Telegram Web Link
يبدو لي غالبًا أنّني أرى يدًا ضخمةً عديمة الشكل تمرّ على الأشياء أمامي.

على الأشياء كما على النصب التذكاريّة، وعلى واجهات مبانٍ بارتفاع مئات الأقدام، وتبدو راغبةً في إحداث تلفٍ كبير.

لكنّها ليست أكثر من ملامسات.

هذا ما تدفعني تجربةٌ قديمةٌ للتصريح به، مجرّد ملامسات، وخاليةٍ من أيّ رقّة.

وبدون كتلةٍ حقيقيّة؛ فلكي تكون ما تبدو عليه، لا بدّ أنّها عبرتْ ولا تزال تعبر جدرانًا سميكة، حجارتها لا تقوى على دفعةٍ واحدةٍ من هذه اليد، مع ذلك، لا ينتج عنها تلفٌ خاصٌّ على حدّ علمي.

لهذا السبب لا يقلقني الأمر أكثر من المهندسين المعماريّين الّذين، كما قيل لي، لا يشغلهم ذلك بتاتًا.

هنري ميشو
ترجمة انس العيلة
الأفكار كانت مثل حشد ماعزٍ تقف وجهًا لوجه. الكره كان يتّخذ هيئةً صحّيّة. أمّا الشيخوخة فكانت تثير الضحك، والطفل تمّ دفعه إلى العضّ، والعالم كان كلّه راية
قديمًا كان ثمّة رجالٌ يأخذون وقتهم، بإشعال الحطب في مدافئ قديمةٍ بسلام، قارئين رواياتٍ ممتعة؛ إذ مَنْ يعاني فيها هم الآخرون. هذا الزمن انقضى الآن، والأرائك تحترق في هذا الوقت، والسعادة المسيّجة لأغنياء هذا العالم لم تعد تدافع عن نفسها
الطقس باردٌ على الجميع هذه السنة، إنّه الشتاء الغامر الأوّل
الأمل أطرش على نحوٍ ما. الحدث لا يكترث، مثل همجيٍّ يمزّق الجلد والضمادة والأنبوب دفعةً واحدة، كان يجب البدء في المعاناة من جديدٍ وبلا أيّ أمل
بين مسافةٍ وأخرى كان يظهر لمعانٌ ما، لكن الموجة العميقة الّتي ستجرف كلّ شيءٍ لمّا تنهض بعد
شعوبٌ، كان بعضها ينتصر، وبعضها يتقهقر، لكنّ الجميع كان يبقى عالقًا ببؤسٍ يجوب أنحاء الأرض
أسلاف الحكمة لم يكونوا في منأًى عن ذلك
على حين غرّة، حارَبوا عامًا بعد آخر، صبرهم المزمن، خاضعٌ لاختبارٍ صعبٍ للغاية
الشعب المقدّر له، هو أيضًا، والأوّل، الّذي عانى، نزعنا عنه كلّ شيءٍ حتّى قميصه، وسخرنا منه، وبالمقابل، اتّهمناه أنّه سبب المصائب
شعب الهيكل الأمثل، صودرت منه حتّى أشجار زيتونه
الرؤوس كانت محشوّةً بالحماقات
كالبحر لا يتعب من الاصطدام بصخب الأمواج غير المجدية، كذلك فإنّ هذه المعركة الكبيرة تدفع صفوفًا جديدة للأمام
توغّلاتٍ متردّدةً لا تتقدّم في شيء، وانسحاباتٌ صاعقةٌ تنتهي أمام الفراغ
لم نشهد يومًا هذا الكمّ من ضربات السيوف في الماء
أرسان الإنسانيّة كانت تعوم بمحض الصدفة، لكن مع ذلك، وفي كلّ مكان، وخلف وجوهٍ متعدّدة... الأب، الرئيس، يغرس حياته المتسلّطة، مثل مجداف، في عائلته الخنوعة.   
 هنري ميشو
تركتُ عدوّي يكبر داخلي.
وفي الأشياء الّتي وجدتُ ذهني محتشدًا بها، في سفراتي، أيّام دراستي، وحياتي، عشتُ كثيرًا ما لم يكن صالحًا لي.
بعد سنواتٍ وسنوات، ما زلتُ أعيش هذا مهما فعلتُ أو تعمّقت، وسيبقى في ذلك الكثير من الأشياء غير المجدية، غير الصالحة، ولكن!
 كنتُ منزعجًا، ولستُ متأثّرًا بأيّ حالٍ من الأحوال. ثمّ لم أدرك أنّ هناك خطواتٍ يجب اتّخاذها، بل تركتُ الموادّ غير المستخدمة ورائي، ببراءة، كما وجدتها.
أنا، مثل كلّ الكائنات في العالم، استخدمتُ ما بقي، للأفضل.
لكن شيئًا فشيئًا، شيّدتُ على هذه الأنقاض الّتي دائمًا ما تكون من عائلةٍ واحدة (لأنّني دائمًا أُخيَّر الأشياء الّتي من نفس النوع)، فتشكّل وتضخّم شيئًا فشيئًا، كائنٌ مزعجٌ في داخلي.
في البداية، كان ربّما مثل أيّ كائن، تصنع الطبيعة الكثير منه في هذا العالم. لكن بعد ذلك، وبعد النهوض على ركامٍ مضاعفٍ لموادّ معادية للبناء المعماريّ لكياني، أصبح عدوّي في كلّ شيء تقريبًا، ومسلّحًا بي أكثر وأكثر. لقد غذّيتُ عدوًّا داخلي كان دائمًا أقوى، وكلّما أبعدتُ عن نفسي كلّ ما كان نقيضًا لي، اكتسب منّي قوّةً ودعمًا وغذاءً لليوم التالي.
هكذا يكبر في جسدي، على غفلةٍ منّي، عدوٌّ لي أقوى منّي.
لكن ما العمل؟ إنّه يعرف أن يتبعني الآن في كلّ مكان، ويعرف أين يجد ما يغتني به، بينما خوفي من إفقار نفسي لأجله يجعلني أضمّ عناصر مشكوكًا فيها أو سيّئة، لا تفيدني بشيءٍ وتتركني عالقًا على حدود عالمي، وتجعلني عرضةً أكثر للضربات الغادرة من عدوّي، الّذي يعرفني كما لم يعرف أحدٌ عدوّه من قبل.
أنظر إلى الحال الّتي وصلت إليها الأشياء، هذه الأشياء المحزنة ستعيش من الآن فصاعدًا انشقاقَ حياةٍ مزدوجةٍ لعدم ملاحظتي إيّاها في الوقت المناسب. هنري ميشو
أسعاف النثر
يَخْمُدُ الشعرُ في داخلي شيئا فشيئا،
سوى الآحاد،
حيث ألقي إليه،
حطبا ميتا، وكلمات عاطلة.
حينها أشهدُ تجلي
بعضِ الطيور التي تشكو
كونها بجناح وحيد.
زهرةً تتفتح
على جذوة شاحبة.
ولكني لا ألحُّ أبدا، تظلُّ الكلماتُ ميتةً-وليدةً.
أغفو أسفل كتابي
وأصير أثاثا،
وسجادا أخرسَ.
أريدني بلا اسم
مثل نثر بلا غموض. بوسكيه
ألان بوسكيه
***
"ثُمّ قيل لي:
"أيّها السيّد، لقد ضللتَ العصر."
فبحثتُ عن آخر.
ثُمّ قيل لي:
"أيّها السيّد، لقد ضللتَ الحياة."
فبحثتُ عن أخرى.
أكملتُ رحلتي، ثلاثَ مرات في اليوم،
من الماضي إلى النسيان،
ومن الموت إلى الموت.
أنْ أضلَّ، أنْ أضلَّ،
هذا هو ابتهاجي الوحيد.
__________________

"أرغب أن يحفروا لي ثلاثةَ قبور.
قبرا لهيكلي العظمي:
عظم الفخذ، جمجمة، مفصل الركبة.
وقبرا لروحي،
ظنا أن يروا فيّ
نفحةً غامضةً.
والقبرَ الأخيرَ
للمجهول الذي يعبُرُ،
إذا قَبِلَ حصتي من الأبدية.
أرغب أن يحفروا لي عشرة قبور،
لخواطري الأكثر زيفا،
ولكلماتي التي أفتعلها،
وللمتضخم من صوري."
__________________

"احمل مقبرتك بداخلك،
في منديلك،
وتحت ربطة عنقك:
هكذا يمكنك أن تموت،
لو رغبت، بمقهى، على الرصيف،
بالميترو، في كل لحظة
من دون أن تزعج أحدا."
__________________

"تعالي وأقيمي في جلدي، لا تحملي
سوى نداوتَك، لعبةَ النرد،
النجمةَ المحمولةَ على الباب،
دَمَك، الشمسَ العتيقةَ.
سيكون لي إِذْنُ هذا البواب
الذي يسخر مني: قلبي.
كي يصير لحمُك عذريا،
وجبَ أن نمزج جساراتنا.
ها هو العَقْدُ: عليك أن تولدي ثانية.
لسنا مطالبين بأي ضريبة،
ولكن إذا جسدي بمائة نافذة،
قد أغراك، تعالي وأقيمي في إهابي.
استقري، يا نزيلتي.
سأنتقلُ، هذا هو حال
من يحيون وحيدين:
حتى جلدهم يرميهم خارجا."
___________________

"أحيانا أذهل
كوني عدما قديما.
أقيم في ذاتي مثل شبح
بقبعة كبيرة.
أخاف من البداهة.
منْ نُروِّض غدا:
الضبابَ أم النمرَ؟
أيّها العبثُ، أنت أيضا تملي عليَّ الحكايات!"
___________________

" أريكتان متقابلتان،
على واحدة يجلس الإنسان،
وعلى الثانية الإله.
وبينهما يوجد كتابٌ،
بلون الجلد، وبلون الدم.
يتمتم الإنسان:
" أنا الذي كتبتك"
فيجيب الإله:
" أنا الذي أمليتك"
وبعد صمت مديد،
يقول الكتاب:
" ولدتما من صلبي:
إنسانا وإلها،
متساويين وعاصيين."
انكشف الكتاب وأعادهما إليه.
أريكتان متقابلتان،
من دون إنسان،
ومن دون إله."
__________________

" لستُ سوى هيكل يرتدي قصائد."
__________________

"اجعل مني دائما"
قال الإله،
فشكّلتُ الحجر،
"اجعل مني مرئيا"
قال الإله،
فتصورتُ النجمة،
"اجعل مني أكثر جمالا"
قال الإله،
فخلقتُ الزهرة،
"اجعل مني أكثر حقيقة"
قال الإله،
فقتلتُ الإله."
___________________

"كان لي دائما جمجمتان:
كبيرةٌ للحزن،
وصغيرةٌ جدا للفرح.
وأيضا لي ذاكرتان:
ما أجمل ما في الأولى سابقا.
في الثانية نجد
أشياء قليلة، نسيانا قديما.
كان لي دائما قلبان:
واحد لكي أحب،
والثاني للتجاهل.
أما لحيواتي،
فلا أستطيع عدّها:
عادةً أعتقد أنها بالمئات
مأهولة بالورود والعصافير،
وبالنُصُبِ الأكثر عذوبةً من شفاه النساء،
وأحيانا أخشى ألا يكون لي أي واحدة.
كان لي دائما ظلان:
ظل كي أتفاخر،
وآخر لكي أتذمر.
أنا عادل مع نفسي،
أكيد سيكون لي موتتان:
واحدة للضحك،
والثانية رغم كل شيء للأنس.
_____________________

اكتملَ عملي:
عليّ الانضمام إلى الزنابق
والذباب بالوحل.
اكتملَ عملي:
عليّ بإعادة كتابته
كي أستحقَّ
أن أكونَ زنبقةً
وأن أكون ذبابةً."
___________________
الان بوسكيه
****
من ترجمات العزيز محمّد خطّاب
"أريد أن أعيش في عالم، حيث في وسع أي أحد أن يقول دون أن يتهم بالكذب: أنا من خلق الوردة."
الان بوسكيه
ألان بوسكيه
ترجمة : سامي مهدي
.
في كلّ صباحٍ تستيقظ كلمةُ حصان
وترعى الشوفان .
كلمةُ موسم
ترتدي قميصها الأخضر وتدفعُ المحراث .
كلمةُ لقلق
تعمل بعناد
من أجل قطعةٍ من نجمة .
كلمةُ منفى
تجادل في الأمل العنيد .
كلمةُ محيط وحدها
تستطيعُ أن تعدَّ نفسها اكثرَ حرية
وتسافر دون توقف
مع الحيتان الفتيّة .
كونوا طيبين مع الكلمات ،
فليس لهنَّ حقٌ في التراجع .
أ
سوناتات من أجل نهاية القرن
قصائد مختارة/ ألان بوسكيه. ترجمة سعيد الباز

بورتريه لشاعرة.

ليست بالدميمة و لا بالجميلة، كانت تكتب أشعارا
وبعد طول إلحاح، كان الناشرون تباعا
يعيدونها إليها مرفقة بالمجاملات المألوفة.
كانت ترسل أيضا قصائد غنائية فاترة

إلى كبار شعراء العصر، ولو راودت
واحدا منهم الفكرة الساخرة جدا في الردّ عليها
لكانت قد وهبته نفسها بكلّ ما تملك من منافذ
و من حشايا و من روح. حريصة على إنشاد

روائعه لحظة العناق. ثمّ هكذا بفضل هذه اللمسة
الربّانية سيتجلّى وجهها الشاعري، ودون أن نكذب
على أنفسنا كثيرا، لأنّ المفارقة التاريخية مقبولة
في هذه الحالات،

فقد كانت في نفس الآن، عشيقة لبيغي
و لكلوديل، و لأبولينير، و لأراغون
دون إغفال آرثور رامبو، رغم ميولاته الشاذة.


بورتريه لرجل مهموم.

ينسحب إلى عمق ذاته، معيدا التفكير
في ضآلة كيانه، أحيانا يفوّض أمره إلى الشجرة
التي توحي إليه بموقف. في حدود ساعة،
الرّمل هو بالأحرى الذي يؤثّر فيه.



جامدا يتذكر حبّا قديما. الزمن في ظنّه،
يراعيه رغم النسيان و الدم المحبوس
قبالة القلب. سيكون أقلّ يأسا
لو كانت له مثلا صداقة حجر،

صداقة عصفور محتضر، أو رابية دافئة.
يغمض عينا ثمّ الأخرى، كي يراقب نفسه
بغضب. لا يكتشف شيئا ذا بال

في رئتيه، و لا في جوارحه التي يتجرّد منها
على غرار قمصانه، الواحدة تلو الأخرى.
ذلك، أنّ كلّ سكينة كانت تبدو له مهينة.



بورتريه لمتطفّل.

رمى الرّجل حبّات الفستق للحمام،
احتسى مشروبه الكامباري، ترك عشرينا سنتيما
في الصحن الصغير، تصفّح وثيقة،
استنشق عبير وردة حمراء، توعّد

زرقة السماء بقبضة قوية، غيّر ربطة عنقه
أمام الزبونة غير المبالية، أخذ جريدة لرهانات
الخيول فوق الطاولة المجاورة،
ابتعد عن الحانة، عاد

في هيئة كثيرة الانزعاج إلى قبالة الكنيسة،
أهدى حلوى إلى التلميذة الجالسة
على حافة النافورة، رفع إلى فمه

بقايا سيجار، هزّ كتفيه،
كي يمنح نفسه بعض الشجاعة، ثمّ مرتجفا
بالكاد، سحب من جيبه مسدّسا.

الشاعر باعتباره أثاثا منزليا.

ينتمي الشاعر إلى عالم الأجهزة المنزلية.
نعثر عليه بين مقصّ البستاني و عجلات المطاط،
بين الحنفيات والمسامير، و في الطابق الثالث على اليسار
في المتاجر الكبرى، حيث هو متوفّر

بأثمان مخفّضة. كلّ رؤساء رفوف المبيعات
لهم دراية بطريقة الاستعمال. وثمّة كتيب أزرق
يمتدح مزاياه. هو لا يشغل سوى حيّز ضئيل
أقصاه متر مكعب في المطبخ.

النموذج الرّائع و الشائع يتغذى على الرغيف
مع ربع لتر من النبيذ. و في بعض الأيّام المؤلمة
أو المأساوية، يمكن أن يسدي خدمات جليلة

ذلك أنّ اختصاصه، هو نسيم ربيعيّ
أخّاذ وعليل، يقوم بنثره على الجدران
على آلة الغسيل، و على الموقد، و على صندوق النفايات.

مردودية شاعر.

إذا ما أحبطك الواقع، فشغّل لديك شاعرا.
هو أرخص من سائق أو راقنة على الآلة الكاتبة.
و إذا ما وجدك لطيفا معه، فقد يحدث له أن يعمل
أيضا بالمجّان. أذكر له بلا مواربة

سنّك و اسمك، ومكان ولادتك
وبعض التفاصيل الدقيقة. و في حدود ساعة
أو اثنتين، سيكون قد اكتشفك من جديد، بحياة أخرى
بعواطف كلّها جديدة، بشخص أنت عينه، مجهول لديك

ويقيم بداخلك، أو يطلب منك الفراق.
هي باختصار روح عذرية، لسنا ندري
ما الأكثر حداثة أو أصالة منها؟ المؤكّد

هو أنّه لا ينبغي لك الإفراط، فالشعر بجرعات
قوية مضرّ في بعض الحالات.
الأفضل، هو أن تختار لك شاعرا محلّفا.

تعريف الشاعر.

لكي تصبح شاعرا ينبغي أن تكون غبيا.
فما أشدّ حمق هذا الفجر الذي يظنّ نفسه أنّه النور.
وكم هي بلهاء تماما هذه الحصاة البالية
التي تزعم أنّها ستوقف الفرس عن الجريان.

لكي تصبح شاعرا. يا للذكاء
الذي ينبغي أن تتحلّى به. ذكاء أكثر من هذا الفجر
الذي يعدّ لحظة مجيئه، أو من ذاك الصوان الأنوف
الذي يأمر المهر بأن يخرّ بين يديه.

لكي تصبح شاعرا، ينبغي لك أوّلا أن تحبّ
حبّا مهذبا، لكن فيه أحيانا الكثير من الغباوة.
هو حبّ الصخرة و المهرة، النهار و الضباب

حبّ القمر و الأبدية، حشود الناس و الصمت.
ثمّ، كما هو الحال هنا، الاعتراف بذلك ببساطة
مقرّا بأنّ كلّ كلمة هي أكذوبة.

تاريخ الشعر في 109 كلمة.

كان من الواجب بعد جريمته الأولى أن يجلد
فرانسوا فييون حتّى الموت، و المنافق راسين،
قضية سموم أو لا، فقد كان من الواجب
أن يجبر على تناول سمّ الشوكران.

وذاك المنحطّ جيرار لابروني، كان من الواجب أن يشنق
بدلا من يترك له ترف الإقدام على الانتحار.
و فرلين هذا الذي كان يضاجع الرجال،
كان من الواجب أن يموت في سجنه. و رامبو

هذا الذي كان في سنّ حمل السلاح، و الهارب
من الخدمة العسكرية، كان من الواجب أن يطلق عليه الرصاص.
و كوستروفسكي مخرّب لغتنا، هذا الأجنبي

كان من الواجب أن يذبح رفقة شريكه اليهودي
ماكس جاكوب، طليعة اللوطيين.
وأنت أيّها الشاعر، اغرب عنّا، إنّك تدنّس نثرنا.

مصالح و منافع.

إذا كان لديك قلب، فالأمر يسير: قم بالدعاية
له في المجلّات الأسبوعية
والجرائد. إن كان لديك، ولو بصورة غامضة
ما يشبه حلما جميلا بهسيس غصن

يتأثر هناك في الأعالي، على شجر الزيزفون،
فأخطر وسائل الإعلام. إن كان لديك
في زاوية ما من صدرك تنهيدة تختلج.
فلا تحتفظ بها أبدا لنفسك: هناك سادة آخرون

يودّون التعرّف على إنسان بمثل هذه المشاعر الرقيقة.
وإن حصلت على متعة ما، فقم ببيع وصفتها:
فهذا القرن مولع بالمنتجات الجديدة.

إن كان لديك روح على هيئة لائقة
فإنّنا نوصيك بلجنة من الخبراء
ستبيّن لك كيف تجلب لك الكثير من المنافع.

القلب المجدي.

علينا أن نعيد و نكرّر بأنّ القلب مضخّة.
و أنّه يغذّي الجسم، مثلما يغذي الدماغ
و الأمعاء، حاملا الأوكسجين
و الدمّ المنعش. وأهميّته تماثل

أهمية محطّة القطار، أو مخزن كبير.
وهو يستلزم العناية به، مثل حاسوب
الذي اتخذ منه نموذجا. كن حريصا
على إيقاعه الذي يجب أن يبقى دائما على وتيرته

وعلى مستوى تجاويف القلب، خذ حذرك
من زحمته التي تشبه طريقا سيّارا
في أحد صباحات العيد الوطني...

ثمّة من يزعم بأنّ القلب، في بعض الأحيان
هو موطن الآهات و الأحاسيس الغامضة
و لحالات العشق المنفلتة.
و تلك لعمري، افتراءات تعود أصلا إلى القرون الوسطى.

نقد ذاتي.

لم أتحمّل عناء حبّ نفسي. أعبر
هذه الحياة مثل سائح بسيط
مرغم على زيارة معالم
غير مجدية: من مصنع فارغ، من مركز بريد

ومن ملعب بلدي. أراقب نفسي من بعيد
ولست أدري أهو تمرين سخيف أم زهو مفرط؟
مستغربا أحيانا من قلقي التافه
أو من خوفي الذي يزرع التجاعيد فوق الكلمات.

محبطا، لن أبلغ حدّ ازدراء نفسي
سيكون أمرا مجاوزا للمدى. بيد أنّي أتساءل مع نفسي
حول هذا الجسد الذي يبدو كما لو أنّه يبحث عن هيكله العظمي،

عن هذا العقل المجوّف حيث الضباب كثيف
مثل جثمان ثور، وعن هذه القصائد
التي كان سيكتبها غيري بحماس أكبر.

وضوح.

في هذه الزحمة بين الفراغ والعدم، هل ثمّة من متعة
أكثر صفاء من التّساؤل عن قرن
مثير للريبة. هل ثمّة من حبّ أكثر حمقا
من أن يفهم المرء أين يرحل الفضاء

وزرقة السماء، أين يرحل الشكّ و اليأس القديم؟
الرأس أسفل الأيدي، هل ثمة من حاجة أكثر هوسا
من التحليل البارد، ومن اجترار كلام يتمّ تفنيده
بلا انقطاع: هل ثمّة من خرافة

أكثر خداعا من هذا العقل بوروده الرصاصية،
و التي تنتقل من كلمة إلى أخرى لتضيع في الرّمال؟
هل ثمّة قدر أكثر عدالة، من بين الكثير من الأسرار،

من أن تخضع على نفسك، كما لو على ثعبان،
تشريح السّعادة، بدلا من أن تكون في الوقت ذاته
حلم الواقع، و واقع الحلم.

الشخصيات.

إنّها في الصباح الباكر تهجر الشخصيات كلّها
الكتاب موطنها الأصلي، كي تهيم على وجهها
في أيّ مكان من شوارع المدينة السّاخرة
وسط بشر من لحم و عرق.

يمكن للمرء أن يتعرّف عليها من نظرتها المرتجفة،
من أياديها المتّسخة بمداد الحبر، ومن مظهرها الجانبي
الذي يبدو حاملا بقايا من كلام. هذه الشخصيات
غير سعيدة بحرّيتها المباغتة. فمن أين لها أن تجرؤ

على العيش في انسجام مع قدر زائف
هو حكر على أبطال المخطوطات؟. عند المساء
تعود في خفر و تلطّف إلى موطنها، إلى هذه الصفحات

الموزّعة بين النثر و الشعر، حيث تأمن الخطورة.
وهنا، المؤلّف وقد زالت سورة غضبه، يقوم
مرتابا و متسامحا في آن، بردّها ثانية إلى الكتاب.

الميتة البسيطة.

في هذا الصباح، بلا تذمّر أو مرح، كنت أحتسي قهوتي
حين قرأت في جريدتي خمسة أسطر
كانت تعلن موتي. المفاجأة و قد زالت، قلت مع نفسي
لقد منحوني أخيرا الحقّ

في ألّا أكون أحدا. وهكذا شعرت بنفسي حرّا
في الذهاب حيث يحلو لي، في أن أحبّ من أصادفه،
في أن أتصرّف دون أن أحفل بأيّ وازع. في الحقيقة
أن تكون حيّا بعد الموت، فكرة لا تخلو من جاذبية

بالنسبة لكاتب عجوز، والعيش خفية
يليق بي مثل كفن باذخ. و فجأة خطر ببالي سؤال:
لماذا لا أذهب يوم الاثنين إلى جنازتي؟

ستكون الورود جميلة، وستنشد ممثلة
قصيدة من قصائدي، و سأقول لأصدقائي
كم أنا سعيد جدّا لفراقهم.

وعود.

هذه المرّة، سترون سنكون طبيعيين
مثل لحاء الأشجار، مثل البعوضة و العشب الأحمر
في نزالات الديوك، هذه المرّة سنضع فكرنا
العليل والمجنون في المشفى

حتّى لا نحيا بعدها، إلّا بالعين و الجلد
مثلما يحيا طير السمّان و الصّخرة البريئة.
هذه المرّة، سنقدر على سجن ذاكراتنا
في قفص رفقة الحيوانات الضارّة،

وسنكون أكثر صفاء من هذه اللّامبالاة
التي توقف الرّيح وسط حقل الشوفان.
هذه المرّة، سنبذل مجهودا من أجل أن نحبّ

من أجل أن نرضى، وأن نكون جددا أمام زرقة السماء
الذي يتألّم أو الأرض التي تموت، بالالتفاف
على حاجز حساباتنا الثرثارة، وأفكارنا السّامة.


لمحة على التاريخ.

هل كان الإسكندر العظيم يتناول حبوبا
مضادّة لألم المجد؟ هل كان كريستوف كولومبوس
يحمل معه في رحلاته عبر البحار المريبة
بوليصة التّأمين؟ و شارلمان

هل كان يجري مقابلات تلفزيونية؟
و هو على صهوة جواده، فوق جسر الأركول
هل كانت لبونبارت مهدئات لأعصابه الثائرة؟
وجيروم بوش و هو أمام حديقة الملذّات

هل كان يطلب مساعدة من حكومته؟
وأرثور رامبو، في جحيمه الحبشيّ
مهزوما بالغرغرينا و نوبات النثر،


هل كان يدفع ضريبة على خلاعته؟
ونحن الذين لم نعد نريد تحمّل أقلّ مخاطرة،
لعجزنا اسم هونعمة الحظوة.


الفضائل المستورة.

في هذا المساء، ما أكثر الحبّ العاطل.
المدينة بطنها يتوجّع، و الرجال المحبطون
لا يدرون هل عليهم أن يدخلوا السينما
كالولوج منتحبين إحليل امرأة. و النساء

يتساءلن لماذا يذبن دون توقّف
أسفل جسد مجهول تنبعث منه رائحة المستنقعات.
و الأعياد كلّها مبتلّة، الشوارع
صارت كلّها رخوة من شدّة البخل.العابرون

يجتثون ظلالهم، أترى من أجل أن يمكثوا
وحيدين رفقة قلقهم، الذي يشبه نحلة ما
تدخل من الأنف، و تخرج عبر الفم؟

فيما المدينة تستدير باصقة عظامها
على الرّوابي الجوفاء، و على النجوم الفارغة.
في هذا المساء، ما أكثر الموت العاطل.



حياة.

في العشرين كنت أرغب في تغييرالكون
دون أن تهمّني الوسيلة و لا الغاية.
في الخامسة والعشرين كنت منتصرا: الجرمان
راكعين أمامي، فرنسا تحرّرت

والنساء في سريري. في الثلاثين
كنت أنوي منح الشعب السعادة، كان لي قلب
أكبر من نهر فائض. في الأربعين، مثل كلب
بئيس يرجع عظما، كان على قصائدي

أن تجلب ليّ المجد. في الخمسين تكفيني
و بلا مداورة، متعة الرّفاق، الزوجة،
ترضيات الجسد، و شباشب الرّوح.

في الستين، سيكون لي صرير الأبواب،
كي ألفت إليّ انتباه الشباب
أنا الذي لم أعد سوى مصران وضيع.

ابتزاز.

إنّها دائما نفس الحكاية القديمة: الشاعر في شبابه
يرغب في تغيير الناس و العالم، وكلّ ما بحسبانه
يحدّ من عبقريته.
إنّها دائما نفس الحكاية القديمة: حين يصبح راشدا

يسرّ الشاعر في نفسه أنه الوحيد القادر
على حبّ الشعب، و منحه السعادة
بإرغامه على قراءة واحدة من قصائده.
إنّها دائما نفس الحكاية القديمة: قلّ الإعجاب

و الإصغاء إليه، آنذاك
ماداموا يقاطعونه، فسيجعل من نفسه شاعرا
غامضا يكتب إلى الأجيال القادمة.

إنّها دائما نفس الحكاية القديمة: يكتب عن الموت
معتقدا أنّها ستفهمه الأنهار، و الضفادع المذهولة
و المذنبات البعيدة.
إنّها دائما نفس الحكاية القديمة: قصيدته
ليست سوى ابتزاز.

معلوميات.

شفرات الحلاقة تقطع الكلمات إلى شطرين.
من أيّ فم نخرج؟ الكون
عبارة عن طائرة بوينغ ضائعة في ضباب الفجر.
إنّنا لا نحبّ شيئا في عصر المعلوميات.

يكفي أن نتوقّع الكواكب حبلى.
الغانيات لم تعد تمنح مواعيد
للشعراء الثرثارين. لمن يرغب في الفهم
سيتلقى ضربات في البطن.

الروح كلب غال جدّا: فلنرم إليه
بشطيرة سندويتش...
الحنين مختوم بالشمع الأحمر. نحن
من أجل مجد الشكّ نصوّر شريطا سينمائيا

أطول من ضجرنا، من ذا الذي
مثل بنك سيفرغ عيوننا التي بلا رصيد؟
وحتّى قمّة الجبل المقدّسة تتعاطى حبوب منع الحمل،
و لن تحبل أبدا.
ازهار الشر
https://on.soundcloud.com/GajwzgeiNp1Vv4NB8
من وجد العزاء ؟ من يعرف بحر ابو جريشة ؟
2024/09/21 12:52:58
Back to Top
HTML Embed Code: