من كتاب #الأسئلة_الأربعة_لضبط_بوصلتك_في_الحياة
>> صفحة الكتاب على جودريدز مع الفهرس واقتباسات منه
https://www.goodreads.com/book/show/50351656
>> صفحة الكتاب على جودريدز مع الفهرس واقتباسات منه
https://www.goodreads.com/book/show/50351656
من كتاب #الأسئلة_الأربعة_لضبط_بوصلتك_في_الحياة
>> صفحة الكتاب على جودريدز مع الفهرس واقتباسات منه
https://www.goodreads.com/book/show/50351656
>> صفحة الكتاب على جودريدز مع الفهرس واقتباسات منه
https://www.goodreads.com/book/show/50351656
محبة الله عز وجل : موجباتها وثـمـراتها ؛ للشيخ عبد اللطيف النمر : https://cutt.us/AwsoA
تسجيل الندوة على قناة اليوتيوب : https://youtu.be/DqF9HTr55rA
قائمة المراجع والإحالات : https://hmisk.wordpress.com/2020/09/24/references-2/
قائمة المراجع والإحالات : https://hmisk.wordpress.com/2020/09/24/references-2/
مقطع للشيخ الشعراوي عن ذكر الله للعبد
https://youtu.be/fQ8vQTMdu0E
https://youtu.be/fQ8vQTMdu0E
YouTube
تفسير قول الله تعالى .. فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ
من كتاب #الأسئلة_الأربعة_لضبط_بوصلتك_في_الحياة
>> صفحة الكتاب على جودريدز مع الفهرس واقتباسات منه
https://www.goodreads.com/book/show/50351656
>> صفحة الكتاب على جودريدز مع الفهرس واقتباسات منه
https://www.goodreads.com/book/show/50351656
تسجيل ندوة : أزمة أوقات الفراغ
https://youtu.be/VFCzr1sKEwQ
https://youtu.be/VFCzr1sKEwQ
YouTube
أزمة أوقات الفراغ : بين الجِدّ واللعب ، والحرية والمسؤولية
ندوة من تقديم هدى عبد الرحمن النمر ، برعاية صالون آفاق الثقافي في أسيوط
مراجع الندوة : https://hmisk.wordpress.com/2020/09/12/sparewww.tg-me.com/
صفحتنا على الفيسبوك : https://www.facebook.com/Idaat.HodaNimr/
00:00:00 | مُقدمة اللقاء
00:01:16 | ما الذي يجعل من أوقات…
مراجع الندوة : https://hmisk.wordpress.com/2020/09/12/sparewww.tg-me.com/
صفحتنا على الفيسبوك : https://www.facebook.com/Idaat.HodaNimr/
00:00:00 | مُقدمة اللقاء
00:01:16 | ما الذي يجعل من أوقات…
تتوافر كافة المؤلَّفات الآن في الاسكندرية مع دار المعرفة للنشر والتوزيع
https://www.facebook.com/DarElmarefah/
https://www.facebook.com/DarElmarefah/
نقلًا عن صفحة أ. هدى النمر
أنعم الله على أبي – رحمه الله تعالى – بمزيج من الصفات التي نَضَجت وتكاملت فيه
كلما تقدّم في العمر ، كانت تدفع المرء دفعًا لمشاركته كل ما يودّ مشاركته به من أسرار وأفكار وخواطر ، أيًّا كان موضوعها ، دون تحرج أو تخوّف .
ذلك أنه جمع حسن الاستماع مع طول بال ، وسَعَة الصدر للتفهّم دون تجريم أو تجريح ، وصدق النصح دون مواربة أو تمييع للحق والباطل . وفوق كل ذلك لم يكن ممن يمسك على مُكاشفٍ سِجِلّات ضعفه أو خطئه ليعدّدها عليه لاحقًا ويستخدمها ضدّه تبكيتًا وانتقادًا ومعايبة ، كما يفعل كثير من الآباء والأمهات ، ومن تُكاشفهم بخصوصيّاتك عادة .
فمن أبي تعلّمتُ أن المرء متحكّم في نفسه ما تحكَّم في لسانه وخواطره وأسراره ، فإذا أطلَقَ لسانَه في الكشف عن دواخل نفسه وأسراره صار أسيرها وأسير مَن كاشَفَه . لذلك فالملاذ الوحيد الذي يأوي إليه المرء ويأمنه على نفسه على انكشاف ظاهره وباطنه أمامه ، دائمًا وأبدًا ، هو ربّه تبارك وتعالى . فإنْ رزقه الله بصاحب سرّ يأمنه وينفعه ، فَبِهَا ونِعْمَتْ ؛ وإلا فالله حَسْبُه وكافيه .
#أبي_عبد_الرحمن
أنعم الله على أبي – رحمه الله تعالى – بمزيج من الصفات التي نَضَجت وتكاملت فيه
كلما تقدّم في العمر ، كانت تدفع المرء دفعًا لمشاركته كل ما يودّ مشاركته به من أسرار وأفكار وخواطر ، أيًّا كان موضوعها ، دون تحرج أو تخوّف .
ذلك أنه جمع حسن الاستماع مع طول بال ، وسَعَة الصدر للتفهّم دون تجريم أو تجريح ، وصدق النصح دون مواربة أو تمييع للحق والباطل . وفوق كل ذلك لم يكن ممن يمسك على مُكاشفٍ سِجِلّات ضعفه أو خطئه ليعدّدها عليه لاحقًا ويستخدمها ضدّه تبكيتًا وانتقادًا ومعايبة ، كما يفعل كثير من الآباء والأمهات ، ومن تُكاشفهم بخصوصيّاتك عادة .
فمن أبي تعلّمتُ أن المرء متحكّم في نفسه ما تحكَّم في لسانه وخواطره وأسراره ، فإذا أطلَقَ لسانَه في الكشف عن دواخل نفسه وأسراره صار أسيرها وأسير مَن كاشَفَه . لذلك فالملاذ الوحيد الذي يأوي إليه المرء ويأمنه على نفسه على انكشاف ظاهره وباطنه أمامه ، دائمًا وأبدًا ، هو ربّه تبارك وتعالى . فإنْ رزقه الله بصاحب سرّ يأمنه وينفعه ، فَبِهَا ونِعْمَتْ ؛ وإلا فالله حَسْبُه وكافيه .
#أبي_عبد_الرحمن
- هل يُفهم مما تمّ عرضه على مدى الكتاب الدعوة للتخلي عن الشغف والأحلام والطموحات؟
- أبدًا!
- إذن ماذا؟
- المقصود الدعوة لترك عبادتها بذاتها ، والتوجّــه لعبادة الله وحــده ، وخــوض الحياة بنفس واسعة : فلا تتحجّر عند أمنية ولا تتشرط على خالقك هواك ؛ وتسعى وتثابر بجدية وعزم من حيث إن السعي عبادة والعزم قُربى ، أما النتائج فرزق من الله يَقسِمُه بحكمة وعلم وعدل كيف يشاء لمن شاء ؛ وتعتقد أنك مهما أوتيتَ من الأسباب فهي لا تؤثر بذاتها ، وإنما غاية ما يُراد منهـا أن تَأخُذَ بها تعبّــدًا ؛ وتتذكّر أن كل شيء وسبب وشخص يذهب ويجـيء ، ويتبدّل ويتحـوّل ، وليس غير الله تعالى وحده الحيّ الباقي دائمًا وأبدًا .
- أبدًا!
- إذن ماذا؟
- المقصود الدعوة لترك عبادتها بذاتها ، والتوجّــه لعبادة الله وحــده ، وخــوض الحياة بنفس واسعة : فلا تتحجّر عند أمنية ولا تتشرط على خالقك هواك ؛ وتسعى وتثابر بجدية وعزم من حيث إن السعي عبادة والعزم قُربى ، أما النتائج فرزق من الله يَقسِمُه بحكمة وعلم وعدل كيف يشاء لمن شاء ؛ وتعتقد أنك مهما أوتيتَ من الأسباب فهي لا تؤثر بذاتها ، وإنما غاية ما يُراد منهـا أن تَأخُذَ بها تعبّــدًا ؛ وتتذكّر أن كل شيء وسبب وشخص يذهب ويجـيء ، ويتبدّل ويتحـوّل ، وليس غير الله تعالى وحده الحيّ الباقي دائمًا وأبدًا .
من كتاب #الأسئلة_الأربعة_لضبط_بوصلتك_في_الحياة
>> صفحة الكتاب على جودريدز مع الفهرس واقتباسات منه
https://www.goodreads.com/book/show/50351656
>> صفحة الكتاب على جودريدز مع الفهرس واقتباسات منه
https://www.goodreads.com/book/show/50351656
من كتاب #الأسئلة_الأربعة_لضبط_بوصلتك_في_الحياة
>> صفحة الكتاب على جودريدز مع الفهرس واقتباسات منه
https://www.goodreads.com/book/show/50351656
>> صفحة الكتاب على جودريدز مع الفهرس واقتباسات منه
https://www.goodreads.com/book/show/50351656
ينبغي بعد كل ما سبق بيانه في الكتاب حتى الآن أن يتضح أنه لا تعارض عند المؤمن في الجمع بين : الرضا بما قَسَمه الله والطموح في الابتغاء من فضل الله . فخُذ بالمتاح وارجُ وجه الله الفتَّاح .
واذكر دائمًا أن أعظم فرص العمر التي يُؤتاها الكلّ سواسية هو العمر نفسه : أن يَمُدّ الله لك في أنفاسك ما تذكره بها وتستزيد خيرًا عنده وتستغفره من تفريط عندك ، قبل أن تلقاه في يوم لا مَرَدَّ له ، ولا فرصة تعويض .
#الأسئلة_الأربعة_لضبط_بوصلتك_في_الحياة
واذكر دائمًا أن أعظم فرص العمر التي يُؤتاها الكلّ سواسية هو العمر نفسه : أن يَمُدّ الله لك في أنفاسك ما تذكره بها وتستزيد خيرًا عنده وتستغفره من تفريط عندك ، قبل أن تلقاه في يوم لا مَرَدَّ له ، ولا فرصة تعويض .
#الأسئلة_الأربعة_لضبط_بوصلتك_في_الحياة
نقلًا عن صفحة هدى عبد الرحمن النمر على الفيسبوك :
#أبي_عبد_الرحمن
#النشأة_على_الفصحى
نشأنا وأبي لا يتحدث إلا العربية الفصحى على الدوام ، داخل البيت وخارجه ، ومع أيٍّ كان ، تنساب على لسانه بسلاسة وتلقائية وتمكّن طبيعي ، بلا لَحْن ولا لجلجة . فورثنا عنه ذلك اللسان بالاقتداء والمحاكاة ، حتى إن أبي أسمعني مرة تسجيلًا لي وهو يحفّظني سورة "الإخلاص" وعمري عامان تقريبًا ، فكان يقول لي : "هيّا ، اقرئي" ، فرددتُ عليه بعربية مستقيمة ومشكولة : "بل اقْرَأْ أنْتَ أوَّلًا"!
وكان من عادة أبي حين ندرُس أو نقرأ أو نشاهد معه شيئًا أن يستوقفنا ليسألنا عن إعراب كلمة أو تصحيح لَحْن (خطأ في التشكيل) ، وكثيرًا ما كنا نعرف موضع اللحن سماعيًّا ونصححه بالسليقة ، ولم نكن درسنا النحو بعد ولا عرفنا موضع الكلمة من الإعراب . ثمّ لما قاربنا المرحلة الابتدائية ، شرع أبي يعلّمنا قواعد النحو العربي في مدرستنا المنزلية . وكان أول كتاب ندرس منه النحو معه كتاب "النحو الواضح" للمؤلِّفَيْن علي الجارم ومصطفى أمين ، وأول درسٍ قرأه معنا "المبتدأ والخبر" . وكان أول كتاب بلاغة ندرس منه معه "البلاغة الواضحة" لنفس المُؤَلِّفَيْن . ثم كلما كبرنا انطلقنا في القراءات الأدبية واللغوية والدينية من مكتبات أبي العامرة ذات الانتقاءات الممتازة ؛ وبذلك نشأنا بحمد الله تعالى في أحضان العربية بمختلف درجات عُمقها ، فلا نستصعب أسلوبًا لرصانته ، ولا يستعصي علينا فهم كتب التراث والسَّلَف، بفضل الله تعالى وحمده ؛ وجعل الله حسنات ذلك في ميزان معلّمنا ومُربينا عليه الرحمة والرضوان .
وحين بدأنا مخالطة أطفال آخرين من مختلف الجنسيات ، كان من السهل على اللسان الذي استقام على الفصحى أن يحاكي ما دونها ، فكنّا نتقن الحديث بمختلف اللهجات ونتنقل بينها ببساطة وسلاسة بحسب المتحدّث . وتفرّع عن ذلك قوّة المَلكَة اللغوية عندنا ، والقدرة على تعلم واكتساب اللغات ذاتيًا ، كالإنجليزية والأسبانية والتركية والفرنسية (بدرجات متفاوتة) .
فلم تكن النشأة على العربية وفيها عائقًا كما يُخَيَّل للكثيرين ، الذين يسارعون لقذف أولادهم في المدارس الأجنبية ليكتسبوا لغاتها في الصِّغَر ، فلا تكون المحصّلة إلا رطانة أجنبية سطحية لا تعني تمكّن الطفل من اللغة الأجنبية أو إتقانه لها ، مع عاميّة ركيكة مائعة ، فصاحبها أبعد ما يكون عن القدرة على تحريك لسانه بالفصحى ناهيك عن فهم الكلام الفصيح سماعًا أو قراءة! وهكذا بَدأتْ الفجوة المتسعة بين أجيال العرب والمسلمين من جهة ولسان العربية ودين الإسلام من الجهة الأخرى! وقد كتب أبي - فيما كتب من مقالات تربوية وعلمية - عن مناهج تعليم الأطفال اللغات في الصغر وآثار تلك المناهج على المدى ، منها : " كيف يكتسب الأطفال اللغة؟ وهل يمكن تعليمهم عدة لغات؟" ، "هكذا يعلّمون اللغة ويسيطرون" .
وأما سرُّ تحدّث أبي بالفصحى ، فمبدؤه نشأته على يد جدي الشيخ عبد اللطيف النمر رحمه الله ، الذي كان متمكنًا من العربية نحوًا وبلاغة ومتحدّثًا للفصحى بطلاقة ، وتخرّج في كلية دار العلوم ، ثم عُيِّن إمامًا وخطيبًا . وقد أشبهه أبي رحمه الله في كثير من خصاله ونَهَل من علمه الدينيّ واللغوي . ثم لمّا سافر أبي للندن لاستكمال دراسة الطب بعد تحصيل شهادة البكالوريوس من جامعة الاسكندرية ، وجد النظام الإنجليزي يَعْقِد لكل طبيبٍ وافدٍ امتحانين : امتحانًا في الطب وامتحانًا في اللغة الإنجليزية . وشَهِدَ أطباءَ كثيرين نجحوا في امتحان الطب ثم رسبوا في امتحان اللغة ، فكان نصيبهم ترحيلهم لبلادهم ومنعهم مزاولة المهنة في إنجلترا! فعجب أبي لذلك الحرص والغيرة منهم على لغتهــــم الأم ، وقامت في نفســـــه الحَميّة للعربية التي هي أكرم اللغات وأشرفها وأجدرها بالحرص والغيرة عليهــا ، فنحن أحقّ من غيرنا بالاستمساك بلغتنا ونشر التمسّك بها . ولم يكن مفهوم التمسك بالهُوِيَّة العربية عند أبي إتقان اللغة العربية من حيث صحّــة القواعد اللغوية أو امتلاك أداة أدبية جميلة لزخرفـة الكتـابة فحسب ، بل تَشَرُّبها من حيث هي لسان حَيٌّ وذائقة مخصوصة وكيان متكامل مع روح الديانة وشخصية المسلم . فكان أن عاهد أبي اللهَ منذ ذلك الحين ألا يتحدث ولا يحدِّث إلا بها ، ويسَّر الله عليه تطبيق ذلك إذ كان لسانه بالفعل مستقيمًا عليها بالتنشئة ، وآتاه الله نفسًا أبيّة قوية في الحق ولو انفردت بتطبيقه ، فلم يَثْنِه عن عزمه ذاك حرج من مخالفة الآخرين أو تخوّف من انتقادهم . ولمّا بلَّغ جدي عبد اللطيف في إحدى رسائله له بذلك القرار ، هنّأه عليه وأيَّده فيه ، ودعا له بالعزة والإعزاز حيثما حلّ ، وأن يهدي الله به خلقه .
#أبي_عبد_الرحمن
#النشأة_على_الفصحى
نشأنا وأبي لا يتحدث إلا العربية الفصحى على الدوام ، داخل البيت وخارجه ، ومع أيٍّ كان ، تنساب على لسانه بسلاسة وتلقائية وتمكّن طبيعي ، بلا لَحْن ولا لجلجة . فورثنا عنه ذلك اللسان بالاقتداء والمحاكاة ، حتى إن أبي أسمعني مرة تسجيلًا لي وهو يحفّظني سورة "الإخلاص" وعمري عامان تقريبًا ، فكان يقول لي : "هيّا ، اقرئي" ، فرددتُ عليه بعربية مستقيمة ومشكولة : "بل اقْرَأْ أنْتَ أوَّلًا"!
وكان من عادة أبي حين ندرُس أو نقرأ أو نشاهد معه شيئًا أن يستوقفنا ليسألنا عن إعراب كلمة أو تصحيح لَحْن (خطأ في التشكيل) ، وكثيرًا ما كنا نعرف موضع اللحن سماعيًّا ونصححه بالسليقة ، ولم نكن درسنا النحو بعد ولا عرفنا موضع الكلمة من الإعراب . ثمّ لما قاربنا المرحلة الابتدائية ، شرع أبي يعلّمنا قواعد النحو العربي في مدرستنا المنزلية . وكان أول كتاب ندرس منه النحو معه كتاب "النحو الواضح" للمؤلِّفَيْن علي الجارم ومصطفى أمين ، وأول درسٍ قرأه معنا "المبتدأ والخبر" . وكان أول كتاب بلاغة ندرس منه معه "البلاغة الواضحة" لنفس المُؤَلِّفَيْن . ثم كلما كبرنا انطلقنا في القراءات الأدبية واللغوية والدينية من مكتبات أبي العامرة ذات الانتقاءات الممتازة ؛ وبذلك نشأنا بحمد الله تعالى في أحضان العربية بمختلف درجات عُمقها ، فلا نستصعب أسلوبًا لرصانته ، ولا يستعصي علينا فهم كتب التراث والسَّلَف، بفضل الله تعالى وحمده ؛ وجعل الله حسنات ذلك في ميزان معلّمنا ومُربينا عليه الرحمة والرضوان .
وحين بدأنا مخالطة أطفال آخرين من مختلف الجنسيات ، كان من السهل على اللسان الذي استقام على الفصحى أن يحاكي ما دونها ، فكنّا نتقن الحديث بمختلف اللهجات ونتنقل بينها ببساطة وسلاسة بحسب المتحدّث . وتفرّع عن ذلك قوّة المَلكَة اللغوية عندنا ، والقدرة على تعلم واكتساب اللغات ذاتيًا ، كالإنجليزية والأسبانية والتركية والفرنسية (بدرجات متفاوتة) .
فلم تكن النشأة على العربية وفيها عائقًا كما يُخَيَّل للكثيرين ، الذين يسارعون لقذف أولادهم في المدارس الأجنبية ليكتسبوا لغاتها في الصِّغَر ، فلا تكون المحصّلة إلا رطانة أجنبية سطحية لا تعني تمكّن الطفل من اللغة الأجنبية أو إتقانه لها ، مع عاميّة ركيكة مائعة ، فصاحبها أبعد ما يكون عن القدرة على تحريك لسانه بالفصحى ناهيك عن فهم الكلام الفصيح سماعًا أو قراءة! وهكذا بَدأتْ الفجوة المتسعة بين أجيال العرب والمسلمين من جهة ولسان العربية ودين الإسلام من الجهة الأخرى! وقد كتب أبي - فيما كتب من مقالات تربوية وعلمية - عن مناهج تعليم الأطفال اللغات في الصغر وآثار تلك المناهج على المدى ، منها : " كيف يكتسب الأطفال اللغة؟ وهل يمكن تعليمهم عدة لغات؟" ، "هكذا يعلّمون اللغة ويسيطرون" .
وأما سرُّ تحدّث أبي بالفصحى ، فمبدؤه نشأته على يد جدي الشيخ عبد اللطيف النمر رحمه الله ، الذي كان متمكنًا من العربية نحوًا وبلاغة ومتحدّثًا للفصحى بطلاقة ، وتخرّج في كلية دار العلوم ، ثم عُيِّن إمامًا وخطيبًا . وقد أشبهه أبي رحمه الله في كثير من خصاله ونَهَل من علمه الدينيّ واللغوي . ثم لمّا سافر أبي للندن لاستكمال دراسة الطب بعد تحصيل شهادة البكالوريوس من جامعة الاسكندرية ، وجد النظام الإنجليزي يَعْقِد لكل طبيبٍ وافدٍ امتحانين : امتحانًا في الطب وامتحانًا في اللغة الإنجليزية . وشَهِدَ أطباءَ كثيرين نجحوا في امتحان الطب ثم رسبوا في امتحان اللغة ، فكان نصيبهم ترحيلهم لبلادهم ومنعهم مزاولة المهنة في إنجلترا! فعجب أبي لذلك الحرص والغيرة منهم على لغتهــــم الأم ، وقامت في نفســـــه الحَميّة للعربية التي هي أكرم اللغات وأشرفها وأجدرها بالحرص والغيرة عليهــا ، فنحن أحقّ من غيرنا بالاستمساك بلغتنا ونشر التمسّك بها . ولم يكن مفهوم التمسك بالهُوِيَّة العربية عند أبي إتقان اللغة العربية من حيث صحّــة القواعد اللغوية أو امتلاك أداة أدبية جميلة لزخرفـة الكتـابة فحسب ، بل تَشَرُّبها من حيث هي لسان حَيٌّ وذائقة مخصوصة وكيان متكامل مع روح الديانة وشخصية المسلم . فكان أن عاهد أبي اللهَ منذ ذلك الحين ألا يتحدث ولا يحدِّث إلا بها ، ويسَّر الله عليه تطبيق ذلك إذ كان لسانه بالفعل مستقيمًا عليها بالتنشئة ، وآتاه الله نفسًا أبيّة قوية في الحق ولو انفردت بتطبيقه ، فلم يَثْنِه عن عزمه ذاك حرج من مخالفة الآخرين أو تخوّف من انتقادهم . ولمّا بلَّغ جدي عبد اللطيف في إحدى رسائله له بذلك القرار ، هنّأه عليه وأيَّده فيه ، ودعا له بالعزة والإعزاز حيثما حلّ ، وأن يهدي الله به خلقه .