صلاة ساعة الغفلة، ثوابها وآثارها
روى العلماء الأعلام (رضوان الله عليهم) عدة روايات تبين أهمية التنفّل ولو بصلاة ركعتين بين المغرب والعشاء وهي الفترة الزمنية الموصوفة بـ«ساعة الغفلة»، فينبغي للمؤمن أن لا يغفل فيها عن ذكر الله.
أولاً: روايات فضل الصلاة في ساعة الغفلة.
[١] روى الشيخ الصدوق (رحمه الله): (حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن وهب بن وهب القاضي، عن الصّادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: تنفَّلُوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين؛ فإنَّهما تورثان دار الكرامة»، قيل: يا رسول الله، وما ساعة الغفلة؟ قال: «بين المغرب والعشاء»)(١).
[٢] وروى أيضاً: (أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن زرعة، عن سماعة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليه السلام، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: تنفَّلُوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين؛ فإنهما يورثان دار الكرامة»)(٢)
[٣] وروى أيضاً: (حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن سليمان بن سماعة، عن عمِّه عاصم الكوزي، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام، قال: «قال النبي صلى الله عليه وآله: تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين، فإنهما تورثان دار الكرامة».
قيل: يا رسول الله، ومتى ساعة الغفلة؟ قال: «ما بين المغرب والعشاء»)(٣).
[٤] قال السيّد ابن طاوس: (ذكر أحمد بن محمّد الفاميّ، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن الوليد، قال: حدثنا الحسن بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: صلّوا في ساعة الغفلة ولو ركعتين؛ فإنّهما توردان دار الكرامة»)(٤).
[٥] وقال أيضاً: (ذكر محمد بن عليّ بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه. وأحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن وهب أو السكونيّ، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام، قال: قال رسول الله: «تنفّلوا في ساعة الغفلة ولو ركعتين خفيفتين؛ فإنهما توردان دار الكرامة»، قيل: يا رسول الله، وما ساعة الغفلة؟ قال: «بين المغرب والعشاء»)(٥).
[٦] روى أبو طالب الهارونيّ – أحد أعلام الزيديّة- في أماليه: (أخبرنا أبو أحمد علي بن الحسين بن علي الديباجي البغدادي، قال: أخبرنا أبو الحسين علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن ماتي، قال: حدثنا محمد بن منصور، قال: حدثنا حسين بن نصر، عن خالد، عن حصين، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «تبتلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنهما تورثان دار الكرامة»، قيل: يا رسول الله، وما ساعة الغفلة؟ قال: «بين المغرب والعشاء»)(٦).
ثانياً: تحديد وقت ساعة الغفلة
قال الشيخ البهائيّ (رحمه الله): (ولا يخفى أنّ الظاهر أن المراد بما بين المغرب والعشاء ما بين وقت المغرب ووقت العشاء أعني ما بين غروب الشمس وغيبوبة الشفق كما يرشد إليه الحديث السابق لا ما بين الصلاتين، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أنّ أول وقت العشاء غيبوبة الشفق كما سيجئ ومن هذا يستفاد أنّ وقت أداء ركعتي الغفلة ما بين الغروب وذهاب الشّفق فإذا خرج ذلك صارت قضاءً)(٧)، وبذلك يتّضح أنّ وقت هذه الصلاة يسيرٌ جداً فينبغي المبادرة إليها في وقتها.
ثالثاً: صلاة مرويّة في ساعة الغفلة
روى الشيخ الطوسيّ: (هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام: من صلّى بين العشائين ركعتين قرأ في الأولى الحمد وقوله: «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً» إلى قوله: «وَكَذَلِكَ نُنْجِي المُؤْمِنِينَ» وفي الثانية الحمد وقوله: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا» إلى آخر الآية.
فإذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال: «اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ بمفَاتِحِ الغَيْبِ التِي لا يَعلَمُهَا إلّا أنتَ أنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ وأن تفعل بي كذا وكذا».
وتقول: «اللَّهُمَّ أنتَ وليُّ نِعْمَتِي، والقَادِرُ عَلَى طَلِبَتِي، تَعلَمُ حَاجَتِي، فأسْألُكَ بحَقِّ مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ عَليْهِ وعَلَيْهِمُ السَّلامُ لمّا قَضَيْتَها لِيْ»، وسأل الله حاجته أعطاه الله ما سأل)(٨).
روى العلماء الأعلام (رضوان الله عليهم) عدة روايات تبين أهمية التنفّل ولو بصلاة ركعتين بين المغرب والعشاء وهي الفترة الزمنية الموصوفة بـ«ساعة الغفلة»، فينبغي للمؤمن أن لا يغفل فيها عن ذكر الله.
أولاً: روايات فضل الصلاة في ساعة الغفلة.
[١] روى الشيخ الصدوق (رحمه الله): (حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن وهب بن وهب القاضي، عن الصّادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: تنفَّلُوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين؛ فإنَّهما تورثان دار الكرامة»، قيل: يا رسول الله، وما ساعة الغفلة؟ قال: «بين المغرب والعشاء»)(١).
[٢] وروى أيضاً: (أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن زرعة، عن سماعة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليه السلام، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: تنفَّلُوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين؛ فإنهما يورثان دار الكرامة»)(٢)
[٣] وروى أيضاً: (حدثنا أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن سليمان بن سماعة، عن عمِّه عاصم الكوزي، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام، قال: «قال النبي صلى الله عليه وآله: تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين، فإنهما تورثان دار الكرامة».
قيل: يا رسول الله، ومتى ساعة الغفلة؟ قال: «ما بين المغرب والعشاء»)(٣).
[٤] قال السيّد ابن طاوس: (ذكر أحمد بن محمّد الفاميّ، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن الوليد، قال: حدثنا الحسن بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: صلّوا في ساعة الغفلة ولو ركعتين؛ فإنّهما توردان دار الكرامة»)(٤).
[٥] وقال أيضاً: (ذكر محمد بن عليّ بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه. وأحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن وهب أو السكونيّ، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام، قال: قال رسول الله: «تنفّلوا في ساعة الغفلة ولو ركعتين خفيفتين؛ فإنهما توردان دار الكرامة»، قيل: يا رسول الله، وما ساعة الغفلة؟ قال: «بين المغرب والعشاء»)(٥).
[٦] روى أبو طالب الهارونيّ – أحد أعلام الزيديّة- في أماليه: (أخبرنا أبو أحمد علي بن الحسين بن علي الديباجي البغدادي، قال: أخبرنا أبو الحسين علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن ماتي، قال: حدثنا محمد بن منصور، قال: حدثنا حسين بن نصر، عن خالد، عن حصين، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «تبتلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنهما تورثان دار الكرامة»، قيل: يا رسول الله، وما ساعة الغفلة؟ قال: «بين المغرب والعشاء»)(٦).
ثانياً: تحديد وقت ساعة الغفلة
قال الشيخ البهائيّ (رحمه الله): (ولا يخفى أنّ الظاهر أن المراد بما بين المغرب والعشاء ما بين وقت المغرب ووقت العشاء أعني ما بين غروب الشمس وغيبوبة الشفق كما يرشد إليه الحديث السابق لا ما بين الصلاتين، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة أنّ أول وقت العشاء غيبوبة الشفق كما سيجئ ومن هذا يستفاد أنّ وقت أداء ركعتي الغفلة ما بين الغروب وذهاب الشّفق فإذا خرج ذلك صارت قضاءً)(٧)، وبذلك يتّضح أنّ وقت هذه الصلاة يسيرٌ جداً فينبغي المبادرة إليها في وقتها.
ثالثاً: صلاة مرويّة في ساعة الغفلة
روى الشيخ الطوسيّ: (هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام: من صلّى بين العشائين ركعتين قرأ في الأولى الحمد وقوله: «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً» إلى قوله: «وَكَذَلِكَ نُنْجِي المُؤْمِنِينَ» وفي الثانية الحمد وقوله: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا» إلى آخر الآية.
فإذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال: «اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ بمفَاتِحِ الغَيْبِ التِي لا يَعلَمُهَا إلّا أنتَ أنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ وأن تفعل بي كذا وكذا».
وتقول: «اللَّهُمَّ أنتَ وليُّ نِعْمَتِي، والقَادِرُ عَلَى طَلِبَتِي، تَعلَمُ حَاجَتِي، فأسْألُكَ بحَقِّ مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ عَليْهِ وعَلَيْهِمُ السَّلامُ لمّا قَضَيْتَها لِيْ»، وسأل الله حاجته أعطاه الله ما سأل)(٨).
مصباح الهداية
صلاة ساعة الغفلة، ثوابها وآثارها روى العلماء الأعلام (رضوان الله عليهم) عدة روايات تبين أهمية التنفّل ولو بصلاة ركعتين بين المغرب والعشاء وهي الفترة الزمنية الموصوفة بـ«ساعة الغفلة»، فينبغي للمؤمن أن لا يغفل فيها عن ذكر الله. أولاً: روايات فضل الصلاة في…
المصادر:
(١) الأمالي، ص٦٤٨، رقم الحديث ٨٨٢، المجلس ٨٢، ح١٠.
(٢) علل الشرائع، ج٢، ص٤٣، الباب٤٥: العلّة التي من أجلها يستحب التنفّل في ساعة الغفلة.
(٣) معاني الأخبار، ص٣٧٦-٣٧٧، باب معنى ساعة الغفلة، ح١.
(٤) فلاح السائل، ص٤٢٩-٤٣٠، رقم الحديث ٢٩٣.
(٥) فلاح السائل، ص٤٣٠، رقم الحديث ٢٩٤.
(٦) تيسير المطالب في أمالي أبي طالب، ص٣٠٩، رقم الحديث ٢٩٨.
(٧) مفتاح الفلاح، ص٥٤٥-٥٤٦.
(٨) مصباح المتهجد، ص١٠٦-١٠٧/فلاح السائل، ص٤٣٠-٤٣١، رقم الحديث ٢٩٥.
#روضة_المؤمن
(١) الأمالي، ص٦٤٨، رقم الحديث ٨٨٢، المجلس ٨٢، ح١٠.
(٢) علل الشرائع، ج٢، ص٤٣، الباب٤٥: العلّة التي من أجلها يستحب التنفّل في ساعة الغفلة.
(٣) معاني الأخبار، ص٣٧٦-٣٧٧، باب معنى ساعة الغفلة، ح١.
(٤) فلاح السائل، ص٤٢٩-٤٣٠، رقم الحديث ٢٩٣.
(٥) فلاح السائل، ص٤٣٠، رقم الحديث ٢٩٤.
(٦) تيسير المطالب في أمالي أبي طالب، ص٣٠٩، رقم الحديث ٢٩٨.
(٧) مفتاح الفلاح، ص٥٤٥-٥٤٦.
(٨) مصباح المتهجد، ص١٠٦-١٠٧/فلاح السائل، ص٤٣٠-٤٣١، رقم الحديث ٢٩٥.
#روضة_المؤمن
الشيخ محمد تقي اليزدي من دار الفناء إلى دار البقاء
من جميل خصاله: أنه كان دائماً في تفاعلٍ كبيرٍ مع الاحتياجات الفكريّة والروحيّة للمجتمع الإسلاميّ، يراقب تطلّعات الشباب ويبادر إليها، يلامس همومهم المعرفية والروحية فيشاركهم في تجاوز عقباتها، مُهملاً حب الراحة والانعزاليّة السلبيّة. ورغم ما كان له من دورٍ فاعلٍ ومؤثّرٍ إلّا أنه لم يستثمر ذلك لأجل دنيا زائلة، بل بقي محافظاً على التقوى والورع والاستقامة حتى لقي ربّه مخلصاً، عارفاً بإمام زمانه، مجاهداً في سبيل الله..
٢-١-٢٠٢١م.
من جميل خصاله: أنه كان دائماً في تفاعلٍ كبيرٍ مع الاحتياجات الفكريّة والروحيّة للمجتمع الإسلاميّ، يراقب تطلّعات الشباب ويبادر إليها، يلامس همومهم المعرفية والروحية فيشاركهم في تجاوز عقباتها، مُهملاً حب الراحة والانعزاليّة السلبيّة. ورغم ما كان له من دورٍ فاعلٍ ومؤثّرٍ إلّا أنه لم يستثمر ذلك لأجل دنيا زائلة، بل بقي محافظاً على التقوى والورع والاستقامة حتى لقي ربّه مخلصاً، عارفاً بإمام زمانه، مجاهداً في سبيل الله..
٢-١-٢٠٢١م.
نصيحةٌ للتواصي بالحقّ
يقوم جملةٌ من أهل العلم والباحثين بكتابة مؤلّفاتٍ لخدمة الإسلام وترويج محاسن كلام أهل البيت (عليهم السلام) قاصدين خدمتهم وبثّ علومهم ومعارفهم، وهم في ذلك يقصدون قصداً حسناً -بإذنه تعالى-، فأسأل الله أن يكتب لهم جزيل الأجر والثّواب، إلّا أنّ بعض المؤلّفات أحياناً -ولا سيّما ما يتعلّق بمقام الإمامة ودورها- تُعنوَنُ بعناوين لا تليقُ بشأن الإمام ولا طبيعة اعتقادنا فيه، ومن ذلك توصيف بعض ما صدر عنهم بـ"النظريّات" أو "القراءات"، أو قَرْنهم (عليهم السلام) إلى غيرهم في مقارنة بين نظريّة فلان ونظريّة الإمام السجّاد (عليه السلام) مثلاً، وكنتُ فيما سبق قد وقفتُ على عناوين تمجّها النفس وتأباها لما فيها من هذه التعابير التي لا تلائم مقام الإمام.
اليوم، وقفتُ على عنوانٍ آخر، نفرت منه النّفس، وامتعضت منه امتعاضاً شديداً فتشجّعت للتنويه بهذه الفكرة ناصحاً محبّاً لكلّ أخٍ عزيزٍ يكتبُ كتباً أو مقالاتٍ تتعلّق بسيرة الأئمّة (عليهم السلام) أو علومهم ومعارفهم، وكان هذا العنوان "الإمام محمّد الجواد عليه السلام وآراؤه في التفسير والرواية"، وكم في هذا من منافاةٍ لما نحن عليه من اعتقادٍ بمقام الجواد -صلوات الله عليه- فإنّ ما يقوله ليس من قبيل الآراء ولا يمكن تصنيفه على أنّه رأي أو نظريّة أو وجهة نظر أو قراءة أو مسلك أو مبنى، وما إلى ذلك من تعابير تلائم شأن العلماء والمحققين ومن في طبقتهم.
أعطّر نصيحتي للأحبّة جميعاً -شكر الله سعيهم- بهذه الرواية الشريفة التي رواها ثقة الإسلام الكليني (رضوان الله عليه) بسنده عن قتيبة، قال: سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن مسألة فأجابه فيها، فقال الرجل: أرأيت إن كان كذا وكذا، ما يكون القول فيها؟ فقال له: «مَهْ، ما أجبتُك فيه من شيء فهو عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لسنا من (أرأيت) في شيء». [الكافي، ج١، ص١٤٨-١٤٩، رقم الحديث ١٨١، كتاب فضل العلم، باب الردّ إلى الكتاب والسنّة، ح٢١].
والحمد لله ربِّ العالمين.
يقوم جملةٌ من أهل العلم والباحثين بكتابة مؤلّفاتٍ لخدمة الإسلام وترويج محاسن كلام أهل البيت (عليهم السلام) قاصدين خدمتهم وبثّ علومهم ومعارفهم، وهم في ذلك يقصدون قصداً حسناً -بإذنه تعالى-، فأسأل الله أن يكتب لهم جزيل الأجر والثّواب، إلّا أنّ بعض المؤلّفات أحياناً -ولا سيّما ما يتعلّق بمقام الإمامة ودورها- تُعنوَنُ بعناوين لا تليقُ بشأن الإمام ولا طبيعة اعتقادنا فيه، ومن ذلك توصيف بعض ما صدر عنهم بـ"النظريّات" أو "القراءات"، أو قَرْنهم (عليهم السلام) إلى غيرهم في مقارنة بين نظريّة فلان ونظريّة الإمام السجّاد (عليه السلام) مثلاً، وكنتُ فيما سبق قد وقفتُ على عناوين تمجّها النفس وتأباها لما فيها من هذه التعابير التي لا تلائم مقام الإمام.
اليوم، وقفتُ على عنوانٍ آخر، نفرت منه النّفس، وامتعضت منه امتعاضاً شديداً فتشجّعت للتنويه بهذه الفكرة ناصحاً محبّاً لكلّ أخٍ عزيزٍ يكتبُ كتباً أو مقالاتٍ تتعلّق بسيرة الأئمّة (عليهم السلام) أو علومهم ومعارفهم، وكان هذا العنوان "الإمام محمّد الجواد عليه السلام وآراؤه في التفسير والرواية"، وكم في هذا من منافاةٍ لما نحن عليه من اعتقادٍ بمقام الجواد -صلوات الله عليه- فإنّ ما يقوله ليس من قبيل الآراء ولا يمكن تصنيفه على أنّه رأي أو نظريّة أو وجهة نظر أو قراءة أو مسلك أو مبنى، وما إلى ذلك من تعابير تلائم شأن العلماء والمحققين ومن في طبقتهم.
أعطّر نصيحتي للأحبّة جميعاً -شكر الله سعيهم- بهذه الرواية الشريفة التي رواها ثقة الإسلام الكليني (رضوان الله عليه) بسنده عن قتيبة، قال: سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن مسألة فأجابه فيها، فقال الرجل: أرأيت إن كان كذا وكذا، ما يكون القول فيها؟ فقال له: «مَهْ، ما أجبتُك فيه من شيء فهو عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لسنا من (أرأيت) في شيء». [الكافي، ج١، ص١٤٨-١٤٩، رقم الحديث ١٨١، كتاب فضل العلم، باب الردّ إلى الكتاب والسنّة، ح٢١].
والحمد لله ربِّ العالمين.
مع شيوع الوباء، نرى بين الحين والآخر دعايات لدواء معيّن سُمّي باسم الإمام الكاظم عليه السلام، وأخذ بعض الناس بتقديمه كدواء فعال لمواجهة هذا المرض، وفي هذا الإطار ينبغي ذكر بعض الملاحظات:
[١] تسمية دواء ما باسم أحد الأئمة (عليهم السلام) فكرة غير محبّذة، وقد تنعكس سلباً على نظرة الآخرين للدين، لا سيما مع الوصف الذي يقدّم به هذا الدواء. بالإضافة إلى عدم إحرازنا بوجهٍ معتبرٍ كون هذه الوصفة صادرةً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، فالرواية المستند إليها محل نقاش بلحاظ السّند والكتاب ومؤلّفيْه، وهذا يجعلنا نحتاط أكثر في مثل هذه الادعاءات. لا ينبغي المجازفة بسمعة الدين لأجل ظنون غير معتبرة.
[٢] على فرض مساهمة هذا الدواء في تقوية المناعة -ولا أنفي ذلك ولكني لم أتثبّت من صدق الدعوى- إلا أنه لا يمنع من الإصابة بالمرض أو نقله إلى الآخرين، فلا ينبغي الاتكاء عليه والتصرف بشكل مستهتر بسلامة الآخرين.
[٣] لا مانع شرعي أو طبي من تناول هذه الأعشاب الطبيعية أو تركيب مخلوطٍ ما منها فغاية ما في الأمر أنها إن لم تحقق المطلوب فهي لا أضرار لها عادةً -إلا لمن لديه حساسية من بعضها-، ولكن لا ينبغي ترويجها بعنوان الجزم أنها تحقق المنع من الإصابة بالمرض أو أنها تساهم في القضاء عليه، فهذا كله غير معلومٍ، والادعاءات بخصوص ظهور الأثر في بعض الحالات يمكن التأمل في مقدماتها والمناقشة في حيثياتها.
[١] تسمية دواء ما باسم أحد الأئمة (عليهم السلام) فكرة غير محبّذة، وقد تنعكس سلباً على نظرة الآخرين للدين، لا سيما مع الوصف الذي يقدّم به هذا الدواء. بالإضافة إلى عدم إحرازنا بوجهٍ معتبرٍ كون هذه الوصفة صادرةً عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، فالرواية المستند إليها محل نقاش بلحاظ السّند والكتاب ومؤلّفيْه، وهذا يجعلنا نحتاط أكثر في مثل هذه الادعاءات. لا ينبغي المجازفة بسمعة الدين لأجل ظنون غير معتبرة.
[٢] على فرض مساهمة هذا الدواء في تقوية المناعة -ولا أنفي ذلك ولكني لم أتثبّت من صدق الدعوى- إلا أنه لا يمنع من الإصابة بالمرض أو نقله إلى الآخرين، فلا ينبغي الاتكاء عليه والتصرف بشكل مستهتر بسلامة الآخرين.
[٣] لا مانع شرعي أو طبي من تناول هذه الأعشاب الطبيعية أو تركيب مخلوطٍ ما منها فغاية ما في الأمر أنها إن لم تحقق المطلوب فهي لا أضرار لها عادةً -إلا لمن لديه حساسية من بعضها-، ولكن لا ينبغي ترويجها بعنوان الجزم أنها تحقق المنع من الإصابة بالمرض أو أنها تساهم في القضاء عليه، فهذا كله غير معلومٍ، والادعاءات بخصوص ظهور الأثر في بعض الحالات يمكن التأمل في مقدماتها والمناقشة في حيثياتها.
ضرورة إغاثة الفقراء وصون كرامتهم
في هذه المرحلة المليئة بالصعوبات، يعد الوقوف بجانب الفقراء من أفضل القربات إلى الله تعالى، فعلى الذين أنعم الله عليهم بالسعة أن يغتنموا هذه الحالة ويسارعوا إلى قضاء حوائج المؤمنين وفك كرباتهم وإغاثة ملهوفهم، ويجب أن يكون ذلك بصورة لائقة تحفظ للناس كرامتهم، ولا تعرضهم للذل والامتهان، فما نراه من صور ومقاطع مرئية في هذا الجانب يوجب الخجل ويبعث على التأسف لما يحصل، كرامة المؤمن أعظم عند الله فلا تهريقوا ماء وجوههم!
في هذه المرحلة المليئة بالصعوبات، يعد الوقوف بجانب الفقراء من أفضل القربات إلى الله تعالى، فعلى الذين أنعم الله عليهم بالسعة أن يغتنموا هذه الحالة ويسارعوا إلى قضاء حوائج المؤمنين وفك كرباتهم وإغاثة ملهوفهم، ويجب أن يكون ذلك بصورة لائقة تحفظ للناس كرامتهم، ولا تعرضهم للذل والامتهان، فما نراه من صور ومقاطع مرئية في هذا الجانب يوجب الخجل ويبعث على التأسف لما يحصل، كرامة المؤمن أعظم عند الله فلا تهريقوا ماء وجوههم!
من آداب التبليغ: الدقة، حسن الحديث، احترام الخصوصية، التواضع.
• الإتقان في نقل الأقوال ونسبتها إلى أصحابها بشكل دقيق جداً من أهم عناصر التبليغ الناجح. إلقاء الأقوال دون مصدر يثبت صدق نسبة النقل سيقلل من مصداقيتك وثقة الآخرين بكلامك. قليل تعرفه خيرٌ من كثير لا تطيق مؤونته.
• هداية الآخرين ووعظهم وإرشادهم إلى سبيل الله لا يكون إلا باللغة المتزنة - سواءً بالترغيب أو الترهيب -، أما اللغة الشعبوية المبتذلة فلا يمكنها أن تؤثر، ولعلها لا تساهم إلا في الحطّ من قدر صاحبها.
• لا يصح للمبلّغ أن يذكر قصصاً اتفق وقوعها معه خلال تعامله مع عامة الناس لأجل إضحاك الآخرين، فربما تبلغ القصة أو المنشور صاحبَ الشأن ويدخل عليه من الأذى ما لا يُمكن جبره.
• من أهم وظائف مبلّغي الدين أن لا يروا لأنفسهم فضلاً على أحد، بل لله الفضل وحده، حتى لو تقدموا على الآخرين بكثرة العلم والإحاطة بالمسائل، ومن يرى نفسه خيراً من الآخرين لكثرة علم أو عبادة فقد غرّه شيطانه، فعليه باليقظة من هذا الوهم.
• الإتقان في نقل الأقوال ونسبتها إلى أصحابها بشكل دقيق جداً من أهم عناصر التبليغ الناجح. إلقاء الأقوال دون مصدر يثبت صدق نسبة النقل سيقلل من مصداقيتك وثقة الآخرين بكلامك. قليل تعرفه خيرٌ من كثير لا تطيق مؤونته.
• هداية الآخرين ووعظهم وإرشادهم إلى سبيل الله لا يكون إلا باللغة المتزنة - سواءً بالترغيب أو الترهيب -، أما اللغة الشعبوية المبتذلة فلا يمكنها أن تؤثر، ولعلها لا تساهم إلا في الحطّ من قدر صاحبها.
• لا يصح للمبلّغ أن يذكر قصصاً اتفق وقوعها معه خلال تعامله مع عامة الناس لأجل إضحاك الآخرين، فربما تبلغ القصة أو المنشور صاحبَ الشأن ويدخل عليه من الأذى ما لا يُمكن جبره.
• من أهم وظائف مبلّغي الدين أن لا يروا لأنفسهم فضلاً على أحد، بل لله الفضل وحده، حتى لو تقدموا على الآخرين بكثرة العلم والإحاطة بالمسائل، ومن يرى نفسه خيراً من الآخرين لكثرة علم أو عبادة فقد غرّه شيطانه، فعليه باليقظة من هذا الوهم.
الزهراء (عليها السلام) مثال الكمال والفضل
محبّة الأسوة الحسنة تنطلق من نقاء فطرة الإنسان وميله إلى الفضيلة والكمال، وقد كانت الزهراء (عليها السلام) مثالاً فريداً بين نساء العالمين في هذا الشأن حيث بلغت أوج الكمال وذروة الفضل. ولو نظر العاقل في عظم معرفتها بالله، وجمال عبادتها الخالصة، وصلابة جهادها للظالمين من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل لتيقّن بسموّ مقامها ورفعة شأنها.
يا وجيهةً عند الله، اشفعي لنا عند الله..
أسعد الله أيامكم بذكرى ولادتها الطيّبة المباركة
وكل عامٍ وأنتم بخير
محبّة الأسوة الحسنة تنطلق من نقاء فطرة الإنسان وميله إلى الفضيلة والكمال، وقد كانت الزهراء (عليها السلام) مثالاً فريداً بين نساء العالمين في هذا الشأن حيث بلغت أوج الكمال وذروة الفضل. ولو نظر العاقل في عظم معرفتها بالله، وجمال عبادتها الخالصة، وصلابة جهادها للظالمين من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل لتيقّن بسموّ مقامها ورفعة شأنها.
يا وجيهةً عند الله، اشفعي لنا عند الله..
أسعد الله أيامكم بذكرى ولادتها الطيّبة المباركة
وكل عامٍ وأنتم بخير
خطواتٌ على طريق العبوديّة (١)
إدراك هذه الشهور العظيمة بالبقاء على قيد الحياة والعافية والقدرة على القيام بما فيها من وظائف يمثّل فرصةً حسنةً لا ينبغي تفويتها. هذه الفرصة يجب استغلالها بأحسن شكل ممكن، وإلّا فإننا نفوّت من أيدينا نعماً لا نكاد ندرك مقدار عظمتها وأهميّتها في الحياة الدّنيا والآخرة.
إنّ كل عبادةٍ، مهما كانت يسيرة سهلة، لها من الآثار والبركات التي تنعكس على الإنسان في حياته ورزقه وصحّته وأولاده حتى تلحقه إلى الموت والبرزخ وما بعده، فلا ينبغي الاستهانة بأيّ عملٍ مهما كان قليل المؤونة أو الثواب.
[الخطوة الأولى]: الاستغفار والتوبة
إنّ الإنسان المبتلى بالمعصية أو كثرة الغفلة يجب عليه أن يجلو قلبه، ويزيل لوثات الآثام، والاستغفار خير وسيلة لذلك، ومن أهمّ آثاره محو الذنوب، وإنارة القلب بنور الطّاعة والعبادة، وهذا مما يدعو إلى التقرّب من الحقّ تبارك وتعالى، والابتعاد عن الشيطان وهيمنته.
[١] روى الحسين بن سعيد الأهوازيّ، عن إبراهيم بن أبي البلاد، قال: قال لي أبو الحسن (عليه السّلام): «إنِّي أسْتَغفِرُ اللهَ فِيْ كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَةَ آلافِ مَرَّةٍ».
[٢] روى الكلينيّ بإسناده عن الصادق (عليه السلام): «إِذَا أكْثَرَ العَبْدُ مِنَ الاسْتِغْفَارِ رُفِعَتْ صَحِيْفَتُهُ وهِيَ تَتَلأْلأُ».
[٣] وروى بسندٍ معتبرٍ عن الصادق (عليه السلام): «قال رسول (صلى الله عليه وآله): خَيْرُ الدُّعَاءِ الاسْتِغْفَارُ».
-------
[١] كتاب الزهد، ص١٤٣، رقم الحديث ٢٠٣، باب التوبة والاستغفار والندم والإقرار، ح١٥.
[٢] الكافي، ج٤، ص٣٧٨، رقم الحديث ٣٢٢٢، كتاب الدّعاء، باب الاستغفار، ح٢.
[٣] الكافي، ج٤، ص٣٧٨، رقم الحديث ٣٢٢١، كتاب الدّعاء، باب الاستغفار، ح١.
إدراك هذه الشهور العظيمة بالبقاء على قيد الحياة والعافية والقدرة على القيام بما فيها من وظائف يمثّل فرصةً حسنةً لا ينبغي تفويتها. هذه الفرصة يجب استغلالها بأحسن شكل ممكن، وإلّا فإننا نفوّت من أيدينا نعماً لا نكاد ندرك مقدار عظمتها وأهميّتها في الحياة الدّنيا والآخرة.
إنّ كل عبادةٍ، مهما كانت يسيرة سهلة، لها من الآثار والبركات التي تنعكس على الإنسان في حياته ورزقه وصحّته وأولاده حتى تلحقه إلى الموت والبرزخ وما بعده، فلا ينبغي الاستهانة بأيّ عملٍ مهما كان قليل المؤونة أو الثواب.
[الخطوة الأولى]: الاستغفار والتوبة
إنّ الإنسان المبتلى بالمعصية أو كثرة الغفلة يجب عليه أن يجلو قلبه، ويزيل لوثات الآثام، والاستغفار خير وسيلة لذلك، ومن أهمّ آثاره محو الذنوب، وإنارة القلب بنور الطّاعة والعبادة، وهذا مما يدعو إلى التقرّب من الحقّ تبارك وتعالى، والابتعاد عن الشيطان وهيمنته.
[١] روى الحسين بن سعيد الأهوازيّ، عن إبراهيم بن أبي البلاد، قال: قال لي أبو الحسن (عليه السّلام): «إنِّي أسْتَغفِرُ اللهَ فِيْ كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَةَ آلافِ مَرَّةٍ».
[٢] روى الكلينيّ بإسناده عن الصادق (عليه السلام): «إِذَا أكْثَرَ العَبْدُ مِنَ الاسْتِغْفَارِ رُفِعَتْ صَحِيْفَتُهُ وهِيَ تَتَلأْلأُ».
[٣] وروى بسندٍ معتبرٍ عن الصادق (عليه السلام): «قال رسول (صلى الله عليه وآله): خَيْرُ الدُّعَاءِ الاسْتِغْفَارُ».
-------
[١] كتاب الزهد، ص١٤٣، رقم الحديث ٢٠٣، باب التوبة والاستغفار والندم والإقرار، ح١٥.
[٢] الكافي، ج٤، ص٣٧٨، رقم الحديث ٣٢٢٢، كتاب الدّعاء، باب الاستغفار، ح٢.
[٣] الكافي، ج٤، ص٣٧٨، رقم الحديث ٣٢٢١، كتاب الدّعاء، باب الاستغفار، ح١.
خطوات على طريق العبوديّة (٢)
إذا اغتنم العبد الفرصةَ، وبادر إلى الاستغفار والتوبة، فعليه أن يبقى متيقّظاً، ولا يفسد ما أصلحه مرّةً أخرى، وليواظب على سدّ الثغور التي ينفذ منها الشيطانُ إلى القلب، وأهمّها وسوسته من خلال الأوهام والتخيّلات الباطلة، فعليه أن يضبط نفسه وخياله وفِكره، وأن يُكثر من التفكّر في نعم الله عليه ومظاهر قدرته وعظمته، وما أنعم عليه بأنواع العبادة وسبل التقرّب إليه في هذه الأيّام المباركة، وقد رُوي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «فكرك في الطّاعة يدعوك إلى العمل بها»، وعنه: «فكرُك في المعصية يحدوك على الوقوع فيها».
فانظر -يا أخي- في كلام أئمّة الهدى (عليهم السلام) وهم يحثّون شيعتهم على العمل والطّاعة، وتدبّر في منافع هذا الأمر وآثاره في الدنيا والآخرة، وكيف أنّ ذلك يوجب تطهير نفسك ونقاء قلبك من آفات المعصية ولوثات الشيطان.
فإذا خطوت في هذا الطريق بقدمٍ راسخةٍ، فستعلم أهميّة المراقبة والانتباه لكل حركة وسكنة حتى على مستوى عالم الذهن فضلاً عن الفعل والتصرّف.
إذا اغتنم العبد الفرصةَ، وبادر إلى الاستغفار والتوبة، فعليه أن يبقى متيقّظاً، ولا يفسد ما أصلحه مرّةً أخرى، وليواظب على سدّ الثغور التي ينفذ منها الشيطانُ إلى القلب، وأهمّها وسوسته من خلال الأوهام والتخيّلات الباطلة، فعليه أن يضبط نفسه وخياله وفِكره، وأن يُكثر من التفكّر في نعم الله عليه ومظاهر قدرته وعظمته، وما أنعم عليه بأنواع العبادة وسبل التقرّب إليه في هذه الأيّام المباركة، وقد رُوي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «فكرك في الطّاعة يدعوك إلى العمل بها»، وعنه: «فكرُك في المعصية يحدوك على الوقوع فيها».
فانظر -يا أخي- في كلام أئمّة الهدى (عليهم السلام) وهم يحثّون شيعتهم على العمل والطّاعة، وتدبّر في منافع هذا الأمر وآثاره في الدنيا والآخرة، وكيف أنّ ذلك يوجب تطهير نفسك ونقاء قلبك من آفات المعصية ولوثات الشيطان.
فإذا خطوت في هذا الطريق بقدمٍ راسخةٍ، فستعلم أهميّة المراقبة والانتباه لكل حركة وسكنة حتى على مستوى عالم الذهن فضلاً عن الفعل والتصرّف.
خطوات على طريق العبوديّة (٣)
من أكبر الأخطار التي تهدد الإنسان المتديّن أن يُعجَب بنفسه وأعماله، وهذا العُجب له أثرٌ على جهتين:
الجهة الأولى: في علاقته بالله تبارك وتعالى.
فإنّ العبد مع الإعجاب بأعماله سوف يحسن الظن بنفسه ويرى أنه قد قام بواجب العبوديّة على أكمل وجه، في حين أنه لو عبد الله ألف عامٍ ما أدّاه حق لحظةٍ واحدةٍ من نعمةٍ واحدةٍ، فكيف بأداء حق الله وشكره على نعمٍ لا يحصيها أحد إلا الله تعالى؟!
فعلى المؤمن مهما وُفّق للعبادات أن ينظر إلى نفسه بعين التقصير، وقد روي عن الإمام الكاظم عليه السلام أنه قال لبعض ولده: «يا بُنيّ، عليك بالجِدِّ، لا تُخرجَنَّ نفسَك من حدِّ التقصير في عبادة الله -عزّ وجلّ- وطاعته؛ فإنّ الله لا يّعبَدُ حقّ عبادته».
ومن الآثار السلبية لذلك أيضاً أنه ربما حسب نفسه من أهل النجاة فتقلّ مراقبته، ويعظم لديه الرجاء بنحو مفرط فيتوانى عن أداء الحقوق الإلهية، لا سيما وأن ذلك يستلزم ضعف جانب الخوف من الله لديه، وفي هذا ضرر عظيم أيضاً.
الجهة الثانية: في النظر مع الخلق.
فإنه إذا أعجب بعلمه أو عبادته أو صلاته وإنفاقه وما شاكل ذلك سيقايس ما عنده إلى الخلق فيتعالى عليهم، وربما انتقص منهم وظنّ علوّ مقامه عليهم، وتوهّم أنه من خواص الأولياء، ولعله إذا أجهد نفسه في إحياء عزاء أهل البيت عليهم السلام أو أداء صلاة الليل وأعجب بعمله صال وجال على غيره ورماهم بالتقصير وازدراهم، وربما كان فيهم من هو خير منه، وهذا فضلاً عما فيه من الشناعة، فإنه موجب للغفلة عن محاسبة النفس والاشتغال بذنوب الخلق، وهذا أول طريق الهلاك.
فلذلك، إن وفقك الله لكل خير من طاعة وعبادة وتعلّم وتعليم فلا تظننّ أنّك خير من غيرك، أو تحسب أنّك تفوقت عليهم، بل ذلك من خدع الشيطان، فلا تشتغل بها، وانظر إلى ما أنت فيه، وليس عليك أن تشتغل بتقييم غيرك، فلعلّ باطنه أنقى من ظاهرك وباطنك.
من أكبر الأخطار التي تهدد الإنسان المتديّن أن يُعجَب بنفسه وأعماله، وهذا العُجب له أثرٌ على جهتين:
الجهة الأولى: في علاقته بالله تبارك وتعالى.
فإنّ العبد مع الإعجاب بأعماله سوف يحسن الظن بنفسه ويرى أنه قد قام بواجب العبوديّة على أكمل وجه، في حين أنه لو عبد الله ألف عامٍ ما أدّاه حق لحظةٍ واحدةٍ من نعمةٍ واحدةٍ، فكيف بأداء حق الله وشكره على نعمٍ لا يحصيها أحد إلا الله تعالى؟!
فعلى المؤمن مهما وُفّق للعبادات أن ينظر إلى نفسه بعين التقصير، وقد روي عن الإمام الكاظم عليه السلام أنه قال لبعض ولده: «يا بُنيّ، عليك بالجِدِّ، لا تُخرجَنَّ نفسَك من حدِّ التقصير في عبادة الله -عزّ وجلّ- وطاعته؛ فإنّ الله لا يّعبَدُ حقّ عبادته».
ومن الآثار السلبية لذلك أيضاً أنه ربما حسب نفسه من أهل النجاة فتقلّ مراقبته، ويعظم لديه الرجاء بنحو مفرط فيتوانى عن أداء الحقوق الإلهية، لا سيما وأن ذلك يستلزم ضعف جانب الخوف من الله لديه، وفي هذا ضرر عظيم أيضاً.
الجهة الثانية: في النظر مع الخلق.
فإنه إذا أعجب بعلمه أو عبادته أو صلاته وإنفاقه وما شاكل ذلك سيقايس ما عنده إلى الخلق فيتعالى عليهم، وربما انتقص منهم وظنّ علوّ مقامه عليهم، وتوهّم أنه من خواص الأولياء، ولعله إذا أجهد نفسه في إحياء عزاء أهل البيت عليهم السلام أو أداء صلاة الليل وأعجب بعمله صال وجال على غيره ورماهم بالتقصير وازدراهم، وربما كان فيهم من هو خير منه، وهذا فضلاً عما فيه من الشناعة، فإنه موجب للغفلة عن محاسبة النفس والاشتغال بذنوب الخلق، وهذا أول طريق الهلاك.
فلذلك، إن وفقك الله لكل خير من طاعة وعبادة وتعلّم وتعليم فلا تظننّ أنّك خير من غيرك، أو تحسب أنّك تفوقت عليهم، بل ذلك من خدع الشيطان، فلا تشتغل بها، وانظر إلى ما أنت فيه، وليس عليك أن تشتغل بتقييم غيرك، فلعلّ باطنه أنقى من ظاهرك وباطنك.
شرّفَ عليٌّ الكعبةَ
كم تختلف الطرق إلى معرفة عليٍّ (عليه السلام) تبعاً لتفاوت العقول ومراتبها في المعرفة، فبعضٌ قد تقرِّبُ إليه فضل عليّ (عليه السلام) بأنّه وُلِدَ في الكعبة، وبعضٌ لحسن معرفته يرى فضل الكعبة بولادة عليّ (عليه السلام) فيها. وأيّ شيء ينقص علياً ليكتسب الفضلَ من حجرٍ ومدرٍ مهما علا شأنه؟ إنّما يُعرف فضل التراب إذا مشى عليه أبو تراب ❤️
عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: كنا في مجلس أبان بن تغلب فجاءه شاب، فقال: يا أبا سعيد، أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)؟
قال: فقال له أبان: كأنك تريد أن تعرف فضل علي (عليه السلام) بمَنْ تَبِعَه من أصحاب رسول الله (صلى عليه وآله)؟!
قال: فقال الرجل: هو ذاك.
فقال: والله ما عرفنا فضلهم إلا باتّباعهم إيّاه.
[رجال النجاشي: ١٢].
كم تختلف الطرق إلى معرفة عليٍّ (عليه السلام) تبعاً لتفاوت العقول ومراتبها في المعرفة، فبعضٌ قد تقرِّبُ إليه فضل عليّ (عليه السلام) بأنّه وُلِدَ في الكعبة، وبعضٌ لحسن معرفته يرى فضل الكعبة بولادة عليّ (عليه السلام) فيها. وأيّ شيء ينقص علياً ليكتسب الفضلَ من حجرٍ ومدرٍ مهما علا شأنه؟ إنّما يُعرف فضل التراب إذا مشى عليه أبو تراب ❤️
عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: كنا في مجلس أبان بن تغلب فجاءه شاب، فقال: يا أبا سعيد، أخبرني كم شهد مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)؟
قال: فقال له أبان: كأنك تريد أن تعرف فضل علي (عليه السلام) بمَنْ تَبِعَه من أصحاب رسول الله (صلى عليه وآله)؟!
قال: فقال الرجل: هو ذاك.
فقال: والله ما عرفنا فضلهم إلا باتّباعهم إيّاه.
[رجال النجاشي: ١٢].
📚 «كشف التحريفات» من الأرشيف إلى الطباعة
في العام ٢٠٠٧م تقريباً بدأت رحلة البحث الجادّ عن حقيقة التشيّع، واستمرّت لفترة طويلة، وكان من مقتضيات هذه الرحلة أن أُرْجِعَ البصرَ إلى كتب التراث السنيّ بوصفها حُجّة معتمدة لديّ آنذاك، فكان الاهتمام مُنصبَّاً على البحث والنظر في أدلة جملة من القضايا التاريخيّة والعقائديّة، وقد كانت هذه التجربة رغم طولها وما فيها من المشقّة ثريةً بالفوائد والملاحظات والتزوّد بالمعرفة اللازمة لإحكام النظر والمقارنة بين مقولات مذهبين عريقين في تاريخ الإسلام.
ومن جملة هذه الفوائد -خلال البحث- ملاحظةُ نوعٍ من التشويش في المتون الحديثية والتاريخيّة بشكل مريبٍ يوحي بوجود حقيقةٍ ضوؤها خافتٌ لا يكادُ يُرى إلا بعنايةٍ، وتحتاجُ إلى من يشقّ الطريق إليها ويرفع آثار الإبهام عنها، فقد كانت بعضُ الروايات مبتلاةً بألفاظٍ توجب التشويش والإبهام من قبيل (كذا وكذا)، (فلان)، (ذكر شيئاً)، أو تعاني من اقتطاعٍ مريبٍ لعباراتٍ في غاية الأهميّة بالنسبة للباحث في كتب الحديث والتاريخ، وقد كانت هذه التحريفات لافتةً للنظر وتستدعي المزيد من الاهتمام، فكان البحث يدور حول ما يرفعُ هذا التشويش ويكشف عن الحقيقة الغائبة خلفه، فوُفّقت للوقوف على روايات كثيرة تساعدُ على فهم المطلب المُبهَم وأسباب تحريفه وإبهام ألفاظه مذهبياً وسياسياً، وكم من روايةٍ أُبهمت بألفاظٍ قد انكشفَ المراد منها من خلال مصادر حديثية وتاريخية أخرى.
وبعد تكرر هذه الملاحظة، ازداد الاهتمام بهذا الأمر، فشرعت بتدوين ما وقفت عليه آنذاك، ونشرتُ معظمه على هيئة مواضيع حواريّة في (شبكة هجر الثقافيّة) سنة ٢٠١٠م وما تلاها إلى أن أُغلقت الشبكة، ثُمّ نُشر بعضها آنذاك في ملفّ إلكترونيّ صغير.
وقد شارك في هذا الاهتمام بعض الإخوة المساهمين في الحوارات السنيّة – الشيعيّة ومنهم الأخ العزيز والباحث القدير (محمود جناحي) الذي شاركني الاهتمام في هذه المسألة وتابع البحث والتعقّب لحظةً بلحظةٍ، فاجتمعت لدينا مسودات كثيرة تتعلق بهذا الموضوع الشيّق والمهم.
ومضت الأعوام وبقي ما دوّنتُه محفوظاً في ملفاتٍ مشتتةٍ وبعضها كان عالقاً بالذهن دون تدوين، إلى أن وصلتُ إلى قم المقدّسة أواخر عام ٢٠١٣م وبقيت تلك المواضيع على حالها إلى سنة ٢٠١٦م حيث عملتُ في تلك السنة على إعادة تحرير هذه الأوراق ونشرها في موقع إلكتروني في ذلك الوقت، وكنتُ أعيد نشرها لبعض أهل العلم والمهتمين بهذه الأبحاث المرتبطة بنقد ودراسة التراث الإسلاميّ، واتّفق حينها أنّي حضرتُ مجلساً عند أحد الإخوة الإيرانيين، والتقيت بالسيّد المحقّق محمد رضا الجلاليّ (حفظه الله)، وكان قد أطلعه أحد الإخوة على جملةٍ من المواضيع المنشورة فأثنى عليها كثيراً، وحثّني على البدء بتدوينها في كتابٍ يجمعها من شتاتها، ويكون متاحاً بشكل أفضل أمام الباحثين، وفي ذلك السياق، قدّم لي أوراقاً ترتبط بهذا الموضوع لأطالعها وأستفيد منها. وتلبيةً لما أشار به السيّد شرعتُ في العمل بمعيّة الأخ العزيز محمود جناحي، فجمعنا ما وقفنا عليه، وزوّدَنا بعضُ الإخوة المؤمنين بموارد عديدة تصلح لرفد البحث بالشواهد العلميّة التي تعزز فكرة البحث، وتَواصَلَ العملُ على إخراج الكتاب منذ تلك السنة، وقد استغرق إنجازه وقتاً طويلاً للاستغراق في تحرير الكتاب وصياغة مطالبه وإعادة تنظيم نسقه وترتيبه، فبعد جَمْعِ مادته، أعدنا ترتيب فصوله مراراً، كما أجرينا تعديلات على جملةٍ من مطالبه ابتغاءً لزيادة الضبط والدقّة في إخراجه، كما تطلّب العملُ على تصوير هذه المطالب وتوثيقها والسعي للحصول على بعض الكتب والمخطوطات مزيداً من الوقت. وبعد الفراغ من تحرير الكتاب وتنظيمه، آثرنا الاستفادة من ملاحظات ذوي الخبرة، فقدّمته للمراجعة بين يديّ بعض الأحبّة، ومنهم السيد محمد رضا الجلالي، والشيخ عبد الله دشتيّ، والشيخ أحمد سلمان، والأخ العزيز محمود زكريّا اللامرديّ، وقد انتفعنا بالملاحظات والإفادات، وانتهى العمل من تحرير الكتاب بشكل كامل سنة ٢٠٢٠م، بعد رحلةٍ مضنيةٍ استمرّت لسنواتٍ طويلةٍ كانت مليئة بالتجارب المفيدة.
يقع الكتاب في مجلّدين اثنين، وهو يُعنى ببيان الشواهد التاريخيّة على وقوع التحريف في كتب الحديث والتاريخ من قِبل المحدِّثين والمؤرِّخين. يتألف الكتاب من مدخلٍ يتحدّث حول أثر العوامل السياسيّة والدوافع العقائديّة المذهبيّة في تحريف الروايات الحديثية والتاريخيّة، ثم يتلو ذلك أربعة أبوابٍ، وهي:
الباب الأوّل: تحريف روايات المثالب والمطاعن.
الباب الثاني: تحريف روايات الفضائل.
الباب الثالث: تحريفات في الجانب الفقهيّ.
الباب الرابع: تحريفات في الكتب المطبوعة.
ويبقى هذا المجال مفتوحاً لكشف المزيد من خبايا التاريخ.. فكم ترك الأوائلُ للأواخر.
إبراهيم جواد
قم المقدّسة (زادها الله شرفاً)
١٥ رجب ١٤٤٢ هجرية.
٢٨-٢-٢٠٢١ ميلادية.
في العام ٢٠٠٧م تقريباً بدأت رحلة البحث الجادّ عن حقيقة التشيّع، واستمرّت لفترة طويلة، وكان من مقتضيات هذه الرحلة أن أُرْجِعَ البصرَ إلى كتب التراث السنيّ بوصفها حُجّة معتمدة لديّ آنذاك، فكان الاهتمام مُنصبَّاً على البحث والنظر في أدلة جملة من القضايا التاريخيّة والعقائديّة، وقد كانت هذه التجربة رغم طولها وما فيها من المشقّة ثريةً بالفوائد والملاحظات والتزوّد بالمعرفة اللازمة لإحكام النظر والمقارنة بين مقولات مذهبين عريقين في تاريخ الإسلام.
ومن جملة هذه الفوائد -خلال البحث- ملاحظةُ نوعٍ من التشويش في المتون الحديثية والتاريخيّة بشكل مريبٍ يوحي بوجود حقيقةٍ ضوؤها خافتٌ لا يكادُ يُرى إلا بعنايةٍ، وتحتاجُ إلى من يشقّ الطريق إليها ويرفع آثار الإبهام عنها، فقد كانت بعضُ الروايات مبتلاةً بألفاظٍ توجب التشويش والإبهام من قبيل (كذا وكذا)، (فلان)، (ذكر شيئاً)، أو تعاني من اقتطاعٍ مريبٍ لعباراتٍ في غاية الأهميّة بالنسبة للباحث في كتب الحديث والتاريخ، وقد كانت هذه التحريفات لافتةً للنظر وتستدعي المزيد من الاهتمام، فكان البحث يدور حول ما يرفعُ هذا التشويش ويكشف عن الحقيقة الغائبة خلفه، فوُفّقت للوقوف على روايات كثيرة تساعدُ على فهم المطلب المُبهَم وأسباب تحريفه وإبهام ألفاظه مذهبياً وسياسياً، وكم من روايةٍ أُبهمت بألفاظٍ قد انكشفَ المراد منها من خلال مصادر حديثية وتاريخية أخرى.
وبعد تكرر هذه الملاحظة، ازداد الاهتمام بهذا الأمر، فشرعت بتدوين ما وقفت عليه آنذاك، ونشرتُ معظمه على هيئة مواضيع حواريّة في (شبكة هجر الثقافيّة) سنة ٢٠١٠م وما تلاها إلى أن أُغلقت الشبكة، ثُمّ نُشر بعضها آنذاك في ملفّ إلكترونيّ صغير.
وقد شارك في هذا الاهتمام بعض الإخوة المساهمين في الحوارات السنيّة – الشيعيّة ومنهم الأخ العزيز والباحث القدير (محمود جناحي) الذي شاركني الاهتمام في هذه المسألة وتابع البحث والتعقّب لحظةً بلحظةٍ، فاجتمعت لدينا مسودات كثيرة تتعلق بهذا الموضوع الشيّق والمهم.
ومضت الأعوام وبقي ما دوّنتُه محفوظاً في ملفاتٍ مشتتةٍ وبعضها كان عالقاً بالذهن دون تدوين، إلى أن وصلتُ إلى قم المقدّسة أواخر عام ٢٠١٣م وبقيت تلك المواضيع على حالها إلى سنة ٢٠١٦م حيث عملتُ في تلك السنة على إعادة تحرير هذه الأوراق ونشرها في موقع إلكتروني في ذلك الوقت، وكنتُ أعيد نشرها لبعض أهل العلم والمهتمين بهذه الأبحاث المرتبطة بنقد ودراسة التراث الإسلاميّ، واتّفق حينها أنّي حضرتُ مجلساً عند أحد الإخوة الإيرانيين، والتقيت بالسيّد المحقّق محمد رضا الجلاليّ (حفظه الله)، وكان قد أطلعه أحد الإخوة على جملةٍ من المواضيع المنشورة فأثنى عليها كثيراً، وحثّني على البدء بتدوينها في كتابٍ يجمعها من شتاتها، ويكون متاحاً بشكل أفضل أمام الباحثين، وفي ذلك السياق، قدّم لي أوراقاً ترتبط بهذا الموضوع لأطالعها وأستفيد منها. وتلبيةً لما أشار به السيّد شرعتُ في العمل بمعيّة الأخ العزيز محمود جناحي، فجمعنا ما وقفنا عليه، وزوّدَنا بعضُ الإخوة المؤمنين بموارد عديدة تصلح لرفد البحث بالشواهد العلميّة التي تعزز فكرة البحث، وتَواصَلَ العملُ على إخراج الكتاب منذ تلك السنة، وقد استغرق إنجازه وقتاً طويلاً للاستغراق في تحرير الكتاب وصياغة مطالبه وإعادة تنظيم نسقه وترتيبه، فبعد جَمْعِ مادته، أعدنا ترتيب فصوله مراراً، كما أجرينا تعديلات على جملةٍ من مطالبه ابتغاءً لزيادة الضبط والدقّة في إخراجه، كما تطلّب العملُ على تصوير هذه المطالب وتوثيقها والسعي للحصول على بعض الكتب والمخطوطات مزيداً من الوقت. وبعد الفراغ من تحرير الكتاب وتنظيمه، آثرنا الاستفادة من ملاحظات ذوي الخبرة، فقدّمته للمراجعة بين يديّ بعض الأحبّة، ومنهم السيد محمد رضا الجلالي، والشيخ عبد الله دشتيّ، والشيخ أحمد سلمان، والأخ العزيز محمود زكريّا اللامرديّ، وقد انتفعنا بالملاحظات والإفادات، وانتهى العمل من تحرير الكتاب بشكل كامل سنة ٢٠٢٠م، بعد رحلةٍ مضنيةٍ استمرّت لسنواتٍ طويلةٍ كانت مليئة بالتجارب المفيدة.
يقع الكتاب في مجلّدين اثنين، وهو يُعنى ببيان الشواهد التاريخيّة على وقوع التحريف في كتب الحديث والتاريخ من قِبل المحدِّثين والمؤرِّخين. يتألف الكتاب من مدخلٍ يتحدّث حول أثر العوامل السياسيّة والدوافع العقائديّة المذهبيّة في تحريف الروايات الحديثية والتاريخيّة، ثم يتلو ذلك أربعة أبوابٍ، وهي:
الباب الأوّل: تحريف روايات المثالب والمطاعن.
الباب الثاني: تحريف روايات الفضائل.
الباب الثالث: تحريفات في الجانب الفقهيّ.
الباب الرابع: تحريفات في الكتب المطبوعة.
ويبقى هذا المجال مفتوحاً لكشف المزيد من خبايا التاريخ.. فكم ترك الأوائلُ للأواخر.
إبراهيم جواد
قم المقدّسة (زادها الله شرفاً)
١٥ رجب ١٤٤٢ هجرية.
٢٨-٢-٢٠٢١ ميلادية.
من دعاء الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لفكّ الكربات وقضاء الحاجات.
«يَا سَابِقَ كُلِّ فَوْتٍ، يَا سَامِعاً لِكُلِّ صَوْتٍ قَوِيٍّ أَوْ خَفِيٍّ، يَا مُحْيِيَ النُّفُوسِ بَعْدَ المَوْتِ، لاَ تَغْشَاكَ اَلظُّلُمَاتُ الحِنْدِسِيَّةُ، وَلاَ تُشَابِهُ عَلَيْكَ اللُّغَاتُ المُخْتَلِفَةُ، وَلاَ يَشْغَلُكَ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، يَا مَنْ لاَ يَشْغَلُهُ دَعْوَةُ دَاعٍ دَعَاهُ مِنَ الأَرْضِ عَنْ دَعْوَةِ دَاعٍ دَعَاهُ مِنَ اَلسَّمَاءِ، يَا مَنْ لَهُ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ سَمْعٌ سَامِعٌ وَبَصَرٌ نَافِذٌ، يَا مَنْ لاَ تُغَلِّطُهُ كَثْرَةُ المَسَائِلِ وَلاَ يُبْرِمُهُ إِلْحَاحُ المُلِحِّينَ، يَا حَيُّ حِينَ لاَ حَيَّ فِي دَيْمُومَةِ مِلْكِهِ وَ بَقَائِهِ، يَا مَنْ سَكَنَ العُلَى، وَاِحْتَجَبَ عَنْ خَلْقِهِ بِنُورِهِ، يَا مَنْ أَشْرَقَتْ لِنُورِهِ دُجَى الظُّلَمِ، أَسْأَلُكَ باسْمِكَ الوَاحِدِ الأحَدِ الفَرْدِ الصَّمَدِ الذِي هُوَ مِنْ جَمِيعِ أركَانِكَ كُلِّهَا صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وأَهْلِ بَيْتِهِ» ثُمَّ سَلْ حَاجَتَكَ.
📚 كشف الغمة في معرفة الأئمّة، ج٣، ص٣٠٠.
#روضة_المؤمن
«يَا سَابِقَ كُلِّ فَوْتٍ، يَا سَامِعاً لِكُلِّ صَوْتٍ قَوِيٍّ أَوْ خَفِيٍّ، يَا مُحْيِيَ النُّفُوسِ بَعْدَ المَوْتِ، لاَ تَغْشَاكَ اَلظُّلُمَاتُ الحِنْدِسِيَّةُ، وَلاَ تُشَابِهُ عَلَيْكَ اللُّغَاتُ المُخْتَلِفَةُ، وَلاَ يَشْغَلُكَ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، يَا مَنْ لاَ يَشْغَلُهُ دَعْوَةُ دَاعٍ دَعَاهُ مِنَ الأَرْضِ عَنْ دَعْوَةِ دَاعٍ دَعَاهُ مِنَ اَلسَّمَاءِ، يَا مَنْ لَهُ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ سَمْعٌ سَامِعٌ وَبَصَرٌ نَافِذٌ، يَا مَنْ لاَ تُغَلِّطُهُ كَثْرَةُ المَسَائِلِ وَلاَ يُبْرِمُهُ إِلْحَاحُ المُلِحِّينَ، يَا حَيُّ حِينَ لاَ حَيَّ فِي دَيْمُومَةِ مِلْكِهِ وَ بَقَائِهِ، يَا مَنْ سَكَنَ العُلَى، وَاِحْتَجَبَ عَنْ خَلْقِهِ بِنُورِهِ، يَا مَنْ أَشْرَقَتْ لِنُورِهِ دُجَى الظُّلَمِ، أَسْأَلُكَ باسْمِكَ الوَاحِدِ الأحَدِ الفَرْدِ الصَّمَدِ الذِي هُوَ مِنْ جَمِيعِ أركَانِكَ كُلِّهَا صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وأَهْلِ بَيْتِهِ» ثُمَّ سَلْ حَاجَتَكَ.
📚 كشف الغمة في معرفة الأئمّة، ج٣، ص٣٠٠.
#روضة_المؤمن
بركةُ التوسّل بصاحب الزّمان عليه السلام
قال السيّد محمد تقيّ الموسوي الأصفهانيّ متحدِّثاً عن كرم وليِّ الله وحُجّته مولانا ووليِّ أمرنا ابن الحسن -صلواتُ الله عليه- وإنعامه على أوليائه بقضاء حاجاتهم:
(ونكتفي في هذا المقام بذكر واقعتين: الأولى منهما قد وقعت للعبد الآثم الجاني محمد تقيّ الموسوي الأصفهاني مؤلف هذا الكتاب وهي أنّه قد كثرت عليَّ الديون قبل تأليف هذا الكتاب بثلاث سنين فتوسّلت به وبآبائه (عليهم السلام) ذاتَ ليلة وذكرتُ حاجتي لهم وكان في شهر رمضان، فلما رجعت من المسجد كان بعد طلوع الشمس فنمت وسمعتُه قال لي في المنام ما لفظه: «قدرى بايد صبر كنيد تا از مال خاص دوستان خاص خود بگيريم وبه تو برسانيم»، يعني: «اصبر قليلاً حتى نأخذ من خاصة أموال خواص محبِّينا فنعطيك»، فانتبهت فرحاً مسروراً منتجزاً متشكراً محبوراً، فلمّا مضى برهة من الزمان جاءني بعضٌ من الإخوان، كنتُ أعرفه بالصلاح، وأشمُّ منه الارتياح، وأعطاني ما قضى به الديون، وسكَّن عنِّي الشجون، وقال: هذا من سهم الإمام (عليه السلام) فسررت غاية السرور شوقاً، وقلتُ: (هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقّاً).
فيا إخواني في الدِّيْن وخِلَّاني على اليقين، أوصيكم بعرض حوائجكم إليه، فلا يخفى شيءٌ من أموركم عليه).
📚 مكيال المكارم في فوائد الدّعاء للقائم، ج١، ص٢٠٤-٢٠٥.
قال السيّد محمد تقيّ الموسوي الأصفهانيّ متحدِّثاً عن كرم وليِّ الله وحُجّته مولانا ووليِّ أمرنا ابن الحسن -صلواتُ الله عليه- وإنعامه على أوليائه بقضاء حاجاتهم:
(ونكتفي في هذا المقام بذكر واقعتين: الأولى منهما قد وقعت للعبد الآثم الجاني محمد تقيّ الموسوي الأصفهاني مؤلف هذا الكتاب وهي أنّه قد كثرت عليَّ الديون قبل تأليف هذا الكتاب بثلاث سنين فتوسّلت به وبآبائه (عليهم السلام) ذاتَ ليلة وذكرتُ حاجتي لهم وكان في شهر رمضان، فلما رجعت من المسجد كان بعد طلوع الشمس فنمت وسمعتُه قال لي في المنام ما لفظه: «قدرى بايد صبر كنيد تا از مال خاص دوستان خاص خود بگيريم وبه تو برسانيم»، يعني: «اصبر قليلاً حتى نأخذ من خاصة أموال خواص محبِّينا فنعطيك»، فانتبهت فرحاً مسروراً منتجزاً متشكراً محبوراً، فلمّا مضى برهة من الزمان جاءني بعضٌ من الإخوان، كنتُ أعرفه بالصلاح، وأشمُّ منه الارتياح، وأعطاني ما قضى به الديون، وسكَّن عنِّي الشجون، وقال: هذا من سهم الإمام (عليه السلام) فسررت غاية السرور شوقاً، وقلتُ: (هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقّاً).
فيا إخواني في الدِّيْن وخِلَّاني على اليقين، أوصيكم بعرض حوائجكم إليه، فلا يخفى شيءٌ من أموركم عليه).
📚 مكيال المكارم في فوائد الدّعاء للقائم، ج١، ص٢٠٤-٢٠٥.
البعثة المحمديّة مشكاة الهدىٰ (١)
إذا لاحظنا النّصوص الدينيّة في كثيرٍ من الأديان الموجودة عند البشر، وأردنا قياسها بالنسبة إلى الإدراكات العقليّة، فإنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
١. ما يدرك العقل بطلانها، ويقيم الدليل على فسادها.
٢. ما يدرك العقل صحّتها، ويقيم الدليل على صوابها.
٣. ما يقف العقل بإزائها حياديّاً، حيث لا يمكن النفي أو الإثبات.
وإذا جئنا إلى دراسة جملة من النصوص الدينيّة عند عمدة الأديان، على الأقلّ الأديان الثلاثة (اليهوديّة، المسيحيّة، الإسلام) وعرضناها بإزاء الأحكام العقليّة فإنّنا سنجدُ أنّ النصوص الإسلاميّة مع ظهورها في بيئةٍ عُرفت بالبداوة وقلّة العلم مرتفعة عن عالم الخُرافة والخيال، وقريبة إلى الفطرة والعقل، خلافاً لغيرها التي شابها من الوهن ما يثير العجب!
ولنأخذ مثالاً مسائل التوحيد ومعرفة الله في الأديان الثلاثة؛ فإنّك إذا طالعتَ نصوص العهد القديم والتصوّر البشري عن فكرة الرّب والإله فسوف تجدها مشوبةً بالسذاجة والبساطة فضلاً عمّا يتنافى مع العقل، والآفةُ في ذلك: أنّ هذه النصوص لم تخرج عن طبيعة بيئتها التي تدور في مستوى عقليّة الإنسان البدائيّ قبل آلاف السنين.
بينما إذا جئنا إلى نصوص القرآن الكريم وخُطب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في معارف التوحيد -بخصوصيّة أنّها لسانٌ حاكٍ عن علوم النبيِّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)- فسوف نجدُ أنّ المعرفة الصادرة في هذه النصوص ليست من محيط بيئتها، فقد كانت الجزيرة العربيّة تعيش حالةً من الجهل والافتقار إلى الفِكر والمعرفة، أو التأثُّر بأهل الكتاب الذين لا تخفى بساطة نصوصهم وسذاجة أفكارهم وتصوراتهم في مسألة التوحيد.
وبعد مرور ١٤٥٥ عاماً على بعثة النبيّ الأكرم وصدور هذه النصوص التوحيديّة العظيمة عنه وعن ورثته الخواصّ لا زالت هذه المعارف راسخةً وقادرةً على مناوءة عقول كبار المفكّرين من البشر مهما اختلفت مدارسهم، وإثباتِ حقّانيّتها ومدى دقّتها وصلابتها أمام النّقد والبحث والتحليل.
وإذا أراد المرءُ الإنصاف فعليه أن يُذعن أنّ هذه النصوص لا يمكن أن تصدرَ من بيئةٍ موبوءةٍ بالجهل أو الميل إلى أهل الكتاب في أحيانٍ كثيرةٍ، وأنّها أمرٌ استثنائيٌّ معجِزٌ يشهد بسطوع شمس الوحي عليها، وظهور آثار القدرة الإلهيّة فيها.
[أهل البيت عليهم السلام ورثة النبوّة]
وهذا الامتياز الحقيقيّ للمعارف النبويّة لم يقتصر على السّابقين لزمان البعثة النبويّة، بل بقي ممتداً إلى قرون لاحقة، فإنّ هذه العلوم الإلهيّة قد صارت إلى أئمتنا (عليهم السلام) وانفردوا بتقريرها وبيانها بشكل دقيق ومفصّل، وليُظهِرَ الله علوّ كعبهم وتألّق مجدهم انزلق خصومهم في مهاوي الردى، فدخلوا في ميدان التوحيد وتكلّموا في الله بما لا يعرفون، فأتوا بالمخازي المضحكة والمهازل المؤسفة، فبين قولٍ بالجبر أسّسه لهم معاوية، وقول بالتشبيه اختلسوه من أهل الكتاب، اندفعتْ خرافاتٌ شتى في مسائل التوحيد تُشبه طبيعة البيئة العربيّة التي لم تتخلص من آثار الجهل مطلقاً، وإنما بقيت غارقة في شوائب الجهل وخرافات أهل الكتاب، وكلٌّ إلى إلْفِه يميلُ.
إنّ هذا الامتياز الفريد لعلوم النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) شاهدٌ صدقٍ على وجود حقائق استثنائيّة في عالم الوجود، ليست من تدبير البشر، بل هي من تجلّيات الحقّ في أوليائه (صلوات الله عليهم) وكفى بذلك زيناً وفخراً وجمالاً.
.
.
«إلى أن بعث الله سبحانه محمداً - صلى الله عليه وآله - لإنجاز عِدَته وتمام نبوّته، مأخوذاً على النبيّين ميثاقه، مشهورةً سِماته، كريماً ميلاده، وأهلُ الأرض يومئذٍ مِللٌ متفرّقةٌ وأهواءٌ منتشرةٌ وطرائقُ متشتّتةٌ، بين مُشبِّه لله بخلقه، أو مُلحدٍ في اسمه، أو مشيرٍ إلى غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة».
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
📚 نهج البلاغة، ص٧٦-٧٧، رقم الخطبة ١.
إذا لاحظنا النّصوص الدينيّة في كثيرٍ من الأديان الموجودة عند البشر، وأردنا قياسها بالنسبة إلى الإدراكات العقليّة، فإنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
١. ما يدرك العقل بطلانها، ويقيم الدليل على فسادها.
٢. ما يدرك العقل صحّتها، ويقيم الدليل على صوابها.
٣. ما يقف العقل بإزائها حياديّاً، حيث لا يمكن النفي أو الإثبات.
وإذا جئنا إلى دراسة جملة من النصوص الدينيّة عند عمدة الأديان، على الأقلّ الأديان الثلاثة (اليهوديّة، المسيحيّة، الإسلام) وعرضناها بإزاء الأحكام العقليّة فإنّنا سنجدُ أنّ النصوص الإسلاميّة مع ظهورها في بيئةٍ عُرفت بالبداوة وقلّة العلم مرتفعة عن عالم الخُرافة والخيال، وقريبة إلى الفطرة والعقل، خلافاً لغيرها التي شابها من الوهن ما يثير العجب!
ولنأخذ مثالاً مسائل التوحيد ومعرفة الله في الأديان الثلاثة؛ فإنّك إذا طالعتَ نصوص العهد القديم والتصوّر البشري عن فكرة الرّب والإله فسوف تجدها مشوبةً بالسذاجة والبساطة فضلاً عمّا يتنافى مع العقل، والآفةُ في ذلك: أنّ هذه النصوص لم تخرج عن طبيعة بيئتها التي تدور في مستوى عقليّة الإنسان البدائيّ قبل آلاف السنين.
بينما إذا جئنا إلى نصوص القرآن الكريم وخُطب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في معارف التوحيد -بخصوصيّة أنّها لسانٌ حاكٍ عن علوم النبيِّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)- فسوف نجدُ أنّ المعرفة الصادرة في هذه النصوص ليست من محيط بيئتها، فقد كانت الجزيرة العربيّة تعيش حالةً من الجهل والافتقار إلى الفِكر والمعرفة، أو التأثُّر بأهل الكتاب الذين لا تخفى بساطة نصوصهم وسذاجة أفكارهم وتصوراتهم في مسألة التوحيد.
وبعد مرور ١٤٥٥ عاماً على بعثة النبيّ الأكرم وصدور هذه النصوص التوحيديّة العظيمة عنه وعن ورثته الخواصّ لا زالت هذه المعارف راسخةً وقادرةً على مناوءة عقول كبار المفكّرين من البشر مهما اختلفت مدارسهم، وإثباتِ حقّانيّتها ومدى دقّتها وصلابتها أمام النّقد والبحث والتحليل.
وإذا أراد المرءُ الإنصاف فعليه أن يُذعن أنّ هذه النصوص لا يمكن أن تصدرَ من بيئةٍ موبوءةٍ بالجهل أو الميل إلى أهل الكتاب في أحيانٍ كثيرةٍ، وأنّها أمرٌ استثنائيٌّ معجِزٌ يشهد بسطوع شمس الوحي عليها، وظهور آثار القدرة الإلهيّة فيها.
[أهل البيت عليهم السلام ورثة النبوّة]
وهذا الامتياز الحقيقيّ للمعارف النبويّة لم يقتصر على السّابقين لزمان البعثة النبويّة، بل بقي ممتداً إلى قرون لاحقة، فإنّ هذه العلوم الإلهيّة قد صارت إلى أئمتنا (عليهم السلام) وانفردوا بتقريرها وبيانها بشكل دقيق ومفصّل، وليُظهِرَ الله علوّ كعبهم وتألّق مجدهم انزلق خصومهم في مهاوي الردى، فدخلوا في ميدان التوحيد وتكلّموا في الله بما لا يعرفون، فأتوا بالمخازي المضحكة والمهازل المؤسفة، فبين قولٍ بالجبر أسّسه لهم معاوية، وقول بالتشبيه اختلسوه من أهل الكتاب، اندفعتْ خرافاتٌ شتى في مسائل التوحيد تُشبه طبيعة البيئة العربيّة التي لم تتخلص من آثار الجهل مطلقاً، وإنما بقيت غارقة في شوائب الجهل وخرافات أهل الكتاب، وكلٌّ إلى إلْفِه يميلُ.
إنّ هذا الامتياز الفريد لعلوم النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) شاهدٌ صدقٍ على وجود حقائق استثنائيّة في عالم الوجود، ليست من تدبير البشر، بل هي من تجلّيات الحقّ في أوليائه (صلوات الله عليهم) وكفى بذلك زيناً وفخراً وجمالاً.
.
.
«إلى أن بعث الله سبحانه محمداً - صلى الله عليه وآله - لإنجاز عِدَته وتمام نبوّته، مأخوذاً على النبيّين ميثاقه، مشهورةً سِماته، كريماً ميلاده، وأهلُ الأرض يومئذٍ مِللٌ متفرّقةٌ وأهواءٌ منتشرةٌ وطرائقُ متشتّتةٌ، بين مُشبِّه لله بخلقه، أو مُلحدٍ في اسمه، أو مشيرٍ إلى غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة».
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
📚 نهج البلاغة، ص٧٦-٧٧، رقم الخطبة ١.
البعثة المحمدية مشكاة الهدىٰ (٢)
«بعثَه والناس ضُلّالٌ في حيرةٍ، وخابطون في فتنةٍ، قد استهوتهم الأهواء، واستزلّهم الكبراء، واستخفّتهم الجاهلية الجهلاء، حيارى في زلزالٍ من الأمر، وبلاءٍ من الجهل، فبالغ - صلى الله عليه وآله - في النصيحة، ومضى على الطريقة، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة».
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
نهج البلاغة، ص٢٣١، رقم الخطبة ٩٤.
«بعثَه والناس ضُلّالٌ في حيرةٍ، وخابطون في فتنةٍ، قد استهوتهم الأهواء، واستزلّهم الكبراء، واستخفّتهم الجاهلية الجهلاء، حيارى في زلزالٍ من الأمر، وبلاءٍ من الجهل، فبالغ - صلى الله عليه وآله - في النصيحة، ومضى على الطريقة، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة».
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
نهج البلاغة، ص٢٣١، رقم الخطبة ٩٤.
البعثة المحمدية مشكاة الهدىٰ (٣)
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: «ولقد رأيتُ أصحاب محمد - صلى الله عليه وآله - فما أرى أحداً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً قد باتوا سُجّداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأنّ بين أعينهم رُكَب المِعزى من طول سجودهم، إذا ذكروا الله هملت أعينُهم حتى تبلّ جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجرُ يومَ الريح العاصف، خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب»، انظر: نهج البلاغة، ص٢٣٥، رقم الخطبة ٩٦.
جوانب الجمال في بعثة النبي - صلى الله عليه وآله - كثيرة جداً، ومن أجملها ذلك التغيير الكبير الذي أحدثه في نفوس بعض الجاهليين حيث تحوّلوا من الجهل بالله وتوحيده وسائر عادات الجاهلية الخبيثة من القتل بغير حق وأكل الرّبا وظلم الأيتام واضطهاد العبيد والاستعلاء على الفقراء إلى التوحيد والتوجه الحقيقي إلى الخالق سبحانه ونصرة الضعفاء والإحسان إلى الأيتام والفقراء. هذه جملة من آثار الحكمة والتزكية «هُوَ الَّذي بَعَثَ فِي الأُمِّيّينَ رَسولاً مِنهُم يَتلو عَلَيهِم آياتِهِ وَيُزَكّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كانوا مِن قَبلُ لَفي ضَلالٍ مُبينٍ».
والحقيقة التي لا غبار عليها أن العالم اليوم يعيش جاهليةً لا تقل قبحاً وسوءاً عن الجاهلية الأولى، حتى أمسى كثير من شعوب الأرض في قهر وعناء وشقاء، وإن رفع شقاء العالم اليوم مرهون باتباع حكمة النبي وتعاليمه. في عالمنا المعاصر، كم أكل المستكبرون من أموال الربا واستضعفوا الشعوب بها؟ كم خلقت الثقافة المادية من مسخ للفطرة الإنسانية؟ كم ساهم الجشع في تجويع الشعوب المقهورة؟ كم أوجد البعد عن معرفة الله وعبادته ضنكاً في العيش؟
ولذلك لن ترى هذه البشرية نصيبها من السعادة من دون معرفة الله والتوجه إلى بكامل إخلاصها وصدقها.
نسأل الله أن يرفع الجاهلية المعاصرة عنّا بوليه وحجته كما رفع الجاهلية الأولى بنبيه الكريم صلى الله عليه وآله.
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: «ولقد رأيتُ أصحاب محمد - صلى الله عليه وآله - فما أرى أحداً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً قد باتوا سُجّداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأنّ بين أعينهم رُكَب المِعزى من طول سجودهم، إذا ذكروا الله هملت أعينُهم حتى تبلّ جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجرُ يومَ الريح العاصف، خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب»، انظر: نهج البلاغة، ص٢٣٥، رقم الخطبة ٩٦.
جوانب الجمال في بعثة النبي - صلى الله عليه وآله - كثيرة جداً، ومن أجملها ذلك التغيير الكبير الذي أحدثه في نفوس بعض الجاهليين حيث تحوّلوا من الجهل بالله وتوحيده وسائر عادات الجاهلية الخبيثة من القتل بغير حق وأكل الرّبا وظلم الأيتام واضطهاد العبيد والاستعلاء على الفقراء إلى التوحيد والتوجه الحقيقي إلى الخالق سبحانه ونصرة الضعفاء والإحسان إلى الأيتام والفقراء. هذه جملة من آثار الحكمة والتزكية «هُوَ الَّذي بَعَثَ فِي الأُمِّيّينَ رَسولاً مِنهُم يَتلو عَلَيهِم آياتِهِ وَيُزَكّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كانوا مِن قَبلُ لَفي ضَلالٍ مُبينٍ».
والحقيقة التي لا غبار عليها أن العالم اليوم يعيش جاهليةً لا تقل قبحاً وسوءاً عن الجاهلية الأولى، حتى أمسى كثير من شعوب الأرض في قهر وعناء وشقاء، وإن رفع شقاء العالم اليوم مرهون باتباع حكمة النبي وتعاليمه. في عالمنا المعاصر، كم أكل المستكبرون من أموال الربا واستضعفوا الشعوب بها؟ كم خلقت الثقافة المادية من مسخ للفطرة الإنسانية؟ كم ساهم الجشع في تجويع الشعوب المقهورة؟ كم أوجد البعد عن معرفة الله وعبادته ضنكاً في العيش؟
ولذلك لن ترى هذه البشرية نصيبها من السعادة من دون معرفة الله والتوجه إلى بكامل إخلاصها وصدقها.
نسأل الله أن يرفع الجاهلية المعاصرة عنّا بوليه وحجته كما رفع الجاهلية الأولى بنبيه الكريم صلى الله عليه وآله.