ولنبلونّكم.. (3)
قُرن في كثيرٌ من الآيات القرآنيّة بين الإيمان والبلاء، وأنّ المؤمنَ لا يمكنه أن يجتاز المراحل الأولى إلى ما بعدها إلّا وقد وقع في الفتنة والتمحيص، ليُعلم مدى استحكام إيمانه، وليُغربل مجتمع الإيمان، وتبرز صفوته، ويزول كدره.
وفي ذلك يخاطبُ الحقّ تعالى عبادَه المؤمنين: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ..)، وقال: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ).
ومن نماذج الفتنة الإلهيّة لتمحيص مجتمع الإيمان وغربلته ما حصل لقوم نبي الله موسى (عليه السلام)، حيثُ ادّعى بنو إسرائيل الإيمان، ثم لم يلبثوا قليلاً إلا وقد ضربتهم الفتنة فأسقطت كثيراً منهم، (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ)، ثم في مرحلة لاحقة وقع الافتتان مرةً أخرى، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ).
إذن: فالمجتمع المؤمن عرضةٌ للابتلاء والتمحيص والافتتان والتمييز، وهذا لا يختصّ بالأقوام السابقة، بل هو شاملٌ لكل المجتمعات المؤمنة على مرّ العصور: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)، بما يشمل كلّ نفسٍ وجماعةٍ..
والآيات القرآنيّة زاخرةٌ بهذه التفاصيل العظيمة، والمقام لا يتّسع لها جميعاً، فليُعتنى بها تلاوةً وتدبّراً.
وأمّا الوارد في أخبار الأئمّة (عليهم السلام)، فهو صريحٌ في الربط بين الإيمان والابتلاء، ومنها ما روي عن:
1. أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن البلاء أسرع إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي).
2. الإمام الصادق (عليه السلام): (الجوع والخوف أسرع إلى شيعتنا من ركض البراذين).
3. الإمام الكاظم (عليه السلام): (المؤمن مثل كفتي الميزان، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه).
وبناءً على هذا: فليس لمن يدّعي الإيمان أن يستنكر ورود البلاء عليه، بل يجب الاستعداد لذلك على المستوى النفسي والقلبي، وكذلك على المستوى الماديّ وذلك بالتكافل والتعاضد بين المؤمنين، وليعدّ كل ما يقدّره الله خيراً له ولأهله، ويدعو الله تبارك وتعالى أن يشدّ أزره في هذه الفتنة ليخرج منها سالم الإيمان، معافى من الضلال، مأجوراً مثاباً، وسيأتي الكلام مفصلاً عن الثواب وأجر الصبر على الفتنة والبلاء، ..
قُرن في كثيرٌ من الآيات القرآنيّة بين الإيمان والبلاء، وأنّ المؤمنَ لا يمكنه أن يجتاز المراحل الأولى إلى ما بعدها إلّا وقد وقع في الفتنة والتمحيص، ليُعلم مدى استحكام إيمانه، وليُغربل مجتمع الإيمان، وتبرز صفوته، ويزول كدره.
وفي ذلك يخاطبُ الحقّ تعالى عبادَه المؤمنين: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ..)، وقال: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ).
ومن نماذج الفتنة الإلهيّة لتمحيص مجتمع الإيمان وغربلته ما حصل لقوم نبي الله موسى (عليه السلام)، حيثُ ادّعى بنو إسرائيل الإيمان، ثم لم يلبثوا قليلاً إلا وقد ضربتهم الفتنة فأسقطت كثيراً منهم، (قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ)، ثم في مرحلة لاحقة وقع الافتتان مرةً أخرى، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ).
إذن: فالمجتمع المؤمن عرضةٌ للابتلاء والتمحيص والافتتان والتمييز، وهذا لا يختصّ بالأقوام السابقة، بل هو شاملٌ لكل المجتمعات المؤمنة على مرّ العصور: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)، بما يشمل كلّ نفسٍ وجماعةٍ..
والآيات القرآنيّة زاخرةٌ بهذه التفاصيل العظيمة، والمقام لا يتّسع لها جميعاً، فليُعتنى بها تلاوةً وتدبّراً.
وأمّا الوارد في أخبار الأئمّة (عليهم السلام)، فهو صريحٌ في الربط بين الإيمان والابتلاء، ومنها ما روي عن:
1. أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن البلاء أسرع إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي).
2. الإمام الصادق (عليه السلام): (الجوع والخوف أسرع إلى شيعتنا من ركض البراذين).
3. الإمام الكاظم (عليه السلام): (المؤمن مثل كفتي الميزان، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه).
وبناءً على هذا: فليس لمن يدّعي الإيمان أن يستنكر ورود البلاء عليه، بل يجب الاستعداد لذلك على المستوى النفسي والقلبي، وكذلك على المستوى الماديّ وذلك بالتكافل والتعاضد بين المؤمنين، وليعدّ كل ما يقدّره الله خيراً له ولأهله، ويدعو الله تبارك وتعالى أن يشدّ أزره في هذه الفتنة ليخرج منها سالم الإيمان، معافى من الضلال، مأجوراً مثاباً، وسيأتي الكلام مفصلاً عن الثواب وأجر الصبر على الفتنة والبلاء، ..
ولنبلونّكم .. (4)
كذلك مما نجده في طيّات الآيات والروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) ما يشير إلى الآثار المعنويّة والأخرويّة للصابرين في مواجهة الابتلاءات، وما بيّنه الأئمّة (عليهم السلام) في الثواب العظيم لأهل الرضا واليقين بالله تبارك وتعالى.
ويظهر من مجموعها أنّ تمحيص المؤمن لا يخلو عن كونه كفّارةً للذنوب، كما في قول الصادق (عليه السلام): «قال الله تعالى: إن العبد المؤمن من عبادي ليذنب الذنب العظيم مما يستوجب به عقوبتي في الدنيا والآخرة فأنظر له فيما فيه صلاحه في آخرته فأعجّل له العقوبة في الدنيا لأجازيه بذلك الذنب»، أو زيادةً في الثواب كما في قوله تعالى: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»، أو رِفعة في درجاته، كما جاء في صحيحة عليّ بن رئاب عن الصادق (عليه السلام): «إن الله يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب».
وفضلاً عن ذلك، فإنّ مرور المؤمن بالشدائد له أثرٌ في إخلاص التوجّه التام للحقّ تبارك وتعالى، فإنّ من طبائع الإنسان أنّه معرّض للوقوع في الغفلة بشكل أكبر عند تواتر النعم دون الورود في بعض الشدائد، وفي ذلك يقول الله تعالى: «وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ»، فلذلك ينبغي أن نحوّل هذه الأحوال بما فيها من عسر وضيق إلى فرصةٍ للجوء إلى الله تعالى والتضرع إليه، فإنّ ذلك أدعى للاستجابة ورفع البليّات.
كذلك مما نجده في طيّات الآيات والروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) ما يشير إلى الآثار المعنويّة والأخرويّة للصابرين في مواجهة الابتلاءات، وما بيّنه الأئمّة (عليهم السلام) في الثواب العظيم لأهل الرضا واليقين بالله تبارك وتعالى.
ويظهر من مجموعها أنّ تمحيص المؤمن لا يخلو عن كونه كفّارةً للذنوب، كما في قول الصادق (عليه السلام): «قال الله تعالى: إن العبد المؤمن من عبادي ليذنب الذنب العظيم مما يستوجب به عقوبتي في الدنيا والآخرة فأنظر له فيما فيه صلاحه في آخرته فأعجّل له العقوبة في الدنيا لأجازيه بذلك الذنب»، أو زيادةً في الثواب كما في قوله تعالى: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»، أو رِفعة في درجاته، كما جاء في صحيحة عليّ بن رئاب عن الصادق (عليه السلام): «إن الله يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب».
وفضلاً عن ذلك، فإنّ مرور المؤمن بالشدائد له أثرٌ في إخلاص التوجّه التام للحقّ تبارك وتعالى، فإنّ من طبائع الإنسان أنّه معرّض للوقوع في الغفلة بشكل أكبر عند تواتر النعم دون الورود في بعض الشدائد، وفي ذلك يقول الله تعالى: «وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ»، فلذلك ينبغي أن نحوّل هذه الأحوال بما فيها من عسر وضيق إلى فرصةٍ للجوء إلى الله تعالى والتضرع إليه، فإنّ ذلك أدعى للاستجابة ورفع البليّات.
ولنبلونّكم.. (5)
وأما منهج الأئمة (عليهم السلام) في تربية المسلمين عند مواجهة الشدائد، فإنه كان منحصراً في تحقيق الغاية القصوى، وهي توجيه العباد نحو ربّهم الحق تبارك وتعالى، متمسكين بالتضرع والتوجه القلبي إلى الخالق وحده لا شريك له.
روي أن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) مرَّ برجلٍ وهو قاعدٌ على باب رجلٍ، فقال له: «ما يقعدك على باب هذا المترف الجبار؟».
فقال: البلاء.
قال: «قم فأرشدك إلى بابٍ خير من بابه، وإلى ربٍّ خير لك منه»، فأخذ بيده حتى انتهى به إلى المسجد مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: «استقبل القبلة، وصلِّ ركعتين، ثم ارفع يديك إلى الله عز وجل، فأثنِ على الله، وصل على رسوله (صلى الله عليه وآله) ثم ادعُ بآخر الحشر وست آيات من أول الحديد، وبالآيتين اللتين في آل عمران، ثم سل الله سبحانه فإنك لا تسأل شيئاً إلا أعطاك».
[سلوة الحزين وتحفة العليل، ص٥٤-٥٥، رقم الحديث ١٦٢].
تفصيل الآيات المذكورة في الرواية:-
١. آخر سورة الحشر.
(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ • هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ • هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
٢. ست آيات من أوّل سورة الحديد.
(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ • لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ • هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ • هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ • لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ݘ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
3. الآيتان اللتان في آل عمران.
ذكر العلّامة المجلسيّ عن القطب الراونديّ أنّ المراد بالآيتين في سورة آل عمران هي آية الملك، وهي مؤلّفة من آيتين، وقد أطلق عليها الوصف بـ(آية) من قبيل إرادة الجنس، ثم احتمل – رحمه الله - أنّها هي بضميمة آية «شهد الله ..» فتكون بنظره آية الملك آية واحدة، وآية «شهد الله..» آية واحدة، وبذلك يكون المجموع آيتين.
[انظر: بحار الأنوار، ج٨٨، ص٣٧٥]
أ. آية الملك:
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ • تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
ب. آية «شهد الله..»:
(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
والحقّ أن هذه الرواية تُكتب بماء الذهب، فاعرف قدرها.
وأما منهج الأئمة (عليهم السلام) في تربية المسلمين عند مواجهة الشدائد، فإنه كان منحصراً في تحقيق الغاية القصوى، وهي توجيه العباد نحو ربّهم الحق تبارك وتعالى، متمسكين بالتضرع والتوجه القلبي إلى الخالق وحده لا شريك له.
روي أن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) مرَّ برجلٍ وهو قاعدٌ على باب رجلٍ، فقال له: «ما يقعدك على باب هذا المترف الجبار؟».
فقال: البلاء.
قال: «قم فأرشدك إلى بابٍ خير من بابه، وإلى ربٍّ خير لك منه»، فأخذ بيده حتى انتهى به إلى المسجد مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم قال: «استقبل القبلة، وصلِّ ركعتين، ثم ارفع يديك إلى الله عز وجل، فأثنِ على الله، وصل على رسوله (صلى الله عليه وآله) ثم ادعُ بآخر الحشر وست آيات من أول الحديد، وبالآيتين اللتين في آل عمران، ثم سل الله سبحانه فإنك لا تسأل شيئاً إلا أعطاك».
[سلوة الحزين وتحفة العليل، ص٥٤-٥٥، رقم الحديث ١٦٢].
تفصيل الآيات المذكورة في الرواية:-
١. آخر سورة الحشر.
(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ • هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ • هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
٢. ست آيات من أوّل سورة الحديد.
(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ • لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ • هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ • هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ • لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ݘ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
3. الآيتان اللتان في آل عمران.
ذكر العلّامة المجلسيّ عن القطب الراونديّ أنّ المراد بالآيتين في سورة آل عمران هي آية الملك، وهي مؤلّفة من آيتين، وقد أطلق عليها الوصف بـ(آية) من قبيل إرادة الجنس، ثم احتمل – رحمه الله - أنّها هي بضميمة آية «شهد الله ..» فتكون بنظره آية الملك آية واحدة، وآية «شهد الله..» آية واحدة، وبذلك يكون المجموع آيتين.
[انظر: بحار الأنوار، ج٨٨، ص٣٧٥]
أ. آية الملك:
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ • تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
ب. آية «شهد الله..»:
(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
والحقّ أن هذه الرواية تُكتب بماء الذهب، فاعرف قدرها.
سيرة أصحاب الأئمة (عليهم السلام) في العبادة
• روي عن الفضل بن شاذان أنه قال: دخلت العراق فرأيت واحداً يعاتب صاحبه، ويقول له: (أنت رجل عليك عيال، وتحتاج أن تكتسب عليهم، وما آمن أن تذهب عيناك لطول سجودك)، فلما أكثر عليه، قال: (أكثرت عليَّ، ويحك، لو ذهبت عينُ أحدٍ في السجود لذهبت عينُ ابن أبي عمير، ما ظنّك برجل سجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر فما يرفع رأسه إلا زوال الشمس).
• وروي عن نصر بن الصباح، عن الفضل أيضاً: (قال: «دخلت على محمد بن أبي عمير، وهو ساجد، فأطال السجود»، فلما رفع رأسه، ذكر له الفضل طول سجوده، فقال: «كيف لو رأيت جميل بن دراج؟!»، ثم حدثه أنه دخل على جميل بن دراج، فوجده ساجداً، فأطال السجود جداً، فلما رفع رأسه، قال له محمد بن أبي عمير: «أطلت السجود»، فقال: «وكيف لو رأيت معروف بن خربوذ؟!»..).
• روي عن الفضل بن شاذان أنه قال: دخلت العراق فرأيت واحداً يعاتب صاحبه، ويقول له: (أنت رجل عليك عيال، وتحتاج أن تكتسب عليهم، وما آمن أن تذهب عيناك لطول سجودك)، فلما أكثر عليه، قال: (أكثرت عليَّ، ويحك، لو ذهبت عينُ أحدٍ في السجود لذهبت عينُ ابن أبي عمير، ما ظنّك برجل سجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر فما يرفع رأسه إلا زوال الشمس).
• وروي عن نصر بن الصباح، عن الفضل أيضاً: (قال: «دخلت على محمد بن أبي عمير، وهو ساجد، فأطال السجود»، فلما رفع رأسه، ذكر له الفضل طول سجوده، فقال: «كيف لو رأيت جميل بن دراج؟!»، ثم حدثه أنه دخل على جميل بن دراج، فوجده ساجداً، فأطال السجود جداً، فلما رفع رأسه، قال له محمد بن أبي عمير: «أطلت السجود»، فقال: «وكيف لو رأيت معروف بن خربوذ؟!»..).
خواطر فاطميّة (1)
مناهج الإثبات التاريخي عند المسلمين، مظلوميّة الزهراء (عليها السلام) أنموذجاً.
إذا نظرنا إلى معظم الاعتقادات التاريخيّة بوقوع حوادث معيّنة في تاريخ الإسلام سنجدُ أنّ جل المناهج - غالباً - تنهجُ النهج المتعارف في الإثبات والنفي بحيث يكتفي «الباحث» بجملةٍ من الأخبار التاريخيّة المعتبرة - وفق شرائط الاعتبار عند غالبية المؤرخين - ليحصلَ له الوثوق عادةً، وهذا جَريُ معظم من كتب في البحث التاريخي من قبل الطبري وإلى زماننا الحاليّ، وهذا هو المنهج العام إجمالاً، وإنْ رأينا أحياناً بعض من يتحاذق هنا وهناك، كأن تجد سلفياً يشكك في مبيت أمير المؤمنين عليه السلام في فراش النبي (صلى الله عليه وآله)، أو شيعياً يشكك في وجود أبي بكر في الغار، أو غيره يشكك في استعمال الأبواب بالمدينة المنورة في زمن صدر الإسلام، وهذه الأساليب المتحاذقة غالباً ما تستعمل للقفز عن الحقائق التاريخية بطريقة «ذكية»، ولكنها خلاف جريهم العام في سائر مواطن البحث التاريخي الذي يكون بصورته الطبيعية، وبعبارة أدقّ: امتحنوهم في إثباتاتهم التاريخية التي لا تكون موطناً للنزاع، وستجدونهم يجرون جريَ المؤرخين، إلا أن يصل البحث لموضعٍ حسّاس فتعمل «الطريقة الحنبليّة» في التعامل مع نصوص التاريخ، فالسني قد يكتفي بعدّة أخبار ليثبت أنَّ عمر بن الخطاب قد كان شُجاعاً وهاجر من مكّة علانيّة - مثلاً -، والشيعي يكتفي بجملة من الأخبار في إثبات أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان حاكماً عادلاً، وبعضهم قد يكتفي بخبرٍ أو خبرين ليثبت عنده أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يوقظ الزهراء (عليها السلام) لصلاة الفجر برجله أو أن الرجلين أتيا لطلب المسامحة من السيدة الزهراء (عليها السلام)،.. وهذا المنهج يسري في معظم الأحداث التاريخية غالباً، إلَّا أنَّ بعض الأحداث التي تصطدمُ مع القبليّات الفكريّة، تواجه عقبة «عدم التصديق» رغم بلوغ أخبارها إلى مرتبةٍ من الشهرة، هي أقوى من أخبار شجاعة عُمر أو إيقاظ الزهراء بطريقةٍ ما، أو مجيء الرجلين لطلب العفو منها، وهنا تقف مشكلة البحث التاريخي عند الاصطدام مع هذه القبليّات أو الذوق الخاص، وهنا يصطدمُ الواقع التاريخي مع خلفيّات الباحث التي لا تصلح أن تكون معياراً للبحث العلميّ، كما هو الحالُ في ابن تيمية - مثلاً - الذي كان ينطلقُ من خلفيّة ثبّتت لزوم إسقاط تميّز أمير المؤمنين (عليه السلام) بفضيلة معينة، ولذلك اضطرّ لإعمال ذوقه وقبليّاته في ردّ جملةٍ من الروايات الصحيحة في فضله، وفي ذلك يقول الحافظُ ابن حجر في كتابه (لسان الميزان، ج8، ص551-552): «لكنه - ابن تيمية - ردَّ في ردِّهِ كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة تصنيفه مظانها»، وكذلك الحافظ القاسم بن سلام في كتابه (الأموال، ج1، ص234) لما استعرض روايات احتضار الأوّل وما قاله عند احتضاره اصطدم الواقع التاريخي بذوقه، فحذف عبارةً من كلامه، وقال: «لا أريد ذكرها»؛ لأنها تتعلق بإيضاحٍ تاريخيّ مهم جداً ويختص بقضية الصديقة الكبرى (صلوات الله عليها)، وبقية التفصيل في هذا الرابط:
http://www.antiwahabism.com/?p=504
فهل نحن - كمسلمين - على قدر الجديّة في البحث التاريخي على أن لا نُعمل أذواقنا فيما نحب ولا نحب؟!
ويبقى السؤال الأهمّ: لو عاملوا أخبار ما بعد وفاة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بنفس طريقة إثباتهم المتعارفة، فهل تثبت أم لا؟
---
https://www.tg-me.com/mesbah_qom
مناهج الإثبات التاريخي عند المسلمين، مظلوميّة الزهراء (عليها السلام) أنموذجاً.
إذا نظرنا إلى معظم الاعتقادات التاريخيّة بوقوع حوادث معيّنة في تاريخ الإسلام سنجدُ أنّ جل المناهج - غالباً - تنهجُ النهج المتعارف في الإثبات والنفي بحيث يكتفي «الباحث» بجملةٍ من الأخبار التاريخيّة المعتبرة - وفق شرائط الاعتبار عند غالبية المؤرخين - ليحصلَ له الوثوق عادةً، وهذا جَريُ معظم من كتب في البحث التاريخي من قبل الطبري وإلى زماننا الحاليّ، وهذا هو المنهج العام إجمالاً، وإنْ رأينا أحياناً بعض من يتحاذق هنا وهناك، كأن تجد سلفياً يشكك في مبيت أمير المؤمنين عليه السلام في فراش النبي (صلى الله عليه وآله)، أو شيعياً يشكك في وجود أبي بكر في الغار، أو غيره يشكك في استعمال الأبواب بالمدينة المنورة في زمن صدر الإسلام، وهذه الأساليب المتحاذقة غالباً ما تستعمل للقفز عن الحقائق التاريخية بطريقة «ذكية»، ولكنها خلاف جريهم العام في سائر مواطن البحث التاريخي الذي يكون بصورته الطبيعية، وبعبارة أدقّ: امتحنوهم في إثباتاتهم التاريخية التي لا تكون موطناً للنزاع، وستجدونهم يجرون جريَ المؤرخين، إلا أن يصل البحث لموضعٍ حسّاس فتعمل «الطريقة الحنبليّة» في التعامل مع نصوص التاريخ، فالسني قد يكتفي بعدّة أخبار ليثبت أنَّ عمر بن الخطاب قد كان شُجاعاً وهاجر من مكّة علانيّة - مثلاً -، والشيعي يكتفي بجملة من الأخبار في إثبات أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان حاكماً عادلاً، وبعضهم قد يكتفي بخبرٍ أو خبرين ليثبت عنده أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يوقظ الزهراء (عليها السلام) لصلاة الفجر برجله أو أن الرجلين أتيا لطلب المسامحة من السيدة الزهراء (عليها السلام)،.. وهذا المنهج يسري في معظم الأحداث التاريخية غالباً، إلَّا أنَّ بعض الأحداث التي تصطدمُ مع القبليّات الفكريّة، تواجه عقبة «عدم التصديق» رغم بلوغ أخبارها إلى مرتبةٍ من الشهرة، هي أقوى من أخبار شجاعة عُمر أو إيقاظ الزهراء بطريقةٍ ما، أو مجيء الرجلين لطلب العفو منها، وهنا تقف مشكلة البحث التاريخي عند الاصطدام مع هذه القبليّات أو الذوق الخاص، وهنا يصطدمُ الواقع التاريخي مع خلفيّات الباحث التي لا تصلح أن تكون معياراً للبحث العلميّ، كما هو الحالُ في ابن تيمية - مثلاً - الذي كان ينطلقُ من خلفيّة ثبّتت لزوم إسقاط تميّز أمير المؤمنين (عليه السلام) بفضيلة معينة، ولذلك اضطرّ لإعمال ذوقه وقبليّاته في ردّ جملةٍ من الروايات الصحيحة في فضله، وفي ذلك يقول الحافظُ ابن حجر في كتابه (لسان الميزان، ج8، ص551-552): «لكنه - ابن تيمية - ردَّ في ردِّهِ كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة تصنيفه مظانها»، وكذلك الحافظ القاسم بن سلام في كتابه (الأموال، ج1، ص234) لما استعرض روايات احتضار الأوّل وما قاله عند احتضاره اصطدم الواقع التاريخي بذوقه، فحذف عبارةً من كلامه، وقال: «لا أريد ذكرها»؛ لأنها تتعلق بإيضاحٍ تاريخيّ مهم جداً ويختص بقضية الصديقة الكبرى (صلوات الله عليها)، وبقية التفصيل في هذا الرابط:
http://www.antiwahabism.com/?p=504
فهل نحن - كمسلمين - على قدر الجديّة في البحث التاريخي على أن لا نُعمل أذواقنا فيما نحب ولا نحب؟!
ويبقى السؤال الأهمّ: لو عاملوا أخبار ما بعد وفاة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بنفس طريقة إثباتهم المتعارفة، فهل تثبت أم لا؟
---
https://www.tg-me.com/mesbah_qom
خواطر فاطميّة (2)
مظلومية الزهراء (عليها السلام)، وخصلة العفو في أهل البيت (عليهم السلام)
ورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كثير من النصوص المبيّنة لفضل العفو، وقد حثّوا على ذلك بشكلٍ كبير في غاية المبالغة؛ لأنّ العفو من الأخلاق الرفيعة التي تهذّب النفس على التسامي والترفّع عن صغائر الأمور، وبلا شكّ فإنّ أمرهم بهذا الخُلق يقتضي أن يكونوا هم أول القائمين بهذه الخصلة الخلقية الطيّبة، وقد روى الشيخ الصدوق بسندٍ صحيحٍ عن الإمام الصادق عليه السلام: (إنا أهلُ بيتٍ مروءتنا العفو عمن ظلمنا)، وفي المقابل نجد أن أهل البيت (عليهم السلام) لم يتنازلوا عما نزل بهم من الظلم منذ حياة أمير المؤمنين والسيدة الزهراء (عليهما السلام) حتى كربلاء وما بعدها، وقد صدر عنهم الذمّ واللعن بحق أولئك الظالمين، فما الداعي إلى ذلك مع تأكيدهم الشديد على العفو؟
إنّ الناظر إلى كلماتهم بتأمل، يجد أنَّ أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يمارسون العفو في جانب وقوع الظلم الشخصيّ عليهم، ولكن في حال وقوع الظلم عليهم بما يمسّ الدين الإسلامي وعموم المسلمين فإنّهم لا يتنازلون عن هذا الحق، ولا يمارسون العفو عن الظلم، وذلك لأنّ الإساءة التي تنال منهم والدين والقرآن هي جريمة بحق الرسالة الإلهية وليست من قبيل المظلمة الشخصيّة التي يقوم الإمام بالعفو عنها.
وفي هذا المقام، يمكن فهم قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطبة الشقشقية: (ووالله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جورٌ، إلا عليَّ خاصةً التماساً لأجر ذلك وفضله)، فإنَّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه يتساهل في أمر مظلمته الخاصّة، أما المظلمة التي تشمل حقوق الإسلام والمسلمين فإنّه لا يقدر على أن يتساهل في أمرها؛ لأنّه الإمام القائم بالحق الذي لا يداهن ولا يساوم ولا تأخذه في الله لومة لائم.
ومن ذلك أيضاً في سيرتهم، ما رواه الشيخ الكليني بسندٍ صحيح: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل وكان يتولى له الوقف بقم، فقال: يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف في حلٍ، فإني أنفقتها. فقال له: أنت في حل. فلما خرج صالح، قال أبو جعفر عليه السلام: أحدهم يثب على أموال حق آل محمد وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذه ثم يجيء فيقول: «اجعلني في حل»، أتراه ظن أني أقول: «لا أفعل» والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً).
فإنّ الإمام الجواد (عليه السلام) لما قال له: (أنت في حلٍ) لم يكن قاصداً العفو العام الذي يشمل إسقاط حقوق الله وفقراء الهاشميين وأيتامهم، وإنما أسقط حقاً شخصياً يتعلق بالجسارة على أمواله، أما الحقوق المالية المتعلقة بإقامة الدين وإغاثة الفقراء والملهوفين فإنّه لا يكون مجال للعفو في أمرها.
والحاصل: بالتفريق بين المظلمة الشخصية الخاصة والمظلمة العامّة الواقعة على الإسلام والرسالة الإلهية التي حملها أئمة الهدى (عليهم السلام) يمكن لنا أن نفهم موازين العفو وعدمه في سيرة أهل البيت صلوات الله عليهم.
ومن هنا يتضح لنا سبب إصرار السيّدة الزهراء (عليها السلام) على الخصومة والبقاء على مقاطعة الظالميْن لها اللذيْنِ غصبا حقّها وتجاسرا عليها في بيتها، فإن البعض يروّج لمقولةٍ وهي أنّ هذه مسألة (قطعة أرض) ولا تستحقُ خصومةً كهذه، وأنّها قضية لا تستحق هذه المبالغة، والعفو أولى.
ولكن يظهرُ لنا جلياً من جهاد الصديقة الكبرى (صلوات الله عليها) أنّ جهادها ضد الحكومة الأولى لم يكن دائراً حول حقّ شخصي، وإلا فإنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم أهل العفو والمروءة والترفّع عن الدنيا وصغائرها، ولكن لأنّ مظلوميتها كانت تتعلق بمسار الإسلام ومصير القرآن وأحوال الرسالة الإلهية وشؤون المسلمين لم يكن الأمر مما يقع موضوعاً للعفو، فليس هو بمظلمة شخصيّة، وهذه ثمرة من ثمار جهاد سيدة نساء العالمين، أن ينكشف لنا أنّ تلك المظلمة كانت مصيبة واقعة على الإسلام والقرآن والمسلمين، والمتأمل في خطبتها الشريفة يلمسُ آثار هذا المعنى بوضوح، وأنها لم تكن تتعامل مع مواجهة الرجلين على أنها مواجهة في حقّ شخصي، بل كانت مواجهة لإسقاط حكومة الظلم عن الاعتبار الشرعيّ .. وهكذا فعلت فكانت الزهراء صلوات الله عليها أول من ضرب مشروع الحكومات الاستبداديّة في تاريخ الإسلام، والعاقبة للمتقين..
مظلومية الزهراء (عليها السلام)، وخصلة العفو في أهل البيت (عليهم السلام)
ورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كثير من النصوص المبيّنة لفضل العفو، وقد حثّوا على ذلك بشكلٍ كبير في غاية المبالغة؛ لأنّ العفو من الأخلاق الرفيعة التي تهذّب النفس على التسامي والترفّع عن صغائر الأمور، وبلا شكّ فإنّ أمرهم بهذا الخُلق يقتضي أن يكونوا هم أول القائمين بهذه الخصلة الخلقية الطيّبة، وقد روى الشيخ الصدوق بسندٍ صحيحٍ عن الإمام الصادق عليه السلام: (إنا أهلُ بيتٍ مروءتنا العفو عمن ظلمنا)، وفي المقابل نجد أن أهل البيت (عليهم السلام) لم يتنازلوا عما نزل بهم من الظلم منذ حياة أمير المؤمنين والسيدة الزهراء (عليهما السلام) حتى كربلاء وما بعدها، وقد صدر عنهم الذمّ واللعن بحق أولئك الظالمين، فما الداعي إلى ذلك مع تأكيدهم الشديد على العفو؟
إنّ الناظر إلى كلماتهم بتأمل، يجد أنَّ أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يمارسون العفو في جانب وقوع الظلم الشخصيّ عليهم، ولكن في حال وقوع الظلم عليهم بما يمسّ الدين الإسلامي وعموم المسلمين فإنّهم لا يتنازلون عن هذا الحق، ولا يمارسون العفو عن الظلم، وذلك لأنّ الإساءة التي تنال منهم والدين والقرآن هي جريمة بحق الرسالة الإلهية وليست من قبيل المظلمة الشخصيّة التي يقوم الإمام بالعفو عنها.
وفي هذا المقام، يمكن فهم قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخطبة الشقشقية: (ووالله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جورٌ، إلا عليَّ خاصةً التماساً لأجر ذلك وفضله)، فإنَّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه يتساهل في أمر مظلمته الخاصّة، أما المظلمة التي تشمل حقوق الإسلام والمسلمين فإنّه لا يقدر على أن يتساهل في أمرها؛ لأنّه الإمام القائم بالحق الذي لا يداهن ولا يساوم ولا تأخذه في الله لومة لائم.
ومن ذلك أيضاً في سيرتهم، ما رواه الشيخ الكليني بسندٍ صحيح: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل وكان يتولى له الوقف بقم، فقال: يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف في حلٍ، فإني أنفقتها. فقال له: أنت في حل. فلما خرج صالح، قال أبو جعفر عليه السلام: أحدهم يثب على أموال حق آل محمد وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذه ثم يجيء فيقول: «اجعلني في حل»، أتراه ظن أني أقول: «لا أفعل» والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً).
فإنّ الإمام الجواد (عليه السلام) لما قال له: (أنت في حلٍ) لم يكن قاصداً العفو العام الذي يشمل إسقاط حقوق الله وفقراء الهاشميين وأيتامهم، وإنما أسقط حقاً شخصياً يتعلق بالجسارة على أمواله، أما الحقوق المالية المتعلقة بإقامة الدين وإغاثة الفقراء والملهوفين فإنّه لا يكون مجال للعفو في أمرها.
والحاصل: بالتفريق بين المظلمة الشخصية الخاصة والمظلمة العامّة الواقعة على الإسلام والرسالة الإلهية التي حملها أئمة الهدى (عليهم السلام) يمكن لنا أن نفهم موازين العفو وعدمه في سيرة أهل البيت صلوات الله عليهم.
ومن هنا يتضح لنا سبب إصرار السيّدة الزهراء (عليها السلام) على الخصومة والبقاء على مقاطعة الظالميْن لها اللذيْنِ غصبا حقّها وتجاسرا عليها في بيتها، فإن البعض يروّج لمقولةٍ وهي أنّ هذه مسألة (قطعة أرض) ولا تستحقُ خصومةً كهذه، وأنّها قضية لا تستحق هذه المبالغة، والعفو أولى.
ولكن يظهرُ لنا جلياً من جهاد الصديقة الكبرى (صلوات الله عليها) أنّ جهادها ضد الحكومة الأولى لم يكن دائراً حول حقّ شخصي، وإلا فإنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم أهل العفو والمروءة والترفّع عن الدنيا وصغائرها، ولكن لأنّ مظلوميتها كانت تتعلق بمسار الإسلام ومصير القرآن وأحوال الرسالة الإلهية وشؤون المسلمين لم يكن الأمر مما يقع موضوعاً للعفو، فليس هو بمظلمة شخصيّة، وهذه ثمرة من ثمار جهاد سيدة نساء العالمين، أن ينكشف لنا أنّ تلك المظلمة كانت مصيبة واقعة على الإسلام والقرآن والمسلمين، والمتأمل في خطبتها الشريفة يلمسُ آثار هذا المعنى بوضوح، وأنها لم تكن تتعامل مع مواجهة الرجلين على أنها مواجهة في حقّ شخصي، بل كانت مواجهة لإسقاط حكومة الظلم عن الاعتبار الشرعيّ .. وهكذا فعلت فكانت الزهراء صلوات الله عليها أول من ضرب مشروع الحكومات الاستبداديّة في تاريخ الإسلام، والعاقبة للمتقين..
خواطر فاطميّة (3)
«وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ»
من الواضح في سيرة الأنبياء والأولياء تعلّق القضاء الإلهيّ بحلول الابتلاء عليهم؛ لإبراز مدى الامتثال والتسليم والخضوع لله تبارك وتعالى، الذي يترتب عليه نيل المقامات الإلهيّة الرفيعة، واستحقاقهم للاصطفاء والاجتباء والقرار في دار الكرامة، ومن ذلك الابتلاء يدخلُ عليهم الألمُ والغصّة والمعاناة المريرة في هذه الحياة الدنيا، وهم مع ذلك يصبرونَ على كل ذلك، طاعة لربّ العالمين، ورغبةً بما عنده (تبارك وتعالى)، وإذا كان الأمرُ كذلك فما المانعُ العقليّ أو الشرعيّ من ابتلاء أمير المؤمنين (عليه السلام) بالصّبر على هجوم الظالمين على بيته، وإيذاء سيدة نساء العالمين (عليها السلام) أمام ناظريه، ثُمّ يُكلّف بالصبر والكفّ عن رفع السيف عليهم؟ فإذا جاز أن يبتلي اللهُ أولياءه كما ابتلى إبراهيم (عليه السلام) بالأمر بذبح ابنه، وأيوب (عليه السلام) بالمرض، ويعقوب (عليه السلام) بفقد ابنه، ومريم (عليها السلام) بتعرّضها للطعن في شرفها مع ما في ذلك من المشقّة الشديدة، فهل يمتنع أن يكون الابتلاء الإلهيّ لوليّه من هذا القبيل مع ما هو عليه من الغيرة والبطولة اللتين تجعلان الصبر أكثر مشقّة وأرفعُ ثواباً ودرجةً عند الله تبارك وتعالى.
فإن كان هناك برهانٌ يمنع من وجود مثل هذا التكليف، ويبين استحالته عقلاً وشرعاً، فليبيّنه المدّعي، وليؤخذ بعين الاعتبار أنّ لهذا المقام نظيراً وهو اصطحاب سيد الشهداء صلوات الله عليه عياله إلى كربلاء مع اتّفاق أخبار الفريقين الصحيحة بأعلى درجات الاعتبار على وقوع قتله مع أصحابه في تلك البقعة المباركة، فهل كان سيد الشهداء متجاوزاً للمحالات العقليّة أو الشرعية آنذاك؟!
وبهذا يتبيّن أن الإشكال من جهة الإلزام بشجاعة المولى (سلام الله عليه) أو شدّة غيرته لا مبرر لها من أي وجهٍ مع ظهور الأدلّة على امتحان الإمام بالصبر على ظلم الظالمين، وهذا النوع من الابتلاء له شواهده التامّة، وبه يظهرُ أنّ تلك الإشكالات ليس إلا ضرباً من الخطابة الذوقيّة التي لا يتقنها إلا الغارقون في الإنشائيّات والخطابيّات الأدبية، فهي خطابةٌ قائمة على تحريك العاطفة دون التبصّر بحقائق الأمور ومعرفة مقامات الأولياء وحقيقة تكاليفهم، والمستهجنُ أنّ من يمارس هذه المواعظ العاطفيّة هو مَن ينتقد بعض المنابر على تمرير المقولات تحت غطاء العاطفة وتحريك المشاعر، ولله في خلقه شؤون.
• روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حديثه حول إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بوقوع الظلم على أمير المؤمنين والصدّيقة الشهيدة:
«...، والله لقد قال رسول الله لأمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام: أليس قد فهمتما ما تقدمتُّ به إليكما وقبلتماه؟ فقالا: بلى، وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا».
«وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ»
من الواضح في سيرة الأنبياء والأولياء تعلّق القضاء الإلهيّ بحلول الابتلاء عليهم؛ لإبراز مدى الامتثال والتسليم والخضوع لله تبارك وتعالى، الذي يترتب عليه نيل المقامات الإلهيّة الرفيعة، واستحقاقهم للاصطفاء والاجتباء والقرار في دار الكرامة، ومن ذلك الابتلاء يدخلُ عليهم الألمُ والغصّة والمعاناة المريرة في هذه الحياة الدنيا، وهم مع ذلك يصبرونَ على كل ذلك، طاعة لربّ العالمين، ورغبةً بما عنده (تبارك وتعالى)، وإذا كان الأمرُ كذلك فما المانعُ العقليّ أو الشرعيّ من ابتلاء أمير المؤمنين (عليه السلام) بالصّبر على هجوم الظالمين على بيته، وإيذاء سيدة نساء العالمين (عليها السلام) أمام ناظريه، ثُمّ يُكلّف بالصبر والكفّ عن رفع السيف عليهم؟ فإذا جاز أن يبتلي اللهُ أولياءه كما ابتلى إبراهيم (عليه السلام) بالأمر بذبح ابنه، وأيوب (عليه السلام) بالمرض، ويعقوب (عليه السلام) بفقد ابنه، ومريم (عليها السلام) بتعرّضها للطعن في شرفها مع ما في ذلك من المشقّة الشديدة، فهل يمتنع أن يكون الابتلاء الإلهيّ لوليّه من هذا القبيل مع ما هو عليه من الغيرة والبطولة اللتين تجعلان الصبر أكثر مشقّة وأرفعُ ثواباً ودرجةً عند الله تبارك وتعالى.
فإن كان هناك برهانٌ يمنع من وجود مثل هذا التكليف، ويبين استحالته عقلاً وشرعاً، فليبيّنه المدّعي، وليؤخذ بعين الاعتبار أنّ لهذا المقام نظيراً وهو اصطحاب سيد الشهداء صلوات الله عليه عياله إلى كربلاء مع اتّفاق أخبار الفريقين الصحيحة بأعلى درجات الاعتبار على وقوع قتله مع أصحابه في تلك البقعة المباركة، فهل كان سيد الشهداء متجاوزاً للمحالات العقليّة أو الشرعية آنذاك؟!
وبهذا يتبيّن أن الإشكال من جهة الإلزام بشجاعة المولى (سلام الله عليه) أو شدّة غيرته لا مبرر لها من أي وجهٍ مع ظهور الأدلّة على امتحان الإمام بالصبر على ظلم الظالمين، وهذا النوع من الابتلاء له شواهده التامّة، وبه يظهرُ أنّ تلك الإشكالات ليس إلا ضرباً من الخطابة الذوقيّة التي لا يتقنها إلا الغارقون في الإنشائيّات والخطابيّات الأدبية، فهي خطابةٌ قائمة على تحريك العاطفة دون التبصّر بحقائق الأمور ومعرفة مقامات الأولياء وحقيقة تكاليفهم، والمستهجنُ أنّ من يمارس هذه المواعظ العاطفيّة هو مَن ينتقد بعض المنابر على تمرير المقولات تحت غطاء العاطفة وتحريك المشاعر، ولله في خلقه شؤون.
• روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) حديثه حول إخبار النبي (صلى الله عليه وآله) بوقوع الظلم على أمير المؤمنين والصدّيقة الشهيدة:
«...، والله لقد قال رسول الله لأمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام: أليس قد فهمتما ما تقدمتُّ به إليكما وقبلتماه؟ فقالا: بلى، وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا».
علاقتنا مع أئمة الهدى (عليهم السلام)
مما يجب على أهل الإيمان - سدّدهم الله - أن يجتهدوا في تحصيل التوجُّه التام إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) دون أن يُشركوا معهم غيرَهم في مقاماتهم وصفاتهم وطريقة التعامل أيضاً. لا يصح منّا أن نتوجّه إلى من دونهم ونعاملهم كما نعامل المعصوم، فهذا ربما تكون فيه شبهة الشرك في الولاية، ولذلك يجب العمل على تصفية الاعتقاد والعمل من هذه الشوائب وصولاً إلى مقام الإخلاص.
وهذا الإخلاص القلبي والعملي في التوّجه التام إلى المعصوم له آثاره المعنويّة ومن ذلك إقبالهم علينا وفيض عنايتهم بنا.
.
.
.
[من لطائف عنايتهم بحَمَلةِ حديثهم - عليهم السلام - ]
يقول الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العامليّ في كتابه (إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات):
«كنْتُ في عصر الصبا وسِنّي عشر سنين أو نحوها أصابني مرضٌ شديدٌ جداً حتى اجتمع أهلي وأقاربي وبكوا وتهيؤوا للتعزية وأيقنوا أني أموت تلك الليلة، فرأيت النبي (صلّى اللّه عليه وآله) والأئمة الاثني عشر (عليهم السّلام) وأنا فيما بين النائم واليقظان فسلّمت عليهم صلوات اللّه عليهم، وصافحتهم واحداً واحداً وجرى بيني وبين الصادق (عليه السّلام) كلام لم يبقَ في خاطري إلا أنه دعا لي، فلما سلّمت على صاحب الزمان (عليه السّلام) وصافحته بكيت وقلت: يا مولاي، أخاف أن أموتَ في هذا المرض ولم أقض وطري من العلم والعمل. فقال لي: لا تخف، فإنك لا تموت في هذا المرض، بل يشفيك اللّهُ وتعمر عمراً طويلاً. ثم ناولني قدحاً كان في يده فشربت منه وأفقت في الحال وزال عنّي المرض بالكلية، وجلستُ فتعجّبَ أهلي وأقاربي ولم أحدّثهم بما رأيت إلا بعد أيام».
📚إثبات الهُداة بالنصوص والمعجزات، ج٥، ص٣٣٨-٣٣٩، الباب ٣٣، الفصل ١٧.
مما يجب على أهل الإيمان - سدّدهم الله - أن يجتهدوا في تحصيل التوجُّه التام إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) دون أن يُشركوا معهم غيرَهم في مقاماتهم وصفاتهم وطريقة التعامل أيضاً. لا يصح منّا أن نتوجّه إلى من دونهم ونعاملهم كما نعامل المعصوم، فهذا ربما تكون فيه شبهة الشرك في الولاية، ولذلك يجب العمل على تصفية الاعتقاد والعمل من هذه الشوائب وصولاً إلى مقام الإخلاص.
وهذا الإخلاص القلبي والعملي في التوّجه التام إلى المعصوم له آثاره المعنويّة ومن ذلك إقبالهم علينا وفيض عنايتهم بنا.
.
.
.
[من لطائف عنايتهم بحَمَلةِ حديثهم - عليهم السلام - ]
يقول الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العامليّ في كتابه (إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات):
«كنْتُ في عصر الصبا وسِنّي عشر سنين أو نحوها أصابني مرضٌ شديدٌ جداً حتى اجتمع أهلي وأقاربي وبكوا وتهيؤوا للتعزية وأيقنوا أني أموت تلك الليلة، فرأيت النبي (صلّى اللّه عليه وآله) والأئمة الاثني عشر (عليهم السّلام) وأنا فيما بين النائم واليقظان فسلّمت عليهم صلوات اللّه عليهم، وصافحتهم واحداً واحداً وجرى بيني وبين الصادق (عليه السّلام) كلام لم يبقَ في خاطري إلا أنه دعا لي، فلما سلّمت على صاحب الزمان (عليه السّلام) وصافحته بكيت وقلت: يا مولاي، أخاف أن أموتَ في هذا المرض ولم أقض وطري من العلم والعمل. فقال لي: لا تخف، فإنك لا تموت في هذا المرض، بل يشفيك اللّهُ وتعمر عمراً طويلاً. ثم ناولني قدحاً كان في يده فشربت منه وأفقت في الحال وزال عنّي المرض بالكلية، وجلستُ فتعجّبَ أهلي وأقاربي ولم أحدّثهم بما رأيت إلا بعد أيام».
📚إثبات الهُداة بالنصوص والمعجزات، ج٥، ص٣٣٨-٣٣٩، الباب ٣٣، الفصل ١٧.
📜 دعاء الإلحاح
روى الشيخ الكليني بسندٍ صحيحٍ عن الثِّقة الجليل محمّد بن مسلم الثقفيّ، قال: (قُلْتُ لَهُ: عَلِّمْنِي دُعَاءً، فقَالَ: «فأيْنَ أنتَ عَنْ دُعَاءِ الإلْحَاحِ؟»، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا دُعَاءُ الإلْحَاحِ؟
فقَالَ: «(اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَمَا بَيْنَهُنَّ، وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، ورَبَّ جبْرَئِيلَ ومِيكَائِيلَ وإِسْرَافِيلَ، ورَبَّ القُرْآنِ العَظِيمِ، ورَبَّ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، إِنِّي أَسْأَلُكَ بِالذِي تَقُومُ بِهِ السَّمَاءُ، وبِهِ تَقُومُ الْأَرْضُ، وبهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الجَمْعِ، وبهِ تَجْمَعُ بَيْنَ المُتفرِّقِ، وبهِ تَرْزُقُ الأحيَاءَ، وبهِ أَحْصَيْتَ عَدَدَ الرِّمَالِ، ووَزْنَ الجِبَالِ، وكَيْلَ البُحُورِ)؛ ثُمَّ تُصَلِّي عَلى مُحمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ تَسْألُهُ حَاجتَكَ، وألِحَّ فِي الطَّلبِ».
📚 الكافي، ج٤، ص٥٦٠-٥٦١، رقم الحديث ٣٤٦٠، كتاب الدعاء، بابُ دعواتٍ موجزاتٍ لجميع الحوائج للدنيا والآخرة، ح٢٣.
#روضة_المؤمن
روى الشيخ الكليني بسندٍ صحيحٍ عن الثِّقة الجليل محمّد بن مسلم الثقفيّ، قال: (قُلْتُ لَهُ: عَلِّمْنِي دُعَاءً، فقَالَ: «فأيْنَ أنتَ عَنْ دُعَاءِ الإلْحَاحِ؟»، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا دُعَاءُ الإلْحَاحِ؟
فقَالَ: «(اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَمَا بَيْنَهُنَّ، وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، ورَبَّ جبْرَئِيلَ ومِيكَائِيلَ وإِسْرَافِيلَ، ورَبَّ القُرْآنِ العَظِيمِ، ورَبَّ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، إِنِّي أَسْأَلُكَ بِالذِي تَقُومُ بِهِ السَّمَاءُ، وبِهِ تَقُومُ الْأَرْضُ، وبهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الجَمْعِ، وبهِ تَجْمَعُ بَيْنَ المُتفرِّقِ، وبهِ تَرْزُقُ الأحيَاءَ، وبهِ أَحْصَيْتَ عَدَدَ الرِّمَالِ، ووَزْنَ الجِبَالِ، وكَيْلَ البُحُورِ)؛ ثُمَّ تُصَلِّي عَلى مُحمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ تَسْألُهُ حَاجتَكَ، وألِحَّ فِي الطَّلبِ».
📚 الكافي، ج٤، ص٥٦٠-٥٦١، رقم الحديث ٣٤٦٠، كتاب الدعاء، بابُ دعواتٍ موجزاتٍ لجميع الحوائج للدنيا والآخرة، ح٢٣.
#روضة_المؤمن
مصباح الهداية
Photo
ربما يعجزُ الإنسان عن إحصاء وتوثيق كل ما تعرّضت له مكتبات الشيعة خلال فترات الهجمات المذهبية والحروب الطائفيّة وحملات الاستعمار، وإنّ في الوقوف على تفاصيل ذلك ما يوجب التحسّر والتأسّف على ما لحق بتراث علمائنا في كافة البلدان.
ما تراه في الصورة، شاهد تاريخي آخر على ضياع كتب العلماء بسبب تلك العوامل وغيرها.
هذه صورةٌ من الصفحة الأولى لقطعةٍ عامليّة من كتاب (الكافي) كُتب عليها:
(هذا الكتاب انوجد في جامع من جوامع بلاد المتواله في رَكْبةٍ عملها عليهم أمير الدروز سنة 1750 في شهر آب. أنا يوحنّا عجيمي، أخذتُه من السيد البطريرك كير كيرلس الذي أُعطي له من الجنود النصارة).
وفيما يخصّ أحداث هذه السنة المذكورة، يقول عيسى إسكندر المعلوف (1869-1956) في كتابه (مدينة زحلة، ص83) في وصف أحداث هذه السنة (1750م): (وفي هذه السنة تطاول المشايخ المناكرة على إقليم جزين، وقتلوا اثنين من خدام الشيخ علي جنبلاط، فشق ذلك على حاكم لبنان الأمير ملحم الشهابي، فجمع عسكراً من لبنان بينه الزحليون وسار بهم إلى جباع الحلاوة، فهرب المتاولة من وجهه، فاستظهر عليهم وأحرق كثيراً من قرى جبل عامل وقتل منهم نحو ثلاثمائة، وقطع أشجارهم وأحرق بلاد الشقيف وبلاد بشارة)، فلعلّ الكتاب أخذ من إحدى تلك المناطق، والله العالم.
.
.
حينما قرأت هذا النصّ، حمدتُ الله على نعمة وجود السيّد - أدام الله ظلّه ونفع المؤمنين ببركات وجوده - الذي ببركة جهاده حُقنت الدماء وأمنت النفوس، فليتنا نقدّر هذه النعمة الإلهيّة ونؤدي شكرها.
ما تراه في الصورة، شاهد تاريخي آخر على ضياع كتب العلماء بسبب تلك العوامل وغيرها.
هذه صورةٌ من الصفحة الأولى لقطعةٍ عامليّة من كتاب (الكافي) كُتب عليها:
(هذا الكتاب انوجد في جامع من جوامع بلاد المتواله في رَكْبةٍ عملها عليهم أمير الدروز سنة 1750 في شهر آب. أنا يوحنّا عجيمي، أخذتُه من السيد البطريرك كير كيرلس الذي أُعطي له من الجنود النصارة).
وفيما يخصّ أحداث هذه السنة المذكورة، يقول عيسى إسكندر المعلوف (1869-1956) في كتابه (مدينة زحلة، ص83) في وصف أحداث هذه السنة (1750م): (وفي هذه السنة تطاول المشايخ المناكرة على إقليم جزين، وقتلوا اثنين من خدام الشيخ علي جنبلاط، فشق ذلك على حاكم لبنان الأمير ملحم الشهابي، فجمع عسكراً من لبنان بينه الزحليون وسار بهم إلى جباع الحلاوة، فهرب المتاولة من وجهه، فاستظهر عليهم وأحرق كثيراً من قرى جبل عامل وقتل منهم نحو ثلاثمائة، وقطع أشجارهم وأحرق بلاد الشقيف وبلاد بشارة)، فلعلّ الكتاب أخذ من إحدى تلك المناطق، والله العالم.
.
.
حينما قرأت هذا النصّ، حمدتُ الله على نعمة وجود السيّد - أدام الله ظلّه ونفع المؤمنين ببركات وجوده - الذي ببركة جهاده حُقنت الدماء وأمنت النفوس، فليتنا نقدّر هذه النعمة الإلهيّة ونؤدي شكرها.
♦️ بركة التوسل بسيد الشهداء (عليه السلام)
قال الشيخ قطب الدين الراونديّ في ذِكر فضل التوسّل بسيد الشهداء (عليه السلام): (وحدّثني الشيخ أبو جعفر النيشابوريّ رضي الله عنه، قال: خرجتُ ذات سنةٍ إلى زيارة مولانا أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في جماعةٍ، فلمّا كنا على فرسخين من المشهد أو ثلاث أصاب رجلاً من الجماعة الفالجُ، وصار كأنّه قطعة لحمٍ، وجعل يناشدنا بالله أن لا نخلّيه ونحمله إلى المشهد.
قال: فشددناه على الدابة، وأخذنا نراعيه ونحافظه، فلمّا دخلنا المشهد (على ساكنيه الصلاة والسلام) وضعناه على ثوبٍ، وأخذ رجلان منّا طرفي الثوب، ورفعناهُ على القبر، وكان يدعو ويتضرّع ويبكي ويُقسم على الله بحقّ الحسين (عليه السلام) أن يهبَ له العافية.
قال: فلما وُضع الثوب على الأرض جلس الرجل ومشى، وكأنّما نشط من عقالٍ).
قال الشيخ منتجب الدين الرازي في توثيق ناقل القصة: (الشيخ الإمام قطب الدين أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن المقرئ النيسابوري، ثقةٌ عَيْنٌ، ...).
📚 المصادر:
• سلوة الحزين وتُحفة العليل، ص٢٣٥-٢٣٦، ح٥٧٢.
• فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنفيهم، ص١٥٧، رقم الترجمة ٣٦٣.
قال الشيخ قطب الدين الراونديّ في ذِكر فضل التوسّل بسيد الشهداء (عليه السلام): (وحدّثني الشيخ أبو جعفر النيشابوريّ رضي الله عنه، قال: خرجتُ ذات سنةٍ إلى زيارة مولانا أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في جماعةٍ، فلمّا كنا على فرسخين من المشهد أو ثلاث أصاب رجلاً من الجماعة الفالجُ، وصار كأنّه قطعة لحمٍ، وجعل يناشدنا بالله أن لا نخلّيه ونحمله إلى المشهد.
قال: فشددناه على الدابة، وأخذنا نراعيه ونحافظه، فلمّا دخلنا المشهد (على ساكنيه الصلاة والسلام) وضعناه على ثوبٍ، وأخذ رجلان منّا طرفي الثوب، ورفعناهُ على القبر، وكان يدعو ويتضرّع ويبكي ويُقسم على الله بحقّ الحسين (عليه السلام) أن يهبَ له العافية.
قال: فلما وُضع الثوب على الأرض جلس الرجل ومشى، وكأنّما نشط من عقالٍ).
قال الشيخ منتجب الدين الرازي في توثيق ناقل القصة: (الشيخ الإمام قطب الدين أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن المقرئ النيسابوري، ثقةٌ عَيْنٌ، ...).
📚 المصادر:
• سلوة الحزين وتُحفة العليل، ص٢٣٥-٢٣٦، ح٥٧٢.
• فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنفيهم، ص١٥٧، رقم الترجمة ٣٦٣.
♦️ ضَمَانُ الدُّنْيَا والآخِرَةِ
عن مسعدة بن صدقة، قال: وحدثني جعفر (عليه السلام)، قال: «قال أبي رضي الله عنه: ما من مؤمن قال هذه الكلمات سبعين مرة إلا وأنا ضامن له في دنياه وفي آخرته، فأما في دنياه فتتلقاه الملائكة ببشارة عند الموت، وأما في آخرته فإن له بكل كلمة منها بيتاً في الجنة، يقول: يا أسْمَعَ السَّامِعيْنَ، ويا أبْصَرَ النَّاظِريْنَ، ويا أسْرَعَ الحَاسِبيْنَ، ويا أرحَمَ الرَّاحِميْنَ، ويا أحكَمَ الحَاكِمِيْنَ».
📚 قرب الإسناد، ص٢، رقم الحديث ٥.
#روضة_المؤمن
عن مسعدة بن صدقة، قال: وحدثني جعفر (عليه السلام)، قال: «قال أبي رضي الله عنه: ما من مؤمن قال هذه الكلمات سبعين مرة إلا وأنا ضامن له في دنياه وفي آخرته، فأما في دنياه فتتلقاه الملائكة ببشارة عند الموت، وأما في آخرته فإن له بكل كلمة منها بيتاً في الجنة، يقول: يا أسْمَعَ السَّامِعيْنَ، ويا أبْصَرَ النَّاظِريْنَ، ويا أسْرَعَ الحَاسِبيْنَ، ويا أرحَمَ الرَّاحِميْنَ، ويا أحكَمَ الحَاكِمِيْنَ».
📚 قرب الإسناد، ص٢، رقم الحديث ٥.
#روضة_المؤمن
📜 ذكرٌ في الشّدائد
قال السيّد ابن طاوس (رحمه الله) في كتابه (مُهج الدّعوات): (ومن كتاب «تعبير الرؤيا» لمحمد بن يعقوب الكليني ما هذا لفظه: أحمد، عن الوشّاء، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: (رأيت أبي (عليه السّلام) في المنام، فقال: «يا بُنَيَّ إِذَا كُنْتَ في شِدّةٍ فَأكْثِرْ أَنْ تَقُولَ (يَا رَؤُوفُ يَا رَحِيْمُ)، والذِيْ تَرَاهُ فِيْ المَنَامِ كمَا تَرَاهُ فِيْ اليَقَظَةِ»).
في بحار الأنوار، ج٩٠، ص٢٧٢: (والذي نراه في المنام كما نراه في اليقظة)، وهو اللفظ الأنسب والأقرب، والله العالم.
📚 مهج الدّعوات ومنهج العنايات، ص٤٠٩، ط: مؤسسة شمس الضحى.
#روضة_المؤمن
قال السيّد ابن طاوس (رحمه الله) في كتابه (مُهج الدّعوات): (ومن كتاب «تعبير الرؤيا» لمحمد بن يعقوب الكليني ما هذا لفظه: أحمد، عن الوشّاء، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: (رأيت أبي (عليه السّلام) في المنام، فقال: «يا بُنَيَّ إِذَا كُنْتَ في شِدّةٍ فَأكْثِرْ أَنْ تَقُولَ (يَا رَؤُوفُ يَا رَحِيْمُ)، والذِيْ تَرَاهُ فِيْ المَنَامِ كمَا تَرَاهُ فِيْ اليَقَظَةِ»).
في بحار الأنوار، ج٩٠، ص٢٧٢: (والذي نراه في المنام كما نراه في اليقظة)، وهو اللفظ الأنسب والأقرب، والله العالم.
📚 مهج الدّعوات ومنهج العنايات، ص٤٠٩، ط: مؤسسة شمس الضحى.
#روضة_المؤمن
♦ صلاة جعفر الطيّار♦
ومن أهم فضائلها: إيجابها غفران الذنوب، وقضاء الحاجات، ورفع البليات، وتفريج الكربات.
روى ثقة الإسلام الكليني في (الكافي) بسند صحيح :
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن يحيى الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير:
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله لِجعفرٍ: يا جعفر! ألا أَمْنَحُكَ، ألا أُعْطِيكَ؟ ألا أَحْبُوكَ؟
فقال له جعفر: بَلى يا رسولَ الله، قال: فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يُعطِيهِ ذَهَباً أو فِضَّةً، فَتَشَرَّفَ النَّاسُ لِذلك، فقال له: إِنِّي أُعطِيكَ شَيْئاً إِنْ أنتَ صَنَعْتَهُ في كُلِّ يومٍ، كان خَيْراً لك من الدُّنيا وما فيها، وَإِنْ صَنَعْتَهُ بَيْنَ يَوْمَيْنِ، غُفِرَ لك ما بَيْنَهُمَا، أو كُلَّ جُمعةٍ، أو كُلَّ شَهْرٍ، أو كُلَّ سَنَةٍ، غُفِرَ لك ما بَيْنَهُمَا:
تُصَلِّي أربع ركعات تَبْتَدِئُ فَتَقْرَأُ، وتقولُ إذا فَرَغْتَ: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلَّا اللهُ، واللهُ أكبر؛ تقولُ ذلك خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً بعد القِراءة، فإذا رَكَعْتَ قُلْتَهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فإذا رَفَعْتَ رَأْسَكَ من الرُّكُوعِ قُلْتَهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فإذا سَجَدْتَ قُلْتَهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فإذا رَفَعْتَ رَأْسَكَ من السُّجُودِ فَقُلْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فإذا سَجَدْتَ الثانيةَ فَقُلْ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فإذا رَفَعْتَ رَأْسَكَ من السَّجْدَةِ الثانيةِ قُلْتَ عَشْرَ مَرَّاتٍ وأنتَ قَاعِدٌ قبلَ أن تقوم، فَذلك خَمْسٌ وَسَبْعُونَ تَسْبِيحةً، في كُلِّ ركعةٍ ثلاثمائةٍ تَسْبِيحةٍ، في أربع ركعاتٍ أَلْفٌ وَمائتا تَسْبِيحةٍ وَتَهْلِيلَةٍ وَتَكْبِيرَةٍ وَتَحْمِيدَةٍ؛ إِنْ شِئْتَ صَلَّيْتَهَا بالنَّهارِ، وَإِنْ شِئْتَ صَلَّيْتَهَا باللَّيْلِ".
📚 الكافي للكليني ج٦ ص٥٩٢-٥٩٣، كتاب الصلاة، باب صلاة التسبيح، رقم الحديث ١.
#روضة_المؤمن
ومن أهم فضائلها: إيجابها غفران الذنوب، وقضاء الحاجات، ورفع البليات، وتفريج الكربات.
روى ثقة الإسلام الكليني في (الكافي) بسند صحيح :
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن يحيى الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير:
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله لِجعفرٍ: يا جعفر! ألا أَمْنَحُكَ، ألا أُعْطِيكَ؟ ألا أَحْبُوكَ؟
فقال له جعفر: بَلى يا رسولَ الله، قال: فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يُعطِيهِ ذَهَباً أو فِضَّةً، فَتَشَرَّفَ النَّاسُ لِذلك، فقال له: إِنِّي أُعطِيكَ شَيْئاً إِنْ أنتَ صَنَعْتَهُ في كُلِّ يومٍ، كان خَيْراً لك من الدُّنيا وما فيها، وَإِنْ صَنَعْتَهُ بَيْنَ يَوْمَيْنِ، غُفِرَ لك ما بَيْنَهُمَا، أو كُلَّ جُمعةٍ، أو كُلَّ شَهْرٍ، أو كُلَّ سَنَةٍ، غُفِرَ لك ما بَيْنَهُمَا:
تُصَلِّي أربع ركعات تَبْتَدِئُ فَتَقْرَأُ، وتقولُ إذا فَرَغْتَ: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلَّا اللهُ، واللهُ أكبر؛ تقولُ ذلك خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً بعد القِراءة، فإذا رَكَعْتَ قُلْتَهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فإذا رَفَعْتَ رَأْسَكَ من الرُّكُوعِ قُلْتَهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فإذا سَجَدْتَ قُلْتَهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فإذا رَفَعْتَ رَأْسَكَ من السُّجُودِ فَقُلْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فإذا سَجَدْتَ الثانيةَ فَقُلْ عَشْرَ مَرَّاتٍ، فإذا رَفَعْتَ رَأْسَكَ من السَّجْدَةِ الثانيةِ قُلْتَ عَشْرَ مَرَّاتٍ وأنتَ قَاعِدٌ قبلَ أن تقوم، فَذلك خَمْسٌ وَسَبْعُونَ تَسْبِيحةً، في كُلِّ ركعةٍ ثلاثمائةٍ تَسْبِيحةٍ، في أربع ركعاتٍ أَلْفٌ وَمائتا تَسْبِيحةٍ وَتَهْلِيلَةٍ وَتَكْبِيرَةٍ وَتَحْمِيدَةٍ؛ إِنْ شِئْتَ صَلَّيْتَهَا بالنَّهارِ، وَإِنْ شِئْتَ صَلَّيْتَهَا باللَّيْلِ".
📚 الكافي للكليني ج٦ ص٥٩٢-٥٩٣، كتاب الصلاة، باب صلاة التسبيح، رقم الحديث ١.
#روضة_المؤمن
📚أهمية المطالعة في وقت الفراغ
لا ينبغي أن تفوتنا أوقات الفراغ خلال هذه الأيام من دون اغتنام الفوائد، ولا سيما فيما يتعلق بالمعرفة والأخلاق وغير ذلك مما لا تُعدم فائدته في حياة الإنسان وسلوكه الديني والاجتماعي، ولذلك أقترح على الأحبة مطالعة هذا الكتاب، فقد جمع مؤلفه فيه لطائفَ كتبٍ شتى، واختصر بما انتخبه كثيراً من المطوّلات، فهو نافع لمن يرغب بالموجز الثريّ بالنفع والفائدة، وقد أورد المؤلف من حديث أهل البيت عليهم السلام ما يتعلق بأمور ترتبط بجانبي معرفة الله والأخلاق الحميدة والآداب الإسلامية التي تحتاج إليها النفوس في سيرها إلى مرضاة الله تعالى.
مشكاة الأنوار في غرر الأخبار
تأليف الشيخ: علي بن الحسن الطبرسي.
رابط الكتاب:
http://alfeker.net/library.php?id=2102
..
لا ينبغي أن تفوتنا أوقات الفراغ خلال هذه الأيام من دون اغتنام الفوائد، ولا سيما فيما يتعلق بالمعرفة والأخلاق وغير ذلك مما لا تُعدم فائدته في حياة الإنسان وسلوكه الديني والاجتماعي، ولذلك أقترح على الأحبة مطالعة هذا الكتاب، فقد جمع مؤلفه فيه لطائفَ كتبٍ شتى، واختصر بما انتخبه كثيراً من المطوّلات، فهو نافع لمن يرغب بالموجز الثريّ بالنفع والفائدة، وقد أورد المؤلف من حديث أهل البيت عليهم السلام ما يتعلق بأمور ترتبط بجانبي معرفة الله والأخلاق الحميدة والآداب الإسلامية التي تحتاج إليها النفوس في سيرها إلى مرضاة الله تعالى.
مشكاة الأنوار في غرر الأخبار
تأليف الشيخ: علي بن الحسن الطبرسي.
رابط الكتاب:
http://alfeker.net/library.php?id=2102
..
alfeker.net
مشكاة الأنوار في غرر الأخبار
الفكر للكتب الإلكترونية المصورة pdf.
فضل سورة الفاتحة في الاستشفاء
في ظلّ هذه الظروف المحفوفة بالبلاء، علينا – إخواني المؤمنين – أنْ لا ننسى التمسّك بالقرآن وأدعية أهل البيت (عليهم السلام) في دفع آثار هذه العلل والأوبئة، فإنّ فيهما لـ(أهل اليقين) منافع جمّة في دفع بلاء المرض، ومن أهمّ ما يُوصى به: المواظبة على قراءة سورة الفاتحة سبعين مرّة.
روى ثقة الإسلام الكلينيّ بسندٍ صحيحٍ عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لو قُرئت الحمدُ على ميّتٍ سبعين مرّة ثُمّ رُدَّت فيه الروح ما كان ذلك عَجَباً» (١).
وروى أيضاً عنه (عليه السلام): «ما قُرئتِ الحمدُ على وجعٍ سبعين مرّة إلا سكنَ»(٢).
وقد ذكر العُلماء في كتبهم شيئاً من فضلها، ومنهم: الشيخ محمّد تقي المجلسيّ، فقد قال في شرحه العربيّ على (من لا يحضره الفقيه): (وأنا جربت أزيد من ألف رجل كانوا في المرض الشديد الذي آيسوا منه فبرأوا بالحمد والحمد لله رب العالمين، وهذا أيضا من معجزات القرآن بل كل آية من آيات القرآن معجزة فإنها إذا قرئت لأي مطلب كان فهو حاصل إذا كان مع الإخلاص واليقين)(٣).
وقال في شرحه الفارسيّ على الكتاب المذكور: (و همچنين سوره حمد و به وحدانيت الهى كه بسيار بيمارى را كه اطبّا همگى عاجز شده بودند و محتضر بودند هفتاد مرتبه حمد خواندهام و شفا يافتهاند ، اين معنى بر اكثر اهل اصفهان ظاهر است)(٤).
وترجمة ما قاله - رحمه الله -: (وكذلك سورة الحمد، فوالله لقد قرأتُها سبعين مرّة على كثيرٍ من المرضى الذين عجز الأطباء عن علاجهم وكانوا في حال الاحتضار وقد تعافوا من المرض، وهذا الأمرُ ظاهرٌ لأكثر أهل أصفهان).
وما قاله - رضي الله عنه - مشهودٌ بالعيان، أدركه جماعةٌ من الأصحاب، وهم لا يرتابون في أثرها العظيم وفضلها الجليل، نسأل الله تبارك أن يرزقنا بركة كتابه واتّباع آثار حججه صلوات الله عليهم أجمعين.
تبصرة: يمكن أن يقرأ المريض السورة بنفسه، ويصحّ أن يقرأها عليه شخصٌ آخر، ولعلّه أيضاً لا بأس بقراءتها بنيّة شفاء المؤمنين.
https://www.tg-me.com/mesbah_qom/404
-------------------------
(١) الكافي، ج٤، ص٦٤٨، رقم الحديث ٣٦٥٠.
(٢) الكافي، ج٤، ص٦٤٨، رقم الحديث ٣٥٥٩.
(٣) روضة المتقين، ج١٩، ص٣٣٩-٣٤٠.
(٤) لوامع صاحبقرانى، ج١، ص١٢٣.
في ظلّ هذه الظروف المحفوفة بالبلاء، علينا – إخواني المؤمنين – أنْ لا ننسى التمسّك بالقرآن وأدعية أهل البيت (عليهم السلام) في دفع آثار هذه العلل والأوبئة، فإنّ فيهما لـ(أهل اليقين) منافع جمّة في دفع بلاء المرض، ومن أهمّ ما يُوصى به: المواظبة على قراءة سورة الفاتحة سبعين مرّة.
روى ثقة الإسلام الكلينيّ بسندٍ صحيحٍ عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لو قُرئت الحمدُ على ميّتٍ سبعين مرّة ثُمّ رُدَّت فيه الروح ما كان ذلك عَجَباً» (١).
وروى أيضاً عنه (عليه السلام): «ما قُرئتِ الحمدُ على وجعٍ سبعين مرّة إلا سكنَ»(٢).
وقد ذكر العُلماء في كتبهم شيئاً من فضلها، ومنهم: الشيخ محمّد تقي المجلسيّ، فقد قال في شرحه العربيّ على (من لا يحضره الفقيه): (وأنا جربت أزيد من ألف رجل كانوا في المرض الشديد الذي آيسوا منه فبرأوا بالحمد والحمد لله رب العالمين، وهذا أيضا من معجزات القرآن بل كل آية من آيات القرآن معجزة فإنها إذا قرئت لأي مطلب كان فهو حاصل إذا كان مع الإخلاص واليقين)(٣).
وقال في شرحه الفارسيّ على الكتاب المذكور: (و همچنين سوره حمد و به وحدانيت الهى كه بسيار بيمارى را كه اطبّا همگى عاجز شده بودند و محتضر بودند هفتاد مرتبه حمد خواندهام و شفا يافتهاند ، اين معنى بر اكثر اهل اصفهان ظاهر است)(٤).
وترجمة ما قاله - رحمه الله -: (وكذلك سورة الحمد، فوالله لقد قرأتُها سبعين مرّة على كثيرٍ من المرضى الذين عجز الأطباء عن علاجهم وكانوا في حال الاحتضار وقد تعافوا من المرض، وهذا الأمرُ ظاهرٌ لأكثر أهل أصفهان).
وما قاله - رضي الله عنه - مشهودٌ بالعيان، أدركه جماعةٌ من الأصحاب، وهم لا يرتابون في أثرها العظيم وفضلها الجليل، نسأل الله تبارك أن يرزقنا بركة كتابه واتّباع آثار حججه صلوات الله عليهم أجمعين.
تبصرة: يمكن أن يقرأ المريض السورة بنفسه، ويصحّ أن يقرأها عليه شخصٌ آخر، ولعلّه أيضاً لا بأس بقراءتها بنيّة شفاء المؤمنين.
https://www.tg-me.com/mesbah_qom/404
-------------------------
(١) الكافي، ج٤، ص٦٤٨، رقم الحديث ٣٦٥٠.
(٢) الكافي، ج٤، ص٦٤٨، رقم الحديث ٣٥٥٩.
(٣) روضة المتقين، ج١٩، ص٣٣٩-٣٤٠.
(٤) لوامع صاحبقرانى، ج١، ص١٢٣.
💡آفة الطمع وآثارها الخطيرة
رُوي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من أصبح وأمسى وعنده ثلاث فقد تمَّت عليه النعمة في الدنيا: من أصبح وأمسى معافىً في بدنه، آمناً في سربه، عنده قوت يومه، فإنْ كانت عنده الرابعة فقد تمَّت عليه النعمة في الدنيا والآخرة وهو الإسلام».
هذا الدرس الأخلاقي عظيم الأثر في تربية النفس على القناعة وطلب الكفاف، فإنّ الدنيا -بما هي دار ممرّ لا دار مقر - يكفي لتدبير الأحوال فيها أن يكون الإنسان في عافيةٍ، وعنده ما يستعين به في هذه الحياة ويُغنيه عن الحاجة إلى شرار الخلق وسُبل الحرام. وتثبيت النفس على هذا الخُلُق العظيم يعني انقطاع النّفس عن الطمع، وسخائها عمّا في هذه الدنيا الفانية، وفي هذا نفعٌ عظيمٌ لكل مؤمن، فإنّ الطمعَ مزلّة الأقدام وموقد نيران الشرور وأساس كل بليّة، .. والحرب بين النفس الإنسانيّة والطمع قديمة منذ بدء البشريّة، فقد يسّر الله لآدم (عليه السلام) أسباب الكفاف التي تكتفي بها النفس القانعة، فقال: (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى • وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى • فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى)، ولكن الطمع في الخلود والمُلك الدائم قاد آدم إلى الاستجابة لوساوس الشيطان، فكان ذلك سبباً للخروج من الجنّة، وقد وصفَ الإمام الصادق عليه السلام الطمع بأنّه من أصول الكفر - أي: كُفر النعمة -، وهذا يعني أنّه بابٌ للهلاك أو الخسارة، ولذلك نصح اللهُ تعالى بني آدم ليتعظّوا من هذا الدرس، ويجتنبوا مثل هذه الخصلة، فقال: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ..).
وفي مثل هذه الأيام، حيث تعصفُ الشدائد بكثيرٍ من الناس في شتى البلدان تظهرُ معادنُ الناس، وتبين أخلاقهم، ويُعرف بهذه الشدائد من كانت نفسه سخيّة عن الدنيا، قانعة بما آتاها الله، ويُعرف أيضاً من كانت نفسه مفتقرة للعفّة والقناعة، وغارقةً في اللؤم والطمع والجشع وحُبّ المال والدنيا.
إن الإنسان المبتلى بهذه الصفة الذميمة هو في حقيقته كالسباع الضارية التي تنتظر الفرصة المناسبة لتنهش لحوم الآخرين، وأي عمل أقبح من هذا؟! فيا أيّها الطامع المتغذّي بآلام الناس: ألم يُعافِكَ اللهُ في بدنك؟ ألم يُنعم عليك بقوتِ يومِكَ -بل ربّما بقوتِ سَنَتِكَ-؟ فلم الطمع؟ ولم إيثار حبّ المال على معونة الإخوان؟ إنّ من حقّ الله الذي أنعم عليكَ أنْ تكونَ قانعاً راضياً بما قسم لك، وأن تهذّب نفسك بالأخلاق المرضيّة بعيداً عن الطمع والتعلّق بما يزول ويفنى، فإن الآخرة خير لك وأبقى..
رُوي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من أصبح وأمسى وعنده ثلاث فقد تمَّت عليه النعمة في الدنيا: من أصبح وأمسى معافىً في بدنه، آمناً في سربه، عنده قوت يومه، فإنْ كانت عنده الرابعة فقد تمَّت عليه النعمة في الدنيا والآخرة وهو الإسلام».
هذا الدرس الأخلاقي عظيم الأثر في تربية النفس على القناعة وطلب الكفاف، فإنّ الدنيا -بما هي دار ممرّ لا دار مقر - يكفي لتدبير الأحوال فيها أن يكون الإنسان في عافيةٍ، وعنده ما يستعين به في هذه الحياة ويُغنيه عن الحاجة إلى شرار الخلق وسُبل الحرام. وتثبيت النفس على هذا الخُلُق العظيم يعني انقطاع النّفس عن الطمع، وسخائها عمّا في هذه الدنيا الفانية، وفي هذا نفعٌ عظيمٌ لكل مؤمن، فإنّ الطمعَ مزلّة الأقدام وموقد نيران الشرور وأساس كل بليّة، .. والحرب بين النفس الإنسانيّة والطمع قديمة منذ بدء البشريّة، فقد يسّر الله لآدم (عليه السلام) أسباب الكفاف التي تكتفي بها النفس القانعة، فقال: (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى • وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى • فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى)، ولكن الطمع في الخلود والمُلك الدائم قاد آدم إلى الاستجابة لوساوس الشيطان، فكان ذلك سبباً للخروج من الجنّة، وقد وصفَ الإمام الصادق عليه السلام الطمع بأنّه من أصول الكفر - أي: كُفر النعمة -، وهذا يعني أنّه بابٌ للهلاك أو الخسارة، ولذلك نصح اللهُ تعالى بني آدم ليتعظّوا من هذا الدرس، ويجتنبوا مثل هذه الخصلة، فقال: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ..).
وفي مثل هذه الأيام، حيث تعصفُ الشدائد بكثيرٍ من الناس في شتى البلدان تظهرُ معادنُ الناس، وتبين أخلاقهم، ويُعرف بهذه الشدائد من كانت نفسه سخيّة عن الدنيا، قانعة بما آتاها الله، ويُعرف أيضاً من كانت نفسه مفتقرة للعفّة والقناعة، وغارقةً في اللؤم والطمع والجشع وحُبّ المال والدنيا.
إن الإنسان المبتلى بهذه الصفة الذميمة هو في حقيقته كالسباع الضارية التي تنتظر الفرصة المناسبة لتنهش لحوم الآخرين، وأي عمل أقبح من هذا؟! فيا أيّها الطامع المتغذّي بآلام الناس: ألم يُعافِكَ اللهُ في بدنك؟ ألم يُنعم عليك بقوتِ يومِكَ -بل ربّما بقوتِ سَنَتِكَ-؟ فلم الطمع؟ ولم إيثار حبّ المال على معونة الإخوان؟ إنّ من حقّ الله الذي أنعم عليكَ أنْ تكونَ قانعاً راضياً بما قسم لك، وأن تهذّب نفسك بالأخلاق المرضيّة بعيداً عن الطمع والتعلّق بما يزول ويفنى، فإن الآخرة خير لك وأبقى..
حدوث الأزمات الكونيّة أمر معهود في كافة الأعصار، ولم يكن يشكل أي تهديدٍ للمعرفة الدينية في الإسلام وما سبقه من أديان إلهية؛ لأن الدين لم يلقّن الناس أن الله قد كفل لمطيعيه أن يجعل لهم استثناءً تكوينياً خاصّاً في حياتهم، فلم يعطِ لكل مؤمن صكَّ ضمانٍ من الآفات والأمراض والحوادث المميتة والفقر والضعف، بل أجرى الأمور بأسبابها. وإن بدا لنا خلاف ذلك من قبيل الكرامة أو المعجزة فهذا حق ولكنه ليس مطّرداً في كل الأحوال، ولا ضُمِنَ اطّراده دائماً، ولذلك كانت سيرة العلماء في التعاطي مع هذه الأزمات على أنها أحداث طبيعية لا تخرق نظام الدين أو تزعزعه، ولا تنافي اعتقادنا بقدرة الأولياء والصالحين على إحداث استثناء تكويني من قبيل خوارق العادات، ولذلك لا نجد في كلماتهم كما نرى في هذا الوقت البائس من اضطراب وتشويش عند البعض في فهم هذه الظواهر وتحليلها.
من النماذج التاريخية التي تبيّن آثار بعض الأزمات الكونيّة التي تسببت بما يأبى البعضُ تصديقَ مثله ما قاله السيد نعمة الله الجزائريّ في وصف زلازل كانت في عصره، وأضرت بالعباد، ولم تستثنِ القبة الرضوية الشريفة، بل صدّعتها، ومع ذلك لم يوقِع هذا الأمر وَهْناً في اعتقاد هذا العالِم الذي عاينَ هذه الظروف المريرة بنفسه، ولم يتورط في بناء خيالات ذهنيّة لا يمكن إثباتها، بل ربما كانت عبئاً على الدين!
قال رحمه الله: (ولقد حدث في عشر الثمانين بعد الألف زلازل بطوس، حتى خربت البنيان، وأهلكت النفوس، فذهب من المشهد الرضويّ على صاحبه أفضل الصلوات آلافٌ من الأنفس من الرجال والنساء وتصدَّعتْ قبتُّه - عليه السلام -، وذهب من نيشابور فوق أربعة آلاف إنسان، وقد حدث في شيروان زلازل انقلبت منها بلاد كثيرة، وتحوَّلت بها رساتيق من أماكنها إلى أمكنةٍ بعيدةٍ عن مكانها الأوّل، وذهبت أنفسٌ لا يحصي عددها إلا الله سبحانه، وكذلك حدث في سنة التاسعة والثمانين بعد الألف وهي سنة تاريخ تأليف هذا الكتاب زلازل في بلاد طبرستان حتى ساخَتْ منها بعض البلدان تحت الأرض وانقلبت بها بعضُ البلاد وهلكت النفوس)، انظر: الأنوار النعمانيّة، ج١، ص٣١٦.
وللحديث بقيّة..
من النماذج التاريخية التي تبيّن آثار بعض الأزمات الكونيّة التي تسببت بما يأبى البعضُ تصديقَ مثله ما قاله السيد نعمة الله الجزائريّ في وصف زلازل كانت في عصره، وأضرت بالعباد، ولم تستثنِ القبة الرضوية الشريفة، بل صدّعتها، ومع ذلك لم يوقِع هذا الأمر وَهْناً في اعتقاد هذا العالِم الذي عاينَ هذه الظروف المريرة بنفسه، ولم يتورط في بناء خيالات ذهنيّة لا يمكن إثباتها، بل ربما كانت عبئاً على الدين!
قال رحمه الله: (ولقد حدث في عشر الثمانين بعد الألف زلازل بطوس، حتى خربت البنيان، وأهلكت النفوس، فذهب من المشهد الرضويّ على صاحبه أفضل الصلوات آلافٌ من الأنفس من الرجال والنساء وتصدَّعتْ قبتُّه - عليه السلام -، وذهب من نيشابور فوق أربعة آلاف إنسان، وقد حدث في شيروان زلازل انقلبت منها بلاد كثيرة، وتحوَّلت بها رساتيق من أماكنها إلى أمكنةٍ بعيدةٍ عن مكانها الأوّل، وذهبت أنفسٌ لا يحصي عددها إلا الله سبحانه، وكذلك حدث في سنة التاسعة والثمانين بعد الألف وهي سنة تاريخ تأليف هذا الكتاب زلازل في بلاد طبرستان حتى ساخَتْ منها بعض البلدان تحت الأرض وانقلبت بها بعضُ البلاد وهلكت النفوس)، انظر: الأنوار النعمانيّة، ج١، ص٣١٦.
وللحديث بقيّة..
#تابع
ولذلك: ينبغي مراعاة هذه المسائل خلال التخريج في الدراسات والتحقيقات؛ لتقديم صورة علميّة متقنة عن الفكرة التي نكتب فيها أو نحققها، ونقلل من الاستطراد الذي لا نفع منه، ويشكل عبئاً من جهة الوقت واستهلاك الورق وتضخيم بعض الكتب بشكل غير مبرّر.
ولذلك: ينبغي مراعاة هذه المسائل خلال التخريج في الدراسات والتحقيقات؛ لتقديم صورة علميّة متقنة عن الفكرة التي نكتب فيها أو نحققها، ونقلل من الاستطراد الذي لا نفع منه، ويشكل عبئاً من جهة الوقت واستهلاك الورق وتضخيم بعض الكتب بشكل غير مبرّر.