Telegram Web Link
فقال: أما اللّواتي في الرياضة: فإيّاك أن تأكل ما لا تشتهيه؛ فإنّه يورث الحماقة والبُله، ولا تأكل إلا عند الجوع، وإذا أكلت فكُلْ حلالاً وسَمِّ الله، واذكر حديث الرسول (صلى الله عليه وآله): "ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرّاً من بطنه، فإن كان لا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"، أمَّا اللواتي في الحِلْم: فمن قال لك: إن قلت واحدة سمعت عشراً، فقل: إن قلتَ عشراً لم تسمع واحدة. ومن شتمك فقل: إنْ كنتَ صادقاً فيما تقول فاللهَ أسألُ أن يغفرها لي، وإن كنتَ كاذباً فيما تقول فاللهَ أسألُ أن يغفرها لك، ومن وعدك بالجفاء فعده بالنّصيحة والّدعاء. وأما اللّواتي في العلم: فاسأل العلماء ما جهلت، وإيّاك أن تسألهم تعنُّتاً وتجربةً، وإيَّاك أن تعمل برأيك شيئاً، وخُذْ بالاحتياط في جميع ما تجد إليه سبيلاً، واهرب من الفتيا هربك من الأسد ولا تجعل رقبتك للناس جسراً، قم عني يا أبا عبد الله فقد نصحتُ لك، ولا تفسد عليَّ وِرْدي؛ فإنِّي امرؤ ضنينٌ بنفسي، والسلام)(1).
ونقله العلّامة المجلسيّ في بحاره عن خطِّ الشيخ البهائيّ، عن خطّ الشهيد الأوّل، عن خطّ الشيخ أحمد الفراهانيّ مرسلاً عن عنوان البصريّ(2).

هذا فيما يتعلّق برواية الحديث، وأمّا بالنسبة إلى اعتباره، فالظّاهر أنّه يصعب تحصيل الوثوق بصدوره عن الإمام الصّادق (عليه السّلام)، بل بعض القرائن تورث بمجموعها الاطمئنان بعدم صدوره، وذلك لعدة جهات:
الجهة الأولى: أنّ الحديث مرسل، ولا نعرف له أصلاً معتبراً؛ حتّى أنّ الشيخ الطبرسيّ لم يحدّد الكتاب الذي نقل منه هذه القصّة.
الجهة الثانية: جهالة الشيخ أحمد الفراهانيّ الذي نقل الشهيد الأوّل عن خطّه، وقد بحثتُ عن ترجمته عند الخاصّة والعامّة فلم أعرفه، وجهالة الوسائط بين الفراهاني وعنوان البصريّ.
الجهة الثالثة: إهمال شخصيّة عنوان البصريّ، ولم نقف على ذكره في كتب الرّجال والتراجم والتاريخ، وقد ادُّعي في صدر الحديث أنّ عمره 94 عاماً، وأنّه كان يختلف إلى الفقيه العاميّ مالك بن أنس لسنين، ومع ذلك فهو غير مذكورٍ في أيّ من كتب الحديث والرجال والفقه.
الجهة الرّابعة: وجود عباراتٍ غير منسجمة مع لغة القرن الثاني الهجريّ، ومنها:
[1] وصف الإمام الصّادق (عليه السّلام) بـ«الشّريف» في أكثر من موضع، منها قوله: (فخرج خادم له فقال: ما حاجتك؟ فقلت: السّلام على الشريف)، وقوله في موضع آخر مخاطباً الصّادق (عليه السّلام): (ثم قال: ما مسألتك؟ فقلت: سألتُ الله أن يعطف قلبك عليَّ ويرزقني من علمك، وأرجو أن الله تعالى أجابني في الشّريف ما سألته)، وقوله في موضع آخر: (قلت: يا شريف. فقال: قل يا أبا عبد الله. قلت: يا أبا عبد الله، ما حقيقة العبودية؟).
والإشكال في ذلك: أنّ إطلاق لقب «الشريف» على الهاشميّ لم يُعرَف إلّا في أواسط القرن الثالث الهجريّ تقريباً، ولم يُعهد استعماله في القرنين الأوّلين. نعم؛ كان مستعملاً على نحو الوصف لا اللقب، حيث كان يُنعت به أجلّاء القبائل العربية فيقال في الوصف: (كان شريفاً في قومه)، ولم يكن لقباً خاصّاً بفئة معيّنة في صدر الإسلام إلى أواسط القرن الثالث الهجريّ.
[2] ما نُسب إلى الإمام الصّادق (عليه السلام) مخاطباً «عنوان البصريّ»: (أوصيك بتسعة أشياء فإنها وصيّتي لمريدي الطريق إلى الله تعالى)، وهذا التعبير أعني «مريدي الطريق» تعبير صوفيٌّ درج عليه متأخِّرو المتصوّفة بكثرة، ولا يُعرَفُ له أثرٌ في أخبار الشيّعة وكتبهم المعتبرة.
وقد نقل السيّد محسن الأمين عن السيّد محمد بن محمّد بن الحسن الحسينيّ العامليّ العيناثيّ أنّه قال في كتابه (الاثنا عشريّة في المواعظ العدديّة) أنّ هذا الحديث من روايات أهل السنّة(3)، وهو كذلك على الظّاهر، حتى أنّ الحديث المنسوب إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) في طيّات حديث عنوان البصريّ: (ما ملأ آدميّ وعاءً شرّاً من بطنه) من الأحاديث المرويّة في العديد من المصادر المتقدّمة عند أهل الحديث، وليس له ذِكرٌ في كتب الإمامية المعتبرة.
والحاصل مما تقدّم: أنّ الحديث يعاني من علل تؤيّد استبعاد صدوره، والمظنون بقوّة أنّه من أحاديث المتصوّفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، ص562-565، رقم الحديث 1913.
(2) بحار الأنوار، ج1، ص224-226.
(3) أعيان الشيعة، ج1، ص675.
📝رأي السيّد الخوئيّ في دعاء «اللهم إنّي أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك»

قال في ترجمة أحد رواته: (روى توقيعاً عن أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد، وروى عنه ابن عيّاش، ذكره الشيخ في مصباح المتهجد في أعمال شهر رجب، أقول: هو مجهول الحال، وابنُ عياش ضعيف، وتقدّم بعنوان أحمد بن محمد بن عبيد الله، ومضمون التوقيع الذي أوله: «اللهمّ إنّي أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك»، غريب عن أذهان المُتشرّعة وغير قابل للإذعان بصدوره عن المعصوم -عليه السّلام-).

📚معجم رجال الحديث، ج8، ص87.
تاريخ الأديان والمذاهب حافلٌ بالتّجارب المليئة بالعِظات والعِبَر، ولذلك هو جدير بالمطالعة والتأمّل. من الأمور الملفتة للنظر في هذا المجال: مساهمة الأساليب المبتكرة في قراءة النصّ الدينيّ في تفريخ المذاهب والتيّارات الدينيّة باستمرار.
إذا لاحظنا النصوص الدينيّة في بدايتها فإنّها تكون محافظةً على طبيعتها وبساطتها بدون تكلّف. وفي مراحل لاحقة؛ يحلو لبعض الأشخاص إضافة لمسات بشريّة على حقيقة النصّ الدينيّ فتبدأ مرحلة الإضافات وتبقى مستمرةً حتى تصل إلى حدّ التورّم، وفي المرحلة التي لا يعود الجزء المضاف فيها قادراً على الانسجام مع سائر الأجزاء الأخرى يستقلّ بنفسه ويصبح مذهباً -موازياً للأصل في تركيبته-.
بالنسبة للمذهب الشيعيّ، كان هناك تجربتان، قديمة ومتأخرة، التجربة الأولى كانت للغلاة، الذين كانوا يعملون على تفسير أحاديث الأئمّة - ولو كانت في باب الطّهارة - بحملها على معانٍ أخرى، إلى أن تشكّلَ منهج يُفقد النصوص الدينيّة طبيعتها الأصليّة وتغيّر هويّة الدين بأكمله، ولذلك حارب أهل البيت عليهم السلام هذا المنهج بشدّة، فانفصل أولئك عن مسار التشيّع، وأصبحوا حالةً شاذّة تمتهن تحريف روايات أهل البيت عليهم السلام وتفسيرها بشكل آخر مغاير للعُرف وطبيعة اللغة ويتجاهل ظروف صدور النصّ.
وأمّا التجربة المتأخّرة، فهي تجربة مدرسة الشيخ أحمد زين الدين الأحسائيّ، فمن يلاحظ طبيعة النصوص الدينيّة وفق أفقها اللّغويّ والعرفيّ وبين المعاني التي حملوها على هذه الرّوايات يجد بوناً شاسعاً، فالمنهج الذي يُدمِنُ طريقةً مخالفة للنهج العرفيّ في تفسير النصوص لديه قابليّة لأمرين:
1. اختراع معانٍ جديدة يتم إسقاطها على الأحاديث، وبذلك تُحرف عن مسارها.
2. إخراج كافّة النصوص الدينيّة من سياقاتها العرفيّة لتنصبّ في أفقٍ واحدٍ يدمن عليه أتباع هذه المدرسة.
ومن لطائف الأمثلة للأمر الثّاني، أنّي قرأتُ فيما سبق رسالةً لـ"محمد كريم خان بن إبراهيم الكرمانيّ" حول حديث "نزل القرآن على سبعة أحرفٍ"، والحديث -كما هو واضح- في حقل علوم القرآن، ورسالة ذلك الرّجل من أوّلها إلى آخرها لا علاقة لها بعلوم القرآن، وإنّما بقي مُحلّقاً في فضائه الذي يُحبّ: ملكوت، جبروت، العالم العلوي، ملائكة، أسرار، فيض، قوس صعود، تجلّي، ..إلخ!
وهذه الحالة لا زالت موجودةً في أوساطنا العلميّة، وقد بدأت بمحاكاة أسلوب تلك الجماعات، فنجدُ من يأخذ (10%) من الروايات، ثم يؤلّف بقيّة السيناريو (90%) من كيسه، كذا صار للكعبة، وكذا فعل النبيّ، وكذا فعل الإمام المهديّ، ..إلخ! فمن قال لك ذلك؟ وهل كنت مع الإمام المهديّ مثلاً؟!
وعلى أيّ حال، هذه ثمرة ذلك المنهج: يدّعي أموراً لا تنطق بها ألفاظ الروايات، ولا يستطيع استخراجها أمهر العارفين باللغة العربيّة، ثم يدّعي أنّ ذلك مدلول أحاديث أهل البيت عليهم السّلام!

نسأل الله أن لا يجعلنا من المخترعين في دينه.
صحيفة الزّهد المرويّة بإسنادٍ صحيحٍ عن سيّد السّاجدين وزين العابدين عليّ بن الحسين -صلوات الله عليه- هي درسُ أخلاقٍ من عينٍ صافيةٍ، فرحم الله من اعتبر واتّعظ بمواعظهم وكلامهم، وذبّ عن نفسه فضول الكلام، وأخذ بصفوة القول من الهداة المهديّين -صلوات الله عليهم أجمعين-.
عن أبي الحسن موسى بن جعفرٍ عليهما السلام أنَّهُ قال لبعض ولدِه: "يا بُنَيَّ، إيَّاك أنْ يراكَ اللهُ عزَّ وجلَّ في معصيةٍ نَهَاكَ عنها، وإيَّاكَ أنْ يَفْقِدَكَ اللهُ تعالى عندَ طاعةٍ أَمَرَكَ بِها، وعليكَ بالجِدِّ، ولا تُخْرِجَنَّ نَفْسَكَ من التَّقْصِيرِ في عبادةِ اللهِ؛ فَإِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لا يُعبَدُ حَقَّ عبادتِه، وإيَّاكَ والمِزَاحَ فَإِنَّه يَذْهَبُ بِنُورِ إيمانِكَ وَيَسْتَخِفُّ بِمُرُوءَتِكَ، وإيَّاكَ والكَسَلَ والضَّجَرَ فإنَّهُما يَمْنَعانِ حَظَّكَ من الدُّنيا والآخرة".

📚 من لا يحضره الفقيه للصدوق ج٤ ص٤٠٨-٤٠٩، باب النوادر، رقم الحديث ١٢٤.
في ذكرى المبعث النبويّ الشريف، ينبغي أن نستذكر أنّ أهمّ عامل في نجاح الدّعوة الإسلامية خلال فترة قصيرة في جزيرة العرب أنّ القائم على هذه الدعوة لم يكن يعترف بحقوق الإنسان "بنمطها الغربيّ" ولا كان يقرّ القبول بالرأي الآخر مطلقاً، وإنّما كان همّه الأول الذي لا يحابي فيه هو "إنقاذ المجتمع البشريّ من الشّرك وعبادة الأصنام من دون الله".
مرّت قرون طويلة واستحال المسلمون إلى أبواق انهزاميّة تحترم عبادة الأصنام ولا تجرؤ بكلمةٍ على تقبيح ذلك في أيّ خطابٍ. لو كنّا نعرف قيمة التوحيد حقّاً، وكنا على يقينٍ بقبح عبادة الأصنام والشّرك لتغيّر الخطاب الإسلاميّ المائع الذي يهوّن من هذه البلايا، ولكن ماذا تفعل مع بليّة عظيمة حينما ترى موحّداً يشعر بالخزي أمام شعوبٍ بأكملها تعبد الأصنام وتشرك بالله، إلّا أنّها تصنع الآيفون!
لو كان رسول الله -صلى الله عليه وآله- قد عَمِلَ بالمداهنة كما يفعل "أتباعه" اليوم لعُبِدَ اللات والعزّى في جوف الكعبة -والعياذ بالله- من باب احترام التعددية الدينية، ولكنه لم يكن تأخذه في الله لومة لائم، وبذلك علت كلمة التوحيد رغم كره المشركين، وقد صدق أمير المؤمنين (عليه السّلام): "لا يُقيم أمر الله سبحانه إلّا من لا يُصانِع ولا يُضارِع ولا يتّبع المطامع"، وبذلك تعلم أنّ كل من يداهن في أمرٍ من أحكام الإسلام فإنّه لن يقيم أمر الله، بل سيبقى مغموراً في ذلّ الخوف والتبرير للمتأثرين بالثقافات الأخرى.


#فاستقم_كما_أمرت
«الدعاء الجامع» المرويّ بسندٍ صحيحٍ عن الإمام محمّد بن عليّ الباقر -صلوات الله عليه-، وهو من أجلِّ الأدعية وأعظمها، وممّا ينبغي تعاهده والاهتمام به وتقديمه على غيره مما لم يُنقَل عن الكتب المعتبرة.

https://www.tg-me.com/mesbah_qom/556

..
#روضة_المؤمن
2025/03/12 11:56:01
Back to Top
HTML Embed Code: