Telegram Web Link
وْ

تِ حَتَّى لَا يَكُونَ لَكَ جَلِيسٌ غَيْرُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الشِّفَاءَ لِمَا نَزَلَ بِكَ كِتْمَانُهُ، وَأَنَّ النَّاسَ لَا يَنْفَعُونَكَ وَلَا يَضُرُّونَكَ، وَلَا يُعْطُونَكَ وَلَا يَمْنَعُونَكَ” (التوكل لابن أبي الدنيا).

ومن ترك الاستعانة بالله العظيم ذي الجمال والجلال, والكبرياء والعظمة, والجبروت والملكوت, واستعان بغيره من المخلوقات العاجزة الضعيفة؛ وكله الله إلى من استعان به؛ فصار مخذولا, قال الشاعر:
إن لم يكن عونٌ من الله للفتى
فأول ما يجني عليه اجتهاده

روي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ماذا تصنع إذا سول لك الشيطان الخطايا؟ قال أجاهده، قال هذا يطول، أرأيت إن مررت بغنم؛ فنبحك كلبها، ومنعك من العبور ماذا تصنع؟ قال: أكابده وأرده جهدي قال: هذا يطول عليك، لكن استعن بصاحب الغنم يكفه عنك، إذا أردت التخلص من الشيطان ووسوسته؛ فاستعن بخالقه يكفه عنك ويحميك.

وكتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز: “لا تستعن بغير الله؛ فيكلك الله إليه“, ومن كلام بعض السلف: “يا رب! عجبت لمن يعرفك؛ كيف يستعين بغيرك؟!”.

أيها المؤمنون: لقد اقترنت الاستعانة في القرآن الكريم بركن من أركان الإسلام؛ فقرن بينها وبين الصلاة؛ فكانت صفة الصبر ملازمة مع الصلاة في موضعين من مواضع وعظ الله تعالى وتوجيهه لعباده المؤمنين، فقال الله -عز وجل: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة: 45]، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153].

اللَّهُمَّ أَعِنِّا عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
عبـاد الله: فكم نحن بحاجة إلى الاستعانة بالله، للخروج من الفتن، وإصلاح الأوضاع، والنصر على الأعداء، ودفع الخطوب والمكاره، وكم نحن بحاجة للاستعانة بالله، في دفع الهموم والأحزان؛ فإذا أصابَ الإنسان حزن تجِد السرّور ليسَ لَه سبيلا إليه والبؤس على وجهِه؛ فينعزِل عنِ النّاس، وتكونُ الكَآبة فراشِه والهمّ سمائه؛ فلِمَاذا كلّ هذا ؟!!.

صحيح أنّ من طَبيعَة الإنسانِ أن يَحزَن إذا أصابتهُ مُصيبَة، ولكِنَّ المؤمِن لا يجعَل الحَزَن يتمَلّكهُ، بل يُفوِّض أمرَهُ إلى الله ويستعين به ويعلَمُ عِلمَ اليَقين أنّ الله عليمٌ حَكيم له في كلّ أمرٍ حِكمة وأنّ قدرُ اللهِ كلّه خير وأنّ اليسر آتٍ بعدَ عُسر، قال تعالى: (فإنّ معَ العُسرِ يُسرا * إنّ معَ العُسرِ يُسرا) [الشرح5-6]، وقال -سبحانه-: (وعسَى أن تكرهوا شيئًا وهُوَ خيرٌ لَكُم وعسَى أن تُحِبُّوا شيئًا وهُو شرٌ لَكُم واللهُ يعلَمُ وأنتُم لا تعلمون) [البقرة: 216]؛ فإذا مرَّت عليهِ الآيات وأحاديث رسولِ الله اطمأنَّ قلبه، وزاح همّه.

فيَا مَن أصَابتهُ الهُموم، وأظلّتهُ الغُيوم، اعلَم أنَّ الحَزَنَ مذموم، ولهذا لم يأْمر الله به في موضع قط ولا أَثنى عليه، بل جاءَ نهيٌ عنه في غيرِ موضع؛ فقالَ اللهُ تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آلَ عِمران: 139]، (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعنَا) [التّوبة: 40].

عباد الله: الحزن والهموم بلية من البلايا التي نسأَل الله دفعها وكشفها لذلِك يقولُ أهل الجنّة: (الحمدُ للهِ الذي أذهَبَ عَنَّا الحزَن) [فاطِر: 34].
وقد كانَ رسول اللهِ -صلّى اللهُ علَيهِ وسَلّم- يتعوّذ من الهَمِّ والحَزَن؛ فاتّخِذ من رسولِ اللهِ قُدوة وادعُ بما دعا صباحًا ومساءًا؛ فقد كان يقول: “اللَّهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال“.

والهمّ والحزَن قرينَان وكلاهُما ألمٌ للقَلب؛ فالحَزَن: هو الألم النّاتـــج على مـا مضى، والهــمّ: هو الألَم النّاتج من خوفٍ على ما يُستَقبَل؛ فكُن على علمٍ أنّ ما مضَى؛ فقد مَضى ولن تملِكَ الرّجوع إليه وتغييره، والمُستقبَل؛ فهُو في علمِ الغيب لا يعلَمه إلّا الله فتوكّل عليه وثق بالله، وعِش يومَك و اسعَ فيه ولا يستوقِفَك حزن الماضي أو همّ المستقبَل.

واعلَم يا عبدالله: أنه لا حزن على دُنيَا إن كانَ اللهُ معك، واستعنت به على سائر أمورك، وقولُ اللهِ تعالى حكايةً عن نبيِّه (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعنَا)

فدلَّ أنه لا حزن مع الله، وأن من كان الله معه؛ فما له وللحزن، رأى إبراهيم بن أدم رجلا مهموما
فقال له: أيها الرجل إني أسألك عن ثلاث تجيبني، قال الرجل: نعم
فقال له إبراهيم بن أدهم: أيجري في هذا الكون شيء لا يريده الله؟
قال: كلا، قال إبراهيم: أفينقص من رزقك شيء قدره الله لك؟
قال: لا.. قال إبراهيم: أفينقص من أجلك لحظة كتبها الله في الحياة؟
قال: كلا .. فقال له إبراهيم بن أدم: فعلام الحزن يا رجُل؟!!
وها أنَا أُجدِّد السّؤال لكلِّ مَهمومٍ حزِين.
علامَ الحزن؟!!

يقول الإمام الشّ
افعي

-رحمه الله-:
سهرت أعيـن، ونامـت عيون
في أمور تكون أو لا تكون
فادرأ الهم ما استطعت عن النفس
فحملانك الهموم جـنـون
إن ربـاً كفـاك بالأمس ما كان
سيكفيك في غـدٍ ما يكون

فاستعينوا يا عباد الله:
على أنفسكم وتقصيرها بالله، والتزموا أمره وأدوا فرائضه، واستعينوا على أموركم وأحوالكم بالله، واستعينوا بالله في صلاح الأولاد وجلب الأرزاق، واستعينوا على نوائب الدهر وفتن الزمان وتقلبات الأحوال بالله؛ يجعل لكم من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل عسر يسرا، واصبروا في مرضات الله و على طاعاته، واثبتوا على الحق مهما قل السالكين طريقه، ولا يغرنكم هول الباطل وضجيجه وادفعوه بما استطعتم من أسباب؛ فإنه إلى زوال قال- سبحانه-: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128].

فاللهم يا موضع كل شكوى! ويا سامع كل نجوى! ويا شاهد كل بلوى! يا عالم كل خفية! ويا كاشف كل بلية! يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمائر الصامتين! ندعوك دعاء من اشتدت فاقته، وضعفت قوته، وقلّت حيلته، دعاء الغرباء المضطرين، الذين لا يجدون لكشف ما هم فيه إلا أنت، يا أرحم الراحمين! اكشف ما بنا وبالمسلمين من ضعف وفتور وذل وهوان، واحفظ بلادنا واحقن دمائنا وردنا إلى دينك رداً جميلا.

اللهم بك آمنا وعليك توكلنا وإليك أنبنا؛ فاغفر لنا وارحمنا، وأنت أرحم الراحمين.

هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين .
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
بـلال بن ربــاح وعــز الإســلام
للشيــخ/ عبـــدالله البـعيـــجــان
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

والتي تحدَّث فيها عن أحوال الأمة الإسلامية في الآونة المُتأخرة، مُصبِّرًا ومُواسِيًا بقصة بلال بن رباحٍ - رضي الله عنه -، ومُبيِّنًا ثباتَه - رضي الله عنه - على دينِ الحقِّ، حتى شفَى الله غليلَه بقتلِه سيِّده الذي أذاقَه صُنُوفَ العذابِ، ورأَى عزَّة الإسلام في البلد التي عُذِّب فيها "مكة

*الخطبـــة.الأولـــى.cc*
إن الحمد لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسِنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، بلَّغ الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونصحَ الأمةَ، وجاهَدَ في الله حقَّ الجِهاد حتى أتاه اليقين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِهِ، ومَن تبِعَهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أمـــا بـــعــــــد :
فإنَّ خيرَ الحديثِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هَديُ مُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمُور مُحدثاتُها، وكلَّ بِدعةٍ
ضَلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار. *﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].*

عـــباد اللـــه:
إن ما تمُرُّ به الأمةُ الإسلاميَّةُ اليوم مِن فتنٍ وبلاء، ومِحَنٍ ولأولاء، وتسلُّط الأعداء، إنما هو امتِحانٌ وتمحيصٌ،

ومُقدِّمةٌ لنصرٍ مُبين، وعزٍّ
وتمكينٍ - بإذن الله رب العالمين -،
قال تعالى: *﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: 179]،*
وقال:
*﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214].*

معـاشِـــر المُسلمـــين:
قد كان مَن قبلَكم يُؤخَذُ الرجلُ فيُحفرُ له في الأرض، ثم يُؤتَى بالمِنشار فيُجعلُ على رأسِه، فيُجعلُ نِصفَين، ما يصرِفُه ذلك عن دينِه، ويُمشَطُ بأمشاطِ الحديدِ ما دُون عظمِه مِن لحمٍ وعصَبٍ،
ما يصرِفُه ذلك عن دينِه
والله ليُتِمَّنَّ الله هذا الأمر، *﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 40].*

عـــبادَ اللـــه: لقد كان أولَ مَن أظهرَ الإسلامَ سبعةٌ: رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكرٍ، وعمَّار، وأمُّه سُميَّة، وصُهيبٌ، وبلالٌ، والمِقدادُ.فأمَّا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فمنَعَه الله بعمِّه أبي طالبٍ، وأما أبو بكرٍ فمنَعَه الله بقومِه، وأما سائِرُهم فأخذَهم المُشرِكُون فسامُوهم سُوءَ العذاب، فما مِنهم أحدٌ إلا وقد أتاهم على ما أرادُوا، إلا بلال؛ فإنه هانَت عليه نفسُه في الله، وهانَ على قومِه، فقامَ المُشرِكُون بإيذائِه ووتعذيبِه لعلَّه يرجِعُ عن دينِه، فقابلَهم بالصَّلابة والثبات، فزادُوا في تعذيبِه وبلائِه.

فكان سيِّدُه أُميَّةُ بن خلَف يُخرِجُه إذا حمِيَت الظَّهيرة، فيطرَحُه على ظهرِه في بطحَاء مكة، ثم يأمُرُ بالصخرة العظيمة على صَدرِه، ثم يقول: لا تزالُ على ذلك حتى تمُوتَ أو تكفُرَ بمُحمدٍ! ويقول: أيُّ شُؤمٍ رمَانَا بك يا عبدَ السُّوء! لئِن لم تذكُر آلهتَنا بخيرٍ لنجعلنَّك للعبيدِ نكَالًا.فيرُدُّ بلالٌ - رضي الله تعالى عنه - وهو ثابتٌ لا يتزَعزَع: "ربِّي الله، أحَدٌ أحَدٌ! ولو أعلَمُ كلمةً أغيَظُ لكم منها لقُلتُها".فلما بلغَ الكتابُ أجَلَه في تعذيبِه، أتَى الفرَجُ فاشتراه أبو بكرٍ - رضي الله تعالى عنه -، وأعتقَه لوجهِ الله - عزَّ وجل -
، وفي ذلك نزلَ قولُه تعالى:
*﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ [الليل: 17- 21]*

وتمضِي الأيام، ويُهاجِرُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والمُسلمون إلى المدينة، ويُهاجِرُ بلالٌ - رضي الله تعالى عنه -، ويُصبِحُ مُؤذِّن الإسلام .

ويخرُجُ مع رسولِ الله -
صلى الله عليه وسلم - إلى معركة بدرٍ.وقد أقبَلَ المُشرِكون مِن قِبَل مكة بأسيادِهم، ومِنهم: أُميَّة بن خلَف وأبو جَهلٍ، يتقدَّمُون في خُيَلاء الكِبرِ والغُرورِ، جيشُهم نحو الألف، ومعهم القِيَان يضرِبن بالدُّفُوف، ويتغنَّون بهِجاء المُسلِمون، ويقولُون: واللهِ لا نرجِع حتى نرِدَ بدرًا، فنُقيمَ بها ثلاثًا، فنَنحَرَ الجَزُورَ ونَطعمَ الطعامَ، ونُسقَى الخمر، وتعزِف لنا القِيَان، وتسمَعَ بنا العربُ وبمسيرِنا وجَمعنا، فلا يزالُون يهابُونَنا أبدًا.وا
لمُسلمون في ثلاثمائة وبِضعة عشر، ليس فيهم فارِسٌ سِوى المِقداد.وتبدأُ المعركة، ويشاءُ الله أن يمُنَّ على الذين استُضعِفُوا في الأرض، ويجعلَهم أئمةً ويجعلَهم الوارِثِين.ويرَى بلالٌ سيِّدَه أُميَّةَ بن خلَف، الذي طالَما آذاه بمكة، فيشُقُّ الصُّفُوفَ ويزأَرُ ويقولُ: رأسُ الكُفر أُميَّةُ بن خلَف، لا نجَوتُ إن نجَا! رأسُ الكُفر أُميَّةُ بن خلَف، لا نجَوتُ إن نجَا! فمكَّنَه الله منه، فحمَلَ عليه فكان كأمسِ الدابِرِ، واليوم الغابِرِ.فقال فيه أبو بكر الصِّدِّيق - رضي الله تعالى عنه -:

هنيئًا زادَك الرحمنُ عزًّا
فقد أدرَكتَ ثأرَكَ يا بلالُأما عدوُّ الله أبو جهلٍ، فقد أقبلَ في كِبرٍ وغُرورٍ يرتَجِزُ ويقولُ:ما تَنقِمُ الحربُ العوانُ مِنِّي .. بازِلُ عامَين حدِيثٌ سِنِّي .. لمِثلِ هذا ولَدَتْنِي أُمِّيفأذاقَه الله الهوانَ على يدِ فِتيانٍ صِغارٍ من المدينة، وهما: ابنا عفراء، فجعلَ يتحسَّرُ ويقولُ: لو غيرَ أكَّارٍ قتَلَني لكان أحبَّ إلَيَّ وأعظمَ لشَأنِي، ولم يكُن علَيَّ نقصٌ في ذلك.ويأتي ابنُ مسعُودٍ - رضي الله تعالى عنه -، فيضعُ رِجلَه على عُنقِه ويقول: "أخزاكَ الله يا عدوَّ الله!"، فينتقِصُ أبو جهلٍ منه ويقول قبل مُفارقَة الحياة: لقد ارتَقَيتَ يا رُوعِيَّ الغنَم مُرتقًى صعبًا.ولما فُتِحَت مكة، صعد بلالٌ - رضي الله تعالى عنه - على ظهر الكعبة؛ ليجهرَ بكلمةِ التوحيد، على بُعد خُطواتٍ من المكان الذي يُعذَّبُ فيه.

وفي وقتِ الظَّهيرة، وعلى رُؤوس الأشهادِ يُؤذِّنُ: "اللهُ أكبر، الله أكبرُ، أشهَدُ أن لا إله إلا الله، أشهدُ أن مُحمدًا رسول الله".فهيَّجَ ذلك الموقِفُ غيظَ أعدائِه، حتى قال بعضُهم: لقد أكرَمَ الله أبي إذ ماتَ ولم يسمَع هذا! وقال آخر: ليتَنِي مِتُّ قبل هذا!معاشِر المُسلمين:لم يتبوَّأ بلالٌ - رضي الله تعالى عنه - هذه المنزلَةَ السامِيةَ في الإسلام إلا بعد امتِحانٍ وابتِلاءٍ، وصبرٍ ومُجاهَدةٍ. *﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 200].*


*الخطبـــة.الثانيـــة.cc*
الحمدُللهِ مُظهِر الحقِّ ورافِعِه، ومُذِلِّ الباطلِ ودافِعِه، أرسلَ رسولَه بالهُدى ودينِ الحقِّ ليُظهِرَه على الدين كلِّه ولو كرِهَ المُشرِكُون، اللهم صلِّ على مُحمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.عباد الله:إن الله يُمهِلُ ولا يُهمِل، ويُملِي للظالِمِ حتى إذا أخذَه لم يُفلِتْه، *﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [آل عمران: 178].*

*فما حلَّ بالمُستضعَفين من المُسلمين في مكة في بداية الإسلام، مِن المِحنة والبلاء، إنما كان لإعدادِ جيلٍ جديدٍ حديثٍ، وتمكينٍ ونصرٍ حثِيثٍ، وتمحيصٍ وتصفِيةٍ ليَميزَ الله الخبيث.وما هي إلا فترة، ويمُنُّ الله على المُضطهَدين والمظلُومين الذين اصتُضعِفُوا في الأرض، ويجعلَهم أئمةً ويجعلَهم الوارِثين، ويُمكِّن لهم في الأرض.وإذا بصنادِيدِ الشركِ والكُفر والظلمِ يُقتَلُون بسِلاحِهم وبأيدِي موالِيهم؛ كبلالٍ وأُميَّة، وابن مسعُودٍ وأبي جهلٍ، فيَشفُون غليلَهم، ويأخُذُون بثأرهم، *﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 40].*

*عـــباد اللـــه:*
إن موازِينَ الفضلِ عند الله بالعمل، وليست بالنَّسَب، والمنصِبِ، والمالِ، والجاهِ، فالناسُ سواسِيةٌ كأسنان المِشط، كلُّكم لأدم، وآدم مِن تُراب، ولا فضلَ لا عربيٍّ على عجميٍّ إلا بالتقوَى، *﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13].* لعَمرُكَ ما الإنسانُ إلا بدينِهِ فلا تَترُكِ التقوَى اتِّكالًا على النَّسَبْفقد رفَعَ الإسلامُ سلمَانَ فارِسٍ وقد وضعَ الشِّركُ النَّسِيبَ أبا لهَبْورُبَّ خفِيٍّ تقِيٍّ لا يُعبَأُ به مدفُوعٍ بالأبواب، ليس بينَه وبين الله حِجاب، لو أقسَمَ الله لأبَرَّه.ولما نالَ أبو ذرٍّ مِن بلالٍ وقال له: "يا ابنَ السَّوداء!"، غضِبَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: «يا أبا ذَرٍّ! أعيَّرتَه بأمِّه؟! إنك امرُؤٌ فيكَ جاهِلِيَّة».وقد بشَّره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالجنَّة، فقال: «يا بلال! حدِّثنِي بأرجَى عملٍ عمِلتَه في الإسلام؛ فإني سمِعتُ دفَّ نعلَيكَ بين يدَيَّ في الجنَّة»

.وبـــعــــــدُ ..
معاشِرَ المُسلمين:لقد ضاقَ بالمُشركين ذَرعًا، لما سمِعُوا صوتَ بلالٍ يصدَعُ بالأذان على ظهر الكعبة، ولئِن كان أذانُ بلالٍ يُؤذِي المُشرِكين، فإنه يُهيِّجُ قُلوبَ المُسلمين ويشتاقُون سماعَه، فكان إذا أذَّن بعد رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتمالَك نفسَه، فيُهِيجُ الحُزنَ
،

ويُثِيرُ البكاء، ويُغشَى عليه، ويَفزَعُ الناس، وترتَجُّ المدينةُ لذِكرَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.أذَّن ذاتَ ليلةٍ في السَّحَر بعد وفاةِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فاعتلَى سطحَ هذا المسجِد، فلما قال: "الله أكبر، الله أكبر" ارتَجَّت المدينة، فلما قال: "أشهدُ أن لا إله إلا الله" زادَت رجَّتُها، فلما قال: "أشهدُ أن مُحمدًا رسولُ الله" خرجَ الناسُ مِن بيُوتِهم، فما رُؤِيَ يومٌ أكثرَ باكِيًا وباكِيةً مِن ذلك اليوم.ولما فُتِح بيتُ المقدِس، وقدِمَ أميرُ المُؤمنين عُمرُ - رضي الله تعالى عنه - إلى الشام، أمرَ بلالًا أن يُؤذِّن، فقال: "يا أميرَ المُؤمنين! ما أردتُ أن أُؤذِّن لأحدٍ بعد رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن سأُطِيعُك إذ أمَرتَني في هذه الصلاةِ وحدَها". فلما أذَّن بلالٌ، وسمِع الصحابةُ أذانَه، بكَوا بكاءً شديدًا.لقد ذكَّرَهم بحبيبِهم وقُرَّة أعيُنِهم، الذي أثارَ الإيمانَ في القُلُوب، وكان سببًا في نجاتِهم، فاشتاقَت إليه النفوس، وحنَّت إليه الأفئِدَة، واستكانَت لذِكرِه المشاعِر، وخالَطَ حُبُّه سُويدَاءَ الفُؤادِ وشَغافَ القُلُوب.نبِيٌّ صِدقٍ هدَى أنوارُ غُرَّتِه
بعد العَمَى للهُدَى مَن كان عِمِّيتَاوأصبَحَت سُبُل الدينِ الحنِيفِ بِهِ عوامِرًا بعد أن كانت أمارِيتَاأحيَا بهِ اللهُ قَومًا قامَ سعدُهُمُ
كما أماتَ بِهِ قَومًا طواغِيتَافلا يُلامُون على ذلك، وكيف وقد حنَّ له الجِذعُ وبكَى؟! واهتزَّ له أُحُدٌ ليُترجِمَ عن مشاعِرِ الحبِّ والتقدير!فالله ارزُقنا محبَّتَه واتِّباع سنَّته، واحشُرنا في زُمرتِه، وامنُن علينا بشفاعتِه.

معاشِر المُسلمين:
الصبرُ مِفتاحُ الفرَج، والجنةُ حُفَّت بالمكارِه، وحُفَّت النارُ بالشهوات، وسينصُرُ الله دينَه، كما نصرَ المُستضعَفين في مكة، وكما نصرَ أولياءَه مِن قبلُ ومِن بعدُ، *﴿{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: 4- 6].*

اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، وانصُر عبادَك المُوحِّدين، واجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا وسائرَ بلاد المُسلمين.اللهم احفَظ بلادَنا مِن الفتن، اللهم احفَظ بلادَنا مِن الفتن، اللهم احفَظها مِن كَيد الكائِدِين، ومِن شرِّ المُفسِدين، ومِن شرِّ الأعداء والحاسِدِين يا رب العالمين.اللهم وفِّق وليَّ أمرِنا خادمَ الحرمَين الشريفَين بتوفيقِك، وأيِّده بتأيِيدك، وأعِزَّ به دينَك، اللهم اجزِه على ما قامَ به مِن خدمةِ سُنَّة نبيِّك - صلى الله عليه وسلم - خيرَ الجزاء، اللهم اجعَله عملًا خالِصًا لوجهِك الكريم، مُوجِبًا للفوز لدَيك في جنَّات النعيم برحمتِك يا أرحم الراحمين، اللهم وفِّقه ووليَّ عهدِه لِما فيه خيرٌ للإسلام والمُسلمين، ولِما فيه صلاحُ البلاد والعباد يا رب العالمين.اللهم احفَظ حُدودَنا، وانصُر جُنودَنا يا رب العالمين، اللهم اشفِ مرضاهم، وتقبَّل موتاهم، واحفَظهم بحفظِك، واكلأهم برِعايتِك يا رب العالمين.اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا مِن القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا، سحًّا غدَقًا، نافعًا مُجلِّلًا غيرَ ضارٍّ، اللهم تُحيِي به البلاد، وتجعلُه بلاغًا للحاضِر والباد.اللهم سُقيَا رحمةٍ، لا سُقيَا هدمٍ ولا غرقٍ ولا بلاءٍ برحمتِك يا أرحم الراحمين.اللهم إنا نستغفِرُك إنك كنتَ غفَّارًا، اللهم إنا نستغفِرُك إنك كنتَ غفَّارًا، فأرسِل السماءَ علينا مِدرارًا برحمتِك يا أرحم الراحمين.عباد الله:صلُّوا وسلِّمُوا على مَن أمرَكم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: *﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]. اللهم* صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وبارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالَمين، إنك حميدٌ مجيد.وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشِدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابِة أجمعين، وعنَّا معهم
برحمتِك يا أرحم الراحمين .
زاد الخـطــيــب الـــدعـــــوي📚:
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
مــكانــة العلــماء فــي الأمـــة
للشيخ/ عبدالله بن محمد الطيار
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].

عباد الله:
الناظر لأحوال أمة الإسلام في وقتنا الحاضر يرى مدى تقصير الناس في حق علماءهم، حيث أصبح الحديث عنهم فاكهة المجالس، والذم والقذف سمة بارزة عنهم، والتنقيص من قدرهم ظاهرة منتشرة بين بعض الناس، حتى أصبح فئام من الناس زاهدين فيهم وفي علمهم،فهل يليق بالمسلمين أن يفعلوا ذلك مع من عظّم الله شأنهم، وأعلى قدرهم، وأثنى عليهم، وأفاض عليهم من معين فضله. قال تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18].

يقول الإمام الآجري - رحمه الله - مبيناً فضل العلماء: (إن الله - عز وجل -، وتقدَّست أسماؤه، اختصَّ من خلقه من أحب، فهداهم للإيمان، ثم اختصَّ من سائر المؤمنين من أحب، فتفضَّل عليهم، فعلَّمهم الكتاب والحكمة وفقههم في الدين، وعلمهم التأويل وفضَّلهم على سائر المؤمنين، وذلك في كل زمان وأوان، رَفعهم بالعلمِ وزَينهم بالحلمِ، بِهم يَعرف الحلال من الحرام، والحق من الباطل، والضار من النافع، والحسن من القبيح.

فَضّلهم عظيم، وخَطرهم جزيل، وَرثةُ الأنبياء، وقُرةُ عين الأولياء، الحيتان في البحار لهم تستغفر، والملائكة بأجنحتها لهم تخضع، والعلماء في القيامة بعد الأنبياء تشفع، مجالسهم تفيد الحكمة، وبأعمالهم ينزجر أهل الغفلة، هم أفضل من العبَّاد، وأعلى درجة من الزُّهاد، حياتهم غنيمة، وموتهم مصيبة، يُذكِّرون الغافل، ويعلِّمون الجاهل، لا يتوقع لهم بائقة، ولا يخاف منهم غائلة، بحسن تأديبهم يتنازع المطيعون، وبجميل موعظتهم يرجع المقصرون، جميع الخلق إلى علمهم محتاج، والصحيح على من خالف بقولهم محجاج.

الطاعة لهم من جميع الخلق واجبة، والمعصية لهم محرمة، من أطاعهم رشد، ومن عصاهم عَنَد.

هم سراج العباد، ومنار البلاد، وقوام الأمة، وينابيع الحكمة، هم غيظ الشيطان، بهم تحيا قلوب أهل الحق، وتموت قلوب أهل الزيغ، مثلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء، يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، إذا انطمست النجوم تحيّروا، وإذا أسْفَر عنها الظلام أبصروا، وصدق الله العظيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11]. وقال الله - عز وجل -: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾[فاطر: 28].

وقال - عز وجل -: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269]. وقال - عز وجل -: ﴿ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ [آل عمران: 79]. وقال - عز وجل -: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].

وقال - عز وجل -: ﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ [الفرقان: 74]، قال محمد بن الحسين: وهذا النعت ونحوه في القرآن، يدل على فضل العلماء، وأن الله - عز وجل - جعلهم أئمة للخلق يقتدون بهم.

وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكنهم ورثوا العلم، فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر))؛ رواه أبو داود، وصححه الألباني في سنن أبي داود.

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فقيه واحد أشد على إبليس من ألف عابد))؛ رواه الطبراني، وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب ضعيف جداً.
وعن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في ا
لدين))؛ متفق عليه.
وعن أنس بن مالك

- رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن مثل العلماء في الأرض كمثل نجوم السماء، يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم يوشك أن تضل الهداة))؛ رواه أحمد، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع.
وعن الحسن أن أبا الدرداء - رضي الله عنه - قال: (مثل العلماء في الناس كمثل النجوم في السماء يهتدى بها).

وقال كعب الأحبار: (عليكم بالعلم قبل أن يذهب، فإن ذهاب العلم موت أهله، موت العالم نجم طمس، موت العالم كسر لا يجبر، وثلمة لا تسد، بأبي وأمي العلماءـ قال: أحسبه قال: قبلتي إذا لقيتهم، وضالتي إذا لم ألقهم، لا خير في الناس إلا بهم).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الله - عز وجل - لا يقبض العلم انتزاعا، إنما يقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا))؛ متفق عليه.

وعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاهموه انتزاعا ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون))؛ رواه البخاري.

عباد الله:
إن الثقات عند الله هم العلماء، وقد أشهدهم على توحيده من فوق سبع سماوات، قال الله تعالى فيهم: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18].

والله تعالى مدحهم وأثنى عليهم، وجعل كتابه آيات بينات في صدورهم، به تنشرح وتفرح وتسعد. قال تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ [العنكبوت: 49].

وبيّن سبحانه أنهم ورثة الأنبياء، وأنهم أهل الذكر الذين أُمر الناس بسؤالهم، قال الله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43].
وأخبر سبحانه أن العلماء يستغفر لهم كل شيء، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صاحب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحوت في البحر))؛ أخرجه أبو يعلى.

وبيّن سبحانه أن أهل العلم الذين يبلغون الناس شرع الله تعالى هم أنضَّر الناس وجوهًا، وأشرفهم مقامًا، بدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم. قال - صلى الله عليه وسلم -: ((نضَّر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها، فرب حامل فقه غير فقيه،رب حامل فقه إلى من هو أفقه))؛ رواه ابن ماجه.
وأخبر تعالى أن العلماء هم أكثر الناس خشيةً له، قال تعالى فيهم: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ.. ﴾ [فاطر: 28].

عباد الله:
إن العلماء من أفضل المجاهدين في سبيل الله بجهادهم بالحجة والبيان، وهو جهاد الأئمة من ورثة الأنبياء، وهو أعظم منفعة من الجهاد باليد واللسان، لشدة مؤنته، وكثرة العدو فيه. قال تعالى: ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً * فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾ [الفرقان].

يقول ابن القيم - رحمه الله -: ((فهذا جهاد لهم بالقرآن، وهو أكبر الجهادين، وهو جهاد المنافقين أيضًا، فإن المنافقين لم يكونوا يقاتلون المسلمين، بل كانوا معهم في الظاهر، وربما كانوا يقاتلون عدوهم معهم، ومع هذا فقد قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ.. ﴾ [التوبة: 73 ].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ﴾ [الإسراء: 108- 109].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم نفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير رسله وأنبيائه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن مقام العلماء عظيم، ومكانتهم عالية رفيعة.

عباد الله:
إنَّ ما يدور في الساحة اليوم من فوضى الاجتهاد عند بعض المتعالمين، وكارثة الفوضى في الفتيا، والقول على الله بغير علم، والتلاعب بالحلال والحرام حسب الأهواء، مع وجود طوفان هائج من العولمة والتغريب، تحتاج لوقفة جادة وحازمة لمعرفة قيمة وجود العلماء الربانيين، فغيابهم يخلي تلك الساحة لغيرهم من الرويبضة، وأنصاف المتعلمين، فكم ن
حتاج في هذه الأحوال إلى وقفات حازمة

لوضع الضوابط الشرعية في المجالات كافة، حتى تعبر سفينة الأمة بأمانٍ في بحر الفتن المتلاطم، وسير المحن المتفاقم، إلى شاطئ السلامة وبر النجاة.

عباد الله:
إن دين الله محفوظ، وشريعته باقية بوجود العلماء الربانيين، فأعلام الديانة مرفوعة بحمد الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك))؛ رواه مسلم، وعنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها))؛ رواه أبو داود، وقال: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين))؛ رواه البيهقي.

عباد الله:
إن العلماء باقون بذكرهم أحياء بعلمهم، يلهج الناس بالثناء عليهم والدعاء لهم، ويجتهدون في اقتفاء آثارهم، وترسم خطاهم، علماً وعملاً، ودعوة ومنهاجاً، تشبهاً بالكرام وإن لم يكونوا مثلهم، فذلك أمارة الفلاح.

وعلماء الشريعة - ولله الحمد والمنة - مُتوافرون عبر الأعصار والأمصار، يحي الخلف منهج السلف، وأمة الإسلام أمة معطاءة، زاخرة بالكفاءات، ثرية بالعطاءات، مليئة بالقدرات، ففي الأمة من سيحمل مشعل الهداية، وراية العلم والدعوة، ويسد الثغرة، وينهض بالمسئولية العلمية والدعوية، وما علينا إلا أن نقدرهم وأن نعظم من شأنهم نصرة لدين الله، ونفعاً لعباد الله.

عباد الله:
لقد ظهرت في الآونة الأخيرة بوادر سيئة تنم عن وجود أقوام يقدحون في العلماء، ويتكلمون في أعراضهم، ويتحينون فرص الخطأ منهم كي يعظموها، ويستغلوها أسوأ استغلال لإيجاد فجوة بينهم وبين عامة المسلمين. حتى لا يسمعوا لهم، ولا يأخذوا عنهم، ويأبى الله ذلك فالعلماء لهم مكانة خاصة في قلوب الناس فهم معروفون بإخلاصهم وصدقهم وحرصهم على نفع المسلمين.

عباد الله:
إن القدح في العالم لا يتناول شخصه، بل يتعدى ذلك للعلم الذي يعلمه ويُعلمه للناس، ولا يقدح فيهم إلا (زنديق) كما قاله الإمام أحمد، وإذا انتُقص العالم وأهين، فمن يثق الناس به، وإذا زالت ثقتهم بالعالم فعمّن يتلقون الدين؟

إن الإساءة للعلماء ليس ذنباً في حقهم فقط، بل يتعدى ضرره للمجتمع، ومتى ما كان المجتمع يقدر العلماء فليبشر بالخير والسعادة، ومتى ما حصل العكس فلا تسأل عن حال الغنم بلا راعي.

فالعلماء لهم احترام ومنزلة ولا يجوز الطعن فيهم ولا تنقصهم حتى لو حصل من بعضهم خطأ في الاجتهاد، فهذا لا يقتضي تنقصهم؛ لأنهم قد يخطئون، ومع ذلك هم طالبون للحق، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد))؛ متفق عليه

وهذا في حق العلماء وليس المتعالمين؛ لأنه لا يحق لهم أن يدخلوا فيما لا يحسنون. أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحفظ علينا ديننا وبلادنا وولاة أمرنا وعلماءنا من كل سوء ومكروه. وأن يعين علمائنا على الأمانة التي تحملوها وصبروا من أجلها، وأسأله تعالى أن يرفع شأنهم في الدنيا والآخرة.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: ٥٦].
ُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ [محمد: 7]؛ فالجزاء من جنس العمل.

والحفظ من الله عز وجل للعبد يكون على نوعين:

النوع الأول عباد الله: أن يحفظ سمعه وبصره ولسانه، وأن يحفظ عليه جوارحه، وأن يُمتِّعه بقوته، وأن يحفظ ماله، وأن يحفظ أولاده، حفظًا في الدنيا عباد الله.

والنوع الثاني: هو حفظ الإيمان، أن يحفظ على العبد إيمانه؛ فلا يقع في الشهوات ولا في الشبهات، وأن يحول بينه وبين المعصية التي توجب غضب رب الأرض والسماوات.

أما النوع الأول من الحفظ عباد الله: فهو أن يحفظ الله عز وجل على العبد قوَّته، كما حدث من أبي الطيب الطبري، وكان قد جاوز المائة سنة - مات عن مائة وسنتين - وثب وثبة شديدة من مركب إلى الأرض، فعوتب على هذه الوثبة، فقال: "جوارح حفظناها في الصبا، فحفظها الله عز وجل علينا في الكِبَر".

فمن حافظ على جوارحه من معصية الله عز وجل؛ فالله عز وجل يمتعه بسمعه وبصره وقوته.

وعكس ذلك عباد الله: رأى الجنيد شيخًا كبيرًا يسأل الناس، فقال: "هذا ضيع الله عز وجل في الصبا؛ فضيعه الله عز وجل في الكِبَر".

من فارق سدة سيده لم يبقَ لقدمه قرار.
وَاللَّهِ مَا جِئْتُكُمْ زَائِرًا
إِلاَّ وَجَدْتُ الأَرْضَ تُطْوَى لِي
وَلاَ ثَنَيْتُ العَزْمَ عَنْ بَابِكُمْ
إِلاَّ تَعَثَّرْتُ بِأَذْيَالِي

فالعبد إذا حفظ الله عز وجل؛ حفظه الله عز وجل: حفظ صحته، وحفظ ماله، وحفظ أولاده، كما كان سعيد بن المسيب - وقيل: سعيد بن جبير - يقول لابنه: "لأزيدن في صلاتي من أجلكَ؛ رجاء أن أُحفَظَ فيك" ويتأول قول الله عز وجل: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ [الكهف: 82].

فصلاح الآباء يكون سببًا في صلاح الأبناء: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [النساء: 9].

فمن حفظ تقوى الله عز وجل فقد حفظ نفسه، ومن ضيع تقوى الله عز وجل فقد ضيع نفسه، والله عز وجل غني عنه.

((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك))، وفي الرواية الأخرى: ((تجده معك)).

والمعية من الله عز وجل على نوعين:
معية عامة لجميع الخلائق: ﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ﴾ [المجادلة: 7]، فالله عز وجل مع جميع الخلق بسمعه وبصره وقدرته وإحاطته؛ فهذه معية عامة لجميع الخلق، تستوجب من العبد الحذر والخوف من الله عز وجل، وتقوى الله عز وجل، ومراقبة الله عز وجل.

والمعية الثانية عباد الله: هي معية النصرة والتأييد والتوفيق والتسديد، كما قال عز وجل حاكيًا عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي بكر في رحلة الهجرة: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]؛ أي: معنا بسمعه، ومعنا بتوفيقه، ومعنا بتسديده، وكما قال عز وجل لهارون وموسى: ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 46]؛ أي: أسمع ما يُراد بكما، وأرى ما يحاك لكما، وأعلم ما تحتاجان إليه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128].

فمن كان مع الله عز وجل بطاعة الله وبتقوى الله عز وجل، ومع دين الله عز وجل، يعز دين الله، ويرفع راية الله عز وجل، مع الله عز وجل بالحب والنصر، والتأييد لدينه ورسوله وكتابه عز وجل فالله عز وجل معه.

قال قتادة: "من كان مع الله عز وجل كان الله معه، ومن كان الله عز وجل معه كان معه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل".

فإذا كنت مع الله عز وجل كان الله معك، معيته لأنبيائه وأوليائه معية التأييد، ومعية النصرة، ومعية التسديد.
إِذَا كُنْتَ بِاللَّهِ مُسْتَعْصِمًا
فَمَاذَا يَضِيرُكَ كَيْدُ العَبِيد

((إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)).

والسؤال بذل للوجه؛ كان بعضهم يقول: "اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك، فصُنه عن مسألة غيرك"، وكان أحدهم إذا عرضت له مسألة للخلق، يهتف به هاتف من داخلة: "الوجه الذي يسجد لله عز وجل؛ لا تبذله لغير الله".

ومن سأل الناس تكثرًا - أي: وعنده ما يكفية - فإنه يأتي يوم القيامة وقد سقط لحم وجهه؛ لأنه أراق ماء وجهه في الدنيا!! فالسؤال عباد الله لا يكون إلا لله؛ لأن العبد لا يذل نفسه إلا لله عز وجل.

عاهد النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة ألاَّ يسألوا أحدًا إلا الله عز وجل، منهم أبو بكر رضي الله عنه فكان يقع منه السوط وهو على البعير، فلا يسأل أحدًا أن يناوله إياه؛ بل ينزل بنفسه فيأخذه، لا يسأل إلا الله عز وجل!

إذا سألت فاسأل الله.. فالسؤال ذل، والسؤال يكون لمن يقدر على جلب جميع المصالح ودفع جميع المضار، وليس هناك أحد يقدر على ذلك إلا الله عز وجل، فإذا سألت فاسأل الله.

﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62]

، وقال عز وجل: ﴿
🎤
خطبـة.جمعــة.بعنــوان.cc
احـــفــــظ الــلــــه يحـــفـــــظك
للـــدكتــــور/ أحـــمـــــــد فــــريــــــد
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــــة.الاولــــى.cc
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى: ﴿ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ [الأنعام: 134].

روى الإمام أحمد والترمذي عن أبي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف))[1].

وفي رواية غير الترمذي: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف على الله في الرخاء يعرفْك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا))[2].
قال الإمام ابن الجوزي في "صيد الخاطر": "تدبرتُ هذا الحديث فأدهشني حتى كدت أن أطيش، فواأسفًا من الجهل بهذا الحديث، وقلة التفهم لمعناه".

فهذا الحديث عباد الله الذي يرويه حبر الأمة وترجمان القرآن وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل))[3] وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبدالله بن عباس، ومن خلاله يوصي الأمة كلها، يقول: ((يا غلام، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك)).

وحفظ الله عز وجل: أن تحفظ حدود الله عز وجل وأن تحفظ حقوقه، وأن تحفظ أوامره ونواهيه، فالواجب على العبد عباد الله أن يحفظ الله عز وجل كما قال جل في علاه: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ﴾ [البقرة: 238].

فمِن حفظِ الله عز وجل: أن تحافظ على الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((مَن حافظ عليها؛ كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومَن لم يحافظ عليها؛ لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة))[4].

ومن ذلك: حفظ الطهارة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن))[5].

ومن ذلك: أن يحفظ الرأس وما وعى، وأن يحفظ البطن وما حوى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الاستحياء من الله حق الحياء، أن تحفظ الرأس وما وعى، وأن تحفظ البطن وما حوى))[6].

فمن حفظ الرأس: أن يحفظ سمعه، وأن يحفظ بصره؛ فلا يقع بصره على محرم، وأن يحفظ لسانه فلا يتكلم بما لا يعنيه، ولا يقع في الغيبة والنميمة وغير ذلك، وأن يحفظ فمه فلا يدخل فيه طعام حرام، يحافظ على سمعه وبصره ولسانه، وأن يحفظ البطن وما حوى.

من ذلك قول الله عز وجل: ﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾ [المائدة: 89]؛ أي: لا يحلف العبد كثيرًا، وإذا حلف وحنث في حلفه فعليه أن يكفر عن يمينه.

من ذلك: حفظ الفرج، كما قال عز وجل: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ [المؤمنون: 5]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من يحفظ ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة))[7].

وفي رواية الصحيح: ((من ضمن لي ما بين لحييه - أي: لسانه - وما بين رجليه - أي: فرجه - أضمن له الجنة))[8].

فمَن حفظَ الله عز وجل في سمعه وبصره ولسانه وفرجه، وحافظ على حدود الله عز وجل وحافظ على حقوق الله عز وجل وحافظ على أوامر الله عز وجل بأن يؤديها، وحافظ على حدود الله عز وجل فلا يقع فيها - كان جزاؤه من الله عز وجل الحفظ، كما قال الله عز وجل: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152]، وكما قال عز و زاد الخـطــيــب الـــدعـــــوي📚:
جل: ﴿ إِنْ تَنْصُر
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186].

كان بعض الناس يتردد على بعض الملوك؛ فقال له أحد العلماء: "يا هذا، تذهب إلى من يسد دونك بابه، ويظهر لك فقره، ويخفي عنك غناه، وتَدَعُ من يفتح لك بابه، ويظهر لك غناه، ويقول: ادعوني أستجب لكم؟!".
لاَ تَسْأَلَنَّ بُنَيَّ آدَمَ حَاجَةً
وَسَلِ الَّذِي أَبْوَابُهُ لاَ تُحْجَبُ
اَللَّهُ يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ
وَبُنَيُّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ

فالعبد لا يسأل إلا الله عز وجل، فإذا سألت فاسأل الله، من لم يسأل الله يغضب عليه؛ لأنه غني كريم؛ ولأنه عز وجل يحب أن يتفضل على عباده: ((يد الله ملأى، لا تغيضها نفقة - أي: لا تنقصها نفقة - سَحَّاء الليل والنهار - أي: ينفق على عباده بالليل والنهار - أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه - أي: لم ينقص ما في يمينه))[9].

في بعض الروايات: ((ذلك بأني جواد واجد ماجد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له: كن، فيكون))[10].

فالله عز وجل غني كريم، ويخلق بكلمة (كن)، إذا أراد شيئًا يقول له: كن، فيكون؛ فهو وحده الغني: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [فاطر: 15 - 17].

فالعبد يسأل من يقدر على كشف الضر، ومن يقدر على جلب المنافع كلها، ولا أحد يقدر على ذلك إلا الله عز وجل.

((وإذا استعنت فاستعن بالله)).

والاستعانة: هي طلب العون والمساعدة، ولا تجوز الاستعانة في الأمور كلها إلا بالله عز وجل، ويجوز أن تستعين بمخلوق في قضاء حاجة من حوائج الدنيا التي يقدر عليها المخلوق، ولكن لا يجوز أن تستعين بمخلوق في أن يخبرك بمغيب، وفي أن يشفي لك مريضًا، ويرد لك غائبًا، فالاستعانة لا تكون إلا بالله عز وجل.
وإن هناك استعانة شركية واستعانة غير شركية: الاستعانة الشركية أن تستعين بمخلوق في أن يشفي لك مريضًا، أو يرد لك غائبًا، كمن يستعين بالمقبورين وبالهلكى في أن يردوا لهم غائبًا، أو يشفوا لهم مريضًا، فهذه استعانة شركية، أما الاستعانة بالمخلوق في قضاء أمر من أمور الدنيا، أو شراء شيء، أو بيع شيء له أو إجارته - فهذه استعانة غير شركية.

أرسل أحد السلف إلى أخيه يقول له: "أما بعد، لا تستعن بغير الله فيكلك إليه"؛ أي: لا يجلب لك نفعًا، ولا يدفع عنك ضرًّا.

((إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)).

وهذا مدار الوصية عباد الله فمدار الوصية عباد الله أن تعلم أن الأمر بيد الله، وأن الملك بيد الله، وأن خزائن السماوات والأرض بيد الله عز وجل، فإذا علمت ذلك، وإذا عرفت ذلك - انقطعت إلى الله عز وجل، وعرفت الله عز وجل، وكما قال أبو عاصم الأنطاكي: "إني أريد ألا أموت حتى أعرف مولاي".

فلا يريد المعرفة العامة التي يعرفها كل الناس: أن الله عز وجل هو رب الناس، ملك الناس، إله الناس، ولكن يريد أن يعرف الله عز وجل معرفة ينقطع عن الخلق إلى الله عز وجل، فلا يستعين إلا بالله، ولا يسأل إلا الله عز وجل، وهذه المعرفة تدعوه إلى أن يحفظ حدود الله وحقوقه وأوامره ونواهيه، وتدعوه إلى أنه لا يرجو إلا الله، ولا يخاف إلا من الله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا يحب إلا الله عز وجل أو في الله عز وجل.

فهذا مدار الوصية: أن تعلم أن الله عز وجل هو رب الناس، وهو المتصرف في شؤون الناس كيف يشاء، وأنه مالك الملك عز وجل، وأن مقادير الخلائق بيد الله عز وجل: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ [يونس: 107].

لو اجتمع الخلق كلهم على أن يجلبوا لك نفعًا لم يقدره لك الله عز وجل - لا يقدرون على ذلك، وإن اجتمع الخلق كلهم على أن يمنعوا عنك نفعًا أراده الله عز وجل بك - لا يقدرون على ذلك: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ [يونس: 107]؛ فالأمر كله بيد الله عز وجل.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن روح القدس نفث في روعي: أن نفسًا لن تموت حتى تستوفي أجلها ورزقها))[11].

ويقول صلى الله عليه وسلم: ((اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير))[12].

أي: إذا كان لك مصلحة عند أحد من الخلق فاطلب ذلك بعزة النفس؛ لأن الأمر ليس بيد هذا المخلوق؛ أي: الأمر بيد خالق الخلق ومالك الملك، بيد الله عز وجل، اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير، فإذا وثق العبد بذلك كان أعز الناس، وكان أغنى الناس بالله عز وجل،

وكان أقوى النا
ر وراءه؛ قال عز وجل: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6].

ويقولون: إن النكرة إذا كررت أفادت إضافة، وإن المعرفة إذا كُرِّرَت لم تفد إضافة؛ ولذلك قال بعضهم: لا يغلب عسر يُسْرَيْنِ؛ أي: إن مع كل عسر يسرين، إن مع العسر يسرًا، إن مع العسر يسرًا، فكان هذا الحديث النبوي وصية جامعة تشتمل على قواعد كلية وأصول عظيمة من أصول هذا الدين، وهو ما رواه الإمام أحمد والترمذي عن أبي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: (( يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعنت بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف))[16]، وفي رواية غير الترمذي: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا))[17]. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وأعلِ راية الحق والدين!! اللهم من أرادنا والإسلامَ والمسلمين بعزٍِّ فاجعل عز الإسلام على يديه، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بكيد فكِده يا رب العالمين، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره، واجعل الدائرة تدور عليه.

اللهم عليك باليهود الغاصبين، والأمريكان الحاقدين، ومن والاهم من المنافقين والعلمانيين. اللهم أحصِهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تغادر منهم أحدًا، اللهم لا ترفع لهم في الأرض راية، واجعلهم لسائر خلقك عبرة وآية، اللهم أنزل عليهم رجزك وغضبك وعذابك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم إنا نسألك أن تقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبدًا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا. اللهم اهدِ شباب المسلمين، اللهم اهدِ أطفالنا وأطفال المسلمين يا رب العالمين، اللهم اهدِ شيوخ المسلمين، اللهم اهدِ نساء المسلمين للعفة والحجاب والحياء، يا رب العالمين، ورد عنهم كيد الكائدين، وجمِّلهم بالحياء والحجاب يا رب العالمين. اللهم ارفع عن بلاد المسلمين الغلا والوبا، والربا والزنا، وردهم إليك ردًّا جميلاً. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.

[1] "صحيح الترمذي" (2440)، وصححه الألباني في "المشكاة" (5302).
[2] قال الهيثمي في "المجمع" (11094): رواه الطبراني، وفيه علي بن أبي علي القرشي وهو ضعيف.
[3] أحمد (2274)، وأصله في البخاري (140).
[4] أحمد (6288) بإسناد حسن، وقال الهيثمي في "المجمع": رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد ثقات. [5] ابن ماجه (273) من حديث ثوبان رضي الله عنه وصححه الألباني في "الإرواء" (412).
[6] الترمذي (2382) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وحسنه الألباني في "المشكاة" (1608).
[7] البخاري (5993) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه بلفظ: ((من يضمن لي))، ورقم (6309) بلفظ: ((من توكل لي))، والترمذي (2332) بلفظ: ((من يتكفل لي))، ورقم (2333) بلفظ: ((من وقاه الله)).
[8] البخاري (5993).
[9] البخاري (4316)، ومسلم (1658).
[10] أحمد (20405)، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (6437).
[11] الحاكم (2/ 4) وصححه الألباني في "الصحيحة" (6/ 865).
[12] تمام في "فوائده" (2/ 62)، وضعفه الألباني في "الضعيفة" (3/ 573).
[13] مسلم (4797) من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه.
[14] أبو داود (4078) بنحوه، وصححه الألباني في "المشكاة" (94).
[15] أحمد (2666)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2961).
[16] سبق قريبًا.
[17] سبق تخريجه.
س بالله عز وجل، ومع ذلك يحافظ على حدود الله وحقوقه وأوامره ونواهيه، من كان كذلك عباد الله أتاه النفع من حيث يخاف أن يحصل الضر.

كما روي أن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم انكسرت به المركب، فوقع في جزيرة، ولم يعرف الطريق، فرأى أسدًا، فقال: يا أبا الحارث، أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم دلني على الطريق، قالوا: فأخذ الأسد يهمهم ويسير أمامه حتى دله على الطريق، ثم همهم له وانصرف كأنه يودعه!! أي: يأتيه النفع والخير ممن يخاف منه الضر.

كذلك عباد الله من ضيع تقوى الله عز وجل؛ فإنه يأتيه الضر ويأتيه المشقة والعنت ممن يرجو منه النفع.

كما قال بعضهم: "إني لأعصي الله؛ فأجد ذلك في خُلُق دابتي وامرأتي"؛ أي إن الدابة التي تسهل له الطريق، والزوجة التي تخدمه وتقضي له شؤونه - يكونان سببًا لشقائه ونكده!

فمَنْ عرف أن الأمر بيد الله، فانقطع عن الخلق إلى الحق، وتعلق قلبه بالله عز وجل؛ لا يرجو إلا الله، ولا يخاف إلا من الله، يحافظ على حدود الله، ويسأل الله عز وجل، ويستعين بالله عز وجل.

قوله صلى الله عليه وسلم: ((واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)).

وهذه كناية من أعظم الكنايات، علامة على تقدم المقادير.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب مقادير الخلائق، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة))[13].

قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كتب الله عز وجل متى تولد، وكم تعيش في الدنيا، وكم ترزق في الدنيا، وعملك في الدنيا، وسعيك في الدنيا، وكم توفق إلى طاعة الله، وكم تعمل بمعصية الله عز وجل، كان ذلك في اللوح المحفوظ عباد الله قبل أن يخلق الله عز وجل السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما سيكون إلى يوم القيامة))[14].

لأن علم الله عز وجل أحاط بالماضي، وأحاط بالحاضر، وأحاط بالمستقبل؛ فعلِم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، فالله عز وجل علِم كل شيء، وقدَّر كل شيء، وكتب كل شيء من أزمنة متطاولة، فرفعت الأقلام؛ أي التي كتبت بها مقادير الخلائق، ومن طول المدة جفت الصحف.

فكيف يرجو العبد غير الله؟! وكيف يأمل في غير الله؟! وكيف يخاف من غير الله عز وجل؟!

مَنْ علِم ذلك عباد الله انقطع إلى الله عز وجل، وعمل بطاعة الله عز وجل، وكان مع الله عز وجل؛ يقول - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعنت بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)).

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم!!


الخطبــــة.الثانيــــة.cc
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا، ثم أما بعد: فقوله - صلى الله عليه وسلم - في الرواية الأخرى: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفْك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا)). فقوله صلى الله عليه وسلم: ((احفظ الله تجده أمامك))؛ أي تجده تجاهك، أي: تجده معك، وقد فسرنا ذلك في الرواية الأخرى: ((تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة))[15]. أي إن العبد إذا كان يصعد منه إلى الله عز وجل في وقت النعمة والرخاء - يصعد منه كلم طيب، وعمل صالح إلى الله عز وجل، فإذا وقع العبد في الشدة عرفه الله عز وجل، فقبل دعوته، وفرج كربته. ((تعرف إلى الله عز وجل في الرخاء يعرفْك في الشدة)).

كما قال بعض السلف: تعرَّفوا إلى الله عز وجل في الرخاء يعرفْكم في الشدة. فإن يونس عليه السلام لما كان ذاكرًا لله عز وجل، عارفًا بالله عز وجل في الرخاء، لَمَّا وقع في بطن الحوت قال الله عز وجل: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143-144].

ولما كان فرعون كافرًا جاحدًا ناسيًا لذكر الله عز وجل، لما وقع في البحر قال: ﴿ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾ [يونس: 90] - قال عز وجل: ﴿ آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً ﴾ [يونس: 91-92]. فكلاهما ذكر الله عز وجل في الشدة، وأعلنا إيمانهما

في الشدة، ولكن
يونس - عليه السلام - كان من أنبياء الله عز وجل، فساهم فكان من المدحضين، ولما وصل إلى ظلمة بطن الحوت دعا الله عز وجل: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143، 144]؛ أي: لصار بطن الحوت قبرًا له.

أما فرعون؛ فكان جاحدًا ناسيًا لذكر الله عز وجل، مستكبرًا على طاعة الله عز وجل، أعلن إيمانه وهو يعاني الغرق، فلم يقبل الله عز وجل منه؛ بل جعله الله عز وجل عِبرة للمعتبرين، فقال: ﴿ آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً ﴾ [يونس: 91-92].

فينبغي على العبد عباد الله أن يجتهد في طاعة الله عز وجل في الرخاء، حتى إذا وقع في الشدة عرفه الله عز وجل بقبول دعائه، كما حدث للثلاثة الذين دخلوا غارًا فوقعت صخرة عظيمة على فوهة الغار، فتوسلوا إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة التي عملوها في وقت الرخاء، فأما أحدهم: فتوسل إلى الله عز وجل ببره بوالديه، وأما الثاني: فتوسل إلى الله عز وجل بأمانته، وبأنه رد للأجير أجره بعد تثميره له وتكبيره له، وأما الثالث: فتوسل إلى الله عز وجل بعفته عن ابنة عمه، وأنه ترك لها ما طلبته منه، فعند ذلك تحركت الصخرة وخرجوا من الغار؛ لأنهم توسلوا بأعمال صالحة عملوها في وقت الرخاء!

((تعرف إلى الله عز وجل في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك)). الله عز وجل يحرس الناس بالليل والنهار: ﴿ قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ ﴾ [الأنبياء: 42]. من يحفظكم من دون الله عز وجل؟ وكل الله عز وجل ملائكة يحفظون العبد من بين يديه ومن خلفه، كما قال عز وجل: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 11]. قيل: المعقبات ملائكة تحفظ العبد، فإذا جاء القدر تخلوا عنه، وكل أحد منا مرَّ في عمره عباد الله بأشياء كان يمكن أن يهلك فيها؛ كحوادث السيارات وغير ذلك، والله عز وجل ينجيه، فالله عز وجل وَكَّل ملائكةً يحفظون العبد من بين يديه ومن خلفه، ويدفعون عنه الشرور والمهالك، ولكن إذا قدر الله عز وجل شيئًا فإن الملائكة الحفظة يتركون العبد؛ من أجل أن ينفذ فيه قدر الله عز وجل وقضاء الله عز وجل: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11]؛ أي: لا يحدث شيء في الأرض إلا بإذن الله عز وجل. ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [التغابن: 11]؛ قال بعض السلف: "هي المصيبة تصيب العبد، فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم". ((واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا)).

فالنصر مع الصبر؛ لذلك يقول الله عز وجل: ﴿ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ﴾ [الأنفال: 65]، فاشترط الصبر، ثم نسخ ذلك بقوله: ﴿ فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ﴾ [الأنفال: 66]. وقال: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120]. وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 45، 46].

الصر من أعظم أسباب النصر: ((واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب)). كما قال بعضهم: "إذا اشتَدَّ الكَرْبُ هانَ"، وفي ذلك لطيفةٌ عباد الله وهي: أن العبد إذا أصيب ببلاء فإنه قد يعلق قلبه بغير الله، ويرجو من فلان أن يدفع عنه هذا الضُّر، وأن يكشف عنه هذا الكرب، فيزداد عليه الكرب، فيعلق قلبه بمخلوق آخر، يرجو من جهته أن يرفع الضر، وأن يكشف الكرب، فيزداد الكرب، حتى إذا ازداد الكرب جدًّا، عند ذلك ييأس العبد من الخلق، ويعلق قلبه بالخالق عز وجل، عند ذلك يكشف الله عز وجل الكرب. فإذا كان المشركون، إذا ركبوا البحر وأتت ريح عاصفة، وكادوا يهلكون يُخلِصون الدعاء لله عز وجل، والعبادة لله عز وجل؛ فينجيهم الله عز وجل - فكيف لا يحدث ذلك للمؤمن إذا اشتد به الكرب وأيقن بالهلاك؟! لا شك في أنه ييأس من المخلوقين، ويعلق قلبه بالله عز وجل، فإذا علق قلبه بالله عز وجل أتى الفرج، وكشف الله عز وجل الكرب: ((واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا)). قال عز وجل: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7]. قالوا: ((مع العسر يسرٌ))؛ أي: إن اليسر يأتي سريعًا بعد العسر، فكأنه من سرعته مع العُسْر. وقال بعضهم: إذا دخل العُسْر جحر

ًا، دخل اليس
🎤
محاضرة.بعنوان.Cc
حســـــرات
للشيخ /علي عبد الخالق القرني
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌



الخطبـــة.الاولـــى.cc

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير.

وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول.


وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.
وسلم تسليما كثيرا.


(يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)،

أما بعد:
عباد الله، فأعلموا أن المتأملَ لحالنِا نحنُ المسلمين اليوم.
وحالِ زماننا وما ظهر فيه الآفاتِ والفتنِ، وما حصل فيه من انفتاحٍ كبيرٍ على الدنيا وزُخرُفها حتى ظن أهلها أنهم قادرون عليها، أو مخلدون فيها.


إن المتأملَ لذلك ليشعرُ بالرهبةِ والإشفاقِ والخوفِ الشديدِ من مظاهرِ وعواقبِ هذه الحال.


إذ قد قست منا القلوب، وتحجرت العيون، وهُجرَ كتابِ علامِ الغيوب.


بل قُرأ والقلوبُ لاهيةٌ ساهيةٌ في لُججِ الدنيا وأوديتُها سابحةٌ.
كيف لا وقد زينا غير متبعين جدرانَ بيوتنا بآياتِ القرآن، ثم لم نزين حياتَنا بالعمل بالقرآن.


يقرأه البعضُ غير مقتدينَ على الأموات، ثم لا يحكمونه في الأحياء.
بل جُعلت البركةُ في مجردِ حملهِ وتلاوته.
وتُركت بركتُه الحقيقيةُ المتمثلة في إتباعه وتحكيمه امتثالاً لقولِ الله تعالى:
(وهذا كتابُ أنزلناه مباركاً فأتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون).


غفلنا ولم نشعر أننا غفلنا وهذه لعمرُ اللهِ أدهى وأمرُ فينا.
كثُر القلق وغلبَ الهمُ والحزن، وصاحبَ ذلك الأرق.


مكرَ مكراً شديداً بالليلِ والنهار بأساليبَ ووسائلَ خبيثة ماكرةٌ تزينُ الفاحشة وتصدُ عن الآخرةِ.


فشت الفواحشُ والمظالم، ونيلَ من الأعراض، وأُكلتُ الأموال.
وظهرت صورُ صارخةِ من الحسد والبغضاء والفرقةِ والخلاف، حتى بين خبراءِ الفضلِ والإحسان. وعندها أستُضعِفَ المسلمون، وتبجحَ وتسلطَ الملحدون والمجرمون.
قلنا ولم نفعل أمام عدونا…….وعلى أحبتنا نقولُ ونفعلُ

قل الاهتمامُ والعنايةُ بركيزةِ الوعظِ والتذكير، كركيزةٍ تربويةٍ مؤثرةٍ مفيدة، فصرت تسمعُ من يقللُ من أهمية كتابٍ أو خطبةٍ أو محاضرةٍ، أو درسُ يركزُ على هذا الجانبِ.


فيقالُ هذا كتابُ وعظي، ومحاضرةُ وعظيه، ومقالٌ عاطفي وكبرت من كلمة:
إن صحَ أن الوعظَ أصبحَ فضلة……..فالموتُ أرحمُ للنفوسِ وأنفعُ
فلولا رياحُ الوعظِ ما خاض زورقُ………ولا عبرت بالمبحرين البواخرُ
عندها عُطلت طاقاتُنا الإيمانية،
وكيفَ يعيشُ في البستان غرس…….إذا ما عُطلت عنه السواقيَ

هبت رياحُ المعصيةِ فأطفأت شموعَ الخشيةِ من قلوبِنا.
وطال علينا الأمدُ فعلى القلوبَ قسوةً، كما قست قلوبُ أهلِ الكتاب فهيَ كالحجارةِ أو أشدُ قسوة.
أسأنا فهم الدينِ الذي هو سرُ تميُزَنا وبقاؤنا فشُغِلنا بالشكلِ عن الجوهر، وبالقالبِ عن القلب، وبالمبنى عن المعنى، بذكرياتُ مجيدةُ وتواريخَ تليدةُ نحتفلُ غالباً مبتدعين غير متبعين.
وأحيانا نهتمُ بطبعِ الكتب الشرعيةِ مفتخرين، ثم نتمردُ على مضمونِها هازئين.


حالُنا كالذي يقبلُ يدَ والدهِ ولا يسمعُ نصحه، إن هذا لهو البلاء المبين.
وإننا نخشى أن نصبحَ في زمرةِ من قال اللهُ فيهم:
( الذين اتخذوا دينَهم لهواً ولعبا، وغرتُهم الحياةُ الدنيا)
وأسوءُ ما تمرُ به أمةُ وأتعسُ ما تمرُ به أمة أن يصبحَ اللهوُ فيها دينا، والدينُ فيها لهواً ثم لا تسمعُ نصحا:
بُح المنادي والمسامعُ تشتكي صمماً……. وأصبحتَ الضمائرُ تشترى
تاهت سفائنُها بحراً ولا……………… هيَ في الشواطئ تظهرُ

لهذا كله كان لابد من الوقوفِ بعضِ مشاهدِ الحسرةِ في الأخرى لعل النفوسَ تستيقظُ وتخشعُ وتذلُ فتبادر إلى الحسنى، فما هناك من أمر هو أشد دفعا للنفوس إلى فعل الخير من أمر الآخرة، والوقوف بين يدي من له الأولى والآخرة، فكل ضعف من أسبابه الغفلة عن الآخرة، في ذكر اليوم الآخر سعادة وطمأنينة وسد منيع دون الهم والحزن وعدم السكينة، وعلى ما يحزن طالب الآخرة؟
على أمر حقير يفنى عما قريب؟
كلا، فالآخرة خير وأبقى.


المؤمن باليوم الآخر لا تؤثر فيه المصائب لأنه موقن أن المصائب إن لم تزل عنه زال عنها بالموت لا محالة، فلا تذهب نفسه على الدنيا حسرات.
ذكر اليوم الآخر يطهر القلوب من الحسد والفرقة والاختلاف.
ذكره يهدد الظلمة ليرعووا، ويعزي المظلومين ليسكنوا فكل سيأخذ حقه لا محالة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، فلا ظلم ولا هضم:
والوزن بالقسط فلا ظلم ولا…….يأخذ عبد بسوى ما عملا
ذكر اليوم الآخر يمسح على قلوب المستضعفين والمضطهدين والمظلومين مسحة يقين تسكن معه قلوبهم، ثم تثبت شماء وهي تتطلع لما أعده الله للصابرين من نعيم يُنسى معه كل ضر وبلاء وسوء وعناء.
وتتطلع لما أعده للظالمين من بؤس يُنسى معه كل هناء.


فهي
ا معي يا عباد الله إلى مشاهد من الحسرة أسأل الله أن لا تكونوا من أهل الحسرة.


عل ذلك أن تصلح معه القلوب، وتتجه إلى علام الغيوب وتنقاد الجوارح إلى العمل الصالح.
إنه يوم الحسرة:
ومما أدراك ما يومُ الحسرة، يومٍ انذرَ به وخوفَ، وتوعدَ بهِ وهدد، قال الله عز وجل :
(و أنذرهم يومَ الحسرةِ إذ قضيَ الأمرُ وهم في غفلةٍ وهم لا يؤمنون)
إنذارُ و إخبار في تخويفٍ وترهيبٍ بيومِ الحسرةِ حين يقضى الأمر، يوم يجمعُ الأولون والأخرون في موقفٍ واحد، يسألون عن أعمالهم.


فمن آمنَ و أتبع سعِدَ سعادةً لا يشقى بعدها أبدا.
ومن تمردَ وعصى شقي شقاءً لا يسعدُ بعده أبدا، وخسرَ نفسَهُ وأهلَهُ وتحسرَ وندِمَ ندامةً تتقطعُ منها القلوبُ وتتصدعُ منه الأفئدةُ أسفا.


وأيُ حسرةٍ أعظمُ من فواتِ رضاء الله وجنته واستحقاقِ سخطهِ وناره على وجهٍ لا يمكنُ معه الرجوعُ ليُستأنف العملُ، ولا سبيلَ له إلى تغييرِ حالهِ ولا أمل.
وقد كان الحالُ في الدنيا أنهم كانوا في غفلةٍ عن هذا الأمرِ العظيم، فلم يخطر بقلوبِهم إلا على سبيلِ الغفلةِ حتى واجهوا مصيرَهم فيا للندمِ والحسرة، حيثُ لا ينفعُ ندمُ ولا حسرة.
وأنذرهُم يومَ الحسرة، ( يوم يجاءُ بالموت كما في صحيح البخاري كأنه كبشُ أملح فيوقفُ بين الجنةِ والنار فيقال: يا أهلَ الجنةِ هل تعرفون هذا؟
فيشرأبون وينظرونَ ويقولون نعم هذا الموت.
ثم يقالُ يا أهل النارِ هل تعرفون هذا؟
فيشرأبون وينظرونَ ويقولون نعم هذا الموت.
قال، فيأمرُ به فيذبحُ، ثم يقال يا أهلَ الجنةِ خلودُ فلا موت، ويا أهلَ النارِ خلودُ فلا موت).
(وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون).
آه من تأوه حين إذٍ لا ينفع، ومن عيونٍ صارت كالعيون مما تدمع.
إنها حسرةُ بل حسرات، أنباءٌ مهولات، نداماتٌ وتأسفاتٌ ورد ذكرها في غير ما آية من الآيات تصدرُ عن معرضين عن الآيات ولاهين ولاهيات عن يومُ الحسرة والحسرات.


نذكر بعض منها في هذه الخطبة من رسالة (قل هو نبأ عظيم) بتصرف يسير.

إنها تذكرةٌ وعظات، علنا أن نحاسبَ أنفسِنا ما دمنا في مهلةٍ من أعمارٍ وأوقات وقبلَ أن نندمَ حيث لا ينفعُ ندمُ ولا حسرات.
فمن هذه الحسرات "أجاركم الله من الحسرات":

الحسرةُ على أعمالٍ صالحةٍ:
شابتها الشوائبُ وكدرتها مُبطلاتُ الأعمالِ من رياءٍ وعُجبٍ ومنةٍ، فضاعت وصارت هباءً منثورا، في وقتٍ الإنسانُ فيهِ أشدُ ما يكونُ إلى حسنةٍ واحدةٍ:
(وبدا لهم من اللهِ ما لم يكونوا يحتسبون)
(وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاط بهم ما كانوا به يستهزئون)
فكيفَ تقيكَ من بردٍ خيامٌ………إذا كانت ممزقةَ الرواقِ
الفضل عند الله ليس بصورة الأعمال بل بحقائق الإيمان.
القصد وجه الله بالأقوال والطاعات والشكران.
بذاك ينجو العبد من حسراته ،ويصير حقا عابد الرحمن.

الحسرةُ على التفريطِ في طاعةِ الله:
وتصرمِ العمرِ القصيرِ في اللهثِ وراء الدنيا حلالِها وحرامِها، والاغترارِ بزيفِها مع نسيانِ الآخرةِ وأهوالِها:
( أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين)
( أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين)
( أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين)
( بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين)
يا ضيعة العمرِ لا الماضي انتفعتُ به…….ولا حصلتُ على علمٍ من الباقي
بلى علمتُ وقد أيقنتُ وا أسفا……..أني لكلِ الذي قدمتُه لا قي

الحسرةُ على التفريطِ في النفسِ والأهل:
أن تقيَهم من عذاب جهنم، يوم تفقدَهم وتخسرَهم مع نفسُك بعد ما فتنتَ بهم، ذلك هو الخزيُ والخسار والحسرةُ والنار، حالك:
بعضي على بعضي يجّردُ سيفه……..والسهم مني نحو صدري يرسلُ
النارُ توقد في خيام عشيرتي…………وأنا الذي يا للمصيبة أُشعلُ

( قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسَهم وأهليهم يومَ القيامة، آلا ذلك هو الخسرانُ المبين).

الحسرةُ على أعمالٍ صالحة:
كان الأمل بعد اللهِ عليها، ولكنها ذهبت في ذلك اليومِ العصيب إلى من تعديت حدودَ اللهِ فيهم فظلمتَهم في مالٍ أو دمٍ أو عرض، فكنتَ مفلساً حقا:
(وقد خابَ من حمل ظلما).
فيأخذُ هذا من حسناتِك وهذا من حسناتك، ثم تفنى الحسنات فيطرحُ عليك من سيئاتِ من ظلمتَهم ثم تطرحُ في النار، أجارك الله من سامعٍ من النار وجنبك سخطِ الجبار بفعلِ ما يرضي الواحدَ القهار.

حسرةُ جُلساءِ أهلِ السوء:
يومَ انساقوا معهم يقودونَهم إلى الرذيلةِ، ويصدونَهم عن الفضيلةِ، إنها لحسرةُ عظيمةٌ في يومِ الحسرة يعبرون عنها بعضِ الأيدي يومَ لا ينفعُ عضُ الأيدي كما قال ربي:
( ويومَ يعَضُ الظالم على يديه يقولُ يا ليتني اتخذتُ مع الرسولِ سبيلا)
( ياويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلا)
( لقد أضلني عن الذكرِ بعد إذ جاءني وكان الشيطانُ للإنسانِ خذولا).

حسرةُ الأتباعُ المقلدين لكلِ ناعق:
يوم يتبرأ منهم من تبعوه بالباطل فلا ينفعهم ندم ولا حسرة:
(ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا، وأن الله شديد العذاب)
( إذا تبرأ الذين أتُبعوا من الذين أتَبعو
ا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب)
( وقال الذين أتبَعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا)
( كذلك يرويهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار).

حسرة الظالمين المفسدين في الأرض:
الذينَ يصدون عن سبيلِ الله ويبغونها عوجا، حين يحملون أوزارَهم وأوزار الذين يضلونهم بغيرِ علم، وحين يسمعون عندها قول الله :
( فأذن مؤذنٌ بينهم أن لعنتُ الله على الظالمين، الذين يصدون عن سبيلِ الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرةِ كافرونِ ).
ومن أعظم المشاهد حسرة في يوم القيامة يوم يكفر الظالمون بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا محتدين ومتبرئين فذلك قول الله:
( قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار، كلما دخلت أمة لعنت أختها)
( حتى إذا إداركوا فيها جميعا قالت أخراهم الأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار)
( قال لكلٍ ضعف ولكن لا تعلمون)
( وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون).
فيا حسرة الظلمة وأعوانهم حين يعلمون فداحة جريمتهم في تنفيذ رغبات الظالمين، لكن حيث لا ينفعهم علم العالمين، وعندها لسادتهم يقولون:
لكن حيث لا ينفعهم علم العالمين، وعندها لسادتهم يقولون:
( إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار) ؟
فإذا بالسادة أذلة قد عنت وجوههم للحي القيوم لا يملكون لانفسهم شيئا ولا يستطيعون يقولون:
( إنا كل فيها، إنا الله قد حكم بين العباد).
إن لله غضبة لو وعاها من………. بغى ما عدا يمط اللسان
كم من ظالم يردد:
(وقال الذين كفروا للذين أمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم، وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون، وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم، وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون).
فالعقلاء بمقولتهم لا يغترون، وإن فعلوا فأنهم يوم إذ في العذاب والحسرة مشتركون.
تصور معي أخي ذلك الجو من الحسرة والخزي والندامة المخيمة على المستضعفين والمستكبرين.
أتباع ضعفاء يتهمون زعمائهم بالحيلولة بينهم وبين الإيمان.
ومستكبرون يقولون لإتباعهم أنتم المجرمون دعوناكم فكنتم مجيبين.
لو رأيتهم إذ وقفوا عند ربهم من غير إرادة ولا اختيار مذنبون ترهقهم ذلة في انتظار الجزاء لرأيت أمرا مهولا، يتراجعون، يرجع بعضهم إلى بعض القول.
يلوم بعضهم بعضا.
ويؤنب بعضهم بعضا.
ويلقي بعضهم تبعة ما هم فيه على بعض.
يقول أتباع الظلال الذين اُستضعفوا لقادة الضلال الذين استكبروا:
( لولا أنتم لكنا مؤمنين ).
يقولونها جاهرين بها صادعين في وقت لم يكونوا في الدنيا بقادرين على هذه المواجهة، كان يمنعهم الذل والضعف والاستسلام، وبيع الحرية التي وهبها الله لهم والكرامة التي منحهم الله إياها.
أما اليوم يوم الحسرة فقد سقطت القيم الزائفة وواجهوا العذاب فهم يقولونها غير خائفين:
( لولا أنتم لكنا مؤمنين ).
حلتم بيننا وبين الإيمان، زينتم لنا الكفران فتبعنكم فأنتم المجرمون وبالعذاب أنتم جديرون وله مستحقون.
ويضيق الذين استكبروا بهم ذرعا إذ هم في البلاء سواء ويريد هؤلاء الضعفاء أن يحملوهم تبعة الإغواء الذي صار بهم إلى هذا البلاء، عند إذ يردون عليهم ويجيبونهم في ذلة مصحوبة بفظاظة وفحشاء:
( أنحن صددناكم عن الهدى؟)
الله أكبر كانوا في الدنيا لا يقيمون لهم وزنا، ولا يأخذون منهم رأي، ولا يعتبرون لهم وجودا، ولا يقبلون منهم مخالفة، بل حتى مناقشة.
أما اليوم، يوم الحسرة فهم يسألونهم في استنكار الأذلاء:
( أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم ؟ بل كنتم مجرمين).
زينا لكم الإجرام؟ نعم، لكنا لم نكرهكم عليه، فما لكم علينا من سلطان.
آما أنه لو كان الأمر في الدنيا لقبع المستضعفون لا ينبسون ببنت شفه.
لكنهم في الآخرة حيث سقطت الهالات الكاذبة، والقيم الزائفة، وتفتحت العيون المغلقة، وظهرت الحقائق المستورة فلم يسكت المستضعفون ولا هم يخنعون، بل يجابهون من كانوا لهم يذلون ويقولون:
( بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا).
مكركم لم يفتر ليلا ولا نهارا للصد عن الهدى.
تزينون لنا الضلال وتدعوننا إلى الفساد، وتقولون إنه الحق.
ثم تقدحون في الحق وتزعمون أنه باطل، فما زال مكركم بنا حتى أغويتمونا وفتنتمونا.

يا عباد الله:
إن صور المكر تتنوع وتختلف من عصر لآخر.
ففي وقت نزول القرآن كانت تتخذ أشكالا من الأشعار في منتديات الجاهلية توجه فيها التهم الباطلة لرسول الله صلى الله عبيه وسلم ومن معه.
أو بصد الراغبين عن سماع الحق وتفويته عليهم.
أو بإثارة نعرة الأباء والأجداد والتهويل من خطر تركها.
هذا جل ما عند الجاهلية الأولى من مكر الليل والنهار، و والله إنه لعظيم.
لكن ماذا يساوي ذلك المكر الأول عند مكر الليل والنهار في زماننا الحاضر في أكثر ديار المسلمين، والذي ينطبق تماما بلفظه ومعناه على المكر الموجود الآن الذي يعمل على مدى الأربع والعشرين ساعة:
فما يكاد المذياع يفتر من مكره حتى يأتي دور التلفاز.
وما يكاد التلفاز يفتر من مكره حتى يأتي دور الفيديو.
ثم يأتي د
ور البث المباشر.
ثم المجلة الهابطة، فالقصة الخليعة، وهكذا دواليك دواليكَ مكر بالليل والنهار.
هل يعذر المسلم في فتح فكره وبيته لمكر الليل والنهار؟؟؟
كلا والله لا يعذر، لأن المفسدين المتسلطين لن يعذروه بين يدي الله يوم القيامة بقولهم:
( أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم ؟ بل كنتم مجرمين).
ويرد هؤلاء المستضعفون:
( بل مكر الليل والنهار).
ثم يدرك الجميع أن هذا الحوار البائس لا ينفع هؤلاء ولا هؤلاء إلا براءة بعضهم من بعض.
علم كل منهم نه ظالم لنفسه، مستحق للعذاب فندم حين لا ينفع الندم.
ويتمنى سرا أن لو كان على الحق والإيمان:
(وأسّروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا، هل يجزون إلا ما كانوا يعملون)
قطاة غرّها شرَك فباتت……تجاذبه وقد علق الجناحُ
فلا في الليل نالت ما تمنت…….ولا في الصبح كان لها براحُ
قضي الأمر وانتهى الجدل وسكت الحوار.
وهنا يأتي حادي الغواة، وهاتف الغواية يخطب خطبته الشيطانية القاصمة يصبها على أوليائه:
( وقال الشيطان لما قضي الأمر، إن الله وعدكم وعد الحق، ووعدتكم فأخلفتكم ).
طعنة أليمة نافذة لا يملكون أن يردوها عليه، وقد قضي الأمر وفات الأوان:
( وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ).
ثم يأنبهم على أن أطاعوه:
( فلا تلوموني ولوموا أنفسكم، ما أنا بمصرخكم، وما أنتم بمصرخي ).
نفض يده منهم وهو الذي وعدهم ومنّاهم ووسوس لهم.
وأما الساعة فلن يلبيهم إن صرخوا، ولن ينجدوه إن صرخ (إن الظالمين لهم عذاب أليم ).
فيا للحسرة والندم.

الحسرةُ على أعمالٍ محدثةٍ:
وعباداتٍ لم يأذن الله بها ولم يتبعُ فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ويحسبُ أهلها أنهم يحسنون صنعا:
( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ).
لكنها تضيعُ في وقتِ الحاجةِ الماسة إليها فهم الأخسرون أعمالا وساءوا أعمالا، أعمالَهم كرمادٍ اشتدت به الريحُ في يومٍ عاصف أو كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظامئانُ ماءً، حتى إذا جاءهُ لم يجده شيأً ووجد اللهَ عنده فوفاه حسابهُ.
( والذين كفروا أعمالهم كسرابٍ بقيعةٍ يحسبه الظامئان ماءً، حتى إذا جاءهُ لم يجده شيئا ووجد اللهَ عنده فوفاه حسابهُ ).
يا أيها اللاهي الذي افترش الهوى…..وبكل معنى للضلال تدثرا
إن كنت ذا عقل ففكر برهة………….ما خاب ذو عقل إذا ما فكرا

الحسرةُ على أموالٍ جمعت من وجوه الحرام:
رباً ورشِوةٍ وغشٍ غصب وسرقةٍ واحتيالٍ وغيرِها.
فيا لله أي حسرةٍ أكبر على امرؤٍ يؤتيَه اللهُ مالاً في الدنيا، فيعملُ فيه بمعصيةِ الله، فيرثَه غيرَه فيعملُ فيه بطاعةِ الله، فيكونُ وزره عليه وأجرُه لغيره.
أي حسرة أكبر على امرؤ أن يرى عبدا كان الله ملّكه إياه في الدنيا يرى في نفسه أنه خبر من هذا العبد، فإذا هذا العبد عند الله أفضل منه يوم القيامة.
أي حسرة أكبر على امرؤ أن يرى عبدا مكفوف البصر في الدنيا قد فتح الله له عن بصره يوم القيامة وقد عميَ هو، إن تلك الحسرة لعظيمة عظيمة.
أي حسرة أكبر على امرؤ علم علما ثم ضيعه ولم يعمل به فشقيَ به، وعمل به من تعلمه منه فنجى به.
أي حسرة أعظم من حسرات المنافقين الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.
يوم تبلى السرائر وينكشف المخفي في الضمائر ويعرضون لا يخفى منهم على الله خافية، ثم يكون المأوى الدرك الأسفل من النار ثم لا يجدون لهم نصيرا.

أما الحسرةُ الكبرى فهي:
عندما يرى أهلَ النار أهلَ الجنةِ وقد فازوا برضوانِ الله والنعيم المقيم وهم يقولون:
( أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا) ؟
( قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين ).

وحسرة أعظم:
يومَ ينادي أهلُ النار أهل الجنةِ :
( أن أفيضوا عينا من الماءِ أو مما رزقكم الله)
( قالوا إن اللهَ حرمهما على الكافرين ).

وحسرة أجل:
حين ينادي أهلُ النارِ مالكاً خازن النار:
( ليقضي علينا ربك).
( قال إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحقِ ولكن أكثرَكم للحق كارهون ).

ومنتهى الحسرة ِوقصاراها:
حين ينادون ربَهم عز وجل وتبارك وتقدس:
( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فأنا ظالمون ).
فيُجبَهم بعد مـدة:
( اخسئوا فيها ولا تكلمون ).
فلا تسأل، لا ينبسون ببنت شفة وإنما هو الشهيق والزفير.
طال الزفيرُ فلم يُرحم تضرُعهم هيهاتَ لا رقة تغني ولا جزعُ
فيا حسرة المقصرين.
ويا خجلة العاصين.
لذات تمرٌ وتبعاتٌ تبقى.
تريدون نيل الشهواتِ والحصولَ في الآخرةِ على الدرجات.
جمع الأضدادِ غير ممكنٌ يا تراب.
هواك نجد وهواه الشامُ………وذا وذاَ يا خي لا يلتامُ
دع الذي يفنى لما هو باقي وأحذر زلل قدمِك، وخف حلول ندمك واغتنِم شبابك قبل هرمِك، واقبل نصحي ولا تخاطر بدمك، ثم تتحسرُ حين لا ينفعُ ندمك.
إذا ما نهاك امرأٌ ناصحُ عن الفاحشاتِ إنزجر وانتهِ
إن دنياً يا أخي من بعدها ظلمةُ القبرِ وصوتُ النائحِ
لا تساوي حبةً من خردلٍ أو تساوي ريشةً من جانحِ
لا تسل عن قيمةَ الربح….. وسل عن أساليبَ الفريق الرابحِ

جعلنا الله وإياك
م من الرابحين السعداء، يومَ يخسرُ المبطلون الأشقياء، ويتحسرَ المتحسرون التعساء، إن ربي وليُ النعماء وكاشفَ الضرِ والبلاء.

عباد الله وبعد هذا البيانِ من كتاب الرحمنِ عن صورِ الخزي والحسرةِ والخسران.
هل آن لنا أن نعدَ لهذا الموقفِ العظيمِ عدته؟
ونعملَ جاهدين على الخلاصِ من صفاتِ أهلِ هذه المواقفِ المخزيةِ.
آن لنا أن نُخلص العبادةَ لله وحده، ونجردَ المتابعةِ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
آن لنا أن نحذرَ من كلِ ناعقٍ ملبسٍ خائنٍ يمكرُ في الليلِ والنهار قبل أن تقولَ نفسُ يا حسرتاه ولا مناة حين مناص.
آن الأوان لضعفةِ الأتباع أن يتبرءوا من متبوعيهم الظالمين المفسدين فلا يكونوا أداة لهم في ظُلمٍ في دماء أو أموالٍ أو أعراض طمعاً في جاه أو حطام.
آن الأوان للإنابةِ والبراءةِ من الظالمين قبل أن يتبرءوا من تابعيهم بين يدي الله يومَ ينقلبون عليهم فيلعن بعضَهم بعضا حيث لا ينفع لعن ولا ندم.
آن الأوان للمرأة المسكينة في زماننا اليوم أن تتنبه لهذه المواقف فتتبرأ في دنياها اليوم من كل ناعق لها بأسم الحرية والتمدن ومتابعة الأزياء والموضات.
وحتى لا تحق عليها الحسرة الكبرى حينما يتبرأ منها شياطين الأنس والجن الذين أضلوها ثم لا يغنوا عنا من عذاب الله من شيء إلا الخصام والتلاعن المذكور في كتاب الله:
( وقالوا ربنا إننا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا)
( ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبير).
آن الأوان لأتباع الطوائف الضالة المبتدعة أن يفيقوا ويدركوا خطر هذه المتابعة التي ستنقلبُ حسرة كبرى وعداوة ولعنة بينهم وبين متبوعيهم يوم القيامة:
(ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين).
آن الأوان لمن أعطوا قيادهم لجلساءِ السوءِ والمفسدينَ في الأرض، ومن هم دعاةُ على أبوابِ جهنمَ يسوقونهم إلى الرذيلةِ ويفتحون قلوبَهم للمكر والألاعيب والصدِ عن الفضيلة.
آن لهم أن ينتهوا ويقطعوا صلَتَهم بهم وطاعتَهم لهم ما داموا في زمنٍ من مهلةٍ وإمكان، وإن لم يقطعوها في الدنيا، فهيَ لا شكَ منقطعة يومَ القيامةِ وستنقلبُ عداوةً وخصاماً وحسرةً:
( الاخلاء يوم إذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ).
آن الأوان للمجاهرين عموما بالمعاصي.
والمجاهرين خصوصا برفع أطباق القنوات فوق البيوت غير معظمين لشعائر الله والحرمات.
من اشرعوا بيوتَهم للضلالِ والمكرِ واللهوِ والعفنِ والترهات بحجة الأخبار والمباريات:
يستقبل الأفكار في علب الهوى……. والشر فيها لوّع المستقبلُ
علب يغلفها العدو وختمه……….…فيها الصليب ونجمة والمنجل
آن لهم أن يعلونها توبةً عاجلةً نصوحاً قبل الممات وقبل يومَ الحسرات بلا مبررات واهيات فالحقائق ساطعات غير مستورات وإن تعامتها نفوس أهل الشهوات.
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد……وينكر الفم طعم الماء من سقم
وكل أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما أخبر معافى إلا المجاهرين، وما من راعي يسترعيه الله رعيةً يموت يومَ يموت وهو غاشٍ لهم إلا حرم اللهُ عليه الجنة. وكلُكم راعيٍ ومسؤول. وما كل راع براع.
ما كل ذي لبد بليث كاسر……وإن ارتدى ثوب الأسود وزمجرا
يستخدم الشيطان كل وسيلة….…..لكنه يبقى الأذل الأصغرا
( والله يريد أن يتوب عليكم، ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما )
آن الأوان لمضيع وقته أمام ما تبثه هذه القنوات من محرمات أن يتوب ويؤب.
آن الأوان لمن عقلُه أصبح في أذنيه ولبه بات في عينيه من أثر البهتان فيه وانطلى الزورُ عليه أن يتوبَ قبل أن يقفَ أمام الله فتشهدُ الأعضاء والجوارح وتبدو السؤاتُ والفضائح فيختمُ عل فمه وتتكلم يده ويشهدُ سمعه وبصره وجلده بما كان يكسب ثم لا يكونُ إلا الحسرات، فما تغني الحسرات؟
( وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم، ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون، وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين، فإن يصبروا فالنار مثوى لهم، وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين).
يا ابن سبعين وعشرٍ وثمانٍ كاملات………غرضاً للموتِ مشغولاً ببث القنوات
ويكَ لا تعلمُ ما تُلقى به بعد الممات………من صغارٍ موبقات وكبارٍ مهلكات
يا ابن من قد مات من آبائهِ والأمهات…… هل ترى من خالدٍ من بين أهلِ الشهوات
إن من يبتاعُ بالدينِ خسيسِ الشهوات……. لغبي الرأيِ محفوفُ بطولِ الحسرات

عباد الله في يومِ القيامة يبحثُ كلِ إنسان عن أي وسيلة مهما كانت ضعيفة واهية لعلَها تصلُحُ لنجاته من غضبِ الله.
ولذلك تكثُر المناقشاتُ والمحاورات بين الأباء والأبناء.
والأزواج والزوجات.
والكبار المتسلطين والصغار التابعين.
بين الأغنياء الجبارين والفقراء المنافقين.
كل يحاول إلقاء التبعة على غيره، لكن حيث لا تنفع المحاورات ولا الخصومات ولا التنصل من التبعات، ثم لا يكون إلا الحسرات:
إلى الله يا قومي فما خاب راجع…….إلى ربه يوم وما خاب صابرُ
اللهم آنس وحشتنا في القبور، وآمن فزعنا يوم البعث والنشور.
اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين.
اللهم إنا نعوذ ب
ك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وأخرتنا التي إليها معادنا، وأجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وأنصر عبادك الموحدين.
اللهم كن للمستضعفين والمظلومين والمضطهدين.
اللهم فرج همهم ونفس كربهم وارفع درجتهم واخلفهم في أهلهم.
اللهم أزل عنهم العناء وأكشف عنهم الضر والبلاء.
اللهم أنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء. يا سميع الدعاء.
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم.
وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
==================
2024/09/24 09:17:06
Back to Top
HTML Embed Code: