Telegram Web Link
شعوب شرق آسيا عبر تاريخهم العتيد نحت إلى التكفير عن آثامها تجاه كل ما يمت لها بصلة بطرق غاية في تجويف الذات لا سيما في أحلك فترات الصراعات السياسية؛ فاليابانيون كان لديهم ثقافة تأنيب النفس؛ نتيجة لخسارتهم الفادحة في الحرب العالمية الثانية، جعلهم شعوبًا أكثر سعيًا لبناء أنفسهم وقد تمكنوا من تجاوز خساراتهم الباهظة ببناء مجتمع معاصر

على درجة عالية من التطور والتكنولوجيا، شعب يتمتع برفاهية ونظام معيشي صارم، لوم الذات بمنزلة تحمل مسؤولية التقصير تجاه أمر ما، سواء على صعيد شخصي أو عام، فالرجل الذي يجرّ أسرته إلى حافة الإفلاس يكون الانتحار سبيلاً وحيدًا للخلاص من هذا العار.

كذلك صاحب منصب كوزير ونحو ذلك، حين يفشل في مهامه أو يعرض حكومته لأزمة ما اقتصادية أو سياسية، فإنّه لا يستقيل فحسب بل يزهق روحه، وليس ذلك بغريب على الثقافة اليابانية فهم سليل ثقافة الساموراي الذي يقتل نفسه بالسيف وفق أصول طقس هارا كيري أو ما يسمى أيضًا بالسيبوكو، وهو عمل يقدم خلاله المقاتل على قتل نفسه عن طريق نزع أحشائه فهم كانوا يعتقدون بأن معدة الشخص هي مبعث الروح البشرية؛ لذا يخلص روحه من تلطيخ الشرف والعار بأكثر وسائل الموت وحشية وعذابا، قبل أن يقوم أحد المقربين له، يسمى "الكايشاكونين" بضرب عنق مقاتل الساموراي، وهي الطريقة نفسها التي اتبعها الروائي الياباني الشهير يوكيو ميشيما، معترضا على انغماس اليابان واليابانيين في أمركة الحياة ما جعلها تخسر مجدها العريق وعاداتها الأصيلة.

الصين وكوريا أيضًا فرضا نظام التطهير الاجتماعي، فالصين في عهد الزعيم ماو، خضعت شعبها، عن طريق إرسال المتعلمين إلى مجتمعات الفلاحين في الريف، ليقوموا بأعمال الفلاحة، وهي من مخزون ذاكرة الثورة الثقافية...


الثورة العظمى
في إبان الثورة الثقافية تغيرت أحوال الصين تغييرًا جذريًّا، هذه الثورة التي تعرف رسميا بالثورة البروليتارية العظمى، وهي الحركة الاجتماعية والسياسية العنيفة التي سادت في الصين خلال عامي 1966 و1967، وخلالها تعرض الكثيرون من الأبرياء للملاحقة العنيفة، أطلق الزعيم ماو هذه الثورة للتخلص في الغالب من التأثيرات المعادية للشيوعية، وقد طرحت كثير من الروايات الصينية تلك الفترة القاتمة من تاريخهم، كرواية " بلزاك والخياطة الصينية الصغيرة " للكاتب داي سيجي والكاتبة آنتشي مين في روايتها "الأزاليا الحمراء" هذه الرواية كان لها نصيب الأسد، في تبئير ظاهرة الثورة الثقافية في عهد الزعيم ماو؛ لكونها مبنية على سرد سيرة حياة كاتبة عاصرت وهي ما تزال تلميذة صغيرة في الثانية عشرة من عمرها، التاريخ التفصيلي لكل ما مرت به الصين في تلك الحقبة من محن انطلاقًا من تجربتها الشخصية.

الثقافة نفسها سادت في كوريا الجنوبية، في تلك العقود، وهذا ما كشفته رواية "فتاة كتبت العزلة" للروائية الكورية الجنوبية كيونغ سوك شين (دار التنوير، ترجمة محمد نجيب).


تسرد الروائية تفاصيل سيرتها الذاتية في ستينات القرن الماضي حين كانت طالبة في السادسة عشر من عمرها، غادرت منزل أسرتها في إحدى القرى الريفية مع ابنة خالتها؛ لتلتحق بأخيها الأكبر والذي كان طالبًا جامعيًّا يدرس المحاماة في إحدى الجامعات في سول، في تلك الفترة حيث كانت الأجواء السياسية مضطربة في كوريا الجنوبية، اضطرت الكاتبة أن تلتحق للعمل في المصانع كي يسمح لها باستكمال دراستها في المدرسة، تحكي عن تلك السنوات، عن الذل والانتهاك النفسي الذي تعرض له أبناء جيلها على يد أصحاب المصانع، من الأجور الزهيدة وسوء المعاملة والاستغلال، ناهيك عن محاربة كل من كان ينادي بتأسيس اتحاد للعمال يحفظ حقوقهم كمواطنين، وعن كيفية ملاحقة الدولة لكل من كان يسعى إلى تقويض سياساتها المجحفة، بإرسالهم إلى أماكن نائية، ومجهولة ليمارسوا عليهم ما يسمى بالتطهير الاجتماعي.


المصلحة العامة
طقس التطهير جعلت أفراد هذه الشعوب يستقدمون مصلحة الوطن، الأمة على أي شيء آخر، ليبدو الأمر كما لو أنهم يغدون أشخاصا أنانيين حين ترتبط غايات الحياة بمصالح شخصية.

في رواية الكاتب الكوري لي غوانغ سو وعنوانها "رسائل إلى صديق شاب"، يتمسك الراوي بالحياة رغم الحمى الشديدة التي أصابته من أجل العمل لأمته، فيقول: "وما أنقذ حياتي هو اعتزامي أن أبذل كل ما لدي من أجل الشعب الكوري. وقررت أن أكرس حياتي لتنوير شعبنا مثلما يكرس خائبو الأمل الآخرون حياتهم في الأعمال الخيرية. ونتيجة لذلك، استطعت أن أجد أملاً وطاقة جديدة".

ومثل بقية الثقافات اليابانية والصينية؛ فإن الكوريين أيضًا لديهم في تاريخهم ذاك الارتباط الوثيق ما بين الشعور بالواجب الوطني ومُثل الفضيلة.

وحتى في صلات الحب يكون مرادفًا لمفاهيم الوفاء وتحسين الذات والتضحية والتعاطف، فالعواطف تدخل ضمن إطار الواجب الوطني وخدمة المجتمع.
1👍1
ولكن على ما يبدو أن الأفراد لا في شرق آسيا فحسب بل في العالم الأجمع غدوا يسعون حثيثا وبمشاعر متصلبة نحو رفاهية الحياة المادية ومتطلباتها دون أي اعتبارات أخرى.
3
ثمار المقاطعة 🔻 ✌️
👏7
كم يبهجني أن تُختار قصتي " الملك المزيف" وهي قصة من قصص مجموعتي " فهرس الملوك " للنشر في مجلة عالمية تعنى بالأدب وتصدر بشكل مستمر بخمس لغات: العربية والفرنسية والإنكليزية والألمانية والإسبانية. المجلة
Literatur Review عائلتها التحريرية في هامبورغ ألمانيا.

كل الشكر والتقدير العالي لسفيرتنا الأدبية الروائية الكبيرة إيمان حميدان Iman Humaydan التي مهدت لذلك🌱🌱🌱
7👍3
لمن يود قراءة القصة باللغة العربية..🌱
عليه خصم في موقع تكوين10%
👍2
لغز الشرّ في الروايات والواقع كما يراه (تيري إيغلتون)..

ليلى عبد الله

في الحقيقة الداعي الذي دفعني لكتابة هذه المقالة عن مفهوم وماهية "الشرّ" هو شخصية (كاثي) أو (كيت) للروائي الأمريكي (جون شتاينبك) في روايته (شرقيّ عدن)؛ فالعنوان بحد ذاته هو اقتباس من سفر التكوين يشير إلى الجهة التي انسحب إليها قايين [أو قابيل] بعد أن قتل أخاه هابيل. ومن المعروف أن (جون شتاينبك) يعنى في عموم رواياته بالتغيرات التي تحتدم في الروح البشرية في صراعاتها ما بين الخير والشر، وبين الأمن والتهديد، وبين الفقر والغنى.

تابع المقالة في الرابط: الحقوق محفوظة لمختبر النقد السعودي..

https://engage.moc.gov.sa/saudi-criticism-lab/articles-and-studies/article/?item_id=447&s=08
👍2👏2
2025/07/12 19:03:24
Back to Top
HTML Embed Code: