله عنان يوافق هذه الرواية – بعدما كان يرتاب فيها - لما ظهر من وثائق فيما بعدُ؛ أفادت بأن مساعي كانت تُبْذَل في الخفاء لتحقيق ما يمكن من الضمانات والمغانم الخاصة لأبي عبد الله وأسرته ووزرائه، فعُقدت معاهدة سرية مُنح فيها أبو عبد الله وأفراد أسرته ووزرائه منحًا خاصة بين ضياع وأموال نقدية وحقوق مالية وغيرها، هذا بخلاف الأملاك التي كانوا يملكونها وتصرفوا فيها بالبيع، منذ بدأت الحوادث تتجهم في غرناطة [٤].
•┈┈•✿❁✿•┈┈•
*حركة الجهاد في غرناطة*
•┈┈•✿❁✿•┈┈•
١٨٢٣- واستقرَّ الأمر على تسليم غرناطة بالأمان، يروي المقري فيقول : « ثم عددوا مطالب و
٦، وتنهي المصادر القشتالية حياة موسى بأنه انتحر، ونحن نستبعد هذا الاحتمال في سيرة مجاهد كهذه السيرة.

💥 نلتقى بإذن الله تعالى
فى الحلقة( ٢٠٩ )

🏳 من قصة الأندلس

وصلى الله وسلم على نبينا محمد ﷺ .

💎💎💎🌴💎💎💎
شروطًا، أرادوها وزادوا أشياء على ما كان في صلح وادي آش؛ منها أن صاحب رومة يوافق على الالتزام والوفاء بالشرط إذا أمكنوه من حمراء غرناطة والمعاقل والحصون، ويحلف على عادة النصارى في العهود ... وكانت الشروط سبعة وستين؛ منها تأمين الصغير والكبير في النفس والأهل والمال، وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم ورباعهم وعقارهم، ومنها : إقامة شريعتهم على ما كانت، ولا يحكم أحد عليهم إلا بشريعتهم، وأن تبقى المساجد كما كانت والأوقاف كذلك، وأن لا يدخل النصارى دار مسلم، ولا يغصبوا أحدًا، وأن لا يولى على المسلمين إلا مسلم أو يهودي ممن يتولى عليهم من قبل سلطانهم ... وأن يفتك جميع من أسر في غرناطة من حيث كانوا، وخصوصًا أعيانًا نصَّ عليهم، ومن هرب من أسارى المسلمين ودخل غرناطة لا سبيل عليه لمالكه ولا سواه، والسلطان يدفع ثمنه لمالكه، ومن أراد الجواز للعدوة لا يمنع، ويجوزون في مدة عينت في مراكب السلطان، لا يلزمهم إلا الكراء، ثم بعد تلك المدة يعطون عشر مالهم والكراء، وأن لا يؤخذ أحد بذنب غيره، وأن لا يقهر من أسلم على الرجوع للنصارى ودينهم، وأن مَنْ تَنَصَّر من المسلمين يوقف أيامًا حتى يظهر حاله، ويحضر له حاكم من المسلمين وآخر من النصارى، فإن أبى الرجوع إلى الإسلام تمادى على ما أراد، ولا يعاتب على مَنْ قَتل نصرانيًّا أيام الحرب، ولا يؤخذ منه ما سلب من النصارى أيام العداوة، ولا يكلف المسلم بضيافة أجناد النصارى، ولا يسفر لجهة من الجهات، ولا يزيدون على المغارم المعتادة، وترفع عنهم جميع المظالم والمغارم المحدثة، ولا يطلع نصراني للسور، ولا يتطلع على دور المسلمين، ولا يدخل مسجدًا من مساجدهم، ويسير المسلم في بلاد النصارى آمنًا في نفسه وماله، ولا يجعل علامة كما يجعل اليهود وأهل الدجن، ولا يمنع مؤذن ولا مصلٍّ ولا صائم ولا غيره من أمور دينه، ومن ضحك منه يعاقب، ويتركون من المغارم سنين معلومة، وأن يوافق على كل الشروط صاحب رومة ويضع خط يده، وأمثال هذا مما تركنا ذكره»[٥].
•┈┈ ❁ ✿ ❁ ┈┈•
🗡 *موسى بن أبي غسان وعملية استشهادية*
•┈┈ ❁ ✿ ❁ ┈┈•
١٨٢٤- في رد فعل طبيعي وصريح له حيال ما حدث وقف موسى بن أبي غسان - رحمه الله - في قصر الحمراء وقال : لا تخدعوا أنفسكم، ولا تظنوا أن النصارى سيوفون بعهدهم، ولا تركنوا إلى شهامة مَلِكِهم؛ إن الموت أقل ما نخشى ( يُريد أن هناك ما هو أصعب من الموت )؛ فأمامنا نهب مدننا وتدميرها، وتدنيس مساجدنا، وتخريب بيوتنا، وهتك نسائنا وبناتنا، وأمامنا الجور الفاحش والتعصب الوحشي، والسياط والأغلال، وأمامنا السجون والأنطاع والمحارق، هذا ما سوف نعاني من مصائب وعسف، وهذا ما سوف تراه على الأقل تلك النفوس الوضيعة، التي تخشى الآن الموت الشريف، أما أنا فوالله ! لن أراه[٦].

١٨٢٥- يُريد موسى بن أبي غسان أنه لن يرى كل هذا الذُّل، الذي سيحل بالبلاد جراء هذا التخاذل والتقاعس، وأنه اختار الموت الشريف، ثم غادر المجلس وذهب إلى بيته ولبس سلاحه وامتطى جواده.
وانطلق يقابل سرية من سرايا النصارى، وبمفرده يقابل موسى بن أبي غسان رحمه الله تعالى خمس عشرة رجلاً من النصارى، فيقتل معظمهم، ثم يُقتل هو في سبيل الله تعالى [٧]

#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
__________________
د.راغب السرجاني.

[١] يقول الأستاذ عنان : « لم نعثر في المصادر العربية التي بين أيدينا على ذكر لموسى أو أعماله؛ ومرجعنا في ذلك هو المؤرخ الإسباني كوندي، الذي يقول : إنه نقل روايته عن مصادر عربية. ولكنه كعادته لم يذكر لنا هذه المصادر، وأشار الوزير محمد بن عبد الوهاب الغساني - في رحلته - إلى من يُدعى موسى أخا السلطان حسن المتغلب عليه بغرناطة رحلة الوزير المنشورة بعناية معهد فرانكو ص١٣ ... وقصة موسى تشغل حيزًا كبيرًا في الروايات الإسبانية ... ونحن ننقل هنا أقوال الرواية القشتالية عن موسى وفروسيته لا على أنها محققة من الناحية التاريخية، ولكن لأنها تقدم لنا صورًا رائعة لدفاع المسلمين عن دينهم ووطنهم وآخر قواعدهم ». انتهى كلام الأستاذ عنان دولة الإسلام في الأندلس هامش٧/ ٢٣٧، ٢٣٨. والحقيقة أننا لا نتوقع أن تؤلف المصادر الإسبانية شخصية إسلامية تقود دفاعًا رائعًا عن غرناطة، بل الأقرب إلى التوقع أن توجد حركة صحوة ودفاع وجهاد قبيل فترة السقوط، وهي الحركة التي تُعَدُّ من طبائع الناس جميعًا، ولا شك أن ندرة المصادر العربية عن هذه الفترة تمثل عنصرًا سلبيًّا في مثل هذه اللحظات التاريخية، فلا نجد – لملء الفراغ - إلا أن نستنطق الرويات الأخرى ونستخدم التوقع والترجيح.
[٢] مجهول : نبذة العصر ص١١٧ وما بعدها.
[٣] مجهول : نبذة العصر ص١٢١ وما بعدها.
[٤] محمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس٧/ ٢٤٢.
[٥] المقري : نفح الطيب،٤/ ٥٢٤- ٥٢٧، وانظر : مجهول نبذة العصر ص١١٩ وما بعدها، ومحمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس ٧/ ٢٤٥ وما بعدها.
[٦] محمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس،٧/ ٢٤٥، ٢٥٥.
[٧] المصدر السابق،٧/ ٢٥٥، ٢٥
🌙 *قصة الأندلس*🌄
☆¤☆¤☆¤☆
📜 الحلقة ( ٢٠٩ )
☆☆☆☆☆
📚 *أمة اقرأ يجب أن تقرأ.*
•┈┈•✿❁✿•┈┈•
👑 *مملكة غرناطة*
•••━═•✿•═━•••
🌌 *سقوط غرناطة*
•┈┈••✦✿✦••┈┈•
١٨٢٦- كان مقتل موسى بن أبي غسان وتسليم أبو عبد الله محمد الثاني عشر غرناطة إيذانًا بانتهاء عصر الدولة الإسلامية في غرناطة.
أعطى أبو عبد الله محمد الثاني عشر أو محمد الصغير الموافقة بالتسليم للملكين فرناندو الخامس وإيزابيلا، ولم ينسَ أن يرسل إليهما بعضًا من الهدايا الخاصة[١]، وبعد التسليم بأيام يدخل الملكان في خيلاء قصر الحمراء الكبير ومعهما الرهبان، وفي أول عمل رسمي يقومون بتعليق صليب فضي كبير فوق برج القصر الأعلى، ويُعلن من فوق هذا البرج أن غرناطة أصبحت تابعة للملكين الكاثوليكيين[٢]، وأن حكم المسلمين قد انتهى من بلاد الأندلس.
•┈┈┈•◉۩ ۩◉•┈┈┈•
🏴 *خروج آخر ملوك المسلمين من الأندلس*
•┈┈┈•◉۩ ۩◉•┈┈┈•
١٨٢٧- وفي نكسة كبيرة وفي ظلِّ الذل والصغار يخرج أبو عبد الله محمد بن الأحمر الصغير آخر ملوك المسلمين في غرناطة من القصر الملكي، ويسير بعيدًا في اتجاه بلدة أندرش[٣]، حتى وصل إلى ربوة عالية تُطل على قصر الحمراء يتطلع منها إليه، وإلى ذاك المجد الذي قد ولَّى، وبحزن وأسى قد تبدَّى عليه لم يستطع فيه الصغير أن يتمالك نفسه، انطلق يبكي حتى بللت دموعه لحيته، حتى قالت له أمه « عائشة الحرة » : أجل؛ فلتبك كالنساء مُلْكًا لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال[٤].

١٨٢٨- وإلى هذه اللحظة ما زال هذا التل - الذي وقف عليه أبو عبد الله محمد الصغير - موجودًا في إسبانيا، وما زال الناس يذهبون إليه، يتأمَّلون موضع هذا المَلِك الذي أضاع مُلكًا أسسه الأجداد، ويُعرف (هذا التل) بـ زفرة العربي الأخيرة، وهو بكاء أبي عبد الله محمد الصغير حين ترك ملكه[٥].

١٨٢٩- وقد تم ذلك في (الثاني من شهر ربيع الأول، سنة ٨٩٧هـ= ٢ من يناير سنة ١٤٩٢م) [٦].

١٨٣٠- وقد هاجر بعدها أبو عبد الله محمد الصغير إلى بلاد المغرب، ويذكر المقري أنه استقر بفاس، وبنى بها قصورًا على طراز الأندلس، وأن المقري نفسه قد تجوَّل في هذه القصور، ورأى ذريته في فاس سنة يأخذون من أوقاف الفقراء والمساكين، ويعدون من جملة الشحاذين[٧].

فلعنة الله على هذا الذُلِّ ! ولعنة الله على هذا التَرْك للجهاد ! اللذَيْن يوصلان إلى هذا المثوى وتلك المنزلة.

١٨٣١- وما كان من أمر، فقد اندثرت حضارة ما عرفت أوربا مثلها من قبل؛ إنها حضارة الدنيا والدين، وقد انطوت صفحة عريضة خسر العالم أجمع بسببها الكثير والكثير، وقد ارتفع علم النصرانية فوق صرح الإسلام المغلوب، وأفل وإلى الآن نجم دولة الإسلام في بلاد الأندلس.

١٨٣٢- وليت شعري، أين موسى بن نصير ؟!
أين طارق بن زياد ؟!
أين عبد الرحمن الداخل وعبد الرحمن الناصر ؟!
أين المنصور بن أبي عامر ؟!
أين يوسف بن تاشفين ؟!
أين أبو بكر بن عمر اللمتوني ؟!
أين يعقوب المنصور الموحدي ؟!
أين يعقوب المنصور المريني؟!

أين كل هؤلاء ؟!

غابوا وانقطعت آثارهم وإمداداتهم، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله !
❂:::ــــــــــــــ✺ـــــــــــــ:::❂
🌌 *أسباب سقوط غرناطة*
❂:::ــــــــــــــ✺ـــــــــــــ:::❂
١٨٣٣- كانت عوامل انحدار وسقوط وضياع الأمم قد تشابهت إلى حدٍّ كبير في كل فترات الضعف في تاريخ الأندلس، وهذه العوامل نفسها قد زادت وبشدَّة في فترة غرناطة؛ ولذلك كان السقوط كاملاً وحاسمًا؛ وكان من هذه العوامل ما يلي :
•┈┈┈•◉۩ ۩◉•┈┈┈•
1⃣ *حب الدنيا والإغراق في الترف*
•┈┈┈•◉۩ ۩◉•┈┈┈•
١٨٣٤- كان الإغراق في الترف، والركون إلى الدنيا وملذاتها وشهواتها، والخنوع والدعة والميوعة، هي أولى العوامل التي أدَّت إلى تلك النهاية المؤلمة، وقد ارتبطت كثيرًا فترات الهبوط والسقوط بكثرة الأموال والانغماس في الملذات، والميوعة الشديدة في شباب الأمة، والانحطاط الكبير في الأهداف؛ قال تعالى : { وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (١٣) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } [ الأنبياء : ١١- ١٣ ].

وهكذا يا أهل غرناطة،
أين ستذهبون؟
وإلى أين ستركضون؟
ارجعوا إلى قصر الحمراء، وارجعوا إلى مساكنكم وما أترفتم فيه، وسلموا هذه البلاد إلى النصارى، وتذوقوا الذُلَّ كما لم تعملوا للعزة وللكرامة !
•┈┈•◈◉✹◉◈•┈┈•
2⃣ *ترك الجهاد في سبيل الله*
•┈┈•◈◉✹◉◈•┈┈•
١٨٣٥- وهو أمر ملازم لمن أُغرق في الترف؛ فالجهاد سنة ماضية إلى يوم القيامة، وقد شرعه الله ليعيش المسلمون في عزَّة ويموتون في عزَّة، ثم يدخلون بعد ذلك الجنة ويُخلَّدون فيها.

وإن الناظر إلى عهد الأندلس ليتساءل : أين أولئك الذين كانوا يجاهدون في حياتهم مرة أو مرتين كل عام، وبصفة مستمرة ودائمة ؟! أين يوسف بن تاشفين، وأين أبو بكر بن عمر اللمتوني؟ وأين الحاجب المنصور؟ وأين عبد
الرحمن الناصر وغيرهم ؟

وإنها لعبرة وعظة حين ننظر إلى ملوك غرناطة، ومَنْ كان على شاكلتهم حين ذُلُّوا وأُهينو لَمَّا تركوا الجهاد في سبيل الله؛ يقول تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (٣٨) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ التوبة : ٣٨-٣٩ ].

١٨٣٦- وقد يظن البعض أنه يجب على الملتزمين بالمنهج الإسلامي أن يضحوا بأرواحهم، ويظلوا يعيشون حياة الضنك والتعب والألم في الدنيا؛ وذلك حتى يصلوا إلى الآخرة، وإن حقيقة الأمر على عكس ذلك تمامًا؛ إذ لو عاش المسلمون الملتزمون بمنهج الإسلام على الجهاد لعاشوا في عزة ومجد، وفي سلطان ومُلك من الدنيا عريض، ثم لهم في الآخرة الجنة خالدين فيها بإذن الله.
•┈┈••✦✿✦••┈┈•
3⃣ *الإسراف في المعاصي*
•┈┈••✦✿✦••┈┈•
١٨٣٧- يتبع العاملَيْن السابقين عامل الإسراف في المعاصي؛ فجيش المسلمين لا يُنصَر بالقوة ولا بالعدد والسلاح، لكنه يُنصر بالتقوى.
فإذا بعُد المسلمون عن دين ربهم، وإذا هجروا نهج رسولهم ﷺ كُتب عليهم الهلكة والذلّة والصغار، يقول رسول الله ﷺ : «إِ يَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ؛ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ »[٨].

١٨٣٨- وإذا كان هذا حال محقّرات الذنوب، تلك التي يستحقرها العبد من فرط هوانها، فلا تزال تجتمع عليه حتى تهلكه، فما البال وما الخطب بكبائر الذنوب من ترك الصلاة، والزنا، والتعامل بالربا، وشرب الخمور، والسب واللعن، وأكل المال الحرام، فأي نصر يُرجى ويُتَوقّع بعد هذا ؟!

١٨٣٩- كانت هذه هي أهم عوامل السقوط في دولة الأندلس، وهناك غيرها الكثير مثل :
1⃣ *الفرقة والتشرذم.*
2⃣ *- موالاة النصارى واليهود والمشركين:*
وقد قال تعالى : { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ } [ البقرة : ١٢٠].
وقال سبحانه : { لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ } [ التوبة : ١٠ ].

وقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [ المائدة : ٥١ ]. وآيات غيرها كثير.

3⃣ *توسيد الأمر لغير أهله:*
وكان ذلك واضحًا جدًّا خاصة في ولاية هشام بن الحكم، وولاية الناصر بعد أبيه يعقوب المنصور الموحدي، وأيضًا ولاية جميع أبناء الأحمر في ولاية غرناطة.

4⃣ *الجهل بالدين:*
- وقد وضح جيدًا قيمة العلم والعلماء في زمن عبد الله بن ياسين، وزمن الحَكم بن عبد الرحمن الناصر، وما حدث في عهدهما من قوَّة بعد هذا العلم، ووضح - أيضًا - أثر الجهل في نهاية عهد المرابطين، وفي عهد دولة الموحدين، حيث انتشر الجهل بين الناس، وسادت بينهم آراء ومعتقدات غريبة وعجيبة، كان من ذلك - أيضًا - ما حدث من الجهل بأمر الشورى، وهو أصل من الأصول التي يجب أن يحكم بها المسلمون، وكيف اعتدُّوا بآرائهم، وكيف قبل الناس ذلك منهم ؟!

١٨٤٠- ومثل ما كان من غزو محمد بن الأحمر الأول لإشبيلية، وقد تبعه الناس في ذلك؛ ظنًا منهم أنهم على صواب، وأنهم أصحاب رسالة وفضيلة، وأيُّ جهل بالدين أكثر من هذا ؟!

#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
__________________
د.راغب السرجاني.

[١] محمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس،٧/ ٢٥٧.
[٢] المصدر السابق،٧/ ٢٦٠.
[٣] وهي البلدة التي كان قد قرر الإقامة فيها، أو أراد له فرناندو ذلك، انظر : محمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس،٧/ ٢٦٤.
[٤] محمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس،٧/ ٢٦٧.
[٥] المصدر السابق،٧/ ٢٦٧.
[٦] نبذة العصر، ص ١٢٥، والمقري : نفح الطيب،٤/ ٥٢٥، ومحمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس،٧/ ٢٥٨- ٢٦٧.
[٧] المقري : نفح الطيب،٤/ ٥٢٩.
[٨] أحمد (٣٨١٨)، وقال شعيب الأرناءوط : حسن لغيره. والطبراني : المعجم الكبير ٥/ ٤٤٩، والبيهقي : شعب الإيمان(٧٠٧١)، وقال الألباني : صحيح. انظر : صحيح الجامع (٢٦٨٧ ).

💥 نلتقى بإذن الله تعالى
فى الحلقة( ٢١٠ )

🏳 من قصة الأندلس

وصلى الله وسلم على نبينا محمد ﷺ .

💎💎💎🌴💎💎💎
🌙 *قصة الأندلس*🌄
☆¤☆¤☆¤☆
📜 الحلقة ( ٢١٠ )
☆☆☆☆☆
📚 *أمة اقرأ يجب أن تقرأ.*
•┈┈•✿❁✿•┈┈•
👑 *مملكة غرناطة وسقوط الأندلس*
•┈┈••✦✿✦••┈┈•
🌌 *مآسي المسلمين بعد سقوط غرناطة*
•┈┈••✦✿✦••┈┈•
١٨٤١- كالعادة ولطبيعة جُبلت نفوسهم عليها - بعد أن ترك أبو عبد الله محمد الثاني عشر البلاد - لم يوف النصارى بعهودهم مع المسلمين، بل تنكَّروا لكلامهم والتزامهم بالحفاظ على الحريات الدينية في غرناطة، وحماية الأماكن المقدسة للمسلمين، وما إلى ذلك مما ورد في شروط تسليم المدينة، فقد أهانوا المسلمين بشدة، وصادروا أموالهم؛ وكان ذلك مصداق قوله تعالى : { كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } [ التوبة: ٨ ].

١٨٤٢- وبعد تسع سنوات من سقوط غرناطة، وفي سنة ( ١٥٠١م ) أصدر الملكان فرناندو الخامس وإيزابيلا أمرًا كان خلاصته أنه لَمَّا كان الله قد اختارهما لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة ( المسلمين )، فإنه يحظر وجود المسلمين فيها، فإذا كان بعضهم فإنه يحظر عليهم أن يتصلوا بغيرهم؛ خوفًا من أن يتأخر تنصيرهم، أو بأولئك الذين تنصروا لئلاَّ يفسدوا إيمانهم، ويعاقب المخالفون بالموت أو بمصادرة الأموال[١].

ومن هذا المنطلق قام النصارى بعدة أمور؛ كان منها :
•┈┈ ❁ ✿ ❁ ┈┈•
1⃣ *التنصير*
•┈┈•✿❁✿•┈┈•
١٨٤٣- ولكي يعيش آخرون في بلاد الأندلس في ظل حكم النصارى الإسبان، تَنَصَّر من المسلمين بعضهم[٢]، وهؤلاء لم يرتضِ لهم النصارى الإسبان حتى بالنصرانية، فلم يتركوهم دون إهانة، وقد سمَّوْهم بالمورسكيين؛ احتقارًا لهم، وتصغيرًا من شأنهم، فلم يكن المورسكي نصرانيًّا من الدرجة الأولى؛ لكنه كان تصغيرًا لهذا النصراني الأصيل[٣].

١٨٤٤- وقد نقل إلينا الدون لورنتي مؤرِّخ ديوان التحقيق الإسباني وثيقة من أغرب الوثائق القضائية؛ تضمنت طائفة من القواعد والأصول التي رأى الديوان المقدس أن يأخذ بها العرب المتنصرين في تهمة الكفر والمروق، وإليك ما ورد في تلك الوثيقة الغريبة :

« يعتبر الموريسكي أو العربي المتنصر قد عاد إلى الإسلام : إذا امتدح دين محمد، أو قال : إن يسوع المسيح ليس إلهًا، وليس إلا رسولاً. أو أنَّ صفات العذراء أو اسمها لا تناسب أمه، ويجب على كل نصراني أن يُبَلِّغَ عن ذلك، ويجب عليه - أيضًا - أن يُبَلِّغ عما إذا كان قد رأى أو سمع بأن أحدًا من الموريسكيين يُباشر بعض العادات الإسلامية؛ ومنها أن يأكل اللحم في يوم الجمعة وهو يعتقد أن ذلك مباح، وأن يحتفل يوم الجمعة بأن يرتدي ثيابًا أنظف من ثيابه العادية، أو يستقبل المشرق قائلاً باسم الله، أو يوثق أرجل الماشية قبل ذبحها، أو يرفض أكل تلك التي لم تذبح، أو ذبحتها امرأة، أو يختن أولاده، أو يسميهم بأسماء عربية، أو يُعرب عن رغبته في اتباع هذه العادة، أو يقول : يجب ألا يعتقد إلا في الله وفي رسوله محمد، أو يقسم بأيمان القرآن، أو يصوم رمضان، ويتصدق خلاله، ولا يأكل ولا يشرب إلا عند الغروب، أو يتناول الطعام قبل الفجر - السحور - أو يمتنع عن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر، أو يقوم بالوضوء والصلاة؛ بأن يُوَجِّه وجهه نحو الشرق، ويركع ويسجد، ويتلو سورًا من القرآن، أو أن يتزوج طبقًا لرسوم الشريعة الإسلامية، أو ينشد الأغاني العربية، أو يُقيم حفلات الرقص والموسيقى العربية، أو أن يستعمل النساء الخضاب - الحناء - في أيديهن أو شعورهن، أو يتبع قواعد محمد الخمس، أو يلمس بيده على رءوس أولاده أو غيرهم؛ تنفيذًا لهذه القواعد، أو يغسل الموتى ويكفنهم في أثواب جديدة، أو يدفنهم في أرض بكرٍ، أو يغطي قبورهم بالأغصان الخضراء، أو أن يستغيث بمحمد وقت الحاجة واصفًا إياه بالنبي ورسول الله، أو يقول : إن الكعبة أول معابد الله، أو يقول : إنه لم ينصَّر إيمانًا بالدين المقدس، أو أن آباءه وأجداده قد غنموا رحمة الله؛ لأنهم ماتوا مسلمين ... إلخ[٤].
•┈┈•◈◉✹◉◈•┈┈•
2⃣ *التهجير*
•┈┈•◈◉✹◉◈•┈┈•
١٨٤٥- طرد الموريسكيين من الأندلس لم تخل البلاد الإسلامية من ثورات شعبية ومواجهات محدودة الإمكانيات بمنطق « حرب العصابات »، وكان المجاهدون يختبئون في الجبال والأودية والمناطق البعيدة، ثم يشنُّون غاراتهم على القوات الإسبانية، وقد نجحوا كثيرًا في إنزال خسائر مؤثرة بالإسبان، وقد اشتدت هذه الحركات لا سيما بعد قرار التنصير الذي اعتمدته إسبانيا، فزاد عدد الثائرين والمنحازين للمجاهدين، وقد عزم الإسبان في البداية على القضاء على الثوار، إلا أنهم فشلوا في ذلك فشلاً ذريعًا، فلما يئسوا من القضاء عليهم، أصدروا عفوا عامًّا عنهم، وسمحوا لهم بالهجرة إلى بلاد المغرب، دون أن يأخذوا معهم غير الثياب التي كانت عليهم، أما الباقون فقد كان ثمة أمر ملكي بمنع الهجرة، ثم صدر الأمر بعد ذلك عام ( ١٦٠٩م ) - أي بعد مائة سنة تقريبًا - بنفي الموريسكيين.[٥].

#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
__________________
د.راغب ال
سرجاني.

[١] محمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس،٧/ ٣٢٤.
[٢] انظر : نبذة العصر، ص١٣٠، والمقري : نفح الطيب،٤/ ٥٢٧.
[٣] انظر : محمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس،٧/ ٣٢٢، ٣٢٦، ٣٤٥.
[٤] محمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس،٧/ ٣٤٦.
[٥] مجهول : نبذة العصر، ص١٣٢، والمقري : نفح الطيب، ٤/ ٥٢٧، ٥٢٨، ومحمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس،٧/ ٣٤٥.

💥 نلتقى بإذن الله تعالى
فى الحلقة( ٢١١ )

🏳 من قصة الأندلس

وصلى الله وسلم على نبينا محمد ﷺ .

💎💎💎🌴💎💎💎
🌙 *قصة الأندلس*🌄
☆¤☆¤☆¤☆
📜 الحلقة ( ٢١١ )
☆☆☆☆☆
📚 *أمة اقرأ يجب أن تقرأ.*
•┈┈•✿❁✿•┈┈•
🌌 *سقوط الأندلس*
•┈┈ ❁ ✿ ❁ ┈┈•
3⃣ *محاكم التفتيش*
•┈┈ ❁ ✿ ❁ ┈┈•
١٨٤٦- هدف الإسبان إلى تنصير المسلمين بإشراف السلطات الكنسية، وبأشد وسائل العنف، ولم تكن العهود التي قُطعت للمسلمين لتحول دون النزعة الصليبية، التي أسبغت على السياسة الإسبانية الغادرة ثوب الدين والورع، ولما رفض المسلمون عقائد النصارى ودينهم المنحرف، وامتنعوا عنه وكافحوه، اعتبرهم نصارى الإسبان ثوارًا وعملاء لجهات خارجية في المغرب والقاهرة والقسطنطينية، وبدأ القتل فيهم، وجاهد المسلمون ببسالة في غرناطة والبيازين والبشرات، فمُزِّقُوا بلا رأفة ولا شفقة ولا رحمة[١].

١٨٤٧- لم يقف الأمر عند حدِّ التهجير والتنصير، وإنما أعقب ذلك أن قام الكردينال الإسباني كمينس - وكان صليبيًّا حاقدًا - بحرق ثمانين ألف كتاب جُمعت من غرناطة وأرباضها في يوم واحد[٢].

١٨٤٨- ثم أنشأ الإسبان بعد ذلك ما سُمِّي في التاريخ بمحاكم التفتيش؛ وذلك للبحث عن المسلمين الذين ادَّعوا النصرانية وأخفوا الإسلام.
•┈┈•◈◉✹◉◈•┈┈•
🗡 *إبادة المسلمين في الأندلس*
•┈┈•◈◉✹◉◈•┈┈•
١٨٤٩- كان الصليبيون الحاقدون إذا وجدوا رجلاً يدَّعي النصرانية ويُخفي إسلامه، كأن يجدوا في بيته مصحفًا، أو يجدوه يُصَلِّي، أو كان لا يشرب خمرًا، أقاموا عليه الحدود المغلظة، فكانوا يلقون بهم في السجون، ويعذبونهم عذابًا لا يخطر على بال بشر، فكانوا يملأون بطونهم بالماء حتى الاختناق، وكانوا يضعون في أجسادهم أسياخًا محمية، وكانوا يسحقون عظامهم بآلات ضاغطة، وكانوا يمزقون الأرجل، ويفسخون الفك، وكان لهم توابيت مغلقة بها مسامير حديدية ضخمة تنغرس في جسم المعذب تدريجيًا، وأيضًا أحواض يُقَيَّد فيها الرجل، ثم يسقط عليه الماء قطرة قطرة حتى يملأ الحوض ويموت، وكانوا - أيضًا - يقومون بدفنهم أحياء، ويجلدونهم بسياط من حديد شائك، وكانوا يقطعون اللسان بآلات خاصة.

كل هذه الآلات الفتاكة وغيرها شاهدها جنود نابليون حين فتحوا إسبانيا بعد ذلك، وقد صوَّروها في كتاباتهم، وعبَّروا عن شناعتها بأنهم كانوا يُصابون بالغثيان والقيء، بل والإغماء من مجرد تخيل أن هذه الآلات كان يُعذَّب بها بشر، وقد كان يُعذَّب بها مسلمون، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله ! [٣].

١٨٥٠- ومما يُذكر .. أن هناك عذابًا اختص به النساء العنيدات اللائي كن يشتمن رجال المحكمة؛ وهو تعرية المرأة إلا ما يستر عورتها، وكانوا يضعون المرأة في مقبرة مهجورة ويُجلسونها على قبر من القبور، يضعون رأسها بين ركبتيها ويشدون وثاقها، وهي على هذه الحالة السيئة، ولا يمكنها الحراك، وكانوا يربطونها إلى القبر بسلاسل حديدية، ويرخون شعرها فيجللها، وتظهر لمن يراها عن كثب كأنما هي جنِّـيَّة، لا سيما إذا ما أرخى الليل سدوله، وتُترك المسكينة على هذه الحال إلى أن تجنَّ، أو تموت جوعًا ورعبًا[٤].

١٨٥١- لقد قام النصارى بإجبار المسلمين على الدخول في دينهم، وصارت الأندلس كلها نصرانية، ولم يبقَ فيها من يقول : لا إله إلا الله، محمد رسول الله. إلا مَنْ يقولها في قلبه وفي خفية من الناس، وجعلت النواقيس في صوامعها بعد الأذان، وفي مساجدها الصور والصلبان بعد ذكر الله وتلاوة القرآن، فكم فيها من عين باكية وقلب حزين ! وكم فيها من الضعفاء والمعذورين ! لم يقدروا على الهجرة واللحاق بإخوانهم المسلمين، قلوبهم تشتعل نارًا، ودموعهم تسيل سيلاً غزيرًا، وينظرون إلى أولادهم وبناتهم يعبدون الصلبان، ويسجدون للأوثان، ويأكلون الخنزير والميتات، ويشربون الخمر التي هي أم الخبائث والمنكرات، فلا يقدرون على منعهم ولا على نهيهم، ومَنْ فعل ذلك عوقب بأشدِّ العقاب، فيا لها من فجيعة ما أمرَّها ! ومصيبة ما أعظمها ! وطامة ما أكبرها ! [٥].
•┈┈┈•◉۩ ۩◉•┈┈┈•
🔥 *إحراق المسلمين في الأندلس من قبل محاكم التفتيش*
•┈┈┈•◉۩ ۩◉•┈┈┈•
١٨٥٢- لقد كانت محاكم التفتيش والتحقيق مضرب المثل في الظلم والقهر والتعذيب، كانت تلك المحاكم والدواوين تلاحق المسلمين؛ حتى تظفر بهم بأساليب بشعة تقشعر لها القلوب والأبدان، فإذا عُلم أن رجلاً اغتسل يوم الجمعة يصدر في حقه حكم بالموت، وإذا وجدوا رجلاً لابسًا للزينة يوم العيد عرفوا أنه مسلم فيصدر في حقه الإعدام، لقد تابع النصارى الصليبيون المسلمين؛ حتى إنهم كانوا يكشفون عورة من يشكون أنه مسلم فإذا وجدوه مختونًا، أو كان أحد عائلته كذلك؛ فيعلم أنه الموت ونهايته هو وأسرته[٦].

١٨٥٣- وكان دستور ديوان التحقيق ( الاسم الرسمي لمحاكم التفتيش ) يجيز محاكمة الموتى والغائبين، وتصدر الأحكام في حقهم، وتوقع العقوبات عليهم كالأحياء، فتصادر أموالهم، وتعمل لهم تماثيل تنفذ فيها عقوبة الحرق، أو نبش قبورهم وتستخرج رفاتهم؛ لتحرق في موكب « الأوتودافي »، وكذلك يتعدى أثر الأحكام الصادرة بالإدانة من المحكوم عليه إلى أسرته وولده، فيقضى بحرمانهم من تولي الوظائف العامة وامتهان بعض المهن الخاص
ة[٧].

١٨٥٤- وبعد مرور أربعة قرون على سقوط الأندلس، أرسل نابليون حملته إلى إسبانيا وأصدر مرسومًا سنة ( ١٨٠٨م ) بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الإسبانية.

#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
__________________
د.راغب السرجاني.

[١] على الصلابي : دولة الموحدين، ص٢٠٩.
[٢] شوقي أبو خليل : مصرع غرناطة، ص٩٨، ومحمد عبد الله عنان : دولة الإسلام في الأندلس،٧/ ٣١٦.
[٣] شوقي أبو خليل : مصرع غرناطة، ص١٠٩- ١١٣.
[٤] علي مظهر : محاكم التفتيش، ص٩٨.
[٥] مجهول : نبذة العصر، ص١٣٠، ١٣١.
[٦] الصلابي : دولة الموحدين، ص٢١١.
[٧] انظر : محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس،٧/ ٣٣٨.

💥 نلتقى بإذن الله تعالى
فى الحلقة( ٢١٢ )

🏳 من قصة الأندلس

وصلى الله وسلم على نبينا محمد ﷺ .

💎💎💎🌴💎💎💎
🌙 *قصة الأندلس*🌄
☆¤☆¤☆¤☆
📜 الحلقة ( ٢١٢ )
☆☆☆☆☆
📚 *أمة اقرأ يجب أن تقرأ.*
•┈┈•✿❁✿•┈┈•
🌌 *سقوط الأندلس*
•┈┈ ❁ ✿ ❁ ┈┈•
*محاكم التفتيش .. شهادة الكولونيل الفرنسي ليموتسكي*
•┈┈•◈◉✹◉◈•┈┈•
١٨٥٥- ولنستمع إلي هذه القصة التي يرويها لنا أحد ضباط الجيش الفرنسي الذي دخل إلى إسبانيا بعد الثورة الفرنسية، كتب الكولونيل ليموتسكي أحد ضباط الحملة الفرنسية في إسبانيا قال : « كنت سنة ( ١٨٠٩م ) ملحقًا بالجيش الفرنسي الذي يقاتل في إسبانيا، وكانت فرقتي بين فرق الجيش الذي احتل ( مدريد ) العاصمة، وكان الإمبراطور نابليون أصدر مرسومًا سنة ( ١٨٠٨م ) بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الإسبانية، غير أن هذا الأمر أهمل العمل به للحالة والاضطرابات السياسية التي سادت وقتئذٍ.

١٨٥٦- وصمم الرهبان الجزويت أصحاب الديوان الملغى على قتل وتعذيب كل فرنسي يقع في أيديهم انتقامًا من القرار الصادر، وإلقاءً للرعب في قلوب الفرنسيين؛ حتى يضطروا إلى إخلاء البلاد فيخلوا لهم الجو.

١٨٥٧- وبينما أسير في إحدى الليالي أجتاز شارعًا يقل المرور فيه من شوارع مدريد؛ إذ باثنين مسلحين قد هجما عليَّ؛ يبغيان قتلي فدافعت عن حياتي دفاعًا شديدًا، ولم ينجني من القتل إلا قدوم سرية من جيشنا مكلفة بالتطواف في المدينة، وهي كوكبة من الفرسان تحمل المصابيح، وتبيت الليل ساهرة على حفظ النظام، فما أن شاهدها القاتلان حتى لاذا بالهرب، وتبين من ملابسهما أنهما من جنود ديوان التفتيش، فأسرعتُ إلى ( المارشال سولت ) الحاكم العسكري لمدريد، وقصصت عليه النبأ وقال : لا شك بأن مَنْ يُقتل من جنودنا كل ليلة إنما هو من صنع أولئك الأشرار، لا بد من معاقبتهم وتنفيذ قرار الإمبراطور بحل ديوانهم، والآن خذ معك ألف جندي وأربع مدافع، وهاجم دير الديوان، واقبض على هؤلاء الرهبان الأبالسة ...».

١٨٥٨- حدث إطلاق نار من اليسوعيين حتى دخلوا عَنْوة، ثم يتابع قائلاً : « أصدرتُ الأمر لجنودي بالقبض على أولئك القساوسة جميعًا وعلى جنودهم الحراس توطئة لتقديمهم إلى مجلس عسكري، ثم أخذنا نبحث بين قاعات وكراسٍ هزازة، وسجاجيد فارسية، وصور ومكاتب كبيرة، وقد صنعت أرض هذه الغرفة من الخشب المصقول المدهون بالشمع، وكان شذى العطر يعبق أرجاء الغرف، فتبدو الساحة كلها أشبه بأبهاء القصور الفخمة، التي لا يسكنها إلا ملوك قصروا حياتهم على الترف واللهو، وعلمنا بعد أنَّ تلك الروائح المعطرة تنبعث من شمع، يوقد أمام صور الرهبان، ويظهر أن هذا الشمع قد خلط به ماء الورد.

١٨٥٩- وكادت جهودنا تذهب سدى، ونحن نحاول العثور على قاعات التعذيب، إننا فحصنا الدير وممراته وأقبيته كلها، فلم نجد شيئًا يدل على وجود ديوان للتفتيش، فعزمنا على الخروج من الدير يائسين، كان الرهبان أثناء التفتيش يقسمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إلا تهمًا باطلة، وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت، وهو خاشع الرأس، توشك عيناه أن تطفر بالدموع، فأعطيت الأوامر للجنود بالاستعداد لمغادرة الدير، لكن اللفتنانت « دي ليل » استمهلني قائلاً : أيسمح لي الكولونيل أن أخبره أن مهمتنا لم تنتهِ حتى الآن ؟! قلت له : فتشنا الدير كله، ولم نكتشف شيئًا مريبًا؛ فماذا تريد يا لفتنانت ؟! قال : إنني أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرف؛ فإن قلبي يحدثني بأن السرَّ تحتها.

١٨٦٠- عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة، فأذنت للضابط بالبحث، فأمر الجنود أن يرفعوا السجاجيد الفاخرة عن الأرض، ثم أمرهم أن يصبوا الماء بكثرة في أرض كل غرفة على حدة - وكنا نرقب الماء - فإذا بالأرض قد ابتلعته في إحدى الغرف. فصفق الضابط « دي ليل » من شدة فرحه، وقال : ها هو الباب، انظروا. فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف، كان قطعة من أرض الغرفة، يُفتح بطريقة ماكرة، بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جانب رجل مكتب رئيس الدير.
أخذ الجنود يكسرون الباب بقحوف البنادق، فاصفرت وجوه الرهبان، وعلتها الغبرة.
•┈┈┈•◉۩ ۩◉•┈┈┈•
*محاكم التفتيش .. أهوال تشيب لها الولدان*
•┈┈┈•◉۩ ۩◉•┈┈┈•
١٨٦١- وفُتح الباب، فظهر لنا سلم يؤدي إلى باطن الأرض، فأسرعتُ إلى شمعة كبيرة يزيد طولها على متر، كانت تضيء أمام صورة أحد رؤساء محاكم التفتيش السابقين، ولما هممت بالنزول، وضع راهب يسوعي يده على كتفي متلطفًا، وقال لي : يابني؛ لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدم القتال، إنها شمعة مقدسة.
قلت له : يا هذا؛ إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء، وسنرى من النجس فينا، ومن القاتل السفاك ؟!
وهبطت على درج السلم يتبعني سائر الضباط والجنود، شاهرين سيوفهم حتى وصلنا إلى آخر الدرج، فإذا نحن في غرفة كبيرة مرعبة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، وربطت بها سلاسل من أجل تقييد المحاكمين بها.
وأمام هذا العمود كانت المصطبة التي يجلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لمحاكمة الأبرياء، ثم توجهنا إلى غرف التعذيب وتمزيق الأجسام البشرية، التي ا
متدت على مسافات كبيرة تحت الأرض.
رأيتُ فيها ما يستفز نفسي، ويدعوني إلى القشعريرة والتـقزز طوال حياتي.

١٨٦٢- رأينا غرفًا صغيرةً في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفًا على رجليه مدة سجنه حتى يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممدًّا بها حتى الموت، وتبقى الجثث في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، وتأكله الديدان، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي.
وقد عثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها.

١٨٦٣- كان السجناء رجالاً ونساءً، تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشرة والسبعين، وقد استطعنا إنقاذ عدد من السجناء الأحياء، وتحطيم أغلالهم، وهم في الرمق الأخير من الحياة.
كان بعضهم قد أصابه الجنون من كثرة ما صبُّوا عليه من عذاب، وكان السجناء جميعًا عرايا، حتى اضطر جنودنا إلى أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها بعض السجناء.

١٨٦٤- أخرجنا السجناء إلى النور تدريجيًّا حتى لا تذهب أبصارهم، كانوا يبكون فرحًا، وهم يُقَبِّلون أيدي الجنود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب، وأعادوهم إلى الحياة، كان مشهدًا يُبكي الصخور .

١٨٦٥- ثم انتقلنا إلى غرف أخرى، فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة للتعذيب، منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، كانوا يبدءون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيًّا، حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم، هكذا كانوا يفعلون بالسجناء الأبرياء المساكين، ثم عثرنا على صندوقٍ في حجم جسم رأس الإنسان تمامًا، يُوضع فيه رأس الذي يُريدون تعذيبه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال؛ حتى لا يستطيع الحركة، وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بانتظام في كل دقيقة نقطة، وقد جُنَّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب، ويبقى المعذَّب على حاله تلك حتى يموت.
وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تُثَبَّت فيه سكاكين حادة .

١٨٦٦- كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره، فإذا أغلق مُزِّق جسم المعذب المسكين، وقطعه إربًا إربًا.
•┈┈┈•◉۩ ۩◉•┈┈┈•
🪓 *أدوات تعذيب محاكم التفتيش .*
•┈┈┈•◉۩ ۩◉•┈┈┈•
١٨٦٧- كما عثرنا على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشدُّ ليخرج اللسان معها، ليقص قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب بعنفٍ؛ حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين.
وعثرنا على سياط من الحديد الشائك، يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم.

١٨٦٨- وصل الخبر إلى مدريد فهب الألوف ليروا وسائل التعذيب، فأمسكوا برئيس اليسوعيين ووضعوه في آلة تكسير العظام فدقت عظامه دقًّا، وسحقها سحقًا، وأمسكوا كاتم سرِّه وزفوه إلى السيدة الجميلة[١] وأطبقوا عليه الأبواب فمزقته السكاكين شرَّ ممزق، ثم أخرجوا الجثتين وفعلوا بسائر العصابة وبقية الرهبان كذلك، ولم تمض نصف ساعة حتى قضى الشعب على حياة ثلاثة عشر راهبًا ثم أخذ ينهب ما بالدير[٢].

#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
__________________
د.راغب السرجاني.

[١] السيدة الجميلة هي آلة التعذيب التي بها السكاكين.
[٢] علي مظهر : محاكم التفتيش، ص١٣٢- ١٣٩.

💥 نلتقى بإذن الله تعالى
فى الحلقة( ٢١٣ )

🏳 من قصة الأندلس

وصلى الله وسلم على نبينا محمد ﷺ .

💎💎💎🌴💎💎💎
🌙 *قصة الأندلس*🌄
☆¤☆¤☆¤☆
📜 الحلقة ( ٢١٣ )
☆☆☆☆☆
📚 *أمة اقرأ يجب أن تقرأ.*
•┈┈•✿❁✿•┈┈•
🌌 *سقوط الأندلس*
•┈┈•✿❁✿•┈┈•
*محاكم التفتيش .. أسوأ الحقب دموية بحق المسلمين*
•┈┈┈•◉۩ ۩◉•┈┈┈•
١٨٦٩- لم توفر وحشية محاكم التفتيش طفلاً أو شيخاً أو امرأة, والهدف هو إبادة المسلمين, والمطلوب من المسلمين العمل على إعادة كتابة تاريخ صحيح لمحاكم التفتيش يكشف بقية فصولها الوحشية للعالم, تمثل محاكم التفتيش أحد أسوأ فصول التاريخ الغربي دموية تجاه المسلمين، وحيث امتدت وحشيتها المفرطة لتطال المسيحيين أيضاً فيما بعد ..

١٨٧٠- ولذلك كان من الطبيعي ألا يتوقف المؤرخون والمستشرقون الغربيون عندها إلا نادرًا في محاولة منهم لتجاوز وقائعها السوداء، بل نجدهم في حالات أخرى كثيرة يحاولون وضع التبريرات لها بادعاء أنها كانت أخطاء غير مقصودة ارتكبها القساوسة في محاولتهم للحفاظ على المسيحية بعد خروج المسلمين من الأندلس، فنجد مثلاً المستشرق البريطاني وول سميث يعلن أن الكنيسة ليست مسئولة مباشرة عن الجرائم التي ارتكبت عبر محاكم التفتيش، ولكن كان على رجال الدين المسيحي في إسبانيا أن يخوضوا معركة ضد الوجود الإسلامي بعد خروج العرب من إسبانيا، فاضطروا إلى محاكم التفتيش التي تمادى القائمون عليها في تصرفاتهم فيما بعد[١].

١٨٧١- وهكذا عند سميث وغيره من المؤرخين والمستشرقين النصارى تتحول محاكم التفتيش إلى خطأ غير مقصود، له تبريراته، بل يصير الإسلام عندهم هو المسئول عن تلك المحاكم لأنه دفع بالمسيحيين إلى استنباط محاكم التفتيش ليصدوا تمدده في الغرب !!

١٨٧٢- على أي حال، فإن السواد الذي غطى تاريخ محاكم التفتيش لم تستطع السنوات أن تزيله من ذاكرة التاريخ العالمي، وحتى الكنيسة عينها لم تعد قادرة على تجاهل مسئوليتها المباشرة عن الفظائع التي ارتكبت بحق المسلمين من خلال تلك المحاكم، ولهذا نجد أنه مثلاً في أواسط العام ( ٢٠٠٢م ) قدمت مجموعة مكونة من ( ٣٠ ) مؤرخًا من مختلف أنحاء العالم مشروع قرار إلى البابا بولس الثاني حول إمكان اعتذار الكنيسة الكاثوليكية عن محاكم التفتيش وجرائمها بحق المسلمين ..

١٨٧٣- وجاء مشروع المؤرخين الغربيين آنذاك من بين التحضيرات النصرانية لاستقبال الألفية الثالثة للميلاد، وكان الفاتيكان قد نظم مجموعات عمل من أجل دراسة إمكان اعتذار البابا للمسلمين عن الحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش في إسبانيا، وفي صلاة الأحد ( ١٢/ ٢٠٠٠م ) اعترف البابا يوحنا بولس الثالث بأن الكنيسة قد ارتكبت عبر محاكم التفتيش ذنوبًا وأخطاء بحق الآخرين خلال الألفي سنة الماضية، وبأن أتباعها ارتكبوا أخطاء أخرى باسم الدفاع عن الإيمان، وطلب أمام الملأ الصفح والغفران من الله.

١٨٧٤- الرئيس البرتغالي جورج سمبابو بدوره اعتذر عن جرائم أجداده بحق العرب في أثناء محاكم التفتيش، إلا أن اعتذاره جاء في خطبة ألقاها في حفل افتتاح ندوة التراث العربي مايو ( ١٩٩٧م )، ومن ثم فإنه بدا وكأنه اعتذار سري لم يسمع به أحد، باستثناء صحيفة الشرق الأوسط التي تصادف أن كان أحد كتابها مشاركًا في تلك الندوة[٢].

١٨٧٥- على أي حال لا بد من التوقف عند محاكم التفتيش مستعرضين بعض فصولها، وسنجد أنها بدأت عندما حانت نهاية الحكم الإسلامي في الأندلس وسقوط آخر مدينة إسلامية بيد الإسبان، وهي غرناطة.

١٨٧٦- لقد استمر حكم المسلمين (٨٠٠) عام للأندلس من دون انقطاع، إلا أن الافتتان بالدنيا ونعيمها الزائل، والتحالف مع الأعداء وموالاتهم ضد الإخوة، والثقة في الواشين، وتقريب الأعداء، والاستعانة بهم على القضاء على الإخوة كل هذه الأسباب عجَّلت بانهيار الدولة الإسلامية في الأندلس، وأضاعت أرضًا إسلامية فتحت من قبل على جثث وجماجم المقاتلين الشهداء من المسلمين العظام، الذين أرادوا إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، دون ملل أو كلل، حتى سطع نور الإسلام ثمانية قرون على هذه الأرض، ولم يبق من هذه الدولة إلا غرناطة التي حاصرها الإسبان.

١٨٧٧- كانت غرناطة مدينة جميلة في جنوب إسبانيا عاصمة بني زيري من ملوك الطوائف، وعاصمة بني الأحمر، وقد استطاع الإسبان أن يوقعوا الفتنة بين خلفاء علي بن الحسن، ولما تم لهم ذلك حاصروا غرناطة، وأرسل فرديناند ملك إسبانيا رسله إلى قادة غرناطة المسلمة بالاستسلام فرفضوا، فنزل جيش إسباني مكوَّن من (٢٥) ألف جندي واتجهوا صوب المزارع والحدائق وخرّبوها عن آخرها حتى لا يجد المسلمون ما يأكلونه أو يقتاتون عليه، ثم جهزت ملكة إسبانيا جيشًا آخر من (٥٠٠) ألف مقاتل لقتال المسلمين في القلاع والحصون الباقية، وبعد قتال طويل اجتمع العلماء والفقهاء في قصر الحمراء واتفقوا على الاستسلام واختاروا الوزير أبا القاسم عبد الملك لمفاوضة ملك إسبانيا فرديناند[٣].
•┈┈•◈◉✹◉◈•┈┈•
📜 *اتفاقية التسليم:*
•┈┈•◈◉✹◉◈•┈┈•
١٨٧٨- تم إبرام معاهدة تنص على أن يسلم حكام غرناطة المدينة للإسبان لقاء ضمان خروج الحكام بأموالهم إلى إفريقيا، كما تضمن
ت المعاهدة ثمانية وستين بنداً منها تأمين الصغير والكبير على النفس والمال والأهل، وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم وعقارهم، وأن تبقى لهم شريعتهم يتقاضون فيها، وأن تبقى لهم مساجدهم وأوقافهم، وألا يدخل الكاثوليك دار مسلم، وألا يغصبوا أحداً، وألا يولى على المسلمين إلا مسلم، وأن يُطلق سراح جميع الأسرى المسلمين، وألا يؤخذ أحد بذنب غيره، وألا يُرغم من أسلم من الكاثوليك على العودة إلى دينه، وألا يعاقب أحد على الجرائم التي وقعت ضد الكاثوليكية في زمن الحرب، وألا يدخل الجنود الإسبان إلى المساجد، ولا يلزم المسلم بوضع علامة مميزة، ولا يمنع مؤذن ولا مصل ولا صائم من أمور دينه..

١٨٧٩- وقد وقع على المعاهدة الملك الإسباني والبابا في روما، وكان التوقيعان كافيان لكي تكون المعاهدة ضمانة للمسلمين في إسبانيا، وبناء على هذه المعاهدة خرج أبو عبد الله بن أبي الحسن ملك غرناطة صباح يوم ( ٢/ ١/ ١٤٩٢م ) ، من قصر الحمراء وهو يبكي كالنساء حاملاً مفاتيح مدينته وملكه الزائل، فأعطاها الملكة إيزابيلا وزوجها فرديناند .
•┈┈••✦✿✦••┈┈•
🏴 *فصول الاضطهاد:*
•┈┈••✦✿✦••┈┈•
١٨٨٠- الذي حدث أنه فور دخول الإسبان إلى غرناطة نقضوا المعاهدة التي أبرموها مع حكامها المسلمين، إذ كان أول عمل قام به الكاردينال مندوسيه عند دخول الحمراء هو نصب الصليب فوق أعلى أبراجها وترتيل صلاة الحمد الكاثوليكية، وبعد أيام عدة أرسل أسقف غرناطة رسالة عاجلة للملك الإسباني يعلمه فيها أنه قد أخذ على عاتقه حمل المسلمين في غرناطة وغيرها من مدن إسبانيا على أن يصبحوا كاثوليكًا، وذلك تنفيذًا لرغبة السيد المسيح الذي ظهر له وأمره بذلك كما ادَّعى ..

١٨٨١- فأقره الملك على أن يفعل ما يشاء لتنفيذ رغبة السيد المسيح، عندها بادر الأسقف إلى احتلال المساجد ومصادرة أوقافها، وأمر بتحويل المسجد الجامع في غرناطة إلى كنيسة، فثار المسلمون هناك دفاعًا عن مساجدهم، لكن ثورتهم قمعت بوحشية مطلقة، وتم إعدام مائتين من رجال الدين المسلمين حرقًا في الساحة الرئيسة بتهمة مقاومة المسيحية[٤].

١٨٨٢- وظهرت محاكم التفتيش تبحث عن كل مسلم لتحاكمه على عدم تنصره، فهام المسلمون على وجوههم في الجبال، وأصدرت محاكم التفتيش الإسبانية تعليماتها للكاردينال سيسزوس لتنصير بقية المسلمين في إسبانيا، والعمل السريع على إجبارهم على أن يكونوا نصارى، وأحرقت المصاحف وكتب التفسير والحديث والفقه والعقيدة وكانت محاكم التفتيش تصدر أحكامًا بحرق المسلمين على أعواد الحطب وهم أحياء في ساحة من ساحات مدينة غرناطة أمام الناس، وقد استمرت هذه الحملة الظالمة على المسلمين حتى العام ( ١٥٧٧م ) ، وراح ضحيتها حسب بعض المؤرخين الغربيين أكثر من نصف مليون مسلم، حتى تم تعميد جميع الأهالي بالقوة ..

#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
__________________
د. راغب السرجاني .

المصدر : موقع محاكم التفتيش، نقلاًَ عن مجلة الوعي الإسلامي.

[١] وول سميث ـ تاريخ أوروبا في العصور الوسطى ـ دار الحقائق ـ بيروت ـ ( ١٩٨٠م).
[٢] جريدة الجماهير : ٢/ ٢ / ٢٠٠١م ـ حلب.
[٣] الدكتور طاهر أحمد مكي ـ مسلم إسباني أمام محاكم التفتيش ـ مجلة الدوحة ـ قطر ـ (١٩٨١م).
[٤] وائل علي حسين ـ محاكم التفتيش والمسئولية الغربية ـ مجلة الراية ـ العدد ١٨٦ ـ بيروت ـ (١٩٨٢م).

💥 نلتقى بإذن الله تعالى
فى الحلقة( ٢١٤ )

🏳 من قصة الأندلس

وصلى الله وسلم على نبينا محمد ﷺ .

💎💎💎🌴💎💎💎
🌙 *قصة الأندلس*🌄
☆¤☆¤☆¤☆
📜 الحلقة ( ٢١٤ )
☆☆☆☆☆
📚 *أمة اقرأ يجب أن تقرأ.*
•┈┈•✿❁✿•┈┈•
🌌 *سقوط الأندلس*
•┈┈•✿❁✿•┈┈•
*محاكم التفتيش:*
•┈┈ ❁ ✿ ❁ ┈┈•
١٨٨٣- ثم صدر مرسوم بتحويل جميع المساجد إلى كنائس، وفي يوم ( ١٢/ ١٠/ ١٥٠١م ) صدر مرسوم آخر بإحراق جميع الكتب الإسلامية والعربية، فأحرقت آلاف الكتب في ساحة الرملة بغرناطة، ثم تتابع حرق الكتب في جميع المدن والقرى، ثم جاءت الخطوة التالية، عندما بدأ الأسقف يقدم الإغراءات الكثيرة للأسر المسلمة الغنية حتى يعتنقوا الكاثوليكية، ومن تلك الإغراءات تسليم أفرادها مناصب عالية في السلطة، وقد استجاب له عدد محدود جدًّا من الأسر الغنية المسلمة، وهو ما أثار غضب العامة من المسلمين فهاجموا أسر الذين اعتنقوا الكاثوليكية وأحرقوا بعضها ..

١٨٨٤- عندها أعلن الكاردينال خيمينيث أن المعاهدة التي تم توقيعها مع حكام غرناطة لم تعد صالحة أو موجودة، وأعطى أوامره بتعميد جميع المسلمين في غرناطة دون الأخذ برأيهم، أو حتى تتاح لهم فرصة التعرف إلى الدين الجديد الذي يساقون إليه، ومن يرفض منهم عليه أن يختار بين أحد أمرين : إما أن يغادر غرناطة إلى إفريقيا من دون أن يحمل معه أي شيء من أمواله، ومن دون راحلة يركبها هو أو أحد أفراد أسرته من النساء والأطفال، وبعد أن يشهد مصادرة أمواله، وإما أن يُعدم علنًا في ساحات غرناطة باعتباره رافضًا للمسيحية.

١٨٨٥- كان من الطبيعي أن يختار عدد كبير من أهالي غرناطة الهجرة بدينهم وعقائدهم، فخرج قسم منهم تاركين أموالهم سيرًا على الأقدام غير عابئين بمشاق الطرقات ومجاهل وأخطار السفر إلى إفريقيا من دون مال أو راحلة، وللأسف بعد خروجهم من غرناطة كانت تنتظرهم عصابات الرعاع الإسبانية والجنود الإسبان، فهاجموهم وقتلوا معظمهم، وعندما سمع الآخرون في غرناطة بذلك آثروا البقاء بعد أن أدركوا أن خروجهم من إسبانيا يعني قتلهم، وبالتالي سيقوا في قوافل للتعميد، ومن كان يكتشفه الإسبان أنه قد تهرب من التعميد كانت تتم مصادرة أمواله وإعدامه علنًا..

١٨٨٦- وقد فرَّ عدد كبير من المسلمين الذين رفضوا التعميد إلى الجبال المحيطة في غرناطة محتمين في مغاورها وشعابها الوعرة، وأقاموا فيها لفترات وأنشأوا قرى عربية مسلمة، لكن الملك الإسباني بنفسه كان يشرف على الحملات العسكرية الكبيرة التي كان يوجهها إلى الجبال، حيث كانت تلك القرى تُهدم ويُساق أهلها إلى الحرق أو التمثيل بهم وهم أحياء في الساحات العامة في غرناطة [١].

١٨٨٧- وعلى المنوال نفسه، سارت حملات كاثوليكية في بقية المدن الإسبانية، وقد عُرف المسلمون المتنصرون باسم المسيحيون الجدد تمييزًا لهم عن المسيحيين القُدامى، وعرفوا أيضاً باسم الموريسكوس، أي المسلمين الصغار، وعوملوا باحتقار من قبل المسيحيين القدامى، وتوالت قرارات وقوانين جديدة بحق الموريسكيين, فعلى سبيل المثال صدر في العام ( ١٥٠٧م ) أمر بمنع استعمال اللغة العربية ومصادرة أسلحة الأندلسيين، ويعاقب المخالف للمرة الأولى بالحبس والمصادرة، وفي المرة الثانية بالإعدام، وفي العام( ١٥٠٨م ) جددت لائحة ملكية بمنع اللباس الإسلامي، وفي سنة (١٥١٠م ) طُبِّقت على الموريسكيين ضرائب اسمها الفارضة، وفي سنة ( ١٥١١م ) جددت الحكومة قرارات بمنع اللباس وحرق المتبقي من الكتب الإسلامية ومنع ذبح الحيوانات على الطريقة الإسلامية.
•┈┈┈•◉۩ ۩◉•┈┈┈•
*محاكم التفتيش:*
•┈┈┈•◉۩ ۩◉•┈┈┈•
١٨٨٨- في حمأة تلك الحملة الظالمة على المسلمين كما رأينا، تم تشكيل محاكم التفتيش التي مهمتها التأكد من كثلكة المسلمين، وقد تبين للمحاكم أن كل أعمال الكثلكة لم تؤت نفعًا، فقد تكثلك المسلمون ظاهرًا، ولكنهم فعليًّا يمارسون الشعائر الإسلامية فيما بينهم سرًّا، ويتزوجون على الطريقة الإسلامية، ويرفضون شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، ويتلون القرآن في مجالسهم الخاصة ويقومون بنسخه وتداوله فيما بينهم، بل إنهم في منطقة بلنسية أدخلوا عددًا من الكاثوليك الإسبان في الإسلام وعلموهم اللغة العربية والشعائر الإسلامية.

١٨٨٩- لقد جاءت تقارير محاكم التفتيش صاعقة على رأس الكاردينال والملك الإسباني والبابا، في أحد التقارير التي رفعها أسقف غرناطة الموكل بتنصير مسلمي غرناطة للكاردينال، ورد أن الموريسكوس لم يتراجعوا خطوة واحدة عن الإسلام، وأنه لم يتم إيجاد طرق فاعلة لوقفهم، وإن لم يتم إيجاد تلك الوسائل فإنهم سيدخلون مسيحيي غرناطة وبلنسية ومدن أخرى في الإسلام بشكل جماعي.

١٨٩٠- وبناء على هذه التقارير تقرر إخضاع جميع الموريسكوس في إسبانيا إلى محاكم التفتيش من دون استثناء، وكذلك جميع المسيحيين الذين يُشك بأنهم قد دخلوا الإسلام أو تأثروا به بشكل يخالف معتقدات الكنيسة الكاثوليكية، ولتبدأ أكثر الفصول وحشية ودموية في التاريخ الكنسي الغربي، إذ بدأت هذه المحاكم تبحث بشكل مهووس عن كل مسلم لتحاكمه.

١٨٩١- ومحاكم التفتيش في الواقع نمط عجيب غريب من المحاكم، فقد مُنحت سلطات غير محدودة، ومارست
2025/02/22 16:07:30
Back to Top
HTML Embed Code: