Telegram Web Link
سورة البقرة… في رحاب البركة ومصباح الهداية وكنف النور 🌧️🌱


يُحدّثك كثيرٌ من الناس عن الأثر العجيب الذي طرأ على حياتهم يوم ألزموا أنفسهم قراءة سورة البقرة، وعاشوا في رحابها، وأظلّتهم أنوارها. ولا عجب في ذلك، فقد قال الصادق المصدوق ﷺ: «اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة».

ولي في هذا بابٌ من الحكايات لأصحابها لو بسطته لطال المقام، ولكني أكتفي بالإشارة دون الإسهاب، فالمقام مقام تذكير لا مقام تعداد.

إن لهذه السورة المباركة أثرًا ظاهرًا لمن واظب عليها، إذا قرأها بيقينٍ بوعد رسول الله ﷺ، لا على سبيل التجربة والاختبار.
فكم من قلبٍ غافل أيقظه الله ببركتها، وكم من مريضٍ استعصى على الأطباء مرضه فشفاه الله بها، وكم من عسيرٍ تيسّر، ومتناثرٍ اجتمع، ومضطربٍ استقام، يوم التصق بها صاحبها وارتشف من معينها ونبعها الصافي.

فيا قارئ هذه الكلمات، إن ضاق صدرك بالهمّ، أو أثقلت كاهلك الديون، أو وجدت في روحك فتورًا عن الطاعة، وضعفًا في الإيمان، أو أردت أن تُسقي قلبك من ماء الهداية الصافي؛ فالزم هذه السورة العظيمة، وواضب على قراءتها بيقين، ثم انظر كيف تشرق روحك، وينهض قلبك، وتنتعش حياتك.

ومن أعظم بركاتها أنها حصن للدين، ودرع للإيمان، ومصباح للهداية؛ وموئل للخير، فالبيت الذي تتردّد فيه آياتها ينفر منه الشيطان، كما جاء في الحديث «‌إنَّ الشيطانَ يَنْفِرُ من البيتِ الذي تُقرأُ فيه سورةُ البقرةِ». وكذلك القلب الذي يأنس بها ويعيش تحت ظلالها، لا يجد عدوّ الله إليه سبيلًا، ولا مدخلًا، لأنه قد أُحيط بسور من نور لا باب فيه يدخل منه إليه.

فإن أردتَ حياة طيبة لقلبك، ونعيمًا لروحك، فاجعلها رفيقة يومك وسمير ليلك، ولا تفرّط في تلاوتها.
وأحلف بالله — غير حانث — أنك ستجد ذلك كلّه، وزيادة، إذا داومت عليها.

ولبلوغ هذه الغاية الجليلة أوصيك بثلاث:

◉ أن تسأل الله العون، فهو الكريم الوهاب، بيده ملكوت كلّ شيء، ولا يكون إلا ما يريد، فالجأ إليه واسأله أن يفتح لك أبواب بركتها وهداياتها، وأن يعينك على المواظبة عليها.

◉ أن توقن بفضلها، ولو تأخّر المراد، فربّما ابتلاك الله لينظر صدقك ويقينك.

◉ أن تدعوه أن يجعل القرآن، وهذه السورة خصوصًا، ربيع قلبك ونور صدرك، وأن لا يحرمك أنوارها ولا يقطعك عن بركاتها.

وها هنا مادتان نفيسـتان في فضل هذه السورة، أنصحك بهما، ففيهما نفع وفائدة.


ـ رحلتي مع سورة البقرة للدكتور عبدالله الربيعة، فقد كانت رسالته الدكتوراه عنها، ومكث فيها سنوات عديدة، قال عنها: أنها أجمل أيام عمره.

https://youtu.be/QZ8AdF34Fis?si=YWyO4Q_hy2glUWCK


ـ تجربة شخصية للأخ محمود آل غالب مع هذه السورة وشيء من أثرها العجيب على حياته.

https://youtu.be/GPHE3qm_ndI?si=IVTbSWbLuuBYpYK2


اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وذهاب همومنا، وجلاء أحزاننا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنّا، واجعلنا من أهله وخاصّته.
وكان أمره فُرُطاً
عصر الجمعة، ميقات الأنوار ونفحات الأبرار 🌧️🌿
بشائر الفجر وأنفاس التفاؤل🌧️🌱

من أحبّ الصفات إلى قلبي صفةُ التفاؤل، ومن أحبّ الأشخاص إليّ المتفائلون.

إن هذه الحياة كالبحر الخِضَمّ، لا يعبرها إلا من جعل أشرعة سفينته التفاؤلَ والرجاء. ولا عجب؛ فالمتفائل ينظر إلى أقدار الله بحسن الظن، ويرى في كل ألمٍ أملًا، وفي كل محنةٍ منحة، وفي كل كسرٍ جبرًا عظيمًا.

والتفاؤل ليس فلسفةً معقّدة، ولا لغزًا صعبًا يعسر حلّه، ولا زينةً نعلّقها على جدار الأيام، ولا مجرد كلمة نُردّدها بأفواهنا بما ليس في قلوبنا؛ بل هو شعور عميق يلازم الروح، فيجعلها تستقبل الصباح بنفسٍ مطمئنةٍ مبتهجة.
هو أن يكون عندنا فنّ الاستمتاع بالأشياء الصغيرة: أن نجد في رغيف الخبز الصغير وليمة، وفي قطرات المطر موكبًا من البهجة، وفي صوت العصافير نشيدًا مطربًا.
نعم، وأن نلمح في أيسر الأشياء – في نسمةٍ عليلة، أو ظلِّ شجرة، أو بريقِ نجمة – ما يملأ القلب سرورًا، ويُنسيه أثقال الأمس ومخاوف الغد.

ومن أسرار هذه الحياة ـ وما أكثر أسرارها ـ أنك تغلبها بالتفاؤل والابتسامة، على ما كانت عليه ظروفك؛ فالحياة تنقّيها نظرةُ الرضا، ويزيدها جمالًا لمحةُ الشكر، ويُضفي عليها البهجةَ حسنُ الظن بالله والفرح به.
والتفاؤل ليس خيالًا فارغًا، بل هو قوة تبعث على النشاط في العمل؛ ومن وُهب قلبًا متفائلًا استخرج من شوك الطريق أزهارًا، واتخذ من وعورة الدرب سُلَّمًا إلى القمة.

إن الابتهاج بالحياة فنّ وملكةٌ تُربَّى كما تُربَّى الأخلاق، وعادةٌ تُكتسَب كما تُكتسَب المهارة، ومفتاحها أن نرى الخير في الناس، والجمال في الأشياء، والفرص في الأزمات، وأن نعيش الحاضر بوعي؛ فلا نُحمّل قلوبنا هموم الأمس، ولا نُضيّع أوقاتنا في أوهام الغد، بل نعيش في حدود يومنا بعفويته وروعته، نراه هبةً عظيمة من الله، نعمل فيه الصالحات، ونجدد فيه التوبة، ونصلح ما تعثّر فيه من أمورنا.

حتى لو سقطتَ في الوحل، فما يدريك؟ لعلّ هذا السقوط يكون وقودًا لقفزةٍ تسبق بها سبقًا بعيدًا.

إن في الحياة جمالًا لا يلمحه إلا من أشرقت نفسه بالتفاؤل، وانفسح صدره بالأمل، واطمأن قلبه لموعود الله؛ حتى لكأنه صفحةٌ من كتاب الرحمة، سطورها آيات البِشر والرضا.
والتفاؤل ليس أن تنسى آلامك ومواجعك، بل أن تراها طريقًا إلى أفراحك، وأن تلمح من بين ثقوب المحن عظائم المنح؛ أن تمشي في دروب الحياة وأنت على يقينٍ أن بعد كل ليلٍ دامس فجرًا صادقًا، وفي أعماق كل شدة فرجًا ينتظر ساعة الخروج، وأن وراء كل المواجع فرحًا يرسم مباهجه على صفحات أيامك.

ففي كل يوم ميلادٌ جديد لمن أراد أن يولد، ويفتح صفحة جديدة مع الحياة. ومع بزوغ كل فجر وعدٌ صادق بأن الليل مهما أغطش ستبدّده أنوار الصباح، وأن الريح التي تُلهب وجهك بالسموم اليوم، ستحمل إليك غدًا عبيرًا منعشًا كنسيم الصبا جاء بريّا القرنفلِ .

وإذا اشتدّ عليك ليلُ الألم فتلمّح وراءه نور الفجر، وإذا وقعت عينك على الشدة فأعدَّ المتّكأ للفرج. ولا عزاء لأولئك المتشائمين الذين إن فُتحت لهم أبوابُ الجنان خافوا أن تُغلق، ولو أُهديت إليهم وردة شكَوا من شوكها، وإذا قدِم إليهم الحبيب استجرّوا لحظات الفراق؛ فأنّى لهؤلاء السعادة؟

والخلاصة أن الحياة كالمرآة؛ تريك صورتك كما تقدّم لها وجهك؛ فإن أقبلتَ عليها بالبِشر ردّت إليك صورةً مشرقة، وإن أقبلتَ عليها بالعبوس ردّت إليك ظلًّا كئيبًا.

فأقبل على أيامك في حبور الواثق، وامضِ في رحلتك بروحٍ تفرح بالعواصف لأنها تحمل في طياتها المطر، وتأنس بالمجهول لأنه في تدبير اللطيف. وتذكّر دائمًا أن وجه الحياة لمن ابتسم لها، كوجه الحبيب لمن أخلص له الحب.
أنينُ تلميذٍ على غروبِ أستاذِه

أحد أشياخي ممن كان له أثر طيب علي في مسيرتي، انقطعت عنه مدة، ثم لقيته على حال غير الحال التي تركته عليها، فُتحت عليه الدنيا، وتغيّرت اهتماماته، وانشغل بالتوافه، ولم أعهده كالسابق، فتألمت كثيرًا لمّا رأيته، وألمه حتى هذه اللحظة أجده في قلبي.

فكانت هذه الرسالة التي لا أظنه سيقرأها.

———————————————
شيخي الجليل وأستاذي الذي لن أنساه:

سلام الله عليك ورحمته وبركاته من قلبٍ ما زال يَدين لك بالفضل، ويذكر أيّامك الأولى في علوّها وسموّها، كأنها أنوار الفجر حين تبزغ على أفقٍ مظلم.

لقد كنتَ لنا مضربَ المثل في السموّ والجدّ، وكنتُ كلما ذكرتك، ذكرتُ نجمًا في السماء لا تطفئه الرياح، ولا تُغَيِّبه الغيوم، كنتَ لنا كالشمس حين تُشرق على ربوع الأرض ؛ تُلهم الأرواح وتستنهض الهمم، وتفتح لنا نحو المجد أبوابًا كأنها أبواب السماء.

ترى النفوسُ همّتك فتستحي أن تركن إلى الدون، و ترى القلوبُ أثرك فتستحي أن تنزل عن علياء الهمة، كنا نرى فيك نجمًا هاديًا، يشير دومًا إلى القمة، ويرفض أن يساوم على موائد السخف، أو يركن إلى لهو العابرين.

كنا نراك فنزداد يقينًا أن الحياة لا تُحْتَمل إلا بالارتفاع، ولا تُقطع إلا بالجدّ، ولا تُثمر إلا بالعمل الدائب.

واليوم ـ وآه من هذا اليوم ـ أجدني أمام شيخٍ آخر، قد غلبت عليه شواغل الدهماء، واحتوشته صغائرُ الشأن، فغاب في عينيك ذيّاك البريق الذي كان يلهب فينا نار الطموح.
أراك قد صرفتَ قلبك إلى ما يَعبَث به الناس، مما لا نفع فيه، وأعرضت عن تلك الذرى التي كنتَ سيِّدها وربانها.

أأخطأتُ أنا حين جعلتك قدوة، أم أن عوادي الزمن غلبتك، فأطفأت قنديلك؟!
فيا ويح قلبي وهو يرى من كان يُضيء له الطريق قد أطفأ سراجَه، ومن كان يرفعنا بهمّته؛ قد آثر الركون إلى الصغائر، وما ينبغي لك أن تكون هكذا، وما عهدناك إلا عظيمًا في نفسك، عظيمًا في أثرِك.
كنا نلوذ إليك لنرتفع، فإذا بك تنزل. وكنا نستضيء بنارك، فإذا بها تنطفئ بين أيدينا!

لقد كنتَ تُعلِّمنا أن العمر لا ينبغي أن يُصرف إلا فيما يخلّد الذكر، وأن الدهر لا يترك لأبنائه إلا ما شادوا من مكارم، أو غرسوا من فضائل، فما بال لسانك اليوم لا ينطق إلا بالهَزَل، وهمّك لا يجاوز المألوف من الصغائر؟!

شيخي الغالي، إن القلوب تُصاب بخيبة حين ترى المثل الأعلى يترجّل، والقدوة تنزل عن عليائها، ولكنها مع ذلك لا تكفّ عن الدعاء ولا تيأس من يقظة الروح، وعودة الشيخ إلى محرابه، ألا فانهض ـ رجوتك ـ وعُد إلى مقامك الأصيل، وارتفع إلى موضعك الأول، فما عهدناك إلا عَلَمًا للجد، ورمزًا للعلو، وموئلًا للنفوس الكبيرة وعَلمًا يُهتدى به، ولا عرفناك إلا عَلِيًّا يطاول السماء.

إن أمتك، وتلاميذك، وأنا أولهم، لا نريد منك أن تكون كأحد الناس، بل أن تظلّ كما كنت: قنديلًا لنا في الظلام، وصوتًا يوقظ الغافلين، ورايةً للهمة العليّة. أفترضى بعد ذلك كله أن تكون كأحد الناس، وقد كنتَ عند الله ـ نحسبك ـ وعندنا فوق الناس.

إن الناس كثير، ولكن العظماء قلّة، وأنت كنتَ من أولئك القلّة الذين يرفعون الحياة كلها برفعتهم.

أيا شيخي! إن تلميذك هذا لا يعاتبك لنفسه، ولكن يعاتبك لأمته؛ إذ خسرَت فيك رجلًا من رجالها الكبار.
ويعاتبك لزمانه؛ إذ أطفأت فيه مصباحًا كان يُضيء على طريق الطامحين.
ويعاتبك لقلبه؛ إذ كان يجد فيك صورة أمله، فبات يخاف أن تضيع صورته كما ضاعت ملامحك الأولى.

شيخي الغالي:

أعيذ وجهك أن تغزو ملامحهُ
رغم العواصف إلا بسمةُ الظفرِ

دمتَ لنا كما عرفناك، عظيمًا في أثرِك، مُجدًا في مسيرتك، عاليًا في همّتك، ثابتًا على مبادئك.


واسلم لمحبك وتلميذك الداعي لك والمعترف بفضلك دومًا: طلال الحسان.
Forwarded from ثلاثين ثانية
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
إلى المعلم | الشيخ: طلال الحسان
الذنوب قنطرة البلايا 🌿

كم من كلمة جرت على لسان عارف بالله، فكانت للقلوب غذاء، وللأرواح دواء، وللسائرين إلى ربهم مصباحًا يهتدون به في ظلمات الطريق، وصبغةً من نورٍ وهداية.

ومن تلك الكلمات الخالدة؛ قول الفضيل بن عياض رحمه الله: «إني لأعصي الله، فأجد ذلك في خُلُق زوجتي ودابتي».

وهي كلمة لو استقرت في وجدان المسلم؛ لكانت له مِرقاةً إلى التوبة، وزاجرًا عن الغفلة، ومفتاحًا لصلاح الحال وسعادة المآل.

لأنها كلمة تهزّ النفس من أعماقها، وتفتح عليها بابًا من أبواب الحقائق الكبرى: أن كل ما يُصيب المرء من تبدّل في حالٍ، أو ضيق في أمر، أو جفاءٍ في قلب، أو تغيّرٍ في أهل، إنما مردّه إلى ذنبٍ أذنب، وجريرةٍ بينه وبين ربّه لم يُمحَ أثرها بعد.

وياله من معنى عظيم: أن يرجع المرء باللائمة على نفسه عند كل بلاءٍ يطرق بابه، أو ضيقٍ يلمّ به، أو قلبٍ يتنكّر له، أو طاعةٍ تفوته، أو أهلٍ يتغيّرون عليه.

هنالك لا يلتمس الأعذار في الناس، ولا يلقي بالتبعة على الظروف، بل يفتش في خبايا قلبه عن ذنبٍ خفيٍّ أحدث عليه ما يكره. وهل في كتاب الله شاهد أصدق من قوله تعالى: ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم﴾، وقوله: ﴿من يعمل سوءًا يُجز به﴾؟

وهذا هو السرّ الذي فهمه السلف؛ فما رأوا حادثًا يطرأ عليهم؛ إلا ردّوه إلى نفوسهم، وما نزلت بهم بليّة إلا قالوا: هذا بما كسبت أيدينا.
فهكذا كان دأب السلف؛ قلوب يقِظة، وضمائر حيّة، لا تترك حادثًا عارضًا دون أن تردّه إلى الذنب.

و لقد رُوي أن أحدهم نبح عليه كلب على غير عادته، فقال: (ما نبح عليّ هذا الكلب إلا بذنب أحدثتُه). ثم استغفر واسترجع، فما لبث أن سكن الكلب. أيّ قلب هذا الذي يقرأ في نباح الحيوان صحيفةَ ذنوبه؟!

ومن هنا تتجلّى عظمة الاستغفار، فهو التِّرسُ ضد المصائب، والملجأ من البلايا، والدَواء لكل علةٍ تنشأ من الذنوب.
فالذنوب أصل الشرور، ومصدر البلايا، وما على وجه الأرض كربٌ ولا همّ إلا وهو من جرّائها.
و العبد إذا أكثر من الاستغفار، ولاذ بربه؛ وجد الله غفورًا رحيمًا، يرفع عنه أثقال الذنوب، ويقيه شرورها وعواقبها.

فليكن لك – أيها السائر – في هذا المعنى زادٌ لا ينفد، فإذا وجدت قلبك يتنكّر، أو دنياك تتعسّر، أو أهلك يتغيّرون، فلا تفتّش عن علل الناس، بل فتّش عن ذنبك أنت؛ فإذا وقفت عليه سارعت إلى الاستغفار والتوبة، تطرق بهما أبواب السماء، حتى تُفتَح لك، وتجد ربك كما أخبر: «غفورًا رحيمًا».
فإن الطريق إلى الراحة أن تضع إصبعك على جرحك، لا على جراح الآخرين، ثم تبكي على خطيئتك بين يدي ربك، وتقول: (ربّ اغفر لي، وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم).
فإن فعلت ذلك؛ وجدت السكينة تهبط عليك كما تهبط الرحمة على قلوب المخبتين.
شرح المعلقات العشر.pdf
23.6 MB
هذا أنفع شرح للمعلقات فيما أعلم (نفيسٌ يُكتم عن العدو) كتبه عدد من أساتذة الأدب، وأحسنوا أيما إحسان، فإن الشروح القديمة تعنى في غالبها باللغة والإعراب، ويعييك أن تصل إلى المعنى وتستبين به عبقرية الشعر الجاهلي واستحقاق المعلقات خاصة لهذه المكانة.
وأذكر أنني قرأت بعض المعلقات على عالم موريتاني توفي رحمه الله وطلبت منه أن يتفضل ببيان المعنى الجُمْلي عقب شرح البيت، فثقل عليه واعتذر بأنه لم يَدرُس هكذا. فهذه المهمة ليست يسيرة وهي الغاية وغيرها وسيلة إليها.
وهذا الشرح مبني على الشروح المتقدمة وليس مناقضًا لها، فاقرأه سواء حفظت المعلقات أم لم تحفظها، وقد قال الإمام أحمد لما سُئل عن الشعر: أما الجاهلي فما أنفعه.
Forwarded from ستين ثانية
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
فضل العلم || الشيخ : د. طلال الحسان
أعطِ الصباحَ فرصة 🌧️ 🌱

هذا عنوان كتابٍ محبّبٍ إليَّ من كتب الأديب عبدالوهاب مطاوع، اقتبسه من قصة مؤثّرة، عن ثلاثةٍ من البائسين اجتمعوا في ليلةٍ شديدة السواد على متن جسرٍ عالٍ. ولم يكن بينهم موعدٌ ولا معرفةٌ سابقة، غير أنّ البؤس ساق خطاهم إلى الموضع نفسه، والفكرة السوداء جمعت قلوبهم، وهي: أن يلقوا بأجسادهم في لجّة النهر، علّهم يطفئون نارًا تستعر في صدورهم.

جلسوا إلى بعضهم، ففضّ كل واحدٍ كنانة همّه، وباح بسرّ علّته، فإذا هي جراح مختلفة يجمعها عنوان واحد: اليأس. وحين أوشكوا على المضي إلى النهاية، تمهّل أحدهم وقال: "لِمَ لا نؤجِّل حتفنا إلى الغد؟ فلعلّ فجرًا جديدًا يبدّد شيئًا من ظلامنا، فإن لم يفعل عدنا إلى الجسر وأتممنا ما عزمنا عليه".

أشرق الصباح، فتنفّس اثنان منهما هواءً غير الذي عرفاه، ورأيا في الأفق خيطًا من نورٍ يتدلّى على قلبيهما، فأحسّا أنّ الحياة – وإن جارت – ما زالت تحتمل صفحةً بيضاء. فآثرا الرجوع، وانثنى عزمهما عن القرار الموحش.
أمّا الثالث، فلم يعد. وحين انتظراه عند الجسر فلم يريا له أثرًا، علما أنّ الليل ابتلعه، وأنه لم يرضَ أن يمنح الصباح حقَّه من الفرصة. عندها تنفّس أحدهما زفرة طويلة وقال، وفي صوته حشرجة ندم:
ليته أعطى الصباحَ فرصة.

نعم، ما أروع الصباح حين يُقبل وفي يده مفاتيح الأمل، وفي عينيه بشائر الرجاء! وما أجمل أن نستقبله بقلوبٍ نقية، لا تثقلها أحمال الأمس، ولا تكدرها هموم الليل؛ بل نفتح له أبوابنا كما نفتح الأبواب لضيف كريم طال انتظاره. وما أجمل أن نضع أثقال الأمس خلفنا ظهريًا، ونقول لأنفسنا: اليوم غير البارحة، والغد غير اليوم.

إنّ الصباح ليس مجرّد انتقالٍ من ظلمةٍ إلى نور، ولا من سكونٍ إلى حركة؛ بل هو وعدٌ جديد بأن في الحياة بقيّة، وأن في العمر فرصة، وأن الأمل لا يزال حيًّا يتنفّس في أفق الكون. فمن صدّق هذا الوعد، دخل عليه الصباح مشرقًا بالخير، ومن أعرض عنه؛ بقي في ظلام قلبه، وإن توسطت الشمس كبد السماء.

والصباحُ في حقيقته امتحانٌ لحسن الظن؛ فمن استقبله بالفأل أزهرت في قلبه رياض الأمل، وصارت ساعات النهار عنده جداول من نور، ومن استقبله باليأس لم يرَ فيه إلا امتدادَ ليلٍ طويلٍ يوشك أن يخنق روحه.
وإن تعجبْ فَعَجَبٌ من ذلك القلب اليائس، وفي السماء ربٌّ يقول: ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾، ومن ذلك المؤمن الذي يضيق صدره؛ وهو يعلم أنّ الله أرحم به من نفسه!

إنّ التفاؤل – يا صاح – هو زينة الصباح، ونافذةُ الروح إلى رحمة الله، واليقين بالله هو لحنه العذب وجناحه الذي يُحلّق به فوق محن الأيام.
وما من ليلٍ مدلهمّ إلا يعقبه فجرٌ ضاحك في وجه الدنيا.
وكم من مهمومٍ أطلّ عليه الفجر مثقلاً بالهموم، فإذا به حين يذكُر أنّ الله قريب، وأن رحمته واسعة، وأن عطاؤه أجزل، تنفرج في صدره أبواب الرجاء، كأنّ الفجر لم يُخلق إلا لأجله. وكم من مكدودٍ أنهكته الليالي، فإذا بالصباح يُعيد إليه قواه، ويُذكّره أن الله يُبدل بعد العُسر يُسرًا، وبعد الضيق فرجًا، ويُنشّطه ببشرى خفيّة: أنّ القادم أجمل، وأن الله يُخبئ له من الخير ما لم يخطر له على بال.

تُذكّرني المشارق كلَّ يومٍ
بأنّ الله لا يُبقي الظلاما

فأعطِ الصباحَ فرصة! لا تستقبلْه بوجهٍ عابس، ولا بنفسٍ مثقلة بظنون الأمس؛ بل استقبله كما يستقبل العطشان كأس الماء، وكما يستقبل المسافرُ البعيدُ بشائرَ الوصول. واجعل أوّل أنفاسك فيه تسبيحًا، وأوّل خُطاك دعاءً، وأوّل نظراتك توكّلًا ورجاءً، ثم انظر كيف يتبدّل نهارك، وكيف تُزهر في قلبك حدائق لم تزرعها بيديك.

وإنك حين تُعطي الصباح فرصةً، فكأنك تعطي نفسك عمرًا جديدًا، تشعر معه أن الهواء أطيب، والنور أرقّ، والقلب أخفّ. وما أجمل أن تستقبل هذا الزائر الكريم بقلبٍ متفائل، كأنك تقول له: ها أنا ذا ، ما زلت أؤمن أنّ الغد يحمل لي فرحًا وفرجًا، وأن رحمة الله أوسع من كل ضيق. فمن أيقن أنّ الله أرحم به من نفسه، وأن الغد بيد من لا يُخطئ تدبيره، لم يعرف لليأس طريقًا، ولم يذق للقنوط طعمًا.

فالطريق إلى السعادة يبدأ بابتسامة في الصباح، تُترجمها الثقة بالله، وتُزيّنها بشارة الفأل الحسن، وتُكلِّلها قوة الإيمان.

فأعطِ الصباحَ فرصةً أيها القلب؛ لعلّ الله يجعل فيه بدايةَ فرحٍ لم يخطر لك على بال، وبابَ رحمةٍ لم تطرقه يدُك قط. وما أجمل أن يكون أوّل ما يلقاك مع الفجر يقينٌ يملأ روحك: أنّ الله لا يُخلف وعده، وأن الغد يحمل لك من الخير ما تُبشّرك به أنوار الفجر. فإنك إن تفعل، وجدت فيه ما يردّ الروح ويُحيي الأمل.

فلنُعطِ الصباحَ فرصةً، لعلّه يهبنا ما عجزت الليالي أن تهبه. فرجوتك – يا صاحبي – ألّا تُغلق بابك في وجه الصبح، ولا تبخل على نفسك بفرصته. دع قلبك يتهجّى بشائر الفأل، ودع روحك تطير بجناحي اليقين. حينها فقط ستعرف أنّ الصباح هدية، وأنّ الدنيا – على ما فيها – ما زالت جميلة.
بمناسبة قرب المولد النبوي فهذه منظومة نظمها شيخنا الأستاذ الدكتور بدر بن ناصر العواد، خصّصها لبيان حكم الاحتفال به.

ونسأل الله الكريم أن ينفع بها ناظمها وقارئها.
ذكرى وفاء، على طرقات النسيان 🌧️🌱

ما أبهى تلك الزيارات في ميزان الوفاء، وما أصفاها في رياض الأرواح، وما أعطرها في سجلّ الذكرى، نزور بها رجالًا كانوا بالأمس من صُنّاع الحياة، يغرسون في القلوب بذور التربية، ويصبغون الأيام بألوان العطاء.
لقد كانوا في ما مضى منارات تهدي، وأيدٍ تبني، وعقولًا تصوغ من التربية والتعليم صروحًا شامخة، ثم آثروا السكون وتواروا عن الأنظار.
و زيارات كهذه ليست كسواها؛ إذ تنبعث منها أنفاس الماضي العاطر، وتشرق فيها شمس الوفاء، فتستيقظ القلوب على معنى العرفان، وتنهض النفوس لتشهد أن أثر أولئك العظماء لا يمحوه غياب، ولا يغيبه ستر فإذا جئناهم؛ أحيينا في أنفسنا عهدًا مضى، وأيقظنا في أرواحنا ذكرى تلك الساعات التي كانت تُنشئ النفوس إنشاءً، وتبني القلوب بناءً.

كان ـ أيّام دراستنا الجامعية ـ ملءَ السمع والبصر، تتجه إليه القلوب قبل الأبصار، ويزدحم مكتبه بالطلاب حتى ليكاد يضيق بهم مكانه. فإذا خرج إلى قاعة الدرس، سار من حوله رهط من طلابه يسألونه ويستفتونه، وهو يفيض عليهم من علمه، ويجيبهم بما اعتاد من بشاشة الوجه، ورحابة الصدر، وابتسامة لا تفارقه. ثم أدبر الزمان، وأثقلته العلَل، فآثر التقاعد بعد أن أقعدته الأمراض، وانقطع عن دروسه العامرة في مسجده. ولمّا زرتُه في داره، وجدتُ رجلاً يُصارع مرارة الجحود، ويشكو ألم النكران؛ تمرّ به الأيام بل الأسابيع، فلا زائر يطرق بابه، ولا صاحب يأنس بحديثه. وكنتُ ألمح في نبرات صوته أنينًا مكتومًا، وفي خلجات كلماته حسرةً لا تخفى، كأنما يقول في صمت: أهذا يكون جزاء السنين؟!

وإن ندائي لنفسي، ثم لإخواني من طلاب العلم، أن نتلمّس هؤلاء الكبار الذين أودع الله في أعمارهم بركةً، وفي أيّامهم أثرًا، وفي ماضيهم نفعًا لا يزول. فلنغتنم بقايا أعمارهم، ولنطرق أبوابهم بين الفينة والأخرى، نزورهم زيارة وفاء، ونحيطهم بما يليق بمكانتهم وفضلهم، ونُشعرهم أنّ بركتهم لا تزال تظلّلنا، وأن بصماتهم لم تزل محفورة في وجداننا، وأن أثرهم لا تمحوه الأعوام، ولا يغيبه تعاقب الجديدين. فإن غابوا عن الأنظار، فما غابوا عن القلوب، بل ازدادوا في الضمائر رسوخًا، وفي الأرواح حضورًا. وإنها ـ والله ـ لزيارة تُحيي فيهم الأمل، وتردّ إليهم الروح، وتبقى لهم ولنا ذخرًا في صحائف البر والإحسان.
للتسجيل في القسم *النسائي*، يُرجى الانضمام إلى قناة التلقرام الخاصة بالمسار المطلوب:

- مسار الإتقان.
https://www.tg-me.com/+pxFRMSkEWHAyMmFk

- مسار الحفظ (وجه،وجهان).
https://www.tg-me.com/+bHa34PHkI0w4NTY0

-لمتابعة قناة جمعية متقن على واتساب:
‏ ⁠https://whatsapp.com/channel/0029VbAdptx6BIErEg3iDF31
ذكرى وفاء .. على طرقات النسيان🤍
2025/09/14 01:25:42
Back to Top
HTML Embed Code: