Telegram Web Link
#قواعد_تربوية تعلمتها من نهج #أبي_عبد_الرحمن في تربيتنا

(2) صِدق النية وصدق المحبة وابتغاء وجه الله تعالى وحده بالإحسان في التربية:

صحيح أن في كل والد فطرة رعاية أولاده والاهتمام بهم (وقد تتعرض هذه الفطرة لما يشوّهها فيكون الوالد أول من يؤذي أولاده ويقسو قلبه عليهم)، لكن ليس كل والد يحبّ أبناءه حُبًّا جَمًّا، ويصدق في محبته لهم ويعتبرهم حقًّا بِضْعَة منه لا عبئًا عليه، ويبذل لهم من نَفْسِه غاية البذل راضيًا مسرورًا دون منٍّ ولا محاسبة على المردود، ويجعلهم أولويته في قراراته الحياتية ولو جار ذلك على كثير من أهدافه وطموحاته الشخصية. لقد كان أبي – يرحمه الله ويرضى عنه – من ذلك النوع النادر من الآباء الذي صدق حبّه لأبنائه غاية الصدق، وبلغ برّه وحرصه وانشغاله بهم غاية المدى. ونشهدُ له عند الله تعالى أنه أحسن لنا غاية الإحسان وبذل لأجلنا غاية ما وسعه من البذل بغير مَنٍّ ولا أذى.

وكان أبي يعتقد اعتقادًا جازمًا أن الله تعالى هو وحده وليُّ الهداية والحفظ والتوفيق، وله سبحانه المشيئة المطلقة والحكمة البالغة فيمن يهدي من العباد للصلاح ومن يُضلل؛ وأن الجهود التربوية التي يبذلها ففائدتها وثوابها كامت في التعبّد لله تعالى ببذل الوُسع في القيام بمسؤولياته وأداء أمانة دوره على ما يحب الله تعالى ويرضى؛ وأن الله تعالى لن يُضيع قطعًا عبادة متعبّد صادق ولا عمل عامل مخلص.

وإن نفسيّة الوالد الذي يعطي بصدق وحب عطاء غير مشروط لا يريد عليه شكورًا ولا يرجو به إلا وجه الله تعالى بعطائه، ثم يفوّض إليه سبحانه ثمرة تلك التربية وعاقبة ذلك، تلك النفسية تجعله متّزنًا في معاملته للناشئ ومتطلباته منه. فيدرك أن العملية التربوية ليست مسألة حسابية لا بد أن يتكافأ فيها الجهد المبذول مع المُنتج الحاصل بالتمام، وأن يُزهِر الطفل كما غرس الوالدان بالضبط، بل ثمة عوامل أخرى كثيرة تتداخل وتؤثر ليست كلها في نطاق مسؤوليته ولا ضبطها في إمكانه، سواء إمكانه هو أو إمكان المتربي الناشئ. ويدرك الوالد المربي كذلك أن حدود مسؤوليته عمّن يربّي تتدرج بحسب مختلف مراحل العمر ونضجها، فلا يتراخى في التوجيه والضبط حيث يجب منه الحزم والإلزام، ولا يشتدّ في التوجيه وفرض الإلزام حيث لم تعد تجب عليه إلا النصيحة والمشورة.

لكن غالب الأعراف المنزلية السائدة لا تعرف للتربية أصولًا ولا للمسؤولين حدودًا؛ فلذلك تتحوّل التربية من ميدان تنشئة وتهذيب وصياغة شخصية سليمة، إلى ميدان حرب يتدافع فيه السِّباب والصياح، وتهطل فيه إملاءات الأوامر على الناشئ كأنه عسكري آلي؛ أو إلى ساحة إقطاعية وملكيّة شخصية يتم التحكم فيها تحكّمًا خانقًا؛ أو إلى ملعب مفتوح يُترَك للناشئ فيه الحبل على الغارب بدعوى حريته واستقلال شخصيته!

رحم الله #أبي_عبد_الرحمن، ورضي عنه وأرضاه غاية الرضا. لقد كان ظلُّ أبوّته الممدود هو جنتي المبسوطة على الأرض، أشعر في رِياضها أنني حقًّا بِضْعَة منه وأنّه كلٌّ فيِّ؛ وكان قلبه الكبير هو الوطن الوحيد الذي شعرت بالانتماء له في حياتي. فالحمد لله العليّ العظيم الوهّاب الذي أكرمني به وجعلني منه.
رياضة النفس رحلة العمر، تقوم على المثابرة والمصابرة والصبر وتكلّف الجد والالتزام حتى يصير عادتك.

مقتطف من ندوة: أزمة أوقات الفراغ.
للأستاذة #هدى_عبد_الرحمن_النمر
:
الندوة مرئية على اليوتيوب
https://youtu.be/VFCzr1sKEwQ
الندوة صوتية على الساوند
https://on.soundcloud.com/xDWRfSRQNAc5oVyG7
:
لمتابعة مختلف حسابات #هدهديات
https://linktr.ee/hoda.alnimr
:
#هدهديات
#هدهديات_هدى_النمر
#هدى_عبد_الرحمن_النمر
#إن_هدى_الله_هو_الهدى
#عمران_الذات_المسلمة
#عمران_الذات
شهادات وصلتنا في حقّ #أبي_عبد_الرحمن

شهادة إمام مسجد - ج 1

تعرفتُ على الوالد الكريم في مسجد ... عام 2006، حين بدأت عملي هناك كإمام للمسجد وأنا في الثلاثين. وكان مع الدكتور ابنه (نور الرحمن) وعمره 8 سنوات، ومع ذلك عرفني عليه بهذا اللقب تحديدًا (ابني الدكتور نور)!

أعجبتُ من أول وهلة ببشاشة الوالد وابتسامته النيّرة ونظراته الطيبة الصافية من كل سوء، وبتواضعه الجمّ وأدبه الرفيع في مخاطبتي على كوني شابًّا حدث السنّ، وبلغته العربية الفصحى الجميلة التي كان الدكتورعبد الرحمن – رحمه الله تعالى - يستخدمها (دومًا) بكل براعة ويسر ووضوح. وعلمت بعدها أن الدكتور عبد الرحمن – رحمه الله تعالى - طبيب وأنه أقام لفترة في إنجلترا فزاد إعجابي من شدة إتقانه للغة العربية رغم ذلك وكأنها لم تفارقه يومًا واحدًا. أما إطلاقه عليكم (الدكتور نور) فقد كان درسًا آخر لي تعلمته من الدكتور عبد الرحمن – رحمه الله تعالى – بل وقصصته على زوجي فور عودتي إلى المنزل بعد صلاة الجمعة. ولمست أن أباكم الكريم أراد أن يغرس فيكم الثقة والطموح لمعالي الأمور منذ تلك السن الصغيرة، وأن معاملته لكم لم تكن معاملة الأب لأولاده فحسب ولكنها كانت كذلك معاملة الخِلّ لخلانه. وقد تأكد هذا المعنى لديّ حينما علمتُ بعدها أنه ربما كان يناقش الدكتور نور في موضوع خطبة الجمعة مثلًا وأهميته وما اشتمل عليه من عناصر أو فوائد.

ولقد كان الدكتور عبد الرحمن – رحمه الله تعالى – نِعمَ الناصح الأمين والأخ الأكبر لي منذ ذلك اليوم ، وإلى أن توفاه الله – عز وجل. فأثناء عملي بالمسجد كان كثيرًا ما يشجعني ويخبرني عن محبته ومحبتكم حضور خطبة الجمعة في مسجدي والإفادة منها. وكنت أحمد الله على ذلك وأدعو لأبيكم الكريم – رحمه الله – لتواضعه ولاستشعاري إرادته الخير لي وللناس بتشجيعه هذا . وأفدت كثيرًا من نصائحه اللغوية. ورغم أن الجميع قبل تخرجي في الجامعة وبعده كان يثني على تمكني من قواعد اللغة العربية إلا أن الدكتور عبد الرحمن – رحمه الله – ما كانت لتغيب عنه بعض الدقائق اللغوية مما جانبتُ فيه الصواب أحياناً أثناء إلقائي لخطبةٍ أو درس. وقد انفرد بي بعد الخطبة أكثر من مرة ليصوب لي بعض الأخطاء النحوية أو الصرفية فيما بينه وبيني. ولا أذكر أنه صوَّبَ لي خطأً قط أمام الناس ليجنبني الحرج خاصةً أن المسجد - بفضل الله تعالى – كان يمتلء دومًا بالحضور من المصلين المصريين عمومًا والوافدين من طلبة الأزهر خصوصًا. فكان الدكتور عبد الرحمن – رحمه الله – يحرص على أن تكون ملاحظاته أو تصويباته اللغوية في حديث خاص معه بعد انصراف جموع الناس حتى يحفظ صورة الإمام أمام الناس ولا أحسب ذلك إلا علامة من علامات إخلاصه وصدقه – رحمه الله تعالى.

ومما أذكره للدكتور عبد الرحمن – رحمه الله تعالى – تواضعه الجم، وأنه كان يسلم عليَّ بعد كل صلاةٍ من الصلوات الخمس ببشاشته المعهودة التي لم تفارقه أبدًا، تمامًا كما كان يكاد يلقي التحية ويسلم على رواد المسجد جميعًا بعد كل صلاة لا سيّما المسنين منهم. وأذكر أنه كان دومًا يهدي لي مقالاته في مجلة الوعي الإسلامي والمختار الإسلامي وبعض المجلات الأخرى والتي جمعت بين المعلومات الطبية القيمة والنظرة الإسلامية العميقة التي تربط القضايا والاهتمامات المعاصرة بالثوابت والأصول الصحيحة، وربما هذا أمر طبيعي بالنسبة لمن أحب العلم ونشأ في بيت من بيوته مثل الدكتور عبد الرحمن – رحمه الله تعالى

وكان مما يراه الدكتور عبد الرحمن – رحمه الله تعالى – أن خطبة الجمعة الجيدة هي ما اعتمد فيها الخطيب اعتمادًا مباشرًا على استحضار نصوص الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الصحيحة باللفظ لا بالمعنى فحسب، دون الإكثار من الحشو والإطالة في الشرح والكلام فوق الحاجة، ويقول: "أبلغ البلاغ أوجزه". ولا زلت أجد صدى ذلك المعنى القيم في نفسي إلى الآن.

وللشهادة تتمّة في جزء تالٍ بإذن الله.

#أبي_عبد_الرحمن
لـربما هناك مَن هم مثلي يُنقبون دائمًا عمّا يُنمي الحافز الداخلي.. وهذه الخاطرة من أثمن المحفزات الداخلية الأصيلة.

لـربما هناك مثلي من يعود بعد العمل مُرهقًا مُصدعًا مورّمًا! وفيه بقايا طاقة أو أدنى، وربما يصرفها في غير منفعة كـكلامٌ هادر أو تقليبٌ عبثي على الهاتف، أو لفٌّ ودوران حول النفس.

وأذكر قولها في كتابها #الأسئلة_الأربعة_لضبط_بوصلتك_في_الحياة عندما قالت "طول الأمل وقصر الأمد هذان من أسوأ وأعتى مهدرات العمر." وصدقت!

وربما قلت لـنفسك اليوم أستريح وغدًا أحاول استغلال تلك الطاقة فيما يفيد فـيطرق العقل مقولة لها من نفس كتابها :"منذ كم تَعِد نفسك وتقول:غدًا، غدًا؟
فقد جاء الغَدُ وصار يومك.. فكيف وَجَدتّه؟
وكيف وَجَدك؟ "

المبكي أنه وجدني كما تركني ووجدته كما تركته، وهنا تتجلى حقيقة قولها في كتابها #إضاءات_على_طريق_بناء_الذات أو حتى #هدهديات "الحياة لا تمطر ذهبًا ولا فضة، ولا تغييرًا ولا إصلاحًا..!"

لربما أشد ما أنا بحاجة له أن أكون لنفسي قبل أن أكون لغيري.. من صادقٌ معها وصالحٌ بها وصابرٌ عليها ومثابرٌ لأجلها وناصحٌ أمينٌ لها.
- #ياسرعرفات
شهادات وصلتنا في حقّ #أبي_عبد_الرحمن
شهادة إمام مسجد - ج 2

عهدتُ الدكتور عبد الرحمن – رحمه الله تعالى – حريصًا على حضور صلاة الجماعة بالمسجد. أما يوم الجمعة فما أذكر أني صعدت المنبر إلا ووجدت الدكتور عبد الرحمن وابنه نور قد حضرا قبل الأذان وجلسا – في أبهى صورة - أحدهما إلى جوار الآخر وسط أحد صفوف المصلين الأمامية. وكنت أُسرّ بحضورهما وأشعر أن لهما إشراقا خاصا أفتقده إذا غابا عن المسجد في أي مرة ربما بسبب سفر أو ظرف ما.
وقد عهدت الدكتور عبد الرحمن محبوبًا من أهل المسجد كلهم. حتى حينما كانت تنشأ بالمسجد بعض الخلافات التي تعود إلى الاختلافات في ميول الناس، وأفهامهم، وانطباعاتهم الشخصية، وإعجاب صاحب كل ذي رأي برأيه، كنت تجد الدكتور عبد الرحمن – رحمه الله تعالى – مترفعًا بنفسه عن كل ذلك، لافتًا أنظار المحيطين به إلى ما يجمعهم ولا يفرقهم من ابتغاء مرضات الله تعالى في كل عمل يقومون به، صادقًا في نصحه للجميع. وكثيرًا ما سعى الدكتور عبد الرحمن – رحمه الله تعالى - بأسلوبه الواضح، وهدوئه، وكلماته الرقيقة الحكيمة إلى التقريب بين وجهات نظر المختلفين ورد غيبتهم مما جعله محل إجلال واحترام الناس جميعاًً. فما سمعت الدكتور عبد الرحمن – رحمه الله تعالى – يكلم أحدًا من أهل المسجد إلا فيما ينفع. وكان إذا أنهى كلامه أو تحاوره انصرف دون تضييع وقت أو جلوس لمجرد التسامر واحتساء المشروبات والتفرع في موضوعات عديدة لا طائل منها كما يفعل البعض.
كنت دومًا أشعر بأن مثل الدكتور عبد الرحمن – رحمه الله تعالى – هو من يُسعى إليه ويُرجى القرب منه وكم تمنيت لو أتيحت لي فرصة أكبر للاقتراب منه بل كم شعرت في بعض المواقف بأنه هو الشخص الوحيد المناسب لأن أبث له بعض همومي أو أستشيره في بعض أموري ولكن حالت بيني وبين ذلك كثرة السفر وظروف شخصية أخرى كثيرة خارجة عن إرادتي.
وحينما أخبرني الدكتور نور بخبر وفاة أخي الأكبر الدكتور عبد الرحمن – رحمه الله تعالى – امتزج لدي شعوران: الشعور بألم افتقاد الأخ الأكبر الذي طالما شد الله عضدي به أثناء قربي المكاني منه وبُعدي عنه سواءً بسواء، واعتزازي بتلك الشخصية الفريدة التي أبت إلا أن تثبت تميزها - مرةً بعد مرة – حتى عند وفاتها وكأنها كانت غريبة في هذا العالم المتغير.
#أبي_عبد_الرحمن
خالطتُ ما شاء الله تعالى أن أخالط من الثقافات وجربت من مختلف الأعمال وتعرفت على ناس من مختلف الأوساط، وذقت من سعة الحركة والاستقلال الشخصي ومختلف إمكانات تحقيق الذات التي تطمح لها النساء خاصة، ما لم يوهِن اعتقادي - بل عززه - في أن الجهاد الأوسط في هذه الدنيا بعد الجهاد الأكبر (الفريضة المعلومة) والجهاد الأصغر (تزكية النفس) هو (إقامة سكن تقي)؛ وأنه لا مشغلة في الحياة بعد فرائض الله تعالى أسمى وأحسن عاقبة من الانكباب على تعبيد ذرية من صلب العبد لله تعالى.

ولو أن كلّ رَبَّيْ منزل انكبّا على ذريتهما فحسب، لصارت أسرتهما عضدًا في الأمة بدل أن تزيد فيها ثغرة، وصار بيتهما محرابًا يُذكر فيه اسم الله تعالى بدل أن يكون رأس حَربة يُؤتى منها دين الله تعالى؛ ولَكُفِيَت الأمة أجيالًا من العقد النفسية والفوضى الفكرية والاضطرابات العاطفية المتحركة على رجلين؛ ولقلّت الحاجة أو انعدمت لمؤسسات التدريب البشري والعلاج النفسي والإرشاد الفكري التي تستميت في تقويم ما عَوَجته الأسرة وإصلاح ما سبق منها إتلافه؛ وهي على ذلك - في غالبها - لا تزيد على أن تقلب العِوَج عرجًا، وتُصُيِّر التَّلَفَ كَلَفًا.

ويظل الوالدان أوائل الرُّعاة المسؤولين عن أهم وأغضّ رعية، وأول مَن يُؤتَى الحِمَى من قِبَلِهما أو يُصان.

[النص من كتابتي لكن استعملت الهاشتاج لأنه قناعة من آثار تربية أبي رحمه الله تعالى]
#تربويات_أبي_عبد_الرحمن
#أبي_عبد_الرحمن
النفع ليس لصيقََا بالعلم من حيث هو تصنيف قائم في المعارف الإنسانية، فقد استعاذ المصطفى صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع!
وكذا انتفاعك أنت بالعلم ليس شرطََا ولو كانت المادة في ذاتها نافعة.

مقتطف من كتاب #إضاءات_على_طريق_بناء_الذات
للأستاذة #هدى_عبد_الرحمن_النمر
:
لتحصيل الكتب ورقيًّا أو تحميلها إلكترونيًّا
https://hudhud0.wordpress.com/library
:
#هدهديات
#هدهديات_هدى_النمر
#هدى_عبد_الرحمن_النمر
#إن_هدى_الله_هو_الهدى
#عمران_الذات_المسلمة
#عمران_الذات
الدراسة في المنظومة الدراسية تقوم في الغالب على تراكم كم معلوماتي لا بناء علمي، وهو حشْد متراكم كثير منه غثاءٌ كغثاء السيل.
والتفوق الدراسي لا يعدو في غالب حقيقته استظهار أكبر كم من ذلك الخِضَم المعرفي لصبِّه في ورقة إثبات معرفته.

مقتطف من كتاب #إضاءات_على_طريق_بناء_الذات
للأستاذة #هدى_عبد_الرحمن_النمر
:
لتحصيل الكتب ورقيًّا أو تحميلها إلكترونيًّا
https://hudhud0.wordpress.com/library
:
#هدهديات
#هدهديات_هدى_النمر
#هدى_عبد_الرحمن_النمر
#إن_هدى_الله_هو_الهدى
#عمران_الذات_المسلمة
#عمران_الذات
نشأنا وأبي لا يتحدث إلا العربية الفصحى على الدوام، داخل البيت وخارجه، ومع أيٍّ كان، تنساب على لسانه بسلاسة وتلقائية وتمكّن طبيعي، بلا لَحْن ولا لجلجة. فورثنا عنه ذلك اللسان بالاقتداء والمحاكاة، حتى إن أبي أسمعني مرة تسجيلًا لي وهو يحفّظني سورة "الإخلاص" وعمري عامان تقريبًا، فكان يقول لي: "هيّا ، اقرئي"، فرددتُ عليه بعربية مستقيمة ومشكولة: "بل اقْرَأْ أنْتَ أوَّلًا"!

وكان من عادة أبي حين ندرُس أو نقرأ أو نشاهد معه شيئًا أن يستوقفنا ليسألنا عن إعراب كلمة أو تصحيح لَحْن (خطأ في التشكيل)، وكثيرًا ما كنا نعرف موضع اللحن سماعيًّا ونصححه بالسليقة، ولم نكن درسنا النحو بعد ولا عرفنا موضع الكلمة من الإعراب. ثمّ لما قاربنا المرحلة الابتدائية، شرع أبي يعلّمنا قواعد النحو العربي في مدرستنا المنزلية. وكان أول كتاب ندرس منه النحو معه كتاب "النحو الواضح" للمؤلِّفَيْن علي الجارم ومصطفى أمين، وأول درسٍ قرأه معنا "المبتدأ والخبر". وكان أول كتاب بلاغة ندرس منه معه "البلاغة الواضحة" لنفس المُؤَلِّفَيْن. ثم كلما كبرنا انطلقنا في القراءات الأدبية واللغوية والدينية من مكتبات أبي العامرة ذات الانتقاءات الممتازة؛ وبذلك نشأنا بحمد الله تعالى في أحضان العربية بمختلف درجات عُمقها، فلا نستصعب أسلوبًا لرصانته، ولا يستعصي علينا فهم كتب التراث والسَّلَف، بفضل الله تعالى وحمده؛ وجعل الله حسنات ذلك في ميزان معلّمنا ومُربينا عليه الرحمة والرضوان.

وحين بدأنا مخالطة أطفال آخرين من مختلف الجنسيات، كان من السهل على اللسان الذي استقام على الفصحى أن يحاكي ما دونها، فكنّا نتقن الحديث بمختلف اللهجات ونتنقل بينها ببساطة وسلاسة بحسب المتحدّث. وتفرّع عن ذلك قوّة المَلكَة اللغوية عندنا، والقدرة على تعلم واكتساب اللغات ذاتيًا، كالإنجليزية والأسبانية والتركية والفرنسية (بدرجات متفاوتة).
فلم تكن النشأة على العربية وفيها عائقًا كما يُخَيَّل للكثيرين، الذين يسارعون لقذف أولادهم في المدارس الأجنبية ليكتسبوا لغاتها في الصِّغَر، فلا تكون المحصّلة إلا رطانة أجنبية سطحية لا تعني تمكّن الطفل من اللغة الأجنبية أو إتقانه لها، مع عاميّة ركيكة مائعة، فصاحبها أبعد ما يكون عن القدرة على تحريك لسانه بالفصحى ناهيك عن فهم الكلام الفصيح سماعًا أو قراءة! وهكذا بَدأتْ الفجوة المتسعة بين أجيال العرب والمسلمين من جهة ولسان العربية ودين الإسلام من الجهة الأخرى! وقد كتب أبي - فيما كتب من مقالات تربوية وعلمية - عن مناهج تعليم الأطفال اللغات في الصغر وآثار تلك المناهج على المدى، منها : " كيف يكتسب الأطفال اللغة؟ وهل يمكن تعليمهم عدة لغات؟"، "هكذا يعلّمون اللغة ويسيطرون".

وأما سرُّ تحدّث أبي بالفصحى، فمبدؤه نشأته على يد جدي الشيخ عبد اللطيف النمر رحمه الله، الذي كان متمكنًا من العربية نحوًا وبلاغة ومتحدّثًا للفصحى بطلاقة، وتخرّج في كلية دار العلوم، ثم عُيِّن إمامًا وخطيبًا. وقد أشبهه أبي رحمه الله في كثير من خصاله ونَهَل من علمه الدينيّ واللغوي. ثم لمّا سافر أبي للندن لاستكمال دراسة الطب بعد تحصيل شهادة البكالوريوس من جامعة الاسكندرية، وجد النظام الإنجليزي يَعْقِد لكل طبيبٍ وافدٍ امتحانين: امتحانًا في الطب وامتحانًا في اللغة الإنجليزية. وشَهِدَ أطباءَ كثيرين نجحوا في امتحان الطب ثم رسبوا في امتحان اللغة، فكان نصيبهم ترحيلهم لبلادهم ومنعهم مزاولة المهنة في إنجلترا! فعجب أبي لذلك الحرص والغيرة منهم على لغتهــــم الأم، وقامت في نفســـــه الحَميّة للعربية التي هي أكرم اللغات وأشرفها وأجدرها بالحرص والغيرة عليهــا، فنحن أحقّ من غيرنا بالاستمساك بلغتنا ونشر التمسّك بها. ولم يكن مفهوم التمسك بالهُوِيَّة العربية عند أبي إتقان اللغة العربية من حيث صحّــة القواعد اللغوية أو امتلاك أداة أدبية جميلة لزخرفـة الكتـابة فحسب، بل تَشَرُّبها من حيث هي لسان حَيٌّ وذائقة مخصوصة وكيان متكامل مع روح الديانة وشخصية المسلم. فكان أن عاهد أبي اللهَ منذ ذلك الحين ألا يتحدث ولا يحدِّث إلا بها، ويسَّر الله عليه تطبيق ذلك إذ كان لسانه بالفعل مستقيمًا عليها بالتنشئة، وآتاه الله نفسًا أبيّة قوية في الحق ولو انفردت بتطبيقه، فلم يَثْنِه عن عزمه ذاك حرج من مخالفة الآخرين أو تخوّف من انتقادهم. ولمّا بلَّغ جدي عبد اللطيف في إحدى رسائله له بذلك القرار، هنّأه عليه وأيَّده فيه، ودعا له بالعزة والإعزاز حيثما حلّ، وأن يهدي الله به خلقه.

#أبي_عبد_الرحمن
#النشأة_على_الفصحى
2024/09/29 18:19:48
Back to Top
HTML Embed Code: