Telegram Web Link
دروب بلاغية
كان الزمخشري يقول في قول الشاعر : فلا وأبي الطير المربّة بالضحى على خالدٍ لقد وقعت على لحم ما أفصحك يا بيت أو ما أبلغك يا بيت المربّة وهو من الشواهد على مجيء التنكير للتعظيم
اعترض بعض الفضلاء على استحسان الزمخشري لبيت المربة
فلا وأبي الطير المربة بالضحى
على خالد لقد وقعت على لحم

قال : غاية ما في هذا البيت دلالة اللحم على عظم حال الرجل وكبر شأنه فكنى عن ذلك باللحم ونكره تنكير التفخيم، فمن أين جاء هذا التعجب من بلاغته والاستعظام لشأنه من هذا الإمام الذي بلغ من معرفة لغة العرب ودقائقها وأسرارها ما لا يقع في مثله اختلاف ، وليس فيه إلا معنى كنائي مطروق معروف
ثم أورد أبياتاً رأى أنها أحسن من بيت المربة .

والذي يظهر أن بيت المربّة ليست فيه كناية بكثرة اللحم عن عظم حال الميت وشرفه بل فيه فن من البلاغة غير الكناية ولا أظن الطير يختلف عندها لحم الشجاع والكريم عن لحم الجبان والبخيل بل أظن الثاني أطيب عندها لسمنه وكسله فهو شحم لا عضل
ولا يستقيم المعنى إلا بتخيل الطير تحرص على لحوم أشراف الناس ولهذا المعنى نظائر من المفارقات .
Forwarded from أنَس رُفَيْدَة (أنس رفيدة)
وقد أرسلت هذا لشيخنا أستاذ البلاغة د. ميلاد القذافي وقد شهدت طربه للبيت طرب الزمخشري عندما درسناه في مادة المعاني، فكان رده:

《ليت شعري كيف فسر التعظيم بالتكثير وبينهما فرق ! فالتعظيم ينظر فيه إلى علو الشأن ورفعة القدر ، والتكثير إلى الكميات والمقادير .
ومن مرشحات التعظيم هاهنا أنه بسببه استعظم الطير الواقعة عليه حيث : ١- أقسم بأبيها ، والإقسام بالشئ دال على تعظيمه ٢- كنّاها ، والكُنى دالة على التعظيم على مالا يخفى》 .
مما يضر الطالب في نظرته للكتب والمؤلفين التصورات الارتجالية والأحكام المشهورة دون تحقيق .

تجد ذلك في صدود كثير من طلبة العلم عن قراءة شروح البخاري غير فتح الباري تسليماً لمقولة لا هجرة بعد الفتح .

وأكثر من ذلك إذا عرفت أن المتأخر اعتمد على المتقدم تظن أنه لم يترك في كتابه شيئاً ذا بالٍ وكم تحت هذا الظن من حرمان .

و من أسباب ترك المتأخرين استيعاب ما في كتب الأوائل ممن يظن القارئ إحاطتهم بما فيها :

١_ اختلاف المنهج بين إطالة واختصار واستنباط وترجيح إلى غير ذلك .

٢ _ حب المتأخرين للإضافة تمنعهم من استيعاب ما قيل قبلهم .

٣_ اختلاف النسخ الواصلة إلى المتأخرين فقد ينقل عن نسخة ناقصة والنقص قد يكون أكثر من نصف الكتاب .

٤_ اطلاع المتأخر على كتاب المتقدم في المراحل الأخيرة من تأليفه .

٥ _ استضعاف بعض الآراء واستثقال بعض المناقشات فيختصرها عندما ينقل .

٦ _ اختلاف الأسلوب وارتفاعه عند المتقدمين ونزوله عند من بعدهم ، ولا يمكن استيفاء المعنى مع استفال اللفظ .

٧_ النقل عن مصادر وسيطة وليس عن المؤلف مباشرة .

٨_ تعمد ترك الاستيعاب حسداً لا سيما في المتقاربين زمناً .

٩_ شهرة بعض الكتب في الفن تغني عن استيعاب نقل ما فيها .

١٠_ خفاء مقاصد المتقدمين حيث يودعون أسرار كتبهم في التبويب والترتيب وفي عاداتهم الكتابية مما لا يتيسر لكل ناقل فهمه أو نقله .

وعامة الكتب التي لأصحابها نفس خاص لا يمكن اختصارها أو استيعابها ممن بعدهم إلا مع بقاء الأصل محتفظاً بمزايا ، مع ما في قراءة الكتب الأصول من معرفة مناهج مؤلفيها .

وإنما يغني كتاب عن كتاب _ غالباً _  في شروح المتون وفي الكتب المختصرة أو الجامعة .

والله الموفق.
الحمد لله..
ما بدأ البادئ بإنهاء مهمّة أفضل من قول: [الحمد لله]، الحمد لله على هداية أوصلتنا إلى توفيق حمداً يوازي نعمائه ويفيض.
أنهيتُ بفضل الله مجالس شرح دلائل الإعجاز للدكتور محمد أبو موسى -حفظه الله ومتّعه بالصحة والعافية-، وشهد الله ما كان سماعي لأول مجلسٍ مثل آخر مجلس، تلقّيت ويا عظيم ما تلقيت!
وما كان إخباري لهذا إلا لشيء أردتُّ فائدته لكم؛ بسماعك لهذه المجالس ستتعلّم أجلّ ما تتعلّم، ستتعلّم كيف تقرأ كتب العلماء وكيف تتأدب مع العقلاء، وستحفظ وما أكثر ما تحفظ، ستحفظ: «العلم منبهةٌ للعلم» «ووجه الوقوف على شرف الكلام أن تتأمل أو تتدبر»، وسيهذّبك وما أعظم ما يهذّبك؛ سيهذّبك نداء الصدق والإخلاص، وستنسى، ولكنّك لا تنسى بيت شعرٍ قُرِئَ بنفس تُنادي: تذوّق وأعمِلْ عقلك ونادِ خواطرك وحلّق!

وإني وإن كنت أنسى؛ لا أنسى صدى هذا البيت ووقعه في نفسي:
«فلما شراها فاضت العينُ عبرةً
وفي الصَّدرِ حزَّازٌ من الوجدِ حامزُ»!

وما غايتي من قولي هذا إلا كغايةِ شيخنا إذ قال: [ما كتبتُ أو شرحتُ عن عالمٍ ليكتفِ الناس بما قلته، ولكن لأُغريَ الناس بما كتب هو]، وأتمنّى أن أكون قد عرّفتكم على الشيخ كما يجب ولو بالقدر اليسير.

*في التعليقات سأضيف المؤلفات الكاملة للشيخ وروابط شروحاته المرئية، والله وليّ الإحسان.
العلامة محمد أنور شاه الكشميري:

"واعلم أنَّ الشيخ جلال السُّيوطي رحمه الله صنّف كتابًا في المعاني والبيان وسماه «عقود الجمان» وهو وإن كان كتابًا حسنًا إلا أنه لم يستوعب المسائل. وهكذا «المُطَوَّل».

وأقول بعد التجربة كالعيان: إن كثيرًا من المسائل من تلك الأبواب تُسْتَنْبَط من الكشاف، ما شممت رائحةً منها في أحدٍ من الكتب في هذا الفن، وأظن أنها تبلغ إلى نصف ما في كتب القوم فعلى المتبصِّر أن يتفحَّصَ كتابه طلبًا لتلك المسائل".

• شرحه على صحيح البخاري (٢٥٥/١) •
#تنبيهات_بلاغية

قول الشيخ " متى كان مفعول المشيئة أمراً عظيماً أو بديعاً كان الأحسن أن يُذكر ولا يُضمر " غير مسلم وليس بيت :

ولو شئت أن أبكي دماً لبكيته
عليه ولكن ساحة الصبر أوسع
إلا حذفاً من الثاني لدلالة الأول ولو عكس الشاعر لكان أحسن
وهل تجد مفعولاً أبدع من المفعول في قوله تعالى : (( قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ))

وقول المعري :
وإن شئت فازعم أن من فوق ظهرها
عبيدك واستشهد إلهك يشهد .

الإنجاز على دلائل الإعجاز لابن عاشور
‏وضع حرف (هـ) بعد التاريخ الهجري تسوية، وإن لم يقصدها الكاتب، فليس لدى المسلمين تاريخ سواه فيكتب بدون حرف (هـ)، ويميز الدخيل - عند الحاجة- بحرف(م)
وهذا ما درج عليه جماعة من علماء العصر، منهم خاتمة المحققين: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله وسقاه من سلسبيل الجنة
#سفينة_التاريخ
#تواضع_العلماء

قال الأخفش لسيبويه وهو يناظره : إنما ناظرتك لأستفيد منك
فقال له سيبويه : أتراني أشك في ذلك .

يقصد سيبويه أن الأخفش لم يناظره تعنتاً فهو لا يشك في سلامة صدر ووفور عقل صاحبه ونبيل خلقه ، وليس معناه أن سيبويه يرى نفسه فوق الأخفش وإن كان في الحقيقة فوقه فقد قال الأخفش : كان سيبويه إذا وضع شيئاً من كتابه عرضه علي ، وهو يرى أني أعلم منه ، وكان أعلم مني .
Forwarded from الكُنَّاشَةُ العَامِرِيَّةُ (مصطفى عامر)
عَالَجَ زُهير بن أبي سُلمَى في شعره منهَجَ التأصيلِ الأخلاقي، بذكر توارثِه وتأصيله كابِرًا عن كابرٍ، ومدحِ المروءة والنَّجدة، وحملِ همِّ قومه في صدره، ولو قُلتَ إن هذا الهمَّ الذي يحمله هو مُفجّرُ شعره لم تكن مُبالغا، فربط الجيل بشعر زهير خُطوة على طريق غرسِ هذا الأصل الأخلاقي في النفوس!
الحمد لله الكريم الجميل
هذه مقالتي الثانية على مركز تفسير، جهدت فيها جهدي أن أعرض هذا الكتاب الجليل لشيخ البلاغيين حرس الله مهجته، حاولت أن أبرز مزايا الكتاب ومنهجه الذي هو غاية في الصبر على الجمع والتتبع، وآية في التحليل والاستقراء، وبمثل هذا يحيا العلم.
بارك الله في عمر الشيخ وفي عطائه، ونفعنا بعلومه في الدارين.
https://tafsir.net/article/5489
Forwarded from دروب بلاغية
بين أرسطو والفراهي
يرى أرسطو أن النفس صفحة بيضاء تشكلها
المحاكاة
ولهذا الرأي آثار منها قيام المعلم بتشكيل النفس
جماليا وعقليا وفقا لما يراه
ومنها اعتبار النفس كلما زادت مهارتها في المحاكاة كلما زادت إنسانيتها
وبناء على هذا الرأي جنحت البلاغة إلى الغموض
وتقمص الشخصيات المختلفة وابتكار القصص
الخيالية
أما الفراهي فيرى النفس تأتي إلى الوجود ومعها
فطرتها والنطق يظهرها
وعلى هذا الرأي تزداد انسانية النفس كلما زادت
تعبيرا عما في داخلها وهو ما يسميه الصدق

وعليه فإن وظيفة المعلم أن يخرج فطرة النفس
الكامنة لا أن يشكلها وفق نموذج مسبق
وعليه أيضا مالت بلاغة العرب الأولى إلى الوضوح
والواقعية
وعليه اختلفت وظيفة البلاغة وأغراضها عند
العرب
وكأثر لهذا الخلاف اتجه الفراهي في تعليم النحو
لطلاب مدرسته عن طريق إلغاء
الحدود (التعاريف) والعلل واستبدل بها الأمثلة
والأحوال ونجح في ذلك ونفع الطلاب
وهذه خلاف طريقة المناطقة الذين أفسدوا
العلوم والتعليم

ولو طبقنا هذا المبدأ في احترام الفطرة وتعديل
وظيفة المعلم من صانع لنفس الطالب إلى مرشد
له فسنجد آثارا عظيمة من تواضع المعلم وحب
الطلاب له وإحساس الطالب بمسئوليته عن نفسه
ولانتهت فكرة وجود طلبة أغبياء وعلوم عسيرة
لأن كل طالب يملك فطرة عظيمة مكنته من تعلم
لغة والديه وطباعهما من دون تعليم ولا منطق
فكيف تعجز عن مسألة في العلم
نعم قد لا توافق هذه المسألة فطرة الطالب
وعندئذ لا ينبغي تعذيبه بما لا يوافق فطرته
وهناك آثار نفسية على تنمية الفطرة والسماح
لها بالظهور منها الشعور بالأمان واحترام الآخرين
والمعلم الناجح لا يلقي العلم على الطلبة مباشرة
بل يدفع فطرتهم للسؤال اولا
يقول ابن عباس رضي الله عنهما أعطيت لسانا
سؤولا وقلبا عقولا
وإذا لم يسأل الطالب فلن يفهم ولو ألقيت إليه
مسألة واحدة
أما من يحتقر فطرة الطالب ويريد وضعه في
قالب جامد مثل سرير بروكرست الأسطوري فهو يفسد ولا يصلح


يروى أن معلم نحو مر تحت شجرة عليها غراب
ينعب غاق غاق
فوقف وقال للغراب كلا قل غاقن بالتنوين

ورب معلم تلقاه فظا
غليظ القلب أو فدما غبيا
إذا انتدب البنون لها سيوفا
من الميلاد ردهموا عصيا

والله الموفق
هناك طريقتان في الإعجاز والتحدي

الأولى تعتمد كون المعجزة من جنس ما برع به القوم الذين بعث النبي إليهم .

والثانية تعتمد عكس ذلك ( أي كونها مما لا خبرة للقوم به ) .

وأنت ترى الاثنتين في القرآن حيث كان فيه علوم لا يعلمها العرب كما قال الله تعالى :
((ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا )) .

وترى فيه التحدي بالبيان الذي برع فيه العرب .

و أصل الطريقة الأولى وهي كون التحدي من جنس ما برع به القوم في قول الله تعالى على لسان ملأ فرعون :

(( قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين . يأتوك بكل ساحر عليم )) .

فبحثُ فرعون عن السحرة لمواجهة معجزات موسى عليه السلام فيه تقرير معنى قيام الحجة بالخبراء المختصين .

إلا أن ما تدل عليه هو المجيء بالمختص للحكم على المعجزة وهو مثل ما تدل عليه آية (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) .

وهذا القدر متفق عليه ولا علاقة له بتفوق القوم بل له علاقة بالاحتكام الى المختصين .


بل في الآية ما يدل على خلاف ذلك إذ أن فرعون وملأه ليسوا هم السحرة بل استدعوا السحرة كما استدعت قريش أحبار أهل الكتاب .

ولعل في مناسبة المعجزة للقوم وللنبي الذي تجري على يده معانٍ أعظم من كون القوم متميزين في هذا الفن .

وقد تجتمع الطريقتان في بعثة نبي

ومن آثار الاقتصار على النظرية الأولى حصر إعجاز القرآن في البلاغة أو اعتبار الوجه البلاغي هو الوجه المتحدى به دون غيره ، وسلب الكتب السماوية السابقة صفة الإعجاز وترك التفتيش في مناسبة القرآن والكتب السابقة وسائر المعجزات للأقوام والأزمنة التي نزلت فيهم .
من نواقص البلاغة عدم اعتمادها لغة قبيلة كقريش أو هذيل أو بني سعد مثلاً  كمعيار أعلى في الفصاحة ولا اعتمدت لغة شعراء معينين مشهود لهم ولا شعر زمن دون زمن ففات بذلك البناء على الأعلى ومعرفة مذاهب العرب في بلاغتهم
وغير بعيد أن يكون لقبيلة من العرب عادة مطردة في التقديم والتأخير أو الذكر والحذف أو الكناية والتصريح تغاير عادة غيرهم .

والطريق بعدُ مفتوح لدراسة الظواهر في أشعار القبائل ، أو لدراسة ما ينتج عن الاكتفاء بالشواهد العربية القديمة دون ما بعدها .
دروب بلاغية
"كان إقناع الشخص العربي ببيت قصير من الشعر الحسن أسهل من إقناعه بالحجة المنطقية، لأن الشعر تأصل في حياة العرب ، وتشكل تشكلاً غريباً في عقولهم وقلوبهم، وصقل شخصياتهم " رينولد ألين نيكلسون مستشرق إنكليزي
قيل إن عمر بن الخطاب ما أبرم أمراً إلا تمثل فيه ببيت من الشعر

ولم يستقر رأي الرشيد على الفتك بالبرامكة حتى سمع بيتين قيلا في غزل النساء إلا أن فيهما ما يهيج عتاة الملوك

ليت هندا أنجزتنا ما تعد
وشفت أنفسنا مما تجد

واستبدت مرة واحدة
إنما العاجز من لا يستبد

وقال معاوية رضي الله عنه ما ثبتني في صفين إلا شعر لأبي أحيحة ابن الجلاح

أقول لها وقد جشأت وجاشت
مكانك تحمدي أو تستريحي

وقد سمعت عن حالة شفيت من الوسواس القهري ببيت شعر لزمت ترديده

والتمثل بالأبيات من العلاجات العربية القديمة التي تحل محل مدارس النفس الحديثة ووددت لو وجد أديب يصف لمن يشكو مرضاً في نفسه بيتاً يناسب علته يكون نقش خاتمه أو هجيرى خلوته

وأحسن منها لمن نور الله قلبه أن يحسن الرجل الاستشهاد بالآيات في مواضعها وأن يفقه علاجات الأذكار لعلل النفوس فيستعملها
من مقاصد العرب في شعرهم الإلغاز وهو باب لا يلتبس بغيره من أبواب العي والحصر والخطأ في القول ولذي الرمة قصيدة كاملة على هذا النمط تسمى أحجية العرب ، وغيره من الشعراء يأتي بالإلغاز في البيت والبيتين من قصيدته وأكثر ما يكون في الأوصاف إذ فيه نوع من التشويق والتهويل
وإذا لم يميز الناقد مواضع الإلغاز ومواضع العدول عن جادة البيان ساء ظنه ببيان العرب فتراه يعجب بالواضح ويتأذى بالغامض أو يعكس القضية فيأنس بالوعر ويسترذل السهل
Forwarded from أنَس رُفَيْدَة (أنس رفيدة)
بعض الدارسين لشعر العرب الجاهلي المتأملين في حكمة ذكر النساء أول القصائد توهم أن ذكرها من أثر عقيدة بدائية غابرة

فزعم أن العرب عبدوا المرأة باعتبارها رمزاً للخصوبة وهذا افتراء عظيم له أثره في فهم القرآن وفهم حجج التوحيد على مشركي العرب .

العرب أرادوا نسبة الولد لله نسبة تكريم لا منازعة فقد أنفوا من أن ينسبوا له ولداً ينازع أباه كما عهدوا في الأبناء الذكور فارتضوا لله سبحانه البنات_ تعالى الله عن إفكهم _ ليتوصلوا إلى الاستشفاع بهم عند الله فالأب لا يرد شفاعة ابنته ( وقد جرى مثل هذا في حكاياتهم من استجارة بنساء القوم فإنهن لرحمة آبائهن لهن وكرمهن عليهم لا يردون شفاعتهن بخلاف الأولاد الذكور وأنت خبير أن العرب اشتكت من عقوق الأبناء لا من عقوق البنات لما بين الولد وأبيه من مناكدة إذ لا يجتمع فحلان في قطيع ) .

وأوقعهم الشيطان في جعل البنات لله دون البنين وهو ما لا يرضونه لأنفسهم
ثم في تنقص رحمة الله وعلمه عن طريق الاستشفاع بالملائكة إذ كامل الرحمة والعلم لا تحتاج معه إلى شافع .
ثم في تنقص قدرته وربوبيته إذ جعلوه لا يرد شفاعة خلقه .

ثم في صرف العبادة لخلقه إذ جعلوهم بمنزلة من لا يردّ أمره وشفاعته .

ثم في اجترائهم على معاصي الله بحجة وجود الشفيع المزعوم فأرادوا أن يعصى الله الخالق المنعم ويستجار من عقابه بالشفيع المتوهم .

نسبة ولد ، ودعوى شفاعة ، وشرك في العبادة ، وجرأة على العصيان ، وأمن من العقاب، ظلمات مضاعفة والحمد لله على الهداية .

ولا غرابة أن يكون هذا أصل عبادة سائر الأقوام للإناث فإن كان ولابد قياس فقس الفراعنة والهنود واليونان على العرب لا العكس .
وما يفعله بعض المفتونين بعلم الآثار من ربط بين أصنام العرب وآلهة الأمم الأخرى منهج مطموس إذ لا يستبعد أن تتشابه الأصنام في أسمائها وأشكالها وتختلف قصة كل أمة في عبادتها وهذا لو سلمنا التشابه المتوهم .

* لم أكد أفرغ من كتابة هذا حتى وجدت أحدهم يذكر في وأد البنات أنه من جنس تقديم القرابين من العذراوات فتحسست مسدسي كما يقال .
إذا حاجة أعيتك لا تستطيعها
ولا سبب في نيلها يتيسر

فصل على خير الأنام محمد
صلاة بها تكفى الهموم ويُغفر


اللهم صل وسلم على محمد
الشجاعة تغني ربها عن الكذب والتلجلج في الكلام والرمي إلى الغرض من بعيد والإجمال والكناية في موضع التفصيل والتصريح ، وضرب الأمثلة المتكلفة .

وتنقص عند الشجاع القوة المتخيلة والقوة المتصنعة .
وقد كان مبنى بلاغة العرب على الصدق لغلبة الشجاعة والكرم وهو أخو الشجاعة على أخلاقهم .

وتختلف بلاغة العرب عن غيرهم كما تختلف أخلاقهم عن غيرهم .

وقد حدث في العصور الخالفة نزول مرتبة الشعر إذ كان شعراء الجاهلية ساداتهم وشجعانهم وحكماؤهم
كان امرؤ القيس من الملوك
وكان عنترة وعمرو بن كلثوم أشجع الناس
وكان زهير وعبيد بن الأبرص حكيمين عفيفين
وكان لبيد جواداً ينحر كل هبوب صباً
وكان النابغة سيداً وجليساً للملوك .
للبوصيري ميمية ذائعة في مدح النبي ﷺ ، اعتنى الناس بها كثيرا ، وفيها أبيات بديعة حسنة ، غير أنه شانها بمواضع غلا فيها على طريقة جهلة الشعراء.

وأشنع ما فيها وأبعده عن التوجيه الممكن ، لاشتمال معناه على الكفر الذي لا يجدي فيه التأويل = قوله :

٤٦- لو ناسبت قدرَه آياتُه عظما ..
أحيا اسمه حين يتلى دارس الرمم

٨٠- ما سامني الدهر ضيمًا واستجرت به ..
إلا ونلت جوارًا منه لم يُضَم

ففي الأول امتناع مناسبة آيات النبي ﷺ لقدره ، وهذا إزراء بالقرآن أكبر الآيات ، وهو صفة الله الفائقة لأقدار الخلق جميعًا.

وقد ذكر الشراح في توجيه ذلك أن القرآن مخلوق ، وليس في ذلك ما يخرج معنى البيت من الكفر ، (فيتهاونون ويظنون أنه هين ، ولا يدرون ما فيه من الكفر) كما يقول الإمام أحمد.

على أن البوصيري ليس متكلما فيضبط القول ، ففي كلامه زيادة على القول بخلق القرآن ، إذ يقول :

آياتُ حق من الرحمن مُحدثةٌ
قديمةٌ صفة الموصوف بالقدمِ

فالآيات التي عناها تشمل ما يقوم بذات الرب سبحانه ، وهذا من أشد الكفر الذي لا يقوله أشعري ولا معتزلي !

وأما البيت الثاني فيقول فيه إنه لم يظلمه الدهر بمصيبة فطلب جوار رسول الله = إلا وأجاره ﷺ ، فهذا دعاء لغير الله ونسبة التصرف له ، وذلك إشراك في الإلهية والربوبية معا ، تنزه ربنا وتقدس ، فهو المستحق للاستجارة المطلقة ، المختص بالإجارة التامة ، والمنفرد بهذا الثناء الفخم وحده جل جلاله.

وقد احتمل بعض الشراح حمل البيت على توسل الدعاء ، وأن الباء فيه للسببية ، فمفعول الاستجارة هو الله ، أي استجرت الله بالنبي ﷺ ، وهذا التوجيه مخالف لمراد الناظم ، والكلام يفسر على مراد قائله ، لا على ما يذهب الشناعة عنه ، فالباء هنا زائدة للتعدية ، والمفعول هو النبي ﷺ ، وذلك من وجوه :

- ما يفيده السياق من مدح النبي ﷺ بكونه لا يضام جواره ، فذكر الجوار دليل على أن الجوار مطلوب منه ، فهو المطلوب الفاعل للإجارة ، وليس السبب المتوسل به ، فإن ذلك أقصر في المدح ، وإن كان أحسن في الدين.

- أن الحمل على الطلب نظير ما جاء بعده في البيت التالي : "ولا التمست غنى الدارين من يده" ، وما له نظير من الكلام أولى بالحمل من غيره.

- أن هذا المعنى كرره البوصيري في غير البردة ، ففي الهمزية :

وأبى الله أن يمسني السو ..
ء بحال ولي إليك التجاءُ
فأغثنا يا من هو الغوث والغيـ ..
ـث إذا أجهد الورى اللأواءُ

فكلام الرجل يفسر بعضه بعضًا ، وعلى ذلك أكثر الشراح كالجاديري وزكريا والهيتمي.

ومنه تعلم حرمة إذاعة هذه الميمية بين العامة ، والتعبد بما فيها من الباطل ، لا سيما في الموالد المحدثة لمحبة رسول ﷺ ، ففيها من الكفر المعارض لملته ما يوجب الارتداد عن دينه ، وعداوته ﷺ لصاحبه ، وكيف تقر شريعته هذا الغلو وقد خطب رجل عنده ، فقال : "من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى ، فقال رسول الله ﷺ : بئس الخطيب أنت ، قل : ومن يعص الله ورسوله" ، فما حال من ينشد مثل هذه الأبيات ؟!

وفي الشعر تجوز واتساع تعرفه العرب ، ولا يحل للفقيه أن يقول فيه شيئا حتى يحصل معرفة ذلك ويعرف وجوهه ، لكن هذا له لا يلقي حبل الباطل على غاربه ، فيصير حجة لكل مبطل يقول الباطل الذي تشهد طرائق الكلام بإرادته له ، ثم يرمي أهل الحق بالعجمة والجهل بالعربية ، ويجعل نكيرهم من جنس الغفلة عن مخصصات العام وأضراب هذا مما لا يغفل عنه الطلبة.
2024/11/15 07:28:45
Back to Top
HTML Embed Code: