Telegram Web Link
صمت ثقيل جعل ملامح رهف تسقط، كانت تعلم معاناة صديقتها ليس بالتفصيل ولكنها تعلم أن زوجها كان مختل مهووس يقوم بتعنيفها، حاولت أن تقنعها أن تشتكيه ولكن رنين كانت تُصر على أن تبقي رهف خارج الأمر ، وتحاول أن تخفي عنها التفاصيل وتتصرف بطبيعية، تبتلع ألمها في جوفها وتواجه العالم بإبتسامة كاذبةٍ، ربما لو تحدثت لو صرخت أو بكت لكانت أخرجت القليل من آلامها لكنها دوماً كانت تظهر بمظهر القوية وتحب لعب هذا الدور حتى صدقت أنها قوية حقاً، لكن حتى الأقوياء هم أكثر الناس عرضةً للكسر.

حين رأت رنين تسبح في فراغ الماضي حاولت تغيير الجو فوراً وقالت وهي تصفق بحماس لدرجة لن تصدق أن ملامحها سقطت قبل قليل: حسناً إذاً.......دعكِ من الحديث عن الرجال وأخبريني كيف حال المعرض ؟ و كيف الأوضاع في الشركة؟ ماذا حدث في آخر إجتماعٍ أيضآ ؟!

الحديث عن العمل هو ما يجعل رنين تشارك بأحاديث طويلة، ورهف تعلمت طوال سنوات حياتها كيف تجذب أي شخص لصنع محادثة طويلة، بعد أن تدرس اهماماته.

فوراً تبدلت ملامح رنين لأخرى مرتاحة كما لو أنها كانت تشعر بالحرج لإظهار تأثرها بالحديث عن الماضي، رفعت كتفيها بثقةٍ ونظراتها القوية عادت لتحتل وجهها، مذكرةً نفسها أنها لم تعد تلك الطفلة من الماضي وأنها الآن مديرة شركة ناجحة وقدوة العديد من النساء، سرعان ما انغمست مع رهف في الحديث عن الشركة.


رن الآيفون ذو اللون الأسود الذي يدل على أن الاتصال يخص العمل ، قطعت حديثها مع رهف لترد.

خرجت إلى الشرفة بينما رهف كانت تعبث بأشياءها قرب المرآة تلك التي تكون مع أثاث الغرفة ، على طاولتها الخشبية كان هناك العديد من مستحضرات التجميل ، أخرجتها من الأدراج الخشبية ، رغم أن رنين ليست من محبة مستحضرات التجميل  ولكن رهف كان قد أحضرت لها هدية من افخم الأنواع ، في كل مرة تسافر إلى مكان ما هي تحضر لها شيئا.

أتاها صوت سوهاد وهي تقول : تصاميم الفريقين جاهزة ولقد  جهزت كل الملفات وكل العقود اللازمة مع المستشارة القانونية لمشروع الUN... هل أقوم بإرسالهم لك؟

ردت رنين بنبرة عملية وهي تنظر لأصيص الأزهار الفخاري على الشرفة وقالت بنبرة عملية: لا داعي سأراهم غداً.

_حسنا إذاً....متحمسون لعودتك.
قالتها بضحكةٍ خفيفة لتبتسم رنين إبتسامة مجاملة، هي تعلم أن الموظفات يحبونها جدا ويعتبرونها قدوتهم و يركزون على التعلم منها لأنها دوما تسعل ان تخلق بيئة عمل مريحة رغم انها صارمة في العمل ولا تحب التقاعس.

_هل اخبرتكم دعاء،عن اجتماع مجلس الإدارة غداً؟

_اجل وانا اخبرت الكل.

_جيد....حسنا إذاً تناقشي مع دعاء في تفاصيل الاجتماع ليكون كل شئ جاهزاّ غداً.

_بالطبع.

_وداعاً الان.

فكرت جيداً في إعطاء سوهاد مكافأة نهاية الشهر فهي تستحق، ودعاء أيضاً ، لقد عملا بجهد حقاً .

رفعت حاجبيها باستغراب حين رأت رهف تمسك بطلاء أظافر أصفر فاقع.

متى كان لديها هذا اللون اصلا؟

تنهدت وجلست على حافة السرير وهي تمرر أناملها على شعرها الفحمي ، نظرت لها رهف وقالت وهي تمد يدها بعد أن قامت بطلاءها وقالت بحماس طفولي: انظري كم هو جميل على يدي؟!
ام ان يدي هي ما تجعله أجمل؟
نبست بغرور مصطنع في نهاية حديثها وهي تضحك بخفة.

_هل كان هذا اللون البشع عندي؟
قالت رنين بنبرة مستنكره وسقطت ملامح رهف فورا تنظر لها بغيظ ثم قالت: يا لك من حمقاء ناكرة جميل عدوة المتعه...ما به هذا اللون؟!
الألوان جميلة. تخيلي حياة بدون الألوان؟!
ثم هذا دليل واضح على عدم اهتمامك بهداياي الثمينة لدرجة انك لا تذكرين انني اهديتك هذا اللون.

تنهدت رنين وهي تنظر لملكة الدراما أمها ثم كتفت يديها وقالت مبررة: لم اقل أن هداياك ليست مهمة ولكن.....ثم ليس و كأن لدي مشكلة مع الالوان وانا رسامة ايتها الخرقاء... ولكن هذا اللون ولا استطيع تخيل نفسي به...الناس اذواق يا علبة الاوان المتحركة.

سخرت في نهاية كلامها وتفادت الوسادة التي حاولت رهف ان تلصقها بوجهها.

_اخرسي لن احضر لك هدايا مجددا.

تهديد كل مره وفي كل مره لا تلتزم به، مما جعل رنين تبتسم بسخرية وتستمتع بمضايقتها.

بعد مناوشات خفيفة كانت رهف تجلس في المرجيحة المصنوعة من البامبو وعليها وسائد مريحة وهي تنظر للوحة وقالت من الاماكن بينما رنين كانت تركز في مراجعة احد التصاميم على جهازها اللوحي : ما رأيك ان تشاركي في معرض باريس يا إبنة بيكاسو.

كانت تحب ان تلقبها بهذا اللقب حتى انها طلبت منها ان تسمي معرضها به ولكن رنين رفضت و شعرت ان الاسم فيه نوع من التمجيد المبالغ فيه و بعد شجار طويل توصلوا لإسم فرشاة بيكاسو.

نظرت له رنين نظرة عنوانها "من اي أتى هذا الان؟"

_هيا انت موهبة.

_ لا ولا تحاولي والأمر غير قابل للنقاش.
_روبوت مفسدة المتعة عدوة الحياة.
زفرت ررهف بغيظ وهي تنفخ خصلة على وجهها وتكتفي يديها وتنكمش على الكرسي بينما رنين تتجاهلها تعود للعمل، لكن رهف لن تكون رهف لو صمتت لخمس دقائق إذ عادت تدندن اغنية اجنبية بصوت بشع جعل رنين ترمقها بنظرات نارية لانها تقاطعها بينما هي تحاول التركيز ،حقا احيانا تشعر أنها تريد أن تلقي رهف من النافذة وهذه اللحظة هي أحد تلك الأحيان .

.......

يوم جديد كانت الغيوم تغطي السماء ، والنسيم البارد العليل جعل الأجواء مريحه ومنعشه ، رفرفت ستائر الشرفه في غرفتها ، بينما هي كانت استيقظت باكراً جدا اليوم ، هي تستيقظ مع الاذان تقرأ وردها اليومي ثم تنام لساعتين قبل أن تستعد للذهاب للشركة ولكن اليوم هي لم تنم منذ أن أذن الفجر .

تقف أمام المرأة وتعدل ملابسها التي كانت تتكون من بلوزة حريرة بيضاء طويلة تصل لأسفل الركبة و بنطال واسع بلون اابيج و جكت بذلة بلون سماوي ، وحذاء عملي باللون الأسود اسود، لفت حجابها الذي كان بنفس لون البنطال مع حقيبه سوداء صغيرة .

المنزل كان هادئ في هذا الوقت من الصباح ، الكل نائم ربما في هذه الساعة ، هي كانت تريد أن تحوم بسيارتها قليلا في شوارع العاصمة الخالية في هذا الوقت من الصباح لتراقب أفكارها .

صوت القرآن بصوت "ماهر المعيلقي" كان هو فقط ما يقطع الصمت في السيارة ، الصوت لم يكن مرتفع ولم يكن منخفض أيضا .

رغم أن الشركة ليس بعيدة من المنزل ولكنها اختارت أن تتجول في عكس اتجاه الشركة ، اوقف السيارة على جانب الرصيف تستمع لصوت القرآن الذي ينجح دوماً في جعلها تهدأ ويبعد عنها أفكارها السوداوية ، اخذت حافظتها الصغيرة على شكل كوب ورقي ولكنها لم تكن ورقيه ابدا ، بلون ذهبي مع غطاء اسود ، ارتشفت منها مشروب النسكافيه الساخن بهدوء .

ملامحها خالية ، لا باردة ولا تحمل أي تعبير اخر ، فقط خالية كصحراء لا تتبين نهايتها حتى لو سرت أميال ، المقربين منها يعتقدون أنها صامدة حتى الآن بسبب الرسم ، الكتب والروايات ، لا تنكر أن لهم جزء في صمودها ولكن الفضل وكل الفضل يرجع لتلك اللحظات التي تسبق شروق الشمس ، تلك الأوقات التي تمسك فيها بصفحات القرأن وتشتم رائحة ورقه العطر ، تلك الأوقات التي تختلي فيها أمام خلقها ، تظهر ضعفها وتتجرد من عباءة قوتها ، تلك الأوقات التي يشتد فيها ألم صدرها فتضع السماعات وينساب صوت الآيات القرآنية ويرسل راحة تغلف ودفء لقلبها الجليدي ، لا تطلق على نفسها متدينة ولكن هي تحاول وتجاهد مثل كل مسلم يجاهد ليكون على الطريق الحق، الايمان يضعف ويقوى في كل مرة، ولكن كما اخبرتها نور اقرب شخص لها في عائلتها انها طالما تحاول فلا بأس بالاخطاء فالبشر ليسوا مثاليين، وباب التوبة دوماً مفتوح والله ارحم الراحمين ولكن هذا لا يعني ان تغرق في الذنوب وتقول ان الله غفور رحيم لأن هذا فقط سخف وتبرير لأخطائك، وتظل تؤجل وتؤجل كانك ستعيش في خلود.

جاء مقطع دوما تشعر انه رسالة هناك آيات تظل عالقة في روحها لانها تشعر انها تحمل رسائل خصيصاً لها.

{ولقد نعلم أنه يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}

هذه الآية وفي كل مره تسمع فيها كلاماً جارحاً من والديها أو حتى في التجمعات العائلية التي تذهب إليها مجبرة ، تنجح في أن تهدئها وتريحها بعد كلامهم السام ، هي لا تهتم ولا ترد عليهم حتى ، أنها في تلك اللحظات التي تفقد أعصابها على والدتها هي تستغفر طوال الليل ، مهما كانوا سيئين فهي لا تستطيع أن تفعل شئ سوى أن تصمت ذاك الصمت الذي يؤلمها من الداخل ولكنها تجمد مشاعرها كالعادة .

تنهدت تخرج من أفكارها .

حين نظرت لساعتها الرقمية (سمارت ووتش) ، ضغطت على البنزين وقادت السيارة إلى الشركة .

صوت الموظفات وهم يرحبون بها وهي فقط تبتسم ابتسامةً صادقة، ابتسامة خفيفة مجاملة ، ركضت دعاء ناحيتها تخبرها التقرير الصباحي عن الحضور والغياب ، رغم أنه تم إحضار الملفات إلى منزلها ولكن ما أن دخلت المكتب حتى وجدت المزيد .

نزعت عنها سترة البذلة وارخت حجابها الذي انزلق على كتفها بسبب نعومة شعرها وضعت الدبابيس في حافظة الأقلام ، وانهمكت في العمل .

أصدر الايفون البنفسجي صوت إشعار وصول رسالة وهذا الهاتف كان رقمها الشخصي ، كانت من تالين تخبرها أن لا تتعب نفسها في العمل وأنها لن تعود للمنزل باكراً فهي ستمر على دنيا .

كانت ستتجاهلها ولن ترد ولكن فجاءة ، لمعت فكرة خبيثة في عقلها جعلها تبتسم من يراها يعلم أنها تلك الابتسامة التي تقول بوضوح "هناك مصيبه قادمة في الطريق"

ردت عليها قائلة : سأتي لأُقلك لأنني سأتأخر في العمل على أي حال.

وصلها رد تالين وهي تقول معاتبة: ها انتِ من جديد تعودين لإهمال نفسك.

تجاهلت الرسالة فقط وعادت للعمل .
أتت دعاء تخبرها أن موعد الاجتماع قد حان ، فارتدت بدلتها و رفعت حجابها على رأسها ولكن شعرها الامامي كان يبدو ظاهراً مما منحها مظهر لطيف ، في الشركة لا تهتم بتعديل حجابها كثيراً فكلهم في النهاية نساء فقط .

في قاعة الاجتماعات كان الكل في مقعده  أمامهم كرستالات المياه المعدنية والملفات ، هي حين تدخل مشروع فهي تدخله وهي واثقه أنه ستنجح فيه ، تدقق في أدق تفاصيلها ولا تترك ثغره ، تعلم أن الكثيرين يكرهونها ويتمنون سقوطها ولكن هيهات أن تسمح لهم .

بصفتها رئيسة مجلس الإدارة كانت أول من باشر بالكلام .

وبدأ الاجتماع الذي استمر لساعات .

يأخذون إستراحة ثم يعودون من جديد .

رؤساء الفرق قدموا لها التصاميم عبر الشاشه بتقنية ال 3D ،  وهي كانت تنظر بنظرات ثاقبة و دقيقة لا تترك شيئاً يفوتها ، انتهى الاجتماع أخيراً .

تقدمت رئيسة الفريق المسؤول عن التصميم الخارجي البناء لتخبرها بأمر تصاميم أخرى جاهزة تنتظر إجازتها ليرسلوها للعملاء .

رهف لم تأتي اليوم بالطبع يوم مليئ بالاجتماعات المملة في نظرها وهي ستتهرب منه طبعاً ، لا يهم كثيرا فهي صاحبة اسم فقط ولا تشارك في أي عمل  إلا نادراً.

جلست رنين على كرسي مكتبها اخيراً ، ابتلعت حبتي صداع ، لقد أجازت كل التصاميم المطلوبة ووقعت على ملفات وعقود وهي تشعر أن رأسها سينفجر .

وردها اتصال في الهاتف الخاص بالعمل و ردت عليه ، كانت تقف خارج مكتبها تتكئ على السياج الزجاجي وتنظر للطابق السفلي وحركة الموظفات هنا وهناك ، تتحدث بإنجليزية متقنة ورقي تقنع المتصل الذي يحدثها عبر الهاتف، تحاول أن تعقد معه صفقه .

ونجحت بالطبع فلديها اسلوب إقناع مبهر مع عملائها. قبل أن تدلف إلى مكتبها  تذكرت انها نسيت هاتفها الذي يحتوي على رقمها الخاص في قاعة التصاميم الخاصه بالفريق الاول، توجهت إلى هناك ، كان الجدار الزجاجي يسمح لك برؤية المرسم  ، رأت أحد الموظفات هناك وأعضاء الفريق غير موجودين .

ما أن رأتها تدلف حتى إرتبكت واخبرتها أنه تم إرسالها لتحضر شئ ثم أخذت ملفاً وخرجت بسرعه ، رفعت رنين حاجبها باستغراب ثم وجدت هاتفها على الطاولة بلونه البنفسجي المميز حملته وغادرت .

......

أوقفت سيارتها قرب منزل عائلة سيف الدين ، لتقول رنين وابتسامة خبيثة تزين ثغرها .

إستقبلتها ام دنيا بالاحضان معاتبةً إياها على عدم زيارتها ولكن رنين أوضحت لها انها مشغوله مع الشركة .

إرتشفت كوب العصير وهي تستمع إلى أحاديثهم التي تراها ممله في نظرها ، رحمه لم تتوقف عن مدح اولادها أمامهم خصوصاً فراس مما جعل رنين تجاهد أن لا تقلب عينيها بملل .

هناك نسخه اخرى من والدتها هنا .

لاحظوا السخرية ارجوكم .

نهضت رنين وإستأذنت لدخول الحمام الذي وللحظ هو قرب السلم وطبعا هي صعدت للأعلى هي تحفظ هذا المنزل فليست هذه أول زيارة لها بحكم الصداقة بين العائلتين.

علمت أنه ليس في المنزل وهذا أسعدها حقاً ، فهي أتت رغم عدم علمها بذلك عسى أن تجده في  الخارج.

دلفت لغرفته التي كانت مرتبه وتفوح منها رائحة عطر رجالي ، مما جعلها تقلب ملامحها بإشمئزاز .

الأثاث كان جميل، و ديكور الغرفة مميز ، زجرت نفسها أن هذا ليس وقت الإعجاب بالغرفة ،و لكنها عادة لا تستطيع التخلص منها بصفتها مهندسة معمارية.

حين رأت المكتبه لم تستطع منع نفسها من الوقوف أمامها وتمرير يدها على رفوف الكتب .

فكرت أنه مثقف ويشاركها حب القراءة جعلتها تشعر بشعور غريب لكنها تجاهلته.

من النادر أن تجد رجل يقرأ هذا الزمن ، فكرت أنه إلى جانب وسامته هو مثقف فهذا ليس عدلا على الاقل لما لا يكون قبيحاً مثلاً؟

ومجدداً هي شتمت نفسها لا تصدق أنها قالت إنه وسيم مجدداً ، عقلها حدث له خلخل ما اكيد ويجب أن تبدأ فعلياً بتصحيحه .

اللوحة يا رنين ركزي

هي قالت لنفسها

اخرجت من حقيبتها الصغيرة سكين.. (أنا خفت)

وإبتسمت بمكر وقامت بتمزيق اللوحة .
حملت ورقةً من درج المكتبة وقلم أيضاً وكتبت شيئًا ووضعت ظرفاً على السرير ووضعت الورقة قربه  وخرجت ، مغلقةً الباب خلفها برفق و نزلت إلى الأسفل وكأن شيئًا لم يكن .

ودعتهم وخرجت مع أختها .

....

عاد في المساء فلؤي  أصر أن يصطحبه ليُعرفه
بأصدقاءه ،وفعلاً هو لم يندم لقد كانو لطيفين و أحاديثهم ممتعة ، تناولوا الطعام في أحد المطاعم الراقيةِ ، كان يرتدي قميصاً أبيض فوقه تيشيرت أسود بأكمامٍ طويلةٍ كانت ياقة القميص تظهر بوضوحٍ وفي الأسفل ظهر القميص أيضاً ، وبنطالٌ بنيّ وحذاءٌ رياضيّ أبيض وساعة تلتف على معصمه كان أنيقاً مثل كل مرة ، قال لؤي بينما يضع يده على كتف أخاه : إذاً ما رأيك ؟

_أحبتت تصميم المكان على الطراز اليمني والأكل كان شيئاً من عالم آخر .
نبس بإبتسامة هادئة كالعادة.
_علقت على كل هذا ونسيت أهم جزء وهو الناس الذين كانوا معك هناك.
سخر لؤي لأنه أراد أن يعرف رأيه في أصدقاءه وليس في المكان وحين فهم فراس التلميح ضحك وقال: شخصياتهم مرحة.....إتضح أنك تجيد صنع أصدقاء جيدين.
سخر وضحك بخفة مما جعل ملامح لؤي تسقط وينظر له بغيظ: ماذا تعني؟
أنا شخصٍ رائع الكل يتمنى صُحبتي....فلتصلي ركعتي شكر كل يوم لأنك أخي ولأني في حياتك.

ضحك على غرور أخيه غير المعقول وقال:  هل سمعت من قبل عن شئٍ يسمى تواضع؟

_لا...هل هو شئٌ يؤكل؟
سخر لؤي ليضحك الآخر و يحرك رأسه بيأس.

إفترقا في الممر ودخل كل منهما غرفته،  دلف فراس إلى غرفته وهو يدندن أغنيةً
إنجليزية وينزع التيشيرت ، نظر إلى اللوحة الممزقة بصدمة ، فتح فمه وأغلقه كسمكةٍ تحاول التنفس خارج الماء ،إنتبه لظرف أبيض وفوقه ورقةً على السرير حمل الورقة وقرأها .

*لا تستحق شرف الحصول على لوحاتي.... و لا تفكر حتى بالمرور قرب معرضي مجدداً.....أعتبره رداً على إهانتي أيها الطبيب وهكذا نحن متعادلين*

وحين فتح الظرف كان يحتوي على مال.

....

كانت تجلس على السطح وتحتسي نسكافيه ، تتخيل منظر فراس وهو غاضب ويصرخ بإسمها بجنون ، هو الآن سيكرهها أكثر من أي شخص في العالم ، هذا فقط جعلها تبتسم بوسع ، تالين كانت تنظر لها بحيرة

_ما سر الإبتسامة ؟

_كان لدي ديْن وسددته.

....

ولكن فراس لم يغضب ولم يصرخ ، فهو شخص نادراً ما يغضب ، حين إنتهى من قراءة  الكلمات هو فقط ضحك .

أجل ضحك بصخب ، هو حقاً فكر أن هذه المرأة حتماً مجنونة ،

إلى أين يصل كرهها للرجال تحديداً ؟

يا إلهي لا يصدق أنها فعلت ذلك فقط لأنها شعرت بالهزيمةِ أمام رجل .

يالا كبرياء النساء .

يعلم أنها فكرت في إتلافها لكنها لن تستطيع الخروج بلوحةٍ بهذا الحجم بدون أن تثير الشُّبهات و تلفت أنظار والدته، لذلك قررت إتلافها لتخبره أنه لن يستمتع بشعور الفوز عليها طويلاً.

ثم هل قالت إهانة؟

عن أي إهانة تتحدث وهي ملكة توجيه الإهانات .

إبتسم وهو يقلب الظرف بين يديه وقال : هكذا أثبتي أنه  معي حق..وأنك تمتلكين عقدةً بالفعل....لنرى إذاً من سيضحك أخيراً.

يتبع...



سورييي ع التأخير ولكن حدثت العديد من الأشياء في الفترة الاخيرة جعلتني انسى تمامآ أمر الرواية، ولكن ها انا عدت بقوة واعدكم ان لا اتأخر في تنزيل التعديلات.


شكرا للانتظار.

قراءة ممتعه.

وانتظر تعليقاتكم بفارغ الصبر لان التعديل شئ متعب حقاً ويحتاج مجهود ووقت.

اتمنى ان تسعدوني بتعليقاتكم الجميلة.

ولا تنسوا التصويت على الفصل في الواتباد.
يلا منتظره تعليقاتكم💜💜🦋
شمس بلا نور 14

  مريان

بقلم:تسابيح نوري (غرام)


مساحة لذكر الله:
‏*رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا*

بخار من الحزن يلتف حول صدرك بقوة
يذكرك أنك لم تنسى بل تتناسى
وأن القوة التي تدعيها هشة مثل بيت عنكبوتٍ قديم .
الليل صوتهُ عالي في عقلك
تقتل الثواني في الظلام عسى أن ينتهي الليل سريعاً
تغرق في ضباب الذكريات الموحش
تركض إلى مليون وجهة وهدف بعيداً ..
بعيداً عن ماذا ؟
عن نفسك؟
لأن الذكريات جزء منك
هل تدري كيف هي صعوبة الخلاص من أجزائك؟
# العابث الاخير .

*فراس*

تدفقت أفكاري على شكل كلمات احتضنتها مدونتي مثل كل مرة، لأن ضباب أفكاري سمٌّ سيخنق أي أحد لو عبرت عن دواخلي.

لا يمكنني ان اتحدث عن الأمر حتى مع اقرب الناس، لا يمكنني ان اخبرهم انني حتى بعد ان خضعت لعلاج مازال هناك بقايا رماد من ماضٍ يجثم على صدري، أشعر بحبال تلتف على قلبي تخنقني بين الحين والحين، واكره انني أشعر بهذه المشاعر البغيضة، أخذت نفساً مرتعشاً لأعماق رئتاي و استنشقته بكل جوع. السلام النفسي هذا كل ما اريده وأسعى إليه، قد أتعثر لكنني لن أستسلم، عزمت على ذلك و قررت تنفيذه، لأن لا احد سينقذك ولا حتى طبيب نفسي هو فقط يرشدك لكنك من تختار ان تخرج من زوبعة آلامك ام تبقى حبيساّ لها، حتى لو حاول الذي يحبونك ان يمدوا أيديهم لك انت ستظل أعمى عن رؤيتها، العالم ليس رائعاً لتنتظر ان ينقذك احد او يهدئ احد ألمك او يحل مشاكلك.

ستكون اغبى شخص لو صدقت ذلك، لا احد ينقذك غير نفسك، هذه الحقيقة أدركتها ربما بأسوأ طريقة ولكنني ادركتها، انا فخور بنفسي، فخور انني رغم ما مررت به من صعوبات الدراسه والوحدة والغربة وضغط العمل و الزواج الفاشل نجوت، نجوت في لحظات ظننت فيها أنني لن أنجوا.

أتجاهل ما حدث تلك الليلة وجعلني أشعر بملايين الصخور تجثم فوق رئتاي حين رأيت الصورة، انهياري كان صامتاً مثل موت الاشجار حين تموت وهي واقفة بشموخ ترفض ان تسقط حتى في لحظاتها الاخيرة.

هذه البقايا بداخلي، الذكريات التي كانت جزءاً من روحي، لو كانت ستؤذيني وتعرض سلامي النفسي للخطر.

سأنتزعها حتى لو كلفني ذلك دهراً، تنهدت أشعر بالضغط على صدري ينحسر، أراقب ممر المشفى بداخلي، أضع يدي على جيب ردائي الطبي الاببض الناصع، أرتدي قميصاً يناقض بياضه بلون دُجى الليل وبنطال بلون القهوة وحذاء رياضي مريح بلون أبيض، أركز على عملي وانسى أي شئٍ أخر.

ابتسم.

ها انا أعيش حلمي بعد عناء طويل، كأنه غنيمة في معركتي النفسية الطويلة والمهلكة، أمر على جميع الاقسام وجميع رؤساء الأقسام لأستلم التقارير ، حتى تقارير مخزن الأدوية .


عملي في مشفى نيويورك الذي عرف بالانضباط الاداري جعلني اكتسب خبرة، طلبت من دُنيا ان تتولى منصباً إدارياً في مشفاي بعد ان تنتهي من الخدمة الوطنية لكنها رفضت قائلة انها تريد ان تشق طريقها بنفسها، شعرت بأقدامٍ رقيقة ترقص على قلبي، طفلتي الصغيرة واختي المدللة كَبرت حقاً.

بعد ان تأكدت من كل شئ ووقعت على معظم التقارير ومررت بقسم الاسنان اتأكد ان كل الاجهزة قد رُكبت بعد وصولها وأن الطبيب لا ينقصه شئ، ذهبت اخيراً لعيادتي. استقبلني نائبي بوجهه المتحمس، يذكرني حين كنت مثله اتطلع لأساتذتي للتعلم منهم، جلست في الكرسي المخصص لي واخبرت الممرضة ان تبدأ بإدخال المرضى، عدد المرضى في المشفى ليس كثيراً لانه مازال حديثاً، ولكن العدد لا بأس به. قسم التسويق يقوم بعمل رائع في الحملات الاعلانية، ولكن رغم ذلك العمل الاداري يصيبني بالصداع رغم ان مدراء الاقسام الآخرين يأخذون الحمل عني ولكن في نهاية المطاف علي ان أشرف على كل شئ حتى لا يحدث خطأ لان أقل خطأ سيهدد سمعة المشفى، عدد المشافي التي فقد الناس الثقه فيها في هذا البلد لا تعد ولا تحصى بسبب الاخطاء الطبية.

أول مريض دخل كان شاب يمسك بيد والدته الكبيرة في السن، ابتسمت لهم أدعوهم للجلوس بلباقة، امسك محمد دفتره فوراً يدون الملاحظات وهو يقف خلفي مع الممرضة.

.................

كانت تقف هناك في بداية الممر لقد مر بجانبها منذ ثواني. استنشقت الهواء فضربتتا  رائحة عطرها ، ترتدي ملابس الممرضات المكون من قميص طويل ذو أكمام يصل إلى الركبه بجيوبٍ من الجانبين في الاسفل قرب الخصر  وبنطال بلون قرمزي داكن ، ترتدي الحجاب بإهمال بلون بني فاتح  ، منذ أول يوم لها في المشفى وهي لم تتوقف عن محاولة لفت إنتباهه ، ليس بالطرق الرخيصة طبعا ، لكن بمحاولتها إظهار كم هي متفانية في العمل ، تستفسر منه اشياءً هي تعلمها مسبقا ولكن كل هذا لتحظى بحديث مطول معه .
هو رسمي في العمل نوعا ما لذلك من الصعب تكوين صداقات معه بسهولة ، هي اعتادت نظرات الإعجاب هي الأخرى فقد كانت سمراء بملامح جميلة ، وتنظر بغرور لكل من حولها .
حاول عدد من الأطباء والممرضين بل حتى المرضى التودد لها لكنها كانت تصدهم، لان هدفها شخص واحد فقط وهذا الشخص يكون اسمه فراس سيف الدين .

_وسن ..... الهواتف صنعت للرد عليها لا لتجاهلها ايتها الخرقاء.

أتاها صوت صديقتها بنبرة معاتبة جعلتها تلتفت لها وقلبت عينيها بملل لانها نسيت تماماً انها كانت ستلتقي بها ليذهبوا معاً لإحضار بعض الادوات الطبية من المخزن ولكنها نسيت الامر تماما بعد ان رأت فراس ، سارت بقرب صديقتها وقالت بنبرة حالمة متجاهلةً عتابها كلياً : لا يمكنك ان تلوميني على نسياني امر هاتفي حيت أرى دكتور فراس شخصياً....اعني انا في كل مره انبهر باناقته و وسامته ورقيه وتعامله اعني اعني لم هو مثالي بطريقة مؤذيه لقلبي هكذا؟

قلّبت صديقتها عينيها بمللٍ من حديثها المعتاد ، لا تنكر أنها هي الأخرى معجبه به .

ومن لا تفعل ؟

اي انثى مجنونة لن تعجب به؟

رجاء لا تجيبوا على   تساؤلاتها لأنها لن تستوعب فكرة أن إحداهن تنظر له وكأنه أقذر شئ في العالم .

_هوسك به يزداد سوءاً واخشى انه لن يتضرر غيرك.

سقطت ملامح وسن فوراً، لا تحب ان تشعر انها مهمله او عديمة القيمة، إعتادت على نظرات الاعجاب ولكن هو لا يطيل النظر لأي أنثى إلا لثواني وفي هذه الثواني لم يمنحها نظرة اعجاب واحدة، تستغرب كيف عاش في بلد اجنبي وظل بهذا الاحترام؟

هذا يزيدها إعجاباً فقط، تكره فكرة أن حتى صديقتها لاحظت اعجابها الذي يزداد يوم بعد يوم ولكن بلا نتيجة تذكر، قررت تجاهل الامر والثرثرة في مواضيع اخرى اثناء ذهابهما للمخزن .


.............


تقف أمام الخزانه أمام الجدار المزين برسومات بعروق الأشجار... ( شكل مكتب رنين عودوا للبارت الاول) .

فتحتها وأخرجت ملف كبير بلون بني غامق ، تسير به بخطوات واثقة وصوت كعبها العالي يساعد في سماع خطواتها على الأرضية .

كانت ترتدي بذلة سوداء بالكامل البذلات النسائية ذات التنانير وليس السروايل،  مطرزة على الجانب الأيمن يمتد من التطريزات حزام تغلق به سترة البذلة ، قميص ابيض أسفلها ، وحجاب رمادي بدرجة فاتحه جدا ، وحذاء بلون الكراميل ، تحرص على اناقتها دوماً إن كان هناك شئ تعلمته من رهف فهو كيف تنسق ملابسها، و ما هو مناسب لكل مناسبة.

تمتلك تلك الهالة التي تجبرك على التفكير مئة مرة قبل التفوه بأي كلام ، تجد نفسك تحترمها تلقائيا ، ليس لحجابها بل لهالة الثقة التي تنبعث منها .

*لم تحتج يوما للفت الإنتباه ، الإنتباه هو من كان يلتفت لها*  (مقتبس)

كانت تدقق على الملف الموضوع أمامها على الطاولة بإهتمام ، طرقات على الباب جعلتها تسمح للطارق بالدخول دون أن تبعد عينيها عن الملف .

أتاها صوت دعاء وهي تقول : التقرير الشهري جاهز يحتاج توقيعك فقط.

رفعت رنين تنظر لها بنظراتها الباردة المعتادة وأشارت لها لتضع الملف وهي فعلت بصمت وغادرت .

حين انتهت من البحث في الملف ، وضعت التقرير الشهري أمامها تنظر له بنفس التركيز ، كان هذا التقرير مهم جدا فالاجتماع الشهري حين ينعقد لابد من وجود تقرير كهذا حتى يناقشوا النقاط المهمة .

طرقات أخرى على الباب جعلتها ترفع عينها عن التقرير وتسمح للطارق بالدخول والتي كانت رئيسة قسم المحاسبة ، امرأة في عقدها الرابع .

جلست على الكرسي من الجهة اليسرى ووضعت الأوراق أمامها وقالت بجدية : هذه تفاصيل الحسابات في الشهر السابق.

_جيد.
نبست رنين بنبرة عملية.

_لماذا طلبتهم؟
هل تشكين بوجود خطأ؟
قالت المرأة مرعوبة من فكرة ان رنين قد تجد خطأً في الحسابات الامر الذي يكلفها وظيفتها التي جاهدت للحصول عليها، فهي أرملة تربي اربعة ابناء.

شعرت رنين بتوترها بنظراتها الثاقبة، حركت رأسها بنفي وقالت لتريح التي امامها، تتفهم كون انها تخاف ان تُطرد، شعرت رنين بإمتعاض.

لم يعملونها كأنها سيئة؟

ليس وكأنها تتجول وتطرد الجميع. طوال الوقت الذي طردتهم كانوا يستحقون لانهم يتكاسلون ويقومون بأخطاء قد تكلفها سمعة الشركة، هي جاهدت لتصنع أسماً لن تسمح لأي احد بتلطيخه.

_لا فقط أريد التأكد من شئٍ ما....شكراً لك...سأتدبر الامر من هنا.
أنهت المحادثه القصيرة بهذه الكلمات ، مما جعل المرأة التي أمامها تومئ برأسها وهي تتنهد بارتياح وتخرج من المكتب بهدوء .
_ما الذي تقصدونه بأنه مفقود؟؟
ضغطت على كل حرف بغضب تكاد النيران تخرج من عينيها وهي تضرب الطاولة بقوة، كانت رئيسة القسم الاول للتصميم في المكان المخصص لهم ، كان الجميع ينظر لها بخوف ، الجميع مرتبك ولا احد يعرف ماذا يقول أو ماذا يفعل .

نظرت لهم بحده ثم أضافت : هل تدركون حجم المصيبة التي وضعتموني بها امام المديرة؟

مجرد ذكر رنين جعل قلوبهم تخفق بخوف مضاعف ، لقد أصبحت وظيفتهم على المحك الآن ، في زمن كهذا وفي أوضاع كهذه وحيث من الصعب ان تجد وظيفة خصوصاً لو كنت امرأة ، أن يتم طردك من شركة معروفة كهذه هو وصمة عار في سجلك .

نظرن لبعضهن تحاول كل منهن ان تبحث عن حل في وجه الأخرى.

_عودوا للبحث عنها بسرعة.
قالت بصوت خافت ولكن نبرة التهديد وصلتهم بوضوح.

سرعان ما تحركن يبحثن هنا وهناك بسرعة بين الرفوف والاوراق.

جلست رئيسة القسم في الكرسي بانهيار ، هي ستتحمل عواقب هذا هي متأكده ، رنين لن ترحمهم ، لا تدري كيف ستنقل لها الخبر حتى ، فمن المفترض أن تسلمها تصميم مبنى المزرعة الخاصة بالاندونيسيين غدا والذي يكون يوم الاجتماع الشهري ...والان التصميم قد اختفى ، لقد كان في الرف الخشبي مع باقي التصميمات ولكنهم اليوم حين أرادوا إحداث التعديلات التي تحدثت معهم عنها هم فقط لم يجدنه وهذا قد اثار جنونها .

الان في هذه اللحظة هي تمنت حقا لو أنها لم تولد ، لو انها فقط تختفي أو تموت حتى ، هذه كله اهون لها من أن تواجه غضب مديرتها.

الأمر لهذه الدرجة سيئ.

.....

لاحظت رنين بنظراتها الثاقبة ارتباك وتوتر رئيسة الفريق الأول للتصميم ، وانتظرتها لتبادر بالحديث ، بينما الأخرى شعرت أن الكلام هرب منها وأن تكوين جملة أصبح أمراً صعب المنال .

هي أرادت حقا أن تبحث عنه هذا اليوم على أمل أن تجده ، ثم إخبار رنين غدا عن إختفاءه إن لم تجده ، ولكن الدوام أوشك على الانتهاء  ، ولم يعثروا عليه ، والاجتماع غدا صباحاً، وهذا سيئ ، هي يجب أن تعلم الان وليس غداً .

ومن سيكون في وجه المدفع ويخبرها؟

اجل رئيسة القسم التعيسة التي بدأت بالفعل وأثناء طريقها إلى المكتب توديع كل ركن في الشركة .

يال التفاؤل .

حاولت أن يخرج صوتها واثقاً ولكنه خرج متوترا رغما عنها : تصميم مبنى مزرعة الأندونيسيين ....إبتلعت ريقها واكملت ....قد اختفى .

توقعت أن تنهض وهي تضرب الطاولة وتصرخ ، أو حتى ترمي في وجهها أحد الملفات الثقيلة مسببة لها كدمات على وجهها ، ولكن ولصدمتها لم يحدث أي من هذا .

كانت رنين تنظر لها بهدوء ، ليس ببرود بل بهدوء ، كأنها لم تتلقى خبراً قد يجعلها تخسر صفقه كهذه ويفقد العملاء ثقتهم بها ، غلطة كهذه من شأنها أن تدمر سمعة الشركة حتى .

الأمر بهذا السوء .

ولكن رنين فقط ظلت هادئة تنظر لها ، وكأنها لم تقل شئاً سيئاً ، وهدوء رنين حتى مخيف أكثر من ثورتها ، لأن هذا يعني أنها تفكر في شئ ما.

ربما تفكر في أسوء طريقة لطردها وإهانتها أمام الموظفين؟

هذا ما فكرت به .

تخيل فقط أن تخبر أحدهم خبراً سيئاً ثم بدل أن يغضب هو فقط يظل هادئاً كنسيم الرياح البارد ، انت فقط سترتبك أكثر

قطعت رنين الصمت الثقيل هذا وهي تقول بهدوء : هل شئ أخر اختفى؟

شعرت أن فمها سيلامس الأرض من الصدمة ، لم تتوقع ذلك حتى .

هي حتى لم تصرخ .

لذلك وجدت نفسها تقول بسرعه : ل...لا ابداً لا شئ اخر إختفي، أقسم لقد كان في الرف مع الخمس تصاميم الاخرى في مجلد واحد والان لم نجد له أثر، أردت ان اخبرك قبل اجتماع الغد لكننا بالطبع سنعاود البحث غداً صباحا عسى ان نجده قبل الاجتماع.

قالت كل شئ بسرعة دفعة واحدة حتى انها نسيت أن تأخذ أنفاسها ، مما جعلها تتنفس ما أن انتهت .

_ هل ارسلتي إحداهن في الامس بعد نهاية الدوام لقسمك لتحضره لك وهي موظفة خارج القسم ؟

قالت الأخرى بصدمه : لا أبدا..لم يحدث...لا ارسل غير موظفات القسم لانهن الوحيدات اللاتي يعلمن ترتيب المجلدات و مكان كل تصميم.

_وبقية الملفات التصاميم الخمسة هل هناك ما ينقصها؟

_ لا...انت طلبتي مراجعتهم لاجتماع الغد....وانا أتيت لتنبيهك حتى تتناقشي في غيرهم في حال لم نجده حتى نصمم غيره.
رمت الموظفة الحل بهدوء، مازالت متوترة من هدوء رنين واستجوابها وتحاول ان تهدأ الوضع باقتراح الحلول.

طرقت رنين بأصابعها وهي تقول : تماماً..انا طلبت مراجعتهم وانت أرسلتهم لي عبر الايميل...هذا يعني ان التصميم موجودٌ على جهازك...قومي بطباعته فقط و انتهت المشكلة.
ابتسمت رنين بهدوء في نهاية كلامها.

صفعت الآخرى جبينها كما لو أنها للتو تذكرت ذلك ثم قالت : لقد غاب هذا الأمر عن بالي تماماً.
هي كانت مذعورة لدرجة أنها لم تفكر بطريقة سليمة وسمحت لغضبها ان يعميها أكثر، هي في كل مره تنبهر بقدرات مديرتها والتي رغم صغر سنها إلى أنها ماهرة في حل المشكلات دوماً .

_حسناً الان سأقوم بطباعته وتجهيز كل شئ مع أعضاء قسمي ليكون الملف جاهزاّ لاجتماع الغد.
قالت بسرعة وهي تهم بالمغادرة وتعتذر على الاهمال .
غادرت المكتب وهي تتنفس الصعداء اخيرا ، لقد عاشت توتراً في الساعات السابقة حتى كاد يغمى عليها ولكن الموضوع مر بسلاسةٍ لم تتوقعها أو تتخيلها حقاً .

رنين كانت تنظر لتقرير الحسابات الذي يحوي اي مبالغ قد تم صرفها من حساب الشركة ولأجل ماذا، حتى أنه تم سحب مبالغ كبيرة لموضوع المرتبات .

قارنت بيه وبين الشهر الماضي ، لا يوجد أن خلل .

السؤال الذي يدور في عقلها الان هو لماذا هناك فرق كبير بين التقرير الذي أمامها وبين حساب الشركة في البنك .

هناك من قام بسحب مبلغ ولا تعلم من هو حقاً وما هدفه ، وربما نفس الشخص هو من سرق التصاميم .

تلك الفتاة التي رأتها في مكتبهم ، هي علمت انها ليس من القسم ولكن ظنت ان الرئيسة هي من أرسلت إحدى صديقاتها من قسم اخر لتحضر الملف لأن الرئيسه تخرج متأخرة بساعه من بقية الاعضاء، و الاغلبية يأخذن الملفات للمنزل لينجزن العمل بسرعة.

ذلك جعلها تدرك شئاً واحداً؛

هنا من يسعى أن يلعب معها لعبة قذرة من تحت الطاولة ، وهذا الشخص يتعامل مع إحدى الموظفات .

صكت اسنانها بغيظ منافسيها لن يتركوها وشأنها أبداً منذ بدأت شركتها تكتسب اسماً في السوق جعل الامر المنافسين يسعون لمضايقتها ولكن ان يصل الامر للسرقة، هذا يعني انهم تمادوا حقاّ هذه المرة وهم يائسون جداً لإسقاطها.

منذ دخلت هذا المجال رأت أقذر الناس وافظعهم ، الشركه التي عملت فيها في بداية مشوارها المهني كانت شركة سوداء ، يعني ذاك النوع من الشركات الذي يحمل الموظفين فوق طاقتهم ، ولا ينالون اي حوافز بل حتى يحصلون على مرتبات لا تتناسب مع مقدار عملهم ، يظلمون الموظفين ، وحتى الموظفين فيما بينهم يتنمرون على بعضهم و يسعون لإطاحة بعض ليأخذوا مناصب بعض بكل خبث ، ما اكثر هذه الشركات كل هذا بسبب اقتصاد البلاد المتدهور.

تخيل أن تكون امرأة وسط كل هذا ، طبعا لم تسمح لهم بإذلالها هي فقط أرادت أن تكسب الخبرة حتى تترك الشركة حتى لو جلست بعدها بدون عمل، وكانت تحاول جاهدة ان لا تقع في فخاخهم.

ولكن هل توقفوا عن أعمالهم القذرة ؟

طبعا لا هم لعبوا تحت الطاولة وهي تعلمت أنها حين تجلس على الطاولة أن تنتبه لأسفلها كما تنتبه لأعلاها .

بقدر ما كانت تجربة سيئة بقدر ما اكسبتها الخبرة .

نهضت ترتدي سترة بذلتها السوداء ، رفعت رأسها بنظرات واثقة ، وتقدمت وكل ما فيها يصرخ بالثقة والقوة ، كعب حذاءها يدق الأرضية  خرجت من المكتب وقفت أمام السور و هي تقف بالأعلى تراقب الجميع بعيون صقر لا يغيب نظره عن فريسته ، بقي ساعة ربما على نهاية الدوام.

إن أردت أن توقع أحدهم في المصيدة ارمي له الطعم .

وهذا ما فعلته ، لم ترد أن تظلم تلك الفتاة ولكنها ستأكد شكوكها بعد قليل، تذكرت انها رأتها مره في قسم الموارد البشرية لا شك انها ليست رئيسة قسم او حتى النائبة بل مجرد موظفة صغيرة براتب جيد نوعاً ما ولكن رنين لأنها مشغولة و تلتقي فقط رؤساء الاقسام في حال كان هناك شئ يستدعي موافقتها او في الاجتماع السنوي فهي لا تعرف الموظفات الاخريات جيداً، رغم أنها تعرف أغلب الوجوه في الشركة التي منذ أن بدأت تتوسع أصبحت تضم عدد لا بأس به من الموظفين، التوظيف في الأقسام من مهمة رئيس القسم هو من يطلب موظفاً ثم يرفع الطلب لها تنظر فيه وتوافق عليه بعد ان تعرف خليفاتهم وهنا موظفات توكلن لهن مهمة المعاينات لأنها ليست متفرغة لها دائماً، لذا هذا يجعل الامور اكثر ريبة لأن قسمها الذي تعمل فيه لا علاقة له بقسم التصميم ولا تعتقد ان رئيسة القسم تكون صداقات مع موظفات صغيرات ولَسن في قسمها بل لسنَ في نفس الطابق معاً حتى. ونظراً لشخصيتها العملؤة والرسمية لا تعتقد انهم اصدقاء ابداً.

دقائق وكانت نفس الفتاة تتلفت يميناً ويساراً ، ثم تسير بهدوء وتدعي أنها تعبث بهاتفها ثم تتقدم إلى مكتب التصميمات الخاص بالفريق الأول .

تراجعت رنين للخلف حتى لا تراها الفتاة حين تنظر للأعلى ، وحين تأكدت من أنها دخلت المصيدة ، تقدمت نحو الدرج تنزل بهدوء تدعي أنها مشغولة بالملف الذي تحمله ، راقبتها عبر الزجاج ، تحمل ملف بين يديها تضعه في مكانه ، وتبحث عن آخر بين الرفوف .

إذاً غرضها لم يكن ذلك الملف بل ملف اخر ، وهي حين أتت أفسدت عليها خطتها وارتبكت وحملت اقرب ملف وجدته أمامها لتكمل كذبتها .

تركتها تأخذ الملف ، جالسةً على المقعد المخملي الذي في الصالة الكبيرة، التي تفتح فيها جميع أبواب المكاتب إلى الطابق الارضي .

لمحتها بطرف عينها تتجه نحو الدرج ، نهضت تعدل بذلتها وتسير نحوها بسرعة ، سرعان ما لمحتها خلف السلم ، كانت تقف بزاوية تسمح لها برؤيتها ، وببطئ سارت نحوها وبحركة خاطفه وجدت الفتاة يد تمسك بها بقوة وتديرها بعنف ونظرات نارية من أعينٍ ذهبية تشع بالخطر تنظر لها جعلت تنظر لها بهلع حقيقي لم تستطع إخفاءه خصوصاً ان التي امامها هي مديرة الشركة شخصياً و لانها تعلم ما تنوي فعله كانت خائفة ومرتبكة والآن هي مرعوبة وتكاد تذوب على الارضية وتتحول لماء تتمنى ان يبخرها الشمس
لتختفي فقط بأي طريقة.

لا احد قد انتبه لهما، فقد كانتا مخفيتان خلف السلم ، أفلتت الفتاة الملف حتى سقط على الارض ، اقتربت رنين منها بنظرات تهديدية وقالت بفحيح مخيف : من أرسلك...ولا تحاولي الانكار حتى لا أستخدم العنف.

قبضتها كانت قوية جداً لا تعود لامرأة الناظر لها يقسم أنها في منتهى الرقة والنعومة .

لذلك حين لم تتلقى رداً سحبتها لتقف امامها أقرب تلتقط نظراتها الحازمة الغاضبة ثم قالت بحده لكن بصوت بارد فيه سخرية لاذعة وخافت : هل أكل القط لسانك؟

الوضع لم يكن مريحاً أبداً وبدأ العرق يتصبب من الفتاة التي حاولت الحديث ولكن اغلق فمها كالسمكة ثم حاولت مجددا بصعوبة وهي تشعر بنظرات رنين كالوخز على جلدها.

لذلك قالت الفتاة بإرتباك : ا...انا .لا اعلم م..ماذا تقصدين.

ابتسمت رنين إبتسامة من ذاك النوع الذي يشعرك أن الشخص الذي أمامك شخص خطير، رنين فقط كتفت يديها ونظرت لها بأعينها التي اضحت بنية تحت الاضاءة الخافتة تحت السلم، من بعيد سيظن الموظفات مديرتهم تتحدث مع إحداهن فقط، لا احد يشك، اصواتهم ليست واضحة في زحمة العمل والكل مشغول لا احد متفرغ ليشك ان حديثهم غير طبيعي.

تراجعت رنين للخلف والابتسامة المريبة ما زالت تزين وجهها الجميل، تجعل الخوف يزحف على جلد التي امامها، خوف خبيث يتسلل لجوفها، لتشعر بكرة تحفر في معدتها وانها ستتقيأ في اي لحظة من شدة التوتر والرعب، اصابعها تشنجت وجسدها تصلب.

_اتبعيني .

ثواني والفتاة شعرت أن قدميها محفورة في أسمنت صلب ولم تستطع الحركة.

لتسمع رنين تقول بصوت ساخر لكن ماكر: إلا إذا كنت تريدين ان تصنعي مشهداً جميلاً يتحدث عنه الجميع.

تصلبت الفتاة وقفز قلبها وهي تتخيل كمية الاحراج الذي ستتعرض له لو استجوبتها رنين أمام الجميع ، عند هذه الفكرة المرعبة تتبعها وهي تحمل الملف من الأرض ، هي تمنت في هذه اللحظة أن تتحول لماء متبخر وتختفي في أثير الكون اللامرئي أو حتى تطلق قدميها للرياح وتهرب ، الخيار الثاني بدى مغرياً لها ولكن هي تعلم ان هناك باباً الكتروني مسؤولة عنه موظفة الاستقبال تقوم بإغلاقه من الداخل بحيث لا يمكنك دخول الشركة إلا عبر بطاقة العمل التي فيها رمز يسمح لفتح الباب بشكل أتوماتيكي، وهي مجرد موظفة هنا في قسم الموارد البشرية هي ليست موظفة مهمة جدا يمكن أستبدالها في اي لحظة.

رغم ان صوت اغلاق الباب لم يكن عالي ولكن هدوء المكان جعل الفتاة تجفل رغماً عنها، جعل الأخرى تجفل بخوف ، حاولت النظر إلى كل مكان عدى وجه التي أمامها لأنها تعلم أنها الان تحرقها بنظراتها ومجددا من الجيد أن عيونها لم تخرج ناراً وإلى كانت كدجاجة مشوية الان .

__ أعطني أسماً لا تبريراّ سخيفاً لانه لا وقت لدي.
نبست رنين بنبرة باردة، تجعل التي امامها تشعر بالبرودة تتسلل عبر اطرافها تحفر نفسها حتى العظم، لتجعلها تواجه صعوبة في المحافظة على ثبات اقدامها.

حاولت الفتاة ان تقنع   نفسها بأنها لا يجب ان تظهر كل الخوف الذي بداخلها وتخترع أي كذبة تنقذها، قبضت على الملف وقالت بنبرة جاهدت لتزييفها: انا أعمل عندك فقط.

قاطعتها رنين وقالت ببرود مخيف : كُنتِ.
ضغطت على الكلمة كما لو تريد ان تحرفها في أعماق التي امامها لتستوعبها، مما جعلها تنهار من ثباتها المزيف، ثواني لتخرج منها تنهيدة مرتعشة ثم قالت وقد انزلقت الدموع اخيراّ تحت الضغط الذي كانت تتعرض له منذ أسابيع طويلة والان بسبب ضغط رنين عليها انفجر كل شئ، انفجر الالم والرعب والخوف والتوتر والقلق الذي كانت تحبسه، انفجر الاحراج والخزي وكره الذات، لتسقط الدموع وهي تنظر للأرضية تقبض بأناملها على الملف ثم تشهق وسط دموعها وتقول: آسفه....أنا....هو هددني.

_الأسم.
لم يأتي صوتها بارد بل أقل برود اقرب لنسيم بارد في شتاء لكن ليس كافي ليجعلك ترتجف، كانها خففت الضغط حين وصلت لمرادها وهي أعتراف الفتاة، بقيت تنتظر ردها بترقب وهي تتوقع اسماء كثيرة.

_عمر ياسين.

نبض فك رنين من الغضب لكنها حافظت على ملامحها، كانت تشك به هو على رأس القائمة، زير النساء الوقح، والمنافس الاكثر قذارة في السوق، سمعت همسات عن انه يطيح بمنافسية دوماً، ويبدو ان نجاح شركتها جعله يضعها تحت المجهر.

الوغد.

الفتاة كانت تجاهد للحديث وسط دموعها وشهقاتها: لقد ....لديه صور لي....يبتزني بها.

قضبت رنين حاجبيها بحيرة قد تفهم ان هذه طرقه لكن ما لم تفهمه هو ما علاقتها به لاصل له صورها؟

_ما العلاقة بينكم؟

_ا....انا كنت تقدمت لشركته لكن لم يتم الرد وحين توظفت هنا نسيت الامر...اتصل بي رغم ان الامر مر عليه سبعة أشهر...وطلب رؤيتي اعتذرت انني وجدت عمل لكنه أصر...كان لطيف جداً وعاملني جيداً واغراني براتب أفضل ومميزات ومنصب جيد....ثم تطورت العلاقة وحين علمت انه متزوج قررت ان انسحب لكنه كان قد اخترق هاتفي وحصل على صور شخصية لي و ركبها في فيديو مخل جداً وهددني بنشره لو لم اساعده في تدميرك....انا اسفه فأنا فتاة ولدي سمعة و المجتمع لن يرحمني...واخي سيقتلني لم
يكن لدي خيار.

انهارت على الأرض في النهاية، رنين فقط شعرت بالألم لأجلها، تعلم كم من المقرف ان يهددك أحداً ان تكون مكبلاً بقيود بسبب احدهم، شعور مقيت مقرف ويرسل ألم و فجوة في صدرك، يجعلك في قلق دائم، هذا الشعور جربته لمدة طويلة مع وليد.

تكره الرجال الاستغلاليين تكره كل صنف الرجال ولكن هؤلاء خصيصاً تتمنى جمعهم في حفرة كبيرة وحرقهم، الوقح القذر.

_ انهضي.
نبست رنين بصوت حازم لتنهض الفتاة، مررت لها منديلاً وسكبت لها كوب ماء من المبرد وطلبت منها الجلوس، شكرتها الفتاة بصوت خافت لم تتوقع منها ان تعاملها بهدوء حين علمت بخيانتها، توقعت ان تصرخ وتهينها بكلام جارح وتصنع مشهداً في الشركة تجعلها عبرة،  لمن رنين تعلمت بهدوء، كمديرة حقيقة، كقائدة حقيقة لتدرس الامر بروية.

_يريد ملف مناقصة مشروع ال UN  صحيح؟

صدمت الفتاة من ذكاء رنين وأومأت فوراً.
توقعت رنين ذلك لان هذا المشروع حاليا كل الشركات المعمارية انافس به... واختاروا خمسة ومنهم شكرتها وكان انجاز اخر لها، لذلك كانت تتوقع ان احدى الشركات الاربع هم من يحاولون اخراجها من الأمر ،  وطبعا بما ان عمر ياسين مشهور بقذارته توقعت تصرفاً مثل هذا منه.

_سؤال اخير....هل طلب منك سحب مبلغ من حساب الشركة؟

_لا لا ابداً.
نبست الفتاة مذعورة ، نظرت رنين لها تدرس لغة جسدها جيدا، ارتجافها الطفيف ، وقبضتة يدها التي تمسكها ، ونظرت عينها المصدومه ، فعرفت أنها لا تكذب .

ذاك الوغد هو لم يرسل هذه فقط  لديه شخص آخر لا شك ان لديه مخترق بما ان الفتاة قالت انه تم اختراق هاتفها.

_ضعيه على الطاولة.

_ها؟؛

_الملف .
نبست رنين ببرود فتوترت الفتاة ووضعت الملف فورا على الطاولة كما لو انه يصيبها بصعقات كهربائية.

عمر ياسين التي ظنت انه مخيف وذكي يبدو لا شئ  أمام رنين هي تبدو أكثر رعبا وأكثر دهاء. لا عجب انها نهضت بشركة في عمل صغير، كانت تنظر للارض بتوتر تنتظر حكم رنين عليها حتى سمعتها تقول: استمعي إلي جيداً إذا كنت تريدين ألا تدخلي السجن.

اعتدلت تقف أمامها تستمع لها بتركيز وهي تبتلع بخوف.

رنين مررت أناملها على الطاولة الخشبية، وقالت دون أن تنظر للتي تقف أمامها : الان....سنقلب الطاولة على اللاعب....نجعله يظن الفوز ونصدمه بالخسارة.

ثم نظرت للفتاة التي يبدو أنها لم تفهم شيئا ، وسرعان ما أخبرتها بما يجب عليها فعله ، مما جعلها تهز راسها بطاعة.

حتى حين خرجت من المكتب ،وسارت في الرواق شعرت أن قواها خائرة وأطرافها مازالت ترتجف وقلبها مازال ينبض بعنف تعشر به ستخترق صدرها ويهرب.

داخل المكتب اخذت رنين هاتفها واتصلت على رقم ما ، وما إن فتح الطرف الآخر الخط هي قالت بإختصار : مريان ...بعد ساعتين

وأغلقت الخط .

نظرت لساعتها الرقمية ، و عدلت حجابها ، وسترتها ، وحملت حقيبتها تضع فيه هواتفها وتخرج وهي تعبث بمفتاح السيارة بين أناملها الحنطية .

كان الدوام قد انتهى فعلا ، الجميع كان يهم بالخروج ، وقَعَت بعض الملفات أثناء طريق خروجها بسبب اعتراض بعد الموظفات طريقها .
بعد حوالي عشرين دقيقة كانت سيارتها تعبر أحد الأحياء الراقية ، وتوقفت تحديداً أمام إحدى المجمعات التي تضم عدد من الڨيلل الفخمة ، سمح لها الحارس بالولوج بعد أن تلقى إتصال من الشخص الذي تود زيارته في الداخل .

سارت سيارتها في طرقات المجمع الأسفلتية وهي تعبر الحدائق المتناسقة بعدد من الزهور والأشجار والمقاعد الخشبية ، الڤلل كانت ذات ألوان موحدة وتصميم واحد ، كل ڤيلا لها رقم معين .

توقفت سيارتها عن المكان المنشود ، ڤيلا رقم ١٧ .

ترجلت من السيارة وهي تتقدم متجاوزة الحديقة ، صعدت ثلاث درجات ووقفت أمام بابٍ خشبي كبير بلون الأسود ، قرعت الجرس لتسمع صدى صوته من الخارج .

دقائق وكان هناك من فتح الباب ، تعرفت عليها رنين فوراً ، كانت جوليا ، الفتاة التي تعمل في تنظيف وترتيب المنزل والإهتمام بكل شؤونه ، رحبت بها بإبتسامة فدخلت رنين وصوت كعبها يسمع صوته على الأرضية الرخامية .

سمعت صوت ضحكات وصراخ أطفال ، تعلم جيدآ لمن يعود ، في الصالة الكبيرة المليئة بالكثير من الأثاث الفاخر والتحف والمزهريات ، كان هناك طفلان ، أحدهم يجلس يلعب بالسيارة الحمراء على السجادة ، بينما الآخر كان قد قام بأخذها منه وهم بالهرب وهو يضحك  ، فتعالى صراخ الآخر وبكاءه، جوليا أسرعت تحاول إسكات من كان يبكي وتتمتم لها أن تتفضل ، آسر وياسر توأمان يبلغان من العمر أربعة سنوات ، لا تدعوا  براءة ملامحهم تغريكم، إنهم شياطين صغيرة مزعجة برأي رنين.

_أين رهف؟

_في غرفتها.

كانت هذه الإجابة التي تنتظرها رنين لتتوجه نحو السلم لغرفة رهف ولكن الأخرى كانت تنزل السلم بالفعل و سرعان ما إحتضنتها ترحب بها ، بينما رنين إكتفت بالتربيت عليها .

ثم قالت رنين بجدية وهي تنظر لها : هيا لا وقت للمجاملات إني هنا لإصطحابك لمريان.

نظرت لها رهف بصدمة ثم قالت : ماذا؟
مصدومة من فكرة أن رنين هي التي تأخذها لمشوار في حين أنه يحدث العكس تعلم أن مريان مكانهم المفضل ويجتمعون كثيراّ ولكن رنين تنغمس في العمل و تنسى نفسها، أحياناً تذهب لهناك   لتهدئ اعصابها بعيداً عن ضغط العمل وتتصل برهف لتنضم لها، واحياناً كثيرة رهف من تسحبها إلى هناك.

_هيا اسرعي سأشرح كل شئ على الطريق .
تراجعت رهف لغرفتها بينما تتبعها رنين و حين قالت رهف بسخرية: اي مصيبة هذه المرة؟

قلبت رنين عينيها بملل وهي تدخل غرفة رهف الفخمة والواسعة، تجلس على الكرسي المخملي الطري، تسترخي قليلاً وتقول:  ليس الكثير.

ضحكت رهف بعدم تصديق وهي تدلف لغرفة الملابس خاصتها.

لقد شربت العصير وشربت أيضاً كوب ماء كان قد طلبته ، والآن قهوة ورهف مازالت تتجول هنا وهناك بعد أن قضت نصف ساعة في الحمام وساعة في اختيار ما سترتديه مزحت مع رنين وهي تتصور بالحجاب تقول أنها سترتيده، إبتسمت رنين لحركاتها الطفولية و دعت في سرها أن يحمي اللَّه صديقتها المقربة، ثم أخيراً أستقرت على ملابس مناسبة، وإلتقطت صور عديدة لمواقع التواصل ، لم تعد تنشر صورها بعد زواجها ولكن تنشر مقتطفات من يومها أيضآ خصوصاً أن عدد متابعيها وصل 100 ألف ، فهي تشارك صور رحلاتها والطعام والاجواء والشوارع، والآن هي تشارك صورة لأحدث حقيبة اشترتها وتترك رابط المتجر الإلكتروني ايضاً، و صور أيضآ لملابسها التي صورتها قبل أن ترتديها، هي أيضآ تنشر محتوى يساعد النساء على تنسيق الملابس  لكل مناسبة.

نظرت لها رنين بملل بسبب كل هذا التأخير.

أي جزء من لا تأخرينا لم تفهمينه ؟

_ ما رأيك في هذا التنسيق البسيط؟

فستان عليه مربعات باللون الأسود والأبيض بأكمام طويلة، خامته متينة ، يترك تعرجات من الخصر للاسفل وحزام ذهبي رقيق حول الخصر، حذاء بلون أحمر غامق جداً وحقيبة جلدية بنفس اللون، شعرها للأعلى و وشاح رمته بإهمال على رأسها لم يخفي شعرها حتى بلون أبيض.

نعم يا سادة إنها رهف التي ترتدي ملابس قادرة على شراء سيارة أو ربما أكثر من سيارة حتى ، محبة التسوق والماركات العالمية ، هي متأكدة لو طلبت منها الجلوس على حديقة المجمع هي ستتأنق ، الأمر بهذا السوء والوضع متأزم مسبقاً .

قال تنسيق بسيط قال ، تقسم أن البساطة تشعر بالصدمة الان.

نظرت لها رنين بملل و نبست وهي تخرج من الباب: دقيقة أخرى وكنت سأغادر....لا أصدق أنك تأخريننا كل مرة....لا تتذمري لن آتي لاصطحبك معي مجدداً.

هي حتى اعتذرت لريهام التي إتصلت بها تخبرها أنها تأخرت كالعادة بسبب رهف، إن صديقتها تدمر سمعتها كشخص ملتزم بالمواعيد.

_ هل ستتدربين في النادي مع لوشيا؟

_لا طلبوا مني في العلاج الطبيعي أن لا أعرضها لمجهود هذه الفترة ولكنني اتعافى بشكل جيد لذلك ربما في المرة القادمة.

_السبب الوحيد الذي سجعلك تتحمسين للذهاب لمريان هو النادي و بما أن هذه ليس السبب فلدي فضول الآن للسبب الرئيسي.

تنهدت رنين بضجر من ثرثرة صديقتها ، هي ستظل وطول الطريق تلح عليها لتخبرها .

_لا أحب أن أعيد كلامي انتظري حتى تسمعي الأمر معها.

_من؟

أجابت رنين قائلة : ريهام فؤاد
هذا الاسم فقط جعل رهف تنظر لرنين بدهشة لم تستطع إخفاءها  فوجدت نفسها تقول فورا : ماذا؟؟!!
ريهام أيضاً؟

دومآ تلح رهف على رنين أن تطلب من ريهام أن تأتي فتوافق رنين على المضض والآن بما أن رنين هذه المرة دعت ريهام من تلقاء نفسها لا شك أن الأمر مهم جدا لتقحم فيه ريهام، هي ستموت فضولاً.

_tell me ، i can't wait.


قبضت رنين حاجبيها بإنزعاج من الزحام ، وأصوات أبواق السيارات ، هذا الوقت من النهار يكون الازدحام شديداً ، خصوصاً أن المكان الذين سيذهبون إليه يقع في إحدى شوارع العاصمة الرئيسية .

وحين ظنت رهف أنها لن تجيبها قالت بهدوء : الأمر يخص الشركة.

_ماذا حدث؟!
نبست رهف بقلق، لكن رنين صمتت، رهف قرأت تعابير رنين المنقبضة، و تشنج اصابعها على المقود، و تقضيبة حاجبيها، شعرت أن الأمر مهم حقاً، رنين تهتم بشركتها وبأدق تفاصيلها و تسعى دوماً أن تصعد بها نحو العالمية، كان من الممكن أن تسافر وأن تصبح مهندسة في إحدى الشركات في الخارج ولكن لم تحب أن تعمل تحت أمر أحد، جربت الأمر مرة وكان مريعاً، تذكر رهف أنها اخبرتها ذات مره أنها مهما اجتهدت في العمل سينسب الفضل للشركة في النهاية ستكون كما لو تعمل لصالح شركة شخص آخر فقط، تريد أن تصنع اسماً و شركةً تخصها، تبدع و تجتهد فيها وتصنع أسماً يجعلها تنافس على مستوى شركات دولية أخرى، الشغف لو كان شيئًا لكان سيكون رنين، هي حين تعمل حين ترسم حين تحرك الأدوات الهندسية على لوحة بيضاء فارغة تجعلها تنبض بالحياة، وحين تحول الرسومات لواقع، رغم كل ما عانته الشئ الوحيد الذي جعلها تصمد هو شغفها بمجالها، أن يكون لك شغف في شئ هو ما يجعلك تعيش في دهاليز الحياة وترى النور فيها رغم كل الظلام.

بصعوبة وجدت مكان لركن السيارة ، وساروا مسافةً لا بأس بها ، رنين ظلت صامتة تتحرك بثقة كالعادة، حينها رهف خرجت من دوامة أفكارها تتبعها،  دلفوا للمكان وعبر الممر الطويل حيث أضواءً خافته ، فُتح باب زجاجي ليكشف عن كافيه بطراز أنيق ، حيث نساء هنا وهناك ، يدخنون ويشربون سجائر حتى .

الأمر لم يكن صادماً حقاً ففي مكان كهذا حين لا يدخله غير النساء يفعلون ما لا يستطيعون فعله في أماكن مكشوفة .

صوت موسيقى أجنبية كان يصدح في المكان ، مقاعد حول طاولات خشبية ، ومقاعد مخملية منفردةً أمامها طاولات صغيرة هنا وهناك لمن يريد الاختباء بنفسه ، وأركان أيضاً لجلسات على الأرض بوسائد كبيرة جدآ تلتف حول طاولات بلاستيكية صغيرة وقصيرة تناسب الجلوس على الأرض .

أبوابٌ أخرى كانت تفتح على الصالة كُتب على أحدهم صالة رياضية وآخر مسبح ، كان هناك سلم لولبي في آخر ركن على اليمين حيث يقود لمتجر الملابس في الأعلى لعشاق التسوق، محلات مستحضرات تجميل.

مريان كان هو إسم هذا المكان كأسم صاحبته القبطية التي فتحته كمقهى في بادئ الأمر ثم توسع لما هو الآن .

على أقصى اليمين يوجد المقهى حيث جلسات على أرائك مخملية بعيدة نسبياً عن باقي الطاولات والكراسي ، كانت تجلس فتاة أمام حاسوبها المحمول  ، شعرها الكيرلي مجموع للأعلى و قامت بإنزال خصلات أمام جبينها ، تضع سماعات لا سلكية حمراء كبيرة ، ترتدي عباءة سوداء اللون عليها خرزات بنفس اللون شبه لامعة في أطراف الكم الواسع يظهر من تحتها  بنطال من الجينز أزرق سماوي فاتح يبرز لون بشرتها السمراء وتشيرت أبيض عليه رسومات وتضع وشاح العباءة الأسود عليه نفس الخرزات في أطرافه كانت تضعه  بإهمال على كتفها .

جلست رنين مقابلة لها ورهف على اليمين ، ما أن إنتبهت الفتاة لهما حتى إبتسمت بوسع ولمعت عينيها بفرحة حين رأت رنين وصرخة قائلة : قدوتيييي

ثم قفزت تحتضنها ، الآن هناك شخص تكره أن يحتضنها بعد رهف ، أجل أنها ريهام فؤاد ، ذات الخامسة والعشرون ربيعاً، مجنونة كلياً وكلمة مجنونة حتى لا تصفها ، ولكنه ليس ذاك الجنون المعروف بل جنون الإلكترونيات وكل ما يخص برامج الحواسيب والألعاب الالكترونية، انها عبقرية إلكترونيات، كما أنها مطورة برمجيات تطور برنامج حماية حيث أنها وحش الاختراق حرفياً في مراهقتها كانت تخترق من أجل المتعة فقط.

أجل يا سادة الفتاة المرحة ذات الابتسامة الواسعة و الشخصية الانطوائية الخجولة و الملامح البريئة التي تعطيها أصغر من عمرها هي تعد من أخطر الهكرز على الإطلاق .

أبعدتها رنين برفق هي من الأشخاص القليلين الذين لا تنزعج كثيراً من تلامسهم، من كثرة كرهها للتلامس ترتدي قفازات معظم الوقت أحيانآ تنزعُها لكن في الأغلب هي ترتديها ، ثم انتقلت ريهام لرهف التي إبتسمت لها بوسع واحتضنتها بقوة و ظلت تسألها عن أحوالها وجلست قربها مما جعل إبتسامة ريهام تتوسع كأنها لا تصدق أن شخصاً أنيقاً وغنياً مثل رهف تتحدث معها بلطف و تعتبرها صديقة.

ريهام إلتفتت لرنين ثم  قالت بحماس : من النادر أن نلتقي هنا بسبب انشغالك لذلك أنا سعيدة حقاً برؤيتك.
توترت رنين قليلاً لكن حافظت على ملامحها، هي حقاً فاشلة في التعامل مع كل هذا اللطف، وشخصية ريهام العفوية المتعلقة بها والتي تنظر لها بفخر كأنها أعظم شخصٍ في العالم تزيد من ارتباكها هي حقآ فاشلة اجتماعياً، لا تستطيع التعامل مع الناس بدون رسميات، الرسميات تريحها أكثر لأنها ليست شخص عفوي و حديثها قليل و رسمي وبسبب منصبها إزداد الأمر سوءاً ، رهف بشخصيتها الفريدة هي من استطاعت كسر الجليد بينهم، ولكن ريهام تربكها هي لا تستطيع أن تعتبرها صديقتها لأن ذلك يعني أن تهتم بها و تسأل عنها و تخرج معها و الكثير من التعاملات الاجتماعية التي هي فاشلة فيها، رهف أفضل منها في ذلك لذلك دوماً حين تلتقي بريهام تكون معها رهف ولكن رهف كما هي رهف شخص إجتماعي جداً ضمت ريهام لقائمة أصدقاءها الطويلة.

هي لم تكن تريد أن تتعامل معها كثيراً عسى أن تجدها مملة مثل ما يحدث مع الجميع و تتركها لكن ريهام ظلت ملتصقةً بها وتحبها جداً رغم تواصلهما القليل .

_كيف حال مشروعك؟
نبست رنين تحاول أن تتحدث بطبيعية وتصنع ابتسامةً مجاملة لريهام التي ابتسمت بوسع وأطلقت العنان للحديث بكل شغف وحماس عن المشروع وكيف أنها تقدمت فيه خطوات جيدة نسبياً عن السابق ، ثم تدخلت رهف في الحديث حين وجدت رنين فاشلة في توجيه الحوار مع ريهام وتكتفي فقط بالاستماع.

طلبوا أشياء ليشربوها بينما ريهام ورهف ظلتا تثرثران كثيراً عن كل شئ وأي شئ ، منسجمتان جداً ، رهف بسبب سفرها مع زوجها  الكثير و الإنشغال بالتوأم طبعاً رغم أنها تقضي معظم الوقت في منزل عائلتها لتساعدها أمها في الاعتناء بهما ولكنها كشخص اجتماعي في كل مرة تحضر مناسبة لأحدى صديقاتها، لم تسمح لها الفرصة برؤية ريهام إلا قليلاً، والاخيرة كانت تتفهم انشغال صديقتها حيث هي الأخرى منشغلة برسالة تخرجها .

قطعت رنين حديثهما الذي تعلم أنه لم ينتهي وقالت بجدية لريهام:
ركزوا معي....هناك أمر مهم أريد قوله.

صمتتا فوراً  ورمشت رهف كما لو أنها للتو تذكرت ما أخبرته بها رنين في الخارج، لقد اندمجت مع ريهام ونسيت الأمر ، لذلك اعتدلت في جلستها،  بينما ريهام تبدو متأهبة أيضاً، تنظر لتعابير رنين التي لا تبشر بالخير، فكرة أن رنين تواصلت معها وطلبت لقاءها جعلتها تشعر أن الأمر غير حقيقي، تشعر دوماً أن هناك حاجز مرئي تصنعه رنين لا يسمح لها بعلاقة صداقة سلسلة مثل رهف، ربما بسبب شخصية رنين وربما بسبب أنها شخصٌ فاشل اجتماعياً ربما لأنه غير مرحب بها، إبتلعت افكارها السوداوية وحاولت أن لا تركز كثيراً.

إستنشقت رنين نفساً حاداً، تشعر بالتشنج في اطرافها، مجرد الحديث عن الأمر يجعله يبدو حقيقةً و خطيراً بطريقة أو بأخرى، إبتلعت رئتيها الاكسجين بجوع، تشعر بعظامها تتوتر أسفل الجلد واللحم، تشعر بضربات قلبها خفيفة مسموعةً، و كهرباءً ساكنة زحفت على جلدها، هي مشدودة ومتشنجة من التوتر، متوترةٌ من أن شركتها قد تنهار في أي لحظة و يدمر كل شئ بنته لسنوات انها ليست مجرد شركة إنها شيئًا يذكرها أنها نهضت من تحت الرماد بعد أن صارت حطاماً منثوراً في فضاء عميق، بعد أن إبتلعها الألم والحزن وصنع فجوة في داخلها محفورة إلى الآن ، الغنيمة الوحيدة في معركتها مع وليد هي شركتها لذلك لو تدمر ستتدمر هي الأخرى.

_ما الأمر ؟!
قالت رهف بقلق حين رأت صمت رنين يطول.

_هناك من يريد تدمير الشركة...شركة منافسة...إبتز مديرهم إحدى موظفاتي، لتسرق مشروع أهم مناقصة حالياً بالنسبة لكل الشركات المعمارية في البلاد.

توسعت عينا رهف وريهام بعدم تصديق ثم قالت ريهام فوراً: ما الغرض ولما أنتِ بالذات؟!

_لأن شركة فيميل الآن تنافس معظم الشركات منذ أن فازت في مناقصة العام الماضي وهناك احتمال كبير أن تفوز هذه المرة أيضاً.
نبست رهف بنبرة جادة ، تضع قدم على الأخرى وتسند ظهرها، هي لا تعمل في الشركة ولكن لا يعني أنها لا تهتم بها أو تتقصى أخبارها ، هي حتى تبدي رأيها احياناً في بعض التصاميم فهي مهندسة في نهاية المطاف حتى ولو لم تعمل في مجالها، ما زالت الشركة بالنسبة لها مهمة.

_تماماً....نبست رنين وهي تلتقط أعين رهف البنية ثم إستطردت حديثها....... انها شركة عمر ياسين....هو منافس معروف بأنه قذر في سوق العمل يطيح بالمنافسين بأسوء الطرق يدمرهم تماماً....لذلك لا يجرؤ أحد على تحديه....يبدو أنني هدفه الآن ....يريد أن يسرق تصميمي ويعرضه على أنه تصميمه ثم يتهمني أنا بالسرقة وهكذا حتى لو لم يفز بالمناقصة سيكون شوه سمعة الشركة أخرجني من سوق العمل.

_الحقيررر.
نبست ريهام بغل.

_ليس هذا وحسب بل اخترق حساب الشركة وسرق أموال ....إنه يعلب من مختلف الجهات....يشتتني بأفعاله حتى لا أعلم من أين تأتيني الضربة وأين يجب أن أوجه تركيزي.

_ماكر.
نبست رهف وعلامات الاشمئزاز سيطرت على وجهها.
_تريدين مساعدتي في تتبع المخترق و إرجاع الأموال ؟!
نبست ريهام بالشئ الذي توقعته، فأومأت رنين، لتسمعها تواصل وهي تقول: حسناً....أستطيع ذلك....كما سأقوم بتحميل نظام حماية قوي لأجهزة الشركة حتى لا يتكرر الأمر مجدداً.

ريهام تحولت من شخص يخترق من أجل المتعة لشخص مهتم بالأمن السيبراني ومشروعها يتمحور حوله لذلك هي أفضل شخص لهذا العمل.

_أريد معلومات عن عمر ياسين...أريد أن أعلم اشياءً ستجعله لا يجرؤ على المساس بي مجدداً.

إبتسمت رهف بوسع تشعر بالاثارة تتسرب إلى دواخلها وقالت لا تخفي نبرة حماسها: تحاربيه بنفس سلاحه.

إبتسمت رنين لأن صديقتها الوحيدة دوماً من تفهمها، وشعرت ريهام أن لها قيمة اخيراً بالنسبة لرنين كونها طلبت مساعدتها، هي تحترق حماساً لتكون عند  حسن ظنها وتثبت نفسها لها .

_أي شئ من أجل قدوتي....سأكون عند حسن ظنك لأنني لن انسى جميلك ابداً

رأت رنين نظرات ريهام وإرتبكت انها نظرة الامتنان التي ترمقها بها دوماً حين تراها، كل هذه المشاعر نحوها تجعلها تحاول أن تغير كفة الحديث لتخفي حرجها .

تتذكر رنين كيف إلتقت ريهام كل شئ بالتفصيل كمشهد قديم يمر في عقلها بسبب ذاكرتها التصويرية، رغم أنه مشهد لا ينساه أي أحد ولكن هي تذكر تفاصيله حتى وجوه الاشخاص الذين كانوا يشاهدون الحدث.

*ماضي*

رن هاتفها فوضعت كوب العصير على الطاولة وخرجت تستقبل المكالمة الخاصة بالعمل ، في الخارج رصدت عينيها المشهد أمامها ، رغم أنها كانت تركز على حديث المتصل إلا أن عينيها لم تغب عن تلك الفتاة ذات الشعر الكيرلي وهي تتشاجر مع أحدهم ويبدو أن هذا الاحدهم يزعجها حقاً .

ما أن أغلقت المكالمة حتى وجدت قدميها تقودها نحوهما بدون وعي، تكره مظاهر إهانة المرأة وتكره حين يتم ذلك في مكانٍ عام، يخجلون من إظهار الإهتمام والحب للمرأةو ولكن يجاهرون بإذلالها علناً بدون خجل يالا القرف ويالا تناقض هذا المجتمع الشرقي البائس،  عبرت الشارع وهي تدق الأرض بحذاءها رغم أنه لا يصدر صوت ولكن من غضبها تشعر أنها تكاد تحطم الأرض بخطواتها ، أتاها صوت حديثهم الصاخب ، الشاب تمادى بسحب الفتاة من يدها يحاول أن يجعلها تركب السيارة ، الكثير من الناس اكتفوا بالمشاهدةِ فقط ولم يتدخل أحد، إرتجفت من الغضب وهي تتخيل ما قد يفعله بها لو كانا وحدهما إذا كان هذا ما يفعله بها علناً، إرتجفت من الألم وهي تتخيل مشهد فتاة على الأرض ملطخةً بالدماء من الضرب المبرح، تماماً كما حدث لها، بالنسبة لمرأة تعرضت للعنف المنزلي فأي شكل من أشكال العنف ضد المرأة يثير طعم مرير في حلقها ومشاعر مؤلمة تقوم بوخزها.

لم تفهم ما جعلها تخترق المشهد ولكن تشعر كما لو كانت هي خارج المشهد رغم أنها داخله، أمسكت برسغ الفتاة وسحبتها نحوها بقوة، وهي تنظر للشاب بحدة وتصرخ فيه مما جعله ينظر لها بصدمة لا يفهم من هي و لما تتدخل؟

_أبعد يدك عنها أيها الأحمق عديم الأخلاق.
سحبت الفتاة خلف ظهرها لتكون درعها من هذا الهمجي الثائر، شعرت بأمواج غضبه بقوة من مكانها ثم قال بحده وصوت عالي : من انتِ لتتدخلي بيني وبين خطيبتي؟

_كنت كذلك.
نبست الفتاة بصوت مرتعش، ومتلعثم، تشعر بأناملها ترتجف وهي تمسك بها أو أن الفتاة هي من تمسكت بها بقوة كما لو كانت طوق نجاتها الوحيد، هذا الذي فقط جعلها تشعر بوخزات من الشفقة داخلها إتجاه الفتاة ونظرت للرجل بكره وغل اكثر كما لو أنه شيطان من الجحيم، بشع ومقرف رغم أن ملامحه ليست قبيحة.

_من تظنين نفسك حتى تفسخي خطوبتك مني أيتها المعقدة...لن ينظر أحدهم لوجهك ولن يحتمل أحد إنطوائيتك وتلعثمك كالأطفال .

شعرت رنين بسهم الكلمات في صدرها كما لو تم توجيهه لها ثم قالت وهي تنظر له بغضب: إخرس...كلامك يدل فقط أنك شخص مريض وسام...بالطبع ستنفصل عنك ...و قاطعها بحده

_اخبرتك أن لا تتدخلي.
وتقدم نحوها و أمساك يدها التي ترتدي فيها قفاز رمادي، ليفلت يدها من ريهام حينها تصرفت رنين بغرائزها حيث شعرت بالادرينالين يتدفق قبوة عبر عروقها كون رجل لمسها، رجل عنيف همجي يمكن أن يؤذيها لأنها تدخلت، وجدت نفسها تلقائياً تدفعه بقوة إلى أن ترنح وسقط على الأرض نظر لها بصدمة لم يكن يتوقع هذا ولم يكن مستعداً له مما جعله يسقط بسهولة، هي في الحقيقة أرادت أن تلكمه لكنها هكذا ستكون متعدية وقد تجد نفسها في السجن بتهمة الاعتداء، لذلك دفعته بقوة ليسقط حيث ستستفزه ويقرر ضربها حينها فقط تستطيع أن تدافع عن نفسها، فكرت وحللت و نفذت خطتها التي نجحت حيث شعرت بألم حارق في وجهها، ألم جعلها تنظر له بغضب مظلم، إنطفأت عينيها وأظلمت شموسها، وجهها كان على الجانب من قوة الصفعه، سمعت شهقة الفتاة خلفها، وصوتها وهي تتعتذر وتريد أن تتفحصها لكنها ابعدتها من امامها برفق ونظرت للذي امامها الذي يبدو أنه ندم على فعلته حيث أدرك للتو أنه صفع إمرأة في مكان عام ، إمرأة  من نظراتها لا يبدو أنها ستصمت، لقد استفزته وانفعل بشدة، كاد يلقي باللوم على خطبيبته السابقة لكن فجأة ترنح للخلف  ثم  ألم
شعر  أنه خدر جانب وجهه، وسع عينيه بصدمة وقبل أن يندفع نحوها بقوة يرد الاهانة ، كان هناك من أمسكه من كتفه، رجل اخيراً قرر أن يتدخل في الموقف، يتشاجر معه، بينما رنين نظرت له ببرود ثم قالت تستفزه اكثر حين سمعته يقول انه سيقاضيها: أذهب وأبكي لرجال الشرطة ان هناك إمرأة ضربتك و حطمت ما تبقى لك من رجولة.

ثار وهو يجاهد أن يفلت من قبضة الرجل الذي انضم له آخر واصبح يتصارع معهم، ثم إستدارت ولم تهتم بالرد على شتائمه، كانت فقط تسحب الفتاة بعيداً تعبر بها الرصيف والأخرى كانت عينيها تختفي من الدموع.

ادخلتها مريان و احضرت لها ماءً بارد، انتظرت حتى تهدأ من انهيارها لتسمع القصة منها أنه خطيبها الذي شعرت أنه يهينها فقط، أمام الناس و حين يكونا وحدهما، ينتقد أبسط تصرفاتها لم تحتمل وقررت الانفصال وهو شعر بالإهانة أنها هي من انفصلت عنه وليس العكس، ثم صار يتتبعها بعد أن فشل في مؤازرت عائلتها له، والآن جاء ليحاول أن يجعلها تتخلى عن قررها وحين رفضت أصر و غضب وحدث ما حدث، نظرت لرنين وشكرتها للمرةةالتي لا تعرف عددها واعتذرت للمرة الرابعة او الثالثة على الصفعة التي تلقتها بسببها، تقول أنه سريع الغضب واحمق وحتى انها تعرضت للصفع من قبل، ثم جاء ليلقي اللوم عليها أنها هي من من جعلته يغضب، ثم اشادت بشجاعتها انها ردت له ضربة قوة قرب عينه اليسرى التي يبدو أنها ستترك أثراً سيئاً، حاولت رنين تغيير الموضوع بسرعة لأنها شعرت بالخجل والاحراج تحت كل هذا الاطراء وسألتها عن اسمها ومن تكون و أين يقع منزلها لتوصلها.

*حاضر*

منذ ذاك الوقت وريهام تناديها قدوتي.

اقتربت رنين من ريهام تخبرها بالتفاصيل بينما رهف تشارك ايضاً، يضعون خطة يتوقعون أسوء النتائج وكيف يجب التعامل معها، بعد فترة جلست ريهام أمام حاسوبها وانغمست في عالمها بينما رهف نهضت وقررت الذهاب لإحدى المحلات، وبالطبع رنين توجهت لمكانها المعتاد.

صالة كبيرة حيث الألعاب الرياضية هنا وهناك ، ليست صالة فقط بل هي نادي النساء الوحيد للملاكمة في البلاد هي تقريباً شبه عضو فيه وتريد الرئيسة أن تقنعها بالمشاركة في بطولات على مستوى البلاد لكنها رفضت، هي تعتبر الملاكمة تفرغ للغضب المكبوت داخلها وتوجيهه في مكان بحيث لا تؤذي المقربيين منها ، إتجهت لحلبة الملاكمة التي كانت تتوسط المكان ، فتاة ببشرة ابنوسية طويلة وجسد ممشوق وشعر جدلته عدة جدائل رفيعة ،كانت منهمكةً في تدريب إحدى الفتيات  .

إبتسمت رنين وقالت بصوت مسموع : لوشيا

ما أن سمعت لوشيا الصوت الذي يناديها حتى تجمدت لثواني ثم إلتفتت تنظر لرنين بإبتسامة مشرقة وقفزت من مكانها بمهارة .

صافحتها؟

لا

إحتضنتها؟

لا مجدداً

بل سدتت لها لكمة ولكن رنين تجاوزتها  وهي تبتسم ، ثم قامت بضربها بقبضتها في كتفها ضربتين غير مؤذيات ، وفعلت لوشيا المثل ، ثم رفعا أخيراً تصافحا كالبشر الطبيعين.

هذه كانت تحيتهم الخاصة .

منذ ثلاث سنوات أتت هنا برفقة رهف التي الحت عليها ، طبعا لم تحضرها لهذه الصالة بل للمسبح  لتقنع رنين ان السباحة تساعد على إزالت التوتر  وطرد الطاقة السلبية ولكن رنين وجدت نفسها تأتي إلى هنا ، راقبت تدريبات لوشيا من بعيد .

وفقط قررت أن هذا سيكون مكانها المفضل وأنها ستتعلم من هذه المرأة التي أمامها لتصبح ماهرة مثلها وتخرج مشاعرها السلبية كالغضب والتوتر و الحزن، هنا وفي هذا المكان الذي سيجمع كل هذا ويجعله يتلاشى، وكونها رياضية يجعلها تحافظ على رشاقة جسدها، و تتبع برنامج غذائي صحي ومتوازن، الأمر كان مفيد من كل النواحي.

إبتسمت لوشيا وقالت: am ..so proud of u....لم تفقدي مهارتك بعد رغم حضورك المتقطع.
نبرت العتاب حاولت أن تخفيها لكن رنين إلتقطتها ثم قالت وهي تتنهد بثقل: الكثير من الأشغال فقط.

_إذاً كيف حال يدك؟
هل تستطيعين القيام بمباراة ودية؟

_أتمنى لكن لا أستطيع ...طلب مني ان لا ارهق يدي هذه الفترة.
نبست رنين بملل كما لو أنها تكره الأمر حقاّ ولكن لا تريد أن تؤذي يدها وتعود لنقطة الصفر، من الواضح أن لوشيا علمت بالأمر لأنها بالطبع رهف من اخبرتها، وقفت رنين فترة مع لوشيا وهي توجه الفتيات ثم غادرت بعدها.

عادت لتجد رهف احضرت بعض اكياس التسوق تجلس قرب ريهام  وتخبرها بحماس ماذا اشترت،  ابتسمت بخفة للاجواء المريحة التي تصنعها رهف، ثم قررت أن تستريح اليوم قليلاً من ضغط العمل ، لا تذكر حتى آخر مرة خرجت لترفه عن نفسها ، رغم أنها لم تشارك في الحديث كثيرآ ولكنها كانت تستمتع بالسماع لثرثرتهما .
في السيارة ربطت رهف حزام الامام ثم قالت وهي تنظر لرنين :لنحاول ان نتفرغ نجتمع مجدداً.....ريهام حقاّ شخص لطيف ...من الجيد ان يحظى المرأة بصديقة مثلها.

صمتت رنين ثم قالت ببرود وهي تنظر لمرآة السيارة لتنظر للخلف: مبارك لك صديقتك الجديدة.

عبست رهف فوراً ثم قالت وهي تصنع بأصبعها علامة تنصيص : صديقتنا.


_لم اقل أبداً أنني اعتبرها صديقة.
نبست رنين بهدوء وهي تقود السيارة، ريهام اعتبرتها صديقتها وقدوتها ولكن هي لم تفعل، لأنها لا تصلح للعلاقات الاجتماعية، ولانها تفضل العزلة، قراءة كتاب أو رسم لوحة، الكثير من العلاقات يعني الكثير من الإرهاق العاطفي الذي سوف يشتتها لا غير.

نظرت لها رهف بملامح جادة ثم قالت: ريهام ليس لديها اصدقاء حقيقين، كلهم إفتراضيون....تحبس نفسها في ذلك العالم، لست بحاجة لإخبارك قد تكوني لاحظتي من خلال حديثها عنهم، لا يمكنك ببساطة أن تصدميها بحديثك هذا وتجعليها تعود لنقطة الصفر.
علت نبرة رهف بإنزعاج واضح مما جعل رنين تقضب حاجبيها معاً بإنزعاج تشعر أنها غير طبيعية، الشعور أنها لا تنتمي لأي مكان يزداد، كان ولا زال منذ الطفولة بسبب عائلتها والآن يزداد، لا تستيطع أن تكسر تلك القوقعة بسهولة، رهف حتى لم تصادقها بسهولة، الآن لا يمكنها أن تدخل شخص آخر ، كل الذين أرادوا صداقتها لم ترفضهم علانية لكن لم تهتم بأمرهم ايضاً حتى رحلوا بمفردهم.

_لست مُصلحة إجتماعية...هي كبيرة لتحل مشاكلها بنفسها.
نبست رنين بنبرة حادة.

زفرت رهف بإرهاق من هذا الحديث الذي يتكرر في كل مرة، عن طريق رهف كان هناك الكثيرين يريدون صحبة رنين ودوماً ما ترفض ظنت هذه المرة أن هناك أمل لانها طلبت مساعدة ريهام لكن كانت مخطئة.

_وأنتِ واعية بما فيه الكفاية لتدركِ أن إنعزالك عن البشر ليس جيد....حتى لنفسك...لا يمكنك أن تنعزلي ببساطة ، ستزدادين بروداً وقسوة فقط...لن تستوعبي المشاعر الإنسانية لن تبالي بمشاعر من حولك لأنك ببساطة لن تفهميها....ل...قاطعتها رنين بحدة.

_يكفي...فهمت أنني معقدة نفسياً واسوء شخص في الوجود...يمكنك أن تخرجي من حياتي ايضاً انتِ لست مضطرة للتعامل مع شخص مثلي.

انفجرت رنين وحين وجدت أنها قالت الكثير إبتلعت بقية الكلمات في جوفها.

_لمت وفقط لما لا تأخذين الحياة ببساطة؟!
العلاقات ليست معقدة كما تظنين...توقفي عن معاملة كل شئ كما لو كانت معادلة فيزيائية.
نبست رهف بإنزعاج واضح وتقضيبه بين حاجبيها.

وقبل أن ترد رنين، إنحرفت رنين بالسيارة في اللحظة المناسبة قبل أن تصطدم بصاحب سيارة اللانسر الرمادية، سمعته يصرخ كون النساء يجب أن لا يمنحوا رخصة قيادة، مما جعل الغضب يتكوم داخلها أكثر ، حيث انزلت النافذة وقبل أن ترد كانت رهف هي من انفجرت فيه قائلة: أيها الوقح أنت من قررت أن تعكس الشارع....إنها تعتبر مخالفة إذا لم ترد أن تجعلنا نقودك لأقرب مديرية شرطة إبتلع لسانك الوقح أيها الذكوري المتخلف.

سقطت ملامح الرجل فوراً بينما رمقته رنين بنظرة ساخرة و اندفعت بالسيارة تتجاوزه.

_وقح
نبست رنين

_رجعي متخلف.

_غبي يظن نفسه يمتلك الشارع العام.

_وجهه كوجه الخنزير في بركة طين.

افلتت ضحكة خافتة من رنين من تشبيه رهف، ثم قالت: حسناً يكفي لنحتفظ برصيد الحسنات المتبقي.

شاركتها رهف الضحك بخفة وقالت: أجل أجل بالطبع...ثم عادت ملامح رهف للإسترخاء تنسى غضبها تماماً. اكملت قائلة: إفعلي ما يجعلك تشعرين بالراحة....تكوين العلاقات الاجتماعية بالنسبة لي سهل لدرجة ظننت أن الجميع قادر على ذلك....نسيت أنك النقيض لي... لذلك آسفه لأنني صرخت في وجهك وضغطت عليك.

_أريد اعتذاراً لائق لن أقبل بأقل من سترتك المخميلة ذات اللوان الأحمر الداكن.

سقطت ملامح رهف فوراً: انت ايضاً صرختي في وجهي هذا ليس عدلاً.

تنهدت رنين ثم قالت بعيدة عن نبرة السخرية التي استخدمتها قبل قليل: سأفكر في الأمر...ربما ريهام حقاً تستحق فرصة.

_رائع...ولكن بالنسبة للسترة لا تحلمي حتى.

_سأخذها رغماً عنك.

_سأخذ لوحة ضباب الامنيات.

_سأعطيها لك بالطبع لكن بضعف ثمنها.

_ يا ناكرة الجميل هذا المعرض كان هدية مني.

_ اجل وشكرآ لك...لكن الأعمال لا تحتمل المجاملة.

_ياله من منطق غبي...السترة مقابل اللوحة لا تحاولي أن تقنعيني بغير ذلك.

_ سأفكر في الأمر .
نبست رنين وهناك شبح إبتسامة على وجهها وعينيها عادت لهما بريق طفيف تقسم رهف أنها لمحته لثواني، هم بهذه الطريقة تصالحوا دوماً ما ينتهي كل شجار بإعتذار من نوع سأعطيك شيئًا ما... شخصياتهم مختلفة تمامآ لذلك من الطبيعي أن تحدث خلافات الفرق فقط أنهما لا يدعا هذه الخلافات تدمر صداقتهما.


...........





تنهدت بتعب وهي تنزع عنها سترة بذلتها بعد أن قامت بفك الحزام .

حمام منعش هي كل ما تحتاجه ليرتخي تصلب جسدها ، التركيز دوماً وفقط التركيز على أدق التفاصيل وملاحظة كل الامور حولها هو ما جعلها تستطيع إدارة شركة وتكون صامدة وفي الصدارة حتى الآن .

عقلها لم يتوقف عن التفكير .
ذاك الوغد كيف يجرؤ فقط؟

تعلم دوماً طرقه القذرة ،ونظرته الدونيا للنساء ومحاولته المستميتة في أخذ مشاريعها ، ولكنها لم تتصور أنه سيحاول أن يدمر شركتها .

إبتسمت بمكر هي ستجعله يدفع الثمن .

من يقف أمامها ويرفع رأسه بتعالي هي فقط تمسك رأسه وتصفعه على اقرب حائط ،بهذه القوة وبهذه البساطة وبهذا العنف المستتر كانت تتعامل مع أعداءها ،صدرت رنة رسائل من هاتفها الخاص بالعمل ، كانت كلمة واحدة فقط ومن حرفين جعلها تبتسم بمكر مجدداً .

"تم"

اخبرتكم هي لا تدخل حروب خاسرة ابداً .

..........

من جهته هو كان يقرأ كتاباً ويجلس في غرفته بهدوء ، يفكر في ذات العيون التي اقتبست رونقها من الشمس ، رغم ذلك كانت مظلمة ، لا يدري كيف جمعت الظلام والنور في شموس عينيها .

إن نظرت لها من بعيد فأنت ستجد إمراة فاتنة تلفت الأنظار لها أين ما حلت ، غنية ومدللة ، تكاد تقسم أنها تعيش حياة سعيدة ومرفهة .

ولكن حين تقترب وترى النظرة الباردة في عينيها و الغضب الذي يحرق كل ما حولها ، والغموض الذي يلفها ، ستعلم أن هذه المرأة ليست عادية ابداً .

كل ما فيها إستثنائي .

هذا الغموض الذي يلفها ، يجذبه كما ينجذب للعبة البازل المفضلة لديه لا يهدأ حتى يركب كل القطع وتكتمل الصورة أمام ناظريه،ما فعلته فقط آخر مرة جعله يدرك أنها إمرأة ذات كبرياءٍ عالي .

إنشغاله في المستشفى طوال الوقت جعله يتناسى ما حدث آخر مرة و لكن حين جلس بهدوء مع نفسه وجد نفسه يفكر فيها، غريب كيف أنه كان في وقت فراغه يحارب أفكاره ضد ماضيه مع هيلينا والآن يحارب أفكاره ضد امرأة بنكهة لغز.

تنهد بثقل يريد فقط أن يتوقف عقله ليأخذ استراحه يكره كيف يركز في التفاصيل ويحلل كل شئ كان هذا سبب تعبه النفسي دوماً، يريد أن يتجاهل الأمر ولكن، شئ ما قوي يسحبه نحوها، برر أن الأمر له علاقة بكونه يريد أن يرد على أهانتها له.

لذا هو فقط سيتقدم بكل هدوء يخترق حدودها ، الأماكن المحظورة التي كانت أولها غرفتها ، رغم أنه لم يكن ينوي ذلك ، ومع ذلك هي اعتبرته تحدي لها ، أنه دخل حدودها .

وما ثاني شئ تكره أن يتواجد فيه رجل بعد غرفتها؟

شركتها العزيزة الخاصة بالنساء فقط ،ضحك وهو يتخيل تعابير وجهها منذ الآن ،  لم يكن ينوي حرباً معها منذ البداية ولكن هي من بدأت ، استحقرته بنظراتها ، تشعره دوماً أنها ملكة على عرش ما وأنه أحد الخدم الذين بلا قيمة في عصر الملوك والملكات .

ولكنها لم تعلم أنه ليس الذي يصمت لكنه أيضآ ليس ذاك النوع الذي يغضب ويصرخ هنا وهناك .

أجل كان هذا التصرف الطبيعي ربما  ضد نظراتها .

ولكن حتى حين يخوض الحروب هو يخوضها بهدوء مثل أن تجد سيف قد اخترق جسدك وانت لم تكن تعلم حتى أن  أحدهم كان يسير نحوك ليغرزه داخلك.

مختلفين كالنار والجليد .

لا يعلم إن كانت هي ستحرقه حتى يتبخر أو هو من سيجعلها تنطفئ.

القدر وحده من يحكم ويرسم ويخطط والجميع على حافة القدر يسير .

عاد يقرأ كتابه بهدوء وكأن كل تلك الأفكار لم تمر بعقله .


*وراء كُل امرأة عظيمة
‏لاشيء هن خلقن عظيمات بالفطرة*

يتبع.....


اخيرا خلصت تعديل😭😭😭😭😭

متعب متعب 😭😭😭

حاولت اخلص في اقرب وقت بس فشلت لانه حسيت السرد والحوار وحتى وصف المشاعر كان ضعيف لذلك حذفت العديد والعديد من المشاهد واعدت صياغتها بنفس الفكرة ، وضفت مشاهد غير موجودة مثل مشهد شجار رنين ورهف و موقفه مع صاحب السيارة.

الان بدأت الاحداث الحقيقة للرواية وستظهر العديد من الشخصيات مثل عمر ياسين ووسن.

عمر ياسين هو العدو الذي لن يكون مجرد عدو سهل والاسرار التي خلفه ليست اسرار عادية، تعلمون فقط مع مرور الفصول كيف يمتكل كل هذه القوة الخفية ليطيح بمنافسيه ولما هو مهتم برنين تحديدًا؟

الكثير من الغموض سينكشف الستار عنه، لذلك ركزوا جيداً وحللوا بعمق، لان الاشرار في روايتي ليسوا عاديين ولا اغبياء يهزمون ببساطه، يستوي ذكاء الشر والخير هنا

والتحديات الحقيقية لأبطال الرواية على وشك ان تبدأ، ستتخذ حياة رنين وفراس منحنى اخر، الامر لن يقتصر على مضايقاتهم لبعضهم فقط، ترقبوا فقط بكل حماس.

لا اريد ان اكشف لكم المزيد .

ارجوكم لا تبخلوا علي بالتعليق.

وشكرا لحسن المتابعة.
2024/11/16 13:53:14
Back to Top
HTML Embed Code: