Telegram Web Link
ولا يجوز تأخيرها

إخوة الإيمان

لقد كان السلف الصالح رحمهم الله يجتهدون في إتقان العمل وإتمامه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل:( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ). فاللهم تقبل صيامنا وقيامنا واجعلنا من عتقائك من النار

الدعاء
*خطبة.عيد.الفطر.المبارك.cc*
#خطب_مكتوبة
👤للشيخ/عبدالله رفيق السـوطي.
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
مصلّى ملعب مدينة روكب/ المكلا

الخــطبة الأولــى: ↶

ـ إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ﴾، ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَساءَلونَ بِهِ وَالأَرحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيكُم رَقيبًا﴾، ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا يُصلِح لَكُم أَعمالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا﴾.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

أمــــــا بــــعـــــد عـــبــاد الــــلـــه:

- ففي هذه الفرحة، وهذه البهجة للمسلمين بعد إكمالهم لمنسك عظيم من مناسك إسلامهم، ولركن عظيم من أركان الدين، الذي يفرح المسلم وحق له ذلك بعد إكماله لتلك العبادة: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلنا مَنسَكًا هُم ناسِكوه}، فقد جعل الله عز وجل لكل أمة من الأمم أعيادا وايامًا يفرحون ويلعبون ويسرحون ويمرحون فيها، وهذا ديننا الإسلامي خصص يومين في السنة للمسلم هما عيداه، ويأتيان بعد جهد وطاعة وعبادة، وكأن الله عز وجل لا يرتضي للمسلم أن يكون فرحه الحقيقي الا إذا عبد ربه الا إذا أطاع الله الا إذا كان في عبادة وخضوع لله عز وجل، فهنا حق له أن يفرح، وما الفرح إلا بطاعة تعالى وها نحن قد أكملنا طاعة من الطاعات فحق لنا أن نفرح، ونتجمع، ونتزين، ونخرج للصعدات في كامل الفرح والبشر والسرور والنظارة والرونق الجميل والملبس الجديد… ونبينا عليه الصلاة والسلام قال في كما في البخاري ومسلم: "لكل أمة عيداً وهذا عيدنا"، ولقد جاء وأهل الجاهلية في المدينة يلعبون في أيام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه فقالوا إنها أيام في الجاهلية نلعب فيها ونعمل كذا...، فوصفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " لقد أبدلكم الله خيرًا من ذلك عيد الفطر، وعيد الأضحى"، فتأتي بعد عبادة ومشقة وصالحات وطاعاته ارتفعت من ذلك العبد، فعيد الفطر بعد صيام، وعيد الأضحى بعد حج أو في نهاية المطاف في الحج، فلهذا ليظهر المسلم مرح وفرحه: ﴿قُل بِفَضلِ اللَّهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعونَ﴾، هذا هو الفضل من الله هذه هي رحمة الله تظهر في اجتماع المسلمين في يوم واحد…

- وفي الحديث وإن كان ضعيفا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فنادوا اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم وأمرتم بصيام النهار فصمتم وأطعتم ربكم فاقبضوا جوائزكم فإذا صلوا نادى مناد ألا إن ربكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالكم فهو يوم الجائزة ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة"، لماذا؟ لأنهم أمروا بصيامهم فصاموا وأمروا بقيامهم فقاموا، فكان حقًا على الله أن يكرمهم وأن يسعدهم، هذا الثواب العظيم والنعمة الكبرى…

- ولكن أيها الإخوة الفضلاء واجب المسلم بعد إكماله للصيام وأي عبادة من العبادات أن يبقى في وجل وفي خوف أن لا يُتقبل منه تلك الأعمال وتلك الصالحات فربنا سبحانه وتعالى يقول، {إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقينَ﴾، ولو علم الإنسان حق اليقين على أن الله تقبل منه حسنة لكان حقًا عليه أن يفرح كل الفرح؛ لأن الله تقبل منه حسنة، وإذا تقبل الله من عبده حسنة فدليل على تقواه: {إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقينَ﴾، ومعناه أنه حقق هدف الصيام وروحه وأسمى ما فيه وهي التقوى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقونَ﴾، وكما قال ابن عمر رضي الله عنه: "لو أعلم أن الله تقبل مني حسنة لكان الموت خير غائب أنتظره"، فليكن المسلم على وجل وخوف من قبول عمله أكثر من همه لعمله، وهم القبول أعظم من هم العمل.

- ثم واجب المسلم أن لا يستكثر طاعته وعباداته وبالتالي إن فعل فكأنه يمن على الله بعباداته وطاعاته وبذلك ترد على وجهه، ﴿وَلا تَمنُن تَستَكثِرُ﴾، بل هي صفة الأعراب ﴿يَمُنّونَ عَلَيكَ أَن أَسلَموا قُل لا تَمُنّوا عَلَيَّ إِسلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيكُم أَن هَداكُم لِلإيمانِ إِن كُنتُم صادِقينَ﴾، فضلا عن أن الله تعالى قال عن المؤمنين: ﴿وَالَّذينَ يُؤتونَ ما آتَوا وَقُلوبُهُم وَجِلَةٌ أَنَّهُم إِلى رَبِّهِم
راجِعونَ﴾، فقلوبهم خائفة خشية لله من أن لا تتقبل تلك الأعمال منهم، وعند الترمذي وابن ماجه عن عائشة قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : ( والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة )أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال : " لا يا بنت الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات "، هؤلاء هم المؤمنون حقا… أما من يعمل الأعمال الصالحة ويحس بكبريائه، ويمن على ربه، ويذهب لفلان فيستعرض له ماذا قرأ من القرآن وكم قام من الليالي وصام من الأيام وأنفق من الأموال فليس له من الإيمان حبة خردل.. ألا فليكن المسلم خاضعًا مستكينًا لله بعد كل عبادة؛ حتى نضمن بإذن الله عز وجل القبول…

- إن المحروم أيها الكرام من حرمه الله، بل كما قال علي رضي الله عنه: من الفائز فنهنيه ومن المحروم فنعزيه، فالمحروم من حُرم الخير بعد أن فتحت له مناسك الخير بكلها، وجامعة عظيمة من أبواب الخير بشتى أنواعها وسلمت له مفاتيحها فمن دخلها ومن وجد تلك الأبواب، وفتح تلك الأقفال كالعتق من النار ومغفرة ذنوبه، من قام رمضان إيمانًا واحتسابا، من صام رمضان إيمانًا واحتسابا، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابا حتى يغفر له ذنبه، أما استحق دعوة جبريل عليه السلام وتأمين الحبيب صلى الله عليه وسلم: "رغم أنف من أدركه رمضان ثم انصرف ولم يغفر له فأبعده الله قل آمين فقال صلى الله عليه وسلم آمين"، فياخسارته… من تحققت فيه ثمرة التقوى التي هي الأساس من فرض الصيام: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقونَ﴾، فمن تحققت فيه ذلك فحق أن نبشره وأن نهنئه، أما من ضاعت أوقاته في رمضان، ومقصر في تلك الأيام الفاضلة التي أعد الله عز وجل ما لم يعده في غيره من الأشهر الأخرى، ويسّر وسهّل وهيأ رمضان كل تهيئة فغلق النيران وفتح أبواب الجنان، وصفّد الشياطين فسلط الله عز وجل عليهم الأغلال؛ حتى يكفوا عن شرورهم إكرامًا لذلك العبد وليتجهز العبد بالمسير إلى ربه، فمن عبد وصلى وصام حق له أن يفرح، ومن تكاسل وقتل وقته ونسي ربه هناك فحق على الله أن ينساه…

- ثم كم يستبشر المؤمن عندما يرى المساجد مزدحمة ما بين قارئ ومصل وذاكر وخاشع وحتى لو كان مضطجعا في المسجد فهو في صلاة ما انتظرها وما حبسته إلا هي، واضطجاعه في المسجد خير من كلام وخصام وضياع للأوقات في غيره {يَرجونَ رَحمَتَهُ وَيَخافونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحذورًا﴾، فكم فرحنا بهذا كثيرا وبحد لا يوصف، لكن النبأ المحزن والكارثة المبڤيرة والخبر المؤسف ما يرى من تراجع بعد الصيام بعد قيامه وصيامه وبعد تعبه ونصبه وبعد صلاته واستقامته وبعد دعائه وتضرعه يرجع على عقبيه: {قُل أَنَدعو مِن دونِ اللَّهِ ما لا يَنفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعقابِنا بَعدَ إِذ هَدانَا اللَّهُ كَالَّذِي استَهوَتهُ الشَّياطينُ فِي الأَرضِ حَيرانَ لَهُ أَصحابٌ يَدعونَهُ إِلَى الهُدَى...} فيودع الصيام حتى يأتي رمضان ويودع المصحف لأسابيع ويودع المسجد والقيام والذكر وأنواع العبادات في رمضان، وليس والله هذا شأن المؤمن الذي يعبد الله وحده على الدوام لأن الله قيوم لا ينام وموجود في جميع الشهور والأيام: ﴿وَاعبُد رَبَّكَ حَتّى يَأتِيَكَ اليَقينُ﴾ أي حتى يأتيك الموت… وإن صح القول فأقول وأستشهد بما قال في الصديق رضي الله عنه: " من كان يعبد رمضان فإن رمضان قد ذهب، ومن كان يعبد الله فإن الله لا يذهب ولا يولي سبحانه وتعالى"، فيا عابداً لله في رمضان استمر في عبادتك في غير رمضان، فمن عبدته في رمضان هو هو ربنا سبحانه وتعالى: ﴿كُلُّ مَن عَلَيها فانٍ وَيَبقى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكرامِ﴾…

- لماذا الانتكاسة بعد رمـان، أنكون كما قال الله عز وجل عن أهل قريش: ﴿وَلا تَكونوا كَالَّتي نَقَضَت غَزلَها مِن بَعدِ قُوَّةٍ أَنكاثًا...}، فلا يكن المسلم كمثل هذه المرأة المجنونة يقال على أنها كان فيها جنون فكانت تتعب نفسها في الغزل في الصباح حتى المساء وإذا جاء المساء فإنها تفك ذلك الغزل فقال الله لأولئك ولا تكونوا مثل هذه المرأة التي تتعب نفسها الليل بالنهار ثم تتعب نفسها بنقض ما اصلحته، فإذا لا نتعب أنفسنا في العبادات والطاعات في رمضان ثم بعد رمضان نرجع على اعقابنا بعد اذ هدانا الله، ونخرّب ما بنينا ومخرب واحد غلب ألف عمّار كما يقال…

- إن علامة قبول فعل الطاعة المداومة عليها بعدها كما قال ابن عباس وعلامة رد الطاعة أن الإنسان يرجع عن الطاعة بعد أن أطاع الله عز وجل، ومن أراد وأحب أن يدوم الله له كما يحب فليدم ذلك العبد له كما يحب، وفي الأثر أن داود عليه السلام قال لربه سبحانه وتعالى يا ربي أريدك أن تكون لولدي سليمان كما كنت لي فقال الله: يا داود قل لولدك سليمان يكن لي كما كنت لي أكن له كما كنت لك، فالتقصير يبدأ من العبد فمن أحب أن يكون الله عز وجل معه،
ويعطيه ما أحب، ويصرف عنه يكره فليدم ذلك العبد لربه، فمن استقام استقيم له ومن خلّط خُلّط عليه: ﴿وَأَن لَوِ استَقاموا عَلَى الطَّريقَةِ لَأَسقَيناهُم ماءً غَدَقًا﴾، فالاستقامة على طاعة ربنا سبحانه وتعالى ضمان لرحمة الله عز وجل علينا وفينا وإلينا ومن حولنا ومن أمامنا ومن خلفنا، لكن إذا تولينا فإنه كما في الأثر القدسي أن الله عز وجل يقول وعزتي وجلالي ما تحول عبدي مما أحب إلى ما أكره الا تحولت عليه مما يحب إلى ما يكره، وعزتي وجلالي ما تحول عبدي مما أكره إلى ما أحب الا تحولت عليه مما يكره إلى ما يحب، إذاً من تحول من طاعة إلى معصية تحول الله مما يحب العبد إلى ما يبغض ذلك العبد، وإذا كان العكس فالعكس، فلذا من أحب أن يستمر عطاء الله ورحمة الله وهداية الله ومنة الله وكل شيء من الله فكن مع الله فمن كان الله معه كان كل شيء بإذن ربه سبحانه وتعالى معه، وكما قال ابن القيم من وجد الله فماذا فقد ومن فقد الله فماذا وجد…، وصدق الله: ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُم ﴾، ﴿فَذوقوا بِما نَسيتُم لِقاءَ يَومِكُم هذا إِنّا نَسيناكُم وَذوقوا عَذابَ الخُلدِ بِما كُنتُم تَعمَلونَ﴾، ﴿قالَ كَذلِكَ أَتَتكَ آياتُنا فَنَسيتَها وَكَذلِكَ اليَومَ تُنسى﴾، ﴿وَقيلَ اليَومَ نَنساكُم كَما نَسيتُم لِقاءَ يَومِكُم هذا وَمَأواكُمُ النّارُ وَما لَكُم مِن ناصِرينَ﴾…

ـ فلا تقل وداعًا للصيام ولا وداعًا للعبادات والصلاة والخير وأهله والطاعة وشأنها ولا تودع تلك الوجوه المرضية التي كنت تراها في المسجد ثم تولي إلى الأسواق في أوقات الصلوات ينادي الأذان وكأنك لا تسمع، كأنك لست من صام وقام وعبد وتعب وانتصب... نسيت ربك فنسيته… فلذلك على العبد أن يعلم على أن نداء الله معه أينما توجه وأينما كان وفي أي شهر وفي أي وقت كان، وخير وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّت، كما في المتفق عليه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفته عائشة عمله ديمة، يعني لا ينقطع أبداً، بل كان يثبت على العمل وإن كان يسيرا، خير من أن يكثر على العمل وثم ينقطع…

- أيها المسلمون في هذا اليوم العظيم لنتذكر على أن هناك فرحة عظمى وفرحة كبرى في مثل هذه الفرحة الصغرى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول للصائم فرحتان فرحة عند فطره فهذا اليوم في هذا اليوم فرحنا ولكن على المسلم أن يتطلع لما هو أعظم وأكبر فرحة إنها فرحة لقاء ربه، للصائم فرحتان فرحة عند فطره عند لقاء ربه، فلنأمل خيراَ ولنحب لقاء الله ليحب الله لقاءنا أولاً، ولن يحب لقاء الله الا من أعد العده العظمى لأجل أن يصل إلى ذلك المصير الحتمي الإجباري الذي سيصل إليه باختلاف أعمالهم وباختلاف أجناسهم كلنا سائرون إلى ربنا سبحانه وتعالى، فلنتذكر في مثل هذا الموقف وفي هذا الاجتماع يوم العرض الأكبر، ﴿يَومَ هُم بارِزونَ لا يَخفى عَلَى اللَّهِ مِنهُم شَيءٌ لِمَنِ المُلكُ اليَومَ لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ﴾، ﴿يَومَئِذٍ تُعرَضونَ لا تَخفى مِنكُم خافِيَةٌ﴾ يوم يوم الطامة يوم الحاقة،يوم يوم يفر المرء من أخيه ذلك اليوم العظيم،﴿يَومَ تَرَونَها تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمّا أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَملٍ حَملَها وَتَرَى النّاسَ سُكارى وَما هُم بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَديدٌ﴾، يوم يجتمع الخلائق لربهم سبحانه وتعالى في يوم المحشر منذ آدم عليه السلام الى آخر رجل في الأرض يموت، فإنهم سيجتمعون جميعا اجتماعا عاما عند ملك الملوك سبحانه وتعالى، فلنستحضر ذلك اليوم في كل مجلس جلسناه ومن كان كذلك حقًا سيعد لذلك السفر العظيم عدته واستعداده الكبرى… وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من ذكر هادم اللذات".

- ثم أيضا في هذه الفرحة وفي هذا اللقاء وفي هذا الاجتماع الشرعي الرباني لنتذكر المسلمين جميعًا لنتذكر المحتاجين لنتذكر الجرحى لنتذكر الأسرى لنتذكر الناس الذين هم في قصف ودمار وعذاب وهلاك، نتذكر المرضى، نتذكر الفقراء، نتذكر المحتاجين، نتذكر من يتمنى أن يجتمع مع اهله، من يتمنى أن يخرج من من سرير علاجه ومستشفاه وبيته إلى هذا المصلى وإلى هذا الاجتماع، إن تذكرنا فشكرنا ضمنا بقاء نعم الله لنا: {لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ﴾…

- ثم مثلما تضامنا مع الفقراء والمحتاجين بصدقة الفطرة وأغنيتموهم بعطاياكم وصدقاتكم واستجبتم لنداء الله عز وجل فلم تخرجوا إلى الصلاة الا وقد أعطيتموهم حقهم فنفذتم ما قال رسولكم صلى الله عليه وسلم: " اغنوهم عن السؤال هذا اليوم" لنغني الفقراء ولنغني الأغنياء ولنغني كل مسلم ولنغني كل طائع برحمتنا بحنانا بعطفنا بحبنا بمسامحتنا فلا يكفي والله أن نعطي الشيء بأيدينا وقلوبنا تكره العطاء، والعفو والصفح، فلا يستقيم الحال أبدا والقلب في واد والعمل في واد آخر، الا فمن استقام بلسانه وبيده فليستقم قلبه لربه سبحانه فليكرم المسلمين ولنغنيهم بالتراحم، والتزاور، وصلة الأرحام، والتقارب، والتكافل، والتصالح مع كل مسلم، ليفتح المسلم قلبه قبل
يديه وقبل حضنه ليفتح قلبه لكل مسلم…

- وهنا ندائي لمن في قلبه شيء على أخيه المسلم أو جاره أو قريبه أو رحمه أو صديقه أو أي مسلم كان… لقد أتعبت نفسك في قيام وصيام وقرآن… فذاك كله وكل عمل منك غير مرفوع إلى الله تعالى حتى تصفي قلبك على أخيك المسلم : " تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال : انظروا هذين حتى يصطلحا "والحديث رواه مسلم.. فالباب مغلق حتى تصلح قلبك وتعفو وتصالح إخوانك… من يحب منا عقلاً ان يداوم في شركته أو في وظيفته ويوقع على ذلك ويأتي في بداية الدوام ويخرج في نهاية الدوام ويعمل أكثر مما يعمل العاملون لكن لا يرفع لمديره شيئًا وبذلك لن يعطيه راتبًا هل يحب هذا العبد ذلك لا والله في دنيانا لا نحب، فذلك أعمالنا الصالحة إذا أردنا أن تقبل فعلينا أن نصالح إخواننا المسلمين أيًا كانوا ولنبتدأ بارحامنا وإن كانوا هم المقصرون المخطئون، وفي الصحيح عند مسلم أن رجلا قال : يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيؤون إلي وأحلم عليهم ويجهلون علي . فقال : " لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك "، أي الرماد الحار، وأيضا قال صلى الله عليه وسلم: " ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعته رحمه زارها" والرحم تعلقت بعرش رب العالمين سبحانه وتعالى فأرادت من الله طلبًا أن الله عز وجل يأمر لها بصلة الناس لها فقال الله عز وجل: "ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك"، فمن يحب أن يوصله ربه سبحانه وتعالى بكل أنواع الوصل الذي يحبه ذلك العبد فليصل رحمه وبخاصة في مثل هذه الأعياد، وفي مثل هذه المناسبات، فليبتدأ رحمه فإنهم أحق الناس بصحبته، وأحق الناس بعطفه، وأحق الناس بشفقته، وأحق الناس بعفوه، فاعفوا عن الناس جميعًا واعفوا عن رحمكم خاصة، اعفوا عنهم يعفو عنكم الله، سامحوهم يسامحكم الله، اغفروا لهم ليغفر لكم الله، المسامح يسامحه الله، والكريم يكرمه الله، والعفيف يعفه الله، والمتصدق يتصدق الله عليه، والجزاء من جنس العمل كما قال الإمام النووي، عليها مدار الشريعة الإسلامية فمن وصل وصله الله، ومن عفا عفا الله عنه، ومن تكرم لأخيه تكرم الله عليه سبحانه وتعالى، وأي فضل وعظمة وإحسان أن يكون الله هو المكرم وهو المعطي وهو الراحم وهو سبحانه وتعالى العفو الغفور، فلذلك لنصالح الناس حتى تقتضي أعمالنا وحتى يرضى ربنا عنا ويغفر لنا ويرحمنا.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

ـ الــخـــطــبة الثانــــية: ↶

ـ الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده...وبعد ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنوا بِرَسولِهِ يُؤتِكُم كِفلَينِ مِن رَحمَتِهِ وَيَجعَل لَكُم نورًا تَمشونَ بِهِ وَيَغفِر لَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ﴾… الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

- عباد الله يا من صام يا من قام يا من قرأ ورتل وسجد وبكى… تذكر نعمة الله عليك وفضله ومنته وما بك من نعمه وما دفع عنك من نقمه واشكره يزدك فقد امتن على قريش فقال ﴿الَّذي أَطعَمَهُم مِن جوعٍ وَآمَنَهُم مِن خَوفٍ﴾ وإذا كان رب العالمين يعظ قريشًا بذلك فنحن أولى ونحن أحق، والنعم إذا شُكرت قرت، وإذا كُفرت فرت، والنعمة عروس مهرها الشكر، ألا فلا نكن مع فرحتنا هذه تؤدي بنا إلى هلاك بسبب كفر نعم الله عز وجل، وعدم الاستقامة على أمره كلباس غير شرعي فشباب بحلقات شيطانية ونساء بخروج متعطرات للأسواق والمنتزهات واختلاط وفساد وشر ووبال، وهي من المخالفات الشرعية المنشرة ولقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بخروجهن للصلاة تفلات، فإذا كان هذا إلى الصلاة فأعظم من ذلك أن يخرجن إلى الشواطئ وإلى السواحل وإلى المتنزهات إن كان لابد من خروج، فخروج مسلمة تخاف الله، وبضوابط شرعية، ومن ذلك لا يجوز للمرأة المسلمة أن تخرج مستعطرة ولا أن تخرج متزينة ولا يجوز عبثًا للرجال أيضًا ان يعتدوا على المرأة أو يخالطوها أو طريقها او يزاحموها في مكان مخصص لها في المتنزهات أو في السواحل أو في أي مكان كان، ومن التبيهات ليس لمن يفرح بالعيد أن يحوله إلى هم وغم وكدر وايذاء للمسلمين بسبب إطلاق النيران سواء النيران الحقيقية أو نيران كذلك معنوية بشيء من تلك الألعاب النارية لا يجوز ايذاء المسلمين ورسولنا يقول: " لا يحل لمسلم أن يروع مسلما"، فليتنبه لهذا جيدا…

… والحمد لله رب العالمين...

┈┉┅ ━━❁ ❃ ❁━━ ┅┉┈
خطبة عيد الفطر1443هـ
الخطبة الأولى:
الحمد لله الكريم المنان الرحيم الرحمن القديم الإحسان ذي الجلال والجمال والإكرام ، اللهم ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) الله أكبر (تسعا) الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة واصيلا.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك من علينا بالصلاة والصيام والقيام وقراءة القرآن ، (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة واصيلا، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله خير من صلى وصام وتبتل واستغفر وهلل وكبر صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فيا أيها المؤمنون الأبرار: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل والثبات على طاعته والبعد عن معصيته والجهاد في سبيله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
إخوة الإسلام هذا يوم عظيم من أيام الله عز وجل يوم فرحة وسرور وبهجة وحبور يحتفي به أهل الأرض والسماء وتشارك فيه ملائكة الرحمن ويتجلى فيه رب العزة والجلال على عباده وقد خرجوا إلى المصليات والمساجد مهللين مكبرين فيقول لهم قوموا مغفورا لكم قد أرضيتموني ورضيت عنكم ، إنه يوم الفرحة الأولى للصائمين القائمين التالين الذاكرين المتصدقين الذين بشرهم الصادق المصدوق بقوله كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ " رواه أحمد ، فما أسعدكم يا أهل الصيام والقيام والقرآن في هذا اليوم وأنتم تفرحون بتوفيق الله ورحمة الله وفضل الله (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) .
دخل رجل على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يوم عيد الفطر، فوجده يتناول خبزًا فيه خشونة، فقال: يا أمير المؤمنين، يوم عيد وخبز خشن! فقال عليّ: اليوم عيد مَن قُبِلَ صيامه وقيامه، عيد من غفر ذنبه وشكر سعيه وقبل عمله، اليوم لنا عيد وغدًا لنا عيد، وكل يوم لا نعصى الله فيه فهو لنا عيد.
ثم ما أعظم فرحتكم أيها المؤمنون يوم تلقون ربكم فتفرحون بعظيم عطائه وبجزيل ثوابه وتكون وجوهكم (مُسْفِرَةٌ، ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ): وهي الفرحة الأبدية الباقية التي لا تفنى فهنيئا لكم أيها الصائمون هذا الكرم الرباني يوم تقول لكم ملائكة الرحمن (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر ولله الحمد.
ثم اعلموا أيها المؤمنون بأن أعظم شعار في هذا اليوم هو تكبير الله عز وجل وتحميده وتهليله وشكره وذكره عملا بقول الله (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
وإن من شعائر هذا اليوم كذلك طهارة النفوس والقلوب والأرواح والصفاء والنقاء والتسامح والتغافر والتواصل فتزاوروا وتصافحوا وتراحموا ، وصلوا فيه أرحامكم ووسعوا فيه على أهليكم والبسوا فيه أفضل ما عندكم ووسعوا عليهم في المأكل والمشرب من غير سرف ولا تباهي ، وأحسنوا فيه إلى الضعفاء والفقراء والمساكين وأسر المرابطين والشهداء والجرحى والمعتقلين ، وأكثروا فيه من ذكر ربكم، ومن الصلاة والتسليم على نبيكم، وجددوا فيه عزمكم على مواصلة الطاعة والاستمرار في الإنابة والمسابقة إلى الخيرات والاستكثار من القربات عملا بقول الله (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) واليقين هو الموت ، ولا تهدموا ما بنيتم وكسبتم من الصالحات في رمضان (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) وحافظوا على حسناتكم بحفظ ألسنتكم من اللغو والرفث وقول الزور ، واحفظوا أسماعكم عن القيل والقال ، وسماع ما لا يجوز ، فإن الطاعة تتبع بالطاعة لا بضدها.
ألا وإن من مما شرعه الله لعباده في هذا اليوم هذه الصلاة صلاة العيد شكراً لله تعالى على التوفيق لأداء فريضة الصيام ، كما شرع صلاة عيد الأضحى شكراً له على تيسير أداء فريضة الحج ، فهما عيدا أهل الإسلام ، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ قَالَ : " كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا ، وَقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا : يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى " [ أخرجه النسائي ] ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالخروج لصلاة العيد إذا أمكن ذلك ، غير متطيبات ولا متبرجات بزينة ، ولا يختلطن بالرجال ، وتخرج الحائض لحضور دعوة المسلمين ، وتعتزل المصلى ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ : أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ ، فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلَّاهُنَّ ، قَالَتِ امْرَأَةٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ ؟ قَالَ : " لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا " [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
ونتواصى كذلك أيها المؤمنون بصوم ستة أيام من شوال ، فقد روى الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر " ، يعني : في الأجر والثواب والمضاعفة ، فاحرصوا على صيام هذه الأيام الستة لتحضوا بهذا الثواب العظيم
الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة واصيلا وأستغفر الله لي ولكم ...

الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي سهَّل للعباد صيام رمضان ويَسّر، ومن عليهم من خزائن جُوده الذي لا يحصر. وجعل لهم عيداً يعود في كل عام ويتكرر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق فقدّر، ودبّر فأحكم. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الحوض والكوثر غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
الله أكبر ( سبعا ) ، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة واصيلا.
ثم اعلموا أيها المؤمنون بأن فرحة العيد ستبقى ناقصة ما دام البغاة الانقلابيون الضالون المضلون المعتدون الإرهابيون يفرضون سلطتهم الغاشمة وظلمهم واستبدادهم على جزء من يمن الإيمان والحكمة ويعيثون فيها فسادا ويذيقون المواطنين ألوانا من الذل والقهر والضيم فيسفكون الدماء, ويدمرون الاقتصاد, وينتهكون كرامة الإنسان , ويدنسون المساجد ويمنعون الناس من الصلاة فيها ويمزقون النسيج الاجتماعي, ووحدة صف الأمة ويبثون روح الفرقة والاختلاف, والتنازع والتشرذم, ويؤججون روح العصبية والعنصرية ، ويهددون أمن المنطقة واستقرارها برا وبحرا وجوا ويزعزعون الأمن الإقليمي والدولي, ويفسدون عقول الأجيال والناشئة بأفكار طائفية خرافية هدامة, ويأخذون أطفالنا من مقاعد الدراسة إلى جبهات القتال, فلا يرجعون إلا جثثا هامدة, أو صورا تعلق على الجدران, إنها ثقافة الموت, وسياسة الهدم, وأفكار الإفك والضلال يصدق عليهم قول الله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ , وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ).
ولا خيار أمام اليمنيين إلا مقاومة بغي هؤلاء، ومواجهة عدوانهم، ومجابهة طغيانهم، وإسقاط انقلابهم، والقضاء على تمردهم.
إنه لا بناء ولا تنمية ولا أمن ولا رخاء إلا في ظل دولة آمنه مستقرة ضامنة، خالية من المليشيا والعصابات، وهذا يحتم علينا وحدة الصف، ونبذ الخلافات، فلا يطمع فينا عدونا إلا عند تفرقنا، ولا يهابنا إلا عند توحدنا وتآخينا وتكاتفنا، وعلينا أن ندرك ما يسعى إليه عدونا، مما يريده من اختلاف كلمتنا وتفرق قوتنا واثارة نعرات العصبية الجاهلية فيما بيننا. لنتنازل لبعضنا ولنضحي بكل المصالح الضيقة من أجل مصلحة الوطن حاضرا ومستقبلا، فمصلحة الدين ثم الوطن، مقدمة على كل مصلحة، والكل مستهدف من قبل هذه العصابة المارقة، فهم خطر على جميع مكونات المجتمع، وخطر على الدين والعقيدة والوطن والأخلاق والقيم والقرآن والسنة مهما تظاهروا بالشعارات البراقة تضليلا ومغالطة يصدق عليهم قول الله (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُون، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ).
فحري بنا وقد اتضحت لنا كل هذه الأخطار، وبانت لنا كل هذه المساوئ، أن نقف صفا واحدا، متماسكا صلبا في مواجهة هذه العصابة، وأن نعمل كل ما من شأنه القضاء على بغيها، ورد عدوانها، فذلك هو واجب الوقت، وفرض الساعة. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا).
•كما توكد على وحدة الصف وجمع الكلمة وتظافر الجهود بين كل القوى الفاعلة على مستوى الوطن لتخليص الوطن من عصابة الإجرام الحوثية ونشكر لهذا القوى اجتماعها وتوحدها وتوجيه سهام الجميع نحو عدو الجميع

وإننا لنأمل ونرجو من المجلس الرئاسي والحكومة سرعة الدعم للجيش والأمن وتوحيد كل الوحدات العسكرية والأمنية ، وتحريكها في كل البلاد لحسم المعركة مع الحوثي الذي لا يعترف بحوار ولا هدنة ولا اتفاقات وهذا ما يشهد به الداخل والخارج من خلال مراقبتهم لسلوك هذه العصابة المارقة ،فلنكن جميعا دعما لجيشنا وأمننا بجهودنا وأموالنا أو تشجيعنا ودعائنا ومشاعرنا(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) ثم الدعاء والدعوة للجهاد بالمال والصلاة والسلام على رسول الله ...
علامات قَبول العمل وضرورة المداوَمة على الصالحات (بعد رمضان) - الشيخ ماهر المعيقلي

الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله ذي المنِّ والعطاءِ، أحمده -سبحانه- على جزيل النعماء، أمَر بالمسارَعة إلى الطاعات، والمسابَقة إلى الخيرات، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شرَّفَنا بالقرآن، وتابَع علينا الإنعامَ والإحسانَ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمَّدًا عبد الله ورسوله، إمام الأولين والآخرين، وسيد ولد آدم أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله الأتقياء، وصحبه الأوفياء، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ، ما دامت الأرض والسماء، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعدُ معاشرَ المؤمنينَ: أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فمن اتَّقى اللهُ وقاه، ومن استتَر بستره ستَرَه وعافاه، وتقوى اللهِ أعظمُ وصيةٍ، وخيرُ لباسٍ وأكرمُ سجيةٍ؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 281].

أيها المسلمون في كل مكان: هنيئًا لكم ما بلَّغَكم اللهُ -تعالى-، من الصيام والقيام وقراءة القرآن، وما قسَمَه -سبحانه- في الليالي المباركة؛ من الرحمة والغفران، فهنيئًا للتائبينَ، وهنيئًا للمستغفرينَ، فكم من تائب قُبلت توبته، ومن مستغفر مُحيت حوبتُه، وكم من مستوجِب للنار قد أُعتقت رقبتُه، وهنيئًا لكم هذا العيدُ، الذي تفرحون فيه بنعمة الله وفضله عليكم، وتُكبِّرونه وتشكرونه على ما هداكم، فالعيدُ شعيرةٌ من شعائر الله، وهو يوم جَمال وزينة، وفرح وسعادة، وموسِم للبِرِّ والصلة، وتجديد للمحبة والمودة.

أُمَّةَ الإسلامِ: لقد كان سلفنا الصالح -رضي الله عنهم- يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ويخافون من رده وعدم قَبوله، قال فضالة بن عبيد -رضي الله عنه وأرضاه-: "لَأَنْ أعلَم أن الله تقبَّل مني مثقالَ حبة من خردل أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها؛ لأن الله -تعالى- يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[الْمَائِدَةِ: 27]".

وفي سنن الترمذي أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "سألتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)[الْمُؤْمِنَونَ: 60]، قالت عائشة: أَهُمُ الذينَ يشربون الخمرَ ويسرقونَ؟ قال: لا يا بنتَ الصِّدِّيقِ؛ ولكنهم الذين يصومون ويُصلُّون ويتصدَّقون، وهم يخافون ألَّا تُقبَلَ منهم؛ (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)[الْمُؤْمِنَونَ: 61]"، فأحسِنُوا الظنَّ بربكم واسألوه أن يتقبَّل منكم، وأن يغفر لكم ويرحمكم.

وحريٌّ بالمؤمن بعدَ رمضان أن يُتابِع الإحسانَ بالإحسان، ويعيش دهرَه في رضا الرحمن، ولا يُعجَب أحدٌ بعمله، فحقُّ الربِّ عظيمٌ، ونِعَمُ اللهِ على العباد لا تُحصى، قال ابن القيِّم: "الرضا بالطاعة من رعونات النَّفْس وحماقتها، وأرباب العزائم والبصائر أشدُّ ما يكونون استغفارًا عقيبَ الطاعات؛ لشهودهم تقصيرهم فيها، وترك القيام لله بها، كما يليق بجلاله وكبريائه" انتهى كلامه -رحمه الله-.

وفي صحيح الجامع قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو أن رجلًا يُجَرُّ على وجهه مِنْ يومِ وُلِدَ إلى يوم يموت هرمًا في مرضاة الله -عز وجل- لحقَّرَه يوم القيامة"؛ أي: لحقَّرَ هذا الرجلُ عملَه يومَ القيامة بجانب فضل الله وعطائه، وحقِّه على عباده.

معاشرَ المؤمنينَ: إنَّ من علامات الرضا والقَبول إتباع الحسنة بالحسنة، والطاعة بالطاعة؛ (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا)[الشُّورَى: 23]، وهذه الحسنات من الزاد الذي يدخره المؤمنُ ليوم القيامة، ويرجو بفضل الله ورحمته أن يرجَح بها ميزانُه، فالمغبون مَنْ مُحِقَ هذه الحسناتِ بما يجترحُه من السيئات، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعوَّذ من الحور بعد الكور، مَنْ نَقَضَ العهدَ بعد توكيده أصبَح كالتي نقضَتْ غزلَها من بعد قوة فهدمَتْ ما بَنَتْ، وبدَّدت ما جمَعَتْ، والله -جل جلاله- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)[مُحَمَّدٍ: 33]، قال عمر -رضي الله عنه وأرضاه- يومًا لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فِيمَ ترون هذه الآيةَ نزلَتْ: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)[الْبَقَرَةِ: 266]؟ فقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ضُرِبَتْ مثلًا لعمل.
قال عمر: أيُّ عملٍ؟ قال ابن عباس: لعملٍ، قال عمرُ -رضي الله عنه وأرضاه-: لرجلٍ غَنِيٍّ يعمل بطاعة الله -عز وجل-، ثم بعَث اللهُ له الشيطانَ فعَمِلَ بالمعاصي حتى أغرَق أعمالَه"(رواه البخاري في صحيحه)؛ فالمداوَمة على الأعمال الصالحة وإن قلَّت هو دأب الصالحين، وهَدْيُ سيدِ المرسلينَ، فعن علقمة قال: "سألتُ أمَّ المؤمنينَ عائشةَ -رضي الله عنه وأرضاها- قال: قلتُ: يا أمَّ المؤمنينَ، كيف كان عمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ هل كان يخص شيئًا من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمة"(رواه البخاري ومسلم).

إخوة الإيمان: إن المداومة على الأعمال الصالحة سبب لمحبة الله -تعالى- للعبد ورضاه عنه، وحصول المودة له من أهل الأرض والسموات؛ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)[مَرْيَمَ: 96]، وفي الحديث القدسي: "وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه، فإذا أحبَّه اللهُ -جل جلاله- دعا جبريل فقال: إني أُحِبُّ فلانًا فأحِبَّه. قال: فيُحِبُّه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانًا فأَحِبُّوه، فيُحِبُّه أهلُ السماءِ، قال: ثم يُوضَعُ له القبولُ في الأرض"(رواه البخاري ومسلم).

ومن بركات الاستمرار على العمل الصالح: الفوز بالجنة والنجاة من النار؛ ففي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لبلالٍ عندَ صلاةِ الفجرِ: "يا بلالُ، حدِّثْني بأرجى عملٍ عملتَه في الإسلام؛ فإني سمعتُ دَفَّ نعليكَ بين يديَّ في الجنة. قال رضي الله عنه وأرضاه: ما عملتُ عملًا أرجى عندي أني لم أتطهَّر طهورًا في ساعة ليل أو نهار إلا صليتُ بذلك الطهور ما كُتِبَ لي أن أصلي".

ومن ثمار المداومة على الأعمال الصالحة: أنها سبب لحُسْن الخاتمة؛ فمَنْ داوَم على شيء مات عليه، ومَنْ مات على شيء بُعِثَ عليه، وإنَّ مِنْ فضلِ اللهِ وكرمِه على عباده أنَّ مَنْ داوَمَ على عمل صالح ثم عرَض له عذرٌ من مرض أو سفر كُتِبَ له ما كان يعمل حالَ صحته وإقامته.

أيها المؤمنون بالله ورسوله: إن من المداومة على الأعمال الصالحة بعد رمضان صيام ستة أيام من شوال؛ ففي صحيح مسلم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صامَ رمضانَ ثم أتبَعَه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر"، وفي صيام الست من شوال جبرُ ما نقَص من صيام رمضان؛ ففي سنن الترمذي قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أول ما يُحاسَب به العبدُ يومَ القيامة من عمله صلاتُه، فإن صلَحَتْ فقد أفلَح وأنجَح، وإن فسدَتْ فقد خاب وخَسِرَ، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب -عز وجل-: انظروا هل لعبدي مِنْ تطوُّعٍ؛ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك"؛ يعني الصيام والزكاة والحج، فيكمل نقص فريضة الصيام من نوافله، والزكاة من صدقاته، والحج من نوافل عُمَرِهِ وحجَّاته، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)[الْمُؤْمِنَونَ: 57-61].

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن والسُّنَّة، ونفعني وإيَّاكم بما فيهما من الآيات والحكمة
أقول ما تسمعون وأستغفِر اللهَ لي ولكم من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفِروه إنه كان غفورًا رحيمًا.

-------------------------------------------------


الخطبة الثانية:
الحمد لله، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيه، كما يحب ربُّنا ويرضى، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمَّا بعدُ معاشرَ المؤمنينَ: لئن انتهى موسمُ الغفران والعتق من النيران، ففضلُ اللهِ عظيمٌ، وكرمُه واسعٌ، وهِباتُه مستمرةٌ، وعطاؤُه لا ينقطعُ، فبينَ أيدينا مواسمُ متواليةٌ، وخيراتٌ متوافرةٌ، فمن الصيام صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصيام الإثنين والخميس، وصيام يوم وإفطار يوم؛ وذلك صيام داود -عليه السلام-، ومن الصلاة قيام الليل، وهو أفضل الصلاة بعد الفريضة، وربُّنا -جلَّ وعلا- يَنزِل في كل ليلة إلى السماء الدنيا، في رمضان وفي غيره، نزولًا يليق بجلاله وعظمته، حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الْمَلِكُ، مَنْ ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيَه؟ مَنْ ذا الذي يستغفرني فأغفرَ له؟ فلا يزال كذلك حتى يُضِيءَ الفجرُ"(رواه مسلم).
وأعظمُ الأعمالِ المحافَظةُ على فرائض الله -عز وجل-؛ ففي صحيح البخاري: "وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه"، وأحبُّ الأعمال إلى الله -تعالى- الصلوات الخمس، فمن حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاةً يومَ القيامةِ، ومَنْ لم يحافظ عليها لم يكن له نورٌ ولا برهانٌ ولا نجاةٌ، وكان يومَ القيامة مع قارون وفرعون وهامان".

فيا عبادَ اللهِ: سدِّدُوا وقارِبُوا، وأبشِروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا، فقليلٌ دائمٌ خيرٌ من كثير منقطع، ولا يكن أحدُنا كالمنبتِّ؛ لا ظهرًا أبقى ولا أرضًا قطَع.

واعلموا -إخوةَ الإيمانِ- أن من الأعمال الصالحة المداوَمة والإكثار من الصلاة على النبي المختار؛ اللهم صلِّ على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك يا أرحم الراحمين.

اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ، واجعَلْ هذا البلدَ آمِنًا مطمئنًّا، وسائرَ بلاد المسلمين
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح حال إخواننا في فلسطين
اللهم أصلح حال إخواننا وأهلنا في فلسطين، اللهم آمِنْ روعاتِهم، اللهم احقن دماءهم، واشفِ مرضاهم، وتقبَّل شهداءهم، اللهم انتصر لهم من اليهود المحتلين، اللهم انتصر لهم من اليهود الغاصبين، اللهم كن لهم معينًا ونصيرًا، ومؤيِّدًا وظهيرًا، اللهم طهِّر المسجدَ الأقصى من اليهود المحتلين، اللهم احفظ المسجد الأقصى، اللهم احفظ المسجد الأقصى، اللهم اجعله شامخًا عزيزًا إلى يوم القيامة، برحمتك وفضلك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم إنَّا نسألكَ بفضلكَ وكرمكَ أن تحفظنا من كل سوء ومكروه
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهَر منها وما بطَن
اللهم إنَّا نعوذ بكَ من جَهْد البلاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء
اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.
اللهم إنا نسألك الجنةَ وما قرَّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول أو عمل، اللهم أَحْسِنْ عاقبتَنا في الأمور كلها، وأَجِرْنا من خزيِ الدنيا وعذابِ الآخرةِ، اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، وارحم موتانا، وكُنْ للمستضعَفين منا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، وفِّق خادمَ الحرمينِ الشريفينِ لِمَا تُحِبُّ وترضى، واجزه عن الإسلام والمسلمين خيرَ الجزاء، اللهم وفِّقْه ووليَّ عهدِه الأمينَ لِمَا فيه خير للإسلام والمسلمين، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين لِمَا تحبه وترضاه.
اللهم انصر جنودنا المرابطينَ على حدود بلادنا، اللهم انصرهم نصرًا مؤزَّرًا عاجلًا غير آجل، برحمتك وفضلك وجودك يا ربَّ العالمينَ.
لا إله إلا أنت سبحانك، إنَّا كنَّا من الظالمين
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10]
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد

الدعاء ...

-----------------------------------------------
📚📚📚📚📚📚📚📚
🎤محاضــرة.🎤

📖عــلامـــات قبـــول العمــل الصالح📖


الحمد لله رب العالمين، يقبل العمل من عبادة الصالحين فقال تعالي ({إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ} (المائدة: 27). فنحمده تعالي علي نعمة الإسلام العظيم وكفي بها نعمه ونشكره أن هدانا للقرآن العظيم ولولاه ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا ونتوب إليه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له .

وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير .. وصف عباده المؤمنين بالوجل الشديد بعد إتيانهم العمل الصالح مخافة عدم القبول فقال تعالي (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) [المؤمنون: 60]) .

وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم كان مداوما حريصا علي قبول الأعمال
(أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل). متفق عليه. فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..

أما بعـــد :ـ
فيا أيها المؤمنون . إن قضية القبول شغلت بال الكثير من الصالحين فكان الواحد منهم يعملُ العمل راجياً من الله القبول،وصدق فيهم قول الله تعالي (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ(61) المؤمنون . بعد كل طاعة وعبادة سواءً كانت عمرة ، حج ، صيام – صلاة – صدقة،أي عمل صالح كلنا يردد هتاف علي رضي الله عنه يقول: (ليت شعري، من المقبول فنهنيه، ومن المحروم فنعزيه).

وبعد كل طاعة نردد أيضاً قول ابن مسعود رضي الله عنه : (أيها المقبول هنيئًا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك). ولقد قال عليّ رضي الله عنه: (لا تهتمّوا لقِلّة العمل، واهتمّوا للقَبول)، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول : ) إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (( المائدة:27). وإذا علم العبد أن كثيراً من الأعمال ترد على صاحبها لأسباب كثيرة كان أهم ما يهمه معرفةعلامات القبول ، فإذا وجدها في نفسه فليحمد الله ، وليعمل على الثبات على الاستمرار عليها ، وإن لم يجدها فليكن أول اهتمامه من الآن: العمل بها بجد وإخلاص لله تعالى.

وهذه بعض علامات القبول :ـ

1 ـ عدم الرجوع إلى الذنب:ـ إذا كرِه العبد الذنوب وكرِه أن يعود إليها فليعلم أنه مقبول، وإذا تذكر الذنب حزن وندم وانعصر قلبه من الحسرة فقد قُبلت توبته، يقول ابن القيم فى مدارج السالكين: “أما إذا تذكر الذنبَ ففرح وتلذذ فلم يقبل ولو مكث على ذلك أربعين سنة” فإن الرجوع إلى الذنب علامة مقت وخسران . قال يحيى بن معاذ: “مَن استغفر بلسانه وقلبُه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلى المعصية ويعود، فصومه عليه مردود، وباب القبول فى وجهه مسدود”.

إن كثيرا من الناس يتوب وهو دائم القول: إنني أعلم بأني سأعود.. لا تقل مثله.. ولكن قل : إن شاء الله لن أعود ” تحقيقا لا تعليقا”.. واستعن بالله واعزم على عدم العودة.. كان الإمام مالك بن دينار رحمه الله ، يسير ذات ليلة في أحد شوارع البصرة، فوجد رجلاً ملقى على ظهره يقول الله … الله، ولما نظر إليه وجد بعض قطرات الخمر تسيل من شفتيه، فعلم أنه سكران فقال الإمام مالك، لأطهرن شفتيه حتى لا يخرج لفظ الجلالة من بين شفتين وعليهما قطرات الخمر النجسة، ثم جاء بالماء وغسل الشفتين، وقال بعد ذلك، اللهم هذه إليك .. ثم ذهب إلى داره لينام ولما نام واستغرق في نومه، سمع هاتفا ينادي ويقول له، يا مالك طهرت فمه من أجلنا فطهرنا قلبه من أجلك، ثم استيقظ الإمام مالك قبل الفجر وذهب إلى المسجد ليصلي الفجر كعادته، إماماً بالناس لما عرج إلى مكان القبلة وجد عبداً يقول، يا رب أنا واقف ببابك أقبلت توبتي فأهنئ نفسي أم رددتها علي فأعزي نفسي واقترب الإمام مالك منه وقال له: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا الذي غسلت فمي بالأمس ..

2 - زيادة الطاعة:ــ من علامات القبول زيادة الطاعة: قال الحسن البصرى: “إن من جزاء الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئةُ بعدها، فإذا قبل الله العبد فإنه يوفقه إلى الطاعة، ويصرفه عن المعصية، وقد قال الحسن: “يا ابن آدم إن لم تكن فالتوفيق إلى أعمال صالحة بعدها: إن علامة قبول الطاعة أن يوفق العبد لطاعة بعدها، وإن من علامات قبول الحسنة: فعل الحسنة بعدها، فإن الحسنة تقول: أختي أختي .

وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى وفضله؛ أنه يكرم عبده إذا فعل حسنة، وأخلص فيها لله أنه يفتح له باباً إلى حسنة أخرى؛ ليزيده منه قرباً.
فالعمل الصالح شجرة طيبة، تحتاج إلى سقاية ورعاية، حتى تنمو وتثبت، وتؤتي ثمارها،وإن أهم قضية نحتاجها أن نتعاهد أعمالنا الصالحة التي كنا نعملها، فنحافظ عليها، ونزيد عليها شيئاً فشيئاًى زيادة فأنت فى نقصان”.

و التيسير للطاعة والإبعاد عن المعصية ، سبحان الله إذا قبل الله منك الطاعة يسَّر لك أخرى لم تكن في الحسبان ,بل وأبعدك عن معاصيه ولو اقتربت منها . قال تعالى: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى{8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى{9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{10})4-10 الليل.

وكذلك أن تحب الله أهل الطاعة وتبغض أهل المعاصي ،و لقد روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله)).

3 ـ الثبات على الطاعة:ــ كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم المداومة على الأعمال الصالحة، فعن عائشة- رضي الله عنها – قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته) رواه مسلم. و أحب الأعمال إلى الله وإلى رسوله أدومها وإن قلَّت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل). متفق عليه. و أن يحبب الله في قلبك الطاعة ,فتحبها وتأنس بها وتطمئن إليها قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )الرعد28.

وأن تكره المعصية والقرب منها وتدعو الله أن يُبعدك عنها قائلاً: اللهم حبب إليَّ الإيمان وزينه في قلبي وكرَّه إليَّ الكفر والفسوق والعصيان واجعلني من الراشدين. قل لي من تحب من تجالس من تود أقل لك من أنت ,ولله در عطاء الله السكندري حين قال :(إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر أين أقامك) . والواجب أن يكون حبنا وبغضنا، وعطاؤنا ومنعنا، وفعلنا وتركنا لله -سبحانه وتعالى- لا شريك له، ممتثلين قوله، صلى الله عليه وسلم ” من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع الله، فقد استكمل الإيمان ” رواه أحمد عن معاذ بن أنس وغيره..

🔵ثمرات الثبات علي الطاعة :ــ

أ ـ الأمن من الحسرة عند المرض أو السفر :ــ بشرى لمن داوم على عمل صالح، ثم انقطع عنه بسبب مرض أو سفر أو نوم كتب له أجر ذلك العمل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً) رواه البخاري ، و هذا في حق من كان يعمل طاعة فحصل له ما يمنعه منها، وكانت نيته أن يداوم عليها. وقال صلى الله عليه وسلم ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومه صدقة عليه). أخرجه النسائي.

ب ـ حسن الخاتمة :ـ وللثباتِ على الطاعة ثمرة عظيمة وهي حسن الخاتمة ، كما قال ابن كثير الدمشقى- حيث قال رحمهُ الله: “لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه يوم القيامة” فمن عاش على الطاعة يأبى كرم الله أن يموت على المعصية، وفى الحديث: “بينما رجلٌ يحجُّ مع النبي صلى الله عليه وسلم فوكزته الناقة فمات فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: “كفنوه بثوبيه فإنه يبعث يوم القيامة ملبّياً”.

ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم، والحديث رواه الترمذي وأحمد وهو حديث صحيح: (إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله، قيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه).اللهم استعملنا لطاعتك يا رب العالمين!هذا هو الاستعمال: إذا وفقت للعمل الصالح وداومت عليه، قبضت على هذا العمل الصالح وعلى نفس الطاعة، وبعثت على نفس الطاعة.

ج ـ ترويض النفس علي مكابدة الهوي :ــ قال ثابت البناني :ـ عالجت نفسي عشرين سنة قبل أن تستقيم لي .

د ـ نيل محبة الله تعالي التي هي غاية المؤمنين :ــ دل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه ) رواه البخاري.

هـ ـ إملال الشيطان :ـ إذا وجدك الشيطان مرة هكذا ومرة هكذا طمع فيك ، أما إذا وجدك ثابتا علي طاعتك ملك ورفضك لأنك صرت من أولياء الله وعباده ، والله تعالي يقول ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفي بربك وكيلا) الاسراء .

و ـ تربية النفس علي أخذ معالي الأمور : يصل العبد إلي معالي الأمور ويهتم بها ويكره سفاسف الأمور ( قال صلي الله صلي الله عليه وسلم (إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسف الأمور ) وقال صلي الله عليه وسلم ( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل). متفق عليه. قيل لابن المبارك إلي متي تطلب العلم قال حتي الممات إن شاء الله .

🔵نماذج رائعة في الثبات علي الطاعة :ـ
وانظروا إلى هذا الشابِ الأعزبِ من شباب الصحابة ، كيف كان ثباته ومداومته على العمل الصالح ، ففي الصحيحين عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكُنْتُ غُلَامًا شَابًّا أَعْزَبَ ، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيْ الْبِئْرِ ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ النَّارِ ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ النَّارِ ، فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ، نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ . قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَنَامُ مِنْ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا . وتمضي السنون .. ولا يزال في الأمة در مكنون ..

فها هو السلطان العثماني محمد الفاتح يفتح القسطنطينية في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله . وقد روي أنهم أرادوا أن يصلوا ركعتين لله شكرا على هذا الفتح المبين ، فأمر الخليفة محمد الفاتح أن لا يؤم الناسَ الا رجلٌ ما فاتته صلاُة الفجر في جماعة منذ أن عقل . بحثوا في الجيش ، فلم يجدوا أحداً ينطبق عليه الشرط ، لا من القضاةِ، ولا الوزراءِ ولا القادةِ ، ولا بقيةِ الجيش .

فتقدم السلطان محمد الفاتح فصلى بهم صلاة الشكر ، ثم قال بعد الصلاة: أما وجدتم من فيه هذا الشرط من المسلمين؟ قالوا:لا ، فقال:والله لولا خوفي أن لا تقام الصلاة في يوم أعز الله فيه الإسلامَ وأهلَه لما أخبرتكم ، فقد أحببت أن أُبقي هذا سراًً بيني وبين خالقي ، ووالله ما فاتتني صلاة الفجرِ في جماعة منذ أن عقلت .

الله أكبر ..
هكذا والله تعلو الهمم ، وتنتصر الأمم .. وإذا خضع سلطان الأرض ، نصر جبار السماوات والأرض . رمضان .. بالأمس القريب استقبلناه ،
وما أسرع ما ودعناه .. صفحات الأيام تطوى .. وساعات العمر تنقضي .. فعلى العاقل اللبيب أن يتفكرَ في حاله ومآله ، ويبادرَ بالتوبة والإنابة قبل أن يغلق باب الإجابة .. فالدنيا ظل زائل ، وأيام قلائل ، وإن المؤمن لا يهدَأ قلبُه ، ولا يسكُن بالُه ، حتى يضعَ قدمه في الجنة . أعاننا الله وإياكم على الطاعات، وختم أعمارنا بالباقيات الصالحات ، وجمعنا في أعالي الجنات ، إنه جواد كريم ،

وهذا نموذج آخر وهو الصديق صديق الأمة رضوان الله عليه، يسأل النبي أصحابه يوماً من الأيام -والحديث في صحيح مسلم – فيقول: (من أصبح اليوم منكم صائماً؟ فيقول أبو بكر : أنا يا رسول الله! فيقول: من أطعم اليوم منكم مسكيناً؟ فيقول أبو بكر : أنا يا رسول الله، فيسأل النبي: من تبع اليوم جنازة؟ فيقول أبو بكر : أنا يا رسول الله! فيسأل النبي: من عاد اليوم منكم مريضاً؟ فيقول أبو بكر : أنا يا رسول الله! فيقول المصطفى: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة) يبشر بالجنة وهو لا زال يمشي على وجه الأرض. ومن الذي يبشره؟! إنه أعظم البرية صلى الله عليه وآله وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى قال: (ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة).

إنه التسابق! إنه التنافس على الخيرات والطاعات، وبهذا ارتقى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الدرجات العالية، فبشر بعضهم بالجنة من الصادق المصدوق وهو لا زال يمشي على التراب، ويعيش بين الناس في هذه الدنيا. ونموذج آخر وهو سيدنا بلال الحبشي الذي عذب على رمال مكة الملتهبة التي تذيب الحجارة والحديد والصخور، فوضع على ظهره فوق هذه الرمال الملتهبة، ووضعت الحجارة على صدره، فلما انقطعت أنفاسه رفع يده ليشير بسبابته وهو يقول في صوت متقطع: أحد.. أحد.. ارتقي إلي أعلي الدرجات بسبب ثباته علي العمل الصالح.. قال له الحبيب يوماً -والحديث في الصحيحين- : (يا بلال ! حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة) .

بلال الحبشي الذي ارتقى بالإسلام والإيمان، يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بلال ! أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة) بل إن رواية الترمذي بهذه الصيغة: (يا بلال ! أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني رأيتك قد سبقتني إلى الجنة) الله أكبر! وفي لفظ: (فإني سمعت خشخشة نعليك بين يدي في الجنة) أتدرون ما هو هذا العمل؟! إنه الثبات على العمل الصالح.
قال بلال : (إن أرجى عمل عملته أنني ما توضأت وضوءاً أو تطهرت طهوراً إلا وصليت لله عز وجل ركعتين)، وفي لفظ الصحيحين: (إلا وصليت لله بهذا الطهور -أو بذلك الطهور- ما كتب لي أن أصلي) إذا توضأ أو تطهر في ساعة من ليل أو نهار قام يصلي بهذا الطهور أو بهذا الوضوء ما كتب الله عز وجل له أن يصلي. إنه الحرص والمداومة على الأعمال الصالحات التي ترضي رب الأرض والسموات جل وعلا.

4 ـ طهارة القلب: ـ من علامات القبول أن يتخلص القلب من أمراضه وأدرانه فيعود إلى حب الله تعالى وتقديم مرضاته على مرضاة غيره- وإيثار أوامره على أوامر من سواه، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يترك الحسد والبغضاء والكراهية، وأن يوقن أن الأمور كلها بيد الله تعالى فيطمئن ويرضى، ويوقن أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليُخطئه، وبالجملة يرضى بالله وبقضائه ويحسن الظن بربه.

وأن يشعر المرء بتغيير في سلوكه بعد الطاعة فلابد أن تغير الطاعة في حياتنا وتنقلنا من حال إلي حال. وفي القصة القصيرة التي رواها الإمام مسلم في صحيحة برهان مبين على مبلغ أثر الإيمان، ذلك أن رجلاً كان ضيفاً على النبي صلى الله عليه وسلم فأمر له بشاة فحلبت، فشرب حلابها، ثم أمر له بثانية فشرب حلابها ثم بثالثة فرابعة … حتى شرب حلاب سبع شياه، وبات الرجل، وتفتح قلبه للإسلام، فأصبح مسلماً، معلناً إيمانه بالله ورسوله، وأمر الرسول له في الصباح بشاة فشرب حلابها ثم أخرى لم يستتمه، وهنا قال الرسول صلى الله عليه وسلم كلمته المأثورة: “إن المؤمن ليشرب في معي واحد والكافر ليشرب في سبعة أمعاء”. فيما بين يوم وليلة استحال الرجل من شره ممعن في الشبع، حريص على ملء بطنه، إلى رجل قاصد عفيف قنوع، ماذا تغير فيه؟.. تغير فيه قلبه، كان كافراً فأصبح مؤمناً، وهل هناك أسرع أثراً من الإيمان؟

5 ـ تذكر الآخرة: ـ من علامات القبول نظر القلب إلى الآخرة، وتذكر موقفه بين يدى الله تعالى وسؤاله إياه عما قدم فيخاف من السؤال، فيُحاسب نفسه على الصغيرة والكبيرة، ولقد سأل الفضيل بن عياض رجلاً يوماً وقال له: كم مضى من عمرك؟ قال: ستون سنة، قال: سبحان الله منذ ستين سنة وأنت فى طريقك إلى الله! قربت أن تصل، واعلم أنك مسئول فأعد للسؤال جواباً، فقال الرجل: وماذا أصنع، قال: أحسِن فيما بقى يغفر لك ما مضى وإن أسأت فيما بقى أخذت بما بقى وبما مضى.

6 ـ إخلاص العمل لله: ـ ومن علامات القبول أن يخلص العبدُ أعماله لله فلا يجعل للخلق فيها نصيباً، لأن الخلق في الحقيقة ما هم إلا تراب فوق تراب – قيل لأحد الصالحين- هيا نشهد جنازة فقال: اصبر حتى أرى نيتى، فلينظر الإنسان منا نيته وقصده وماذا يريدُ من العمل، وقد وعظ رجلٌ أمام الحسن البصرى فقال له الحسن يا هذا لم أستفد من موعظتك، فقد يكون مرض قلبي وقد يكون لعدم إخلاصك.

7 ـ الوجل من عدم قبول العمل:ـ فالله غني عن طاعاتنا وعباداتنا، قال عز وجل ـ (وَمَن يَشْكُرْ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [لقمان: 12]، وقال تعالى ـ: (إن تَكْفُرُوا فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر: 7] ،والمؤمن مع شدة إقباله على الطاعات، والتقرب إلى الله بأنواع القربات؛ إلا أنه مشفق على نفسه أشد الإشفاق، يخشى أن يُحرم من القبول، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سألت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) [المؤمنون: 60] أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟! قال: (لا يا ابنة الصديق! ولكنهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات).

فعلى الرغم من حرصه على أداء هذه العبادات الجليلات فإنه لا يركن إلى جهده، ولا يدل بها على ربه، بل يزدري أعماله، ويظهر الافتقار التام لعفو الله ورحمته، ويمتلئ قلبه مهابة ووجلاً، يخشى أن ترد أعماله عليه، والعياذ بالله، ويرفع أكف الضراعة ملتجئ إلى الله يسأله أن يتقبل منه.

وحال المؤمن استصغار العمل وعدم العجب والغرور به ، إن العبد المؤمن مهما عمل وقدَّم من إعمالٍ صالحة ,فإن عمله كله لا يؤدي شكر نعمة من النعم التي في جسده من سمع أو بصر أو نطق أو غيرها، ولا يقوم بشيء من حق الله تبارك وتعالى، فإن حقه فوق الوصف، ولذلك كان من صفات المخلصين أنهم يستصغرون أعمالهم، ولا يرونها شيئاً، حتى لا يعجبوا بها، ولا يصيبهم الغرور فيحبط أجرهم، ويكسلوا عن الأعمال الصالحة. ومما يعين على استصغار العمل:معرفة الله تعالى، ورؤية نعمه، وتذكر الذنوب والتقصير. وحال المؤمن الرجاء في الله أن يقبل العمل- مع الخوف وهذا يورث الإنسان تواضعاً وخشوعاً لله تعالى، فيزيد إيمانه .
وعندما يتحقق الرجاء فإن الإنسان يرفع يديه سائلاً الله قبول عمله؛ فإنه وحده القادر على ذلك، وهذا ما فعله أبونا إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، كما حكى الله عنهم في بنائهم الكعبة فقال: ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم)( البقرة:127).

وقد عرف عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ، ورضوا عنه ـ أنهم كانوا مع استقامتهم ، ووقوفهم عند حدود الله يتهمون أنفسهم ، ويشعرون دوماً بالتقصير انطلاقاً من قول سبحانه : (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ {53})(يوسف : 53) .وقد أثر عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال (لن يدخل أحداً منكم عمله الجنة) ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة … الحديث)( الحديث أورده ابن أبي شيبة في : المصنف : كتاب الزهد : باب كلام أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ 13/309 رقم 16441 من حديث معاوية بن قرة ، عن أبي الدرداء موقوفاً بهذا اللفظ ). وهذا عمر – رضي الله عنه – يقول لحذيفة : (( هل أنا منهم ؟ – يعني من المنافقين – أَوَ سمّاني لكَ رسول الله ؟ )) وكان محمد بن واسع يقول : (( لو كان يوجد للذنوب ريح ، ما قدرتم أن تدنوا مني من نتن ريحي )) . وكان يقول : (( إنما هو عفو الله أو النار )) – وكان الربيع بن خثيم يبكي حتى يبل لحيته ويقول : (( أدركنا أقواماً كنا في جنبهم لصوصاً )) وكان أبو مسلم الخولاني يعلق السوط في مسجده ويقول : (( أنا أولى بالسياط من الدواب )) و عن سهل بن أسلم قال : كان بكر بن عبد الله المزني إذا رأى شيخاً قال : (( هذا خيرٌ مني ،عَبَدَ الله قبلي ، وإذا رأى شاباً قال : هذا خيرٌ مني ارتكبتُ من الذنوب أكثر مما ارتكب َ ) قال الفضيل بن عياض عن نفسه : (( كيف ترى حال من كثرت ذنوبه ، وضعف عمله ، وفنى عمره ، ولم يتزود لمعاده ، ولم يتأهب للموت ، ولم يتزين للموت ، وتزيّن للدنيا ، هيه ، وقعد يحدث – يعني نفسه – واجتمعوا حولك يكتبون عنك ، بخ فقد تفرغّت للحديث . ثم قال : هاه – وتنفس طويلاً – ويحك أنت تحسن تحدّث؟؟ أو أنت أهلٌ أن يحمل عنك ؟ استحي يا أحمق بين الحمقان ! لولا قلة حيائك وصفاقة وجهك ما جلست تحدث وأنت أنت ، أما تعرف نفسك ؟ أما تذكر ما كنت ؟ وكيف كنت ؟ أما لو عرفوك ما جلسوا إليك ولا كتبوا عنك ،
ولا سمعوا منك شيئاً أبدا )) .
وذُكر عند مخلد بن الحسين خُلق من أخلاق الصالحين فقال :ـ لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم
ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
أسأل الله جل وتعالى أن يجعلني وإياكم وجميع إخواننا المسلمين من المقبولين، ممن تقبل الله صيامهم وقيامهم وحجهم وجميع طاعاتهم وكانوا من عتقائه من النار .
======================
ماذا بعد رمضان؟ (الخطبة الأولى في شوال)
ماذا بعد رمضان؟
(الخطبة الأولى في شوال)
عناصر الخطبة:

العنصر الأول: أقسام الناس بعد رمضان.

العنصر الثاني: كثرة الدعاء لقبول صيام وسائر الأعمال.

العنصر الثالث: استصحاب روح مضان.

الخطبة الأولى

أمة الإسلام: كل عام أنتم بخير و تقبل الله منا و منكم الصيام و القيام و صالح الاعمال فقد ودعنا شهر رمضان الكريم ودعناه باللوعة وبالأنين حالنا كما قال الشاعر:

دَعِ البُكاءَ عَلَى الأَطْلالِ وَالدَّار

واذْكُرْ لِمَنْ بَانَ مِنْ خِلِّ وَمِنْ جَارِ

واذْرِ الدُّمُوعَ نَحِيْبًا وَابْكِ مِن أَسَفٍ

عَلَى فِرَاقِ لَيْالٍ ذَاتِ أَنْوَارِ

عَلَى لَيْالٍ لِشَهْرِ الصَّوْمِ مَا جُعِلَتْ

إِلا لِتَمْحِيْصِ آثَامٍ وَأَوْزَارِ

يَا لائِمي في البُكَاءِ زِدْنِي بِهِ كَلَفًا

وَاسْمَعْ غَرِيْبَ أَحَادِيثِي وَأَخْبَارِي

مَا كَانَ أَحْسَنَنَا وَالشَّمْلُ مُجْتَمِعٌ

مِنَّا المُصَلِّي وَمِنَّا القَانِتُ القَارِي

وانقسم الناس في نهايته بين فائز وبين خاسر فائز فاز بمغفرة الخطايا والذنوب:

• فائز فاز بالعتق من النار

• فائز فاز بليلة القدر

• فائز بالتقوى

• وخاسر خسر نفسه وشهره.

خاسر نالته دعوة جبريل عليه السلام وتامين النبي – صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْضُرُوا الْمِنْبَرَ " فَحَضَرْنَا، فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً قَالَ: " آمِينَ "، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ قَالَ: " آمِينَ "، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ قَالَ: " آمِينَ "، فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ قَالَ: فَقُلْنَا له يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ سَمِعْنَا الْيَوْمَ مِنْكَ شَيْئًا لَمْ نَكُنْ نَسْمَعُهُ قَالَ: " إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامِ عَرْضَ لِي فَقَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَقُلْتُ: آمِينَ فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّانِيَةَ قَالَ: بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَقُلْتُ: آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّالِثَةَ قَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ الْكِبَرَ عِنْدَهُ أَوْ أَحَدُهُمَا، فلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ - أَظُنُّهُ قَالَ - فَقُلْتُ: آمِينَ ".

ترحل الشهر والهفاه وانهدما

واختص بالفوز بالجنات من خدما

وأصبح الغافل المسكين منكسرا

مثلي فيا ويحه يا عظم ما حرم

من فاته الزرع في وقت البذار فما

تراه يحصد إلا الهم والندما

طوبى لمن كانت التقوى بضاعته

في شهره وبحبل الله معتصما

العنصر الثاني: كثرة الدعاء لقبول صيام وسائر الأعمال:

إخوة الإسلام: أخي المسلم: من منا يحمل هم قبول الطاعات بعد هذه الأيام مَن مِنا أشغله هذا الهاجس؟

من منا أشغله هاجس هل قبلت أعماله أم لا؟

من منا لسانه يلهج بالدعاء أن يقبل الله منه رمضان؟! إننا نقرأ ونسمع أن سلفنا الصالح كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يقبل الله منهم رمضان، ونحن لم يمض على رحيله سوى أيام فهل دعونا أم لا؟

أم أننا نسينا رمضان وغفلنا عنه وكأننا أزحنا حملاً ثقيلاً كان جاثماً على صدورنا؟! نعم.

رحل رمضان، لكن ماذا استفدنا من رمضان؟ وأين آثاره على نفوسنا وسلوكنا وأقوالنا وأفعالنا؟ هكذا حال الصالحين العاملين، فهم في رمضان صيام وقيام، وتقلب في أعمال البر والإحسان، وبعد رمضان محاسبة للنفس، وتقدير للربح والخسران، وخوف من عدم قبول الأعمال، لذا فألسنتهم تلهج بالدعاء والإلحاح بأن يقبل الله منهم رمضان.

• قال الحسن البصري: [[المؤمن يحسن ويخاف، والمنافق يسيء ويأمن ]].

وكان الصالحون يتصدقون ويصلون ويصومون وهم خائفون من الذنوب، والمنافقون يغدرون ويفجرون وهم آمنون.

*وفي الصحيح أن ابن مسعود قال: [[المؤمن يرى ذنوبه كأنها جبل يريد أن يسقط عليه، والمنافق أو الفاجر يرى ذنوبه كذباب طار على أنفه فقال به هكذا (وأومأ بيده) (أخرجه البخاري)

• ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60] أي والذين يعطون العطاء، وهم وجلون خائفون ألا يتقبل منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط روى الإمام أحمد والترمذي وابن أبي حاتم عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت: يا رسول اللّه، الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا، وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر، وهو يخاف اللّه عزّ وجلّ؟ قال: "لا يا بنت أبي بكر، يا بنت الصدّيق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق، وهو يخاف اللّه عزّ وجلّ".

حال السلف:
والذي يتأمل أحوال السلف الصالح في وداع رمضان والخشية على الأعمال ليرى قلوبا وجلة و أعينا باكية بكى عامر بن عبد الله حين حضرته الوفاة، فقيل له: ما يبكيك، وقد كنت وكنت؟ فقال: "إني أسمع الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ"، ويقول أبو الدرداء: (لأن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة أحبُّ إلي من الدنيا وما فيها؛ إن الله يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾.

وقال عطاء: "الحذرُ الاتقاءُ على العمل ألا يكون لله".

وقال ابن دينار: "الخوفُ على العمل ألا يُتقبَّل أشدُّ من العمل".

فكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: [لو أعلم لو أن لي صلاة مقبولة لاتكلت، فمن بر والديه فإن الله يتقبل عمله] قال الله تعالى في كتابه فيمن بر والديه: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ [الأحقاف:16] فجمع لمن بر والديه بين هاتين الثمرتين قبول العمل وتكفير الخطيئة، فيقبل عمل الإنسان وتكفر خطيئته.

العنصر الثالث علامات قبول الأعمال:

أحباب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إن الله تعالى جعل لكل عمل من الأعمال جزاء وجعل له علامة للقبول أو الرد.

فيكف تتعرف أخي المسلم على عملك هل قبله مولاك أم رد عليك؟

نسأل الله تعالى القبول.

لقد ذكر لنا أهل المعرفة والقبول علامات القبول وهي كما يلي:

علامات قبول العمل:

(1) الحسنة بعد الحسنة:

فإتيان المسلمون بعد رمضان بالطاعات، والقُربات والمحافظة عليها دليل على رضى الله عن العبد، وإذا رضى الله عن العبد وفقه إلى عمل الطاعة وترك المعصية.

قال الحسن البصري: "إن من جزاء الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئةُ بعدها، فإذا قبل الله العبد فإنه يوفقه إلى الطاعة، ويصرفه عن المعصية، وقد قال الحسن: "يا ابن آدم إن لم تكن في زيادة فأنت في نقصان".

(2) حب الصالحين وبغض أهل المعاصي:

من علامات قبول الطاعة أن يُحبب الله إلى قلبك الصالحين أهل الطاعة ويبغض إلى قلبك الفاسدين أهل المعاصي ،و لقد روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله)).

أخي الحبيب:

قل لي من تحب من تجالس من تود أقل لك من أنت ،ولله در عطاء الله السكندري حين قال :(إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر أين أقامك).

والواجب أن يكون حبنا وبغضنا، وعطاؤنا ومنعنا، وفعلنا وتركنا لله -سبحانه وتعالى- لا شريك له، ممتثلين قوله، صلى الله عليه وسلم " من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع الله، فقد استكمل الإيمان " رواه أحمد عن معاذ بن أنس وغيره..

(3) كثرة الاستغفار:

المتأمل في كثير من العبادات والطاعات مطلوبٌ أن يختمها العبد بالاستغفار، فإنه مهما حرص الإنسان على تكميل عمله فإنه لابد من النقص والتقصير، ، فبعد أن يؤدي العبد مناسك الحج قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [البقرة:199].

وبعد الصلاة علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستغفر الله ثلاثاً ، وأهل القيام بعد قيامهم وابتهالهم يختمون ذلك بالاستغفار في الأسحار قال تعالى:

﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18]، وأوصى الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقول ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ [محمد: 19].

وأمره أيضاً أن يختم حياته العامرة بعبادة الله والجهاد في سبيله بالاستغفار فقال:

﴿ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً﴾.

فكان يقول صلى الله عليه وسلم في ركوعه وسجوده: ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) رواه البخاري.

(4) المداومة على الأعمال الصالحة:

كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم المداومة على الأعمال الصالحة، فعن عائشة-رضي الله عنها -قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته) رواه مسلم.

و أحب الأعمال إلى الله وإلى رسوله أدومها وإن قلَّت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل). متفق عليه.

وبشرى لمن داوم على عمل صالح، ثم انقطع عنه بسبب مرض أو سفر أو نوم كتب له أجر ذلك العمل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً) رواه البخاري ، و هذا في حق من كان يعمل طاعة فحصل له ما يمنعه منها، وكانت نيته أن يداوم عليها. وقال صلى الله عليه وسلم :( ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومه صدقة عليه). أخرجه النسائي.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

أما بعد:

العنصر الرابع استصحاب روح مضان:

• روح رمضان: روح الهمة العالية في المحافظة على الفرائض والواجبات:

فليس لعمل المؤمن أجل دون الموت قال الله تعالى ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].

عن علقمة قال قلت لعائشة: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخص من الأيام شيئا؟ قالت: لا. كان عمله ديمة وأيكم يطيق ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطيق. رواه البخاري

• روح رمضان: روح الأخلاق الكريمة فلا سب ولا هجر ولا خصومة ولا حسد:

عن علقمة عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء".

فالمسلم لا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح.

" صحيح البخاري " عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة ، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس ، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله عنه ، وكان القراء أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته ، كهولا كانوا أو شبانا ، فقال عيينة لابن أخيه : يا بن أخي ، لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه ، فاستأذن ، فأذن له عمر ، فلما دخل قال : هي (وهي كلمة تهديد ، وفي نخة : هيه وإيه ، بمعنى : زدني.) يا ابن الخطاب، فو الله ما تعطينا الجزل ، ولا تحكم فينا بالعدل ، فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم أن يوقع به ، فقال له الحر : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه (صلى الله عليه وسلم) : ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين ، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه ، وكان وقافا عند كتاب الله تعالى.

وعن عبادة بن الصامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بما يشرف الله به البنيان ويرفع الدرجات؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: تحلم على من جهل عليك وتعفو عمن ظلمك. وتعطى من حرمك؟ وتصل من قطعك ".

قال عصام بن المصطلق: "دخلت المدينة فرأيت الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- فأعجبني سمته وحسن روائه، فأثار منّي الحسد ما كان يجنّه صدري لأبيه من البغض، فقلت: أنت ابن أبي طالب، قال: نعم، فبالغت في شتمه وشتم أبيه، فنظر إليّ نظرة عاطف رءوف، ثمّ قال: أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم بسم الله الرّحمن الرّحيم ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199] فقرأ إلى قوله تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ، ثمّ قال لي: خفّض عليك، استغفر الله لي ولك، إنّك لو استعنتنا أعنّاك، ولو استرفدتنا أرفدناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، فتوسّم فيّ النّدم على ما فرط منّي فقال: ﴿ قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92] أمن أهل الشّام أنت؟ قلت: نعم. فقال: "شنشنة أعرفها من أخزم" حيّاك الله وبيّاك، وعافاك، وآداك "آداك بمعنى أعانك وقواك" ؛ انبسط إلينا في حوائجك وما يعرض لك، تجدنا عند أفضل ظنّك، إن شاء الله، قال عصام: فضاقت عليّ الأرض بما رحبت، ووددت أنّها ساخت بي، ثمّ تسلّلت منه لواذا، وما على وجه الأرض أحبّ إليّ منه ومن أبيه" "تفسير القرطبي".

• روح رمضان روح الكرم و البذل و العطاء:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 103، 104].

عن أبي كبشة الأنماريّ- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "ثلاثة أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه" ، قال: "ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلّا زاده الله- عزّ وجلّ- بها عزّا ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر. وأحدّثكم حديثا فاحفظوه" ، قال: "إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله عزّ وجلّ- مالا وعلما فهو يتّقي فيه ربّه، ويصل فيه رحمه ويعلم لله- عزّ وجلّ- فيه حقّا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله- عزّ وجلّ- علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النّيّة، يقول: لو أنّ لي مالا لعملت بعمل فلان، فهو نيّته. فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتّقي فيه ربّه- عزّ وجلّ- ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقّا، فهذا بأخبث المنازل.
وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول: لو أنّ لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو نيّته فوزرهما فيه سواء" ) الترمذي.

قال مالك ابن دينار- رحمهم الله تعالى -: "المؤمن كريم في كلّ حالة لا يحبّ أن يؤذي جاره، ولا يفتقر أحد من أقربائه، قال: ثمّ يبكي مالك وهو يقول: وهو مع ذلك غنيّ القلب لا يملك من الدّنيا شيئا، إن أزلّته عن دينه لم يزلّ، وإن خدعته عن ماله انخدع، لا يرى الدّنيا من الآخرة عوضا، ولا يرى البخل من الجود حظّا، منكسر القلب ذو هموم قد تفرّد بها، مكتئب حزين ليس له في فرح الدّنيا نصيب، إن أتاه منها شيء فرّقه وإن زوي عنه كلّ شيء فيها لم يطلبه ويبكي ويقول: هذا والله الكرم، هذا والله الكرم".

روح رمضان: روح العفة عما حرم الله تعالى:

• العفة عن النظر وسماع ما حرم الله تعالى

• العفة عن الرشوة وأكل السحت

• العفة عن اكل أموال اليتامى

• العفة عن الوقوع في أعراض المسلمين

• العفة عن التبرج والسفور.

فقد رأينا العفة تمشي على الأرض متمثلة في أخلاق الصائمين و الصائمات.

فلماء لا نستصحب روح رمضان في حياتنا اليومية.

تمام العفة:

لا يكون الإنسان تامّ العفّة حتّى يكون عفيف اليد واللّسان والسّمع والبصر

• فمن عدمها في اللّسان السّخرية، والتّجسّس والغيبة والهمز والنّميمة والتّنابز بالألقاب

• ومن عدمها في البصر: مدّ العين إلى المحارم وزينة الحياة الدّنيا المولّدة للشّهوات الرّديئة،

• ومن عدمها في السّمع: الإصغاء إلى المسموعات القبيحة.

وعماد عفّة الجوارح كلّها ألا يطلقها صاحبها في شيء ممّا يختصّ بكلّ واحد منها إلّا فيما يسوّغه العقل والشّرع دون الشّهوة والهوى

قال سفيان الثّوريّ - رحمه الله تعالى -لأصحابه وقد خرجوا يوم عيد: "إنّ أوّل ما نبدأ به في يومنا عفّة أبصارنا".

عفة عن المال العام: لمّا فتح المسلمون القادسيّة أخذوا الغنائم ودفعوها إلى عمر. فقال: "إنّ قوما أدّوا هذا لأمناء، فقالوا له: عففت فعفّوا ولو رتعت يا أمير المؤمنين لرتعت أمّتك".

روح مضان: روح الجماعة والاتحاد.

فقد كان رمضان أداة لحمة بين أفراد المجتمع بين الفقراء والأغنياء، بين الأصحاء والمرضى.

فقد جمع رمضان بين أفراد المجتمع تحت مظلة الطاعة فكنت تراهم في الصلوات وتراهم في الجمع وتراهم على موائد رمضان وتراهم وهم اخوه متحابين.

حقا عباد الله لقد تحقق قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك التشبيه الرائع لوحد الأمة ففي الصحيحين وغيرهما من حديث النعمان بن بشير " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

ولمسلم "المسلمون كرجل واحد إذا اشتكى عينه اشتكى كله، وإذا اشتكى رأسه اشتكى كله" وفي الصحيحين من حديث أبي موسى: "المؤمن للمؤمن كالبنيان" وفي لفظ "كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه".

عن ابن عباس أنه كان معتكفا في مسجد رسول الله فأتاه رجل فسلم عليه ثم جلس فقال له ابن عباس: يا فلان أراك مكتئبا حزينا؟

قال: نعم يا ابن عم رسول الله؟ لفلان على حق ولاء؟ وحرمة صاحب هذا القبر ما أقدر عليه!!

قال ابن عباس: أفلا أكلمه فيك ؟! "

قال: إن أحببت: قال: فانتعل ابن عباس

ثم خرج من المسجد؟

فقال له الرجل: أنسيت ما كنت فيه؟

قال: لا ولكنى سمعت صاحب هذا القبر – صلى الله عليه وسلم - والعهد به قريب ودمعت عيناه يقول " من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها كان خيرا له من اعتكاف عشر سنين؟

" فهكذا كونوا يا عباد الله إخوانًا ولا تتفرق بكم السبل عن الطرق المثلى عن الطريق المنجية عن الطريق الموصلة إلى الله والدار الآخرة فإن الشيطان له غرض في بني آدم لكن لما آيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب رضي بالتحريش بين المسلمين فشن الغارة عليهم وأتاهم من كل طريق فمن اعتصم بحبل الله وجاهد العدو كان على سبيل نجاة، ومن اتبع هواه ولم يلتفت إلى ما أمره به مولاه كان الهلاك إليه أقرب من حبل الوريد. فيا عباد الله اتقوا الله وراقبوه واعتصموا بحبله جميعًا ولا تفرقوا ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الأنفال: 26]

الدعاء...
2024/09/22 14:36:30
Back to Top
HTML Embed Code: