Telegram Web Link
خطبة إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ

الحمدُ للهِ غافِرِ الذُّنوبِ ، وقابلِ التـَوْبِ وساترِ العُيوبِ ، ومُفرِّجِ الهمِّ وكاشفِ الكُروبِ، سبحانَهُ وبحمدِهِ : يُؤتي المُلكَ مَنْ يشاءُ ، ويَنْـزِعُ المُلكَ مِمَّن ْيَشاءُ ، ويُعِزُّ مَنْ يَشاءُ ، ويُذِلُّ مَنْ يَشاءُ ، بيدِهِ الخيرُ ، إنـَّهُ عَلَى كُلِّ شيءٍ قديرٌ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له السَّميعُ البصيرُ ، سبحانه جلت قدرته ، مغير الأحوال من حال إلى حال ، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُه البشيرُ النَّذيرُ ؛والسِّراجُ المنيرُ ، اللهُم صلَّ وسلَّمَ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلى يومِ المصيرِ
عباد الله اتقوا الله عز وجل، بفعل أوامره، والبعد عما نهى عنه، فهو القائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون} ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}
أيها الإخوة المؤمنون، إن المتأمل في سُنن الله جل وعلا وآياته، يتبيَّن له سوابق فضل الله جل وعلا، وسوابغ نِعَمه على عموم خلقه، ويختص الله تعالى بالمزيد عباده المؤمنين الشاكرين، فهذه سنة ربانية ماضية، واضحة لكل من تأمَّلها في نصوص الوحي المعظم، وفي تاريخ الخلق أجمعين.
وقد أخبر الله سبحانه أنه يتفضل على العباد، ويزيدهم من نعمه وإحسانه، وبخاصة عند شكرهم، كما أن الله جل وعلا قد أنذر وتوعَّد وحذَّر بأنه سبحانه يجازي من كفر ويُعاقب من أعرض وأدبر، وهذا واضح في نصوص القرآن والسنة، ومما جاء في هذا الباب آيتان كريمتان عظيمتان، فيهما العظة لمن اتَّعظ وألقى السمع وهو شهيد؛ يقول رب العزة سبحانه:{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 53]، ويقول جل وعلا:{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}[الرعد: 11].... ففي هاتين الآيتين الكريمتين يُخبر الله جل وعلا أنه لا يغيِّر نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبَه، وقد بيَّن الله جل وعلا هذه القاعدة العظيمة في مواضع من كتابه العزيز؛ كما في قوله سبحانه:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}[الشورى: 30]، وكما قال جل وعلا: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ [النساء: 79].
إلى غير ذلك من الآيات، وهذه الآيات تؤكد أنه جل وعلا لا يَبتدئ أحدًا بالعذاب والمضرَّة، والذي يفعله جل وعلا لا يكون إلا جزاءً على معاصٍ سلفت، ففي قوله جل وعلا: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأنفال: 53].... قوله سبحانه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ ﴾: هذا عطفٌ على ما سلف مما أخبر الله جل وعلا به من عقوبته ونَكاله، وأخذه الشديد؛ قال عز وجل {ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ۙ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53)} [الأنفال:] ليبيِّن سبحانه أن هذه العقوبة إنما كانت بسبب ما أسلف هؤلاء، ذلك الأخذ والعقاب بأن الله لم يكُ مُغيرًا نعمة أنعمها على قوم، حتى يغيِّروا ما بأنفسهم بالكفران وترْك الشكر؛ قال الإمام مقاتل رحمه الله: المراد بالقوم ها هنا أهل مكة، أطعمهم من جوع وآمَنهم من خوف، ثم بعث فيهم محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يَعرِفوا المنعم عليهم، فغيَّر الله ما بهم.
وهذه الآية وإن كانت ترد ويدخل فيها دخولاً أوليًّا حال قريش مع إنعام الله عليهم - وأعظم نعمة بعثة محمد عليه الصلاة والسلام - لكن ي
دخل فيها كل العباد المكلفون؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما قرَّر العلماء، فمعنى هذه الآية الكريمة أن الله جل وعلا إذا أنعم على قوم نعمة، فإنه سبحانه بلُطفه ورحمته لا يبدأ بتغييرها وتكديرها، حتى يجيء ذلك منهم بأن يغيِّروا حالهم التي تُراد وتَحسُن منهم، فإذا فعلوا ذلك وتلبَّسوا بالتكسُّب بالمعاصي، أو الكفر الذي يُوجب عقابهم - غيَّر الله جل وعلا عليهم نعمته، وأبدلهم نقمة جزاءً وفاقًا، ومثال هذه النعمة ما أنعم الله به على قريش، ببعثة محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم، لكنهم كفروا، فغيَّر الله عنهم هذه النعمة، وكانت للأنصار رضي الله عنهم، وأحلَّ بقريش النقمة؛ ولذا قال سبحانه بعد هذه الآية: ﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ ﴾ [الأنفال: 54]...﴿ كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ ﴾؛ يعني: كشأنهم وعادتهم ومسلكهم، كان مسلك كفار قريش ومَن يُشبههم بأن يكفروا بنِعَم الله جل وعلا، فيُحل الله بهم أنواع النقم، ويغيِّر عنهم النعم، وقد جاء في بعض الآثار أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قُلْ لقومك: إنه ليس من أهل قرية ولا أهل بيت يكونون على طاعة الله، فيتحوَّلون منها إلى معصية الله، إلا تحوَّل لهم مما يحبون إلى ما يكرهون، ثم قال: إن مصداق ذلك في كتاب الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]... و تفسير هذه الآية انها آيةٌ عظيمةٌ تدل على أن الله تبارك وتعالى بكمال عدله وكمال حكمته لا يُغير ما بقوم من خير إلى شر، ومن شر إلى خير، ومن رخاء إلى شدة، ومن شدة إلى رخاء حتى يغيِّروا ما بأنفسهم، فإذا كانوا في صلاح واستقامة وغيَّروا؛ غيَّر الله عليهم بالعقوبات والنكبات والشدائد والجدب والقحط والتفرُّق، وغير هذا من أنواع العقوبات، جزاءً وِفاقاً، قال سبحانه: ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصِّلت: 46].،،، قد يُمهِلُهم سبحانه ويملي لهم ويستدرجهم لعلهم يرجعون، ثم يُؤخذون على غِرَّة، كما قال سبحانه: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } [الأنعام: 44] يعني آيسون من كل خير، نعوذ بالله من عذاب الله ونقمته.،،وقد يؤجَّلون إلى يوم القيامة فيكون عذابهم أشد، كما قال سبحانه: { وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ } [إبراهيم: 42]. والمعنى: أنهم يؤجَّلون ويُمهَلون إلى ما بعد الموت، فيكون ذلك أعظم في العقوبة وأشد نقمة... وقد يكونون في شرٍّ وبلاء ومعاصي ثم يتوبون إلى الله ويرجعون إليه ويندمون ويستقيمون على الطاعة؛ فيغير الله ما بهم من بؤس وفرقة، ومن شدة وفقر إلى رخاء ونعمة، واجتماع كلمة وصلاح حال بأسباب أعمالهم الطيبة وتوبتهم إلى الله سبحانه وتعالى، وقد جاء في الآية الأخرى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [ الأنفال: 52 ].
ولله الحكمة البالغة في ذلك، فما أتاهم منه جل وعلا فهو برحمته، ما أتاهم من خير وبر ونعم وإحسان، فهو بإحسانه وتفضُّله وامتنانه، وما جاءهم من عقوبة وتغيير وتكدير، فإنما هو بسبب ذنوبهم، وما يَمنع الله عنهم من العقوبة أكثر بكثير؛ قال الله جل شأنه: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ [فاطر: 45]
اخوة الإسلام: كل واحد منا ينشد التغير نحو الأفضل للمجتمع الذي يعيش فيه كي تطيب له الحياة ويهنأ فيها بعيش رغيد، لكن تغيير المجتمع نحو الأفضل والأحسن لا يتأتي إلا بشرط يسبقه، ولا يتحقق إلا بشرط يتحقق قبله، ذلك الشرط هو إحداث التغير نحو الأفضل في الأنفس، هذه حقيقة قرآنية وسنة كونيه لا تتغير ولا تتبدل، قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11].
فهذه سنة كونية ثابتة يؤكدها القرآن الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] ... آية صريحة ظاهرة يبين الله عز وجل فيها لعباده أنه لا يغير ما بقوم وما بمجتمع من حال حسن أو سيء حتى يغيروا ما بأنفسهم من حال حسن أو سيء. هذه هي سنة الله عز وجل في خلقه، والأمر بيده سبحانه، فهو الذي يغير الأحوال، والخلق تحت مشيئته يفعلون الأسباب التي جعلها جل جلاله مؤدية إلى مسبباتها، وقد قضى جل جلاله فيما قضى أن لا تغيير في المجتمع إلا بتغيير يسبقه في الأنفس؛ فالتغيير في القوم أو المجتمع تابع للتغير الذي يحدثونه في أنفسهم، فإذا كان القوم
في حال حسن من صحة وعافية وأمن وأمان واستقرار ورغد ورخاء في العيش فإن الله عز وجل لا يغير ذلك الحال الذي هم فيه حتى يغيروا ما بأنفسهم فيتحولوا من الطاعة إلى المعصية ومن الإيمان إلى الفسوق ومن الشكر إلى الكفر، وذلك هو المعنى المراد في سياق الآية، قال الله عز وجل مبينا وموضحا لذلك المعنى في آية أخرى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:53]... وكذلك تدل الآية الكريمة بعمومها على أن الله عز وجل لا يغير ما بقوم من حال سيئ من فقر وضنك معيشة وجهل ومرض وخوف وقلق حتى يغيروا ما بأنفسهم فيتحولوا من المعصية إلى الطاعة ومن الفسوق إلى الإيمان ومن الكفر إلى الشكر. وهذا هو بيت القصيد, وهو ما نريد.
- نعم أيها الاخوة المؤمنون / إذا كنا ننشد التغيير إلى الأحسن لمجتمعنا فلا بد من العمل بموجب ما اشترطه القرآن لذلك، وهو أن نبدأ أولا بإحداث التغيير إلى الأحسن في أنفسنا حتى يبدل الله مجتمعنا إلى الأحسن ويهيئ الله الأمر لذلك.
- تعالوا لنحدث التغيير في أنفسنا في القصد والإرادة لنخلص قصدنا وإرادتنا إلى لله عز وجل وحده, وننخلع من الرياء والسمعة والعجب بالنفس وإرادة الدنيا، حتى تكون أعمالنا كلها لوجه الله عز وجل وابتغاء مرضاته لا نريد بها جزاء ولا شكوراً, قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5].
- تعالوا لنحدث التغيير في أنفسنا بفعل ما قصرنا فيه من الواجبات، وترك ما اقترفنا من المحرمات, بالمحافظة على الصلوات والاستقامة على الطاعات، والملازمة لتقوى الله. قال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18].
- تعالوا لنحدث التغيير في أنفسنا بالتفتيش في القلوب لنزيل ما فيها من غل وحقد وحسد وبغض لبعضنا البعض ولنزرع فيها المحبة والنصيحة والنقاء وحب الخير للغير، قال الله عز وجل عن أهل الجنة: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً} [الحجر:47]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
- تعالوا لنحدث التغيير في أنفسنا بترك الكبر والترفع واحتقار الآخرين لنكون متواضعين هينين لينين, قال رسول الله صلى الله علية وسلم: «حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم» [رواه مسلم].
- تعالوا لنحدث التغيير في أنفسنا بترك العقوق والقطيعة ولنعش بدلا من ذالك بالبر والصلة والتسامح والعفو. قال الله عز وجل: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22].
- تعالوا لنحدث التغيير في أنفسنا بالتحول من أخلاق الفضاضة والغلظة والقسوة والشدة إلى أخلاق اللين والرحمة والرفق والشفقة. قال الله عز وجل: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:34-35].
- تعالوا لنحدث التغيير في أنفسنا بترك الغش والمكر والخداع واللف والدوران وأكل الرشا وأكل المال الحرام وأخذه بالتأويلات الفاسدة التي يزينها الشيطان، وأن يكون تعاملنا بالصدق والوضوح والنصيحة وأن نقنع بالقليل، قال رسول الله صلى الله علية وسلم: «إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات؛ فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه» [رواه مسلم].

- تعالوا لنحدث التغيير في أنفسنا بصون ألسنتنا من الكذب والغيبة والنميمة والسب والشتم واللعن وقول الباطل حتى تكون أفواهنا نظيفة وألسنتنا رطبة بذكر الله، قال الله عز وجل في وصف المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:3].
إن تعداد الأوجه التي يجب على المسلم أن يحدث فيها التغيير يطول جدا، وحسب المسلم أن يذكر ببعضها.
والحاصل: أن علينا أن نغير كل ما بأنفسنا من نقص وخلل لنجعل مكانه ما يسد الخلل ويزيل النقص، ويرتقي بالنفس نحو الزكاة والطهر والبر والتقوى. فإذا حدث ذلك التغيير في الأنفس وفَى الله لنا بما وعدنا من التغيير في المجتمع {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111]. ..اللهم يا مغير الأحوال غير حالنا إلى أحسن حال وسخر لنا من حظوظ الدنيا ما تعلم أنه خير لنا وأصرف عنا كل ما هو شر لنا... اقول ما تسمعون واستغفر الله الجليل العظ
يم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا اليه انه هو التواب الرحيم

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ /الحمد لله الذي صب علينا نعمه مدرارا، ووالى علينا آلائه ليلا ونهارا، فاللهم أوزعنا شكرك سرا وجِهارا، واغفر لنا إنك كنت غفارا،، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمد... وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وقدوة الخلق اجمعين، اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أيها الأخوة الكرام ، ما من مسلم على وجه الأرض الآن إلا ويتمنى أن يتغير حال المسلمين من التمزق إلى التوحد، من الضعف إلى القوة، من القهر إلى الاعتزاز، هذا الشعور في ضمير كل مسلم على وجه الأرض، لا يشك واحد في هذا، ولكن الأمر وصل إلى درجة أن الطريق إلى التغيير ليس واضحاً، كلنا نعتز بتاريخ الصحابة رضي الله عنهم كيف كانوا أعزة؟ كيف كانوا أقوياء؟ كيف انتصروا؟ كيف رفرفت راياتهم في المشرقين و المغربين؟ ما الذي حصل؟ الله هو هو، والأمر بيد الله دائماً، وعوامل القوة بيد الله، وعوامل العزة بيد الله، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد: 1].
هذه الآية ـ أيها المسلمون ـ مفتاح من مفاتيح العلاقة بين الله وخلقه، هذه الآية سنة كونية يسطرها لنا الباري عز وجل في كتابه حتى نكون على بينة، وحتى لا نبتعد عن الجادة ونتوه عن الصواب، وحتى لا نضيِّع العروة الوثقى. هذه آية تمثل معادلة ثابتة مفادها أن الله لن يغير حال قوم من وضع مرضي مريح إلى وضع ضنك مذموم أو العكس إلا إذا غير هؤلاء القوم ما في قلوبهم، فإذا وجهوا قلوبهم إلى مولاهم وامتثلوا أوامره وابتعدوا عن نواهيه غيّر الله حالهم إلى أحسن حال، وإذا توجهت قلوبهم إلى الشهوات وارتكست أنفسهم في حمأة الرذيلة غيّر الله حالهم إلى أسوأ حال، يقول سبحانه: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }[طه: 123، 124]... هذا القانون الإلهي ـ عباد الله ـ يعلمنا أننا لكي ننعم بحياة آمنة مرضية يأتينا رزقنا رغدًا فإننا لا بد أن نتفقد قلوبنا ونتفقد علاقتنا بمولانا، لا بد أن نرضي مولانا عز وجل، وعبثًا نحاول أن نصلح أحوالنا إذا نسينا هذا القانون الإلهي أو تجاهلناه، فسنن الله سبحانه لا تتغير ولا تتبدل، يقول سبحانه وتعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً}[الأحزاب: 62].
نعم اخوة الإسلام كثيرا ما يتذمر الناس من ضيق الرزق، وكثيرا ما يتذمرون من واقع الحال إذا لم يكن مواتيا لهم، ولكنهم قليلا ما يسألون أنفسهم أو يسألونها: ما حالها مع خالقها ومع بارئها؟ هل انصاعت له حتى تنصاع لها الأمور؟ وهل انقادت له حتى تنقاد لها الأسباب؟ هل فارقت أهواءها وشهواتها؟ هل نظرت إلى الدنيا نظر من علم حقيقتها وقدرها ونظر من علم أنه سيفارقها إلى لقاء مولاه وخالقه سبحانه؟ هل سعت إلى إصلاح حالها كي تنصلح أحوالها؟ يقول صلى الله عليه وسلم : ((من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له)) .
إن الله إذا غيّر حال الناس من الشر إلى الخير فبشيء فعلوه، وإذا غيّر حالهم من الخير إلى الشر فبشيء فعلوه، يقول سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }[الأنفال: 53].
احباب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن الله سبحانه غيّر حال أقوام من الضعف إلى القوة ومن الذل إلى العز لما رجعوا إليه واتقوه، يقول سبحانه ممتنا على المهاجرين من أصحاب رسول الله الذين فارقوا ديارهم وضحوا بأموالهم في سبيل دينهم، يقول سبحانه: {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26]،

إن الله سبحانه يغير حال الفقر إلى حال الغنى وييسر الأرزاق إذا غيّر الناس ما بأنفسهم، فوثقوا فيما عند الله، وابتعدوا عن الحرام، وسعوا إلى طلب الحلال، يرزقهم إذا حققوا التقوى والتوكل، فهو القائل: {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَ
دْرًا}[الطلاق: 2، 3].
إن الله يرزق عباده ويزيدهم من فضله إذا هم شكروه على نعمه وبذلوا منها في سبيله، يقول سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }[إبراهيم: 7].
إن الله سبحانه يغير من حال الخوف والتوجس إلى حال الأمن والتمكين إذا عرف الناس ربهم وعبدوه وتناصحوا فيما بينهم وأقاموا شعائر دينهم كما أمرهم سبحانه، يقول تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]. هذا وعد إلهي من الله لا يتخلف أبدا؛ هذه ـ إخوة الإيمان ـ سنن الله في تغيير أحوال الناس، وهذه تعاليمه سبحانه وتوجيهات نبيه للمسلمين؛ لكي ينالوا سعادة الدنيا والآخرة، فعضوا عليها بالنواجذ،
أيها الاخوة المسلمون، إن أحوال المسلمين على مستوى الأفراد وعلى مستوى الأمة ككل لن تنصلح إلا إذا أصلح الناس أحوالهم وعادوا إلى حياض دينهم وابتعدوا عن الذنوب والمعاصي وخرجوا من غمرات الملاهي والغفلات واستسلموا لله بدل استسلامهم للشهوات، لا بد أن ننصر الله ودينه حتى ينصرنا عز وجل، فهو القائل: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]. لا بد من الصبر والتقوى حتى نتخذ حصانة من كيد الأعداء، يقول سبحانه: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: 120]. ... لا بد أن نستجيب لله سبحانه حتى ننعم بعفوه ورضوانه، يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24].
هكذا ـ إخوة الإيمان ـ لا تكون السعادة ولا تكون الحياة الطيبة الهنية ولا يكون الجزاء الحسن يوم القيامة يوم الحسرة والندامة إلا بالالتجاء إلى الله وبالاعتصام بدينه والتمسك بحبله والاتباع الصادق لنبيه، قال سبحانه وتعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].وبذلك يغير الله عز وجل احوالنا الى احسن الاحول
أسأل الله الكريم بمنه وفضله أن يجعلنا ممن يتوكلون على الله حق التوكل، وأن يجعلنا ممن يستعينون به حق الاستعانة. اللهم خذ بأيدينا لما يرضيك، وامنن علينا بالعمل الصالح الرشيد.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) اللهم صلى وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على نهجه، وترسموا خطاه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم نلقاه ، وعنَّا معهم بجودك وعفوك يا عزيز يا غفَّار.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا، سحا طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد، وتجعله زاداً للحاضر والباد. ... اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان اللهم اجمع كلمتهم على الحق والهدى ، وعلى التوحيد والسنة يا أرحم اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم .. اللهم احفظ كل مسلمٍ ومُسلمة، اللهم فرِّج همومَهم، اللهم نفِّس كُرُباتهم، اللهم أدخِل السعادةَ والسرورَ على قلوبِهم، والأمنَ والأمانَ على بُلدانهم، اللهم انشر الرخاءَ والسخاءَ في بلاد المُسلمين.... اللهم وفِّقنا لما تحبُّه وترضاه يا كريم. اللهم احفَظ بلادَ المُسلمين من كل سوءٍ ومكروهٍ، اللهم حقِّق لنا الأمنَ والإيمانَ، ،،، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها. ، اللهم يا فارِجَ الهمِّ، يا كاشِفَ الغمِّ فرِّج الهمومَ والغمومَ عن المُسلمين في كل مكانٍ يا حيُّ يا قي
ُّوم. ٌ..... اللهم اجعل اليمن آمناً أماناً سخاءاً رخاءاً وجميع بلاد المسلمين اللهم ول علينا خيارنا ولا تول علينا شرارنا اللهم من ولي من أمر المسلمين شيئاً فرفق بهم فارق به ومن ولي من أمر المسلمين شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه بقوتك يا قوي يا عزيز،.. اللهم احفظ اليمن، اللهم احقن دماء اليمنيين ولم شعثهم ووحد صفهم وألف بين قلوبهم، اللهم امكر بمن يمكر بيمننا وشعبنا وانتقم من المعتدين على شعبنا انك على كل شيء قدير....ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم...ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتهم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتهم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
خطبة استعينوا بالله واصبروا

الحمد لله رب العالمين، كاشف الغم، وفارج الهم، ومنفس الكرب، ومجيب دعوة المضطر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه مخاطباً عباده [أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ] [النمل: 62]، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وقدوة الخلق في الاستعانة بالرب العظيم، للهم صل عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
عباد الله اتقوا لله ربكم، وأطيعوه في سركم وعلنكم، وراقبوه في جميع زمنكم، فاتقوا الله حق التقوى فقد امر بذلك القائل عز وجل{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون } ، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }
عباد الله: إن المتأمل في حياتنا يجد أن بعض الناس قد تعلقت قلوبهم بالأسباب، وانصرفت عن مسبب الأسباب، ومالك الأرض والسماء، ومدبر شؤون العباد بأمره وحكمته، ونسي هؤلاء قول الله تعالى في سورة الفاتحة [وإياك نستعين].
نعم اخوة الإيمان وفقكم الله تعالى /إن المؤمن الذي يريد أن يرتقي في أشرف منازل الآخرة ، لا يستطيع أن يرتقي إلا بعد عون الله وتوفيقه له ، والمصلي كل يوم يقول في كل ركعة من صلاته { إياك نعبد وإياك نستعين } .,,,, ولكن كثيرا من الناس لا يفقه شيئا عن الاستعانة بالله ، وأنها ضرورية ومهمة في حياة المؤمن ولن يستطيع أن ينجز شيئا من أعماله الدينية أو الدنيوية إلا بعد توفيق الله وإعانته وتسهيله وتيسيره له ... قال تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }معناها : نخصك يا ربنا وحدك بالعبادة والاستعانة .
فكأنه يقول : نعبدك ، ولا نعبد غيرك ، ونستعين بك ، ولا نستعين بغيرك .
- و العبادة : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال ، والأقوال الظاهرة والباطنة.
- و الاستعانة: هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع ، ودفع المضار ، مع الثقة به في تحصيل ذلك
- والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية، والنجاة من جميع الشرور، فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما.
أيها المؤمنون: عباد الله: الاستعانة بالله تحقيق للتوحيد، وعصمة للقلب، وملاذ للنفس، وطمأنينة للفؤاد، ولا أجمل ولا أكمل ولا أفضل ولا أحفظ ولا أسلم للمؤمن من الاستعانة بالواحد الأحد -جل وعلا-؛ فهل يُهْزم من استعان به؟ وهل يخاف من لجأ إلى محرابه؟ وهل يحرم من انطرح على أعتابه؟
إن الاستعانة بالله -جل وعلا- حفظ للمرء، وصيانة للنفس، وحماية للدين، وأمنٌ من المخاوف، وضمان من المخاطر، ونجاة من المهالك، ونصرة على الأعداء، وحرز من الشيطان،،، ولذلك كانت الاستعانة بالله من أجل العبادات وأعظمها وأكثرها أثراً وتوفيقاً.
والاستعانة بالله معناها طلب العون من الله -تعالى-, المتضمن لكمال الذل من العبد لربه -سبحانه-، وتفويض الأمر إليه وحده، واعتقاد كفايته..... وقد أمر الأنبياءُ أقوامهم بالاستعانة بالله وحده, قال-سبحانه-: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128], وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاستعانة بالله وحده؛ فقال -عليه الصلاة والسلام-: “إذا استعنت فاستعن بالله” (رواه الترمذي).
قال الأمير الصنعاني -رحمه الله-: “وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : “إذَا اسْتَعَنْت فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ” مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تعالى، (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: 5]؛ أَيْ نُفْرِدُك بِالِاسْتِعَانَةِ, أَمَرَهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَسْتَعِينَ بِاَللَّهِ وَحْدَهُ فِي كُلِّ أُمُورِهِ أَيْ إفْرَادُهُ بِالِاسْتِعَانَةِ عَلَى مَا يُرِيدُهُ.
وَفِي إفْرَادِهِ -تعالى-بِالِاسْتِعَانَةِ فَائِدَتَانِ:
الْأُولَى: أَنَّ الْعَبْدَ عَاجِزٌ عَنْ الِاسْتِقْلَالِ بِنَفْسِهِ فِي الطَّاعَاتِ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا مُعِينَ لَهُ عَلَى مَصَالِحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ إلَّا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَمَنْ أَعَانَهُ اللَّهُ؛ فَهُوَ الْمُعَانُ، وَمَنْ خَذَلَهُ؛ فَهُوَ الْمَخْذُولُ, وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: “احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُك وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ“, و
ئاً فشق عليهم فاشقق عليه بقوتك يا قوي يا عزيز،.. اللهم احفظ اليمن، اللهم احقن دماء اليمنيين ولم شعثهم ووحد صفهم وألف بين قلوبهم، اللهم امكر بمن يمكر بيمننا وشعبنا وانتقم من المعتدين على شعبنا انك على كل شيء قدير....ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم...ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتهم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتهم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
َعَلَّمَ -صلى الله عليه وسلم- الْعِبَادَ أَنْ يَقُولُوا فِي خُطْبَةِ الْحَاجَةِ: “ان الْحَمْدُ لِلَّهِ نحمده ونَسْتَعِينُهُ“.
فَالْعَبْدُ أَحْوَجُ إلَى مَوْلَاهُ فِي طَلَبِ إعَانَتِهِ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورَاتِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورَاتِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَقْدُورَاتِ, قَالَ سَيِّدَنَا يَعْقُوبُ -صلى الله عليه وسلم- فِي الصَّبْرِ عَلَى الْمَقْدُورِ: (وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) [يوسف: 18]”.
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-: “بقدر ما يركن الشخص إلى غير الله -تعالى-, بطلبه, أو بقلبه, أو بأمله؛ فقد أعرض عن ربه إلى من لا يضره ولا ينفعه“.
معاشر المسلمين: ولعظم عبادة الِاسْتِعَانَةِ وأهميتها؛ فإن الله أفردها من بين سائر العبادات, وتعبد المسلم بها في كل ركعةٍ يصليها؛ فإنه يقرأ قوله -تعالى-: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ),
وفي هذه الآية اجتمع أمران عظيمان عليهما مدار العبودية؛ الأول (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) تبرؤ من الشرك, والثاني (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) تبرؤ من الحول والقوة ؛ فالمعنى لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك, قال ابن تيمية -رحمه الله-: “تأملت أنفع الدعاء؛ فإذا هو سؤال العون على مرضات الله , ثم تأملته فرأيته في الفاتحة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)”.... فالعبادة هي الغاية التي خلق الناس لأجلها, والاستعانة هي الوسيلة إليها؛ فإذا لم يعن الله عبده على طاعته, ولم يطلب العبد إعانته على ذلك؛ لا تحصل منه تمام العبادة, ولذلك علَّم النبي -عليه الصلاة والسلام- معاذاً دعاءً يحافظ عليه بعد كل صلاة مكتوبة, يطلب العون من ربه في أداء عبادته؛ فعنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَ بِيَدِي يَوْمًا، ثُمَّ قَالَ: “يَا مُعَاذُ! وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ” فَقَالَ مُعَاذٌ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّكَ، فَقَالَ: “أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ؛ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ” (رواه أَبُو داود والنسائي وأحمد).... قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: “وأما الاستعانة بالله -عز وجل- دون غيره من الخلق؛ فلأن العبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه ودفع مضاره, ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله -عز وجل-؛ فمن أعانه الله فهو المعان ومن خذله فهو المخذول, وهذا تحقيق معنى قول: “لا حول ولا قوة إلا بالله”؛ فإن المعنى لا تحول للعبد من حال إلى حال ولا قوة له على ذلك إلا بالله, وهذه كلمة عظيمة وهي كنز من كنوز الجنة, فالعبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات, وترك المحظورات, والصبر على المقدورات, كلها في الدنيا وعند الموت وبعده من أهوال البرزخ ويوم القيامة, ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلا الله -عز وجل-, فمن حقق الاستعانة عليه في ذلك كله أعانه” .. وفي الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز” (أَخْرَجَهُ مُسْلِم), يعني: لا تعتمد على الحرص فقط ولكن مع الحرص استعن بالله -سبحانه وتعالى-؛ لأنّه لا غنى لك عن الله، ومهما بذلْت من الأسباب؛ فإنّها لا تنفع إلاّ بإذن الله -تعالى-؛ فلذلك جمع بين الأمرين: فعل السبب مع الاستعانة بالله -عزّ وجلّ-.
أيها الاخوة المسلمون : إننا أحوج ما نكون اليوم إلى تربية أنفسنا على الاستعانة بالله والثقة به والتوكل عليه لنحقق العبودية الحقة لله وكمال الإيمان به -سبحانه وتعالى- القائل:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال4-3:]... إننا بحاجة إلى تربية أنفسنا على الاستعانة بالله والاعتماد على الله والثقة به وبذل المستطاع من الأسباب المادية والشرعية لتستقيم أحوالنا وتفرج همومنا وتدفع عنا البلايا والمصائب والفتن، ذلك أنه لما ضعف التوكل على الله وقع عدد من المسلمين في الشرك و لجأ كثير من الناس إلى ارتكاب المحرمات والموبقات لتأمين متطلباتهم وتوفير حاجياتهم وتحقيق رغباتهم؛ فسفكت الدماء وضيعت الأمانات وظهر الغش والجشع وحلت الشحناء والبغضاء بين الناس وباع الرجل دينه بعرض من الدنيا قليل بل وبعض الناس يبيع دينه بدنيا غيره ،، وسكت كثير من الناس عن قول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فظنوا وهم في حالة ضعف أن الرزق والأجل يمكن أن يتحكم بهما أحدُ من البشر وأرضى الناس المخلوق بضعفه وفقره وحاجته ونسوا الخالق -سبحانه- بقوته وقدرته وسعة ملكه.،،، قال الله تعالى: (مَثَل
ُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 41]... وقال شقيق البلخي: لكل واحد مقام؛ فمتوكل على الله؛ ومتوكل على ماله، ومتوكل على نفسه، ومتوكل على لسانه، ومتوكل على سيفه، ومتوكل على سلطانه، بل ظهر القلق والخوف والهلع في حياة الناس على الحاضر والمستقبل والطعام والشراب والأولاد والوظيفة والمال والغنى والفقر والصحة والمرض بسبب ضعف الاستعانة بالله والتوكل عليه؛ لأن قلوبهم لم تتصل بالله ولم تعتمد عليه فضاقت النفوس وتكدرت الأحوال ولم يصل المرء إلى غايته ومبتغاه فخسر دينه ودنياه وآخرته... لقد نسي هؤلاء أن الله هو الذي بيده الموت والحياة، وكل شيء عنده بمقدار وأنه كتب الآجال وقدر الأقدار وحكم بين العباد ولا يجري في هذا الكون أمر؛ إلا بإرادته ومشيئته وعنده علم الغيب لا ينازعه فيه أحد، قال تعالى: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام:59]؛ قَالَ رَجُلٌ لِمَعْرُوفٍ الكرخي: أَوْصِنِي، قَالَ: “تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَكُونَ جَلِيسَكَ وَأَنِيسَكَ، وَمَوْضِعَ شَكْوَاكَ، وَأَكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ حَتَّى لَا يَكُونَ لَكَ جَلِيسٌ غَيْرُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الشِّفَاءَ لِمَا نَزَلَ بِكَ كِتْمَانُهُ، وَأَنَّ النَّاسَ لَا يَنْفَعُونَكَ وَلَا يَضُرُّونَكَ، وَلَا يُعْطُونَكَ وَلَا يَمْنَعُونَكَ”
اخوة الإسلام /من ترك الاستعانة بالله العظيم ذي الجمال والجلال, والكبرياء والعظمة, والجبروت والملكوت, واستعان بغيره من المخلوقات العاجزة الضعيفة؛ وكله الله إلى من استعان به؛ فصار مخذولا,
قال الشاعر: إن لم يكن عونٌ من الله للفتى *** فأول ما يجني عليه اجتهاده
أيها المؤمنون: لقد اقترنت الاستعانة في القرآن الكريم بركن من أركان الإسلام؛ فقرن بينها وبين الصلاة؛ فكانت صفة الصبر ملازمة مع الصلاة في موضعين من مواضع وعظ الله تعالى وتوجيهه لعباده المؤمنين، فقال الله عز وجل: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة: 45]، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153]... اللَّهُمَّ أَعِنِّا عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه.
اقول ما تسمعون واستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا اليه انه هو التواب الرحيم

لخطبة الثانية:
الحمد لله الذي تفرد بالعز والجلال، وتوحد بالكبرياء والكمال، أذل من اعتز بغيره غاية الإذلال، وتفضل على المطيعين بلذيذ الإقبال، بيده ملكوت السماوات والأرض ومفاتيح الأقفال، لا رادّ لأمره ولا معقب لحكمه وهو الخالق المتعال، وأشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له له الملك, وله الحمد وهو علي كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه الذي أيده بالمعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، وزينه بأشرف الخصال، ، للهم صل عليه وعلي آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه، ومن اتبعهم بإحسان إلي يوم الدين،
أما بعـــد: فاتقوا الله عباد الله القائل عز وجل: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(لقمان).
احباب النبي محمد صلى الله عليه وسلم /: كم نحن بحاجة إلى الاستعانة بالله، للخروج من الفتن، وإصلاح الأوضاع، والنصر على الأعداء، ودفع الخطوب والمكاره، وكم نحن بحاجة للاستعانة بالله، في دفع الهموم والأحزان؛ فإذا أصابَ الإنسان حزن تجِد السرّور ليسَ لَه سبيلا إليه والبؤس على وجهِه؛ فينعزِل عنِ النّاس، وتكونُ الكَآبة فراشِه والهمّ سمائه؛ فلِمَاذا كلّ هذا ؟!!. ونسي ان الامو كلها بيد الخالق عز وجل القائل سبحانه: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَ
سي في حياة المسلم الصادق مع ربه، فبقدر تعلقه به، وحبه له، وعلمه بقدرته بقدر ما يكون في قلبه من قوة الاستعانة به، وعلى النقيض من ذلك فالمتعلق بغير الله في جلب النفع أو دفع الضر هو أضعف الناس استعانة بالله. وهكذا تتفاوت مقادير الاستعانة في القلوب.
ولقد ذكر الله نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه اجتمع عليهم المشركون والمنافقون واليهود في غزوة الخندق، فاستعانوا بربهم وتوكلوا عليه وأخذوا بالأسباب فجاءهم العون والمدد من رب الأرض والسماء، قال تعالى واصفاً هذا الموقف العظيم [إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً]، ولكن هل نقص ذلك من استعانتهم بالله، بل قال الله تعالى عنهم [وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً]، فجاءهم النصر مع الصدق وحسن الاستعانة بالله [وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً](الأحزاب)،،، وهكذا المسلمون في جميع أحوالهم لابد أن تتعلق قلوبهم بربهم، وأن يتوكلوا عليه حق التوكل، وأن يستعينوا به في قضاء حوائجهم، فمن يملك الأمر من قبل ومن بعد سواه، ومن يملك المرض والشفاء سواه؟ ومن يملك الأرزاق سواه، ومن يغيث الملهوف سواه، ومن ينجي المكروبين من الغم سواه؟ ومن يدفع البأساء والضراء عن المؤمنين سواه، ومن ينصر المظلومين سواه؟ ومن يهدي العاق بوالديه سواه؟ ومن يقبل توبة التائب سواه؟ سبحانه جل جلاله وعظم سلطانه.... فعلقوا قلوبكم بالله العلي القدير، وليبحث كل منا عن النقص الحاصل في حياته، وليعلم أنه بقدر استعانته بربه وتعلقه به بقدر ما يحصل عليه من العون من الله تعالى وفضله.
ايها الاخوة المؤمنون وفقكم الله ورعاكم / استعينوا بربكم في جميع أحوالكم وشؤونكم، وتوكلوا عليه حق التوكل تنالوا الفضل العظيم، والعطاء الجزيل.
أسأل الله الكريم بمنه وفضله أن يجعلنا ممن يتوكلون على الله حق التوكل، وأن يجعلنا ممن يستعينون به حق الاستعانة. اللهم خذ بأيدينا لما يرضيك، وامنن علينا بالعمل الصالح الرشيد.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) اللهم صلى وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على نهجه، وترسموا خطاه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم نلقاه ، وعنَّا معهم بجودك وعفوك يا عزيز يا غفَّار.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا، سحا طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد، وتجعله زاداً للحاضر والباد. ... اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان اللهم اجمع كلمتهم على الحق والهدى ، وعلى التوحيد والسنة يا أرحم اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم .. اللهم احفظ كل مسلمٍ ومُسلمة، اللهم فرِّج همومَهم، اللهم نفِّس كُرُباتهم، اللهم أدخِل السعادةَ والسرورَ على قلوبِهم، والأمنَ والأمانَ على بُلدانهم، اللهم انشر الرخاءَ والسخاءَ في بلاد المُسلمين.... اللهم وفِّقنا لما تحبُّه وترضاه يا كريم. اللهم احفَظ بلادَ المُسلمين من كل سوءٍ ومكروهٍ، اللهم حقِّق لنا الأمنَ والإيمانَ، ،،، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها. ، اللهم يا فارِجَ الهمِّ، يا كاشِفَ الغمِّ فرِّج الهمومَ والغمومَ عن المُسلمين في كل مكانٍ يا حيُّ يا قيُّوم. ٌ..... اللهم اجعل اليمن آمناً أماناً سخاءاً رخاءاً وجميع بلاد المسلمين اللهم ول علينا خيارنا ولا تول علينا شرارنا اللهم من ولي من أمر المسلمين شيئاً فرفق بهم فارق به ومن ولي من أمر المسلمين شي
فَلا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّا تُصْرَفُونَ} (يونس).
والاستعانة تنقسم إلى قسمين: قسم محمود، وقسم مذموم.
فالقسم المذموم هو الاستعانة بالخلق فيما لا يقدر عليه إلا الله: كإجابة الدعاء وكشف البلاء، والهداية، والإغناء، ونحو ذلك، فالله تعالى هو المتفرد بذلك الذي يسمع ويرى، و يعلم السر والنجوى، وهو القادر على إنزال النعم، وإزالة الضر من غير احتياج منه إلى أن يعرفه أحد أحوال عباده، أو يعينه على قضاء حوائجهم، والأسباب التي بها يحصل ذلك هو خَلَقَها و يَسَّرها، فهو مُسبب الأسباب التي بها يحصل ذلك ولهذا فرض سبحانه على المصلي أن يقول في صلاته (وإياك نستعين).... ومثال الاستعانة بغير الله : كمن يستعين بالمقبور الميت في كشف الضر، أو جلب النفع، وكل ذلك مخالف لقول الله تعالى [إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ] (الأعراف)، وهذا شرك أكبر يخرج من الملة إن اعتقد صاحبه أن الاستعانة بغير الله تجلب له ذلك. والمسلم قد يستعين بغير الله في قضاء بعض الحوائج الدنيوية ، ولكنه لا يستعين في عِظَمِ الأمور إلا بالله، ولا تعد الاستعانة حقيقية إلا بالاستعانة بالله وحده، كما قال تعالى [وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ](المائدة)... وأما القسم الثاني المحمود: فهو الاستعانة بالله تعالى وحده، والتبرؤ من الحول والقوة، وتفويض الأمر إلى الله عز و جل، و هذا المعني في غير آية من القرآن كما قال تعالى[فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ](هود)، وقوله تعالى [قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ] [الملك : 29] وقوله عز وجل [رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً](المزمل) إلى آخر الآيات.
إخوة الإسلام /إن افتقار العبد إلى عبادة ربه وحاجته إليه لا يعدلها حاجة، ونعيمه بها لا يعدلها نعيم، ولما كان الإنسان لا يستطيع جلب ما ينفعه ودفع ما يضره إلا بالاستعانة بالله سبحانه والتوكل عليه،،،، ولما كانت العبادة هي أم المنافع وغايتها، جاء الإرشاد منه سبحانه إلى ضرورة الاستعانة به عز وجل، والتوكل عليه في تحقيق الغاية العظيمة والثبات عليها. ومن أجمع الأدعية وأنفعها في هذا المقام: ما ورد في سورة الفاتحة في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، حيث فرض الله سبحانه علينا أن نناجيه وندعوه بها في كل صلاة....فلا يعبد بحق ويستحق العبادة إلا الله وحده، ولا يستعان، وليس أهلاً للاستعانة إلا الله تعالى وحده. والمعنى: نخصك بالعبادة، ونخصك بالاستعانة، فلا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك؛ إذ لا تصح العبادة إلا لله، ولا يجوز الاستعانة إلا به. وفي هذا امرين: الأول: أنّه عبدٌ للهِ لا يعبُدُ أحداً سواه, ولا يتوجَّه برغبتِه ورهبتِه ومحبتِه ورجائِه وصلاتِه ونُسُكِه وجميعِ عباداتِه إلا للهِ وحدَه, لا يَشرِكُ به شيئاً.... والثاني: أنّه لا يَستعينُ على قضاءِ حوائجِه، وكَشْفِ كُرَبِه وتفريجِ همومِه، وإجابةِ دعائِه وتحقيقِ آمالِه ورفعِ آلامِه، إلا بالله، فهو القادرُ وحدَه على كلِّ شيء، وهو المستعان على كلِّ شأن, وهو بهذا يَعترِفُ لربِّه بالقوَّةِ المطلقة والقدرةِ التامة، والعلمِ الكاملِ والرحمةِ الواسعةِ والربوبيةِ الشاملة, والفضلِ والمُلْكِ والإنعام، لله جَل جَلالُه وتَقدَّستْ أسماؤه.
ومن الملاحظ أنه قد قرنت العبادة بالاستعانة ليدل على أن العبد لا يستطيع أن يقوم بأي عبادة إلا بإعانة الله وتوفيقه، فهو إقرار بالعجز عن حمل هذه العبادة. ... فالاستعانة بالله علاج لغرور العبد وكبريائه، و”يجمع بين ما يتقرب به العباد إلى ربهم، وبين ما يطلبونه ويحتاجون إليه من جهته”... والعباد كلهم مجبولون على الاستعانة بالله تعالى والتوكل عليه في شؤونهم، ولكن حسن الاستعانة والتوكل يختلفان من قلب إلى قلب، ومن شخص إلى شخص، فبقدر قوة الإيمان واليقين عند العبد بقدر ما يقوي عامل الاستعانة بالله، وحسن الظن به، وتسليم الأمر له، لعلم القلب بحاجته إلى فضل الله تعالى وتيسير أمره...

ولو نظر كل منا في حاله في أمور دنياه وآخرته لوجد أنه يحتاج إلى عون الله تعالى حتى في جلب أنفاسه، فلا يستطيع أحد القيام بحق الله تعالى إلا بالاستعانة به على ذلك، فها هو سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يقول [اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك]، فهو يحتاج إلى عون الله وفضله لأداء حقه على الوجه الذي يرضيه. وهل المسلم يستطيع أن يتوضأ أو يصلي، أو يسجد أو يركع أو يسبح أو يذكر الله إلا بعونه، وهل يستطيع أيضاً أن يحج أو يعتمر، أو يزكي أو يصوم، أو يبر والديه أو يحسن إلى الناس إلا بعون الله تعالى
عباد الله: إن الاستعانة مطلب أسا
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
مراقبة الله سبحانه وتعالى والخوف منه
للشيخ /علي عبد الخالق القرني
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc

إن الحمد لله نحنده ونستعينه ونستغفيره وتوب إليه.
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
شهادة عبده وابن عبده وابن أمته، ومن لا غنى به طرفة عين عن رحمته.


أشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول، وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا.


(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)
أما بعد عباد الله:
أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ جل وعلا، وأن نقدمَ لأنفسِنا أعمالاً تبيضُ وجوهَنا يوم نلقى اللهَ
(يومَ لا ينفعُ مالُ ولا بنونَ إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم).


(يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا).


(يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون)
(يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد)
يوم يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور،
(يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا).


(ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا)
يوم الحاقة يوم الطامة يوم القارعة يوم الزلزلة يوم الصاخة
(يوم يفر المرء من أخية، وأمه وأبيه، لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه)
ثم أعلموا يا عباد اللهِ أن رقابةَ البشرِ على البشرِ قاصرة، وأن رقابةَ المخلوقاتِ على بعضها قاصرة.


البشرُ يغفل، والبشرُ يسهو، ينام، يمرض، يسافر، يموت
إذا فلتسقطُ رقابةَ المخلوقين ولتسقط رقابة الكائنات جميعَها، وتبقى الرقابةُ الكاملة، الرقابةُ المطلقة
آلا وهي رقابةُ اللهِ جل وعلا.


باري البراي منشى الخلائق…..مبدعهم بلا مثال سابق
حي وقيوم فلا ينام…………...وجل أن يشبه الأنام
فإنه العلي في دنوه…………...وإنه القريب جل في علّوه..
لا إله إلا هو.


علمُ البشرِ ما علمُهم، علمُ قاصر، ضعيف قليل
ما وراءَ هذه الجدران نجهلُ منه الكثيرُ لا نعلمه، بل لا نعلمُ أنفسَنا التي بين جنبينا.
لكن الله يعلم ذلك ويعلم ما هو أعلى من ذلك.
(وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين)
(إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء)
يعلم ما تسره الآن في سريرتك ومن بجوارك لا يعلم ذلك.


يعلم ما ينطوي عليه قلبك بعد مأئة عام، وأنت لا تعلم ما ينطوي عليه قلبك بعد دقائق أو ساعات.


إنه العلم الكامل، إنه العلم الكامل المطلق، علم الله السميع العليم، العليم الخبير.
(يعلم ما تسرون وما تعلنون)
(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)
يعلم ويسمع ويرى دبيب النملة السوداء على الصفاة السوداء في الليلة الظلماء.


هو الذي يرى دبيب الذر…. في الظلمات فوق صم الصخر
وسامع للجهر والأخفات…...بسمعه الواسع للأصوات
وعلمه بما بدا وما خفي…...أحاط علما بالجلي والخفي
(ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم)
رجلان من قريش:
يجلسان في جوف الليل، تحت جدارِ الكعبة، قد هدأت الجفون ونامت العيون، أرخى الليلُ سدوله، واختلط ظلامُه، وغارت نجومُه، وشاع سكونُه.


قاما يتذاكران، ويخططان ويدبران وظنا أن الحي القيوم لا يعلمُ كثيرا مما يعملون.
استخفوا من الناس ولم يستخفوا من الله الذي يعلم ما يبيتونَ مما لا يرضى من القول.


تذاكرا مصابهم في بدر فقال صفوان وهو أحدُهم:
والله ما في العيش بعد قتلى بدر خير.
فقال عمير:
صدقت والله لولا دينُ علي ليس له قضاء، وعيالُ أخشى عليهم الضيعة لركبتُ إلى محمد حتى أقتله.
(صلى الله على نبينا محمد)
اغتنم صفوان ذلك الإنفعال، وذلك التأثر وقال:
علي دينُك، وعيالُك عيالي لا يسعُني شيءُ ويعجزُ عنهم.
قال عمير: فأكتم شأني وشأنك لا يعلم بذلك أحد. قال صفوانُ أفعل.


فقام عمير وشحذ سيفَه، وسمَه، ثم انطلقَ به يغضُ السير به إلى المدينة.


وصل إلى هناك وعمرُ رضي الله عنه، أعني أبنَ الخطاب في نفرٍ من المسلمين.

أناخَ عميرُ على بابِ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحا سيفه.
فقال عمر:
عدو الله، والله ما جاء إلا لشر.
ودخل عمر على رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بخبره.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم أدخلُه علي.
فأخذ عمرُ بحمائل سيفِ عُمير وجعلها له كالقلادة ثم دخل به على النبي صلى ا
ره…….لحرك من هذا السريري جوانبه
ما الذي راقبته في ظلام الليل وفي بعد عن زوجها، وفي هدأت العيون ؟
والله ما راقبت إلا الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
أنعم بها من مراقبة وأنعم بها من امرأة.


وأعرابية أخرى يراودها رجل على نفسها كما أورد أبن رجب، ثم قال لها:
ما يرانا أحد إلا الكواكب.
فقالت: وأين مكوكبها يا رجل ؟ حالُها أين الله يا رجل ؟
أتستخفي من الناس ولا تستخفي من الله وهو معك إذ تبيت ما لا يرضى من القول.
أخيرا أسمع لهذا الحدث ولم يقع في هذا الزمن وإنما وقع في زمن مضى لتعلم ثمرة مراقبة الله عز وجل، واستشعار ذلك الأمر.


رجل أسمه نوح أبن مريم كان ذي نعمة ومال وثراء وجاه، وفوق ذلك صاحب دين وخلق، وكان له أبنة غاية في الجمال، ذات منصب وجمال. وفوق ذلك صاحبة دين وخلق.
وكان معه عبد أسمه مبارك، لا يملك من الدنياء قليلا ولا كثيرا ولكنه يملك الدين والخلق، ومن ملكهما فقد ملك كل شيء.


أرسلَه سيده إلى بساتين له، وقال له أذهب إلى تلك البساتين وأحفظ ثمرها وكن على خدمتها إلى أن آتيك.
مضى الرجل وبقي في البساتين لمدة شهرين.
وجاءه سيده، جاء ليستجم في بساتينه، ليستريح في تلك البساتين.


جلس تحت شجرة وقال يا مبارك، أتني بقطف من عنب.
جاءه بقطف فإذا هو حامض.
فقال أتني بقطف آخر إن هذا حامض.
فأتاه بآخر فإذا هو حامض.



قال أتني بآخر، فجأءه بالثالث فإذا هو حامض.
كاد أن يستولي عليه الغضب، وقال يا مبارك أطلب منك قطف عنب قد نضج، وتأتني بقطف لم ينضج.
ألا تعرف حلوه من حامضه ؟
قال والله ما أرسلتني لأكله وإنما أرسلتني لأحفظه وأقوم على خدمته.


والذي لا إله إلا هو ما ذقت منه عنبة واحدة.
والذي لا إله إلا هو ما رقبتك ، ولا رقبت أحدا من الكائنات، ولكني راقبت الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.


أعجب به، وأعجب بورعه وقال الآن أستشيرك، والمؤمنون نصحة، والمنافقون غششه، والمستشار مؤتمن.
وقد تقدم لأبنتي فلان وفلان من أصحاب الثراء والمال والجاه، فمن ترى أن أزوج هذه البنت ؟
فقال مبارك:
لقد كان أهل الجاهلية يزوجون للأصل والحسب والنسب.
واليهود يزوجون للمال.
والنصارى للجمال.
وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يزوجون للدين والخلق.
وعلى عهدنا هذا للمال والجاه.


والمرء مع من أحب، ومن تشبه بقوم فهو منهم.
أي نصيحة وأي مشورة ؟
نظر وقدر وفكر وتملى فما وجد خيرا من مبارك، قال أنت حر لوجه الله (أعتقه أولا).
ثم قال لقد قلبت النظر فرأيت أنك خير من يتزوج بهذه البنت.


قال أعرض عليها.
فذهب وعرض على البنت وقال لها:
إني قلبت ونظرت وحصل كذا وكذا، ورأيت أن تتزوجي بمبارك.
قالت أترضاه لي ؟
قال نعم.
قالت فإني أرضاه مراقبة للذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
فكان الزواج المبارك من مبارك.

فما الثمرة وما النتيجة ؟
حملت هذه المرأة وولدت طفلا أسمياه عبد الله، لعل الكل يعرف هذا الرجل.


إنه عبد الله أبن المبارك المحدث الزاهد العابد الذي ما من إنسان قلب صفحة من كتب التاريخ إلا ووجده حيا بسيرته وذكره الطيب.


إن ذلك ثمرة مراقبة الله غز وجل في كل شي.
أما والله لو راقبنا الله حق المراقبة لصلحة الحال، واستقامة الأمور.
فيا أيها المؤمن، إن عينَ اللهِ تلاحقُك أين ما ذهبت، وفي أي مكان حللت، في ظلامِ الليل، وراء الجدران، وراء الحيطان، في الخلوات في الفلوات، ولو كنتَ في داخلِ صخورٍ صم، هل علمتَ ذلك، واستشعرتَ ذلك فاتقيتَ اللهَ ظاهراً وباطنا، فكانَ باطنُك خيرُ من ظاهرِك.


إذا ما خلوت الدهرَ يوما فلا تقل……خلوتُ ولكن قل علي رقيبُ
ولا تحسبنَ اللهَ يغفلُ ساعةً………..ولا أن ما تخفيه عنه يغيبُ
عباد الله، اتقوا اللهَ في ما تقولون، واتقوا الله في ما تفعلون وتذرون
اتقوا الله في جوارحكُم، اتقوا اللهَ في مطعمِكم ومشربِكم، فلا تدخلوا اجوافَكم إلا حلالاً فإن أجوافَكم تصبرُ على الجوعِ لكنها لا تصبرُ على النار.


اتقوا اللهَ في ألسنتِكم، اتقوا اللهَ في بيوتِكم، في أبنائِكم في خدمكم، في أنفسكم.
اتقوا اللهَ في ليلِكم ونهارِكم، اتقوا اللهَ حيثما كنتم.


( واتقوا يوماً ترجعونَ فيه إلى الله ثم توفى كلُ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون).
أقول ما تسمعون واٍستغفر الله فأستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc


الحمد لله رب العالمين
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمدا عبده ورسول صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا.


أما بعد عباد الله:
أعلموا علم يقينٍ أن اللهَ هو الرقيب، وأن الله هو الحسيب، وأنه لا ملجىء منه إلا إليه، ولا مهرب منه إلا إليه.


هو الشهيدُ وكفى به شهيدا، ومن حكمتِه سبحانه وبحمده أن جعل علينا شهوداً آخرين لإقامةِ الحجُةِ حتى لا يكون للناس حجة، وتعدد الشهودُ علينا وكفى باللهِ شهيدا، من هؤلاءِ الشهودِ:
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، حيثُ يقول اللهُ عز وجل:
(وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون ال
لله عليه وسلم، فلما رأه صلى الله عليه وسلم قال لعمر أرسله يا عمر.
ثم قال ما جاء بك يا عمير.

وكان له أبنُ أسير عند رسولِ صلى الله عليه وسلم
قال جأت لهذا الأسير، فأحسنوا به.

قال صلى الله عليه وسلم فما بالُ السيفِ في عنقك ؟
قال قبحها اللهُ من سيوف وهل أغنت عنا شيء .
فقال صلى الله عليه وسلم وقد جاءه الوحيُ بما يضمرُه عمير، اصدقني يا عمير ما الذي جاء بك؟
قال ما جأت إلا لذاك.
فقال صلى الله عليه وسلم بل قعدت مع صفوان في الحجر في ليلة كذا، وقلت له كذا، وقال لك كذا وتعهد لك بدينك وعيالك واللهُ حائلُ بين وبينك.
قال عمير أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم.


هذا أمرُ لم يحضُره إلا أنا وصفوان، وللهِ إني لأعلم أنه ما أتاك به الآن إلا الله، فالحمد لله الذي ساقني هذا المساق والحمد لله الذي هداني للإسلام.


جاء ليقتلَ النور ويطفىء النور، فرجعَ وهو شعلةُ نور أقتبسَه من صاحب النور صلى الله عليه وسلم.


عباد الله سمعتم المؤامرة تحاك تحت جدار الكعبة، في ظلمة الليل لا يعلمُ بها أحد حتى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعلم الغيب. حُبكت المؤامرةُ سرا.


من الذي أعلنها ؟ من الذي سمعهما ؟ وهما يخططان، ويدبران ويمكران عند باب الكعبة.


إنه الذي لا يخفى عليه شيءُ في الأرض ولا في السماء.
كم تأمر المتأمرون في ظلام الليل، كم من عدو لإسلام جلس يخطط لضرب الإسلام وحدَه أو مع غيره سرا، ويظن أنه يتصرفُ كما يشاء، متناسيا أن الذي لا يخفى عليه شيءُ يسمع ما يقولون ويبطل كيدَهم فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين.
يا أيها العبدُ المؤمن:
إذا لقيت عنتا ومشقة وسخرية واستهزاء فلا تحزن ولا تأسى إن الله يعلم ما يقال لك قبل أن يقالُ لك وإليه يرد كل شيء لا إله إلا هو.
يا أيه المؤمن إذا جُعلت الأصابع في الآذان:
واستغشيت الثياب، وزاد الأصرار والإستكبار، وكثر الطعن وضاقت نفسك فلا تأسى ولا تحزن، إن الله يعلم ويسمع ما تقول وما يقال لك.


(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)
(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)
يا أيها الشاب الذي وضع قدمَه على أو طريق الهداية:
فسمع رجلا يسخر منه، وآخر يهزء به، وثالثا يقاطعه، أثبت ولا تأسى وأعلم علم يقين أنك بين يدي الله يسمع ما تقول ويسمع ما يقال لك، وسيجزي كل أمرء بما فعل
(لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين)
يا مرتكبَ المعاصي مختفياً عن أعينَ الخلق أين الله ؟
أين الله ما أنت واللهِ إلا أحدُ رجلين:
إن كنتَ ظننتَ أن اللهَ لا يراك فقد كفرت.
وإن كنت تعلمُ أنه يراك فلمَ تجتريَ عليه، وتجعلَه أهونَ الناظرينَ إليك ؟
(يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا)
يدخلُ بعضُ الناسِ غابةً ملتفةُ أشجارُها، لا تكادُ ترى الشمسَ معها، ثم يقول:
لو عملتُ المعصيةُ الآنَ من كان يراني ؟
فيسمعُ هاتفاً بصوت يملىء الغابة ويقول:
(آلا يعلمُ من خلقَ وهو اللطيفُ الخبير). بلا والله.


فيا منتهكاً حرماتِ الله في الظلمات، في الخلوات، في الفلوات بعيداً عن أعين المخلوقات أين الله ؟
هل سألت نفسكَ هذا السؤال.


في الصحيح من حديث ثوبان رضي الله عنه قال قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(لأعلمنَ أقواماً من أمتي يومَ القيامةِ يأتون بحسناتٍ كأمثالِ الجبال بيضاً، يجعلُها اللهُ هباءً منثورا).


قال ثوبان صفهم لنا جلّهم لنا أن لا نكون منهم يا رسول الله قال:
(أما إنهم إخوانُكم ومن جلدتِكم ويأخذون من الليلِ كما تأخذون، لكنهم إذا خلوا بمحارمِ اللهِ انتهكوها).
إلى من يملىء ليله عينَه وأذنه ويضيعُ وقتَه حتى في ثُلث اليل الآخر، يملىء ذلك بمعاصي الله، أين الله ؟
فقد روى االثقاةُ عن خيرِ الملاء ….بأنه عز وجل وعلا
في ثلثِ الليل الأخيرِ ينزلُ……… يقول هل من تائبٍ فيقبلُ
هل من مسيء طالبٍ للمغفرة……..يجد كريما قابلا للمعذرة
يمن بالخيراتِ والفضائل………. ويسترُ العيب ويعطي السائل.
فنسأله من فضله.
إن اللهَ لا يخفى عليه شيء فهلا اتقيتَه يا عبد الله.

عمرُ أبن الخطاب رضي اللهُ عنه، يعسُ ليلةً من الليالي ويتتبع أحوال الأمة، وتعب فاتكاءَ على جدارٍ ليستريح، فإذا بمرأةٍ تقولُ لأبنتها: أمذقي اللبنَ بالماءِ ليكثرَ عند البيع.


فقالت البنت:ُ إن عمرَ أمرَ مناديه أن ينادي أن لا يشابُ اللبنَ بالماء.
فقالتِ الأم:ُ يا ابنتي قومي فانكي بموضعٍ لا يراكِ فيه عمرُ ولا مناديه.


فقالتِ البنتُ المستشعرةُ لرقابةَ الله: أي أماه فأين الله ؟ وللهِ ما كنتُ لأطيعَه في الملا، واعصيه في الخلاء.
ويمرُ عمرُ أخرى بأمرة أخرى تغيبَ عنها زوجها منذ شهور في الجهاد في سبيل الله عز وجل، قد تغيبت في ظلمات ثلاث، في ظلمة الغربةِ والبعد عن زوجها، وفي ظلمة الليل، وفي ظلمة قعر بيتها، وإذا بها تنشد وتقول وتحكي مأساتها:
تطاول هذا الليل وازور جانبه….وأرقني أن لا حبيبُ إلاعبه
فوالله لولا الله لا رب غي
دميره يا حي يا قيوم يا عزيز.

اللهم أنت خلقتَ أنفسَنا، وأنت تتوفاها، فزكِها أنت خيرُ من زكاها، أنتَ وليها ومولاها لك مماتَها ومحياها.

اللهم إنا عبيدُك بنو عبيدِك بنو إيمائك، في حاجةٍ إلى رحمتِك وأنت غنيُ عن عذابنا، اللهم فجازِنا بالإحسانِ إحسانا وبالإساءةِ عفوا وغفرانا.
اللهم آنس وحشتنا في القبور، وآمن فزعنا يوم البعثِ والنشور، وأغفر لنا ولجميعِ موتى المسلمين يا أرحم الراحمين. الهم صلي على محمد
سبحان ربك رب العزة عن ما يصفون.


وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
رسول عليكم شهيدا).

(فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا، يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا).


فرسولُ الله صلى الله عليه وسلم سيشهدُ على الأممِ وعلى هذه الأمة.
والملائكةُ أيضاً يشهدون وكفى باللهِ شهيدا، قال اللهُ عز وجل:
(وإن عليكم لحافظينَ، كراما كاتبين، يعلمون ما تفعلون).


ويقول جل وعلا :
(إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
فالملائكة أيضا ستشهد.
والكتابُ سيشهد:
والسجلات ستفتح بين يدي الله فترى الصغيرَ والكبيرَ والنقيرَ والقطميرَ، تنظرُ في صفحةِ اليومِ الثامنُ من هذا الشهر فإذا هي لا تغادرُ صغيرةً ولا كبيرة،:
(ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا).


(وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ). والأرضُ التي ذللها الله عز وجل لنا ستشهدُ بما عمل على ظهرها من خيرِ أو شر:
(إذا زلزلت الأرضُ زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها، وقال الإنسان مالها، يوم إذا تحدث أخبارها، بأن ربك أوحى لها).


ستحدث بما عمل على ظهرها من خير أو شر، بل إن هذه الأرض تحمل عاطفة، إذا مات المؤمن بكاه موضع سجوده، وبكاه ممشاه إلى الصلاة، وبكاه مصعد عمله إلى السماء.
وأما الذين أجرموا وكفروا ونافقوا:
(فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين).

والخلقُ أيضا سيشهدون وكفى باللهِ شهيدا:
لطالما تفكهُ الإنسانُ بين هؤلاءِ الخلقِ بالوقوعِ في أعراضِ المسلمينَ بذكرِ ما سترَه اللهُ عليه.
وما علم أن الخلق سيشهدونَ.

في الصحيح أن جنازة مرت على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه فيثني عليها الناس خيرا فيقول صلى الله عليه وسلم وجبت.

وتمر أخرى فيثني عليها الناس سوء فيقول صلى الله عليه وسلم وجبت.


فيتسأل الصحابة ؟
فيقول صلى الله عليه وسلم أثنيتم على الأولى بخير فوجبت لها الجنة، وعلى الثانية بسوء فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه، أنتم شهداء الله في أرضه.


وسيشهدُ ما هو أقربُ من هذا:
ستشهدُ الجوارحُ فـ أيدٍ تشهد، وأرجلٍ تشهد، وألسنٍ تشهد، وجوارح تشهد:
(اليومَ نختمُ على أفواههم، وتكلمُنا أيديِهم، وتشهدُ أرجلُهم بما كانوا يكسبون).
(ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون، حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون)
(وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون)
(وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون، فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين)
فاتقوا الله يا باد واجعلوا هؤلاءِ الشهودِ جميعهم لكم لا عليكم.
وبادروا أنفسَكم وأعمارَكم بالأعمالِ الصالحةِ قبل حلولِ الآجالِ وبقاءِ الحسراتِ.
أيا من يدعّي الفهم، إلى كم يا أخَ الوهم، تعبي الذنبَ بالذنب، وتخطي الخطاءَ الجم.


أما بان لك العيب، أما أنذرك الشيب، وما في نصحه ريب، ولا تنعُ فقد صم.


أما نادى بك الموت، أما أسمعك الصوت، أما تخشى من الفوت، فتحتاطَ وتهتم.


فكم تسكرُ في السهو، وتختالُ من الزهو، وتنصبُ إلى اللهو، كأن الموتَ ما عم.


وحتى متى جافيك، وإبطاءُك لافيك، طباعُ جمعت فيك، عيوبُ شملُها أنظم.

أتسعى في هوى النفس، وتختالُ على الأنس، وتنسى ظلمةَ الرمس، ولا تذكرُ ما تم.


ستذري الدمَ لا الدمع، إذا عاينتَ لا دمع، يقي في عرصتِ الجمع، ولا خالٍ ولا عم.


كأني بك تنحط، إلى اللحدِ وتنغط، وقد أسلمك الرهط، إلى أضيق منسم.
هناك الجسمُ ممدود، ليستأكَله الدود، إلى أن ينخر العود، ويمسي العظمَ قد رم.

فبادرِ أيها الغمر، لما يحلُ به المر، فقد كاد ينتهي العمر، وما أقلعت عن ذم.
وزود نفسَك الخير، ودع ما يعقبُ الضير، وهيء مركب السير، وخفف لجة اليم.

الهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
اللهم يا من لا تراه العيون، ولا تخالطهُ الظنون، يا من دبر الدهور، وقدر الأمور، وعلم هواجسَ الصدور، يا من عليه يتوكل المتوكلون، أقلِ العثرةَ، وأغفرِ الزلةَ، وجُد بحلمِك على من لا يرجُ غيرَك ولا قصدَ سواك، اللهم هب لنا فرجاً قريبا، وصبراً جميلا، وكن لنا ولا تكن علينا، وأمكر لنا ولا تمكر بنا، وتولى أمرنا لا إله إلا أنت أنتَ حسبُنا.


اللهم لا تجعل بيَننا وبينَك في رزقنا أحداً سواك، اللهم اجعلنا أغنى خلقِكَ بك، وأفقرَ عبادِكَ إليك، وهب لنا غناً لا يطغينا، وصحةً لا تلهينا، وأغنناً اللهم عن من أغنيته عنا.
اللهم أصلح من في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين، وأهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين.


اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، وأجعل تدبيره ت
قلةَ التبرعات والنفقات فكيف نشبع ويجوع غيرنا ولا حول ولا قوة إلا بالله؟! إخواننا المستضعفون في غزة وغيرها من بلاد المسلمين هل شعرنا بحالهم وتألمنا لآلامهم؟! هل كنا معهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؟! ما حالنا مع ربنا عز وجل؟! هل نقف مع حدوده فلا نتجاوزها أم أن هناك فئامًا من المسلمين والمسلمات انتهكوا الحرمات وفعلوا ما يغضب رب الأرض والسموات؟! كم الذين يتهاونون في أداء الجمعة والجمعات؟! كم الذين يظلمون الزوجات والبنات؟! كم الذين قطعوا الأرحام وعقوا الآباء والأمهات؟! كيف معاملاتنا مع الخدم والعمال؟! أهي مبنية على الرحمه أم على الظلم وبخس الحقوق؟!

ربما يكون غلاء الأسعار سببًا لأن يعود الناس إلى ربهم، فيفتح الله لهم أبواب الخير على مصراعيه، كما قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف: 96].

فإذا آمن الناس وعادوا إلى الله زالت عنهم الكروب وتلاشت عنهم الشدائد والمحن، فهل من عودة صادقة؟! ومتى استغفر الناس ربهم عز وجل زالت عنهم المحنة وانكشفت عنهم النقمة كما قال الله تعالى فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا  يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا  وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح: 10-12].

وقد يبتلي الله تعالى العباد مع استغفارهم وعودتهم إلى الله باستمرار الحال على ما هي عليه ابتلاءً وتحميصا، يقول الله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ  وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت: 2-3].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
 

الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَّهُ مَخْرَجًا  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ.

عباد الله، عندما يقلّ الطعام في البلد يكثر عليه الطلب، ويزيد سعره، وتتاح لضعاف النفوس من التجار فرصة احتكاره والتحكّم في أسعاره، وَالْمُحْتَكِرُ آثم، وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَمِّ الاحْتِكَارِ أَحَادِيثُ مِنْهَا: حَدِيث: ((مَنْ اِحْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالإِفْلاسِ)) رَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ وَإِسْنَاده حَسَن، وحديث: ((مَنْ اِحْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّه وَبَرِئَ مِنْهُ)) أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَالْحَاكِم وَفِي إِسْنَاده مَقَالٌ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا: ((مَنْ اِحْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيد أَنْ يُغَالِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ خَاطِئٌ)) أَخْرَجَهُ الْحَاكِم.

معاشر التجار، أذكركم بحديث نبيكم: ((من يأخذ مالاً بحقه يبارك له فيه، ومن يأخذ مالاً بغير حقه فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع)) رواه مسلم.

يا عباد الله، اقتصِدوا في مصروفات الشراء، ورشِّدوا استهلاك الغذاء، وحافظوا على النّعَم التي بين أيديكم، عظموا أمرها، واقدروا قدرها، وتذكّروا أن الأطعمة التي تشترونها اليوم بسعر غال غدا قد لا تجدونها لتشتروها.

هذا، وصلوا وسلموا على خير البرية...
🎤
خطبـةجمعــةبعنــــوان.tt
الــــــــــــغــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاء
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الحمد لله ربِّ العالمين، الرّحمن الرّحيم، مالك يومِ الدّين. الحمدُ لله مغيثِ اللهفات، ومنزِّلِ البركات، وواهبِ الخيرات، وفارج الكرُبات. سبحانَ علام الغيوب، وفارجِ الكروب، وكاشف الخطوب، وغافِر الذنوب، وساتِر العيوب. لا إله إلا الله الوليّ الحميد، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. سبحانه من إلهٍ كريم، وربّ رحيم، ومولًى عظيم، عمّ بكرمه وجوده وإحسانه جميعَ المخلوقات. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بارئ النسمات ومبدع الكائنات، وأشهد أنَّ نبيّنا وحبيبنا وقدوتَنا محمّداً عبد الله ورسوله أفضل البريّات، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والمكرُمات، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماوات

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال تعالى: يا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

عباد الله، الذنوب تسبِّب هلاك الحرث والنسل، وتسبِّب انتشار الفساد في البر والبحر، قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: 41]، وقال: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 30]، والله تعالى يبتلي عباده ببعض ما كسبت أيديهم لكي ينتبهوا ويراجعوا أنفسهم، وقال : ((يا معشر المهاجرين، خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)) رواه البيهقي والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع (7978). فهل نظر الناس لهذا الحديث العظيم الذي أوضح فيه النبي  أثر هذه الذنوب العظيمة التي تعود على أمة الإسلام بغير ما ترجوه؟!

عباد الله، كان يتردّد على آذاننا زمنا طويلا من على منابر الجمعة وفي قنوت رمضان: "اللهم إنا نعوذ بك من الغلاء والوباء والزنا والزلازل والمحن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ارفع الغلاء عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين"، وربما مر علينا هذا الدعاء كغيره من الأدعية لا نشعر بقشعريرة في جلودنا لأننا لم نعرف أثر غلاء الأسعار حتى وقعنا فريسة له وضحية لمرارته، عندها تعود بنا الذاكرة إلى تلك الدعوات التي خرجت مبتهلة إلى ربها بأن يكشف الغلاء عن الأمة.

إن غلاء الأسعار سبب ضيقا شديدًا على الناس، الفقراء زادهم فقرا، وأما متوسطو الحال فهم من الفقر قاب قوسين أو أدنى

فحبّ المال والحرص على كسبه بأي طريق ـ حتى ولو كان عن طريق الحرام ـ أمر مشاهد للجميع، وخاصة مع انتشار المعاملات الربوية واختلاط الحلال بالحرام، قال تعالى: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر: 20]، وعندما يطغى على الناس ذلك يصبح الأمر خطيرًا جدا، فيتسبب في أمور كثيرة مخالفة لشريعة الله تعالى، وقد قال :((فوالله، لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم)) متفق عليه.

ومن حكمة الله تعالى أن أوجد لعباده طرقًا يسلكونها من أجل تيسير معاملاتهم وإقامة وجوه الحق بينهم، وعندما خالف البشر أوامره وعملوا بما يناقض شريعته أوقعوا أنفسهم في حرج عظيم، وظهرت بينهم بوادر الظلم والطغيان، وانتشرت بينهم العداوة والبغضاء، وتكاثرت عليهم الابتلاءات والمحن.

أيها المسلمون، إن ظاهرة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة تعدّ مشكلة اقتصادية يعبَّر عنها في القاموس الاقتصادي بـ(التضخم)، وهي لا تخرج مهما كانت أسبابها الظاهرة عن مسماها الشرعي: (البلاء)، فزيادة الأسعار في الغذاء ينتج عنه بلاء الجوع ونقص الثمرات لضعف ذات اليد عن الشراء، وزيادة الأسعار في الأدوية ينتج عنه بلاء المرض لعجز المريض عن تعاطي العلاج، وزيادة الأسعار في العقارات والبناء ينتج عنه ضيق المعيشة فيحتار الإنسان كيف يدفع ما لديه من مال هل على الإيجار والسكن أم على الغذاء والطعام، وهكذا... فما نسميه: (تضخم) هو في حقيقة أمره وفي جوهره بلاء يتبعه بلاء. وهنا يجب أن نبحث عن أسباب هذا البلاء، وأن نتعامل معه بما وعظنا الله به أولاً إلى جانب البحث عن أسبابه الأخرى في المعاملات.

يا ترى، هل نحن نعطف على الفقراء والمساكين؟! الجمعيات الخيرية تعاني
🎤
خطبـةجمعــةبعنـــوان.tt
بــقــــاء الذكــــر الحســـن للعبــد
للشيــــخ/ صـــــــــلاح الــبـــــــديـــــــر
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــــة.الاولــــى.cc
الحمدلله الرحيم الغفور، الحميد الشكور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تتضاعفُ بها الأجور، وتنفع صاحبَهَا بعد الموت والدُّثُور، وتُنجِي قائلَها يوم البعث والنشور، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، أسفَرَ فجرُهُ الصادقُ فمحا ظلمات أهل الزيغ والسوء والفجور، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الذكر المرفوع، والفضل المشهور، صلاةً وسلامًا دائمَيْن ممر الليالي والدهور.

أما بعـــد فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله حق تقاته، وسارعوا إلى مغفرته ومرضاته، وسابِقُوا إلى رحمته وجنَّاته، ﴿ إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].

أيها المسلمون:
لا خلود في دار الدنيا لأحد، لكن الأعمال الجليلة، والآثار الجميلة، والسنن الحسنة تُخلِّدُ ذكرى صاحبها بين الناس، وتورِثُه في حياته وبعد موته ذكرًا وحمدًا، وثناءً ودعاءً.

أحاديثُ تبقى والفتى غيرُ خالد
إذا هو أمسَى هامةً فوقَ صَيِّر

وكم من العلماء والفُضلاء والعظماء قد غيَّبَهم الأجل وطوَاهم الموت، ولا زالت مآثِرُهم وآثارُهم، وممادِحُهم ومفاخرهم تبعثُ في المجالس طِيبًا وأريجًا وعَرْفًا، يحمل الناس على عمل الخير، وفعل الجميل، والاقتداء الحسن:

قد ماتَ قومٌ وما ماتَتْ مكارِمُهُم
وعاشَ قومٌ وهم في الناس أمواتُ

إن قيل: ماتَ فلم يمُتْ مَنْ ذِكرُهُ
حيٌّ على مَرِّ الليالي بَاقِيْ

وبقاءُ الذكر الجميل، واستمرارُ الثناء الحسن، والصِّيْت الطيب، والحمد الدائم للعبد بعد رحيله عن هذه الدار نعمةٌ عظيمةٌ يختصُّ الله بها من يشاء من عباده ممن بذلوا الخير والبر، ونشروا الإحسان ونفعوا الخلق، وجمعوا مع التقوى والصلاح مكارمَ الخصال، وجميلَ الخِلال، يقول - جلَّ في علاه: ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الْأَخْيَارِ * هَذَا ذِكْرٌ.. ﴾ [ص: 45- 48]؛ أي: شرف وثناء جميل يُذكَرون به، وقال - تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴾ [مريم: 50]، قال ابن عباس - رضي الله عنه: "يعني: الثناء الحسن".

وأرفعُ الناس قدرًا، وأبقاهم ذِكرًا، وأعظمهم شرفًا، وأكثرهم للخلق نفعًا: النبيُّ المعظَّم والرسول المكرَّم؛ نبيُّنا وسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي قال الله - تعالى - عنه: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4].

قال أبو بكر بن عياش - رحمه الله تعالى: "وأهلُ السنة يموتون ويحيا ذِكرُهُم، وأهلُ البدعة يموتون ويموتُ ذِكرُهم؛ لأن أهل السنة أحيَوا ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم، فكان لهم نصيبٌ من قوله - تعالى: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾، وأهل البدعة شنؤُوا ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم، فكان لهم نصيبٌ من قوله - تعالى: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ﴾".

والإمام العادل القوي الشجاع الذي يحمي الحوزة، ويذُبُّ عن البَيْضة، وينتصرُ لدينه وعقيدته وأرضه تراه مُعظَّمًا في النفوس، كبيرًا في أعين الناس، جليلاً عند أهل الإسلام، مُمدَّحًا عند العلماء والمؤرِّخِين، والعالِمُ التقيُّ المُتواضعُ للناس الذي يسعَى في نفعهم وتعليمهم والإحسان إليهم يعلو في الأرض ذِكرُهُ، ويرتفعُ في النفوس قدرُهُ، ويبقى بين الخلق أثَرُهُ لعلمه ودينه، واتباعه للسنة، وإخلاصه لله - تعالى.

والجوادُ الكريم السخيُّ المِعْطاء الذي يعطِفُ على الفقراء، ويرحمُ المُحتاجين، ويُشفِقُ على المساكين، فإن العامةَ تضِجُّ بالدعاء له وذِكْر محاسنه، ويُكتَبُ له قبولٌ تامٌّ، وجَاهٌ عريضٌ، والعافُّ عن المحارم الكافُّ عن أعراض الناس الذي يبذُلُ الندى، ويكفُّ الأذَى، ويحتَمِلُ المشقَّةَ، ويُرضِي الناسَ في غير معصيةٍ، بأصالةِ رأيٍ، ورجاحةِ عقلٍ، وسلامةِ قلبٍ، وعِفَّةٍ في الفَرْجِ واليدِ واللسانِ، فذاك السيدُ الوجيهُ الذي يُقدَّمُ على الأمثال، وتهابُهُ الرجالُ، ويبقى ذِكرُهُ في الأجيال.

إذا شئتَ أن تَرثِي فقيدًا من الورى
وتدعُو له بعد النبيِّ المُكرَّمِ

فلا تبكِيَنَّ إلا على فقدِ عالمٍ
يُبادِرُ بالتفهيمِ للمُتعلِّمِ

وفَقدِ إمامٍ عالمٍ قامَ مُلكُهُ
بأنوارِ حكمِ الشرعِ لا بالتحَكُّمِ

وفَقدِ شُجاعٍ صادقٍ في جِهَادِهِ
وقد كُسِِرتْ رايَتُهُ في التقدُّمِ

وفقدِ كريمٍ لا يملُّ من العطا
ليُطفِئُ بؤسَ الفقرِ عن كل معدمِ

وفقدِ تقِيٍّ زاهدٍ مُتورِّعٍ
مُطيعٍ لربِّ العالمين مُعظِّمِ

فهم خمسةٌ يُبكَى عليهم وغيرهم
إلى حيث ألقَتْ رحلَهَا أمُّ ق
2024/09/24 07:25:29
Back to Top
HTML Embed Code: