Telegram Web Link
🎤
خطبة.جمعــة.بعنــوان.cc
البشارة بأن الباطل زائل وإن علا
للشيــخ/ مــحــمـــد صـالـح المنـجـــــد
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

عــناصر الخطبــة :
1/ المثل المائي ومعناه 2/ المثل الناري ومعناه 3/ العلاقة بين المثلين 4/ العلاقة بينهما وبين الدين والشرع والإسلام 5/ العلو للباطل أولا والغلبة للإسلام آخرا 6/ من عبر ضرب هذين المثلين 7/ إنفاق أهل الباطل وجهودهم في التنصير 8/ أمثلة على أن الزبد يذهب جفاء 9/ أمثلة على أن ما ينفع الناس يمكث في الأرض .

الخطبــــة.الاولــــى.cc
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

الحمد لله الذي أنزل علينا القرآن، وجعل ما فيه من الأمثال والبيان: حكمة ومجالاً للتدبر؛ ليتحقق الابتلاء والامتحان، وتتبين حقيقة الإنسان، قال الله -سبحانه وتعالى- في محكم تنزيله، في آية لابد للمسلم من النظر فيها بعين البصيرة، والتأمل فيها: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ) [الرعد: 17].

قال بعض السلف: "إذا سمعتُ المثل في القرآن فلم أفهمه بكيتُ على نفسي؛ لأن الله تعالى يقول: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت:43]، فلا يفهم الأمثال التي ضربها الله للناس في كتابه إلا العالم، فإذا لم يفهم الشخص المثل فربما لا يكون من أهل العلم.

وقد ضرب الله تعالى في هذه الآية مثلاً نارياً، وقبله مثلاً مائياً، فقال الله -عز وجل- في المثل المائي: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا) [الرعد:17] وهذا المثل فيه تشبيه الوحي والقرآن الذي أنزله الله تعالى لحياة القلوب وهداية الناس بنزول المطر من السماء الذي تحيا به الأرض، إنه وحي عام لا يخص أحداً دون أحد، هو للجميع؛ للعرب والعجم، للأحمر والأصفر والأسود. إنه للذكر والأنثى، والكبير والصغير؛ مثل المطر الذي يعم بنفعه الجميع.
(أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا)، هذه الأودية التي تجتمع فيها الأمطار تختلف سعةً وعمقاً، وتختلف بحسب إمساكها للماء، وتختلف في الشعاب التي تسيل منها، وحجم الأراضي التي تسقيها، وبالتالي في حجم الانتفاع الذي ينتفع منها، الوادي يحتضن الماء.

وكذلك قلب المؤمن يحتضن هذا الوحي ويلُمُّه فيه، وينعقد عليه، فيتفاعل معه، الأرض تتفاعل مع المطر فتنبت، والقلب يتفاعل مع الوحي فيثمر الأعمال الصالحة، وعندما ترى المطر ينزل فإنه يثمر أنواعاً من الثمار والزهور مختلفة اللون والطعم والرائحة، وكذلك هذه الآيات في قلب المؤمن تثمر أنواعاً من الأعمال الصالحة. إنها في تنوعها وشمولها وقيامها على أعضاء البدن المختلفة فيها رصيد له عظيم عند ربه.

قال الله تعالى: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ) سالت أودية، هنالك حركة، كما تعبر عنها لفظة: (سالت)، إنه ليس ممسكاً فقط، ومختزناً، أو متشرباً؛ كلا؛ بل هو وادٍ كبير يسيل بما فيه، والماء ليس آسناً، وإنما يتحرك؛ لأن الوادي فيه مناسيب في الارتفاع مختلفة تجعل الماء يتحرك، فيسيل الوادي بما يحتضنه من الماء، يسيل الوادي بما اشتمل عليه من المطر، (فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا).

قلوب الناس في قبول الحق والعمل به تختلف؛ فهي كالأودية المتنوعة، والقلوب تتفاوت فيما تأخذه من الوحي والقرآن، وبما تقبله منه، وبما تتفاعل معه وتنصاع لأمره، فهناك قلوب كبيرة وقلوب صغيرة، قلوب واسعة وقلوب ضيقة، قلوب طيبة وأخرى خبيثة، إذا جاءها الوحي لم يجد محلاً قابلاً، فينصرف عنها، فيكون كالمطر الذي يمر على الصخور الملساء، إنما يزيل عنها التراب فقط.

وهذه الأودية ليست صخوراً ملساء إذا نزل عليها الماء انصرف وزال، وإنما هي تحتضن وتكتنز، فإذا نزل القرآن حملت القلوب منه على قدر اليقين والعقل، والقلوب مع الوحي كالغيث مع الأرض، فهنالك أرض نقية تقبل الماء وتنبت الكلأ والعشب الكثير، وهناك أرض أجادب تمسك الماء فينفع الله به الناس إذا أخذوا منه، فيحتفرون ويستخرجون، ويستنبطون، ويشربون ويسقون، ويزرعون، وهناك أراضٍ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً؛ قال الله تعالى: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا) احتمل: جرف معه بالطريق هذا الزبد، وهذا الحركة المتدفقة يركب زبد، ويعلو زبد، والزبَد: ما يعلو السيل من خليط غير
متماسك من أشياء؛ من القاذورات، والوساخات، وبقايا أوراق الأشجار، والأتربة، والأخشاب، والأعواد ونحو ذلك.

هذا الزبد ليس فيه تماسك ولا ترابط، مجموعة أشياء غير متجانسة، أيضاً ليس له أساس؛ لأنه محمول على الماء حملاً، ولكنه ظاهر فوقه، وبائن على سطح الماء للرائي، أول ما ينظر الإنسان إلى مجرى السيل يجد هذا الزبد، فهو في رأي العين أول ما يُرى، هو شيء يطفو على السطح، ولكنه سرعان ما يتمزق ويتصدع بكل سهولة إذا مر على شيء ثابت، أو عاقه عائق سرعان ما يضمحل، يزول، يتفرق تفرقاً سهلاً سريعاً.

هو عبارة عن رغوة، فقاقيع هواء، والفقاعة ماذا تحتوي في الحجم أو في الوزن أو الكثافة؟ هي أقل كثافة من الماء بكثير، ولذلك تطفو على سطحه، هذا غثاء، لكنه موصوف في الآية: (رَّابِيًا): يعني عالياً، منتفخاً، منتفشاً؛ فالانتفاش، والانتفاخ، والعلو من طبع الزبد، لكن بلا أساس ولا قاعدة، غير متماسك ولا متجانس، ويتفرق سريعاً، هذا هو المثل المائي.
ثم قال تعالى: (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ) يوقد في النار ابتغاء الحلية والمتاع صخر المعدن، عندما يراد استخلاص المعادن: يؤتى بالخام المخلوط بأشياء كثيرة؛ من ذهب، وحديد، و غير ذلك، يُدخل في أفران، ويعرض للحرارة العالية؛ لاستخراج المعدن.

وإذا استُخرج المعدن يدخل بعد ذلك في أفران، ويعرض للنار للتشكيل؛ ليكون حلية أو متاع، فهذا الخام المخلوط لاستخراج المعدن منه لا بد أن يوقد عليه نار؛ فماذا يحدث عند عملية الصهر، أو عند عملية الإيقاد على هذه الأشياء؟ يعلو زبد أيضاً، وتظهر فقاقيع؛ لأن المعادن مخلوطة بأشياء تافهة أو قاذورات، وأشياء خسيسة، ولابد لاستخراج النفيس من حرارة تفصل الخسيس عنه، فإذا وضع في النار علته فقاعات أخرى تسمى خبث المعدِن.

والعلاقة بين المثلين واحدة: وهي ارتفاع الزبد وعلوه على السطح، ثم يلقى ويطرح؛ لأنه لا خير فيه، ويؤخذ الباقي الصافي، المعدن الأصلي، الذي يستفاد منه في الطرق والتشكيل ونحو ذلك.

في الحالين في المثل المائي والناري قال الله: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً) الزبد يذهب جفاءً؛ ما رمى به الوادي من الزبد، وما رمى به القدر والفرن من الزبد في جنباته؛ يذهب جفاءً ما معنى جفاءً؟ باطلاً، ضائعاً، مطروحاً، مستغنىً عنه، ملقىً، تافهاًً، فيحصل الصفاء للوادي بعد ذهاب الزبد، ويحصل الصفاء للمعدن بعد ذهاب هذا الزبد أيضاً، يصبح المنظر أجمل، يصبح المعدن صافياً، والماء أصفى.

قال الله تعالى عن المرحلة التي تكون بعد ذلك: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ) من الماء الصافي، والمعدن الخالص (فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) يثبت فيها؛ مصنوعات، نباتات؛ ينفع الناس، (فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ)، فهذا شجر وهذه حلية ومتاع، ينتفع الناس بالشجر فيأكلون من الثمار، ويتزينون بالحلية ويستخدمون ذلك المتاع، هذا الشيء المشاهد دنيوياً؛ فما هي العلاقة بينه وبين الدين والشرع والإسلام، وما أنزل الله؟
بعدما ساق لهم هذه المشاهد، أو هذين المشهدين المرئيين المتكررين المعروفين عندهم، قال لهم بعد سياقها: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ)، عندما يقرأ الإنسان الآية من أولها: يذهب ذهنه ويسير مع هذه العملية الطبيعية التي ينزل فيها الماء إلى الوادي، وذلك الإيقاد الذي يفعله الناس في المعادن، لكن بعد ذلك يأتي الربط: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ).

فضرب الله مثلين للحق في ثباته، للحق في بقائه، للحق في منفعته، للحق في رسوخه، للحق في استفادة الناس منه، للحق عندما يبقى ويستمر، وأيضاً ضرب المثل في هذا للباطل في تفرقه، وعدم تجانسه؛ سبلٌ، وذاك صراط مستقيم، هذه سبل غير متجانسة، ولا متوافقة، هذه أهواء مصدرها إبليس وشياطين الإنس، ثم لها علوٌ في مراحل.
نعم؛ الباطل منتفش. نعم؛ الباطل يعلو أحياناً. نعم؛ الباطل يظهر للناس، ولا يظهر الحق لكثير من الناس، والذي لا يعلم الحقيقة ويرى سطح القدر وسطح الوادي يرى زبداً، يراه منتفشاً طاغياً، يراه منتفخاً عالياً؛ لأنه قال: (رَّابِيًا)، (زَبَدًا رَّابِيًا)، لكن ماذا يحدث له بعد ذلك؟
الله -عز وجل- حكيم لم يرد أن يكون الحق هكذا يُحصل عليه بكل سهولة، وبدون أي معركة ولا مواجهة، ولا تغلب، وإنما أراد أن يكون هنالك صراع، وأن يكون هنالك تغلب في النهاية للحق، وعلوٌ للباطل في البداية، أول ما ينزل المطر، (فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا)، أول ما يوقدون عليه في النار تخرج الفقاقيع ويعلو الزبد.

إذاً؛ البداية للزبد، لكن ليس الاستمرار له ولا البقاء، فضلاً عن النفع والرسوخ، ولذلك قال: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ)، هذه أشياء محسوسة يضرب الله بها أمثالاً للأشياء غير المحسوسة، ويرينا الحق في رسوخه كالشجرة العظيمة التي لها ثمار، ضاربة في الأرض بجذورها، (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَ
لِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء) [إبراهيم:24].

ويرينا الباطل، ويوم القيامة ماذا يكون؟ (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا) [الفرقان:23] كل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل، وما لا يكون لله لا ينفع ولا يدوم، وهكذا يضرب الله الأمثال، ختم الآية بهذا الختام: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ).

هذه الأمثال عظيمة يضربها الله؛ ليعقلها العالمون، هذه الأمثال يبين الله بها، هذه الأمثال مجال للتدبر والتفكر، ومن تأمل استخرج المزيد، هذه أمثال لذهاب أعمال الكفار والمنافقين، ينفقون عليها كثيراً، لكنها لا تدوم، هذه أمثال لجهود أعداء الدين، يصرفون من أجلها الأوقات والأعمار، مخططات، مؤامرات، مؤتمرات، إنفاقات، جهود عظيمة جداً، لكنها في النهاية تضمحل، تدبير أهل الباطل سيزول، وأموالهم سينفقونها، (ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال: 36] ولا يبقى في النهاية إلا ما هو حق أريد به وجه الله -عز وجل-.
اللهم إنا نسألك أن ترينا الحق حقاً وأن ترزقنا اتباعه، وأن ترينا الباطل باطلاً وأن ترزقنا اجتنابه.

أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبــــة.الثانيــــة.cc
الحمدلله العلي الوهاب، وسبحان الله الهادي إلى طريق الصواب، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، خير من دعا إلى الله وأناب، آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب، صلى الله عليه وعلى الآل والأصحاب، اللهم ارض عنهم إلى يوم الدين، وعمن تبعهم إلى بإحسان يا أرحم الراحمين.

يا أيها المسلمون يا عباد الله:
تأملوا في إنفاق أهل الباطل وجهودهم؛ إذاعة الفاتيكان تأسست عام 1931م، تملك أكبر وأقوى أجهزة بث على مستوى العالم، وتقدم خدماتها بأكثر من سبعة وأربعين لغة ولهجة؛ من بينها العربية، يستمع إليها أكثر من مليار وثلاثمائة مليون مستمع ومشاهد في العالم.

وعدد المؤسسات التنصيرية أكثر من ربع مليون مؤسسة تنصيرية، تملك أكثر من مائة مليون جهاز كمبيوتر، وتصدر ملايين الكتب، وأكثر من خمسة وعشرين ألف جريدة بأكثر من مائة وخمسين لغة، وصل عدد الأناجيل الموزعة في العالم إلى نحو ستين مليون.

وهناك أكثر من خمسمائة قناة فضائية تنصيرية، قام قسٌ أمريكي بحملة صليبية للوصول إلى أربعمائة مليون شخص بخطاب يلقيه في خمسمائة مدينة عن طريق ستة عشر قمراً صناعياً، بكل ما يحتويه كل قمر من القنوات، وأكثر من مائة ألف مركز ومعهد تدريب وتأهيل.

وعلى سبيل المثال: فإن منظمة [S0S] التنصيرية المتخصصة في إنشاء قرى للأطفال والأيتام حول العالم أنشأت أكثر من ثلاثمائة وواحد وسبعين قرية نموذجية بمساكنها، ومدارسها، وترفيهها، وألعابها، وحواضنها، بكافة الخدمات التعليمية، والصحية، والتربوية، والاجتماعية حول العالم، ميزانيات بالمليارات.

كما قام المنصورون ببناء المدارس، والملاجئ، والمخيمات، ودور الأيتام والفقراء، وبناء الجامعات، وتقديم الأموال، والمساعدات، والأدوية، والأغذية، في المقابل: ماذا قدم المسلمون؟ الجواب مخجل لا يذكر، كم قمر صناعي عملوا لخدمة الإسلام؟ محطات الفضائية الإسلامية جهود فردية في كثير من الأحيان، وهذه تفتح وهذه تغلق، وهذه وهذه.

ولا زال عامل التخطيط والإدارة كله بدائيا، وقل مثل ذلك في كثير من المواقع والكتب لازلنا في مجال الدعاية والإعلان والإعلام والوسائل لازلنا في البداية، وأعداؤنا تقدمونا بكثير، وفضلاً عما يكون في بعض الأعمال الإسلامية من الدخل والدخن والخلط، ماذا يوجد لها من ميزانيات؟ ماذا يوجد لها من متفرغين وطاقات بشرية؟ لا يكاد يذكر.

ثم هي مع ذلك الأعمال الإسلامية معرضة على مستوى العالم للحصار؛ فتأمل في المدارس على مستوى العالم في أوروبا في أمريكا، إلى آخره، في المعاهد، في المراكز الإسلامية القليلة الباقية الموجودة؛ ماذا حصل لها؟

إقفال، شلل، حصار، إغلاق، وعقوبات، فهذا يغلق، وهذه مآذن تمنع، وهذه مساجد تحاصر، وهذا نقاب وحجاب يحارب، مع المقارنة غير المنصفة أبداً بين الفريقين فإن الإسلام هو الديانة رقم واحد في الانتشار في العالم الآن،كل هذه الجهود هناك، وكل هذه الأشياء المتواضعة هنا، ثم يكون الإسلام أكثر دين انتشاراً في العالم، ويخشى الفرنسيون أن تتحول فرنسا إلى دولة إسلامية في عام 2050م.
(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ)، (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال: 36].

مشروع تنصيري جُمع له ثلاثمائة وست ثلاثين مليون دولار، وآخر جمع له مائة وخمسين مليون دولار، إنهار كل منها بسبب فض
يحة أخلاقية: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا) ستخرج، ستبذل، ستذهب (ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً)؛ لكي يقفوا ويقولوا: ماذا صنعنا؟

بالنسبة لحسابات الأرباح والخسائر، ما كسبوه من التنصير لا يعادل أبداً إطلاقاً المبالغ الهائلة، والجهود التي صرفت: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ) [الصف: 8].

تظهر كلمة الحق ولو بعد حين، ينتصر الحق ولو بعد مدة، سيغلِب أهله ولو كانت الجولة لأعدائهم في البداية، لكن لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، يقول المؤرخ الأمريكي استودورد: "يكاد يكون نبأ ظهور الإسلام هو الأعجب في تاريخ البشرية؛ إذ ظهر في أمة عرب متمزقين، وكيان منحط، فلم يمض عليه قرن، -أي: مائة سنة فقط- حتى انتشر في نصف العالم، يغير النفوس والدول والأقوام والناس، ويبني حضارة".

"ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنار" مسند أحمد.، وقال شعيب الأرناؤوط: "إسناده صحيح على شرط مسلم".
والدين ينتشر شرقاً وغرباً، وهكذا الكرة الأرضية اليابسة فيها منتشرة شرقاً وغرباً، قطب في الشمال، وقطب في الجنوب، وبحار بينهما، لكنه قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله زوي لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها" صحيح مسلم.

أقاموا حفلاً تنصيرياً لفتيات مسلمات قد تم إعدادهن مدة من الزمن، ثم بعد ذلك لما خرجن كن بالحجاب الإسلامي، ومجموعة من القرويين يقوم عليهم منصرون يعلمونهم كل يوم، ويعطونهم، ويغذونهم، ثم يأتي واحد يمر أمامهم فيقول: "وحدوه"، فيقولون كلهم: "لا إله إلا الله": (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) [الروم: 30].

وبجهود بسيطة: أنت لا تعرف الإسلام، إن أردت معرفته اتبعني، اسألني، اتصل على الرقم الفلاني، هذا مسلم استنبطها من إعلان إطارات، إعلان إطارات على زجاج سيارات، فأسلم عنده أكثر من ألف ألماني، وأقام مسجداً ومركزاً إسلامياً وداراً للتعليم.

أيها الأخوة: الأشياء التي تذهب من الباطل كثيرة، تذهب ثروات ومليارات جمعت لغير وجه الله وبغير حق، مثال ذلك ما ذكر الله تعالى عن قارون: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) [القصص:79]، عنده خزائن: (مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) [القصص:76].

مفاتح الخزائن لتنوء بالعصبة أولي القوة، والعصبة: جماعة من الرجال ليسوا ضعافا (أُولِي الْقُوَّةِ) ينوءون بحمل المفاتيح؛ فكيف بالخزائن؟ فكيف بما في داخل الخزائن؟ (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ)، لما خرج على قومه في زينته، قال الذين يريدون الحياة الدنيا (يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [القصص: 79]؛ ماذا كانت النتيجة؟ (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) [القصص:81]، (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ).

أين قوم عاد؟ أين قوم ثمود؟ أين إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد؟ وأين ثمود الذين جابوا الصخر بالواد؟ وأين فرعون ذي الأوتاد؟ وأين حضارة الفراعنة؟ وأين ما كانوا عليه من الملك؛ (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي) [الزخرف:51] كلها ذهبت وانتهت، واضمحلت، (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا) [الأعراف:137].

وانتهت حضارة فرعون، انتهت دولة فرعون، الفراعنة انتهوا، وأورث الله بني إسرائيل في ذلك الوقت مشارق الأرض ومغاربها، بقيت الآن أطلال بواقي، أشياء تنبئ أنه كان هنا حضارة وبلاد، لكن انتهت، أهلكهم الله، منهم من خسف به، ومنهم من سلط عليه حاصباًَ، ومنهم من أخذته الصيحة، ومن أخذه الريح والإعصار.

وهكذا؛ خذ اليوم من مذاهب الشيوعية، الوجودية، الإلحاد، البعثية إلى آخره؛ أين ذهبت؟ ماذا بقي منها؟ ذهبت اضمحلت، مذاهب كثيرة جداً، وبدع وطرق: ذهبت انتهت بادت، وبقي القرآن، القرآن لم يتغير، ولم يتبدل، ولم يفنى؛ أين بدعة القول بخلق القرآن؟ انتهت بعدما كان لها كبراء وزراء، من يقومون بها، ويدعون إليها، ويخيفون الناس، ويعذبونهم، لكن انتهت، بادت المدرسة، بقي ما في الكتب عنها، بقي شواذ قلة ممن يقول بها، لكن انتصر منهج أهل السنة، وارتفع ذكر من مثَّله من الإمام أحمد، والبويطي، ومحمد بن نوح، وأهل العلم الذين كانوا على الحق، بقي منهجهم.

حصلت فقاقيع كثيرة عبر التاريخ، هناك كتب كثيرة ألفت، وكتب كثيرة رصدت لها الملايين، وطبعت، ودعايات وإعلانات؛ أين هي الآن؟ ماذا بقي منها؟ كم سطّر الحداثيون ونفخوا فيه من كتب؟ ماذا بقي منها؟ ماذا بقي من الآيات الشيطانية؟ وماذا بقي من الليالي الحمراء المزعومة؟ وماذا بقي من ومن، تضمحل ويبقى كتاب الله -عز وجل-،
وما يتعلق به من شرح وتفسير، وهكذا تندثر فتاوى باطلة وضالة، وهكذا تذهب أكاذيب كثيرة؛ (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ).

لما عزم مالك -رحمه الله- على تصنيف الموطأ وصنفه، قلده بعض الناس وعملوا موطآت، وجمعوا أحاديث ووضعوها في كتاب، فقيل لمالك: "شغلت نفسك بعمل الكتاب، ثم شاركك فيه ناس وقلدوك وعملوا مثل نفس الفكرة"، فقال: "ائتوني بما عملوا، فأوتي بذلك، فنظر فيه ثم قال: "لتعلمن أنه لا يرتفع من هذا إلا ما أريد به وجه الله".
بقي انتقاء مالك وشروط مالك وتعب مالك وسهر مالك، ورحلات مالك في جمع الحديث، وتبويب مالك بقي موطأ مالك، وبقي صحيح البخاري، وبقيت الرسالة للشافعي، وبقيت صحاح مسانيد أهل السنة، ولكن الكتب التي ألفها علماء النصارى واليهود في القرون السابقة؛ ماذا حصل فيها؟

بقيت لنا دواوين أهل الإسلام، بقي لنا مسند أحمد، بقي لنا من الشروح الكثير، والعجيب أن هنالك كتب لم تنتشر في وقت مؤلفها؛ مثل مؤلفات ابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب، وابن عبد الهادي، وغيرهم، ما كانت منتشرة في وقتهم كانتشارها الآن أبداً، بل كانت محاصرة ولهم أعداء، وهكذا خرج تفسير ابن كثير، ورياض الصالحين، مؤلفات النووي، وابن حجر، وابن قدامة، وغيرهم.

الآن تطبع بأعداد أكبر بكثير مما كان في وقت المؤلف؛ (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء)، كتب لأهل الباطل ذهبت بقي منها مخطوطات اندثرت، وبقيت كتب أهل الحق، هناك ممن ولي في الأرض كثير، لكن بقي ذكر ذي القرنين مخلداً. وبقيت سيرة عمر بن عبد العزيز وقد خلف سنتين زاهية مورقة جذابة جميلة.

أحمد بن حنبل -رحمه الله-
لما خرجت جنازته لهج الناس في الجنازة بذكر الحق، وأن القرآن منزل غير مخلوق. وابن أبي دؤاد الذي تزعم الفتنة ابتلاه الله بشلل قبل الموت، وبقي طريحاً في الفراش لا يحرك جسده، وحرم لذة الطعام والشراب والنكاح، ولم يُصَلِّ عليه عند موته إلا ابنه العباس وعدد قليل من الناس، ودفن في بيته؛ لأن الناس ربما رجموا قبره، وقس على ذلك، البقاء للأصلح؛ أما الزبد فيذهب جفاءً، تذروه الرياح، ولو أنفقت عليه أموال كثيرة.

ما هو الدرس -أيها الأخوة-؟ الدرس: عدم الاغترار بالباطل؛ ولو انتفش ولو علا ولو ظهر في المشهد؛ لأنه في النهاية سيضمحل ولا يبقى، ويبقى الحق.

قالوا: أن هناك ستمائة وستة وتسعين قناة عربية: منها مائة وخمسة عشر قناة للأغاني، وستة وخمسين للرياضة، والقنوات الدينية قلة؛ (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ)، أين أفلام هوليود؟ أنتجت أفلام كثيرة جداً؛ أين هي؟ ما ذهب منها كثير، نُسي. ينفق على الفلم الواحد عشرون مليون دولار، ثلاثون مليون دولار، أربعون مليون دولار، لكن أين هي بعد ذلك؟

وأما القرآن والسنة وشروحهما فأمرها عجيب، والعلماء، والشخصيات، وتلاميذ العلماء، وتلاميذ التلاميذ، طيب ذكرهم باق أثرهم؛ (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ).

اللهم اغفر لنا أجمعين، ودلنا على الحق يا رب العالمين، وخذ بأيدينا للتمسك به إنك على كل شيء قدير، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا أجمعين، وأن تتوب علينا يا تواب، ارزقنا الأمن والأمان في بلدنا هذا وبلاد المسلمين.

آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
🎤
خطبـة.جمعــة.بعنــوان.cc
احـــفــــظ الــلــــه يحـــفـــــظك
للـــدكتــــور/ أحـــمـــــــد فــــريــــــد
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــــة.الاولــــى.cc
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى: ﴿ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ [الأنعام: 134].

روى الإمام أحمد والترمذي عن أبي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف))[1].

وفي رواية غير الترمذي: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف على الله في الرخاء يعرفْك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا))[2].
قال الإمام ابن الجوزي في "صيد الخاطر": "تدبرتُ هذا الحديث فأدهشني حتى كدت أن أطيش، فواأسفًا من الجهل بهذا الحديث، وقلة التفهم لمعناه".

فهذا الحديث عباد الله الذي يرويه حبر الأمة وترجمان القرآن وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل))[3] وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبدالله بن عباس، ومن خلاله يوصي الأمة كلها، يقول: ((يا غلام، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك)).

وحفظ الله عز وجل: أن تحفظ حدود الله عز وجل وأن تحفظ حقوقه، وأن تحفظ أوامره ونواهيه، فالواجب على العبد عباد الله أن يحفظ الله عز وجل كما قال جل في علاه: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ [البقرة: 238].

فمِن حفظِ الله عز وجل: أن تحافظ على الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((مَن حافظ عليها؛ كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومَن لم يحافظ عليها؛ لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة))[4].

ومن ذلك: حفظ الطهارة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن))[5].

ومن ذلك: أن يحفظ الرأس وما وعى، وأن يحفظ البطن وما حوى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الاستحياء من الله حق الحياء، أن تحفظ الرأس وما وعى، وأن تحفظ البطن وما حوى))[6].

فمن حفظ الرأس: أن يحفظ سمعه، وأن يحفظ بصره؛ فلا يقع بصره على محرم، وأن يحفظ لسانه فلا يتكلم بما لا يعنيه، ولا يقع في الغيبة والنميمة وغير ذلك، وأن يحفظ فمه فلا يدخل فيه طعام حرام، يحافظ على سمعه وبصره ولسانه، وأن يحفظ البطن وما حوى.

من ذلك قول الله عز وجل: ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ [المائدة: 89]؛ أي: لا يحلف العبد كثيرًا، وإذا حلف وحنث في حلفه فعليه أن يكفر عن يمينه.

من ذلك: حفظ الفرج، كما قال عز وجل: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ [المؤمنون: 5]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من يحفظ ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة))[7].

وفي رواية الصحيح: ((من ضمن لي ما بين لحييه - أي: لسانه - وما بين رجليه - أي: فرجه - أضمن له الجنة))[8].

فمَن حفظَ الله عز وجل في سمعه وبصره ولسانه وفرجه، وحافظ على حدود الله عز وجل وحافظ على حقوق الله عز وجل وحافظ على أوامر الله عز وجل بأن يؤديها، وحافظ على حدود الله عز وجل فلا يقع فيها - كان جزاؤه من الله عز وجل الحفظ، كما قال الله عز وجل: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152]، وكما قال عز و

جل: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ [محمد:
7]؛ فالجزاء من جنس العمل.

والحفظ من الله عز وجل للعبد يكون على نوعين:

النوع الأول عباد الله: أن يحفظ سمعه وبصره ولسانه، وأن يحفظ عليه جوارحه، وأن يُمتِّعه بقوته، وأن يحفظ ماله، وأن يحفظ أولاده، حفظًا في الدنيا عباد الله.

والنوع الثاني: هو حفظ الإيمان، أن يحفظ على العبد إيمانه؛ فلا يقع في الشهوات ولا في الشبهات، وأن يحول بينه وبين المعصية التي توجب غضب رب الأرض والسماوات.

أما النوع الأول من الحفظ عباد الله: فهو أن يحفظ الله عز وجل على العبد قوَّته، كما حدث من أبي الطيب الطبري، وكان قد جاوز المائة سنة - مات عن مائة وسنتين - وثب وثبة شديدة من مركب إلى الأرض، فعوتب على هذه الوثبة، فقال: "جوارح حفظناها في الصبا، فحفظها الله عز وجل علينا في الكِبَر".

فمن حافظ على جوارحه من معصية الله عز وجل؛ فالله عز وجل يمتعه بسمعه وبصره وقوته.

وعكس ذلك عباد الله: رأى الجنيد شيخًا كبيرًا يسأل الناس، فقال: "هذا ضيع الله عز وجل في الصبا؛ فضيعه الله عز وجل في الكِبَر".

من فارق سدة سيده لم يبقَ لقدمه قرار.
وَاللَّهِ مَا جِئْتُكُمْ زَائِرًا
إِلاَّ وَجَدْتُ الأَرْضَ تُطْوَى لِي
وَلاَ ثَنَيْتُ العَزْمَ عَنْ بَابِكُمْ
إِلاَّ تَعَثَّرْتُ بِأَذْيَالِي

فالعبد إذا حفظ الله عز وجل؛ حفظه الله عز وجل: حفظ صحته، وحفظ ماله، وحفظ أولاده، كما كان سعيد بن المسيب - وقيل: سعيد بن جبير - يقول لابنه: "لأزيدن في صلاتي من أجلكَ؛ رجاء أن أُحفَظَ فيك" ويتأول قول الله عز وجل: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ [الكهف: 82].

فصلاح الآباء يكون سببًا في صلاح الأبناء: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9].

فمن حفظ تقوى الله عز وجل فقد حفظ نفسه، ومن ضيع تقوى الله عز وجل فقد ضيع نفسه، والله عز وجل غني عنه.

((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك))، وفي الرواية الأخرى: ((تجده معك)).

والمعية من الله عز وجل على نوعين:
معية عامة لجميع الخلائق: ﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ﴾ [المجادلة: 7]، فالله عز وجل مع جميع الخلق بسمعه وبصره وقدرته وإحاطته؛ فهذه معية عامة لجميع الخلق، تستوجب من العبد الحذر والخوف من الله عز وجل، وتقوى الله عز وجل، ومراقبة الله عز وجل.

والمعية الثانية عباد الله: هي معية النصرة والتأييد والتوفيق والتسديد، كما قال عز وجل حاكيًا عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي بكر في رحلة الهجرة: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]؛ أي: معنا بسمعه، ومعنا بتوفيقه، ومعنا بتسديده، وكما قال عز وجل لهارون وموسى: ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 46]؛ أي: أسمع ما يُراد بكما، وأرى ما يحاك لكما، وأعلم ما تحتاجان إليه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].

فمن كان مع الله عز وجل بطاعة الله وبتقوى الله عز وجل، ومع دين الله عز وجل، يعز دين الله، ويرفع راية الله عز وجل، مع الله عز وجل بالحب والنصر، والتأييد لدينه ورسوله وكتابه عز وجل فالله عز وجل معه.

قال قتادة: "من كان مع الله عز وجل كان الله معه، ومن كان الله عز وجل معه كان معه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل".

فإذا كنت مع الله عز وجل كان الله معك، معيته لأنبيائه وأوليائه معية التأييد، ومعية النصرة، ومعية التسديد.
إِذَا كُنْتَ بِاللَّهِ مُسْتَعْصِمًا
فَمَاذَا يَضِيرُكَ كَيْدُ العَبِيد

((إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)).

والسؤال بذل للوجه؛ كان بعضهم يقول: "اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك، فصُنه عن مسألة غيرك"، وكان أحدهم إذا عرضت له مسألة للخلق، يهتف به هاتف من داخلة: "الوجه الذي يسجد لله عز وجل؛ لا تبذله لغير الله".

ومن سأل الناس تكثرًا - أي: وعنده ما يكفية - فإنه يأتي يوم القيامة وقد سقط لحم وجهه؛ لأنه أراق ماء وجهه في الدنيا!! فالسؤال عباد الله لا يكون إلا لله؛ لأن العبد لا يذل نفسه إلا لله عز وجل.

عاهد النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة ألاَّ يسألوا أحدًا إلا الله عز وجل، منهم أبو بكر رضي الله عنه فكان يقع منه السوط وهو على البعير، فلا يسأل أحدًا أن يناوله إياه؛ بل ينزل بنفسه فيأخذه، لا يسأل إلا الله عز وجل!

إذا سألت فاسأل الله.. فالسؤال ذل، والسؤال يكون لمن يقدر على جلب جميع المصالح ودفع جميع المضار، وليس هناك أحد يقدر على ذلك إلا الله عز وجل، فإذا سألت فاسأل الله.

﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62]

، وقال عز وجل: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي
فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186].

كان بعض الناس يتردد على بعض الملوك؛ فقال له أحد العلماء: "يا هذا، تذهب إلى من يسد دونك بابه، ويظهر لك فقره، ويخفي عنك غناه، وتَدَعُ من يفتح لك بابه، ويظهر لك غناه، ويقول: ادعوني أستجب لكم؟!".
لاَ تَسْأَلَنَّ بُنَيَّ آدَمَ حَاجَةً
وَسَلِ الَّذِي أَبْوَابُهُ لاَ تُحْجَبُ
اَللَّهُ يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ
وَبُنَيُّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ

فالعبد لا يسأل إلا الله عز وجل، فإذا سألت فاسأل الله، من لم يسأل الله يغضب عليه؛ لأنه غني كريم؛ ولأنه عز وجل يحب أن يتفضل على عباده: ((يد الله ملأى، لا تغيضها نفقة - أي: لا تنقصها نفقة - سَحَّاء الليل والنهار - أي: ينفق على عباده بالليل والنهار - أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه - أي: لم ينقص ما في يمينه))[9].

في بعض الروايات: ((ذلك بأني جواد واجد ماجد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له: كن، فيكون))[10].

فالله عز وجل غني كريم، ويخلق بكلمة (كن)، إذا أراد شيئًا يقول له: كن، فيكون؛ فهو وحده الغني: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [فاطر: 15 - 17].

فالعبد يسأل من يقدر على كشف الضر، ومن يقدر على جلب المنافع كلها، ولا أحد يقدر على ذلك إلا الله عز وجل.

((وإذا استعنت فاستعن بالله)).

والاستعانة: هي طلب العون والمساعدة، ولا تجوز الاستعانة في الأمور كلها إلا بالله عز وجل، ويجوز أن تستعين بمخلوق في قضاء حاجة من حوائج الدنيا التي يقدر عليها المخلوق، ولكن لا يجوز أن تستعين بمخلوق في أن يخبرك بمغيب، وفي أن يشفي لك مريضًا، ويرد لك غائبًا، فالاستعانة لا تكون إلا بالله عز وجل.
وإن هناك استعانة شركية واستعانة غير شركية: الاستعانة الشركية أن تستعين بمخلوق في أن يشفي لك مريضًا، أو يرد لك غائبًا، كمن يستعين بالمقبورين وبالهلكى في أن يردوا لهم غائبًا، أو يشفوا لهم مريضًا، فهذه استعانة شركية، أما الاستعانة بالمخلوق في قضاء أمر من أمور الدنيا، أو شراء شيء، أو بيع شيء له أو إجارته - فهذه استعانة غير شركية.

أرسل أحد السلف إلى أخيه يقول له: "أما بعد، لا تستعن بغير الله فيكلك إليه"؛ أي: لا يجلب لك نفعًا، ولا يدفع عنك ضرًّا.

((إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)).

وهذا مدار الوصية عباد الله فمدار الوصية عباد الله أن تعلم أن الأمر بيد الله، وأن الملك بيد الله، وأن خزائن السماوات والأرض بيد الله عز وجل، فإذا علمت ذلك، وإذا عرفت ذلك - انقطعت إلى الله عز وجل، وعرفت الله عز وجل، وكما قال أبو عاصم الأنطاكي: "إني أريد ألا أموت حتى أعرف مولاي".

فلا يريد المعرفة العامة التي يعرفها كل الناس: أن الله عز وجل هو رب الناس، ملك الناس، إله الناس، ولكن يريد أن يعرف الله عز وجل معرفة ينقطع عن الخلق إلى الله عز وجل، فلا يستعين إلا بالله، ولا يسأل إلا الله عز وجل، وهذه المعرفة تدعوه إلى أن يحفظ حدود الله وحقوقه وأوامره ونواهيه، وتدعوه إلى أنه لا يرجو إلا الله، ولا يخاف إلا من الله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا يحب إلا الله عز وجل أو في الله عز وجل.

فهذا مدار الوصية: أن تعلم أن الله عز وجل هو رب الناس، وهو المتصرف في شؤون الناس كيف يشاء، وأنه مالك الملك عز وجل، وأن مقادير الخلائق بيد الله عز وجل: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ [يونس: 107].

لو اجتمع الخلق كلهم على أن يجلبوا لك نفعًا لم يقدره لك الله عز وجل - لا يقدرون على ذلك، وإن اجتمع الخلق كلهم على أن يمنعوا عنك نفعًا أراده الله عز وجل بك - لا يقدرون على ذلك: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ [يونس: 107]؛ فالأمر كله بيد الله عز وجل.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن روح القدس نفث في روعي: أن نفسًا لن تموت حتى تستوفي أجلها ورزقها))[11].

ويقول صلى الله عليه وسلم: ((اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير))[12].

أي: إذا كان لك مصلحة عند أحد من الخلق فاطلب ذلك بعزة النفس؛ لأن الأمر ليس بيد هذا المخلوق؛ أي: الأمر بيد خالق الخلق ومالك الملك، بيد الله عز وجل، اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير، فإذا وثق العبد بذلك كان أعز الناس، وكان أغنى الناس بالله عز وجل،

وكان أقوى الناس بالله عز وجل، ومع ذلك يحافظ على
حدود الله وحقوقه وأوامره ونواهيه، من كان كذلك عباد الله أتاه النفع من حيث يخاف أن يحصل الضر.

كما روي أن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم انكسرت به المركب، فوقع في جزيرة، ولم يعرف الطريق، فرأى أسدًا، فقال: يا أبا الحارث، أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم دلني على الطريق، قالوا: فأخذ الأسد يهمهم ويسير أمامه حتى دله على الطريق، ثم همهم له وانصرف كأنه يودعه!! أي: يأتيه النفع والخير ممن يخاف منه الضر.

كذلك عباد الله من ضيع تقوى الله عز وجل؛ فإنه يأتيه الضر ويأتيه المشقة والعنت ممن يرجو منه النفع.

كما قال بعضهم: "إني لأعصي الله؛ فأجد ذلك في خُلُق دابتي وامرأتي"؛ أي إن الدابة التي تسهل له الطريق، والزوجة التي تخدمه وتقضي له شؤونه - يكونان سببًا لشقائه ونكده!

فمَنْ عرف أن الأمر بيد الله، فانقطع عن الخلق إلى الحق، وتعلق قلبه بالله عز وجل؛ لا يرجو إلا الله، ولا يخاف إلا من الله، يحافظ على حدود الله، ويسأل الله عز وجل، ويستعين بالله عز وجل.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)).

وهذه كناية من أعظم الكنايات، علامة على تقدم المقادير.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة))[13].

قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كتب الله عز وجل متى تولد، وكم تعيش في الدنيا، وكم ترزق في الدنيا، وعملك في الدنيا، وسعيك في الدنيا، وكم توفق إلى طاعة الله، وكم تعمل بمعصية الله عز وجل، كان ذلك في اللوح المحفوظ عباد الله قبل أن يخلق الله عز وجل السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما سيكون إلى يوم القيامة))[14].

لأن علم الله عز وجل أحاط بالماضي، وأحاط بالحاضر، وأحاط بالمستقبل؛ فعلِم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، فالله عز وجل علِم كل شيء، وقدَّر كل شيء، وكتب كل شيء من أزمنة متطاولة، فرفعت الأقلام؛ أي التي كتبت بها مقادير الخلائق، ومن طول المدة جفت الصحف.

فكيف يرجو العبد غير الله؟! وكيف يأمل في غير الله؟! وكيف يخاف من غير الله عز وجل؟!

مَنْ علِم ذلك عباد الله انقطع إلى الله عز وجل، وعمل بطاعة الله عز وجل، وكان مع الله عز وجل؛ يقول - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعنت بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)).

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم!!


الخطبــــة.الثانيــــة.cc
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا، ثم أما بعد: فقوله - صلى الله عليه وسلم - في الرواية الأخرى: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفْك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا)). فقوله صلى الله عليه وسلم: ((احفظ الله تجده أمامك))؛ أي تجده تجاهك، أي: تجده معك، وقد فسرنا ذلك في الرواية الأخرى: ((تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة))[15]. أي إن العبد إذا كان يصعد منه إلى الله عز وجل في وقت النعمة والرخاء - يصعد منه كلم طيب، وعمل صالح إلى الله عز وجل، فإذا وقع العبد في الشدة عرفه الله عز وجل، فقبل دعوته، وفرج كربته. ((تعرف إلى الله عز وجل في الرخاء يعرفْك في الشدة)).

كما قال بعض السلف: تعرَّفوا إلى الله عز وجل في الرخاء يعرفْكم في الشدة. فإن يونس عليه السلام لما كان ذاكرًا لله عز وجل، عارفًا بالله عز وجل في الرخاء، لَمَّا وقع في بطن الحوت قال الله عز وجل: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143-144].

ولما كان فرعون كافرًا جاحدًا ناسيًا لذكر الله عز وجل، لما وقع في البحر قال: ﴿ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾ [يونس: 90] - قال عز وجل: ﴿ آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً ﴾ [يونس: 91-92]. فكلاهما ذكر الله عز وجل في الشدة، وأعلنا إيمانهما

في الشدة، ولكن يونس - عليه السلام - كان من أنبي
اء الله عز وجل، فساهم فكان من المدحضين، ولما وصل إلى ظلمة بطن الحوت دعا الله عز وجل: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143، 144]؛ أي: لصار بطن الحوت قبرًا له.

أما فرعون؛ فكان جاحدًا ناسيًا لذكر الله عز وجل، مستكبرًا على طاعة الله عز وجل، أعلن إيمانه وهو يعاني الغرق، فلم يقبل الله عز وجل منه؛ بل جعله الله عز وجل عِبرة للمعتبرين، فقال: ﴿ آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً ﴾ [يونس: 91-92].

فينبغي على العبد عباد الله أن يجتهد في طاعة الله عز وجل في الرخاء، حتى إذا وقع في الشدة عرفه الله عز وجل بقبول دعائه، كما حدث للثلاثة الذين دخلوا غارًا فوقعت صخرة عظيمة على فوهة الغار، فتوسلوا إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة التي عملوها في وقت الرخاء، فأما أحدهم: فتوسل إلى الله عز وجل ببره بوالديه، وأما الثاني: فتوسل إلى الله عز وجل بأمانته، وبأنه رد للأجير أجره بعد تثميره له وتكبيره له، وأما الثالث: فتوسل إلى الله عز وجل بعفته عن ابنة عمه، وأنه ترك لها ما طلبته منه، فعند ذلك تحركت الصخرة وخرجوا من الغار؛ لأنهم توسلوا بأعمال صالحة عملوها في وقت الرخاء!

((تعرف إلى الله عز وجل في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك)). الله عز وجل يحرس الناس بالليل والنهار: ﴿ قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ ﴾ [الأنبياء: 42]. من يحفظكم من دون الله عز وجل؟ وكل الله عز وجل ملائكة يحفظون العبد من بين يديه ومن خلفه، كما قال عز وجل: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 11]. قيل: المعقبات ملائكة تحفظ العبد، فإذا جاء القدر تخلوا عنه، وكل أحد منا مرَّ في عمره عباد الله بأشياء كان يمكن أن يهلك فيها؛ كحوادث السيارات وغير ذلك، والله عز وجل ينجيه، فالله عز وجل وَكَّل ملائكةً يحفظون العبد من بين يديه ومن خلفه، ويدفعون عنه الشرور والمهالك، ولكن إذا قدر الله عز وجل شيئًا فإن الملائكة الحفظة يتركون العبد؛ من أجل أن ينفذ فيه قدر الله عز وجل وقضاء الله عز وجل: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11]؛ أي: لا يحدث شيء في الأرض إلا بإذن الله عز وجل. ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التغابن: 11]؛ قال بعض السلف: "هي المصيبة تصيب العبد، فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم". ((واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا)).

فالنصر مع الصبر؛ لذلك يقول الله عز وجل: ﴿ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ﴾ [الأنفال: 65]، فاشترط الصبر، ثم نسخ ذلك بقوله: ﴿ فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ﴾ [الأنفال: 66]. وقال: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120]. وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 45، 46].

الصر من أعظم أسباب النصر: ((واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب)). كما قال بعضهم: "إذا اشتَدَّ الكَرْبُ هانَ"، وفي ذلك لطيفةٌ عباد الله وهي: أن العبد إذا أصيب ببلاء فإنه قد يعلق قلبه بغير الله، ويرجو من فلان أن يدفع عنه هذا الضُّر، وأن يكشف عنه هذا الكرب، فيزداد عليه الكرب، فيعلق قلبه بمخلوق آخر، يرجو من جهته أن يرفع الضر، وأن يكشف الكرب، فيزداد الكرب، حتى إذا ازداد الكرب جدًّا، عند ذلك ييأس العبد من الخلق، ويعلق قلبه بالخالق عز وجل، عند ذلك يكشف الله عز وجل الكرب. فإذا كان المشركون، إذا ركبوا البحر وأتت ريح عاصفة، وكادوا يهلكون يُخلِصون الدعاء لله عز وجل، والعبادة لله عز وجل؛ فينجيهم الله عز وجل - فكيف لا يحدث ذلك للمؤمن إذا اشتد به الكرب وأيقن بالهلاك؟! لا شك في أنه ييأس من المخلوقين، ويعلق قلبه بالله عز وجل، فإذا علق قلبه بالله عز وجل أتى الفرج، وكشف الله عز وجل الكرب: ((واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا)). قال عز وجل: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7]. قالوا: ((مع العسر يسرٌ))؛ أي: إن اليسر يأتي سريعًا بعد العسر، فكأنه من سرعته مع العُسْر. وقال بعضهم: إذا دخل العُسْر جحر

ًا، دخل اليسر وراءه؛ قال عز وجل: ﴿ فَإِنَّ مَ
عَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6].

ويقولون: إن النكرة إذا كررت أفادت إضافة، وإن المعرفة إذا كُرِّرَت لم تفد إضافة؛ ولذلك قال بعضهم: لا يغلب عسر يُسْرَيْنِ؛ أي: إن مع كل عسر يسرين، إن مع العسر يسرًا، إن مع العسر يسرًا، فكان هذا الحديث النبوي وصية جامعة تشتمل على قواعد كلية وأصول عظيمة من أصول هذا الدين، وهو ما رواه الإمام أحمد والترمذي عن أبي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: (( يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعنت بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف))[16]، وفي رواية غير الترمذي: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا))[17]. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وأعلِ راية الحق والدين!! اللهم من أرادنا والإسلامَ والمسلمين بعزٍِّ فاجعل عز الإسلام على يديه، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بكيد فكِده يا رب العالمين، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره، واجعل الدائرة تدور عليه.

اللهم عليك باليهود الغاصبين، والأمريكان الحاقدين، ومن والاهم من المنافقين والعلمانيين. اللهم أحصِهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تغادر منهم أحدًا، اللهم لا ترفع لهم في الأرض راية، واجعلهم لسائر خلقك عبرة وآية، اللهم أنزل عليهم رجزك وغضبك وعذابك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم إنا نسألك أن تقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبدًا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا. اللهم اهدِ شباب المسلمين، اللهم اهدِ أطفالنا وأطفال المسلمين يا رب العالمين، اللهم اهدِ شيوخ المسلمين، اللهم اهدِ نساء المسلمين للعفة والحجاب والحياء، يا رب العالمين، ورد عنهم كيد الكائدين، وجمِّلهم بالحياء والحجاب يا رب العالمين. اللهم ارفع عن بلاد المسلمين الغلا والوبا، والربا والزنا، وردهم إليك ردًّا جميلاً. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.

[1] "صحيح الترمذي" (2440)، وصححه الألباني في "المشكاة" (5302).
[2] قال الهيثمي في "المجمع" (11094): رواه الطبراني، وفيه علي بن أبي علي القرشي وهو ضعيف.
[3] أحمد (2274)، وأصله في البخاري (140).
[4] أحمد (6288) بإسناد حسن، وقال الهيثمي في "المجمع": رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد ثقات. [5] ابن ماجه (273) من حديث ثوبان رضي الله عنه وصححه الألباني في "الإرواء" (412).
[6] الترمذي (2382) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وحسنه الألباني في "المشكاة" (1608).
[7] البخاري (5993) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه بلفظ: ((من يضمن لي))، ورقم (6309) بلفظ: ((من توكل لي))، والترمذي (2332) بلفظ: ((من يتكفل لي))، ورقم (2333) بلفظ: ((من وقاه الله)).
[8] البخاري (5993).
[9] البخاري (4316)، ومسلم (1658).
[10] أحمد (20405)، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6437).
[11] الحاكم (2/ 4) وصححه الألباني في "الصحيحة" (6/ 865).
[12] تمام في "فوائده" (2/ 62)، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (3/ 573).
[13] مسلم (4797) من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه.
[14] أبو داود (4078) بنحوه، وصححه الألباني في "المشكاة" (94).
[15] أحمد (2666)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2961).
[16] سبق قريبًا.
[17] سبق تخريجه.
🎤
خطبــة.جمعــة.بعنــوان.cc
عـظـمــة الــقـــــــرآن الــكــــــريـــم
للشيخ/ علي عبدالرحمـن الحــذيفي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــة.الاولــــى.cc
﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا *الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 1، 2]، أحمدُ ربي وأشكُره كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وسِع كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا إنه كان عليمًا قديرًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه بعثَه الله بين يدَي الساعة شاهدًا ومُبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ وعلى آله وصحبه صلاةً وسلامًا كثيرًا.

أمــــا بعــــد :
فاتقوا الله تعالى حقَّ التقوى تكونوا من المُفلِحين، ولا تُضيِّعوا أمرَ الله فمن حُرِم التقوى كان من الخاسِرين.

عــــباد اللــــه :
اذكُروا نعمةَ القرآن الكريم الذي جعلَه الله رحمةً للعالمين، يهدِي للتي هي أقوم، ويُبشِّرُ بكل خيرٍ، ويُحذِّرُ من كل شرٍّ، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ 

وإذا علِمَ المُسلِم عظمةَ هذا القرآن العظيم وعلِم فضائلَه التي لا يُحيطُ بها إلا من أنزلَه عظُمَت عنايتُه بهذا الكتاب العزيز، وزادَ اهتمامُه بهذا الذِّكر الحكيم، فبذلَ جُهدَه، وسخَّر طاقتَه وُسعَه في تعلُّمه وتعليمِه، وتدبُّره والعمل به بقدر ما يُوفِّقُه الله ويُعينُه.

ومهما قامَ المُسلم به من عملٍ يُؤدِّي به حقوقَ القرآن عليه، ويُوفِّي به شُكرَ نِعَم كتاب الله - عز وجل -، ويقوم بحقوق عبادة الله تعالى على الكمال والتمام فهو مُقصِّرٌ ضعيفٌ، ولكنَّ الله - تبارك وتعالى - يرحمُ ويتفضَّل، ويقبَلُ القليلَ، ويُثيبُ بالجَزيل.

أيها المسلم:
هل علِمتَ وعرفتَ عظمةَ القرآن الكريم ومنزلتَه في قلبك، وأدركتَ تمام الإدراك حقائقَ فضائلِه وعمومَ خيره وبركاته ونفعِه؟!

لن تعرف - أيها المسلم - حقائقَ عظمة القرآن العظيم، وقدرَ منزلته في قلبِك إلا إذا علِمتَ تعظيمَ الله - عز وجل - لكتابه، وثناءَه عليه، ورفعَ مكانته عند ربِّ العالمين، وإلا إذا عرفتَ عظيمَ منزلته عند الملائِكة الكرام، وعرفتَ فضلَه عند الأنبياء وأُممهم وعند أهل الكتاب، وعند الإنس والجنِّ، وكفى بالله شهيدًا.

أيها المسلمون:
إن ربَّ العزَّة والجلال عظَّم القرآن الكريم ورفعَ منزلته كما هو أهلُه، وكما يستحقُّ من الثناء بالأوصاف بكل جميلٍ، وأكثرَ الله من ذكرِ هذا الكتاب العزيز ذكرًا جعلَه في أعزِّ مكانةٍ، موصوفًا بأحسن النُّعوت وأجلِّ الصفات، ليعلمَ الناسُ عظمةَ هذا القرآن الكريم، وليعلَموا قدرَ نعمةِ كلامِ الله على العباد. فأعظمُ النِّعَم: الإيمان، والقرآن.

وفضلُ كلام الله على سائر الكلام كفضلِ الله على خلقِه.

وصفَ اللهُ القرآنَ الكريمَ بأنَّه (الحق)، قال الله تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [السجدة: 3].

والحق: هو الثابتُ الذي لا يتغيَّر، ولا يُبطِله شيء، ولا يلحقُه نقص، ولا يشُوبُه باطلٌ، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾[فصلت: 41، 42]، وقال تعالى في وصف هذا القرآن: ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾ [الأعراف: 52]، وقال تعالى: ﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴾ [يونس: 1]، وقال - عز وجل -: ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ﴾ [البروج: 21]، وقال - تبارك وتعالى -: ﴿ هَذَا هُدًى ﴾ [الجاثية: 11]، وقال تعالى:﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا ﴾ [التغابن: 8]، وقال - عز وجل -: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ﴾ [الأنعام: 92]، وقال - عز وجل -: ﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾

وقد فصَّل الله في القرآن كلَّ شيءٍ، قال - عز وجل -: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89].

وحفِظَه الله من الزيادة والنُّقصان، قال - عز وجل -: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].

وكثرةُ أسماء القرآن وصفاتِه العُظمى تدلُّ على تعدُّد المعاني الجليلة له وكثرتِها، وما ذكرنَاه قليلٌ من كثيرٍ، والملائكةُ الكِرام يُعظِّمُون هذا الق
رآنَ لعلمِهم بفضائلِه، قال - عز وجل -: ﴿ لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 166].

وقال - تبارك وتعالى - عن هذا القرآن: ﴿ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ *مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ﴾ [عبس: 13- 15].

قال المُفسِّرون: "هم الملائكة".

وعن عائشة - رضي الله عنها - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الذي يقرأُ القرآن وهو ماهرٌ به مع الكرام البرَرة»؛ رواه البخاري ومسلم.

وأما تعظيمُ القرآن المجيد عند الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وعند أُممهم المؤمنين بهم، فقد قال الله في ذلك: ﴿ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الشعراء: 196].

قال ابن كثير - رحمه الله - في "تفسيره": "وإن ذِكرَ هذا القرآن والتنويهَ به لموجودٌ في كُتب الأولين المأثُورة عن أنبيائِهم الذين بشَّروا به في قديمِ الدهر وحديثِه، كما أخذَ الله عليهم الميثاقَ بذلك". اهـ.

وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ﴾ [الأحقاف: 10]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء: 107- 109].

وقال تعالى عن القسِّيسين والرُّهبان المُذعِنين للحقِّ: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة: 83].

ولما سمِعَت الجنُّ هذا القرآن آمَنوا به، وعظَّموه، ودعَوا إليه من وراءَهم من أقوامِهم، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الأحقاف: 29، 30]، وأنزل الله في هذا سورةَ الجنِّ.

وما كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يتلُو هذا القرآن على أحدٍ من البشر وهو مُتجرِّدٌ من الكِبر والهوَى والحسَد والاغترار بزُخرف الدنيا ومتاعِها إلا أسلمَ مكانه، وصارَ آيةً في كل مكانٍ بشريٍّ، وما ذلك إلا لقوة سُلطان القرآن على القلوب، وشدَّة تأثيره على النفوس.

فإذا عرفتَ - أيها المسلم - عظمةَ هذا القرآن ومكانتَه عند ربِّ العالمين الذي أنزلَه، وعند الملائكة، وعند الأنبياء وأُممهم، وعند أهل الكتاب المُصدِّقين بالحق، وعند الصحابة، وعند الجنِّ؛ عرفتَ منزلةَ القرآن في قلبِك، وأنت - أيها المسلم - تعرفُ ذلك من نفسِك تمامًا.

فإن كان تعظيمُ القرآن في قلبِك ومكانتَه ومنزلتَه في قلبِك كما يجبُ للقرآن، وكما يليقُ بهذا الكتاب، وكما يحبُّ الله ويرضَى، فاحمَد الله تعالى على هذه النِّعمة، واسأل الله - تبارك وتعالى - الثباتَ على تعظيم القرآن المجيد، وعلى العمل به، وإن كان تعظيمُ القرآن ومنزلتُه في قلبك أقلَّ مما يجبُ وأقلَّ مما يليقُ بالقرآن العظيم، فتُب إلى الله، واستدرِك ما كان من نقصٍ، وتدارَك ما فاتَ من العُمر؛ فما أنت فيه من خيرٍ ونِعمةٍ وطاعةٍ في الدنيا، وما تكون فيه في الآخرة من نعيمِ الجنة فسببُه القرآن. فاعرِف له قدرَه، وقُم بما يجبُ له.

وقد أيَّد الله سيدَ البشر محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالمُعجِزات الكثيرة التي يُؤمنُ على مثلِها الناس، ولكنَّ أعظمَ مُعجِزةٍ للنبي - صلى الله عليه وسلم - هي: القرآن العظيم، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من نبيٍّ بعثَه الله إلا أُوتِي ما مثلُه آمنَ عليه البشر، وإنما الذي أُوتيتُه وحيًا، فأرجو أن أكون أكثرهم تابِعًا»؛ رواه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

فالقرآن المجيد هو المُعجِزةُ العُظمى في كل زمان، باقِيةٌ إلى يوم القيامة إلى آخر الدهر، وإعجازُ القرآن العظيم في نظمِه وبلاغَته، وفي تشريعاته، وفي شُمولِ أحكامه، وفي عدلِه ورحمتِه وحكمتِه، وفي وفائِه لحاجات البشر، وفي أبديَّة بقائِه بلا زيادةٍ ولا نُقصان، وفي تأثيره العظيم على القلوب؛ فقد عجِز الإنسُ والجنُّ عن أن يأتُوا بمثلِه أو بعشر سُورٍ مثلِه، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88]. بل عجِزوا أن يأتوا بسورةٍ من مثلِه؛ فسورةُ الكوثر أعجَزتهم، وهي عشرُ كلماتٍ.

ولما سألَ الكفار
ُ

آياتٍ ماديَّة، بيَّن الله أن القرآن أعظم المُعجِزات، قال الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت: 50، 51]، وقال تعالى: ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 185].

والقرآنُ الكريمُ يُخاطِبُ العقل البشري في كل زمانٍ وفي كل مكانٍ بالبراهين والأدلَّة التي يُذعِنُ معها العقلُ ويُسلِّمُ بها، فينقادُ الإنسانُ للحقِّ راضيًا مُختارًا، مُحبًّا للخير والحق، مُبغِضًا للباطلِ والشرِّ، أو يُعرِضُ الإنسانُ مُعاندًا مُكابِرًا، قد تبيَّن له الحقُّ بهذا القرآن وقد تبيَّن له الباطل، وقد قامَت عليه حُجَّة الله، ولن يضُرَّ إلا نفسَه.

والقرآن الكريم يسلُك شتَّى الطرق النافعة لهداية المُكلَّفين، والتي يقصُرُ عنها العقلُ البشري، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9].

فالقرآنُ العظيم ينفع المُكلَّفين أعظم النفع، ويُصلِح المجتمع، وينشُر الرحمة والعدل، ويُصلِح القلوب، ويجلِبُ الخيرات، ويدفعُ الشُّرور والمُهلِكات إذا داوَم المُكلَّفون على تلاوتِه، وتدبَّروا معانِيه، وعمِلوا به، وتعلَّموه وعلَّموه أبناءَهم ومُجتمعَهم.

وقد كان هذا النهجُ ديدنَ الصحابة - رضي الله عنهم -، يُعلِّمون الأُمم القرآن عملاً بوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أمرَ عُمرُ - رضي الله عنه - عُمَّالَه والصحابةَ في الأمصار بتعليم الناس القرآن والإقلال من الحديث. قال: "لئلا ينشغل الناسُ عن القرآن".

والقرآن حياتهم وعِزُّهم، وفصلُ ما بينهم، لم يرِد عليهم مُعضِلة وكبيرة أو صغيرة إلا وجَدوا حُكمَه في القرآن، فهو نورُ حياتهم، وقائِدُهم إلى كل خير، ولا صلاح لأمة الإسلام إلا بأن تسلُك سبيلَهم وتتَّبِع آثارَهم؛ فالقرآن هو الذي يعصِمُها من الفتن ويُؤلِّف بين قلوب مُجتمعاتها، ويُحِلُّ مُعضِلاتها.

عن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا إنها ستكون فتنة». فقلت: ما المخرجُ منها يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله؛ فيه نبأُ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحُكم ما بينكم، وهو الفصلُ ليس بالهَزل، من تركَه من جبَّار قصمَه الله، ومن ابتغَى الهُدى في غيره أضلَّه الله، وهو حبلُ الله المتين، وهو الذِّكرُ الحكيم، وهو الصراطُ المُستقيم، هو الذي لا تزيغُ به الأهواء، ولا تلتبِسُ به الألسِنة، ولا يشبَع منه العلماء، ولا يخلَقُ على كثرة الردِّ، ولا تنقضِي عجائِبُه، هو الذي لم تنتهِ الجنُّ إذ سمِعَته حتى قالوا: ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ [الجن: 1، 2]. من قال به صدَق، ومن عمِل به أُجِر، ومن حكمَ به عدلَ، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراطٍ مُستقيم»؛ رواه الترمذي.

ولو أن المُكلَّفين اعتنَوا بالقرآن كعناية السلف الصالح تعلُّمًا وتعليمًا وتطبيقًا لكان حالُ المسلمين اليوم أحسن حال، ولكانوا في عزٍّ يسرُّهم ويسوء عدوَّهم، ولم تسُؤ حالُ المسلمين حتى دخل عليهم النقصُ في تعلُّم القرآن وتعليمه وتلاوته والعمل به والعناية به.

وقد جعل الله تعالى تلاوتَه عبادةً؛ فـ «من قرأ منه حرفًا فله بكل حرفٍ عشرُ حسنات»؛ رواه الترمذي من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رجلٌ: يا رسول الله! أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: «الحالُّ المُرتحِل». قال: وما الحالُّ المُرتحِل؟ قال: «الذي يضرِبُ من أول القرآن إلى آخره، كلما حلَّ ارتحَل»؛ رواه الترمذي.

والثوابُ لمن قرأَ حفظًا أو من المُصحف، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29، 30].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَني وإياكم بما فيه الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين، فاستغفروه من كل ذنبٍ.


الخطبــــة.الثانيــــة.cc
الحمد لله العزيز الوهاب، الذي أنزل الكتاب، أحمدُ ربِّي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيمُ التواب، وأشهد أن نبيِّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه الشافعُ المُشفَّع يوم الحساب، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه المتقين المُتَّبعين للسنة والكتاب.

أمـــا بـــعــــد :
فاتقوا الله بالتقرُّب إليه بالصالحات، ومُجانَبة المحرَّمات.

أيها ا
لمس

لمون:
إن آخر وصيَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجَّة الوداع: الترغيبُ المُؤكَّد بالتمسُّك بكتاب الله تعالى وبسُنَّة رسوله - عليه الصلاة والسلام -؛ ففي ذلك الجمع العظيم قال - عليه الصلاة والسلام -: «تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلُّوا بعدي: كتابَ الله وسُنَّتي».

فالقرآن حبلُ الله المتين، من تمسَّك به قادَه إلى رِضوان الله وإلى جنات النعيم، وهداه لكل خير وجنَّبَه كل شرٍّ وبلاء، قال الله تعالى:﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، وقال تعالى: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ 
ومن أراد أن يُخاطِبَه ربُّه فليقرأ كتابَه.

عــــباد الله:
 ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».


فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.

اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أذِلَّ الكفر والكافرين، اللهم انصُر دينك وكتابك وسُنَّة نبيِّك يا رب العالمين.

اللهم انصر إخواننا المسلمين، اللهم انصر المؤمنين، اللهم انصُر المسلمين في كل مكان، اللهم انصُر المسلمين في كل مكان، اللهم وتُب علينا وعليهم يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.

اللهم انصر المسلمين في الشام، اللهم انصر المسلمين في الشام، اللهم إنه لا ناصر لهم غيرُك يا رب العالمين، اللهم انصرهم ممن ظلمَهم، اللهم عليك بمن يعتدي عليهم ومن ظلمهم ومن عاونَ ظالميهم يا رب العالمين.

اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم أنزِل بهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القوم المُجرمين، اللهم أرِنا فيهم عجائبَ قُدرتك، اللهم اجعلهم عبرةً لمن بعدَهم يا رب العالمين في الخِزي والنَّكال عاجلاً غير آجل، إنك على كل شيء قدير.

اللهم انقطع الرجاءُ إلا منك يا أرحم الراحمين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم ولاة أمورنا.

اللهم وفِّق وليَّ أمرِنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، اللهم وفِّقه لهداك واجعل عمله في رضاك وأعِنه على كل خيرٍ لشعبه ووطنه يا رب العالمين، ومواطنيه والمسلمين، إنك على كل شيء قدير، اللهم وارزقه ثوبَ الصحة، إنك على كل شيء قدير.

اللهم وفِّق نائِبَيه لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقهما لهُداك، واجعَل عملَهما في رِضاك وأعِنهما على كل خير يا رب العالمين لبلادهم وللمسلمين، إنك على كل شيء قدير.

اللهم إنا نسألُك أن تُصلِح أحوالنا، اللهم أصلِح أحوالنا يا حي يا قيوم، برحمتك نستغيث، أصلِح لنا شأنَنا كلَّه، اللهم أغنِنا بحلالك عن حرامِك، وبطاعتِك عن معصيتِك، وبفضلِك عمن سِواك يا رب العالمين.

اللهم اغفر لنا ذنوبَنا، وإسرافَنا في أمرنا، اللهم اغفر لنا يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِذْنا وذريَّاتنا من الشيطان الرجيم وذريَّته وشياطينه يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.

اللهم آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِا عذابَ النار.

اللهم لا تكِلنا إلى أنفُسنا طرفةَ عينٍ
اللهم إنا نسألُك يا ذا الجلال والإكرام أن تغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين يا رب العالمين.

عــــباد الله:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 90، 91].

اذكروا الله العظيم ...
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
المتفائلون يصنعون التاريخ
للشيـــخ/ احـــمــــــد الـعــمـــاري
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمدُ لله العظيم الشأن، الكبير السلطان، خلق آدمَ من طين ثم قال له كن فكان، أحسن كل شيء خَلْقه وأبدع الإحسان والإتقان.

أحمده -سبحانه- وحمدُه واجبٌ على كل إنسان، وأشكره على ما أسداه من الإنعام والتوفيق للإيمان، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه؛ أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، عـــــــالم الغيوب مفرّج الكروب، مجيب دعوة المضطر المكروب.

سهِرَتْ أعينٌ ونامَتْ عُيُـونُ
في شُؤونٍ تكونُ أوْ لَا تكونُ
فاطْرَحِ الهَـمَّ مـا اسْتَطَعْتَ عن النَّفْسِ
فحمْـلَانك الهمـومَ جنـونُ
إنَّ رَبَّاً كفاك ما كان بالأمـــــْـسِ
سيكفيـك فـي غـــدٍ ما يكـــونُ

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة قامت بها السماوات السبع والأرض المهاد، وخضع لها جميع العباد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الحوض، وشفيع الخلق يوم المعاد، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً.

أمــَّا بَعْـــد: عـــباد اللـــه :
مع صخب الحياة ومتطلباتها ومشاكلها، وضعف الوازع الديني، وفساد القيم والأخلاق في نفوس الكثير من الناس، والتنافس على الدنيا ونسيان الآخرة؛ ومع كثرة النزاعات والفتن والحروب التي تعصف بالدول والشعوب والمجتمعات، ومع تعدد الكوارث والحوادث، ومع حلول الأمراض والأوبئة من إنسان لآخر؛ يتساءل المرء: إلى متى يعيش الإنسان هكذا حياة؟ وهل لهذه المشاكل والابتلاءات من نهاية؟ وكيف يمكن للإنسان يعيش في ظل هذه الأوضاع بنفس مطمئنة؟ وكيف يستطيع أن يتجاوزها ويخرج منها وقد حفظ دينه وأمانته وأخلاقه، وقام بما عليه من واجبات؟ وكيف يستطيع الإنسان أن يمنع اليأس والتشاؤم من أن يصل إلى حياته؟ وهل يجب أن نتفاءل ونستبشر بقدوم الفرج وتبدل الأحوال وتغير الظروف وزوال الغمة وحلول النعمة، رغم ما يحيط بنا وما يظهر لنا وما ينزل بساحتنا وحياتنا من مصائب وابتلاءات؟ وما هي القوة التي يجب أن نلجأ إليها ونثق بها ونستمد منها العون والمدد والنصر ونطلب منها تبديل الأحوال وتغيير الظروف؟.

ومِن خلال هذه التساؤلات التي تجول بخواطرنا وأصبحت جزءاً من همومنا، ومن خلال القرآن الكريم والسنة النبوية والواقع وأحداث الزمان ومسيرة الأفراد والمجتمعات والشعوب، أقول: إن هذه الدنيا جبلت على كدر، يقول -سبحانه-: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) [البلد:4]، أي: في مكابدة ومعاناة منذ مولده، في دارٍ كلّها بلاء وعناء وكدر، أحسن في وصفها الإمام علي -رضي الله عنه- لمن سأله عنها فقال: دار أولها بكاء، وأوسطها عناء، وآخرها فناء.

ووَصَفَها أبو الحسن التهامي فأجاد في قوله:
جُبلت على كَدَرٍ وأنتَ تُريدُها
صفواً من الآلام والأكدارِ
ومُكَلِّفُ الأيامِ ضدَّ طِباعِهـا
مُتَطَلِّبٌ في الماء جذوةَ نار.

وقال تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء:35]، وقال -سبحانه- وهو أصدق القائلين: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ولَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ والضَّرَّاءُ وزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة:214]، وقال -تعالى-: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وأَنْفُسِكُمْ ولَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ومِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وإِنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ) [آل عمران:186].

ومع ذلك فإنه ينبغي للمسلم أن يدرك طبيعة الحياة، وعليه أن يستعين بمن خلقها وأوجدها وهو المولى -سبحانه وتعالى-، فيقوي إيمانه، ويؤدي ما افترضه عليه، ويبذل من الأسباب ما يستطيع، ويكون عنده أمل ويقين بأن الله يبتليه بالضراء وهو أرحم به من نفسه، وأنه هو القادر على كشف الضر ودفع البلاء وتبديل الأحوال، وما من شيء يقع أو يحدث في الأرض أو في السماء إلا بأمره -سبحانه وتعالى- القائل: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام:59].

وأن هذه الحياة إلى زوال، وأن الآخرة خير وأبقى، وأن سعادة الدنيا رغم ما فيها لا يحصل عليها العبد إلا بإيمان صادق، وعمل خالص.

وهذه القيم والمفاهيم والمعاني تغيب على الكثير؛ بسبب ضعف الإيمان، ومع قوة البلاء وكثرة الفتن وضيق الحال يكون السقوط في فتنة هي أعظم وأشدّ، قال -تعالى-: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَ

نَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى
ونَ) [البقرة:216].

فقد مرت الأمة بأزمات وفتن، وابتليت بمصائب، فدفع الله عنها ذلك، وحفظها من كل سوء، وبعث فيها الحياة من جديد عندما عادت إليه وصدقت في حمل دينه واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

ومهما خطط البشر، ومهما بلغ كيدهم ومكرهم، فإن الله من ورائهم محيط، ولا يكون إلا ما يريد، قال -تعالى-: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30].

فاللهم اجعل لنا من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل عسر يسرا، ومن كل بلاء عافية.

اللهم احقن دماءنا، واحفظ بلادنا، وألف بين قلوبنا؛ ومن أرادنا أو أراد بلادنا بسوء أو مكروه فرد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه.

هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين .
وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ) [الحج:11].

أيها المؤمنون عبــاد الله: إن على الإنسان أن يتفاءل بالخير مهما كانت الظروف، فسواد الليل يأتي بعده ضياء الصباح، وإن البرق والرعد مهما كانت شدته وخاف الناس من سطوته فإنه يأتي محملاً بالأمطار والخير.

إذا اشْتَمَلَتْ على اليأسِ القلوبُ
وضاقَ لما بهِ الصدرُ الرحيبُ
ولم تَرَ لانْكِشَافِ الضُّرِّ وَجْهـَاً
ولا أغنـى بحيلتـِه الأريـبُ
أتاك على قُنُـوطٍ منك غَـوْثٌ
يَمُـنُّ به اللطيفُ المسـتجيبُ
وكل الحـادثاتِ وإنْ تَنَـاهَتْ
فموصـولٌ بها الفرجِ القريب

لما جاءت إبراهيم -عليه السلام- البشرى بالولد في سنٍ كبير أبدى تعجبه فقال: (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) [الحجر:54]، فماذا كان جوابهم؟: (قالوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ * قال وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ) [الحجر:55-56].

ويعقوب -عليه السلام- وقد فقد ولديه وبصره أربعين عاماً، وما زال أمله بالله أن يردهما إليه وأن يجمعهما به، فكان يوصى أبناءه قائلاً لهم: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:87].

وحقق الله أمل يعقوب ورجاءه، وَرَدَّ عليه بصره وولديه، لم يتطرق اليأس إلى قلبه لحظة واحدة؛ لأن قلبه موصول بالله، متوكلٌ عليه، واثقٌ من قدرته ورحمته.

وهذا موسى -عليه السلام- وقومه وقد تبعهم فرعون وجنوده حتى إذا وصلوا إلى شاطئ البحر وفرعون من خلفهم قال اليائسون والمتشائمون: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء:61], فقال لهم نبي الله موسى -عليه السلام- في ثقة وتفاؤل ويقين، يريد أن يصنع حياتهم ومستقبلهم من جديد: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء:62]، فأمره الله -سبحانه- أن يضرب بعصاه البحر، فانشق نصفين، وكان كل فرق كالطود العظيم، ومشى مع قومه في طريقٍ يبس.

قال -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) [البقرة:155-156]، فما بعد العسر إلا يسر، وما بعد الكرب إلا فرج، وما بعد الضيق إلا سعة؛ قال -تعالى-: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف:110]،
حتى إذا بلغ اليأس مداه عادت الحياة وجاء الفرج منه -سبحانه-.

عبــاد الله: إنَّ التفاؤلَ يدفع الإنسان لتجاوز المحن، ويحفِّزُه للعمل، ويورثه طمأنينة النفس وراحة القلب؛ والمتفائل لا يبني من المصيبة سجناً يحبس فيه نفسه، لكنَّهُ يتطلَّعُ للفرج الذي يعقب كل ضيق، ولليسر الذي يَتْبَعُ كل عسر.

لقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- إماماً في التفاؤل والثقة بوعد الله -تعالى-، وكان يحارب اليأس والتشاؤم، ويصنع الحياة، ويزرع الأمل مهما كانت الظروف.

والمتأمّل في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- يجد ذلك، يخاطب -صلى الله عليه وسلم- يوماً عدي بن حاتم يبشّره ويقول، كما روى ابن هشام في سيرته: "لعلّك -يا عديّ- إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم (أي حاجة المسلمين وفقرهم)، فوالله! ليوشكنّ المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه! ولعلّك إنما يمنعك من الدخول فيه ما ترى من كثرة عدوّهم وقلّة عددهم، فوالله! ليوشكنّ أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور البيت لا تخاف! ولعلك إنما يمنعك من الدخول أنك ترى الملك والسلطان في غيرهم، وايمُ الله! ليوشكنّ أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم"، قال عديّ: فأسلمت.

بل عندما هاجر -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة وقد أرسلت في طلبه قريش وقد أباحت دمه وهو في الصحراء لا طعام ولا شراب، والموت يترصده في أي لحظة، فإذا بسراقة بن مالك أحد فرسان قريش خلفه قد غاصت قدما فرسه في التراب، فينظر إليه رسول -صلى الله عليه وسلم- قائلاً له بكل ثقة وتفاؤل: "يا سراقة، لم تصنع هذا؟"، قَالَ: إن قريشاً قد وعدوني بكذا من الإبل، قَالَ: "أوليس لك بخير منها؟"، قَالَ: وما هما، قَالَ: "سواري كسرى" رواه البخاري ومسلم.

أيها المؤمنون عبــاد الله:
لقد سلك الإسلام كل سبيل في غرس روح التفاؤل بالخير في المجتمع المسلم، فأمرنا -صلى الله عليه وسلم- بأن نلقى إخواننا بوجه طلق حتى نشيع في المجتمع روح التفاؤل والأمل, فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-"كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَإِنَّ مِنَ الْمَعْرُوف

ِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ، وَأَنْ تُ
فْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ في إِنَاءِ أَخِيكَ" أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد.

كما أمرنا بإفشاء السلام بيننا حتى تسود المحبة والألفة, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ" رواه أحمد ومسلم.

وأمرنا -كذلك- بمجالسة الجليس الصالح الذي يشبه حامل المسك؛ حتى نتلمس من مصاحبته روح الصلاح والخير.

وفي حديث الأنصاري الذي لزم المسجد حزيناً من كثرة همومه وديونه, أرشده النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى استبدال اليأس بالأمل والتفاؤل, وأن عليه أن يترك اليأس والتشاؤم ويحسن التوكل على الله -تعالى-.

عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ: "يَا أَبَا أُمَامَةَ، مَالِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ؟". قَالَ هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "أَفَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلاَمًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟". قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ". قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي، وَقَضَى عَنِّى دَيْنِي" أخرجه أبو داود.

كما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن إشاعة روح التشاؤم في المجتمع بسب الدهر أو الادعاء بأن الناس قد هلكوا، وأن الخير قد انتهى من الناس.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ" أخرجه أحمد.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الْخَيْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ" أخرجه أحمد والبخاري ومسلم.

ونهى -صلى الله عليه وسلم- عن تقنيط وتيئيس المرء لمن حوله مهما كانت الظروف والأحوال، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ"، وفي رواية: "إِذَا سَمِعتُمْ رَجُلاً يَقُولُ: قَدْ هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ، يَقُولُ اللهُ: إِنَّهُ هُوَ هَالِكٌ" أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد ومسلم.

نعم، من قال هلك الناس، لا فائدة مما نقوم به، لن تتعدل الأوضاع، لن يأتي الفرج، ذهب الخير؛ من يقول هذا فإنه يقتل الحياة ويغتال الأمل ويزرع اليأس، ويكون أول الهالكين.

اللهم اهد قلوبنا، وزينها بالإيمان والتقوى، قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
عبــاد الله: إن للتفاؤل ثمرات في حياة الإنسان مهما كانت الظروف والأحوال، فبه تتجدد الحياة، ويزيد الإنتاج والعطاء، وبه يتغلب المرء على المعوقات والصعاب، وهو طريق للتوبة والرجوع إلى الله وترك الذنوب والمعاصي والسيئات، قال -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].

والتفاؤل يبعث في النفوس الراحة والطمأنينة، فلا يخاف المؤمن على رزقه، ولا يخشى من أجله، قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتَابَاً مُؤَجَّلَاً) [آل عمران:145].

والتفاؤل يدفع المؤمن ليحسن الظن بالله، ويوجهه ليصنع من المحنة منحة، ومن الكرب والعسر والضيق طريقاً وسبيلاً للبحث عن الفرج واليسر والخلاص.

فثقوا بالله، وأمّلوا به، وتفاءلوا بالخير تجدوه، واصنعوا الحياة من حولكم بالتفاؤل، ولا تكونوا معول هدم، ولا سببا في تقنيط الناس من رحمة الله، وابذروا الخير والأمل، واعملوا على تآلف القلوب واجتماع الصفوف، فمن يدري؟ ربما كانت هذه المصائب الفتن والابتلاءات باباً إلى خير مجهول، ورب محنة في طيها منحة، يقول -سبحانه-: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ

لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُ
هدي سيظهر، وأن اليهود سيهزمون، والنصارى سيهزمون، وأن الإسلام سيطبق الأرض؛ كل هذه حقائق لا يمكن الشك فيها.
ونختم هذه المبشرات التي تنطق بأن المستقبل لنا والسفال لعدونا، نختم بشهادة أعدائنا أنفسهم، إنهم يعترفون بقوة ديننا ويخشونه ويخافونه ويحسبون له ألف حساب، وعندهم دراسات وتحليلات كاملة تجعلهم على يقين بأن هذا الدين ستكون له الهيمنة والسيطرة على العالم.

قال أحدهم: "يجب محاربة الإسلام للحيلولة دون وحدة العرب؛ لأن قوة العرب تتصاحب دائماً مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره، إن الإسلام يفزعنا عندما نراه ينتشر بيسر في قارة أفريقيا".

وقال أحد العلماء الفرنسيين: "إن المسلم الذي نام نوماً عميقاً مئات السنين، قد استيقظ وأخذ ينادي: ها أنا لم أمت، أنا أعود للحياة؛ لا لأكون أداة طيعة تسيرها العواصم الكبرى، ربما يعود اليوم الذي تصبح بلاد الإفرنج مهددة بالمسلمين، يهبطون إليها من السماء لغزو العالم مرة ثانية في الوقت المناسب، لست متنبئ، لكن الأمارات الدالة على هذا كثيرة، ولا تقوى الذرة ولا الصواريخ على وقفها".

والفضل كما يقال ما شهدت به الأعداء.
فإذا عرفنا من خلال هذا العرض السريع للبشارات أن المستقبل هو لدين الإسلام، وأن المسلمين هم الأجدر بقيادة البشرية؛ لأن عندهم نظام إسلامي، ومنهج رباني، وشريعة سماوية، تحكم تصرفات الناس وتبينها لهم؛ ابتداءً من قضاء الإنسان لحاجته إلى أعظم مهمة في الوجود وهي توحيد الله والإيمان به، كل هذا في قرآنٍ ناسخ لكل ما قبله، ومهيمنٍ عليه، قرآنٍ أحكمت آياتُهُ ثم فصلت من لدن حكيم عليم.
إذا عرفنا ذلك، وعرفنا أن النصر لا يأتي بدون بذل أسباب .

فالواجب إذن على كل منا أن يعمل على إعلاء شأن هذا الدين العظيم؛ بأن ننصر الله بإقامة شرعه في أنفسنا وأهلينا، وتطبيق شريعة ربنا في كل أمور حياتنا، حتى نكون مؤمنين بحق، ونستأهل النصر الذي وعدنا الله به في قوله عز وجل: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر:51]
نسأل الله عز وجل أن يعجل النصر للمسلمين، وأن يرزقنا العمل لدينه القويم، وأن يجعلنا من جنوده وحزبه المفلحين.
2024/09/24 03:23:05
Back to Top
HTML Embed Code: