Telegram Web Link
اتّفق لي اليوم أن وقفتُ على كتابٍ بعنوان (كنز المعاني في شرح غيبة النعمانيّ)، وهو شرح لكتاب «الغيبة» للشيخ النعماني رحمه الله (المتوفى في القرن الرابع الهجري)، ويقع في ثلاثة مجلدات، وللأسف كان مستوى الكتاب محبطاً جداً لكثرة ثغراته ومواضع ضعفه، فمما يؤخذ عليه:
١. خلوّه من التحقيقات العلميّة المتينة التي تليق بمستوى الكتاب، بنحو ينبئ عن كون علاقة الشارح بالكتاب ضعيفة إلى درجة عدم الوقوف على كثير من دقائق الكتاب التي ينبغي الوقوف عندها وتبيينها بشكل واضح.
٢. سطحية الشرح في أكثر المواضع حيث يكون الشرح مقتصراً على بيان معاني الكلمات، وأحياناً يكون الشرح للمضامين على غير الجادّة، مع ما يتخلل ذلك من سوء الاستظهار من كلمات العلماء، أو ردّ بعض كلمات العلماء من دون تتبع أو تدقيق وافٍ. هذا غير تجاهل شرح جملة من الروايات المهمة ذات الدلالات المؤثرة.
٣. عدم التقيد بضوابط التخريج والعزو العلميّ.
٤. النسخ عن كتب أخرى من دون العزو إليها.
٥. كثرة الأخطاء النّحويّة والإملائيّة بنحو ينبئ عن وجود ضعف في اللغة العربية، وهو ما يوجب ضعف الوثوق بالقدرة على شرح المتون القديمة.
٦. ورود الاختلال على مضامين بعض الروايات من سقطٍ مخلّ بالمعنى، أو تصحيف مغيّر للمعنى من دون التثبت بالرجوع إلى بعض النسخ الخطية المتقنة.
في الواقع، مما لمسته عن قرب، ومن خلال تجربة امتدت سنوات عديدة من العمل على هذا الكتاب والبحث في سيرة مؤلّفه، هناك الكثير من النكات الدقيقة والمهمة التي ينبغي إبرازها عند شرح هذا الكتاب، لا أن يقتصر الأمر على الشرح اللغويّ، أو الشرح المضمونيّ الركيك مع الغفلة عن الخلفيات التاريخيّة والروائية الكامنة في هذه النصوص التراثيّة القيّمة، فهذه الروايات ذات أبعاد عميقة، لا ينبغي أن يتعامل معها بهذا المقدار من السطحيّة.
أثر القرآن في نفوس طلّاب الحقّ وأهل الإخلاص

من جملة الأمور التي تثير الاهتمام والتأمّل في سيرة النبيِّ -صلّى الله عليه وآله- ونزول القرآن الكريم عليه ما ورد في بعض الآيات التي تصف طبيعة تفاعل بعض النّاس في بداية الدّعوة الإسلاميّة عند سماعهم للقرآن، حيث تبيّن مشهداً إيمانيّاً عظيماً يشهدُ بجلالة القرآن وتأثيره في النّفوس إلى درجة خشوع الجوارح والجوانح، وهذا الأمر يشير إلى صفة الفاعليّة في القرآن؛ حيث لا شكّ في تأثير القرآن على النّفوس وأثره في إخراجها من عالم الوهم والغفلة والظلمات، وهذا ثابتٌ بنصوص الوحي في آياته وأحاديث الأئمّة -عليهم السّلام-، ومن ذلك قوله تعالى: (لَوْ أنزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ).
ولكن الذي يستوقف المتأمّل هي طبيعة انفعال الآخرين بآيات القرآن الكريم، حيث أخذ بمجامع قلوبهم، وألقى في نفوسهم ألطافاً إلهيّة نبّهت فطرتهم إلى ما نزل من الحقّ، ويتّضح هذا من خلال بعض الشواهد القرآنيّة التي تشير إلى هذه المواقف:
الشاهد الأول: قوله تعالى: (اللهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الزّمر:23].
الشاهد الثّاني: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً. قُلْ آمِنُوا بِهِ أوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ للأذْقَانِ سُجَّداً. وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً. وَيَخِرُّونَ للأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) [الإسراء: 106-108].
الشاهد الثالث: (لَتَجِدَنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وأنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ. وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [المائدة: 82-83].
الشّاهد الرّابع: (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال: 2].
فهذه الأوصاف (تقشعرّ منه جلود الذين يخشون ربّهم)، (يخرّون للأذقان سُجّداً.. ويخرّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً)، (أعينهم تفيض من الدّمع)، (وجلت قلوبهم)، تبيّن مدى تأثير القرآن الكريم في النّفوس المستعدّة ذات القابليّة لاكتساب المواهب والعطايا الإلهيّة، وعليه يمكن جعلها معياراً لاختبار مدى تفاعلنا مع كتاب الله وتوجّه قلوبنا نحوه، فهل نحن كذلك أم في غفلةٍ من أمرنا عن هذه النّعمة الإلهيّة الكبيرة؟ ومن هنا ذكر الإمام أمير المؤمنين -صلوات الله عليه- هذه الحالة في تلاوة القرآن من صفات المتّقين حيث قال: "أمّا اللّيل فصافُّون أقدامهم تالينَ لأجزاء القرآن يرتّلونه ترتيلاً، يُحزِّنونَ به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم، فإذا مرُّوا بآيةٍ فيها تشويقٌ ركنوا إليها طمعاً، وتطلّعت نفوسهم إليها شوقاً، وظنّوا أنّها نصب أعينهم، وإذا مرّوا بآيةٍ فيها تخويفٌ، أصغوا إليها مسامع قلوبهم، وظنُّوا أنّ زفير جهنّم وشهيقها في أصول آذانهم..." [نهج البلاغة: 469، الخطبة193].
نسأل الله أن يوقظنا من الغفلة، ونستعيذ به من الكسل، ونرجوه التوفيق للطّاعة بحقّ محمّد وآل محمّد.
رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وآله-: «فإذا التبست عليكم الفتن كقِطَع اللّيل المُظلم فعليكم بالقرآن؛ فإنه شافع مُشفَّع، وماحلٌ مصدَّقٌ، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلفه ساقَهُ إلى النّار، وهو الدّليل يدلُّ على خير سبيلٍ، وهو كتابٌ فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكمٌ، وباطنه علم، ظاهره أنيق، وباطنه عميق، له نجومٌ، وعلى نجومه نجوم، لا تُحصَى عجائبه، ولا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهُدى ومنار الحكمة، ودليلٌ على المعرفة لمن عرف الصّفة، فليجلُ جالٍ بصرَه وليُبْلغِ الصّفةَ نظرَه ينجُ من عَطَبٍ ويتخلّص من نَشَبٍ؛ فإن التفكُّر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظُّلمات بالنور، فعليكم بحُسن التخلّص وقلة التربّص».

📚الكافي، ج4، ص594-596، رقم الحديث 3474، كتاب فضل القرآن، ح2.
روى ثقة الإسلام الكلينيّ بإسناده عن النبيّ -صلّى الله عليه وآله-: «نوّروا بيوتكم بتلاوة القرآن، ولا تتّخذوها قبوراً كما فعلت اليهود والنّصارى، صلّوا في الكنائس والبِيَع وعطّلوا بيوتهم؛ فإنّ البيت إذا كثر فيه تلاوة القرآن كثر خيره واتّسع أهله وأضاء لأهل السماء كما تضيء نجوم السّماء لأهل الدّنيا».

📚 الكافي، ج٤، ٦١٨-٦١٩، رقم الحديث ٣٥٠٩، كتاب فضل القرآن، باب البيوت التي يقرأ فيها القرآن، ح١.
ما هو مصدر الحديث المعروف: (أفضل الأعمال أحمزها)؟

✍🏻 الشيخ حسن فوزي فوّاز

رابط الإجابة: http://basaer-qom.com/q29
..
بسم الله الرحمن الرحيم

صدر حديثاً عن مؤسسة بصائر للتّحقيق والدراسات الإسلاميّة كتاب «مقباس المصابيح» للعلّامة المحدّث الخبير الشيخ محمّد باقر المجلسيّ - قدّس سرّه -، تعريب وتحقيق: الشيخ إبراهيم جواد - الشيخ شهاب الدين مهدويّ.
ويعدّ هذا الكتاب من المؤلّفات المستوعبة لروايات وأدعية التعقيب بعد صلاة الفريضة وما يتعلق بها مع زيادات نافعة، كما أنه يمتاز بحسن التنظيم والترتيب.
ويتألّف الكتاب من عشرة فصول:
الفصل الأول: في فضل التعقيب وشرائطه وآدابه.
الفصل الثاني: في التعقيبات المستحبة بعد كل فريضة.
الفصل الثالث: في التعقيبات الخاصة بصلاة الظهر.
الفصل الرّابع: في التعقيبات الخاصة بصلاة العصر.
الفصل الخامس: في التعقيبات الخاصة بصلاة المغرب.
الفصل السادس: في التعقيبات الخاصة بصلاة العشاء.
الفصل السابع: في التعقيبات الخاصة بصلاة الصبح.
الفصل الثامن: في بيان فضل سجدة الشكر وكيفيتها.
الفصل التاسع: في بيان الأدعية التي ينبغي أن تُقرأ في الصباح والمساء.
الفصل العاشر: في الأدعية التي ينبغي أن تقرأ في ساعات اليوم، والأدعية التي لم تختص بساعة معيّنة.

وقد تمت ترجمة الكتاب وتحقيق متون رواياته وأدعيته وضبطها بالاستناد إلى أقدم نسخ الكتاب والتي كُتبت في زمن حياة الشيخ المصنّف (رحمه الله)، بالإضافة أربع نسخ خطيّة أخرى.

يتوفّر الكتاب لدى دار زين العابدين - قم المقدسة العنوان: قم، خيابان معلّم، مجتمع ناشران، دار زين العابدين، محل رقم 125.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
كشف المشروع الشيطانيّ للحضارة الغربية (١)

لا يمكن لمسلمٍ عاقلٍ أن يتسامح مع مطالب الحركات النسوية أو دعاة الليبراليّة عموماً؛ لأن التنازل عن أصغر حكمٍ شرعيّ في مقابل هؤلاء يعني أن تفقد هويّتك الإسلاميّة بالتدريج، وما تتسامح به اليوم سيُفقدك المبرر لرفضك انحرافات أخرى، بل سيجعل اليد العليا لهم.
يجب أن نعتز بهويتنا الإسلامية، وأن لا نتراجع أمام سيل الشيطنة الذي لا يريد أن يبقي حجراً على حجر؛ فالإسلام دينٌ غير متساهلٍ ولا متسامحٍ مع أي انحرافٍ يمسخ فطرة الإنسان أو يكون باباً لوجود انحرافات مستقبليّة.
ولذلك: يجب أن تُقابَل دعوة أولئك الذين استحوذ عليهم الشيطان بكل صرامة وشدّة، فيجب التشدّد في الحفاظ على القيم والفضائل والمثل العليا في مجتمعنا بدءاً من الالتزام بالأسرة ومكانة الوالدين مروراً بقيمنا الاجتماعية الأخلاقية، وانتهاءً بالالتفاف حول مرجعية الفقهاء العدول الذين بهم نظام الأمر وصيانة الدّين.

-----
المتحدث في الفيديو (تاكر كارلسون) صحفي وكاتب أمريكي.
مصباح الهداية
Photo
على هذه الكرة الأرضيّة كلها، لا تكاد تجد أتباع دينٍ ما يشغلون أنفسهم ويختلفون فيما بينهم حول حكم تهنئة المسلمين بعيد الأضحى مثلاً، فهم غير آبهين بهذه المناسبة، ولا تهمّهم نظرة المسلم إليهم كثيراً، ولذلك يتصرّفون بشكل طبيعيّ منسجمين مع ذواتهم.
أما الشيء غير الطبيعيّ فهو سلوك المسلمين المنهزمين الذين يبحثون عن رضا كل ديانة ومذهب وطريقة على وجه الأرض، ويشعرون بالألم إذا لم يبدوا رخويّتهم الدينيّة في كل مناسبة!

من المؤسف أن يكون تديّننا قائماً على العاطفة، فلو أن أهل ديانةٍ يحتفلون في يومٍ ما، وكان هذا الاحتفال خادشاً لجانب شخصيات دينية نتعلّق بها ونهواها كثيراً لانزعجنا بشكل واضح، ولكن للأسف، مع وضوح قيام هذه الاحتفالات السنوية على خدشة في توحيد الله تعالى لا نكاد نبدي انزعاجاً مما ظاهره جذّاب وأصله قائم على الشرك بالله.

"تكاد السماوات يتفطّرن منه" يعني أن قلب المسلم يشمئزّ وينفر من كلّ ما يرتبط بالوثنيّة والشرك كما ينفر من الاعتداء على عرضه، فمظاهر الشرك أقبح وأنتن من أي خطيئةٍ، وينبغي على دعاة الحقّ أن لا يجاملوا في هذا، فهو لا يتنافى مع ”العيش المشترك“، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أحسن معاملة أهل الذمّة، ولكنه لم يدارِهم في الاعتقاد.
موجبات استكمال الإيمان وفتح أبواب الجنان

روى البرقيّ بسندٍ صحيحٍ: (عن موسى بن القاسم، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، عن أبيه الصادق عليهما السّلام، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: من أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، وأدّى زكاة ماله، وكفّ غضبه، وسجن لسانه، واستغفر لذنبه، وأدّى النّصيحة لأهل بيت رسول الله -صلّى الله عليه وآله- فقد استكمل حقائق الإيمان، وأبواب الجنّة مُفتّحة له).

📚المحاسن، ج1، ص452-453، رقم الحديث 1042.
ضعف رواية دعاء «اللهمّ إني أسألك بالمولودَيْنِ في رجب»

قال الشيخ الطوسيّ في كتابه (مصباح المتهجّد): (قال ابن عيّاش: وخرج إلى أهلي على يد الشيخ الكبير أبي القاسم رضي الله عنه في مقامه عندهم هذا الدّعاء في أيام رجب: اللهمّ إني أسألك بالمولودَيْنِ في رجب محمّد بن عليّ الثاني وابنه عليّ بن محمّدٍ المنتجب، وأتقرب بهما إليك خير القرب، يا من إليه المعروف طُلِب وفيما لديه رُغِب، أسألك سؤال مقترف مذنب قد أوبقته ذنوبه وأوثقته عيوبه فطال على الخطايا دؤوبه ومن الرزايا خطوبه، يسألك التوبة وحسن الأوبة والنزوع عن الحوبة ومن النّار فكاك رقبته، والعفو عمّا في ربقته، فأنت مولاي أعظم أمله وثقته، اللهمَّ وأسألك بمسائلك الشريفة ووسائلك المنيفة أن تتغمَّدني في هذا الشهر برحمةٍ منك واسعةٍ ونعمةٍ وازعةٍ ونفس بما رزقتها قانعة إلى نزول الحافرة ومحل الآخرة وما هي إليه صائرة)(1).
ويمكن التأمّل في صدور هذا الدّعاء عن الناحية المقدّسة من جهتين:

الجهة الأولى: اضطراب حديث ابن عيّاش وضعفه.
قال النجاشيّ: (كان سمع الحديث وأكثر واضطرب في آخر عمره، وكان جده وأبوه من وجوه أهل بغداد أيام آل حمّاد والقاضي أبي عمر)، وقال في موضع آخر من ترجمته: (رأيت هذا الشيخ وكان صديقاً لي ولوالدي، وسمعتُ منه شيئاً كثيراً، ورأيت شيوخنا يضعّفونه فلم أروِ عنه شيئاً وتجنّبتُه، وكان من أهل العلم والأدب القوي وطيِّب الشعر وحسن الخطّ، رحمه الله وسامحه، ومات سنة إحدى وأربعمائة)(2).
وقال الشيخ الطوسيّ في ترجمته: (أحمد بن محمد بن عياش، يُكنّى أبا عبد الله، كثير الرواية إلّا أنّه اختلّ في آخر عمره، أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا، مات سنة إحدى وأربعمائة)(3).

الجهة الثّانية: أنّ دعوى ولادة الإمام الجواد (عليه السّلام) في شهر رجب مخالفة انفرد بها ابن عيّاش في روايته، والأكثر على خلاف ما ذكره:
[1] قال الشيخ الكلينيّ (ت: 329هـ) في باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ الثاني: (ولد عليه السلام في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة)(4).
[2] قال الشيخ المفيد (ت: 413هـ): (وكان الإمام بعد الرضا عليّ بن موسى عليهما السلام ابنه محمّد بن عليّ المرتضى بالنصّ عليه والإشارة إليه من أبيه إليه وتكامل الفضل فيه، وكان مولده عليه السّلام في شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة)(5).
[3] قال الشيخ الطوسيّ (ت: 460هـ) في باب نسب أبي جعفر محمد بن عليّ بن موسى وتاريخ مولده: (هو محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -عليهم السلام-، كنيته أبو جعفر، وُلِد بالمدينة في شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة من الهجرة)(6).
[4] قال الشيخ محمد بن الحسن الفتّال النيسابوريّ: (ووُلِدَ أبو جعفر عليه السّلام ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، ويُقال: النصف من شهر رمضان، سنة خمس وتسعين ومائة من الهجرة)(7).
[4] قال ابن شهرآشوب: (وُلد بالمدينة ليلة الجمعة التاسع عشر من شهر رمضان، ويُقال: للنّصف منه)(8).
[5] قال الشيخ الطبرسيّ: (وُلد عليه السّلام في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة لسبع عشرة ليلة مضت من الشهر، وقيل: للنصف منه ليلة الجمعة)(9).
[6] قال الشيخ حاتم بن يوسف المشغري – من أعلام القرن السابع الهجريّ: (وُلِدَ -عليه السّلام-ليلة الجمعة النصف من رمضان سنة مائة وخمس وتسعين من الهجرة)(10).
[7] قال ابن الصبّاغ المالكيّ: (وُلد أبو جعفر محمد الجواد بالمدينة تاسع عشر من شهر رمضان المعظّم سنة خمس وتسعين ومائة للهجرة)(11).
وورد في (دلائل الإمامة) عن الإمام الحسن العسكريّ (عليه السّلام) مرسلاً أنّ ولادته -عليه السّلام- كانت بالمدينة ليلة الجمعة في النّصف من شهر رمضان سنة مائة وخمس وتسعين من الهجرة النبويّة(12)، وقال الشيخ حسين بن عبد الوهاب -من رجال القرن الخامس الهجريّ- في كتابه (عيون المعجزات): (وروي أنّه عليه السّلام ولد ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة)(13)، والكتابان الأخيران المذكوران ليسا عمدةً في الإثبات والاستدلال؛ وإنّما ذكرناهما استئناساً مع ما تقدّم.
والحاصل: لا يمكن تحصيل الوثوق بصدور هذه الرّواية نظراً لاضطراب ابن عياش واختلاله في آخره، بالإضافة إلى مخالفته للعلماء المتقدمين والمتأخرين، وانفراده بهذه الدّعوى من دون شاهدٍ آخر. ومن الرّاجح أيضاً إحياء ولادة الإمام الجواد -صلوات الله عليه- في شهر رمضان المبارك.
مصباح الهداية
ضعف رواية دعاء «اللهمّ إني أسألك بالمولودَيْنِ في رجب» قال الشيخ الطوسيّ في كتابه (مصباح المتهجّد): (قال ابن عيّاش: وخرج إلى أهلي على يد الشيخ الكبير أبي القاسم رضي الله عنه في مقامه عندهم هذا الدّعاء في أيام رجب: اللهمّ إني أسألك بالمولودَيْنِ في رجب محمّد…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مصباح المتهجّد، ص804-805.
(2) رجال النجاشيّ، 85-86، رقم الترجمة 207.
(3) الرّجال، ص413، رقم الترجمة 5983.
(4) الكافي، ج2، ص582، كتاب الحجّة، باب مولد أبي جعفر محمّد بن عليّ الثاني.
(5) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج2، ص273.
(6) تهذيب الأحكام، ج6، ص102.
(7) روضة الواعظين، ج1، ص547-548.
(8) مناقب آل أبي طالب، ج4، ص411.
(9) إعلام الورى بأعلام الهدى، ج2، ص91.
(10) الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم، ص703.
(11) الفصول المهمة في معرفة الأئمة، ج2، ص1037.
(12) دلائل الإمامة، ص383.
(13) عيون المعجزات، ص233، رقم الحديث 134.
مصباح الهداية
Photo
الفن والتاريخ لا يفترقان

هذا النّمط من الرسوم الدينيّة والتاريخية بهذا المستوى من الجودة جميل جداً، وله جاذبيّة، ويمكنه أن يساهم في إيصال رسالتنا وهويّتنا، فهو استعراض لطيف لرموز ثقافتنا وميراثنا الديني والحضاري.
ومن الأمور المهمة في هذا الجانب أن تكون أعمالنا ملتصقة بالواقع التاريخي، لا أن تصنع صورة تاريخيّة موازيةً ثم يتم تنشئة الأذهان عليها، وربما تسبب مشاكل لاحقاً، ولذلك ينبغي أن تكون الأعمال الفنية أقرب إلى وقائع التاريخ لا ما نشأت عليه أذهاننا.
فعلى سبيل المثال: اعتادت الأذهان على استملاح ذوي البشرة البيضاء والعيون الملونة، وانعكس ذلك في رسم ما نتخيله من صور للأئمة في أذهاننا، مع أن أهل البيت عليهم السلام حجازيون، وبشرتهم لا تختلف كثيراً عن أهل الحجاز، فضلاً عن دخول السمرة عليهم من جهة بعض أمهاتهم (سلام الله عليهن)، وهي سمرة وليست سواداً كسواد أهل بلاد الحبشة، ومع ذلك رُسمت رسمات كثيرة للإمام الرضا عليه السلام وكأنه أشبه بأهل بلاد القوقاز أو ما وراء النهر، مع وجود نقولات تاريخية تنافي ذلك، وتبين غلبة السمرة على لونه.

هذه الصورة أيضاً هي لوحة تاريخية للتعبير عن مكانة الإمام محمد الباقر (عليه السلام) من الجهة العلمية في المدينة المنورة، ولكنها لا تنسجم مع الواقع التاريخيّ لأمرين أساسيين:
الأمر الأول: أن الطريقة السائدة للدرس والتدريس في القرن الأول الهجري هي الجلوس بشكل حلقات دائرية، حيث يجلس الشيخ على الأرض مستنداً إلى أسطوانة عمودية في المسجد، ويلتف الطلاب من حوله فيشكلون بذلك حلقة دائرية.
وقد كانت بعض الأسطوانات لكثرة ملازمة الصحابي أو التابعي لها تُعرف باسمه لاحقاً؛ لكثرة جلوسه إليها، قال الحاكم النيسابوري في كتابه (معرفة علوم الحديث): "قد كنت دخلت الكوفة أول ما دخلتها سنة إحدى وأربعين، وكان أبو الحسن بن عقبة الشيباني، يدلني على مساجد الصحابة فذهبت إلى مساجد كثيرة منها، وهي إذ ذاك عامرة، وكنا نأوي إلى مسجد جرير بن عبد الله في بجيلة، ثم دخلتها سنة خمس وأربعين، ومسجد ابن عقبة قد خرب، فكان أبو القاسم السكوني يأخذ بيدي في الجامع فيدور معي على الأسطوانات فيقول: هذه أسطوانة جرير، وهذه أسطوانة عبد الله، وهذه أسطوانة البراء، وقد عرفت منها ما عرّفنيه ذلك الشيخ رحمه الله".
فهذه هي صورة الدرس والتدريس عندهم في القرن الأول الهجري، أمّا تصّور صورة الدرس على طريقة المنبر والجلوس حوله بشكل متراصّ أو متناثر فهذه أقرب إلى الهيئة المتعارفة في الحوزة العلمية، وهي لها سابقة تاريخية قديمة، لكنها لا تصل إلى القرن الأول، والله العالم.

الأمر الثاني: لم يُعهد في سيرة الباقر والصادق عليه السلام التصدي للتعليم في المسجد النبوي، وإنّما كانت الشيعة تأتيهم في بيوتهم، وأما الجلوس لطلاب الحديث في المسجد فلم نرَ له شاهداً، كما أنه لا ينسجم مع ظروفهم الشديدة في تلك الحقبة.
حاجة الطّواغيت إلى معاوية بن أبي سفيان

يقول محمّد رشيد رضا في بحثٍ له حول نظام الخلافة الإسلاميّة: (وقد قال عالمٌ ألمانيٌّ لشريفٍ حجازيٍّ في الآستانة: إنّه كان ينبغي لنا أن نضع لمعاوية تمثالاً من الذّهب في عواصمنا؛ لأنّه لو لم يحوِّل سلطة الخلافة عمَّا وضعها عليه الشّرع، وجرى عليه الرّاشدون، لمَلَكَ العربُ بلادنا كلها وصيّروها إسلاميّة عربيّة)، انظر: مجلّة المنار، المجلد 24، ص35-36.
وقال في موضعٍ آخر من المقالة بعد أن ذكر كلام الحسن البصريّ في إفساد معاوية والمغيرة أمرَ النّاس بترسيخ المَلَكيّة الاستبداديّة: (وهذا الذي قاله الحسن البصري - من أئمة التابعين - موافق لما قاله ذلك السياسي الألماني لأحد شرفاء الحجاز من أنه لولا معاوية لظلت حكومة الإسلام على أصلها، ولساد الإسلام أوروبا كلها، وقد تقدم).

مع غضّ النّظر عن توقّعات رشيد رضا أو ذلك السياسيّ الألمانيّ حول مستقبل الإسلام من دون معاوية فقط، حيث إنّ معاوية ثمرة من ثمرات خطايا كبرى سابقة، ولكن مع تجاوز ذلك وغضّ النّظر عنه، كيف لسياسيّ غربيّ أن يبصر بحقيقة الفجوة الحقيقيّة في نظام الحكم في تاريخ الإسلام، والآثار المدمّرة التي نتجت عن تطويره لمنظومة الاستبداد التي ورثها، ولا يراها العرب أنفسهم؟ وما الشيء الذي أحدثه معاوية بحيث استحقّ هذا "الامتياز"؟
القراءة المنصفة للتّاريخ تبيّن مدى النّقلة النوعية لدور معاوية في تحريف الدّين وإطلاق يد الرواة للكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله-، بالإضافة إلى ترسيخ حالة الاستبداد في الحكم، ولأجل هذا استحقّ بنظر بعض الغربيين تماثيل من ذهب؛ لأنّه أفقد هذه الأمّة نقاط قوّتها، حيث أفسد عليها علمَها -بالكذب والتحريف- وأفسد عليها دنياها وآخرتها بإفساد نظام الحكم وتكريس الاستبداد السياسيّ الذي يمثّل معاوية أحد أركانه في تاريخ الإسلام.
ولذلك؛ يحتاج الطواغيت إلى تقديم معاوية بصورة السياسيّ القويّ والحاكم الدّاهية الذي يحسن تدبير الأمور، فهو قدوتهم ومثلهم الأعلى، وهم مستعدون لتبييض صورته حتى لو أنفقوا ملايين الدّولارات، فإنّ الأمّة لو أبغضت معاوية واستبداده، فلن تقبل بأمثاله في العصر الحاضر.
كان بعض علماء السّلفيّة يردد قائلاً: "معاوية سِتر أصحاب رسول الله؛ فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه"، وذلك أنّ نقد معاوية يفتح أبواباً لانتقاد سلوك الصّحابة في القرن الهجريّ الأوّل، ويبدو أنّه تم استنساخ قاعدة مماثلة لها في عالم السياسة؛ فأصبح معاوية سِتر الطّواغيت، فمن أبغضه واجترأ عليه فلن يقبل بأمثاله من طواغيت العصر.
"ادعُ ولا تقل إنّ الأمر قد فُرِغ منه"

من الأمور المهمّة في حياة المؤمن أن يواظب على الدّعاء في أيّامه كلّها؛ فإنّه مفاتيح الخير والعافية ودفع البلاء، وقد ورد الحثّ على "التقدّم في الدّعاء" قبل حلول البلاء، فمن الخطأ أن يُهمَل أمر الدّعاء في سائر الأيّام حتّى إذا أصابنا البلاء فزعنا إلى الدّعاء، بل ينبغي الدّعاء في كافّة الأوقات ولا سيّما أوقات الرّخاء؛ فإنّ للتقدّم في الدّعاء آثاراً عظيمةً تؤثّر في رفع البلاء أو تسريع دفعه.
روى ثقة الإسلام الكلينيّ بسندٍ صحيحٍ عن الصّادق (عليه السّلام): "من تقدّم في الدُّعاء استُجِيب له إذا نزل به البلاء، وقيل: صوتٌ معروفٌ. ولم يُحجَب عن السَّماء، ومن لم يتقدّم في الدّعاء لم يُستَجَبْ لهُ إذا نزل به البلاء، وقالت الملائكة: إنّ ذا الصّوت لا نعرفه".
وروى بإسنادٍ موثّق: "من سرَّهُ أن يُستَجاب له في الشدّة فليكثر الدّعاء في الرّخاء".
📚 أعمال ليلة النّصف من شعبان
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].

روى الشّيخ الصّدوق بإسنادٍ صحيحٍ عن حريز السجستانيّ عن زرارة بن أعين، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ما تقول في ليلة النِّصف من شعبان؟ قال: «يغفر الله عزَّ وجلَّ فيها من خلقه لأكثر من عدد شعر معزى كلْبٍ، ويُنْزِلُ اللهُ عز وجل ملائكتَه إلى السّماء الدُّنيا وإلى الأرض بمكَّة».
وروى بإسنادٍ معتبرٍ عن الحسن بن فضال، قال: سألت عليَّ بن موسى الرضا عليه السّلام عن ليلة النِّصف من شعبان، قال: «هي ليلة يَعتِقُ الله فيها الرِّقاب من النَّار، ويغفر فيها الذُّنوب الكبائر»، وفي روايته ذكر عنه أنّه قال: «الدُّعاء فيها مستجابٌ».
ورُوي عن الباقر عليه السّلام: «هي أفضل ليلةٍ بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله تعالى العباد فضله، ويغفر لهم بمنِّه، فاجتهدوا في القُربة إلى الله فيها، فإنَّها ليلةٌ آلى الله على نفسه أنْ لا يردَّ سائلاً له فيها ما لم يسأل معصيةً، وإنها اللَّيلة التي جعلها الله لنا أهل البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبيِّنا -صلى الله عليه وآله-، فاجتهدوا في الدُّعاء والثَّناء على الله..».

ليلة النّصف من شعبان من أهمِّ اللّيالي العظيمة في السّنة، فينبغي للمؤمن أن يترقّبها ويتعاهدها باهتمامٍ؛ إحياءً للسنّة وامتثالاً لما أمر به الأئمّة (عليهم السّلام) شيعتهم من الاجتهاد في الطّاعة، واغتناماً للفرصة الجليلة المتمثّلة بما في هذه اللّيلة من عطايا إلهيّة، فهي ليلة استجابة الدّعاء، ومغفرة الذّنوب، وعتق الرّقاب من النّار.

رسالةٌ في أعمال ليلة النّصف من شعبان: Download
2024/11/20 06:24:28
Back to Top
HTML Embed Code: