Telegram Web Link
وقد رُوي عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام): «يَا هَذَا، لَا تُجاهِدِ الطَّلَبَ جِهَادَ العَدُوِّ، ولا تَتَّكِلْ على القَدَرِ اتِّـكالَ المسْتَسلِمِ؛ فإِنَّ ابْتِغاءَ الفَضْلِ مِنَ السُّنَّـةِ، والإِجْمَالَ في الطَّلَبِ مِنَ العِفَّةِ، ولَيْسَتِ العِفَّةُ بدَافِعَةٍ رِزْقاً، ولا الحِرْصُ بجَالِبٍ فَضْلاً، فإنَّ الرِّزْقَ مَقْسُومٌ، واستِعمالَ الحِرصِ استِعمالُ المآثمِ‏».

الأمر الرّابع:
أنّ الدّعاء من أهمّ الأمور المؤثّرة في زيادة الرّزق، وكثيرٌ منّا يشكو ضيق الحال وهو غافل عن كنوز الأدعية العظيمة في باب الرّزق، ومع ذلك فإنّه لا يُكتفى به بحيث يكون موجباً لترك الطّلب والعمل، فقد ورد النّهي عن ترك الطلب، ومن ذلك ما رواه الكليني بإسناده عن أسباط بن سالم، قال: دَخَلْتُ عَلى‏ أَبِي عَبْدِ الله عَلَيْهِ السَّلَامُ، فسَألَنَا عَنْ عُمَرَ بنِ مُسْلِمٍ: «مَا فَعَلَ؟» فَقُلْتُ‏: صَالِحٌ، ولكِنَّهُ قَدْ تَرَكَ التِّجَارَةَ. فقَالَ أبُو عَبْدِ الله عَلَيْهِ السَّلَامُ: «عَمَلُ‏ الشَّيْطَانِ‏- ثَلَاثاً- أمَا عَلِمَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه اشْتَرى‏ عِيْراً أتَتْ مِنَ الشَّامِ، فاسْتَفْضَلَ فِيهَا مَا قَضى‏ دَيْنَهُ وقَسَمَ فِي قَرَابَتِهِ؟ يَقُولُ اللهُ‏ عَزَّ وجَلَّ: «رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ» إِلى‏ آخِرِ الآيَةِ، يَقُولُ القُصَّاصُ: (إنَّ القَوْمَ لَمْ يَكُونُوا يَتَّجِرُونَ). كَذَبُوا، ولكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَدَعُونَ الصَّلَاةَ فِي مِيقَاتِهَا، وهُوَ أفْضَلُ مِمَّنْ حَضَرَ الصَّلَاةَ ولَمْ يَتَّجِرْ».
كما ورد الحثّ على التعرّض للرزق، ومنه ما جاء في رواية الكليني عن أبي عمارة الطيّار، قال: قُلْتُ لأبِي عَبْدِ الله عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنَّهُ‏ قَدْ ذَهَبَ مَالِي، وتَفَرَّقَ مَا فِي يَدِي وعِيَالِي كَثِيرٌ. فقَالَ لَهُ أبُو عَبْدِ الله عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إذَا قَدِمْتَ الكُوفَةَ فافتَحْ بَابَ‏ حَانُوتِكَ‏، وابْسُطْ بِسَاطَكَ، وَضَعْ مِيزَانَكَ، وتَعَرَّضْ لرِزْقِ رَبِّكَ ..إلخ‏».
والحاصل: إنّ الدّعاء مؤثّر، والطّلب -في إجمالٍ- مؤثّر، ولا ينبغي الاقتصار على أحدهما إلى درجة إلغاء الآخر، ولكلّ أثره ومقداره في زيادة الرزق، وأمّا المغالاة في أحدهما على حساب سائر الأمور فلا يُجدي نفعاً، وهو من العمل على غير فقهٍ.
عظمة كربلاء وجمالها

سرّ العظمة والجمال في واقعة كربلاء كامنٌ في الاستضعاف لا القوّة الظاهريّة. جمال هذه الملحمة الإلهيّة ليس منوطاً بكثرة العدد، ولا بعدد القتلى في معسكر أهل الضلال، وإنّما جمالُها في الاستضعاف. ماذا يعني ذلك؟ لنقرّب الصورة بمثال: عندما تقارن بين غنيّ يتصدّق بعشرة دراهم، وفقيرٍ يتصدّق بخمسة دراهم، أي الفعلين أكثر وقعاً في النّفس؟ بلا شكّ صدقة الفقير أكثر وقعاً في النفس؛ لأنّه قدّم كثيراً مما يملك في أوج فقره وضعفه، هنا تظهر قيمة التضحية والفداء والإيثار والتجافي عن دار الغرور. وهكذا كانت كربلاء. عطاءٌ في أوج الفقر والاستضعاف.
بل إنّ قيمة كل تضحية تتضاعف كثيراً بسبب حالة الاستضعاف هذه، فخذ على سبيل المثال توبة الحرّ بن يزيد الرياحي، فلو كان عدد أنصار الحسين مائة ألف لن يكون لتوبته ذلك الجمال والعظمة كما هو الحال في توبته وعدد أنصاره أقلّ من مائة؛ لأنّ في الفرض الأوّل احتمال نجاته من القتل كبيرٌ جداً، فقد ينجو من الموت لكثرة الناصر، وبذلك يكون قد كسب توبةً في ظرف أقرب إلى الأمان، ولكنّ حالة الاستضعاف أعطت توبته رونقاً جمالياً وعظمةً لا نظير لها في التاريخ، لماذا؟ لأنّها توبةٌ قد ضُمن الموت معها ولا نجاة فيها، وهي توبة أصدق وأرسخ، إذ إنها تتضمن الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة، وهذا يكشف عن لوازم عظيمة كرسوخ الإيمان واليقين بصدق النبوّة والقرآن، فأيّ التوبتين أجلّ قدراً؟!
وهكذا يبدو لي جمال كربلاء وعظمتها: إنّ هؤلاء الأبرار -صلوات الله عليهم- في أوج استضعافهم وقلّة الناصر وكثرة الخذلان قدّموا كلّ ما لديهم لأجل الله ورفع راية الإسلام وإعلاء كلمة التوحيد. فهذه العظمة لم تكتسب من عدد قتلى الجيش الآخر، فهم ليسوا بحاجة إلى ذلك لنعرف شجاعتهم وإقدامهم، بل إنّ شجاعتهم ظهرت بوضوح عندما رسخت الأقدام في نصرة سبط النبيّ صلى الله عليه وآله مع اليقين بالموت. هنا تظهر ثمرة الإيمان واليقين والشجاعة والبطولة التي لا نظير لها في التّاريخ!
من يدقّق في حديث أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) حول واقعة كربلاء يجدُ أنّ الأئمة -صلوات الله عليهم- في حديثهم عن المعركة قد ركّزوا -عادةً- على ما يتعلّق بذكر مصائب الحسين وآله عليهم السلام، فبعضها تتحدث عن حرق الخيام وسلبها، وعدد الطعنات وضربات السيوف والرماح، وذبح الحسين، وعطشه، وما تلقّاه من العناء والجهد، وهذا الأمر ليس اعتباطياً، وإنما كانوا يريدون إفهامنا أنّ الحسين وأهل بيته وأصحابه -صلوات الله عليهم- في أوج فقرهم وحاجتهم وضعفهم وقلّة ناصرهم وكثرة خاذلهم لم يبخلوا لأجل هذا الدين بمقدار ذرّة، فلقد ضحّوا في سبيل بقاء الإسلام بأموالهم وأنفسهم، وبذلوا الرؤوس والأيدي والأشلاء المقطّعة.. وقدّموا الخيمة والرضيع والمرأة والشاب والشيخ وكلّ ما كان لديهم ليُفنى في سبيل الحقّ.
هذا هو جمال كربلاء. أن تقدّم كل ما لديك رغم فقرك واستضعافك وقلّة حيلتك، فتجود بمالك ونفسك وأعزّ ما تملك من الأهل والولد.
"فالقرآن آمرٌ وزاجرٌ، وصامتٌ ناطقٌ، حجة الله على خلقه، أخذ عليهم ميثاقه، وارتهن عليه أنفسهم، أتمّ به نوره، وأكرم به دينه، وقبض نبيّه - صلى الله عليه وآله - وقد فرغ إلى الخلق من أحكام الهدى به، فعظّموا منه سبحانه ما عظّم من نفسه؛ فإنّه لم يُخفِ عنكم سبباً من دينه، ولم يترك شيئاً رضيه أو كرهه إلا وجعل له عَلَماً بادياً وآية محكمةً تزجر عنه أو تدعو إليه، فرضاه فيما بقي واحد، وسخطه فيما بقي واحد".

📚 أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
نهج البلاغة، ص٤١٠، رقم الخطبة ١٨٣.
أحد أسباب جفاء الأمّة لسيّد الشهداء (عليه السلام) هو غيابُها عن حقائق القرآن، ولذلك أصابتها أمراضٌ عظيمةٌ في الجانب المعرفيّ والأخلاقيّ، فكان الخذلان الأكبر في كربلاء، ومن هنا أدركَ أهل البصائر ضرورة إعادة الأمّة وتذكيرها بأهميّة القرآن ودوره في تصحيح المفاهيم وتقويم الانحراف.

"مَا مَضَتْ عَلَيَّ لَيْلَتَانِ مُنْذُ قُتِلَ الحُسَيْنُ إلّا أَقْرَأُ فِيْهِمَا القُرْآنَ، إلّا مَرِيْضاً أَوْ مُسَافِراً".
العالم الجليل، التابعيّ الشهيد، شيخ القرّاء سعيد بن جبير - رحمه الله -
إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
أوجع القلوب خبرُ رحيل العالِم الفقيه سماحة السيّد محمّد سعيد الحكيم، وبموته ثلم الإسلام ثلمة لا يسدها شيء.
نسأل الله أن يلحقه بالصالحين، ويحشره مع أئمة الهدى صلوات الله عليهم أجمعين.

الفاتحة لروحه الطيّبة.
إنّا لله وإنّا إليه راجعون
انتقل إلى رحمة الله الأستاذ المحقق محسن بيدارفر، أحد تلامذة الميرزا حسن المصطفويّ -وهو خاله-، والشيخ حسن زاده آملي، والشيخ جوادي آملي.
من تعامل مع هذا الرّجل -ولو بمقدارٍ يسيرٍ- علم ما ينطوي عليه من الخلق الرفيع والأدب الجمّ.
لقد ظهرت آثار العلم الحقيقيّ فيه، فلقد كان زاهداً خلوقاً متواضعاً في كل مظاهر حياته، ليس فيه سيماء المغترّين بأنفسهم، ولا سلوك المستأكلين بعلمهم. نسأل الله تبارك وتعالى أن يحشره مع أئمة الهدى ويلحقه بالصّالحين.

السبت، 4 صفر 1443هـ
قيمة العالِم في جوهره لا مظهره

من الأمور المعروفة عن الأستاذ المحقّق محسن بيدارفر أنّه لم يكن متكلّفاً في اللّباس، بل كان بسيطاً في لباسه، حتّى أنّ من يراه يخاله من عامّة الخلق وليس أستاذاً محقّقاً بارعاً في تخصّصه، ومن القضايا التي اتّفقت له بسبب بساطة معيشته أنّ أحد كتبه المحقّقة فاز بجائزة الكتاب السنويّ في إيران، فدُعي إلى حفل التكريم، ولمّا وصل إلى محلّ الاحتفال وأراد الدخول منعه الحرّاس، فقال لهم: أنا مدعوّ إلى الحفل. فلم يصدّقوه، فقفل راجعاً، وفي تلك اللحظة اتّفق دخول جماعة من الطلاب القميّين الذين يعرفونه فالتفّوا حوله وسلّموا عليه وسألوه عن سبب رجوعه، فقال لهم: قالوا لي ارجع فرجعت. فذهب الطلاب إلى حراس المبنى وعرّفوهم به، فسُمح له بالدّخول.
لقد كان التواضع والبساطة في الظّاهر والباطن سمةً من سماته، لم يتكلّفها، بل كانت فيه سجيّة وطبعاً، ولذلك لم يبحث عن لقبٍ، ولم ينازِع على مالٍ، ولا عُرِف طيلة عمره بالركض خلف الشّأنية والتبجيل.
كان مصداقاً لقول الإمام الصّادق (عليه السّلام) في وصف شيعة عليّ (عليه السلام): "إذا شهدوا لم يُعرَفوا، وإذا غابوا لم يُفتَقدوا، وإن مرضوا لم يُعادُوا".
افتقدنا اليوم رجلاً يعدّ مثالاً حيّاً على إمكانيّة التخلّق بأخلاق آل محمّد وسيرتهم في التواضع والزّهد، وهو نعم القدوة لطلبة العلم، أسأل الله أن يعلي في الجنّة درجاته بحقّ محمد وآل محمد صلوات الله عليهم.
إنا لله وإنا إليه راجعون، انتقل إلى رحمة الله تعالى شقيقي الحبيب محمد (أبو علي).
برجاء إهداء الصدقة وثواب القرآن لروحه الطيبة.
رُوي عن الإمام الصّادق (عليه السّلام): "مَنِ اسْتَوى يَوْمَاهُ فهُوَ مَغْبُونٌ، ومَنْ كَانَ آخِرُ يَوْمَيهِ خَيْرَهُمَا فهُوَ مغْبُوطٌ، ومَنْ كَانَ آخِرُ يَوْمَيهِ شَرَّهُمَا فهُوَ مَلْعُونٌ، ومَنْ لَمْ يرَ الزِّيَادَةَ فِي نَفْسِه فهُوَ إلى النُّقْصَانِ، ومَنْ كَانَ إلى النُّقْصَانِ فالمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الحَيَاةِ".
ينبغي لكل عاقلٍ أن يحاسب نفسه وينظر فيم ينفق وقته، وكيف يصنع بعمره. المُلهيات التي تمحق الوقت كثيرة، وقد تكون أحياناً متستّرة بلباس الدّين، فيُخدع المرء حينئذٍ ويضيّع عمره فيما لا نفع فيه. لتستثمر عمرك فيما لا يضيع، ابذل وقتك ما استطعتَ في الارتباط بالله تبارك وتعالى، كن دائماً على صلةٍ بالقرآن الكريم وحديث أهل البيت (عليهم السّلام) تلاوةً وتدبّراً وعملاً.
تحريف الشّريعة الإسلاميّة || النّهي عن متعة الحجّ.

من الأبحاث المهمّة في دراسة التاريخ الإسلاميّ ونشوء المذاهب والاتجاهات العقائديّة والفقهيّة بحثُ تحريف التشريعات الإسلاميّة على يد الخلفاء الأوائل، حيث بدأت عملية التحريف والتغيير بعد وفاة النبيّ الأكرم -صلى الله عليه وآله- مباشرةً، ومن نماذج هذه التحريفات، إصرار الخلفاء الثلاثة على منع متعة الحجّ مع ثبوتها في شريعة الإسلام بنصّ النبي -صلى الله عليه وآله-.

1. نهي أبي بكر وعمر عن متعة الحجّ.
2. نهي عمر بن الخطاب عن متعة الحجّ.
3. نهي عثمان بن عفّان عن متعة الحجّ.
"هذا ما أمر به عبد الله عليّ أمير المؤمنين مالكَ بن الحارث الأشتر في عهده إليه... أمره بتقوى الله وإيثار طاعته، واتّباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحدٌ إلّا باتّباعها، ولا يشقى إلّا مع جحودها وإضاعتها".

📚 نهج البلاغة، ص٦٤١.
الفرق الأساسيّ بين التشريع الإسلاميّ والتنظيرات النسويّة - في الغرب أو الشرق - أن الإسلام في مقام التشريع انطلق من نظرته إلى الفروق بين الرجل والمرأة على المستوى البدني والنفسي والروحي، وبناءً عليها حدّد لها الحقوق والواجبات، أمّا ما نراه من النسويّات من شعارات وتنظيرات فهو - عادةً - منطلق من مبدأ ردّة الفعل والمناكفة وإرادة المساواة في كل شيء بداعي تحقيق القهر والغلبة؛ ظنّاً منهم أن هذا يعيد للمرأة قوتها وحضورها واستقلاليتها.
ولذا: شتّان بين من ينطلق من الرؤية الواعية المدركة لطبيعة المرأة، وبين مهووس يعيش عقدة الانتقام والعصبية.
الحل الأمثل لتعريف هؤلاء بمدى اشتباههم، أن تُسحب مُنظّرات النسويّة من مكاتب التنظير المبرّدة بالتكييف والرفاه إلى العمل في الزراعة والبناء والمنشآت النفطية والمناجم؛ لكي يدركوا حقيقة الفروق التي راعاها الإسلام في تشريعاته. وإلزاماً لهنّ يُقال: المساواة يجب أن تكون في الواجبات أيضاً، وليس في الإرث وسائر الحقوق فقط.
تسير الأبحاث الرّجالية في تقييم الرّجال وتحديد مذاهبهم ومدى وثاقتهم في مسارها الطبيعيّ بالشكل المعتاد حتّى يتعلّق الأمرُ بما يشوبه الهوى والعاطفة، فتنقلبُ القضيّة من بحث علميّ إلى نزاع تحكمه العاطفة والعصبيّة في آن واحد، ويفقدُ أناسٌ في ذلك ورعهم وتقواهم.
تغريب المفاهيم الإسلاميّة

يكاد يكونُ مفهوم «العيد» في المجتمع الإسلامي مصطبغاً بالنّظرة الغربيّة له، فقد أصبح يوماً استثنائياً في اللّهو الدنيويّ، والتنوّق في الأطعمة والأشربة، والاعتناء بالمظاهر من الزّينة وغيرها، في حين أنّه بمفهومه الشّرعيّ بعيدٌ كلّ البعد عن الزخارف الماديّة واللهوّ المتضمّن للخِفّة والنّزق وسائر منافيات آداب الشريعة الإسلاميّة.
فالعيد ليس محفلاً ماديّاً لكل إنسان، بل هو يوم شكرٍ لأهل الطّاعة، ولكنّه تحول إلى «احتفال» يُسرّ فيه المطيع والعاصي. وفي ذلك يُروى عن أمير المؤمنين (عليه السّلام): «إنّما هو عيدٌ لمن قبل اللهُ صيامَه وشكر قيامَه، وكلُّ يومٍ لا يُعصى الله فيه فهو عيدٌ»، انظر: نهج البلاغة، ص٨٠١، المنتزع من حِكم أمير المؤمنين (ع)، ح٤١٢.
ورُوي أنّ الإمام الحسن (عليه السّلام) نظر إلى أناسٍ يلعبون ويضحكون في يوم عيد الفطر فقال: «إنّ الله عز وجلّ جعل شهر رمضان مِضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى رضوانه، فسبق فيه قومٌ ففازوا، وتخلَّف آخرون فخابوا، فالعجب كلّ العجب من الضّاحك اللّاعب في اليوم الذي يُثَاب فيه المحسنون ويخيب فيه المُقصِّرون، وايم الله لو كُشِفَ الغطاء لشُغِلَ محسنٌ بإحسانه ومسيء بإساءته»، انظر: من لا يحضره الفقيه، ج١، ص٥١١، ح١٤٨١.
فيوم العيد أقرب إلى كونه يوماً من أيّام المراقبة والشّكر ورجاء القبول والخوف من الردّ وفوات الأجر، وإذا أراد المؤمن إدخال السّرور على أهله وإخوانه فإنّ ذلك يكون بالتوسعة عليهم وصلة الرّحم وإبراز المودّة، وأمّا المغالاة في المظاهر الماديّة وضمّ بعض المنافيات للآداب الشرعيّة فهو بعيدٌ عن المطلوب شرعاً.
هذا كلّه فيما يتعلّق بما عُنوِنَ في نصوص الشّريعة بعنوان «العيد»، والأمر نفسه يجري فيما يندرج تحت عنوان «إحياء الأمر» من احتفالات في المواليد، من الاهتمام بالشّكل، واستعمال الموسيقى التي لا تخلو من شبهة، وتغييب العِبرة والموعظة والمذاكرة ومحاسبة النّفس بميزان النبوّة.
والحقّ أنه ينبغي أن يكون يوم ولادة الرّسول الكريم (صلّى الله عليه وآله) موعداً لمحاسبة أنفسنا على مدى بُعدنا عن سُننه الغائبة في أوساطنا، ومخالفتنا لآدابه في نظام حياتنا من أبسط الأمور إلى أعقدها، وقلّة التسليم والاتّباع للأحكام والسّنن الإلهية التي جاهد لإبلاغها. ربّما ينبغي أن نبكي على أنفسنا كثيراً لقلّة الزاد ووفور الغفلة وبُعد الطريق وكثرة التقصير، وبدلاً من المغالاة في بذخ المادّة فلينشغل محسنٌ بإحسانه ومسيءٌ بإساءته.
"هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ".

تعيش بعض المجتمعات الإسلاميّة في الوقت الحاضر حالةً من التّصادم بين فئاتها حول مدى نفوذ أحكام الشريعة الإسلاميّة وآدابها في حياة الإنسان. بشكل أساسيّ، الجدل حالياً يدور في البحرين والعراق ولبنان في ملفّات متعددة كأحكام الأسرة والغناء وحريّة السّفور الفاضح بل والمثليّة أيضاً، وهناك فئة تصرّ على علمنة المجتمع وتغريبه وقطع صِلته مع الإسلام على مستوى الأحكام والثقافة والسّلوك. بناءً على ذلك: ما يجري ليس مجرّد أحداث اتّفق وقوعها، وإنّما هي أجزاءٌ من مخطّط الغزو الثقافيّ للمنطقة؛ لإضعاف حركة التديّن التي تعتبر الرّافد الأساسيّ حالياً لرفض التطبيع ووجود الكيان الصهيونيّ.
ولأجل ذلك: فإنّ المواضيع الجدليّة التي ينازع فيها الطرف الآخر أصبحت ميادين جهادٍ ودفاعٍ عن الإسلام، لا يحقّ لأحدٍ التنازل عنها، فقد حان الوقت لتمايز الصّفوف، إذ لم تعد أنصاف المواقف كافيةً.
وليعلم الشّباب المسلم أنّ كل عملٍ يعزّز حضور الإسلام في حياة الأطفال والجيل اليافع هو جهادٌ في سبيل الله وصدٌّ لغزو المشركين عن ديار المسلمين، فترويج مجالس القرآن وتلاوة حديث أهل البيت (عليهم السّلام) ودروس الأخلاق أصبح أمراً ضرورياً، وكل خطوةٍ في هذا الاتجاه هي ضربةٌ في قلب الكيان الصهيوني ورُعاته من دول الاستعمار.

المواقف البرزخيّة لم تعد نافعةً، كُن جنديّاً على ثغور الإسلام.
من آداب أهل العلم

«يجبُ على من عَلِمَ منهم بنوعٍ من العلم وضرب من الكمال‏ أن يُرشد رفقته ويُرغِّبهم في الاجتماع والتّذاكر والتّحصيل ويُهوِّن عليهم مؤونته، ويذكر لهم ما استفاده من الفوائد والقواعد والغرائب على جهة النّصيحة والمُذاكرة؛ فبإرشادهم يباركُ الله له في علمه ويستنير قلبه وتتأكّد المسائل عنده مع ما فيه من جزيل ثواب الله تعالى وجميل نظره وعطفه، ومَنْ بخل عليهم بشي‏ء من ذلك كان بضدِّ ما ذُكِرَ، ولم يثبت علمه، وإن ثبتَ لم يثمر ولم يبارك اللهُ له فيه، وقد جُرِّبَ‏ ذلك لجماعةٍ من السَّلف والخَلَف».

الشهيد الثّاني زين الدين بن عليّ العامليّ.
📚موسوعة الشهيد الثاني: (كتاب منية المريد)، ج١، ص١٨٣-١٨٤.
"قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه محمد بن الحنفية: واعلم أنّ مروءة المرء المسلم مروءتان: مروءة في حضرٍ، ومروءة في سفرٍ، فأمّا مروءة الحضر فقراءة القرآن، ومجالسة العلماء، والنّظر في الفقه، والمحافظة على الصلاة في الجماعات، وأما مروءة السفر فبذل الزّاد، وقلّة الخلاف على من صحبك، وكثرة ذكر الله عزّ وجلّ في كل مصعد ومهبط ونزول وقيام وقعود".

الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.
📚 الخصال، ج١، ص٥٤، باب الاثنين، ح٧١.
2025/07/07 05:13:04
Back to Top
HTML Embed Code: