Telegram Web Link
في حكايات المجموعة نجد أن أسماء الشخصيات مغيّبة، وأن الحضور الأكبر للصفات أو للألقاب، فألقاب مثل (ملك) أو (ملكة) أو (أمير) أو (كاتب) أو (كتبة)، لا تحيل إلى متخيل فردي به خصوصية، لكنها تحيل إلى متخيل وظيفي يرتبط باللقب، وما يسدله من دلالات مؤسسة. وهناك أيضا في ظل حضور بنية الحكاية تغييب للمكان والزمان، وكأن هذه الحكايات فقدت محدوديتها في الدلالة على زمن أو مكان محددين، واكتسبت فوق ذلك حضورا جاهزا يحيلها إلى بنى أيقونية في المتخيل، بنى دائمة الحضور والحدوث والتكرار.

الحكايات تتوجه نحو الفكرة، دون عناية فائقة بجزئيات بنائية أخرى، وتصبح مرتكزا أو مرتكزات متوالية، منها الإشارة إلى صورة الحاكم في إطار جدل العلاقة بين الحاكم والمحكوم. فصورته بشكل عام في قصص المجموعة لا تخلو من سلبية، وإن كانت سلبية مبطّنة غير مباشرة، فهي سلبية المؤسس النسقي الذي يلازم الإنسان العربي. فأن يكون حاكم مملكة الجبل في واحدة من قصص المجموعة في اختيار قائم على الصدفة هاربا بمنطاد، فهذا يؤسس لعملية الاختيار الدائمة، تقول القصة عنه (كان مجرد لصّ فار من العدالة على متن منطاد مسرروق). فصورة صاحب السلطة بعيدا عن التقديس الذي يتجلى في مملكة الجبل (في مصاف الألهة)، أو (كأنه ملك أرسله الرب إليهم)، لأن هذا التقديس مصنوع، لا تخلو من سلبية في الشكل الباطني.

الكتابة القصصية تزيح وتعرّي السلطة الشكلية المستندة والمحتمية بأذرعها وبطانتها، وتصل إلى العمق الدقيق الذي لا يخلو من ضعف، ففي كل القصص هناك خوف وذعر، وهذا الخوف يعري استقامة الشجاعة والهدوء، وتتشكّل بسبب هذا الخوف والذعر مساحات الاقتراب بين الراعي والرعية، لاستغلالهم واتخاذهم أداة للحماية. ففي قصة (الملك المزيّف) لا تثبت عملية الاستبدال بين الملك الحقيقي والمزيّف، فارقا كبيرا، أو اخىلافا لافتا، فصارت حياة المملكة كما هي، بل زادت الحكاية في نهايتها، لنفي أية قيمة وازنة، بتحويل المزيف إلى حقيقي، والحقيقي إلى مزيف، وهذا يشير إلى أن أي شخص يمكن أن يكون ملكا، فالصدف والظروف، ومجمل الخطابات الموالية لها دور كبير في إسدال مساحة من الاختلاف والقداسة، فالميزة هنا ليست ميزة ذاتية.

فالقصة تشتغل على كشف الضحالة الباطنية للحاكم من خلال إسدال التشابه بينه وبين المحكومين، ففيها عناصر كاشفة عن هذا الفهم، بداية من المشابهة الشكلية في الإطار العام، ومرورا بالاستبدال بينهما في الوظيفة، بحيث يبدو الحقيقي مختفيا، والمزيّف ظاهرا، وانتهاء ببقاء المزيّف في سياق الحقيقي، وخروج الحقيقي ليحتل مكان المزيّف، بين السكارى الذين اعتادوا الانحناء له قبل دخوله إلى الحانة، كما كانوا يفعلون مع الملك المزيّف. القصة هنا تمارس رجرجة وزلزلة للتراتب، للتنبيه إلى فراغ الحاكم، خاصة بعد نزع القداسة عنه، وإبطال عمل الخطابات المساندة.

وهذا قد يجرّنا إلى فكرة نسقية كان لها حضور في قصص المجموعة، تتمثل في مساحات اللقاء والتداخل بين الحاكم والمحكوم، فكلها مساحات تكشف عن أهداف متعارضة، وهي تبدو في بعض الأحيان منحا من الحاكم إلى المحكوم، لكنها لا تتم إلا من خلال اهتبال المحكوم للفرصة، في محاولته للاقتراب. منح الحاكم- وهي فكرة تجلّت كثيرا في قصص المجموعة- لا تتم إلا من خلال محاولته الاحتماء أو التخلص من خطر ما، كما في قصة (ذوّاق الملك)، أو في قصة (الملك المزيف). وقد تكون المنحة التي تمنحها السلطة واقفة عند حدود التخلص من مشكلة ما، مثل الملكة التي فتحت باب قصرها للعاديين من أجل ابنتها. ولكن هناك لدى المحكومين هدفا يراد تحقيقه على المستوى الشخصي في كل قصة، بداية من (الذوّاق)، ومرورا (بالملك المزيّف)، وانتهاء(بالرسام) في قصة (لوحة الملك الفحمية). فكلاهما- الحاكم والمحكوم- لديه هدف من مساحات ودوائر الاقتراب من الآخر، فهدف الحاكم الاحتماء، وهدف الاخر الاقتراب، ومعاينة المغاير والمباين والعيش مدّة من الزمن في رغده.

وتظهر في قصص أو حكايات المجموعة فكرة مركزية، هي معاداة السلطة للمعرفة بكل أشكالها، لأن المعرفة بكل تجلياتها تمثل منطلقا للتغيير، والسلطة في كل أحوالها باحثة عن الثبات محتمية به، فهي دائما في وضع مضاد لكل مغاير، باحثة عن كل مستقرّ. فإتقان البنت الأولى في قصة (وريثة العرش) لصناعة عقد من الألماس، وإتقان الثانية في القصة ذاتها لصناعة الطعام بأشكال وأصناف مختلفة، يندرجان في إطار المقرر والمستقر فيما يخص المرأة. ولكن إتقان البنت الأخيرة للقص والسرد والكتاب، يمثل خروجا عن المؤسس، ولهذا نجد رد فعل الأب/ الملك تجاه البنتين الأوليين متسما بالسعادة والقبول، ولكن مع الأخيرة يتخذ موقفا شديدا. فما تقوم به منفتح على المعرفة، ومن ثم جاء رد فعل الملك ممثل السلطة مساويا لمساحة الخروج، فقد أمر حرّاسه بوضعها في زنزانة. فالمعرفة هنا مغايرة لمعرفة السلطة المنمطة والمستقرة التي تتشكّل في حدود العرف.
ونجد في نهاية القصة أو الحكاية- ارتباطا بالمعرفة- أن هذه الفتاة تتحوّل إلى شهر زاد، حيث تهدهد حكاياتها ومعرفتها سلطة الأب، كما هدهدت شهر زاد سلطة الزوج. ويتجلى النسق ذاته في قصة (حاملو اللواء) حيث ينتقد وزير الملك الجديد توجه الوزير السابق الذي وضع في السجن بسسب انفتاحه على المعرفة والتعليم اللذين أنتجا مثقفين خارج التنميط، وفي ذلك خطر كبير على السلطة الباحثة عن السكون.

تشتغل بعض قصص أو حكايات المجموعة على انتقام مبطن تمثيلي، تقوم به الطبقات الهامشية والمهمشة ضد السلطة، ويبدو أن ارتباط الحكايات بالنسق التراثي الشعبي يمكن أن يكون سببا رئيسا في تجلي هذا الانتقام أو التمثيل المبطن لكل أشكال السلطة. وتتعدد صور هذا الانتقام، ربما يعدّ أولها واضحا في إسدال المشابهة بين السلطة وممثليها والآخرين من الشعب والمهمشين. ففي قصة (المرايا) تذوب المغايرة أو التراتب بين طبقة الحاكم والمحكوم، في ميلاد الأميرة بنت الملكة بوجه مشوّه به ثآليل، وتقوم السلطة بتغييب هذا التشويه، من خلال وسائل عديدة، ولا يتمّ الكشف عنه إلا في إطار مساحة من التشابه. فحضور المشابهة بين الحاكم والمحكوم غياب للاختلاف، وغياب للتقديس المفترض أو المصنوع. واعتماد القصة على استعارة المرايا بوصفها رؤية للتمثيل ولرؤية الآخر، يفضي إلى كون القداسة أو الهالة لا يصنعان إلا في مساحة غياب المعرفة، فالسلطة ظلت محافظة على تغييب التشويه، لتحطيم أية قدرة على التمثيل.

ويأتي في سياق التمثيل أو الانتقام المبطن مرتبطا في أحيان أخرى بالإشارة إلى تارخ سابق يكون فيه الحاكم داخل نسق الجريمة، كما في قصة (الناطق الرسمي)، أو يكون اختيار الحاكم قائما على الصدفة، فتنتفي معها كل الصفات اللافتة التي تدفع الاستحقاق للقداسة التي تصنع بعد ذلك، ويبلغ هذا التوجه درجته الأعلى في القصة ذاتها، بتحول بقايا المنطاد الجماد إلى حاكم. وقد يجيء الانتقام من نسق البسطاء والمهمشين واضحا غير مبطّن، كما تجلى في قصة (ليلة سقوط شهريار). ففي القصة انتقام مباشر للهامش من السلطة، فشخصيات حكايات شهر زاد في ألف ليلة وليلة، تأتي في لحظة الصمت، أو انتفاء سبب الإبقاء على شهر زاد بعد أن نفدت حكاياتها.

نفاد الحكايات يمثل معادلا للصمت الذي يفضي إلى الموت أو القتل، الموت المشابه لموت كثيرات مثلها، قتلهن شهريار قبل قدوم شهر زاد، ونجاتها من خلال اعتمادها على الحكايات. في لحظة الصمت هذه، وانتفاء جدوى وجودها أخذ شهريار قرارا بالتخلص من وجودها، فلم تعد تقوم بوظيفة الحكي. في مقابل ذلك نجد في هذه القصة حضورا للشخصيات المتخيلة في نص (ألف ليلة وليلة)، وهي كلها شخصيات هامشية، (فعلي بابا) ومعه أربعون حراميا، و(معروف الإسكافي)، و(بدر البدور)، وقاموا بحمل شهر زاد من ساحة القتل والإعدام، وأحاطوا بقصر شهريار، وقتلوه وجعلوها ملكة، وفي ذلك نقل للفاعلية من الذكورة إلى الأنوثة، ونقل للفاعلية من الملك إلى المهمشين. فالانتقام في هذه القصة انتقام وخلاص مزدوج في إطارين، الإطار الأول يرتبط بانتقام الهامش من السلطة، والإطار الأخير يتمثل في الانتصار للنسوي في مقابل السلطة الذكورية المؤسسة. لكن في قصص أخرى يبدو أن الانتقام أو القدرة في إحلال قسيم محل الآخر، غالبا لا يتحقق إلا بفعل قوة القدر، أو طبيعة الحياة.
1
سكة طويلة والبراري قفار
والدار تشكي من جفى الزوار
والليل عتمة والأماني قصار

تدفقت كلمات أغنية " سكة طويلة" للفنان " عبادي الحوهر" في رأسي طوال مشاهدتي لهذا الفيلم الياباني الآسر في تتبّع رحلة امرأة يابانية تعيش في العاصمة طوكيو لحضور مراسم جنازة والدها في منطقة تبعد 658 كيلو.
تجسد البطلة " يوكو" أنموذجًا لحالة الوحدة والعزلة التي يحياها المرء في زمن الذكاء الاصطناعي.
10🥰1
مكتباتي في بيت أمي. يا ريت لو عندي مارد يشحنهم لي على البساط السحري 😭
12🤩2👍1🤯1
أريكة وكتاب وكوب من القهوة 🌱

شكرًا شكرًا🥰
3🥰1
2025/07/08 21:50:25
Back to Top
HTML Embed Code: