https://www.tg-me.com/sharh_elsodor
🎙خطر الحسد على القلب والجسد ([1])
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ أن اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])
﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])
﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، و﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾.([5])
أيها الناس:
أخرج الإمام أحمد في مسنده، وبعض أهل السنن، من حديث الزبير رضي الله تعالى عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِكُمْ: الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ. وَهِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ حَالِقَةَ الشَّعْرِ، وَلَكِنْ حَالِقَةَ الدِّينِ». وهذا الحديث حديث حسن.
دب هذا المرض، وهذا الداء العضال، إلى كثير من المسلمين، بما فيه من الخطر على صاحبه، وما فيه من الضرر، على الأخوة الإيمانية، بل على إيمان صاحبه. فقد أخرج الإمام النسائي في سننه، وابن حبان في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ رَجُلٍ: الْإِيمَانُ، وَالْحسَدُ». لا يكتمل إيمانك، لا يصفو لك، إيمانك، لا يسلم لك إيمانك يا عبد الله!، إذا كان هذا الوصف الذميم في قلبك، إذا كان هذا المرض في قلبك؛ فإنه من أوصاف اليهود، ومن سماتهم، ومن صفات المشركين.
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ﴾.([6]) اعترض المشركون كيف ينزل الوحي على محمد؟ هذا اليتيم، وهذا، وهذا...؛ حسدًا من عند أنفسهم. فهذه من صفات الكفار، اعتراض على قدر الله، وعلى شرع الله، وعلى أمر الله تعالى. قال الله: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾.([7]): ليس الأمر إليكم، أنت أيها الحاسد! المتصرف في الكون؟ هل الأمر إليك؟
قال ابن المعتز رحمه الله تعالى: "الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له، بخيل بما ليس يملكه، طالب لما لا يجده". الحاسد يحسد إنسانًا ليس له ذنب عليه، لم يصنع به شيئًا، أنعم الله عليه، لا من فضلك، ولا من جودك. بخيل بما ليس تملكه، طالب لما لا تصل إليه.
أخرج ابن ماجة من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ، مَا حَسَدُوكُمْ عَلَى التَّأْمِينِ، وَالسَّلَامِ». قال المولى جل وعلا في كتابه الكريم: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾.([8]) حسدوا هذه الأمة على نبيها، وأنه كان من العرب، ومنهم أنبياء كثر، عليهم الصلوات والسلام. وهذا الأمر ليس إليهم؛ ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾.([9]) فهذه الصفة الذميمة من صفات المشركين، من صفات اليهود، من صفات الأمم السالفة، من كبائر الذنوب والآثام. اعتراض على قدر الله، اعتراض على شرع الله؛ «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِكُمْ: الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ».
هذا الوصف الذميم: تمني زوال النعمة عن الغير، يتمنى أن تزول هذه النعمة. ألا سألت الله من فضله؟ ألا تركت الاعتراض على قدر الله وشرع الله؟ ارض بما قسم الله لك، وادع الله، ولا تحسد أخاك؛ يكمل إيمانك، تقوى محبتك لأخيك، تسلم في نفسك.
قيل: "ما هنالك ظالم أشبه بالمظلوم من الحاسد، يأكل نفسه بنفسه، كالنار تأكل بعضها": يأكل بعضه بعضًا، يضعف إيمانه، على كبيرة.
ولهذا سئل النبي ﷺ عن أفضل الناس؟ قال: «كُلُّ ذِيِ لِسَانٍ صَادِقٍ، وَكُلُّ ذِيِ قَلْبٍ مَخْمُومٍ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ! عَرَفْنَا الصَّادِقَ، لَكِنْ مَا هُوَ الْقَلْبُ الْمَخْمُومُ؟ قَالَ: «الْقَلْبُ الَّذِي لَا غِلَّ فِيهِ، وَلَا بَغِيَ، وَلَا حَسَدَ». أخرجه الطبراني، وهو حديث حسن. ليس فيه غل، ليس فيه حسد، ليس فيه شحناء، لا يبغض أخاه على نعمة الله له.
🎙خطر الحسد على القلب والجسد ([1])
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ أن اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])
﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])
﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، و﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾.([5])
أيها الناس:
أخرج الإمام أحمد في مسنده، وبعض أهل السنن، من حديث الزبير رضي الله تعالى عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِكُمْ: الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ. وَهِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ حَالِقَةَ الشَّعْرِ، وَلَكِنْ حَالِقَةَ الدِّينِ». وهذا الحديث حديث حسن.
دب هذا المرض، وهذا الداء العضال، إلى كثير من المسلمين، بما فيه من الخطر على صاحبه، وما فيه من الضرر، على الأخوة الإيمانية، بل على إيمان صاحبه. فقد أخرج الإمام النسائي في سننه، وابن حبان في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ رَجُلٍ: الْإِيمَانُ، وَالْحسَدُ». لا يكتمل إيمانك، لا يصفو لك، إيمانك، لا يسلم لك إيمانك يا عبد الله!، إذا كان هذا الوصف الذميم في قلبك، إذا كان هذا المرض في قلبك؛ فإنه من أوصاف اليهود، ومن سماتهم، ومن صفات المشركين.
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ﴾.([6]) اعترض المشركون كيف ينزل الوحي على محمد؟ هذا اليتيم، وهذا، وهذا...؛ حسدًا من عند أنفسهم. فهذه من صفات الكفار، اعتراض على قدر الله، وعلى شرع الله، وعلى أمر الله تعالى. قال الله: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾.([7]): ليس الأمر إليكم، أنت أيها الحاسد! المتصرف في الكون؟ هل الأمر إليك؟
قال ابن المعتز رحمه الله تعالى: "الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له، بخيل بما ليس يملكه، طالب لما لا يجده". الحاسد يحسد إنسانًا ليس له ذنب عليه، لم يصنع به شيئًا، أنعم الله عليه، لا من فضلك، ولا من جودك. بخيل بما ليس تملكه، طالب لما لا تصل إليه.
أخرج ابن ماجة من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ، مَا حَسَدُوكُمْ عَلَى التَّأْمِينِ، وَالسَّلَامِ». قال المولى جل وعلا في كتابه الكريم: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾.([8]) حسدوا هذه الأمة على نبيها، وأنه كان من العرب، ومنهم أنبياء كثر، عليهم الصلوات والسلام. وهذا الأمر ليس إليهم؛ ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾.([9]) فهذه الصفة الذميمة من صفات المشركين، من صفات اليهود، من صفات الأمم السالفة، من كبائر الذنوب والآثام. اعتراض على قدر الله، اعتراض على شرع الله؛ «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِكُمْ: الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ».
هذا الوصف الذميم: تمني زوال النعمة عن الغير، يتمنى أن تزول هذه النعمة. ألا سألت الله من فضله؟ ألا تركت الاعتراض على قدر الله وشرع الله؟ ارض بما قسم الله لك، وادع الله، ولا تحسد أخاك؛ يكمل إيمانك، تقوى محبتك لأخيك، تسلم في نفسك.
قيل: "ما هنالك ظالم أشبه بالمظلوم من الحاسد، يأكل نفسه بنفسه، كالنار تأكل بعضها": يأكل بعضه بعضًا، يضعف إيمانه، على كبيرة.
ولهذا سئل النبي ﷺ عن أفضل الناس؟ قال: «كُلُّ ذِيِ لِسَانٍ صَادِقٍ، وَكُلُّ ذِيِ قَلْبٍ مَخْمُومٍ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ! عَرَفْنَا الصَّادِقَ، لَكِنْ مَا هُوَ الْقَلْبُ الْمَخْمُومُ؟ قَالَ: «الْقَلْبُ الَّذِي لَا غِلَّ فِيهِ، وَلَا بَغِيَ، وَلَا حَسَدَ». أخرجه الطبراني، وهو حديث حسن. ليس فيه غل، ليس فيه حسد، ليس فيه شحناء، لا يبغض أخاه على نعمة الله له.
Telegram
قناة شرح الصدور بتفريغ خطب الشيخ أبي عمرو في السطور
قناة تعنى بتفريغ خطب الجمعة للشيخ أبي عمرو عبد الكريم الحجوري حفظه الله.
بل تحبه، تزداد له محبة، أن الله عز وجل أكرمه بذلك الخير؛ فيقوى إيمانك، فيقوى إيمانك. أخرج مسلم عن أبي هريرة، قال: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».
فهذا المرض الخطير يدمر الأخوة في الله، يقضي على المحبة في الله، يجعل في قلبك الغل، والبغضاء، والشحناء. فأنت المريض، أنت المريض يا عبد الله!، أيها الحاسد!، المرض في قلبك وفيك، فاحرص على الدواء. لن تضر حاسدك بشيء إلا أن يقدر الله شيئًا، سبحانه وتعالى.
فلذلك إذا دب إليك هذا المرض، هذا الداء، هذا الوصف الذميم، فصف قلبك، وعالج نفسك، بالأذكار، وبالرقية، وبالإيمان الصحيح، وبالعمل الصالح، وبالتوبة، والاستغفار، أنك في قلبك غل على أخيك، في قلبك حسد، في قلبك شحناء، في قلبك بغضاء، على عبد من عباد الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المؤمنون! إن من أنفع الأدوية لهذا المريض بهذا المرض الفتاك؛ لهو الرضا بقضاء الله وقدره، لهو الإيمان بالقدر، تحقيق هذا الركن من أركان الإيمان، وعدم الاعتراض على قدر الله؛ ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾.([10]) فالله ما أعطاه من شيء لك، ولا من شيء تملكه، ولا من شيء تستحقه، وهو المعطي، وهو الحكيم، الخبير، جل وعلا.
فعالج نفسك بهذا، وعالج نفسك أنك تحقق الإيمان، وأنك لا تعترض على قدر الله، واسأل الله من فضله دون أن تتمنى زوال هذه النعمة عن أخيك. نافس، وسابق، وسارع، مع المحبة، مع الأخوة، مع تمني الخير لأخيك؛ يزيدك الله، ولا سيما إن دعوت الله له أن يزيده؛ فإن النبي ﷺ قال «مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ». أخرجه مسلم عن أبي الدرداء.
وهكذا أخي في الله! اجعل بينك وبينه من الصلات، ودافع هذه النفس الأمارة بالسوء، وأحسن إليه، حتى يذهب هذا المرض، وسارع، واسأل الله من فضله. وإياك والاسترسال مع هذا الداء، فإنك صريعه، وربما تكون قتيله.
ذُكر أن بعض الأمراء علم بحاسدين يحسد أحدهما الآخر، فدعاهما، فقال: من تمنى منكما شيئًا، أعطيته، وأعطيت للآخر مثليه. أي: إن تمنى مالاً أعطاه، لكن أعطى للآخر مثليه، ضعفيه، وكلاهما يحسد الآخر. فلم يتمن أحدهما شيئًا مع حاجته، ومع حسده لأخيه؛ خشية أن يعطي أخاه ضعفين. ومرت الأيام وهما على ذلك الحال، ثم إن أحدهما طلب من الأمير أن يفقأ عينه؛ لكي يفقأ عيني صاحبه. هكذا، ولهذا قيل:
للهِ دَرُّ الْحَسَدِ مَا أَعْدَلَهُ *** بَدَأَ بِصَاحِبِهِ فَقَتَلَهُ
وأنت أيها المحسود! استعذ بالله من شر الحاسد؛ ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)﴾.([11]) وهذا الذي يحسدك أحسن إليه، واصفح، فإنه أخوك المسلم ابتلي. لا تعامله بالمثل، لا تعامله بالمثل، وإنما أحسن اليه؛ فلعل هذا أن يكون سبب شفائه من هذا المرض.
وليس من الحسد تمني الخير مع عدم تمني زواله عن أخيك المسلم. ففي الصحيحين من حديث بن عمر، وابن مسعود: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهُو يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ». تتمنى أن تكون مثل هذا. أما تتمنى أن تكون مثل هذا الذي أعطاه الله من العلم، أو من العبادة، أو من الإنفاق، وما أشبه ذلك، نعم. هذه غبطة تتمنى أن تكون مثله. بل لا مانع أن تتمنى أن تكون أحسن منه، لكن لا تتمنى أن تزول هذه النعمة عن أخيك، بل تمن استمرار، وزيادة، النعمة لأخيك. فلك أجر؛ «وَلَكَ بِمِثْلٍ».
نعم يا عبد الله!
فتمن الخير لنفسك، ومن رأيت عنده من الخير تمن له الخير، وزيادة. ولا مانع أن تتمنى أكثر من ذلك، لكن لا تحسده. لا تتمن زوال هذه النعمة عن أخيك المسلم؛ فإن هذا من أسباب أن الله عز وجل ينعم عليك بهذه النعمة.
وما أكثر ما يحصل التحاسد بين الأقران، أو بين الشركاء، أو بين الزملاء والإخوان. وكل هذا من الشيطان، كل هذا، هذا الداء العضال، وهذا المرض، من الشيطان. يقول: انظر فلان حصل، وفلان حصل.
هنيئًا، المسلم يفرح لأخيه المسلم لما حصل من الخير. وربنا عز وجل فضله واسع، قادر أن يعطيك مثله وأكثر، وكلما تمنيت له زيادة في الخير زادك الله سبحانه وتعالى.
فهذا المرض الخطير يدمر الأخوة في الله، يقضي على المحبة في الله، يجعل في قلبك الغل، والبغضاء، والشحناء. فأنت المريض، أنت المريض يا عبد الله!، أيها الحاسد!، المرض في قلبك وفيك، فاحرص على الدواء. لن تضر حاسدك بشيء إلا أن يقدر الله شيئًا، سبحانه وتعالى.
فلذلك إذا دب إليك هذا المرض، هذا الداء، هذا الوصف الذميم، فصف قلبك، وعالج نفسك، بالأذكار، وبالرقية، وبالإيمان الصحيح، وبالعمل الصالح، وبالتوبة، والاستغفار، أنك في قلبك غل على أخيك، في قلبك حسد، في قلبك شحناء، في قلبك بغضاء، على عبد من عباد الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المؤمنون! إن من أنفع الأدوية لهذا المريض بهذا المرض الفتاك؛ لهو الرضا بقضاء الله وقدره، لهو الإيمان بالقدر، تحقيق هذا الركن من أركان الإيمان، وعدم الاعتراض على قدر الله؛ ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾.([10]) فالله ما أعطاه من شيء لك، ولا من شيء تملكه، ولا من شيء تستحقه، وهو المعطي، وهو الحكيم، الخبير، جل وعلا.
فعالج نفسك بهذا، وعالج نفسك أنك تحقق الإيمان، وأنك لا تعترض على قدر الله، واسأل الله من فضله دون أن تتمنى زوال هذه النعمة عن أخيك. نافس، وسابق، وسارع، مع المحبة، مع الأخوة، مع تمني الخير لأخيك؛ يزيدك الله، ولا سيما إن دعوت الله له أن يزيده؛ فإن النبي ﷺ قال «مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ». أخرجه مسلم عن أبي الدرداء.
وهكذا أخي في الله! اجعل بينك وبينه من الصلات، ودافع هذه النفس الأمارة بالسوء، وأحسن إليه، حتى يذهب هذا المرض، وسارع، واسأل الله من فضله. وإياك والاسترسال مع هذا الداء، فإنك صريعه، وربما تكون قتيله.
ذُكر أن بعض الأمراء علم بحاسدين يحسد أحدهما الآخر، فدعاهما، فقال: من تمنى منكما شيئًا، أعطيته، وأعطيت للآخر مثليه. أي: إن تمنى مالاً أعطاه، لكن أعطى للآخر مثليه، ضعفيه، وكلاهما يحسد الآخر. فلم يتمن أحدهما شيئًا مع حاجته، ومع حسده لأخيه؛ خشية أن يعطي أخاه ضعفين. ومرت الأيام وهما على ذلك الحال، ثم إن أحدهما طلب من الأمير أن يفقأ عينه؛ لكي يفقأ عيني صاحبه. هكذا، ولهذا قيل:
للهِ دَرُّ الْحَسَدِ مَا أَعْدَلَهُ *** بَدَأَ بِصَاحِبِهِ فَقَتَلَهُ
وأنت أيها المحسود! استعذ بالله من شر الحاسد؛ ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)﴾.([11]) وهذا الذي يحسدك أحسن إليه، واصفح، فإنه أخوك المسلم ابتلي. لا تعامله بالمثل، لا تعامله بالمثل، وإنما أحسن اليه؛ فلعل هذا أن يكون سبب شفائه من هذا المرض.
وليس من الحسد تمني الخير مع عدم تمني زواله عن أخيك المسلم. ففي الصحيحين من حديث بن عمر، وابن مسعود: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهُو يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ». تتمنى أن تكون مثل هذا. أما تتمنى أن تكون مثل هذا الذي أعطاه الله من العلم، أو من العبادة، أو من الإنفاق، وما أشبه ذلك، نعم. هذه غبطة تتمنى أن تكون مثله. بل لا مانع أن تتمنى أن تكون أحسن منه، لكن لا تتمنى أن تزول هذه النعمة عن أخيك، بل تمن استمرار، وزيادة، النعمة لأخيك. فلك أجر؛ «وَلَكَ بِمِثْلٍ».
نعم يا عبد الله!
فتمن الخير لنفسك، ومن رأيت عنده من الخير تمن له الخير، وزيادة. ولا مانع أن تتمنى أكثر من ذلك، لكن لا تحسده. لا تتمن زوال هذه النعمة عن أخيك المسلم؛ فإن هذا من أسباب أن الله عز وجل ينعم عليك بهذه النعمة.
وما أكثر ما يحصل التحاسد بين الأقران، أو بين الشركاء، أو بين الزملاء والإخوان. وكل هذا من الشيطان، كل هذا، هذا الداء العضال، وهذا المرض، من الشيطان. يقول: انظر فلان حصل، وفلان حصل.
هنيئًا، المسلم يفرح لأخيه المسلم لما حصل من الخير. وربنا عز وجل فضله واسع، قادر أن يعطيك مثله وأكثر، وكلما تمنيت له زيادة في الخير زادك الله سبحانه وتعالى.
فاحذر يا مسلم! على نفسك من هذا المرض الفتاك، الذي يعصف بأناس، وبسببه وقع أناس في الكفر ـ عياذًا بالله! ـ، ودخل أناس للنار، وهي أول معصية عصي بها الجبار. لما أمر الله عز وجل آدم إبليس أن يسجد لآدم، حسده إبليس: ﴿أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)﴾([12]) حسد آدم. وقد سجد الملائكة المقربون، عباد الرحمن، عليهم السلام، وأبى إبليس اللعين بسبب الحسد، واستكبر، وطرد من جنة الله، ومن رحمة الله، ودخل النار.
وكفر أناس بمحمد ﷺ حسدًا، وبغيًا، وكبرًا، فدخلوا النار. ودخل أناس في الضلالات وفي البدع بسبب حسدهم لأناس فتح الله عليهم.وتقهقر أناس، وعصى أناس، كثير بهذا الذنب الجسيم.
فاحذر على نفسك عبد الله! من هذا المرض الذي يضعف إيمانك، ويزحزحك عن طاعة الرحمن، ويودي بك إلى طاعة الشيطان. والله المستعان.
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [١٣/جماد الأولى/١٤٤٣ هـ].
([2])[النساء: 11].
([3])[آل عمرأن: 102].
([4])[الأحزاب: 70، 71].
([5])[الأنعام: 134].
([6])[الزخرف: 32].
([7])[الزخرف: 32].
([8])[البقرة: 109].
([9])[النساء: 54].
([10])[الزخرف: 32].
([11])[الفلق: 1، 5].
([12])[الإسراء: 61].
📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
وكفر أناس بمحمد ﷺ حسدًا، وبغيًا، وكبرًا، فدخلوا النار. ودخل أناس في الضلالات وفي البدع بسبب حسدهم لأناس فتح الله عليهم.وتقهقر أناس، وعصى أناس، كثير بهذا الذنب الجسيم.
فاحذر على نفسك عبد الله! من هذا المرض الذي يضعف إيمانك، ويزحزحك عن طاعة الرحمن، ويودي بك إلى طاعة الشيطان. والله المستعان.
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [١٣/جماد الأولى/١٤٤٣ هـ].
([2])[النساء: 11].
([3])[آل عمرأن: 102].
([4])[الأحزاب: 70، 71].
([5])[الأنعام: 134].
([6])[الزخرف: 32].
([7])[الزخرف: 32].
([8])[البقرة: 109].
([9])[النساء: 54].
([10])[الزخرف: 32].
([11])[الفلق: 1، 5].
([12])[الإسراء: 61].
📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
Telegram
القناة الرسمية لفضيلة الشيخ أبي عمرو الحجوري
🌎 القناة الرسمية لفضيلة الشيخ أبي عمرو الحجوري حفظه الله ورعاه 🌍
🖥 كل مايخص الشيخ من :
👈🏻 الخطب .
👈🏻 المحاضرات .
👈🏻 الدروس .
👈🏻 الفتاوى .
👈🏻 الكتب .
👈🏻 اللقاءات .
👈🏻 المقالات .
______________________
اتصل بنا :
واتس آب: 774325182 967+
🖥 كل مايخص الشيخ من :
👈🏻 الخطب .
👈🏻 المحاضرات .
👈🏻 الدروس .
👈🏻 الفتاوى .
👈🏻 الكتب .
👈🏻 اللقاءات .
👈🏻 المقالات .
______________________
اتصل بنا :
واتس آب: 774325182 967+
https://www.tg-me.com/sharh_elsodor
🎙بل تحبون العاجلة ([1])
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ أن اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])
﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])
﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى رسول الله ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الناس:
يقول الله جل في علاه: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ ([5])، ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾.([6])
أيها الناس! إن الساعة آتية لا ريب فيها، وإن الموت آت، وإن الناس قد شغلتهم العاجلة، وغفلوا عن الآخرة. ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27)﴾([7])، ﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)﴾.([8]) إن هذا موجود في الناس، إن هذا موجود في المسلمين، إيثار الدنيا ـ إلا من رحم الله ـ، إيثار العاجل، الزائل، الفاني، على الباقي، على ما هو خير.
شغل الناس بالدنيا، وتنافسوا فيها؛ فأهلكتهم.
﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)﴾([9]): ألهى الناس التكاثر في الأموال، وفي الأولاد، وفي المباني، وفي جمع المال ـ إلا من رحم الله ـ، وشغلوا عن الآخرة. وهذه غفلة سحيقة، هذه غفلة. مع أن الناس في حال أحسن من الحسن، وأجود من الجيد. فالناس يتقلبون في نِعم كثيرة، أفقر إنسان يتمتع في أشياء لم يجدها كثير من الصالحين الأول.
قال النبي ﷺ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتَ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا». أخرجه الترمذي من حديث عبيد الله بن محصن، وزاد ابن أبي عاصم: «بِحَذَافِيرِهَا». «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتَ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا».
فكيف يا من تملك قوت الأعوام؟ وربما ما يكفيك العمر، ويكفي كثيرًا من الذرية والأحفاد؟ فإلى متى هذه الغفلة؟ وإلى أين؟
«مَاتَ مُحَمَّدٌ ﷺ وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ»، لم يشبع حتى قبض. والحديث في البخاري. وجاء في الصحيحين عن عائشة «أَنَّ النَّبِيَ ﷺ مَاتَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ فِي ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَخَذَهَا طَعَامًا لِأَهْلِهِ». «ثَلَاثُونَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ»؛ أي: بما يعادل تسعين كيلو لتسعة أبيات. أي: أخذ للواحدة عشرة كيلو شعير. من منا يأكل الشعير الآن؟ إلا ما ندر. لا يأكلونه، يعطونه الدواب. ونبينا ﷺ مات ولم يشبع من الشعير، ونحن لا نأكله.
فالناس في خير، وفي نِعم، ولكن من يشكر هذه النِّعم؟ من يعرف قدر هذه النِّعم فيسخرها في طاعة الله جل وعلا؟ الناس غافلون عما هم فيه من النعيم الكثير.
جاء في صحيح البخاري من حديث النعمان وعمر، قال: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَظَلُّ يَوْمَهُ يَتَلَوَّى مِنَ الْجُوعِ، مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ». «الدَّقَلْ»: رديء التمر، وليس من التمر المتوسط أو التمر الفاخر.
الآن تذهب كثير من الناس ما يريد التمر، يريد من اللحوم، والدسوم، وأنواع المطاعم والمشارب. النبي ﷺ يبقى الأيام، أيام، لا يجد من رديء التمر، مع أن المدينة هي معقل التمر، لا يجد ما يسد جوعته. والناس في خير، وفي نعيم، وقليل من يعرف قدر ذلك. بل في هلع وجشع على الدنيا، وما قنعوا، في غفلة، في سبات.
نعم عباد الله!
هذا كثير من الناس الآن، قد أشغلته التخمة، يبحثون عن المهضمات، وعن الملينات، وعن المنكهات، وعن المطعومات، وغير ذلك.
🎙بل تحبون العاجلة ([1])
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ أن اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])
﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])
﴿يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى رسول الله ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الناس:
يقول الله جل في علاه: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ ([5])، ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾.([6])
أيها الناس! إن الساعة آتية لا ريب فيها، وإن الموت آت، وإن الناس قد شغلتهم العاجلة، وغفلوا عن الآخرة. ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27)﴾([7])، ﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)﴾.([8]) إن هذا موجود في الناس، إن هذا موجود في المسلمين، إيثار الدنيا ـ إلا من رحم الله ـ، إيثار العاجل، الزائل، الفاني، على الباقي، على ما هو خير.
شغل الناس بالدنيا، وتنافسوا فيها؛ فأهلكتهم.
﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)﴾([9]): ألهى الناس التكاثر في الأموال، وفي الأولاد، وفي المباني، وفي جمع المال ـ إلا من رحم الله ـ، وشغلوا عن الآخرة. وهذه غفلة سحيقة، هذه غفلة. مع أن الناس في حال أحسن من الحسن، وأجود من الجيد. فالناس يتقلبون في نِعم كثيرة، أفقر إنسان يتمتع في أشياء لم يجدها كثير من الصالحين الأول.
قال النبي ﷺ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتَ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا». أخرجه الترمذي من حديث عبيد الله بن محصن، وزاد ابن أبي عاصم: «بِحَذَافِيرِهَا». «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتَ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا».
فكيف يا من تملك قوت الأعوام؟ وربما ما يكفيك العمر، ويكفي كثيرًا من الذرية والأحفاد؟ فإلى متى هذه الغفلة؟ وإلى أين؟
«مَاتَ مُحَمَّدٌ ﷺ وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ»، لم يشبع حتى قبض. والحديث في البخاري. وجاء في الصحيحين عن عائشة «أَنَّ النَّبِيَ ﷺ مَاتَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ فِي ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَخَذَهَا طَعَامًا لِأَهْلِهِ». «ثَلَاثُونَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ»؛ أي: بما يعادل تسعين كيلو لتسعة أبيات. أي: أخذ للواحدة عشرة كيلو شعير. من منا يأكل الشعير الآن؟ إلا ما ندر. لا يأكلونه، يعطونه الدواب. ونبينا ﷺ مات ولم يشبع من الشعير، ونحن لا نأكله.
فالناس في خير، وفي نِعم، ولكن من يشكر هذه النِّعم؟ من يعرف قدر هذه النِّعم فيسخرها في طاعة الله جل وعلا؟ الناس غافلون عما هم فيه من النعيم الكثير.
جاء في صحيح البخاري من حديث النعمان وعمر، قال: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَظَلُّ يَوْمَهُ يَتَلَوَّى مِنَ الْجُوعِ، مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ». «الدَّقَلْ»: رديء التمر، وليس من التمر المتوسط أو التمر الفاخر.
الآن تذهب كثير من الناس ما يريد التمر، يريد من اللحوم، والدسوم، وأنواع المطاعم والمشارب. النبي ﷺ يبقى الأيام، أيام، لا يجد من رديء التمر، مع أن المدينة هي معقل التمر، لا يجد ما يسد جوعته. والناس في خير، وفي نعيم، وقليل من يعرف قدر ذلك. بل في هلع وجشع على الدنيا، وما قنعوا، في غفلة، في سبات.
نعم عباد الله!
هذا كثير من الناس الآن، قد أشغلته التخمة، يبحثون عن المهضمات، وعن الملينات، وعن المنكهات، وعن المطعومات، وغير ذلك.
Telegram
قناة شرح الصدور بتفريغ خطب الشيخ أبي عمرو في السطور
قناة تعنى بتفريغ خطب الجمعة للشيخ أبي عمرو عبد الكريم الحجوري حفظه الله.
نبينا ﷺ يخرج من بيته، يخرجه الجوع، يخرجه الجوع، فيخرج فيجد أبا بكر وعمر، فقال: «مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بَيْتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟». قَالَا: وَاللهِ يَا رَسُولَ الله! أَخْرَجَنَا الْجُوعُ. قَالَ: «وَأَنَا وَاللهِ أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا». خرج يبحث عن لقمة يسد جوعته. وهذا الجوع ليس جوع العشاء فقط، ربما ذلك اليوم، أو قبله أيام، لم يجد شيئًا. وإلا فهم كانوا أصبر الناس.
وهكذا عباد الله! جاء «أَنَّ رَجُلاً عَرَضَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ ـ وهذا كان في آخر الأمر ـ، عَرَضَ عَلَيْهِ طَعَامًا، يَقُولُ لَهُ: هَذَا يَهْضِمُ»؛ يهضم الطعام، عرض عليه شيئًا يهضم. قال ابن عمر: «يَهْضِمْ؟ مَا شَبِعْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ». فهذا كان حالهم، حال الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، وقد كانوا هم السادة، والقادة. وليس من المسلمين أحد إلا وهو يرى أن الحال الذي كانوا عليه أولئك هو أحسن الأحوال.
ولذلك قال النبي ﷺ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا أَتَاهُ». قد أفلح من أسلم، وعنده الضروري، وقتع بذلك. أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو.
أما من شغل بالدنيا، وترك طاعة الله على حساب دينه، ترك آخرته وأخذ بدنياه، فإنه والله هلاك.
وهذا الذي حاصل الآن في المسلمين، ليس قلة الدنيا، وليس الفقر، وليست الحاجة، كلا والله. نعم في الناس محاويج، وفي الناس فقراء؛ ولكن الذي حصل في الأمة كثرة المال.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
عباد الله! إن التقلل من الدنيا سبق في الآخرة، وإن الإكثار من الدنيا قلة وتأخر في الآخرة. ففي الصحيحين عن أبي ذر، وجاء عن غيره، أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ الْمُكْثِرِينَ فِي الدُّنْيَا هُمُ الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا مَنْ قَالَ: هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا». وَأَشَارَ بِيَدِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ.
إن أكثر الناس أموالاً في الدنيا هم أقل الناس أعمالاً في الآخرة، وربما أكثر الناس أوزارًا بسبب ما أنفقوا من هذا المال في الطرق المحرمة، أو بسبب ما ارتكبوا من المحرمات لأجل جمع المال، أو بسبب ما تركوا من الواجبات والطاعات لأجل هذه الدنيا، إلا من تحر في جمع هذا المال من طرقه الشرعية، ولا يشغله عن طاعة الله، وسخره في طاعة الله جل وعلا. فهذا ممن يحسد، ممن يغبط؛ «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ»، ومنهم: «رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ»، كما في الصحيحين عن ابن عمر وابن مسعود. وما أقلّ هؤلاء.
وهكذا قلة المال سبق في الآخرة. فقد جاء عند الترمذي أن النبي ﷺ قال: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْفُقَرَاءُ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمِائِةٍ عَامٍ»، خمسمائة سنة يدخل الفقراء. وهذا كله في حق المسلمين، أما الكفار فلا يدخلون الجنة، هذا في حق المسلمين.
فلذلك عبد الله! من رحمة الله عز وجل بك أنك لم تشغل بهذه الدنيا. وإن جاءت في يدك فاجعلها مطية للآخرة، فسخرها في طاعة الله، اجعلها مركوبًا لك ولا تجعلها راكبة عليك، اجعلها مملوكة لك ولا تكن عبدًا لهذه الدنيا تستذلك. «تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الدِّينَارِ، وَالْخَمِيصَةِ، وَالْقَطِيفَةِ. تَعِسَ، وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ». أخرجه البخاري عن أبي هريرة. فكم من الناس ممن استعبدتهم الدنيا من الرجال، ممن يواجه الجيوش أو الفيالق، ويقف مقاتلاً، مستبسلاً، فينهزم أمام لعاعة من الدنيا حقيرة.
فاحذر يا عبد الله! أن تكون عبدًا لها، ولكن اجعلها مملوكة في يدك، سخرها في طاعة الله، اجعلها مطية للآخرة تركب عليها إلى جنة عرضها السماوات والأرض. فهذه هي المسارعة، وهذه هي المسابقة، وهكذا وردت الأدلة بالمسارعة والمسابقة إلى الآخرة؛ ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾([10])، ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾.([11])
أما الدنيا، فلم يرد في موضع واحد المسارعة إليها، والانشغال بها، والانهماك فيها؛ فإن هذا هلاك. «لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَقْرَ، وَلَكِنْ أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُلْهِكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ»، وفي رواية: «فَتُهْلِكَكُمُ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ».
إن أولئك أهلكتهم الدنيا وهم يعبدونها، فلا نتشبه بهم عباد الله!، فلا تلهنا عن طاعة الله، ولا عن مرضاته، ولا تهلكنا بتقديسها وتعظيمها. فلنهلكها ونسخرها في طاعة الله جل وعلا، ويعيضنا الله خيرًا منها وأبقى؛ ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)﴾.([12])
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [٢٠/جماد الأولى/١٤٤٣ هـ].
([2])[النساء: 11].
([3])[آل عمرأن: 102].
([4])[الأحزاب: 70، 71].
([5])[الأنبياء: 1، 3].
وهكذا عباد الله! جاء «أَنَّ رَجُلاً عَرَضَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ ـ وهذا كان في آخر الأمر ـ، عَرَضَ عَلَيْهِ طَعَامًا، يَقُولُ لَهُ: هَذَا يَهْضِمُ»؛ يهضم الطعام، عرض عليه شيئًا يهضم. قال ابن عمر: «يَهْضِمْ؟ مَا شَبِعْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ». فهذا كان حالهم، حال الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، وقد كانوا هم السادة، والقادة. وليس من المسلمين أحد إلا وهو يرى أن الحال الذي كانوا عليه أولئك هو أحسن الأحوال.
ولذلك قال النبي ﷺ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا أَتَاهُ». قد أفلح من أسلم، وعنده الضروري، وقتع بذلك. أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو.
أما من شغل بالدنيا، وترك طاعة الله على حساب دينه، ترك آخرته وأخذ بدنياه، فإنه والله هلاك.
وهذا الذي حاصل الآن في المسلمين، ليس قلة الدنيا، وليس الفقر، وليست الحاجة، كلا والله. نعم في الناس محاويج، وفي الناس فقراء؛ ولكن الذي حصل في الأمة كثرة المال.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
عباد الله! إن التقلل من الدنيا سبق في الآخرة، وإن الإكثار من الدنيا قلة وتأخر في الآخرة. ففي الصحيحين عن أبي ذر، وجاء عن غيره، أن النبي ﷺ قال: «إِنَّ الْمُكْثِرِينَ فِي الدُّنْيَا هُمُ الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا مَنْ قَالَ: هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا». وَأَشَارَ بِيَدِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ.
إن أكثر الناس أموالاً في الدنيا هم أقل الناس أعمالاً في الآخرة، وربما أكثر الناس أوزارًا بسبب ما أنفقوا من هذا المال في الطرق المحرمة، أو بسبب ما ارتكبوا من المحرمات لأجل جمع المال، أو بسبب ما تركوا من الواجبات والطاعات لأجل هذه الدنيا، إلا من تحر في جمع هذا المال من طرقه الشرعية، ولا يشغله عن طاعة الله، وسخره في طاعة الله جل وعلا. فهذا ممن يحسد، ممن يغبط؛ «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ»، ومنهم: «رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ»، كما في الصحيحين عن ابن عمر وابن مسعود. وما أقلّ هؤلاء.
وهكذا قلة المال سبق في الآخرة. فقد جاء عند الترمذي أن النبي ﷺ قال: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْفُقَرَاءُ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمِائِةٍ عَامٍ»، خمسمائة سنة يدخل الفقراء. وهذا كله في حق المسلمين، أما الكفار فلا يدخلون الجنة، هذا في حق المسلمين.
فلذلك عبد الله! من رحمة الله عز وجل بك أنك لم تشغل بهذه الدنيا. وإن جاءت في يدك فاجعلها مطية للآخرة، فسخرها في طاعة الله، اجعلها مركوبًا لك ولا تجعلها راكبة عليك، اجعلها مملوكة لك ولا تكن عبدًا لهذه الدنيا تستذلك. «تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الدِّينَارِ، وَالْخَمِيصَةِ، وَالْقَطِيفَةِ. تَعِسَ، وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ». أخرجه البخاري عن أبي هريرة. فكم من الناس ممن استعبدتهم الدنيا من الرجال، ممن يواجه الجيوش أو الفيالق، ويقف مقاتلاً، مستبسلاً، فينهزم أمام لعاعة من الدنيا حقيرة.
فاحذر يا عبد الله! أن تكون عبدًا لها، ولكن اجعلها مملوكة في يدك، سخرها في طاعة الله، اجعلها مطية للآخرة تركب عليها إلى جنة عرضها السماوات والأرض. فهذه هي المسارعة، وهذه هي المسابقة، وهكذا وردت الأدلة بالمسارعة والمسابقة إلى الآخرة؛ ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾([10])، ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾.([11])
أما الدنيا، فلم يرد في موضع واحد المسارعة إليها، والانشغال بها، والانهماك فيها؛ فإن هذا هلاك. «لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَقْرَ، وَلَكِنْ أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُلْهِكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ»، وفي رواية: «فَتُهْلِكَكُمُ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ».
إن أولئك أهلكتهم الدنيا وهم يعبدونها، فلا نتشبه بهم عباد الله!، فلا تلهنا عن طاعة الله، ولا عن مرضاته، ولا تهلكنا بتقديسها وتعظيمها. فلنهلكها ونسخرها في طاعة الله جل وعلا، ويعيضنا الله خيرًا منها وأبقى؛ ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)﴾.([12])
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [٢٠/جماد الأولى/١٤٤٣ هـ].
([2])[النساء: 11].
([3])[آل عمرأن: 102].
([4])[الأحزاب: 70، 71].
([5])[الأنبياء: 1، 3].
([6])[النحل: 1].
([7])[الإنسان: 27].
([8])[القيامة: 20، 21].
([9])[التكاثر: 1، 2].
([10])[آل عمران: 133].
([11])[البقرة: 148]، [المائدة: 48].
([12])[الأعلى: 17].
📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
([7])[الإنسان: 27].
([8])[القيامة: 20، 21].
([9])[التكاثر: 1، 2].
([10])[آل عمران: 133].
([11])[البقرة: 148]، [المائدة: 48].
([12])[الأعلى: 17].
📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
Telegram
القناة الرسمية لفضيلة الشيخ أبي عمرو الحجوري
🌎 القناة الرسمية لفضيلة الشيخ أبي عمرو الحجوري حفظه الله ورعاه 🌍
🖥 كل مايخص الشيخ من :
👈🏻 الخطب .
👈🏻 المحاضرات .
👈🏻 الدروس .
👈🏻 الفتاوى .
👈🏻 الكتب .
👈🏻 اللقاءات .
👈🏻 المقالات .
______________________
اتصل بنا :
واتس آب: 774325182 967+
🖥 كل مايخص الشيخ من :
👈🏻 الخطب .
👈🏻 المحاضرات .
👈🏻 الدروس .
👈🏻 الفتاوى .
👈🏻 الكتب .
👈🏻 اللقاءات .
👈🏻 المقالات .
______________________
اتصل بنا :
واتس آب: 774325182 967+
https://www.tg-me.com/sharh_elsodor
🎙القول الفصل في معرفة الفضل ([1])
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الناس:
يقول الله جل في علاه: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)﴾([5])، وقال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم عن سليمان عليه الصلاة والسلام: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)﴾.([6])
نعم عباد الله!
وإن الله سبحانه وتعالى هو ذو الفضل العظيم؛ ﴿ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ﴾([7])، ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)﴾.
وإن أعظم إنعام، وأعظم إفضال؛ لهو عطاء الله سبحانه وتعالى وإفضاله على عباده، محض فضل وإنعام، لا لشيء أعطيت هذا الذي أعطاك إلا محض فضل منه سبحانه وتعالى، وهو صاحب الفضل العظيم، الفضل الكبير.
وقد أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث زيد بن خالد، رضي الله تعالى عنه، قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَّةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟». قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ: فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ».
فتأمل الفرق عبد الله! بين مؤمن بالله، وطائع لله، وشاكر لله، معترف بالفضل لصاحب الفضل ـ جل وعلا ـ، والفضل كله لله سبحانه وتعالى، فهو يتمتع بنِعم الله الكثيرة، ويشكر الله، فيزيده الله تعالى من فضله؛ ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)﴾.([8]) وبين من ينسب الفضل لغير الذي أنعم به ـ جل وعلا ـ، فيكون نقمة عليه، ويقع في هذا المحظور. فإن اعتقد أن الكوكب هو بذاته الذي أمطر، فهذا كافر، مشرك بالله. وإن اعتقد أنه سبب فقد وقع في شرك أصغر.
كثير من الناس لا يسلم اليوم من هذا الأمر، أنعم عليه فلان، أو أعطاه فلان، أو أسدى إليه معروفًا، تغافل، أو تجاهل، أو تناسى، أو تحامق وتلاءم، فظن أن ذلك الذي أعطاه هو بنفسه، وإنما هو مسخر، سخره الله عز وجل لك.
فلا تنس صاحب الفضل ـ جل وعلا ـ، فالشكر له، والحمد له، والفضل له، والمنة له، سبحانه وتعالى.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَقْرَعُ، وَأَبْرَصُ، وَأَعْمَى، أَرَادَ اللهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ ـ أراد الله أن يختبرهم ـ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فِي صُورَةِ رَجُلٍ». ثلاثة من ذوي العاهات والأمراض المزمنة، فقراء، محاويج. «فَأَتَى الْأَوَّلَ ـ أتى الأقرع ـ، فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: شَعْرٌ حَسَنٌ، وَلَوْنٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذَرَهُ النَّاسُ. فَمَسَحَهُ، فَبَرَأَ. فَقَالَ: أَيُّ الدَّوَابِّ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْإِبِلُ. فَأُعْطِيَ نَاقَةً. ثُمَّ أَتَى الْأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَنْ يَذْهَبَ عَنِّي مَا بِجِلْدِي، وَاللَّوْنُ الْحَسَنُ. فَمَسَحَهُ، فَبَرَأَ ـ بِإِذْنِ اللهِ ـ. وَسَأَلَهُ: أَيُّ الْمَوَاشِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: الْبَقَرُ. فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلاً.
🎙القول الفصل في معرفة الفضل ([1])
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الناس:
يقول الله جل في علاه: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)﴾([5])، وقال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم عن سليمان عليه الصلاة والسلام: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)﴾.([6])
نعم عباد الله!
وإن الله سبحانه وتعالى هو ذو الفضل العظيم؛ ﴿ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ﴾([7])، ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)﴾.
وإن أعظم إنعام، وأعظم إفضال؛ لهو عطاء الله سبحانه وتعالى وإفضاله على عباده، محض فضل وإنعام، لا لشيء أعطيت هذا الذي أعطاك إلا محض فضل منه سبحانه وتعالى، وهو صاحب الفضل العظيم، الفضل الكبير.
وقد أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث زيد بن خالد، رضي الله تعالى عنه، قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَّةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟». قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ: فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ».
فتأمل الفرق عبد الله! بين مؤمن بالله، وطائع لله، وشاكر لله، معترف بالفضل لصاحب الفضل ـ جل وعلا ـ، والفضل كله لله سبحانه وتعالى، فهو يتمتع بنِعم الله الكثيرة، ويشكر الله، فيزيده الله تعالى من فضله؛ ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)﴾.([8]) وبين من ينسب الفضل لغير الذي أنعم به ـ جل وعلا ـ، فيكون نقمة عليه، ويقع في هذا المحظور. فإن اعتقد أن الكوكب هو بذاته الذي أمطر، فهذا كافر، مشرك بالله. وإن اعتقد أنه سبب فقد وقع في شرك أصغر.
كثير من الناس لا يسلم اليوم من هذا الأمر، أنعم عليه فلان، أو أعطاه فلان، أو أسدى إليه معروفًا، تغافل، أو تجاهل، أو تناسى، أو تحامق وتلاءم، فظن أن ذلك الذي أعطاه هو بنفسه، وإنما هو مسخر، سخره الله عز وجل لك.
فلا تنس صاحب الفضل ـ جل وعلا ـ، فالشكر له، والحمد له، والفضل له، والمنة له، سبحانه وتعالى.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَقْرَعُ، وَأَبْرَصُ، وَأَعْمَى، أَرَادَ اللهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ ـ أراد الله أن يختبرهم ـ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فِي صُورَةِ رَجُلٍ». ثلاثة من ذوي العاهات والأمراض المزمنة، فقراء، محاويج. «فَأَتَى الْأَوَّلَ ـ أتى الأقرع ـ، فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: شَعْرٌ حَسَنٌ، وَلَوْنٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذَرَهُ النَّاسُ. فَمَسَحَهُ، فَبَرَأَ. فَقَالَ: أَيُّ الدَّوَابِّ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْإِبِلُ. فَأُعْطِيَ نَاقَةً. ثُمَّ أَتَى الْأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَنْ يَذْهَبَ عَنِّي مَا بِجِلْدِي، وَاللَّوْنُ الْحَسَنُ. فَمَسَحَهُ، فَبَرَأَ ـ بِإِذْنِ اللهِ ـ. وَسَأَلَهُ: أَيُّ الْمَوَاشِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: الْبَقَرُ. فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلاً.
Telegram
قناة شرح الصدور بتفريغ خطب الشيخ أبي عمرو في السطور
قناة تعنى بتفريغ خطب الجمعة للشيخ أبي عمرو عبد الكريم الحجوري حفظه الله.
ثُمَّ أَتَى الْأَعْمَى، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَنْ يَرُدَّ إِلَيَّ بَصَرِي لِكَيْ أُبْصِرَ النَّاسَ. فَمَسَحَهُ، فَبَرَأَ. فَقَالَ: أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْغَنَمُ. فَأُعْطِيَ شَاةً. وَدَعَا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ، فَجَعَلَ صَاحِبُ كُلُّ نَوْعٍ يَكْثُرُ وَيَتَكَاثَرُ حَتَّى صَارَ مَعَهُ وَادِيًا مِنَ الْإِبِلِ، وَالثَّانِي وَادِيًا مِنَ الْبَقَرِ، وَالثَّالِثُ وَادِيًا مِنَ الْغَنَمِ. ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِمُ الْمَلَكُ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَأَتَى الْأَوَّلَ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ، وَابْنُ سَبِيلٍ، تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ، لَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ نَاقَةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي. قَالَ: اِذْهَبْ يَا هَذَا! فَإِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ. قَالَ: كَأَنِّي بِكَ وَلَيْسَ مَعَكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلْ هَذَا مَالِي وَرِثْتُهُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. قَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ. ثُمَّ أَتَى صَاحِبَ الْبَقَرِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، فَصَارَ كَمَا قَالَ. ثُمَّ أَتَى الْأَعْمَى، فَقَالَ: رَجل مسكين وابْنُ السَّبِيلِ، تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ، وَلَا بَلَاغَ لِي إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي. قَالَ: خُذْ مَا شِئْتَ، وَدَعْ مَا شِئْتَ، فَوَاللهِ لَا أَجْهَدُكَ عَلَى شَيْءٍ أَخَذْتُهُ للهِ، فَقَدْ كُنْتُ فَقِيرًا فَأَغْنَانِي اللهُ. فَقَالَ الْمَلَكُ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ مَالَكَ؛ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَرَضِي اللهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ».
نعم عبد الله! لا تنس الفضل لصاحب الفضل ـ جل وعلا ـ، وهكذا من له أي إنعام عليك. من الوالدين؛ ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.([9])
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أَبُوكَ». فهؤلاء أحق الناس بمعروفك وباعترافك بفضلهما عليك؛ فقد كانا السبب في وجودك بعد الله سبحانه وتعالى؛ ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾([10])، ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)﴾.([11]) وسائر من يكون له عليك فضل فإن الاعتراف بالفضل سيما أهل الفضل، وعلامة أهل الشيم، وأهل الصلاح والهدى والخير. فالنبي ﷺ يقول: «لا يشكرُ اللهُ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ»، وهكذا «لا يشكرُ اللهَ ـ أي هو ـ الَّذِي لَا يَشْكُرُ النَّاسَ». أخرجه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
فإياك عبد الله! أن تنسى جميل من أحسن إليك؛ فالنبي ﷺ يقول: «مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ». حديث ابن عمر، وهو في السنن. كافئه، من صنع إليك معروفًا كافئه بمعروفه. فإن عجزت عن المكافأة، فادع له، فاثن عليه، لا تغفل.
ومن الناس من يحسن إليه، من يعمل معه المعروف، فيصير من صنع إليه معروفًا عدوًا! عكس الواجب عليه. ولا يعني أنك تستعبده، أو تستذله بمعروفك، بل اصنع له معروفًا، ولا ترج من أحد جزاء إلا من الله؛ ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)﴾.([12]) هذا حال صاحب المعروف، لا يطلب جزاءً ولا شكورًا إلا من الله. ولكن من صنع إليه معروف لا يجوز له أن ينسى ذلك المعروف، بل يذكره ويشكره بقدر ما يؤدي له حقه، ولا ينسى جميله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أخرج الإمام البخاري في صحيحه من حديث المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه: «لَمَّا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَّةِ، فَجَاءَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: يَا مُحَّمَدُّ! إِنَّنِي أَرَى أَوْبَاشًا يُوشِكُ أَنْ يَتْرُكُوكَ، أَوْ أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: اُمْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ! أَنَحْنُ نَفِرُّ وَنَدَعُ رَسُولَ الله ﷺ؟». رد عليه بعبارة قوية، بعبارة شجاعة. فماذا كان جواب ذلك الكافر؟ قال: «مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: وَاللهِ لَوْلَا يَدٌ لَكَ عِنْدِي مَا جَزَيْتُكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ». هذا كافر من الكفار، لكن أبا بكر قد أنعم عليه في الجاهلية، أحسن إليه، فلم ينس ذلك الجميل، وعدت له منقبة.
نعم عبد الله! لا تنس الفضل لصاحب الفضل ـ جل وعلا ـ، وهكذا من له أي إنعام عليك. من الوالدين؛ ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.([9])
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أَبُوكَ». فهؤلاء أحق الناس بمعروفك وباعترافك بفضلهما عليك؛ فقد كانا السبب في وجودك بعد الله سبحانه وتعالى؛ ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾([10])، ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)﴾.([11]) وسائر من يكون له عليك فضل فإن الاعتراف بالفضل سيما أهل الفضل، وعلامة أهل الشيم، وأهل الصلاح والهدى والخير. فالنبي ﷺ يقول: «لا يشكرُ اللهُ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ»، وهكذا «لا يشكرُ اللهَ ـ أي هو ـ الَّذِي لَا يَشْكُرُ النَّاسَ». أخرجه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
فإياك عبد الله! أن تنسى جميل من أحسن إليك؛ فالنبي ﷺ يقول: «مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ». حديث ابن عمر، وهو في السنن. كافئه، من صنع إليك معروفًا كافئه بمعروفه. فإن عجزت عن المكافأة، فادع له، فاثن عليه، لا تغفل.
ومن الناس من يحسن إليه، من يعمل معه المعروف، فيصير من صنع إليه معروفًا عدوًا! عكس الواجب عليه. ولا يعني أنك تستعبده، أو تستذله بمعروفك، بل اصنع له معروفًا، ولا ترج من أحد جزاء إلا من الله؛ ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)﴾.([12]) هذا حال صاحب المعروف، لا يطلب جزاءً ولا شكورًا إلا من الله. ولكن من صنع إليه معروف لا يجوز له أن ينسى ذلك المعروف، بل يذكره ويشكره بقدر ما يؤدي له حقه، ولا ينسى جميله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أخرج الإمام البخاري في صحيحه من حديث المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه: «لَمَّا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَّةِ، فَجَاءَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: يَا مُحَّمَدُّ! إِنَّنِي أَرَى أَوْبَاشًا يُوشِكُ أَنْ يَتْرُكُوكَ، أَوْ أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: اُمْصُصْ بَظْرَ اللَّاتِ! أَنَحْنُ نَفِرُّ وَنَدَعُ رَسُولَ الله ﷺ؟». رد عليه بعبارة قوية، بعبارة شجاعة. فماذا كان جواب ذلك الكافر؟ قال: «مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: وَاللهِ لَوْلَا يَدٌ لَكَ عِنْدِي مَا جَزَيْتُكَ بِهَا لَأَجَبْتُكَ». هذا كافر من الكفار، لكن أبا بكر قد أنعم عليه في الجاهلية، أحسن إليه، فلم ينس ذلك الجميل، وعدت له منقبة.
ولذلك [فصاحب]([13]) الهدى من باب أولى أنه لا ينسى الجميل، ولا ينسى المعروف، بل يعرف له معروفه.
وأما نكران الجميل، أما نسيان الفضل، في حق رب العالمين، وجحوده، فهذا كفر، وهكذا عدم الاعتراف بهدي النبي ﷺ، والاتباع للرسول ﷺ. ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد وغيره، أن النبي ﷺ قال للأنصار: «أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالاً فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي؟ أَلَمْ أَجِدْكُمْ عَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي؟ أَلَمْ أَجِدْكُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللهُ بِي؟ أَمَا لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ: جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا». وَهُمْ يَبْكُونَ، وَيَقُولُونَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. لم يسنوا ذلك الفضل؛ ولذلك حافظوا عليه، وعضوا عليه بالنواجذ، في حياة نبيهم ﷺ، ورضي الله عنهم، وبعد موته.
وجاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبي ﷺ سمع صوت هالة بنت خويلد، أخت خديجة، فقال: «اللَّهُمَّ! هَالَةُ فَارْتَاعَ ـ وفي رواية: «فَارْتَاحَ» ـ لَهَا». فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ حَمْرَاءُ الشِّدْقَيْنِ؟ قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ خَيْرًا مِنْهَا. قَالَ: «إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا مِنَ الْوَلَدِ». وكان إذا ذبح شاة قسم في غلائل خديجة. وهذا بعد موتها، هذا بعد موتها، رضي الله عنها، لم ينس لها المواقف الجميلة التي وقفت معه، رضي الله عنها، بل كان يذكرها بعد موتها، ويذكر ما قامت به، رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
وهكذا عباد الله! هذه هي الصفات الجميلة.
وأما نكران الجميل فإنما هذا علامة قلة الدين، وقلة العقل، وعدم الشكر. ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، وجاء في مسلم عن ابي هريرة وابن عمر، أن النبي ﷺ قال: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُّبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»، «لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ!». وهذا في الأغلب، فمن الناس من تحسن إليه، وتصنع إليه المعروف، ليل، نهار، إذا رأى منك خطأ واحدًا نسي ذلك كله. أنا لا أعني في أهل البدع وفي الكفار، فهؤلاء إن كان لهم من خير فقد غمر فيه بدعهم وضلالاتهم، ولا يذكر أهل البدع والمنافقون إلا بالذم والقدح، سلفًا، وخلفًا. ولكن أعني بأهل الفضل، وأهل الصلاح، وأهل الهدى. إذا أخطأ أخوك عليك خطأ، أو اختلفت معه في مسألة، نسيت ذلك كله! فهذا ليس من الجميل، ولا من رد الجميل، ولا من المعروف، ولا من الصفات الحسنة، بل من كفران النّعم، ومن جهود النّعم. ولذلك قد تعاقب، قد تعاقب، بأن تسلب عنك النعمة، وقد يبتليك الله بنظير ما صنعت، جزاءً، وفاقًا.
سبحانك اللهم! وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك.
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [٢٧/جماد الأولى/١٤٤٣ هـ].
([2])[النساء: 11].
([3])[آل عمرأن: 102].
([4])[الأحزاب: 70، 71].
([5])[النمل: 15].
([6])[النمل: 40].
([7])[النساء: 70].
([8])[إبراهيم: 7].
([9])[الإسراء: 23].
([10])[الإسراء: 24].
([11])[الإسراء: 23].
([12])[الإنسان: 9].
([13]) كذا أثبت حسب السياق ـ والله أعلم ـ فإنه حصل انقطاع يسير في هذا الموضع (د.17:45). [المفرّغ].
📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
وأما نكران الجميل، أما نسيان الفضل، في حق رب العالمين، وجحوده، فهذا كفر، وهكذا عدم الاعتراف بهدي النبي ﷺ، والاتباع للرسول ﷺ. ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد وغيره، أن النبي ﷺ قال للأنصار: «أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالاً فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي؟ أَلَمْ أَجِدْكُمْ عَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي؟ أَلَمْ أَجِدْكُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللهُ بِي؟ أَمَا لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ: جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا». وَهُمْ يَبْكُونَ، وَيَقُولُونَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. لم يسنوا ذلك الفضل؛ ولذلك حافظوا عليه، وعضوا عليه بالنواجذ، في حياة نبيهم ﷺ، ورضي الله عنهم، وبعد موته.
وجاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبي ﷺ سمع صوت هالة بنت خويلد، أخت خديجة، فقال: «اللَّهُمَّ! هَالَةُ فَارْتَاعَ ـ وفي رواية: «فَارْتَاحَ» ـ لَهَا». فَقَالَتْ عَائِشَةُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ حَمْرَاءُ الشِّدْقَيْنِ؟ قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ خَيْرًا مِنْهَا. قَالَ: «إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا مِنَ الْوَلَدِ». وكان إذا ذبح شاة قسم في غلائل خديجة. وهذا بعد موتها، هذا بعد موتها، رضي الله عنها، لم ينس لها المواقف الجميلة التي وقفت معه، رضي الله عنها، بل كان يذكرها بعد موتها، ويذكر ما قامت به، رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
وهكذا عباد الله! هذه هي الصفات الجميلة.
وأما نكران الجميل فإنما هذا علامة قلة الدين، وقلة العقل، وعدم الشكر. ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، وجاء في مسلم عن ابي هريرة وابن عمر، أن النبي ﷺ قال: «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُّبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ»، «لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ!». وهذا في الأغلب، فمن الناس من تحسن إليه، وتصنع إليه المعروف، ليل، نهار، إذا رأى منك خطأ واحدًا نسي ذلك كله. أنا لا أعني في أهل البدع وفي الكفار، فهؤلاء إن كان لهم من خير فقد غمر فيه بدعهم وضلالاتهم، ولا يذكر أهل البدع والمنافقون إلا بالذم والقدح، سلفًا، وخلفًا. ولكن أعني بأهل الفضل، وأهل الصلاح، وأهل الهدى. إذا أخطأ أخوك عليك خطأ، أو اختلفت معه في مسألة، نسيت ذلك كله! فهذا ليس من الجميل، ولا من رد الجميل، ولا من المعروف، ولا من الصفات الحسنة، بل من كفران النّعم، ومن جهود النّعم. ولذلك قد تعاقب، قد تعاقب، بأن تسلب عنك النعمة، وقد يبتليك الله بنظير ما صنعت، جزاءً، وفاقًا.
سبحانك اللهم! وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك.
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [٢٧/جماد الأولى/١٤٤٣ هـ].
([2])[النساء: 11].
([3])[آل عمرأن: 102].
([4])[الأحزاب: 70، 71].
([5])[النمل: 15].
([6])[النمل: 40].
([7])[النساء: 70].
([8])[إبراهيم: 7].
([9])[الإسراء: 23].
([10])[الإسراء: 24].
([11])[الإسراء: 23].
([12])[الإنسان: 9].
([13]) كذا أثبت حسب السياق ـ والله أعلم ـ فإنه حصل انقطاع يسير في هذا الموضع (د.17:45). [المفرّغ].
📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
Telegram
القناة الرسمية لفضيلة الشيخ أبي عمرو الحجوري
🌎 القناة الرسمية لفضيلة الشيخ أبي عمرو الحجوري حفظه الله ورعاه 🌍
🖥 كل مايخص الشيخ من :
👈🏻 الخطب .
👈🏻 المحاضرات .
👈🏻 الدروس .
👈🏻 الفتاوى .
👈🏻 الكتب .
👈🏻 اللقاءات .
👈🏻 المقالات .
______________________
اتصل بنا :
واتس آب: 774325182 967+
🖥 كل مايخص الشيخ من :
👈🏻 الخطب .
👈🏻 المحاضرات .
👈🏻 الدروس .
👈🏻 الفتاوى .
👈🏻 الكتب .
👈🏻 اللقاءات .
👈🏻 المقالات .
______________________
اتصل بنا :
واتس آب: 774325182 967+
https://www.tg-me.com/sharh_elsodor
🎙أربح البضاعة بلزوم الجماعة ([1])
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى رسول الله ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، و﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾.([5])
أيها الناس:
أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال قال رسول الله ﷺ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ». فالقوي في إيمانه، وفي استقامته، وفي سائر شؤونه الخيرة، وأعماله الصالحة، أحب إلى الله تعالى.
ولذلكم أرشدنا نبينا ﷺ إلى أسباب القوة، وحذرنا ربنا ونبينا ﷺ من أسباب الضعف، ومن أسباب الخور والفشل والانحطاط والتقهقر.
وإن أعظم أسباب القوة توحيد الله جل وعلا، وهكذا متابعة النبي ﷺ.
ومن أعظم أسباب القوة التي فرّط فيها كثير من المسلمين في هذه الأزمان الاجتماع على الحق، والاعتصام بالحق. وهكذا وقوعهم في التفرق والاختلاف والتنازع؛ فهذا من أعظم أسباب الضعف ما حصل في المسلمين من الافتراق، وما حصل فيهم من الاختلاف، وما حصل فيهم من التنازع. قال الله جل في علاه: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾([6])، وأمرنا ربنا عز وجل بالاعتصام، قال الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾.([7])
نعم يا عباد الله!
إن هذا الأمر العظيم من أعظم الواجبات على المسلمين؛ أن نعتصم جميعًا بكتاب ربنا سبحانه وتعالى، وأن نلتزم جميعًا بسنة رسول الله ﷺ، وأن نسير جميعًا بهذا السير، وأن نحذر ما يضر بذلك وما يخدش في ذلك. ما يضر بالاجتماع، وما يخدش بالجماعة، وما يضر بالاعتصام.
وتأمل إلى هذه الآية الكريمة، في هذا الأمر العظيم يذكر الله سبحانه وتعالى أنهم كانوا أعداءً، كانوا متحاربين، كانوا متنافرين، كانوا متقاطعين، كانوا متدابرين. زال ذلك كله، زالت العداوة، وزال التقاطع، وزال التدابر، وزالت الشحناء، وزالت البغضاء، لما حصل الاجتماع، لما اجتمعوا، ولما اعتصموا، وكانوا هم القوة التي تهابها الدول الكبيرة، العظيمة، آنذاك. كسروا كسرى، وقصروا قيصر، وفتحوا الفتوحات، ومصروا الأمصار، لما كان الاجتماع حاصلاً بينهم. ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً﴾([8])؛ هذا في طائفة، وهذا في أخرى، هذا يبغض هذا، وذاك يبغض ذاك. فلما حصل الاجتماع زالت العداوة.
ولذلكم، من أول ما بدأ به المصطفى ـ عليه صلوات الله وسلامه ـ لما نزل المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار، بل وآخى بين الأنصار قبل ذلك، وأزال ما بينهم من الشحناء والخلافات التي مرت أعوامًا عديدة وهم متناحرون، متقاتلون، فألف بينهم، ثم ألف بين الأنصار والمهاجرين. فكان الرجل يرث أخاه في بداية الإسلام، الأنصاري يرث المهاجري إن مات، والمهاجري يرث الأنصاري، أخوة. فأول ما بدأ به النبي ﷺ من إرساء هذه الأمور العظيمة، أنه آخى بين المهاجرين والأنصار، فصاروا لا يعرفون إلا للتعارف: فلان أنصاري، وفلان قرشي؛ كما قال الله: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾.([9]) فلم تكن بينهم الفوارق، ولا النعرات، ولا التفاخر بالأحساب، ولا الطعن في الأنساب.
ولذلك، عباد الله! كل المسلمين، أبرارًا، وفجارًا، يذكرون ذلك التاريخ المجيد، العظيم، للمسلمين، فإن من أعظم ما سطرت به تلك المواقف العظيمة في أول الإسلام بفضل الله عز وجل، ثم بما حصل من التآخي، من الاجتماع، من الاعتصام، من التحابب. وهذا كله، كله يحصل بالاجتماع، بلزوم الجماعة، بترك التفرق، يحصل من وراء ذلك كل خير، بإذن المولى جل وعلا.
🎙أربح البضاعة بلزوم الجماعة ([1])
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى رسول الله ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، و﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾.([5])
أيها الناس:
أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال قال رسول الله ﷺ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ». فالقوي في إيمانه، وفي استقامته، وفي سائر شؤونه الخيرة، وأعماله الصالحة، أحب إلى الله تعالى.
ولذلكم أرشدنا نبينا ﷺ إلى أسباب القوة، وحذرنا ربنا ونبينا ﷺ من أسباب الضعف، ومن أسباب الخور والفشل والانحطاط والتقهقر.
وإن أعظم أسباب القوة توحيد الله جل وعلا، وهكذا متابعة النبي ﷺ.
ومن أعظم أسباب القوة التي فرّط فيها كثير من المسلمين في هذه الأزمان الاجتماع على الحق، والاعتصام بالحق. وهكذا وقوعهم في التفرق والاختلاف والتنازع؛ فهذا من أعظم أسباب الضعف ما حصل في المسلمين من الافتراق، وما حصل فيهم من الاختلاف، وما حصل فيهم من التنازع. قال الله جل في علاه: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾([6])، وأمرنا ربنا عز وجل بالاعتصام، قال الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا﴾.([7])
نعم يا عباد الله!
إن هذا الأمر العظيم من أعظم الواجبات على المسلمين؛ أن نعتصم جميعًا بكتاب ربنا سبحانه وتعالى، وأن نلتزم جميعًا بسنة رسول الله ﷺ، وأن نسير جميعًا بهذا السير، وأن نحذر ما يضر بذلك وما يخدش في ذلك. ما يضر بالاجتماع، وما يخدش بالجماعة، وما يضر بالاعتصام.
وتأمل إلى هذه الآية الكريمة، في هذا الأمر العظيم يذكر الله سبحانه وتعالى أنهم كانوا أعداءً، كانوا متحاربين، كانوا متنافرين، كانوا متقاطعين، كانوا متدابرين. زال ذلك كله، زالت العداوة، وزال التقاطع، وزال التدابر، وزالت الشحناء، وزالت البغضاء، لما حصل الاجتماع، لما اجتمعوا، ولما اعتصموا، وكانوا هم القوة التي تهابها الدول الكبيرة، العظيمة، آنذاك. كسروا كسرى، وقصروا قيصر، وفتحوا الفتوحات، ومصروا الأمصار، لما كان الاجتماع حاصلاً بينهم. ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً﴾([8])؛ هذا في طائفة، وهذا في أخرى، هذا يبغض هذا، وذاك يبغض ذاك. فلما حصل الاجتماع زالت العداوة.
ولذلكم، من أول ما بدأ به المصطفى ـ عليه صلوات الله وسلامه ـ لما نزل المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار، بل وآخى بين الأنصار قبل ذلك، وأزال ما بينهم من الشحناء والخلافات التي مرت أعوامًا عديدة وهم متناحرون، متقاتلون، فألف بينهم، ثم ألف بين الأنصار والمهاجرين. فكان الرجل يرث أخاه في بداية الإسلام، الأنصاري يرث المهاجري إن مات، والمهاجري يرث الأنصاري، أخوة. فأول ما بدأ به النبي ﷺ من إرساء هذه الأمور العظيمة، أنه آخى بين المهاجرين والأنصار، فصاروا لا يعرفون إلا للتعارف: فلان أنصاري، وفلان قرشي؛ كما قال الله: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾.([9]) فلم تكن بينهم الفوارق، ولا النعرات، ولا التفاخر بالأحساب، ولا الطعن في الأنساب.
ولذلك، عباد الله! كل المسلمين، أبرارًا، وفجارًا، يذكرون ذلك التاريخ المجيد، العظيم، للمسلمين، فإن من أعظم ما سطرت به تلك المواقف العظيمة في أول الإسلام بفضل الله عز وجل، ثم بما حصل من التآخي، من الاجتماع، من الاعتصام، من التحابب. وهذا كله، كله يحصل بالاجتماع، بلزوم الجماعة، بترك التفرق، يحصل من وراء ذلك كل خير، بإذن المولى جل وعلا.
Telegram
قناة شرح الصدور بتفريغ خطب الشيخ أبي عمرو في السطور
قناة تعنى بتفريغ خطب الجمعة للشيخ أبي عمرو عبد الكريم الحجوري حفظه الله.
أخرج البخاري ومسلم من حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه، قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرِّ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ...» الحديث. قال حذيفة: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ». تلزم جماعة المسلمين، جماعة أهل السنة والجماعة، أهل الحق المعتصمين، المتمسكين، بذلك. قال: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟»؛ إن أدركني زمان لا يوجد، زمن الغربة الشديدة في آخر الزمان، وقد كثرت تلك الفرق الضالة التي أخبر عنها النبي ﷺ بقوله: «إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا». جاء في السنن من حديث العرباض، وهو صحيح.
وجاء عن أبي هريرة وأنس وغيرهما، قال: «اِفْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةٌ». قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ «الْجَمَاعَةُ». هذه الجماعة الذين قال رسول الله ﷺ لحذيفة: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ». قَالَ: «وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟»؛ إن كان في آخر الزمان لا توجد إلا فرق ضالة؟ قال: «تَعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعُضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكْكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ».
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
عبد الله! إياك أن تكون ساعيًا في إضعاف المسلمين، وفي إذلالهم، وفي خذلانهم، بلحاقك بفرقة من فرق الضلال، أو حزب من الأحزاب، أو بشخص من الناس، وإنما يجب اتباع المعصوم ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
إن التفرق ضعف، إن التفرق عداوة، من أعظم أسباب العداوة، عداوة من كان على بدعة أو على ضلال، أو يتبع فرقة من فرق الانحراف والزيغ ـ عياذًا بالله ـ. فهذا من أعظم العداوات، والخلافات، والشقاقات، بين المسلمين.
وإن من أعظم أسباب القوة والمحبة الاعتصام بالحق، ولزوم الحق؛ الذي هو كتاب الله تعالى وسنة النبي ﷺ والسير على فهم السلف.
وقد أخرج أبو داود من حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الذِّئْبَ إِنَّمَا يَأْكُلُ مِنَ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةِ»؛ أي: الشارذة والهاربة، والحديث حسن. «عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ»؛ عليكم بأهل الحق.
قال الله تعالى عن لقمان: ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾([10])، وهذا يكون حالاً وقالاً. بحالك، بمجالستك، بأقوالك، بأفعالك، مع أهل الحق. لا تجالس أهل الباطل، وأهل البدع، وأهل الزيغ، ولا تكثر سوادهم، وجالس أهل الحق، وبالمحبة والنصرة والتأييد. ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود وأبي موسى وأنس، قال النبي ﷺ: «يُحْشَرُ الْمَرْءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ مَنْ أَحَبَّ». قال أنس بن مالك: فَمَا فَرِحَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ بِشَيْءٍ فَرَحُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ. قال أنس: فَأَنَا أُحِبُّ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ، وَأَرْجُو أَنْ أُحْشَرَ مَعَهُمْ.
فإذا كنت تحبهم، وإذا كنت إذا جالست جالست أهل الحق، وولاؤك لهم؛ فإنك تحشر يوم القيامة في زمرة هؤلاء.
ومن أحب أهل الباطل حشر في زمرة أهل الباطل، ومن أحب أهل الفساد، وأهل الغنى، وأهل الشر، حشر معهم يوم القيامة. فاختر لنفسك من الآن، فهذه مزرعة الآخرة. من زرع هنا الخير حصده هنالك.
نعم عباد الله!
فلهذا، من أعظم أسباب القوة والنصرة لزوم الجماعة، لزوم أهل الحق، متابعة أهل الحق، ترك التفرق والاختلاف.
وأما الكفار فمن أصولهم التفرق والاختلاف والتنازع. ولهذا أوجبوا وفرضوا على المسلمين التعددات الحزبية، والرأي والرأي الآخر. ومن قواعدهم الخبيثة: "فرق تسد". نعم إذا تفرق المسلمون حصل لهم تسلط على المسلمين، وهذا منابذ ومخالف لأصول الإسلام، بل إن يد الله مع الجماعة. قال الله: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾.([11]) فهذه من أعظم المنن، يمتن الله ـ جل وعلا ـ على نبيه أنه أيده أيضًا بالألفة بين قلوب المؤمنين.
وجاء عن أبي هريرة وأنس وغيرهما، قال: «اِفْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةٌ». قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ «الْجَمَاعَةُ». هذه الجماعة الذين قال رسول الله ﷺ لحذيفة: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ». قَالَ: «وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟»؛ إن كان في آخر الزمان لا توجد إلا فرق ضالة؟ قال: «تَعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعُضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكْكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ».
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
عبد الله! إياك أن تكون ساعيًا في إضعاف المسلمين، وفي إذلالهم، وفي خذلانهم، بلحاقك بفرقة من فرق الضلال، أو حزب من الأحزاب، أو بشخص من الناس، وإنما يجب اتباع المعصوم ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
إن التفرق ضعف، إن التفرق عداوة، من أعظم أسباب العداوة، عداوة من كان على بدعة أو على ضلال، أو يتبع فرقة من فرق الانحراف والزيغ ـ عياذًا بالله ـ. فهذا من أعظم العداوات، والخلافات، والشقاقات، بين المسلمين.
وإن من أعظم أسباب القوة والمحبة الاعتصام بالحق، ولزوم الحق؛ الذي هو كتاب الله تعالى وسنة النبي ﷺ والسير على فهم السلف.
وقد أخرج أبو داود من حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الذِّئْبَ إِنَّمَا يَأْكُلُ مِنَ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةِ»؛ أي: الشارذة والهاربة، والحديث حسن. «عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ»؛ عليكم بأهل الحق.
قال الله تعالى عن لقمان: ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾([10])، وهذا يكون حالاً وقالاً. بحالك، بمجالستك، بأقوالك، بأفعالك، مع أهل الحق. لا تجالس أهل الباطل، وأهل البدع، وأهل الزيغ، ولا تكثر سوادهم، وجالس أهل الحق، وبالمحبة والنصرة والتأييد. ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود وأبي موسى وأنس، قال النبي ﷺ: «يُحْشَرُ الْمَرْءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ مَنْ أَحَبَّ». قال أنس بن مالك: فَمَا فَرِحَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ بِشَيْءٍ فَرَحُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ. قال أنس: فَأَنَا أُحِبُّ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ، وَأَرْجُو أَنْ أُحْشَرَ مَعَهُمْ.
فإذا كنت تحبهم، وإذا كنت إذا جالست جالست أهل الحق، وولاؤك لهم؛ فإنك تحشر يوم القيامة في زمرة هؤلاء.
ومن أحب أهل الباطل حشر في زمرة أهل الباطل، ومن أحب أهل الفساد، وأهل الغنى، وأهل الشر، حشر معهم يوم القيامة. فاختر لنفسك من الآن، فهذه مزرعة الآخرة. من زرع هنا الخير حصده هنالك.
نعم عباد الله!
فلهذا، من أعظم أسباب القوة والنصرة لزوم الجماعة، لزوم أهل الحق، متابعة أهل الحق، ترك التفرق والاختلاف.
وأما الكفار فمن أصولهم التفرق والاختلاف والتنازع. ولهذا أوجبوا وفرضوا على المسلمين التعددات الحزبية، والرأي والرأي الآخر. ومن قواعدهم الخبيثة: "فرق تسد". نعم إذا تفرق المسلمون حصل لهم تسلط على المسلمين، وهذا منابذ ومخالف لأصول الإسلام، بل إن يد الله مع الجماعة. قال الله: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾.([11]) فهذه من أعظم المنن، يمتن الله ـ جل وعلا ـ على نبيه أنه أيده أيضًا بالألفة بين قلوب المؤمنين.
هكذا عباد الله! يجب أن نكون كذلك بيننا الاعتصام بالحق، ولزوم الحق، والتناصح على الحق، ومن أجل الحق، والتحابب في الحق، والتناصر من أجل الحق، وإزهاق الباطل، وأهل الباطل...
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [٤/جمادى الآخرة/١٤٤٣ هـ].
([2])[النساء: 11].
([3])[آل عمرأن: 102].
([4])[الأحزاب: 70، 71].
([5])[الأنعام: 134].
([6])[الأنفال: 46].
([7])[آل عمران: 103].
([8])[آل عمران: 103].
([9])[الحجرات: 13].
([10])[لقمان: 15].
([11])[الأنفال: 62، 63].
📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
https://www.tg-me.com/anahrylgamer
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [٤/جمادى الآخرة/١٤٤٣ هـ].
([2])[النساء: 11].
([3])[آل عمرأن: 102].
([4])[الأحزاب: 70، 71].
([5])[الأنعام: 134].
([6])[الأنفال: 46].
([7])[آل عمران: 103].
([8])[آل عمران: 103].
([9])[الحجرات: 13].
([10])[لقمان: 15].
([11])[الأنفال: 62، 63].
📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
https://www.tg-me.com/anahrylgamer
Telegram
القناة الرسمية لفضيلة الشيخ أبي عمرو الحجوري
🌎 القناة الرسمية لفضيلة الشيخ أبي عمرو الحجوري حفظه الله ورعاه 🌍
🖥 كل مايخص الشيخ من :
👈🏻 الخطب .
👈🏻 المحاضرات .
👈🏻 الدروس .
👈🏻 الفتاوى .
👈🏻 الكتب .
👈🏻 اللقاءات .
👈🏻 المقالات .
______________________
اتصل بنا :
واتس آب: 774325182 967+
🖥 كل مايخص الشيخ من :
👈🏻 الخطب .
👈🏻 المحاضرات .
👈🏻 الدروس .
👈🏻 الفتاوى .
👈🏻 الكتب .
👈🏻 اللقاءات .
👈🏻 المقالات .
______________________
اتصل بنا :
واتس آب: 774325182 967+
https://www.tg-me.com/sharh_elsodor
🎙الحزم والفتوَّة بأخذ الحق بقوة ([1])
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الناس:
يقول المولى جل وعلا في كتابه الكريم: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ ([5])، ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ ([6])، ويقول جل وعلا: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.([7])
فهذه الشريعة الإسلامية، وهذا الدين القويم، هو دين الكمال، ودين البقاء، ودين الشمول الذي حوى كل شيء؛ ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾.([8])
ولذلكم، معاشر المسلمين! فيجب علينا أن نستمسك بهذا الدين حقًّا، أن نأخذه بحزم، وعزم، وقوة، وصدق، وإخلاص. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾([9])؛ بجد، وبحزم، وبعزم، وبترك الضعف، والخور، والتساهل.
نعم يا عباد الله!
ولهذا قال الكليم، عليه الصلاة والسلام، كما ذكر الله عنه: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)﴾([10])، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾.([11])
نعم عباد الله!
فالواجب علينا أن نستمسك بهذا الدين، وأن نأخذه كما أراد الله تعالى؛ ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾.([12]) وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾([13])؛ يزدكم قوة إلى ما أنتم فيه من القوة. فهذا الدين هو دين الحق، دين القوة، دين العزة، دين السعادة، دين الفلاح. فيجب أن يؤخذ كما ينبغي، كما أمرنا الله سبحانه وتعالى وأمرنا رسوله ﷺ.
وفي صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلِّ خَيْرٌ. اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ».
نعم يا عبد الله!
فالقوة أمر مطلوب، أخذ الدين بقوة، وهكذا التمسك به بقوة، وهكذا من التفقه والتعلم، والاستمساك والبلاغ (...)([14]). ولذا يقول الله سبحانه وتعالى عن امراة صاحب مدين: ﴿يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)﴾([15])، وقال الله عز وجل عن صاحب سليمان: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾.([16]) نعم عباد الله! هكذا بحزم: ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾.([17])
فنعم، يا عبد الله!
إن الحرص والمثابرة لأخذ هذا الحق، والاستمرار عليه؛ هذا الذي يحصل به الفلاح، وهذا الذي يحصل به البلاغ، وهذا الذي يحصل به الخير. أخرج الإمام البخاري في "خلق أفعال العباد" من حديث مالك بن نضلة رضي الله تعالى عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَتَتْنِي رِسَالَةٌ مِنْ رَبِّي فَضِقْتُ بِهَا ذَرْعًا، فَقِيلَ لِي: لتَفْعَلَنَّ أَوْ لَيُفْعَلَنَّ بِكَ»، ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)﴾.([18]) وفي الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا لَقِيَ النَّبِيَّ ﷺ فِي أَوَّلِ بَدْءِ الْوَحْيِ، قَالَ: اِقْرَأْ. قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ». قَالَ: اِقْرَأْ. قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ».
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الناس:
يقول المولى جل وعلا في كتابه الكريم: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ ([5])، ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ ([6])، ويقول جل وعلا: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.([7])
فهذه الشريعة الإسلامية، وهذا الدين القويم، هو دين الكمال، ودين البقاء، ودين الشمول الذي حوى كل شيء؛ ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾.([8])
ولذلكم، معاشر المسلمين! فيجب علينا أن نستمسك بهذا الدين حقًّا، أن نأخذه بحزم، وعزم، وقوة، وصدق، وإخلاص. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾([9])؛ بجد، وبحزم، وبعزم، وبترك الضعف، والخور، والتساهل.
نعم يا عباد الله!
ولهذا قال الكليم، عليه الصلاة والسلام، كما ذكر الله عنه: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)﴾([10])، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾.([11])
نعم عباد الله!
فالواجب علينا أن نستمسك بهذا الدين، وأن نأخذه كما أراد الله تعالى؛ ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾.([12]) وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾([13])؛ يزدكم قوة إلى ما أنتم فيه من القوة. فهذا الدين هو دين الحق، دين القوة، دين العزة، دين السعادة، دين الفلاح. فيجب أن يؤخذ كما ينبغي، كما أمرنا الله سبحانه وتعالى وأمرنا رسوله ﷺ.
وفي صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلِّ خَيْرٌ. اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ».
نعم يا عبد الله!
فالقوة أمر مطلوب، أخذ الدين بقوة، وهكذا التمسك به بقوة، وهكذا من التفقه والتعلم، والاستمساك والبلاغ (...)([14]). ولذا يقول الله سبحانه وتعالى عن امراة صاحب مدين: ﴿يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)﴾([15])، وقال الله عز وجل عن صاحب سليمان: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾.([16]) نعم عباد الله! هكذا بحزم: ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾.([17])
فنعم، يا عبد الله!
إن الحرص والمثابرة لأخذ هذا الحق، والاستمرار عليه؛ هذا الذي يحصل به الفلاح، وهذا الذي يحصل به البلاغ، وهذا الذي يحصل به الخير. أخرج الإمام البخاري في "خلق أفعال العباد" من حديث مالك بن نضلة رضي الله تعالى عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَتَتْنِي رِسَالَةٌ مِنْ رَبِّي فَضِقْتُ بِهَا ذَرْعًا، فَقِيلَ لِي: لتَفْعَلَنَّ أَوْ لَيُفْعَلَنَّ بِكَ»، ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)﴾.([18]) وفي الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا لَقِيَ النَّبِيَّ ﷺ فِي أَوَّلِ بَدْءِ الْوَحْيِ، قَالَ: اِقْرَأْ. قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ». قَالَ: اِقْرَأْ. قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ».
Telegram
قناة شرح الصدور بتفريغ خطب الشيخ أبي عمرو في السطور
قناة تعنى بتفريغ خطب الجمعة للشيخ أبي عمرو عبد الكريم الحجوري حفظه الله.
قَالَ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)﴾[العلق: 1، 2]. قَالَ: «فَضَمَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ». فخذها بقوة، خذها بجد، خذها باجتهاد، بعزيمة صادقة، وبهمة عالية، وباستمرار، وبعدم تفريط، وبعدم تهاون؛ «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالسُّرْعَةِ، وَلَكِنِ الشَّدِيدَ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ». أخرجاه في الصحيحين.
وإن العزيمة في الحق، والقوة في الحق، أمر مشروع، بل أمر مرغب فيه، ومنه ما يجب، ومنه ما يستحب. ولهذا يقول المولى جل وعلا: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾.([19]) فالقوة ـ عباد الله! ـ في دين الله أمر مطلوب، وهكذا أخذ ذلك بعزيمة.
وأما الضعف، فإنه مذموم. ولما ضعف المسلمون ـ إلا من رحم الله ـ في تمسكهم، ضعفوا في دينهم، وتشبهوا بأعدائهم، انظروا إلى ما وصل إليه المسلمون بسبب الضعف الحاصل في القلوب، وفي الإيمان، وفي الاستمساك، وفي القناعة بهذا الخير. أخرج الإمام أحمد من حديث ثوبان رضي الله تعالى عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ؛ كَمَا تَدَاعى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَوَ مِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ!؟ قَالَ: «لَا! بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ؛ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كُغُثَاءِ السَّيْلِ». غثاء كثير، لكن ضعاف، تسلط الضعف الإيماني والوقوع في المعاصي على الناس، فتفرقوا، فضعفوا في أنفسهم، فصار الواحد لا يجد من نفسه الشجاعة المطلوبة، والقوة المطلوبة، والعزيمة المطلوبة، والتمسك المطلوب. صار ضعيفًا في نفسه، والضعيف في نفسه لا يقوم بنفسه، فضلاً أن يقوم بغيره. وركن الناس إلى الدنيا، وإلى حطامها الفاني، وإلى بهرجها البالي، الزائل. وهذا كله من الضعف. يوم أن كانت الدنيا تحت أقدام المسلمين، كسروا كسرى، وقصروا قيصر. ويوم أن ركبت الدنيا على كثير منهم، ويوم أن أحبوها وعظموها، فرطوا في دين الله، فركنوا إليها فلم يحصلوا على تلك الدنيا المطلوبة، ولم يسلم لهم دينهم. وهذا كله من الضعف، كل هذا من الضعف الذي لا ينبغي أن يكون في المسلمين، بل يجب أن يكون المسلمون أقوياء، أشداء، في دين الله عز وجل؛ «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالْبَنَانِ ـ أَوْ كَالْبُنْيَانِ ـ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا». أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه، وزاد البخاري: «وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ».
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المؤمنون! إن الله عز وجل أمر أنبياءه الكرام، عليهم الصلوات والسلام، بهذا الأمر: ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾ ([20])، وقال الله عز وجل لموسى: ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾([21])، وقال الله عز وجل لمحمد: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾.([22])
نعم عبد الله! فهذا الذي يعينك الله عز وجل به؛ أن تكون قويًّا بالله؛ ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾([23])، وأن تعتصم بدين؛ ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.([24]) فخذ الحق من جميع جوانبه، لا تترك منه شيئًا، ولا تضعف في أخذه، فكلما أخذته، كلما تمسكت به، كلما ازدادت قوتك؛ ﴿لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾.([25]) فلا قوة لنا إلا بقوة الله جل وعلا، لا حول لنا، ولا قوة لنا، إلا بقوة الله. فإن قوانا الله عز وجل بطاعته، وبالأخذ بدينه؛ صرنا أقوياء أمام أعدائنا، وفي أنفسنا، وعلى الشيطان، وعلى النفس الأمارة بالسوء. وإن فرطنا، وتخاذلنا، وضعفنا، في هذا الجانب، فإنك والله تضعف أمام الكلمة اليسيرة، أو فعل حقير، أو أمر يسير؛ ذلك للضعف الذي دب في نفسك إن جعلت الضعف يتسلط عليك.
نعم، إن أصل الإنسان ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)﴾([26])، ولكنه بالله قوي، ولكنه بالله عزيز، ولكنه بالله رفيع، ولكنه بالله منصور وغالب ـ بإذن الله عز وجل ـ.
فَالزم يديك بحبل الله معتصما فإنه الركن إن خانتك أركان
فإذا أخذنا دين الله، وأخذنا الحق بقوة وجد واجتهاد، كنا أقوياء في أنفسنا، وعلى أعدائنا، ونصرنا الله سبحانه وتعالى، وزادت أجورنا، وعلت منازلنا في الجنة.
سبحانك اللهم! وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك.
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [١٢/جمادى الآخرة/١٤٤٣ هـ].
([2])[النساء: 11].
([3])[آل عمرأن: 102].
([4])[الأحزاب: 70، 71].
([5])[المائدة: 3].
([6])[البقرة: 208].
([7])[الحجر: 9].
([8])[الأنعام: 38].
([9])[البقرة: 63، 93]، [الأعراف: 171].
([10])[طه: 29، 31].
([11])[التوبة: 40].
([12])[الأعراف: 145].
([13])[هود: 52].
وإن العزيمة في الحق، والقوة في الحق، أمر مشروع، بل أمر مرغب فيه، ومنه ما يجب، ومنه ما يستحب. ولهذا يقول المولى جل وعلا: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾.([19]) فالقوة ـ عباد الله! ـ في دين الله أمر مطلوب، وهكذا أخذ ذلك بعزيمة.
وأما الضعف، فإنه مذموم. ولما ضعف المسلمون ـ إلا من رحم الله ـ في تمسكهم، ضعفوا في دينهم، وتشبهوا بأعدائهم، انظروا إلى ما وصل إليه المسلمون بسبب الضعف الحاصل في القلوب، وفي الإيمان، وفي الاستمساك، وفي القناعة بهذا الخير. أخرج الإمام أحمد من حديث ثوبان رضي الله تعالى عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ؛ كَمَا تَدَاعى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَوَ مِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ!؟ قَالَ: «لَا! بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ؛ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كُغُثَاءِ السَّيْلِ». غثاء كثير، لكن ضعاف، تسلط الضعف الإيماني والوقوع في المعاصي على الناس، فتفرقوا، فضعفوا في أنفسهم، فصار الواحد لا يجد من نفسه الشجاعة المطلوبة، والقوة المطلوبة، والعزيمة المطلوبة، والتمسك المطلوب. صار ضعيفًا في نفسه، والضعيف في نفسه لا يقوم بنفسه، فضلاً أن يقوم بغيره. وركن الناس إلى الدنيا، وإلى حطامها الفاني، وإلى بهرجها البالي، الزائل. وهذا كله من الضعف. يوم أن كانت الدنيا تحت أقدام المسلمين، كسروا كسرى، وقصروا قيصر. ويوم أن ركبت الدنيا على كثير منهم، ويوم أن أحبوها وعظموها، فرطوا في دين الله، فركنوا إليها فلم يحصلوا على تلك الدنيا المطلوبة، ولم يسلم لهم دينهم. وهذا كله من الضعف، كل هذا من الضعف الذي لا ينبغي أن يكون في المسلمين، بل يجب أن يكون المسلمون أقوياء، أشداء، في دين الله عز وجل؛ «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالْبَنَانِ ـ أَوْ كَالْبُنْيَانِ ـ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا». أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه، وزاد البخاري: «وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ».
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المؤمنون! إن الله عز وجل أمر أنبياءه الكرام، عليهم الصلوات والسلام، بهذا الأمر: ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾ ([20])، وقال الله عز وجل لموسى: ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾([21])، وقال الله عز وجل لمحمد: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾.([22])
نعم عبد الله! فهذا الذي يعينك الله عز وجل به؛ أن تكون قويًّا بالله؛ ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾([23])، وأن تعتصم بدين؛ ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.([24]) فخذ الحق من جميع جوانبه، لا تترك منه شيئًا، ولا تضعف في أخذه، فكلما أخذته، كلما تمسكت به، كلما ازدادت قوتك؛ ﴿لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾.([25]) فلا قوة لنا إلا بقوة الله جل وعلا، لا حول لنا، ولا قوة لنا، إلا بقوة الله. فإن قوانا الله عز وجل بطاعته، وبالأخذ بدينه؛ صرنا أقوياء أمام أعدائنا، وفي أنفسنا، وعلى الشيطان، وعلى النفس الأمارة بالسوء. وإن فرطنا، وتخاذلنا، وضعفنا، في هذا الجانب، فإنك والله تضعف أمام الكلمة اليسيرة، أو فعل حقير، أو أمر يسير؛ ذلك للضعف الذي دب في نفسك إن جعلت الضعف يتسلط عليك.
نعم، إن أصل الإنسان ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)﴾([26])، ولكنه بالله قوي، ولكنه بالله عزيز، ولكنه بالله رفيع، ولكنه بالله منصور وغالب ـ بإذن الله عز وجل ـ.
فَالزم يديك بحبل الله معتصما فإنه الركن إن خانتك أركان
فإذا أخذنا دين الله، وأخذنا الحق بقوة وجد واجتهاد، كنا أقوياء في أنفسنا، وعلى أعدائنا، ونصرنا الله سبحانه وتعالى، وزادت أجورنا، وعلت منازلنا في الجنة.
سبحانك اللهم! وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك.
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [١٢/جمادى الآخرة/١٤٤٣ هـ].
([2])[النساء: 11].
([3])[آل عمرأن: 102].
([4])[الأحزاب: 70، 71].
([5])[المائدة: 3].
([6])[البقرة: 208].
([7])[الحجر: 9].
([8])[الأنعام: 38].
([9])[البقرة: 63، 93]، [الأعراف: 171].
([10])[طه: 29، 31].
([11])[التوبة: 40].
([12])[الأعراف: 145].
([13])[هود: 52].
([14]) حصل انقطاع يسير في هذا الموضع (د.06:38). [المفرّغ].
([15])[القصص: 26].
([16])[النمل: 40].
([17])تقدم تخريجها.
([18])[المزمل: 5].
([19])[الأنفال: 60].
([20])[الأعراف: 145].
([21])تقدم تخريجها.
([22])[الأحقاف: 35].
([23])[البقرة: 165].
([24])[آل عمران: 100، 101].
([25])[الكهف: 39].
([26])[النساء: 28].
📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
([15])[القصص: 26].
([16])[النمل: 40].
([17])تقدم تخريجها.
([18])[المزمل: 5].
([19])[الأنفال: 60].
([20])[الأعراف: 145].
([21])تقدم تخريجها.
([22])[الأحقاف: 35].
([23])[البقرة: 165].
([24])[آل عمران: 100، 101].
([25])[الكهف: 39].
([26])[النساء: 28].
📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
Telegram
القناة الرسمية لفضيلة الشيخ أبي عمرو الحجوري
🌎 القناة الرسمية لفضيلة الشيخ أبي عمرو الحجوري حفظه الله ورعاه 🌍
🖥 كل مايخص الشيخ من :
👈🏻 الخطب .
👈🏻 المحاضرات .
👈🏻 الدروس .
👈🏻 الفتاوى .
👈🏻 الكتب .
👈🏻 اللقاءات .
👈🏻 المقالات .
______________________
اتصل بنا :
واتس آب: 774325182 967+
🖥 كل مايخص الشيخ من :
👈🏻 الخطب .
👈🏻 المحاضرات .
👈🏻 الدروس .
👈🏻 الفتاوى .
👈🏻 الكتب .
👈🏻 اللقاءات .
👈🏻 المقالات .
______________________
اتصل بنا :
واتس آب: 774325182 967+
https://www.tg-me.com/sharh_elsodor
🎙أعلى مقامات المتقين بحسب درجات الصابرين ([1])
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى رسول الله ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، و﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾.([5])
أيها المسلمون، عباد الله:
إن مما يسره الله سبحانه وتعالى، وهيأه لعباده المؤمنين، وأمر به، ونهى عن ضده، وحث عليه، ووعد بالجزاء الأوفى عليه، مما يستعين به بعد الله العبد المؤمن على طاعات الله جل وعلا: الصبر. هذا العلاج العظيم، وهذا السلاح القوي الذي من تسلح به انتصر، ومن تسلح به نجا، ومن تسلح به ظفر، ومن تسلح به حصل على مطلوبه ونجا من مرهوبه. ومن فرط فيه فشل، وهلك، ولم يحصل له مما يؤمله، ولم ينج من مرهوبه. الصبر.
ولذلك، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "ذكر الصبر في القرآن في أكثر من تسعين موضعًا". قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "تنوعت الأساليب في الصبر في القرآن على ستة عشرة نوعًا". فمن ذلك الأمر به، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾([6])، وقال الله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾([7])، وقال الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾([8])، في أدلة كثيرة. ونهى الله عز وجل عن ضده، عن الجزع: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ﴾.([9])
وهكذا عباد الله! وردت الأدلة كثيرة في السنة النبوية في هذا العلاج؛ لعظم نفعه، ولشدة حاجتنا إليه. وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله تعالى، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلَآنِ ـ أَوْ تَمْلَأُ ـ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ» الحديث. الصبر ضياء، الصبر ضوء ونور تستنير به في الحوالك عند النوازل، وعند المصائب، وعند تكالب الأعداء، وفي أشرف المقامات، وأجل العبادات من الطاعات، من لم يتحل بالصبر فإنه لن يظفر.
ولذلكم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "إن مقام العبد في الصبر على طاعة الله تعالى أشرف، وأجل، وأعظم، من مقامه في الصبر عن معصية الله تعالى". نعم عباد الله! إن الصبر عن المعاصي واجب من الواجبات، وهو مقام شريف، ومقام عظيم، ومن لم يصبر على الحرام وقع فيه، ورتع فيه. ولكن من يصبر على الطاعات، على المسارعة على الخيرات، أعظم، وأشرف؛ لما يحصل من الأجور، ولما يحصل من الخير. ولهذا قال المولى جل وعلا: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)﴾.([10])
جاء عن ابن مسعود قال: "الصبر نصف الإيمان". وهذا في البخاري معلقًا.
قال شيخ الإسلام أيضًا: "بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين". بالصبر على الطاعة، بالمثابرة، بحبس النفس وكفها عن الضياع، وعن التوسع في المباحات. ولهذا قال الله جل وعلا: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾.([11]) هذه أوامر بالصبر على الطاعة، ونهي عن عدم الصبر على ذلك فإنه فشل.
🎙أعلى مقامات المتقين بحسب درجات الصابرين ([1])
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى رسول الله ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، و﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾.([5])
أيها المسلمون، عباد الله:
إن مما يسره الله سبحانه وتعالى، وهيأه لعباده المؤمنين، وأمر به، ونهى عن ضده، وحث عليه، ووعد بالجزاء الأوفى عليه، مما يستعين به بعد الله العبد المؤمن على طاعات الله جل وعلا: الصبر. هذا العلاج العظيم، وهذا السلاح القوي الذي من تسلح به انتصر، ومن تسلح به نجا، ومن تسلح به ظفر، ومن تسلح به حصل على مطلوبه ونجا من مرهوبه. ومن فرط فيه فشل، وهلك، ولم يحصل له مما يؤمله، ولم ينج من مرهوبه. الصبر.
ولذلك، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "ذكر الصبر في القرآن في أكثر من تسعين موضعًا". قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "تنوعت الأساليب في الصبر في القرآن على ستة عشرة نوعًا". فمن ذلك الأمر به، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾([6])، وقال الله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾([7])، وقال الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾([8])، في أدلة كثيرة. ونهى الله عز وجل عن ضده، عن الجزع: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ﴾.([9])
وهكذا عباد الله! وردت الأدلة كثيرة في السنة النبوية في هذا العلاج؛ لعظم نفعه، ولشدة حاجتنا إليه. وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله تعالى، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ تَمْلَآنِ ـ أَوْ تَمْلَأُ ـ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ» الحديث. الصبر ضياء، الصبر ضوء ونور تستنير به في الحوالك عند النوازل، وعند المصائب، وعند تكالب الأعداء، وفي أشرف المقامات، وأجل العبادات من الطاعات، من لم يتحل بالصبر فإنه لن يظفر.
ولذلكم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "إن مقام العبد في الصبر على طاعة الله تعالى أشرف، وأجل، وأعظم، من مقامه في الصبر عن معصية الله تعالى". نعم عباد الله! إن الصبر عن المعاصي واجب من الواجبات، وهو مقام شريف، ومقام عظيم، ومن لم يصبر على الحرام وقع فيه، ورتع فيه. ولكن من يصبر على الطاعات، على المسارعة على الخيرات، أعظم، وأشرف؛ لما يحصل من الأجور، ولما يحصل من الخير. ولهذا قال المولى جل وعلا: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)﴾.([10])
جاء عن ابن مسعود قال: "الصبر نصف الإيمان". وهذا في البخاري معلقًا.
قال شيخ الإسلام أيضًا: "بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين". بالصبر على الطاعة، بالمثابرة، بحبس النفس وكفها عن الضياع، وعن التوسع في المباحات. ولهذا قال الله جل وعلا: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾.([11]) هذه أوامر بالصبر على الطاعة، ونهي عن عدم الصبر على ذلك فإنه فشل.
Telegram
قناة شرح الصدور بتفريغ خطب الشيخ أبي عمرو في السطور
قناة تعنى بتفريغ خطب الجمعة للشيخ أبي عمرو عبد الكريم الحجوري حفظه الله.
ويا لله! كم من الصالحين، وكم من الفضلاء، من أهل التقى، ومن أهل الهدى، ومن أهل الرشاد والسداد، لم يصبروا على الطاعات الشريفة، على أدائها؛ أعني على المستحبات والأمور العظيمة، فبقوا في حالهم، ولم يصلوا إلى تلك المقامات الشريفة التي وصل إليها الصابرون، التي وصل إليها المثابرون، على طاعة الله جل وعلا.
فاصبر نفسك عبد الله!، اصبر نفسك على الطاعة.
ولهذا، ذكر الله جل وعلا عن قصة موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام، والحديث في الصحيحين، أن نبي الله وكليمه موسى، عليه الصلاة والسلام: «سُئِلَ فِي مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ؟ فَقَالَ: أَنَا. فَعَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَمَنْ يَا رَبِّ؟ قَالَ: عَبْدَنَا خَضِرُ. قَالَ: فَكَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى لُقِيِّهِ؟» كيف الوصول إليه لآخذ من علمه؟. فرحل موسى كما ذكر الله، فلما لقي الخضر، قال: «﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67)﴾[الكهف: 66، 67]». هذا السلاح العظيم الذي نحتاجه جميعًا في كل الأحوال. ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)﴾ الآيات. إلى أن حصل الفراق بينهما. قال النبي ﷺ: «لَوَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا».
نعم، عباد الله!
ولهذا، قال الله جل وعلا في سورة العصر: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾. ([12]) فالصبر يذكر مع الإيمان، مع التوحيد، مع الصلاة، مع الصيام؛ ولذلك سمي شهر الصبر، مع سائر الأعمال. فأي عمل من الأعمال الصالحة لم يحالفه الصبر، فإن الإنسان يفشل فيه. وإذا حالفه الصبر، سهل، ويُسّر ـ بإذن الله ـ العظيمة، فليس على الله شيء صعبًا، إذا صبرت، وإذا صدقت، وإذا أصلحت نيتك. وإذا لم يحصل الصبر، فإن الخسارة، فإن الفشل، حليف غير الصابرين. ولذلك يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾ ([13])؛ أي: كل إنسان خاسر، إلا من كان مؤمنًا، عاملًا للصالحات، متواصيًا بالحق وبالصبر. فكل إنسان لديه من الخسارة بقدر ما عنده من الصبر، وكل إنسان ينجو بقدر ما عنده من الإيمان، والعمل الصالح، ولزوم الحق، والصبر على ذلك.
ولذلك، قال الإمام الشافعي كما ذكر عنه النووي في "رياض الصالحين": "إن أكثر الناس في غفلة عن تدبر عن هذه السورة".
فيا من أردت الخير!، وأردت المنازل العليا، فعليك بهذا العلاج تسلح به، واسلك مسالك الهدى، وستصلها بإذن المولى.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
عبد الله! إن من المواطن المهمة التي تحتاجها عند الغضب، عند الخصام والشقاق، عند أن تستفز، عند أن تسب، عند أن تشتم، عند وعند... فإنك تحتاج إلى هذا العلاج. فإن كنت من الصابرين لم يضرك عدوك، ولم يضرك خصمك، ولم تضعف؛ بل هذه هي القوة؛ «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالسُّرْعَةِ؛ وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ». أخرجاه. ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)﴾.([14]) فالصبر في هذه المقامات ينجيك الله عز وجل أن تقول فحشًا، أو باطلًا، أو أن تفعل منكرًا. ولكم وقعت من الوقائع من الكلام الفاحش والبذيء، بل ومن القتل والقتال؛ بسبب تخلف الصبر عن كثير من الناس في حالات غضب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومما يحتاج له أيضًا، وهو من الواجبات: الصبر عن المحرمات. فكم وقع من الناس في الفواحش، وفي السرقات، وفي غيرها من المعاصي والمخالفات، بسبب قلة الصبر، وضعف الصبر.
وليس من يصبر مضطرًا كمن يصبر مختارًا، متصبرًا، مؤمنًا، محتسبًا. ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "إن صبر يوسف على ما حصل له من امرأة العزيز كان أعظم أجرًا من صبره على ما وقع له مع إخوته". فإن الإنسان إذا اعتدي عليه، أو أودع في السجون، أو ما أشبه ذلك، قد يكون صبر اضطرار، لا صبر اختيار. فقد تحصل عليك أشياء تصبر مضطرًا، ليس لك مخرج إلا الصبر. ولا شك أنه إذا صبر أُجر، ولكنه لما يصبر عن الحرام، عن الوقوع فيه. فيوسف عليه الصلاة والسلام لما دعته امرأة العزيز وهي ذات منصب وجمال، وهو شاب، وفي أرض غربة، وهكذا أمور كثيرة نحو عشرين، بل أكثر من عشرين، أمرًا مما تهيأ له، وهو بعيد عن ذلك، كان صبره في ذلك أعظم أجرًا. فمن يصبر، وهو مختار، وهو قادر أن يفعل الفعل؛ ولكنه يصبر على الحرام ابتغاء وجه الله، فهذا أعظم أجرًا ممن يصبر مضطرًا.
فالصبر، الصبر، الصبر، عباد الله!. وهكذا لزوم ذلك في سائر الأحوال، فإننا لا نحتاج إليه في يوم، ولا في شهر، ولا في عام؛ بل في سائر الأوقات، وفي كل الحالات.
فاصبر نفسك عبد الله!، اصبر نفسك على الطاعة.
ولهذا، ذكر الله جل وعلا عن قصة موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام، والحديث في الصحيحين، أن نبي الله وكليمه موسى، عليه الصلاة والسلام: «سُئِلَ فِي مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ؟ فَقَالَ: أَنَا. فَعَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَمَنْ يَا رَبِّ؟ قَالَ: عَبْدَنَا خَضِرُ. قَالَ: فَكَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى لُقِيِّهِ؟» كيف الوصول إليه لآخذ من علمه؟. فرحل موسى كما ذكر الله، فلما لقي الخضر، قال: «﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67)﴾[الكهف: 66، 67]». هذا السلاح العظيم الذي نحتاجه جميعًا في كل الأحوال. ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)﴾ الآيات. إلى أن حصل الفراق بينهما. قال النبي ﷺ: «لَوَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا».
نعم، عباد الله!
ولهذا، قال الله جل وعلا في سورة العصر: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾. ([12]) فالصبر يذكر مع الإيمان، مع التوحيد، مع الصلاة، مع الصيام؛ ولذلك سمي شهر الصبر، مع سائر الأعمال. فأي عمل من الأعمال الصالحة لم يحالفه الصبر، فإن الإنسان يفشل فيه. وإذا حالفه الصبر، سهل، ويُسّر ـ بإذن الله ـ العظيمة، فليس على الله شيء صعبًا، إذا صبرت، وإذا صدقت، وإذا أصلحت نيتك. وإذا لم يحصل الصبر، فإن الخسارة، فإن الفشل، حليف غير الصابرين. ولذلك يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾ ([13])؛ أي: كل إنسان خاسر، إلا من كان مؤمنًا، عاملًا للصالحات، متواصيًا بالحق وبالصبر. فكل إنسان لديه من الخسارة بقدر ما عنده من الصبر، وكل إنسان ينجو بقدر ما عنده من الإيمان، والعمل الصالح، ولزوم الحق، والصبر على ذلك.
ولذلك، قال الإمام الشافعي كما ذكر عنه النووي في "رياض الصالحين": "إن أكثر الناس في غفلة عن تدبر عن هذه السورة".
فيا من أردت الخير!، وأردت المنازل العليا، فعليك بهذا العلاج تسلح به، واسلك مسالك الهدى، وستصلها بإذن المولى.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
عبد الله! إن من المواطن المهمة التي تحتاجها عند الغضب، عند الخصام والشقاق، عند أن تستفز، عند أن تسب، عند أن تشتم، عند وعند... فإنك تحتاج إلى هذا العلاج. فإن كنت من الصابرين لم يضرك عدوك، ولم يضرك خصمك، ولم تضعف؛ بل هذه هي القوة؛ «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالسُّرْعَةِ؛ وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ». أخرجاه. ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)﴾.([14]) فالصبر في هذه المقامات ينجيك الله عز وجل أن تقول فحشًا، أو باطلًا، أو أن تفعل منكرًا. ولكم وقعت من الوقائع من الكلام الفاحش والبذيء، بل ومن القتل والقتال؛ بسبب تخلف الصبر عن كثير من الناس في حالات غضب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومما يحتاج له أيضًا، وهو من الواجبات: الصبر عن المحرمات. فكم وقع من الناس في الفواحش، وفي السرقات، وفي غيرها من المعاصي والمخالفات، بسبب قلة الصبر، وضعف الصبر.
وليس من يصبر مضطرًا كمن يصبر مختارًا، متصبرًا، مؤمنًا، محتسبًا. ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "إن صبر يوسف على ما حصل له من امرأة العزيز كان أعظم أجرًا من صبره على ما وقع له مع إخوته". فإن الإنسان إذا اعتدي عليه، أو أودع في السجون، أو ما أشبه ذلك، قد يكون صبر اضطرار، لا صبر اختيار. فقد تحصل عليك أشياء تصبر مضطرًا، ليس لك مخرج إلا الصبر. ولا شك أنه إذا صبر أُجر، ولكنه لما يصبر عن الحرام، عن الوقوع فيه. فيوسف عليه الصلاة والسلام لما دعته امرأة العزيز وهي ذات منصب وجمال، وهو شاب، وفي أرض غربة، وهكذا أمور كثيرة نحو عشرين، بل أكثر من عشرين، أمرًا مما تهيأ له، وهو بعيد عن ذلك، كان صبره في ذلك أعظم أجرًا. فمن يصبر، وهو مختار، وهو قادر أن يفعل الفعل؛ ولكنه يصبر على الحرام ابتغاء وجه الله، فهذا أعظم أجرًا ممن يصبر مضطرًا.
فالصبر، الصبر، الصبر، عباد الله!. وهكذا لزوم ذلك في سائر الأحوال، فإننا لا نحتاج إليه في يوم، ولا في شهر، ولا في عام؛ بل في سائر الأوقات، وفي كل الحالات.
سبحانك اللهم! وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك.
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [١٧/جمادى الآخرة/١٤٤٣ هـ].
([2])[النساء: 11].
([3])[آل عمرأن: 102].
([4])[الأحزاب: 70، 71].
([5])[الأنعام: 134].
([6])[آل عمران: 200].
([7])[الأحقاف: 35].
([8])[الكهف: 28].
([9])[الأحقاف: 35].
([10])[السجدة: 24].
([11])[الكهف: 28].
([12]) [العصر].
([13]) [العصر: 2].
([14])[الشورى: 43].
📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [١٧/جمادى الآخرة/١٤٤٣ هـ].
([2])[النساء: 11].
([3])[آل عمرأن: 102].
([4])[الأحزاب: 70، 71].
([5])[الأنعام: 134].
([6])[آل عمران: 200].
([7])[الأحقاف: 35].
([8])[الكهف: 28].
([9])[الأحقاف: 35].
([10])[السجدة: 24].
([11])[الكهف: 28].
([12]) [العصر].
([13]) [العصر: 2].
([14])[الشورى: 43].
📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
Telegram
القناة الرسمية لفضيلة الشيخ أبي عمرو الحجوري
🌎 القناة الرسمية لفضيلة الشيخ أبي عمرو الحجوري حفظه الله ورعاه 🌍
🖥 كل مايخص الشيخ من :
👈🏻 الخطب .
👈🏻 المحاضرات .
👈🏻 الدروس .
👈🏻 الفتاوى .
👈🏻 الكتب .
👈🏻 اللقاءات .
👈🏻 المقالات .
______________________
اتصل بنا :
واتس آب: 774325182 967+
🖥 كل مايخص الشيخ من :
👈🏻 الخطب .
👈🏻 المحاضرات .
👈🏻 الدروس .
👈🏻 الفتاوى .
👈🏻 الكتب .
👈🏻 اللقاءات .
👈🏻 المقالات .
______________________
اتصل بنا :
واتس آب: 774325182 967+
https://www.tg-me.com/sharh_elsodor
🎙نثر الكنوز الدفينة للتحلي بخلق السكينة([1])
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الناس:
يقول الله جل وعلا: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾.([5]) فالله سبحانه وتعالى خلق هذا الإنسان في أحسن هيئة، وفي أكمل خلقة؛ ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾.([6]) وهكذا شرع له أكمل الأخلاق، وأحسن الصفات؛ حتى يكتمل هذا الإنسان الكمال البشري، أو يقارب ذلك، كل بحسبه.
وإن من الصفات الحميدة، العظيمة، الجليلة، التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم: السكينة، أن يكون ذا سكينة، ووقار، وطمأنينة، وأن يترك حال الانزعاج، وحال العبث، وحال الهلع، مهما بلغ الأمر أو كان. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾([7])، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾.([8]) ففي هذا الحال الذي أصيب المسلمين فيه إصابة عظيمة، هم بحاجة إلى السكينة، إلى الطمأنينة، إلى الوقار، إلى التريث والتأني؛ فإن حال المنزعج، حال الخائف، لا يقدر أن يقدر الأمور بما تستحقه، وأن يزنها بما يصلح لها.
وهذا الأمر ـ عباد الله! ـ من باب أولى في سائر الأمور، في حال عدم الشدة، وفي حال الرّخاء؛ أن يكون الإنسان متحلٍ بهذا الخلق، وبهذا الوصف العظيم. ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة، وأبي قتادة، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ﷺ: «إِذَا أُقيمَتِ الصَّلاة فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَائْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا». وتعلم عبد الله! منزلة هذه العبادة، والمباردة إليها، ولكن مع ذلك مع تحليك بالسكينة، بالوقار، بالطمأنينة. وهذا ركن من أركان الصلاة، الطمأنينة. وحديث المسيء صلاته، ذلك الذي صلى، ولم يطمأن، لم يسكن في صلاته: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَجَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَقَالَ: «اِرْجِعْ، فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» ثلاثًا. وفي الثالثة يقول: وَاللهِ لَا أُحْسِنُ غَيْرَهَا يَا رَسُولَ اللهِ! فَعَلِّمْنِي. قَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، فَكَبِّرْ. وَاقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَافِعًا...» الحديث. فالاطمئنان، السكينة ـ عبد الله! ـ، في سائر الأحوال.
وهكذا في حديث جابر في صحيح الإمام مسلم، في قصة حج النبي ﷺ، أنه لما دفع من عرفات، والناس يتسارعون، ويتسابقون، قال: «السَّكِينَةَ، السَّكِينَةَ»؛ أي: الزموا السكينة، ابقوا على السكينة. وفي حديث ابن عباس في صحيح الإمام البخاري: «السَّكِينَةَ فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإيضَاعَ»؛ ليس بالإسراع الذي يخرج صاحبه عن الأدب الشرعي، وعن الهيئة الحسن، وعن التعامل الحسن. وهذا لا ينافي المبادرة إلى الخيرات؛ ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾([9])؛ أي: سابق، بكّر، عجّل، بالعمل.
🎙نثر الكنوز الدفينة للتحلي بخلق السكينة([1])
إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَأن عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾.([2])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأنتُم مُسْلِمُونَ﴾.([3])
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيماً﴾.([4])
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الناس:
يقول الله جل وعلا: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾.([5]) فالله سبحانه وتعالى خلق هذا الإنسان في أحسن هيئة، وفي أكمل خلقة؛ ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾.([6]) وهكذا شرع له أكمل الأخلاق، وأحسن الصفات؛ حتى يكتمل هذا الإنسان الكمال البشري، أو يقارب ذلك، كل بحسبه.
وإن من الصفات الحميدة، العظيمة، الجليلة، التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم: السكينة، أن يكون ذا سكينة، ووقار، وطمأنينة، وأن يترك حال الانزعاج، وحال العبث، وحال الهلع، مهما بلغ الأمر أو كان. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾([7])، وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾.([8]) ففي هذا الحال الذي أصيب المسلمين فيه إصابة عظيمة، هم بحاجة إلى السكينة، إلى الطمأنينة، إلى الوقار، إلى التريث والتأني؛ فإن حال المنزعج، حال الخائف، لا يقدر أن يقدر الأمور بما تستحقه، وأن يزنها بما يصلح لها.
وهذا الأمر ـ عباد الله! ـ من باب أولى في سائر الأمور، في حال عدم الشدة، وفي حال الرّخاء؛ أن يكون الإنسان متحلٍ بهذا الخلق، وبهذا الوصف العظيم. ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة، وأبي قتادة، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ﷺ: «إِذَا أُقيمَتِ الصَّلاة فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَائْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا». وتعلم عبد الله! منزلة هذه العبادة، والمباردة إليها، ولكن مع ذلك مع تحليك بالسكينة، بالوقار، بالطمأنينة. وهذا ركن من أركان الصلاة، الطمأنينة. وحديث المسيء صلاته، ذلك الذي صلى، ولم يطمأن، لم يسكن في صلاته: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَجَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، وَقَالَ: «اِرْجِعْ، فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» ثلاثًا. وفي الثالثة يقول: وَاللهِ لَا أُحْسِنُ غَيْرَهَا يَا رَسُولَ اللهِ! فَعَلِّمْنِي. قَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، فَكَبِّرْ. وَاقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَافِعًا...» الحديث. فالاطمئنان، السكينة ـ عبد الله! ـ، في سائر الأحوال.
وهكذا في حديث جابر في صحيح الإمام مسلم، في قصة حج النبي ﷺ، أنه لما دفع من عرفات، والناس يتسارعون، ويتسابقون، قال: «السَّكِينَةَ، السَّكِينَةَ»؛ أي: الزموا السكينة، ابقوا على السكينة. وفي حديث ابن عباس في صحيح الإمام البخاري: «السَّكِينَةَ فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإيضَاعَ»؛ ليس بالإسراع الذي يخرج صاحبه عن الأدب الشرعي، وعن الهيئة الحسن، وعن التعامل الحسن. وهذا لا ينافي المبادرة إلى الخيرات؛ ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾([9])؛ أي: سابق، بكّر، عجّل، بالعمل.
Telegram
قناة شرح الصدور بتفريغ خطب الشيخ أبي عمرو في السطور
قناة تعنى بتفريغ خطب الجمعة للشيخ أبي عمرو عبد الكريم الحجوري حفظه الله.
ما تتأخر، ثم تأتي منزعجًا، مسرعًا، غير متحل بهذا الخلق.
وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي ﷺ قال: «الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي الْفَدَّادِينَ، عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الْإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ. الْإيمَانُ يَمَانٌ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيةٌ». وهذا الحديث جاء من طرق. وفي رواية لمسلم: «وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الشَّاءِ»؛ أي: الذين يرعون الأغنام. السكينة ـ عبد الله! ـ، الطمأنينة؛ تصير بها رزينًا، عاقلًا، منضبطًا. وهذا لا ينافي المبادرة للخيرات، ولا الحزم، ولا الأخذ بقوة، فإن أمور الإسلام لا تتنافى، لا تتعارض، ولكن قد يتعارض الفهم غير الصحيح، أو الفهم السقيم، أو الجهل الذي يؤدي إلى ذلك. وهكذا أيضًا، التأني في ما يتأنى فيه، يتأنى في ما يستحق التأني والتريث. وهذا لا ينافي، ولا تعارض بينهما، بل السكينة تجمع ذلك كله؛ أنه يسكن ويتأنى في ما يحتاج إلى تأني، وأنه يبادر إلى ما يحتاج إلى مبادرة، مع سيكنة، مع وقار. ولهذا قال ابن عباس في ما أخرج عنه الإمام بإسناد حسن، قال: «نَرَى السَّكِينَةُ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ». عمر كان من أقوى الصحابة في الحق، كان قوالًا بالحق، كان شديدًا على الكافرين، وعلى المنافقين، ومع ذلك كانت السيكينة تنطق على لسانه رضي الله عنه.
فهذه غنيمة، غنيمة اغنمها، كما قال ابن مسعود في ما صح عنه، أنه قال: «إِنَّ السَّكِينَةَ مَغْنَمٌ، وَإِنَّ تَرْكَهَا مَغْرَمٌ». إن السكيننة مغنم، غنيمة؛ أن تكون من أهل السكينة، ومن أهل الوقار. وإذا خرجت عن هذا فقد غرمت، فقد خسرت، هذا الوصف الحميد الذي ينبغي أن يتصف به كل مسلم في كل أحواله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أخرج الشيخان في صحيحهما من حديث البراء رضي الله تعالى عنه، أن صحابيًا كان يقرأ القرآن، فرأى مثل الظلة تقترب منه ـ وجاء أن أسيد بن حضير هو الذي كان يقرأ ـ، فغدا على النبي ﷺ. فقال النبي ﷺ: «تِلْكَ السَّكِينَةُ نَزَلَتْ لِلْقُرْآنِ». وقال أسيد بن حضير، وكانت فرسه مربوطة، قريبة، فجعلت تجول، قال: فَخَشِيتُ عَلَى يَحْيَى([10]) أَنْ تَطَأَهُ. قَالَ: «لَوْ بَقِيتْ تَقْرَأُ لَبَقِيَتْ إِلَى الصَّبَاحِ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى عَنْهُمْ». وفي صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد، أن النبي ﷺ قال: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». زاد في حديث أبي هريرة: «وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ».
فنعم يا طالب العلم!، أيها الداعي إلى الله! أنت أولى الناس بهذا الوصف، لاسيما في بيوت الرحمن، ولاسيما مع القرآن، ولاسيما مع الحديث، وفي مجالس العلم، وفي سائر أمور الخير، لاسيما وأنت قدوة وأنت أسوة.
نعم عباد الله!، فالسيكنة، السيكنة، معاشر المسلمين!، نلازم السكينة فبي سائر شؤوننا. وهذا أمر قد يجب أحيانًا، ويستحب أحيانًا، وفي سائر الأحوال. فالسيكنة محمودة بضوابطها الشرعية، ولا تتنافى مع سائر أخلاق الإسلام.
والحمد لله رب العالمين.
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [٢٤/جمادى الآخرة/١٤٤٣ هـ].
([2])[النساء: 11].
([3])[آل عمرأن: 102].
([4])[الأحزاب: 70، 71].
([5])[التين: 1 - 4].
([6])[الإسراء: 70].
([7])[التوبة: 40].
([8])[التوبة: 25، 26].
([9])[الجمعة: 9].
([10]) أي ولده.
📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
وجاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي ﷺ قال: «الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي الْفَدَّادِينَ، عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الْإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ. الْإيمَانُ يَمَانٌ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيةٌ». وهذا الحديث جاء من طرق. وفي رواية لمسلم: «وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الشَّاءِ»؛ أي: الذين يرعون الأغنام. السكينة ـ عبد الله! ـ، الطمأنينة؛ تصير بها رزينًا، عاقلًا، منضبطًا. وهذا لا ينافي المبادرة للخيرات، ولا الحزم، ولا الأخذ بقوة، فإن أمور الإسلام لا تتنافى، لا تتعارض، ولكن قد يتعارض الفهم غير الصحيح، أو الفهم السقيم، أو الجهل الذي يؤدي إلى ذلك. وهكذا أيضًا، التأني في ما يتأنى فيه، يتأنى في ما يستحق التأني والتريث. وهذا لا ينافي، ولا تعارض بينهما، بل السكينة تجمع ذلك كله؛ أنه يسكن ويتأنى في ما يحتاج إلى تأني، وأنه يبادر إلى ما يحتاج إلى مبادرة، مع سيكنة، مع وقار. ولهذا قال ابن عباس في ما أخرج عنه الإمام بإسناد حسن، قال: «نَرَى السَّكِينَةُ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ». عمر كان من أقوى الصحابة في الحق، كان قوالًا بالحق، كان شديدًا على الكافرين، وعلى المنافقين، ومع ذلك كانت السيكينة تنطق على لسانه رضي الله عنه.
فهذه غنيمة، غنيمة اغنمها، كما قال ابن مسعود في ما صح عنه، أنه قال: «إِنَّ السَّكِينَةَ مَغْنَمٌ، وَإِنَّ تَرْكَهَا مَغْرَمٌ». إن السكيننة مغنم، غنيمة؛ أن تكون من أهل السكينة، ومن أهل الوقار. وإذا خرجت عن هذا فقد غرمت، فقد خسرت، هذا الوصف الحميد الذي ينبغي أن يتصف به كل مسلم في كل أحواله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أخرج الشيخان في صحيحهما من حديث البراء رضي الله تعالى عنه، أن صحابيًا كان يقرأ القرآن، فرأى مثل الظلة تقترب منه ـ وجاء أن أسيد بن حضير هو الذي كان يقرأ ـ، فغدا على النبي ﷺ. فقال النبي ﷺ: «تِلْكَ السَّكِينَةُ نَزَلَتْ لِلْقُرْآنِ». وقال أسيد بن حضير، وكانت فرسه مربوطة، قريبة، فجعلت تجول، قال: فَخَشِيتُ عَلَى يَحْيَى([10]) أَنْ تَطَأَهُ. قَالَ: «لَوْ بَقِيتْ تَقْرَأُ لَبَقِيَتْ إِلَى الصَّبَاحِ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى عَنْهُمْ». وفي صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد، أن النبي ﷺ قال: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ». زاد في حديث أبي هريرة: «وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ».
فنعم يا طالب العلم!، أيها الداعي إلى الله! أنت أولى الناس بهذا الوصف، لاسيما في بيوت الرحمن، ولاسيما مع القرآن، ولاسيما مع الحديث، وفي مجالس العلم، وفي سائر أمور الخير، لاسيما وأنت قدوة وأنت أسوة.
نعم عباد الله!، فالسيكنة، السيكنة، معاشر المسلمين!، نلازم السكينة فبي سائر شؤوننا. وهذا أمر قد يجب أحيانًا، ويستحب أحيانًا، وفي سائر الأحوال. فالسيكنة محمودة بضوابطها الشرعية، ولا تتنافى مع سائر أخلاق الإسلام.
والحمد لله رب العالمين.
----------------------------------
([1]) خطبة جمعة بتاريخ: [٢٤/جمادى الآخرة/١٤٤٣ هـ].
([2])[النساء: 11].
([3])[آل عمرأن: 102].
([4])[الأحزاب: 70، 71].
([5])[التين: 1 - 4].
([6])[الإسراء: 70].
([7])[التوبة: 40].
([8])[التوبة: 25، 26].
([9])[الجمعة: 9].
([10]) أي ولده.
📮 رابط الخطب على القناة الرسمية للشيخ حفظه الله.⤵️
http://www.tg-me.com/abuamroalhgoury
Telegram
القناة الرسمية لفضيلة الشيخ أبي عمرو الحجوري
🌎 القناة الرسمية لفضيلة الشيخ أبي عمرو الحجوري حفظه الله ورعاه 🌍
🖥 كل مايخص الشيخ من :
👈🏻 الخطب .
👈🏻 المحاضرات .
👈🏻 الدروس .
👈🏻 الفتاوى .
👈🏻 الكتب .
👈🏻 اللقاءات .
👈🏻 المقالات .
______________________
اتصل بنا :
واتس آب: 774325182 967+
🖥 كل مايخص الشيخ من :
👈🏻 الخطب .
👈🏻 المحاضرات .
👈🏻 الدروس .
👈🏻 الفتاوى .
👈🏻 الكتب .
👈🏻 اللقاءات .
👈🏻 المقالات .
______________________
اتصل بنا :
واتس آب: 774325182 967+