Telegram Web Link
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
ضريبـة الـذل و تتار بورمــا ...!!
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله الذي تفرد بالعز والجلال،
وتوحد بالكبرياء والكمال،
وجلّ عن الأشباه والأشكال ،
أذل من اعتز بغيره غاية الإذلال،
وتفضل على المطيعين بلذيذ الإقبال،
بيده ملكوت السماوات والأرض ومفاتيح الأقفال،
لا رادّ لأمره ولا معقب لحكمه وهو الخالق الفعال..

واشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد وهو علي كل شيء قدير ،

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدٌ عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه الذي أيده بالمعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، وزينه بأشرف الخصال وعلي آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه و من اتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين...

أما بعـــد - عبـاد الله : -
إن أمتنا اليوم تمر بمخاض عسير وبلاء عظيم ..
حروب وصراعات وخلافات وإزهاق للأرواح وسفك للدماء و فرقة خصومات وتنكر للدين وقيمه في كثير من بلاد العرب والمسلمين، إلى جانب الظلم والاستبداد السياسي والاجتماعي ، والتبعية للأعداء ، واستنزاف الأموال والثروات ، وضعف العلم والعمل، وكثرة الجدل ...
ومع هذا الجو الصاخب والوضع المأساوي والذي كان سببه بعدنا عن الدين القويم وتلوث نفوسنا بالدنيا وشبهاتها وشهواتها والركون إلى الذين ظلموا ..

أصبحنا بسبب ذلك لقمة سائغة لكل طامع وكل من متجبر وكل مستكبر من الأمم التي حولنا .
وهذا مصداقا لحديث رسول الله صل الله عليه وسلم حيث قال: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»،
فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟
قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت» (صحيح). ..

نعم حب الدنيا وكراهية الموت .. !!

فالبعد عن منهج الله يصيب الأمة بمصيبتين عظيمتين،
الأولى أن ينزع الله من صدور أعدائنا مهابتنا والخوف منا وعدم عمل أي اعتبار لنا رغم كثرة عددنا،
والمصيبة الثانية، أن يقذف الله الوهن في قلوب هذه الأمة وهو حب الدنيا وكراهية الموت ،
والذين يكرهون الموت لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر ولا يجاهدون في سبيل الله ولا يناضلون من أجل القيم العظيمة والأخلاق السامية، ولا ينتصرون لدين ولا يقفون مع مظلوم ..!!

فيعيشون حياة تافهة دون هدف أو غاية،
قد تربعت الدنيا في قلوبهم، فيبذلون من اجل شهواتها كل غالي ورخيص، إلى جانب أن الذل والهوان يكتب عليهم وتذهب كرامتهم وعزتهم أدراج الرياح .

معاشر المسلمين:
بعض النفوس الضعيفة يخيل إليها أن للكرامة ضريبة باهضة لاتطاق ، فتختار الذل والمهانة هرباً من هذه التكاليف الثقال،
فتعيش عيشة تافهة رخيصة مفزعة قلقة تخاف من ظلها وتفرق من صداها ،
يحسبون كل صيحة عليهم ولتجدنهم أحرص الناس على حياة !

هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة..
إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملة يؤدونها من نفوسهم ، ويؤدونها من أقدارهم ، ويؤدونها من سمعتهم، ويؤدونها من اطمئنانهم ، وكثيراً مايؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لايشعرون ...

وانظروا رحمكم الله، إلى المجازر والدماء التي تسفك في هذه الأمة،
كل يوم نعيش جراحات جديدة، فقد استمرأ الأعداء، حين لم يجدوا الأمة القوية الواعية الحريصة على دينها وقيمها وأخلاقها ومقدراتها، وما يحدث في أراكان بورما وغيرها من بلاد المسلمين لدليل على ذلك .

يذكر المؤرخون أن الإسلام وصل إلى أراكان في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد (رحمه الله) في القرن السابع الميلادي عن طريق التجار العرب حتى أصبحت دولة مستقلة حكمها 48 ملكاً مسلماً على التوالي وذلك لأكثر من ثلاثة قرون ونصف القرن،
أي ما بين عامي 1430 م – 1784م، وقد تركوا آثاراً إسلامية من مساجد ومدارس وأربطة،

وفي عام 1784م احتل أراكان الملك البوذي البورمي (بوداباي)، وضم الإقليم إلى بورما خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة، وعاث في الأرض الفساد،
حيث دمر كثيراً من الآثار الإسلامية من مساجد ومدارس، وقتل العلماء والدعاة، واستمر البوذيون البورميون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين الماغ على ذلك خلال فترة احتلالهم أربعين سنة حتى ضمتهم بريطانيا إلى الهند أثناء احتلالها لها في عام 1824م،

وفي عام 1942م تعرض المسلمون لمذبحة وحشية كبرى من قِبَل البوذيين الماغ بعد حصولهم على الأسلحة والإمداد من قِبَل إخوانهم البوذيين البورمان والمستعمرين وغيرهم والتي راح ضحيتها أكثر من مائة ألف مسلم وأغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال، وشردت مئات الآلاف خارج الوطن، حتى بعد استقلالها بزعم مشابهتهم للبنغاليين في الدين واللغة والشكل...

ومن مظاهر تسلط البوذيون عليهم:
المدارس الإسلامية تمنع من التطوير أو الاعتراف الحكومي والمصادقة لشهاداتها أو
ا

المجازر والمذابح ضد المسلمين في أوربا وفي الاتحاد السوفياتي وفي الصين في تركستان وفي أفريقيا وغيرها، وقبل ذلك ما فعله التتار والمغول والصليبيون وحملاتهم على مدى قرون من الزمان ،

ومع ذلك عاد الإسلام وعاد المسلمون وزاد الإسلام من انتشاره وأصبح الدين الذين لا يقف عند العوائق والحواجز والخطط ومكر الليل والنار التي يحيكها الأعداء ، لأنه دين الله ، دين الفطرة ،
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر. قال الألباني: رواه جماعة منهم الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وصححه ثم قال .وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار) (صحيح)

والحديث معناه واضح فالمراد بقوله صلى الله عليه وسلم: هذا الأمر أي الإسلام ، أي أنه سيبلغ ما بلغ الليل والنهار وهي الأرض كلها ، وقوله بعز عزيز إلى آخره أي أن من أسلم يعزه الله ويعز به الإسلام، ومن امتنع أذله الله تعالى.

فثقوا بالله وأحسنوا الظن به وأحسنوا العمل وقوموا بواجباتكم وتوكلوا عليه ولن يخيب رجائكم ولن يرد دعائكم وسيحفظكم من كل فتنة ..

اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ...


الخطـبة.الثانــية.cc
عبــاد الله : لقد عاشت أمم الأرض وطوائفها تحت راية الإسلام قرون من الزمن، ولم تقم مثل هذه الجرائم والمذابح ضد الأفراد أو الدول أو الأقليات، لأنه دين سلام وأمن وأمان، لكن عندما تنتهك حدود الله، ويقتل المسلمين ويهجروا من أراضيهم وتحرق عليهم بيوتهم،

فيجب على أمة الإسلام أن يكون موقفها واضح لا لبس فيه من هذه المجازر والمذابح ضد المسلمين من قبل تتار بورما ومتطرفيها، مهما كانت أوضاعها سيئة وجراحاتها الداخلية تنزف دماً ومشاكلها لا تتوقف، فعلى الأقل تعمل خيرا يسجله التاريخ في صفحاتها الناصعة،

ولابد للخروج من هذه الفتن والأحداث التي تعصف بالأمة داخليا وخارجياً أن تقوم الأمة أفراداً وجماعات ، حكاماً ومحكومين بأمور:

أولها : التوبة النصوح من الذنوب والمعاصي توبة تدفع غضب الله ومقته عنا قال تعالى(وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ )(الشورى 30) ..

وثانياً: أن ندرك جيداً حقيقة الحياة وأنها لاتدوم وأن بعدها موت وحساب وجنة ونار فلنجعل أعمالنا صالحة ونياتنا خالصة لله، ولنبحث عن ما يرض الله وما يخلده التاريخ من أعمال العزة والكرامة .

وثالثاً: علينا أن نستشعر أن الأخوة دين أمرنا الله بها في كتابها شأنها كالصلاة والصيام والحج ولها أهمية عظيمة في حياة الفرد وآخرته فلا نفرط فيها وعلينا القيام بحقوقها من الحب والتناصح وسلامة الصدر والتعاون وأن ننبذ العصبية والطائفية والمذهبية والمناطقية بأي شكل وتحت أي مبرر وغير ذلك ..

ثم علينا مناصرة المسلمين في كل مكان بالمال والعتاد للدفاع عن أنفسهم والدعاء لهم ، ثم بالمواقف السياسية المشرفة، ونشر قضاياهم في أوساط المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الانسان وفي وسائل الاعلام وغير ذلك.

رابعاً: علينا أن نثق بالله بعد ذلك ونتصل به وندعوه ونتوكل عليه فبيده كل شيء وقلوب العباد بين أصابعه يقلبها كيفما يشاء ومهما خطط البشر ومكر البشر وأمتلك البشر من مقومات القتل والتدمير وكثر عددهم وأتباعهم لن يضروا شيئاً ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ولن يرضى الله لعباده إلا كل خير وإن ابتلاهم ...

ولن يحق إلا الحق ولو كره المجرمون وأمره لا يحجبه حاجب ولا ترده قوة ولا يعجزه جبار أو ظالم أو متكبر ..

سَهِرَتْ أَعينٌ، وَنَامَتْ عُيونُ
في أمورٍ تكونُ أو لاتكونُ.
فَاطرح الهمَّ مَا استَطعْتَ
ﻻ فحملانكَ الهمومَ جنونُ.
إن رَّباَّ كفاكَ ما كان بالأمسِ
سَيَكْفِيكَ في غَدٍ مَا يَكُونُ .

ولنعلم جيداً أن الموت والحياة بيد الله، ولكل أجل كتاب، ولننزعن الوهن من صورنا، ولنتخلص من ضريبة الذل، بالعودة إلى ديننا، والوقوف اما الظلم والظالمين، أمراً بمعروف ونهياً عن منكر، ولنعتز بديننا، ولنتطلع إلى ما عند الله من خير في الدار الخرة ..

اللهم هيأ لنا من أمرنا رشداً وألف بين قلوبنا واجمع كلمتنا وخذ بنواصينا إلى كل خير...

هذا و صلوا على نبي الرحمة نبيكم محمد رسول الله،
فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل
( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)
[الأحزاب:56]

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
والحمد لله رب العالمين...

=
خريجيها.

المحاولات المستميتة لـ (برمنة) الثقافة الإسلامية وتذويب المسلمين في المجتمع البوذي البورمي قسراً.

التهجير الجماعي من قرى المسلمين وأراضيهم الزراعية، وتوطين البوذيين فيها في قرى نموذجية تبنى بأموال وأيدي المسلمين جبراً وصولا للتغيير الديموغرافي،
أو شق طرق كبيرة أو ثكنات عسكرية دون أي تعويض،
ومن يرفض فمصيره الموت في المعتقلات الفاشية التي لا تعرف الرحمة.
الطرد الجماعي المتكرر خارج الوطن، حيث يطردون بآلاف مؤلفة بين 30 ألف -50 ألف مسلم.

إلغاء حق المواطنة من المسلمين، حيث تم استبدال إثباتاتهم الرسمية القديمة ببطاقات تفيد أنهم ليسوا مواطنين، ومن يرفض فمصيره الموت في المعتقلات وتحت التعذيب أو الهروب خارج البلاد، وهو المطلوب أصلاً.
العمل القسري لدى الجيش أثناء التنقلات أو بناء ثكنات عسكرية أو شق طرق وغير ذلك من الأعمال الحكومية (سخرة وبلا مقابل حتى نفقتهم في الأكل والشرب والمواصلات).

حرمان أبناء المسلمين من مواصلة التعلم في الكليات والجامعات، ومن يذهب للخارج يُطوى قيده من سجلات القرية، ومن ثم يعتقل عند عودته، ويرمى به في غياهب السجون.

حرمانهم من الوظائف الحكومية مهما كان تأهيلهم،
حتى الذين كانوا يعملون منذ الاستعمار أو القدماء في الوظائف أجبروا على الاستقالة أو الفصل، إلا عمداء القرى وبعض الوظائف التي يحتاجها العسكر فإنهم يعيِّنون فيها المسلمين بدون رواتب، بل وعلى نفقتهم المواصلات واستضافة العسكر عند قيامهم بالجولات التفتيشية للقرى.

منعهم من السفر إلى الخارج حتى لأداء فريضة الحج إلا إلى بنغلاديش ولمدة يسيرة، ويعتبر السفر إلى عاصمة الدولة رانغون أو أية مدينة أخرى جريمة يعاقب عليها، وكذا عاصمة الإقليم والميناء الوحيد فيه مدينة أكياب، بل يمنع التنقل من قرية إلى أخرى إلا بعد الحصول على تصريح.

عدم السماح لهم باستضافة أحد في بيوتهم ولو كانوا أشقاء أو أقارب إلا بإذن مسبق، وأما المبيت فيمنع منعاً باتاً، ويعتبر جريمة كبرى ربما يعاقب بهدم منزله أو اعتقاله أو طرده من البلاد هو وأسرته، هذا غيض من فيض مما يتعرضون له .

عبــــاد الله:
واليوم عادت المجازر والمذابح والحرق بالنار والذبح والدفن أحياء ضد المسلمين في بورما من قبل جيش بورما والمتطرفين البوذيين أمام مرأى ومسمع من العالم،
فلا يتكلم أحد، ولا يشجب ولا يستنكر أحد، ولا يسارع للعون وتقديم المساعدة احد، فقط لأنهم مسلمون ولا بواكي لهم ،

فأين منظمة المؤتمر الإسلامي !!؟؟
وأين منظمة الأمم المتحدة !!؟؟
وأين مجلس الأمن !!؟؟
وأين حقوق الإنسان وأين المنظمات العالمية والدولية وأين الإعلام والصحافة التي تركز على حادث عرضي في أي بلاد غير بلاد المسلمين يقتل فيه شخص فتقوم الدنيا ولا تقعد..!!

أما هذه المجازر التي يقودها التتار الجدد من البوذيين المتطرفين وجيش بورما ضد المسلمين فالعالم لا يتكلم ولا يسمع ولا يرى

قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر
وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر

اليوم ما من قرية يتم القضاء على المسلمين فيها؛ حتى يسارع النظام العسكري الحاكم بوضع لوحات على بوابات هذه القرى، تشير إلى أن هذه القرية خالية من المسلمين.
ومن استعصى عليهم قتله ومن تمكن من الهرب ورأوا أن لهم حاجة به، فقد أقيمت لهم تجمعات، كي يقتلونهم فيها ببطء وبكل سادية،
تجمعات لا يعرف ما الذي يجري فيها تماما، فلا الهيئات الدولية ولا الجمعيات الخيرية ولا وسائل الإعلام يسمح لها بالاقتراب من هذه التجمعات، وما عرف حتى الآن أنهم مستعبدون بالكامل لدى الجيش البورمي؛ كبارا وصغارا، حيث يجبرون على الأعمال الشاقة ودون مقابل، أما المسلمات فهن مشاعا للجيش البورمي؛ حيث يتعرضن للاغتصاب في أبشع صوره، لعلمهم أن العرض لدي المسلمين يساوي الحياة.

ومن استطاع منهم أن يفر فعبر أمواج البحر في قوارب بالية وقد يكون البحر قبرا لهم،
وقد يصل بعضهم إلى دول مجاورة ترفض استضافتهم فتعيدهم للبحر من جديد ليلتهم من بقي حيا منهم،
وإن وافقت بعض الدول على استضافتهم فهي تتعنت في شروط بقائهم فتتركهم في العراء بين قطع قماش لا تستر أجسادهم ولا تقيهم حرا ولا زمهريرا ، ولا يسمح للهيئات الإغاثية بإقامة مدارس ومستشفيات ولا مساكن ثابتة خوفا من استقرارهم الدائم لديها.

عبـــــاد الله :
ضاقت صدورنا بما يجري ، لا ندري نتكلم عن ما يحدث في بلادنا وبلاد العرب بين المسلمين والعرب أنفسهم من سفك للدماء ومن خلافات وصراعات أكلت الأخضر واليابس ودمرت الأوطان وفرقت النسيج الاجتماعي،

أم نتحدث عن مجازر وجراحات أخرى في بلاد المسلمين..!!

ومع هذا وذاك فإنه يجب على المسلم أن يقوم بدوره ولو كان فرداً بما يستطيع في حل قضايا امته،

وهي لا شك فترة حرجة وفتنة عظيمة، ينبغي معها أن لا نفقد الأمل بالله وبخيرية هذه الأمة، وأنها تتعرض لضربات ونكبات لكنها لا تموت وتعود للحياة من جديد.

وقد حاول أعداء هذه الأمة طمس هذا الدين وهوية الأمة في نفوس أبنائها وأقامو
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
الــتــكــافـــل الاجــتــــمــاعــي
فــضـــلــه ووســـــائــل تحـقــيـقــه
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــة.الاولــى.cc
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

أمـــا بعـــد :-
فإن من أعظم محاسن شريعة الإسلام ما امتاز به عن سائر الأديان من الرحمة والشفقة بالناس جميعاً، قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } الأنبياء :107 وقال صلى الله عليه وسلم : " إنما بعثني رحمة للعالمين " رواه أبو داود وصححه الألباني . وقال - عليه الصلاة والسلام-: (إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة ) رواه الإمام أحمد، وحسنه الألباني.

ومن عظم هذه الشريعة أيضاً ، أنها تميزت بميزات لا توجد في غيرها من الملل والنحل سواء كانت نحلاً ودياناتٍ سماوية أو أرضية ، وهي تجعل من أفراد هذه الشريعة كتلة واحدة كالبنيان أو كالبنان يشد بعضه بعضاً ، ومن هذه الخصائص قضية التكافل والتكامل بين أفراد المجتمع المسلم ، وهي قضية تنبع من جوهر الإسلام ، وتنطلق من الأساس الذي أرسل من أجله الرسل ، وهو أن يكون الناس أمة واحدة ، في كل جانب وفي كل منحى ، يكونون أمة واحدة في معتقداتهم وعباداتهم ، أمة واحدة في توادهم ، أمة واحدة في تراحمهم ، أمة واحدة في تعاطفهم ، وأمة واحدة كذلك في تداعيهم وتناصرهم .

ولنقف مع هذه القضية مبيّنين فضلها ووسائلها ومدعمين ذلك بالأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ...

الحث على التعاون والتكافل من الكتاب والسنة :
قال الله –تعالى-: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (2) سورة المائدة.
وقال –تعالى-: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (114) سورة النساء.

فهاتان الآيتان فيهما دلالة واضحة على ضرورة التعاون والتكافل، ففي الآية الأولى الأمر بالتعاون، وفي الآية الثانية نفى الله الخير عن كثير من نجوى الناس وكلامهم، والمحادثات بينهم إلا ما يتعلق بثلاثة أمور تعود بالنفع على الجميع، على الكافل المتعاون وعلى المكفول المعان وهي: الأمر بالصدقة والحث عليها، والأمر بالمعروف، والإصلاح بين الناس، وكلها من أعظم مقاصد الدين.
وقال – تعالى-: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (177) سورة البقرة.
وقال –تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (10) سورة الحجرات .

وهذه الأخوة تستلزم التكافل، والتكامل ، كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى) رواه مسلم وأحمد.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) رواه البخاري.

وفي الحديث الآخر: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)) رواه البخاري وأحمد وغيرهما واللفظ للبخاري.
وعن جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- قال: كنا في صدر النهار عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجاءه قوم عراة مجتابي النمار أو العباء ، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما رأى بهم من الفاقة ، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب فقال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} والآية التي في الحشر : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُو
نَ } " تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره; " حتى قال : " ولو بشق تمرة " قال: فجاء رجل من الأنصار بصُرَّة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) أخرجه مسلم في صحيحه .

والأدلة التي تبين فضل ودعوة الإسلام للتكافل والتكامل ، والتعاون ،كثيرة جداً ، وفيما ذكر غنية وكفاية ....
ولكن إذا كان التكافل يعد هدفاً ومطلباً من مطالب الشريعة التي دعت إليها وحثت عليها ، فكيف يمكن لنا الوصول إليه ؟ أو ما هي السبل التي نستطيع من خلالها تحقيقه ؟

من وسائل تحقيق التكافل:
إن المجتمع بكل فئاته وتخصصاته المختلفة مسؤول عن تحقيق التكافل الذي أراده الإسلام، حتى وإن كان أكثر الدول اليوم قد تخلت عن هذه المهمة العظيمة ، وأضاع الراعي الرعية ، وضيعت الأمانة ، وانتشر الفقر والجهل والبطالة ، ولم تبق من واجبات الولاية سوى شعارات جوفاء لا حقيقة لها ، تظل هذه المسؤولية قائمة وباء المضيع لها بالإثم...

ويمكن أن نقسم مسؤولية المجتمع في تحقيق التكافل إلى قسمين:
أ‌- قسم يطالب به الأفراد إلزاماً.
ب‌- قسم يطالب به الأفراد تطوعاً واستحباباً.

أما ما طولبوا به على وجه الإلزام والإيجاب في تحقيق التكافل الاجتماعي فهو يدخل في الأمور الآتية:

الزكاة;: فرض الله الزكاة كما فرض الصلاة تماماً، وجعلها ركناً من أركان الإسلام، فقال –تعالى-:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (24-25) سورة المعارج . وقال –تعالى-:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} ، وقال –تعالى-:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) سورة البينة .

وتوعد الله الذي يكنزون الأموال ولا يخرجون زكاتها بالعذاب الشديد حيث قال –تعالى-: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (34) سورة التوبة. وجعل إيتاء الزكاة شرطاً للإسلام فقال: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (11) سورة التوبة. وفي السُّنَّة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً) رواه البخاري ومسلم، وقال عليه السلام: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى) رواه البخاري ومسلم.

وقد شرعت الزكاة حكم عظيمة منها دفع حاجة الفقراء الذين هم السواد الأعظم في غالب البلاد. وفيها توسعة وبسطاً للأموال فإن الأموال إذا صرف منها شيء اتسعت دائرتها وانتفع بها كثير من الناس ، بخلاف إذا كانت دولة بين الأغنياء لا يحصل الفقراء على شيء منها .

إضافة أن في الزكاة تقوية للمسلمين ورفعاً من شأنهم ، ولذلك كان أحد جهات الزكاة الجهادُ في سبيل الله ، وإزالة للأحقاد والضغائن التي تكون في صدور الفقراء والمعوزين ، فإن الفقراء إذا رأوا تمتع الأغنياء بالأموال وعدم انتفاعهم بشيء منها ، لا بقليل ولا بكثير ، فربما يحملون عداوة وحقداً على الأغنياء حيث لم يراعوا لهم حقوقاً ، ولم يدفعوا لهم حاجة ، فإذا صرف الأغنياء لهم شيئاً من أموالهم على رأس كل حول زالت هذه الأمور وحصلت المودة والوئام . فالزكاة أمر ضروري لإصلاح الفرد والمجتمع 1

ونحن نقرأ ونسمع أن المسلمين لما طبقوا هذا المبدأ العظيم في العصور الفاضلة، وعصر الخلفاء الراشدين من الصحابة رضي الله عنهم، وخاصة عهد عمر بن عبد العزيز لم يكن هناك فقراء ، ونجح هذا المبدأ في محاربة الفقر، وجعل الناس في أرفه عيش، وأتم نعمة، حتى أن الرجل في عهد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- كان يطوف بصدقه لا يجد من يأخذها منه! وذلك لشمول الزكاة كل الفقراء والمحتاجين...

إن للدولة الحق في أن تجبي وتجمع أموال الزكاة وتصرفها في مصارفها التي بينها الله –تعالى- ، لا أن دولة بين الأغنياء يستأثر بها الزعماء والوجهاء أو تصرف في غير محلها، بل يجب أن تصل إلى كل فقير محتاج، فتصل إلى ، والفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم والذين هم في الرق والمجاهدين في سبيل الله ، والمنقطعين في السبل ومن تحلوا الحمالات والديون ، من غير م
ذل

ة أو استجداء .

النذور: وصيغة النذر أن يقول الإنسان: (لله عليَّ ألف ريال أو دينار أو درهم صدقة على الفقراء) أو النذر المشروط (لله علي عشرة آلاف إن فزت أو نجحت أو نجاني الله من كذا...)) نحوها العبارات التي يلتزم بها المكلف على نفسه بالأداء . ويجب الوفاء بالنذر، لقوله –تعالى-:{وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } (29) سورة الحـج.

ولقد مدح الله عباده وأثنى عليهم، وبين أن من أسباب دخولهم الجنة وفاءهم بالنذر:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} (7) سورة الإنسان .

وفي النذر صورة تكافل اجتماعي لأن الإنسان إذا نذر عاد عائد الوفاء بالنذر على الفقراء صب في مصلحة المحتاجين.

الكفارات: جعلت الكفارات محواً للذنب، جراء الوقوع في الخطأ، أو التراجع عن فعل ما ألزم به العبد نفسه كالنذر واليمين.. ويعود النفع فيها أيضاً على المحتاجين والبائسين.. فمن الكفارات:

كفارة اليمين: من حلف يميناً ولم يوفِ بما حلف عليه- كأن يقول: (والله لأفعلن كذا) مصمماً وعاقداً عليه قلبه، ولم يفعل ذلك الفعل- وجبت عليه الكفارة، والدليل قول الله -تعالى-: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (89) سورة المائدة.

كفارة قتل الصيد في الحرم أو قتل المحرم للصيد في الحرم وفي غيره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} (95) سورة المائدة.. أي أن من قتل أي صيد من صيد الحرم سواء كان غزالاً أو حماماً أو غيرهما فعليه الكفارة وهي كما ذكر الله في هذه الآية، وأيضاً من قتل الصيد وهو محرم بحج أو عمرة وإن لم يكن في الحرم المكي فإن عليه الكفارة السابقة، كمن كان محرماً من الميقات الذي يوافق بلده، فعرض له أثناء الطريق صيد فإنه لا يجوز له صيده، فإن صاده لزمته الكفارة.

كفارة من يحلق رأسه في الإحرام بالحج:{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } (196) سورة البقرة.
كفارة الظهار : لقوله تعالى :{فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4) سورة المجادلة.

وكذلك من أفطر في رمضان لمرض أو شيخوخة ولا يستطيع القضاء... وجبت عليه الكفارة قد بدلاً عن القضاء فيطعم عن كل يوم مسكيناً.

وهذه الكفارات شرعت لحكم عظيمة منها أنها تطهير للنفس من ذرن المخالفة و عوض النقص والخلل المحدث في الواجب، وكذا شرعت رحمة بالمحتاجين والفقراء..

4. صدقة الفطر:
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: (فرض رسول الله-صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين) رواه البخاري ومسلم . وفي رواية لأبي داود من حديث ابن عباس " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات "
والوجوب هنا ليس على المكلف – بمعنى أن إخراجها ليس على المكلف فقط – بل تخرج على كل أفراد الأسرة لا يستثنى من ذلك أحد، وهي طهرة للصائم من اللغو والرفث، كما أنها طعمة للمساكين، وفرحة لهم يوم العيد..

ولو عمل الناس بهذه المبادئ لحلت كثير من مشاكل المجتمعات التي أصبحت تقض مضاجع الناس، وتؤرق عيون البائسين...

إن الحل الوحيد لهذا الوباء القاتل ، وهذا الظلم الفادح الذي عمّ عالم اليوم، هو الرجوع دين الله الحق الذي أرسل به رسوله؛ ليخرج العالم من دياجير الظلام إلى رحمة العزيز الرحيم..

فما أعظم فرحة المسكين المحروم يوم أن تنظر إليه عيون الأغنياء، وتمتد إليه أيدي الأغنياء ، ليرفعوا عنه أنواعاً من البؤس والشقاء .

5. إسعاف الجائع والمحتاج:
إذا وجد جائع بين ظهراني المسلمين، وجب عليهم إطعامه، وهذا يعد من فروض الكفايات التي إذا قام بها البعض سقط الحرج عن الآخرين..

ولا يصح في شريعة الإسلام ولا يجوز في عرف الشهامة والمروءة أن يرى
كلم

تهم اللهم أصلح ذات بينهم اللهم تقبل شهدائهم وارحم موتاهم اللهم واجبر كسرهم وداوي جرحاهم واشف مرضاهم يا رب العالمين يا حي يا قيوماللهم وأصلح أحوال إخواننا المسلمين في كل أرض من أرضك يا رب العالمين يا ذا الجلال والإكرام

اللهم واحفظنا في بلادنا وجميع بلدان المسلمين من شر الأشرار وكيد الفجار وشر ما تعاقب عليه الليل والنهار يا عزيز يا غفار يا رب العالمين اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك وسائر ولاة أمور المسلمين يا رب العالمين

اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد ومجيد سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
المس

لم جاره أو قريبه يتلوى في العري والجوع والحرمان، ولا يقدم له معونة من مال أو لباس أو طعام... ويرى الغريب الذي انقطعت به السبل ثم لا يضيفه .

ولهذا فقد ثبت في البخاري عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- أن أصحاب الصفة كانوا أناساً فقراء، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس ) وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من كان معه فضل ظهر -أي مركوب- فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له) فذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أصناف المال ما ذكره، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل).

وقال عليه الصلاة والسلام : " أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محروما فله أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج عليه " . صححه الألباني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .انظر حديث رقم: 2730 في صحيح الجامع.‌
وعن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه . متفق عليه
وعن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال قلنا للنبي صلى الله عليه وسلم إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقرونا فما ترى فيه فقال: "لنا إن نزلتم بقوم فأمر لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي له ". متفق عليه

فهذه هي الوسائل التي تحقق التكافل الاجتماعي في الإسلام شرعها الله إلزاماً ووجوباً على المسلمين، وفيها ما فيها من الأهداف العالية والمقاصد السامية.

وأما الوسائل المستحبة
التي تحقق التكافل فمنها:
1. الأضاحي:
على قول من قال إنها سنة لا تجب على أحد.. والأضحية هي ما يذبحه الإنسان يوم عيد الأضحى ، وقد سنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سنة طيبة في الأضحية تدل على الرحمة والاعتناء بالآخرين، حيث كان يأكل ثلث الأضحية، ويهدي ثلثها، ويتصدق بثلثها). وهذا يدل على تمام التعاضد والتكافل والنظر إلى الآخرين.

وقد أرشد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الإهداء والتصدق في يوم فرح الناس؛ لأنه كيف يحل أن يفرح قلة من الناس ويبأس آخرون؟.. هذا لا يصح في نظام الإسلام ، وعدله .

2. الأوقاف:
إن مما ينتفع به العبد بعد موته وينفع به المساكين ، الأموال والعقارات التي يوقفها على ما يعود بالنفع للمحرومين... وذلك كمن يوقف مزارع لفقراء معينين أو لأهل بلدة معينة.. ومن يوقف محلات تجارية وغيرها؛ ليعود صالحها للمحتاجين..
وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٌ جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له) رواه مسلم.

3. الوصيَّة:
الوصية مشروعة في الإسلام ؛ بقوله الله –تعالى-:{مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } (11) سورة النساء .
وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) رواه البخاري ومسلم. وهي أن يجعل الإنسان جزءاً من ماله لإنسان معين غير الورثة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا وصية لوارث)رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني, وذلك أن الوارث سيأخذ من مال الميت، فلا حاجة للوصية له.. والوصية تكون بالثلث فأقل؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- لسعد بن أبي وقاص: (الثلث والثلث كثير)رواه البخاري ومسلم.

وذلك حتى لا يترك الميت ورثته فقراء.. وهي صورة من صور التكافل ووسيلة من وسائل تحقيق التعاضد والتكافل بين المسلمين؛ لأن فيها عطفاً وإحساناً، خاصة إذا ما كان الموصى له فقيراً محتاجاً .

4. العارية:
من وسائل تحقيق التعاون والتكافل العارية، وهي أن ينتفع الناس بحوائج الغير من غير مقابل، من وعاء، وإناء، ودلو، وفأس، وغيرها، مما تعارف عليه الناس، ثم يرد بعد الانتفاع به دون مقابل، وهذه من أعمال الخير والبر التي تحقق التآلف، والتعارف، والتكاتف، وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعار فرساً من أبي طلحة فركبه، واستعار درعاً من صفوان بن أمية يوم حنين، فقال له صفوان: أغصب يا محمد أم عاريَّة؟ قال: (بل عارية مضمونة)صححه الألباني في السلسلة(631)، وهي داخلة في عموم قوله –تعالى-:{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (2) سورة المائدة .

وقد توعد الله من يمنع الناس هذه الحوائج ويحتكرها لنفسه، ولا يشارك في أعمال البر والتعاون بالوعيد الشديد؛ حيث قال:{فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} والماعون كل ما ينتفع به الناس، ويعين به بعضهم بعضاً، وهذا الأمر من أهم ما يحقق التكافل بين الناس خاصة إذا ما كان المحتاج لذلك (
الماعو

ن) من الفقراء وكان المعير غنياً..

5. الإيثار:
وإن مما يدل على حب الله ورسوله والإيمان الصادق الإيثار، وهو تقديم الغير على شهوة وملذة النفس الدنيوية رغبة في الأجر، وهو من أرفع خصال درجات الإيمان؛ لأن المحققين له قلة قليلة، ولهذا امتدح الله الصحابة الكرام بهذا الشرف العظيم:{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (9) سورة الحشر .

وقد ثبت في سبب نزول الآية قصة عجيبة سطرها التاريخ وحفظتها الأجيال:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني مجهود – أي جائع ومتعب- فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من يضيف هذا الليلة؟) فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله – أي بيته- فقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفي رواية: قال لامرأته: هل عندكِ شيء؟ قالت: لا، إلا قوت صبياني، قال: فعلِّليهم بشيء، وإذا أرادوا العشاء فنوّميهم، وإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج، وأريه أنا نأكل، فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين (أي جائعين) فلما أصبح غدا على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (لقد عجب الله من صنيعكما البارحة!) رواه البخاري ومسلم..

ومن الأخبار العجيبة في الإيثار ما فعلته عائشة -رضي الله عنها- حين تصدقت بمائة ألف درهم وليس عليها إلا ثوب قديم وكانت صائمة، فقالت لها خادمتها: لو أبقيتِ شيئاً لتفطري عليه! فأجابتها: لو ذكرتني لفعلت!! وتصدقت مرة برغيف ليس عندها غيره وهي صائمة، فذكرتها خادمتها فقالت: ادفعي الرغيف ولن يضيعنا الله! فأهدي إليها في المساء شاة وطعام، فقالت لخادمتها: كلي!! هذا خير من قرصك!) أي رغيفك.. رواه مالك في الموطأ.

(على مثل هذه المكارم من التضحية والإيثار ونكران الذات قام التكافل الاجتماعي في دولة الإسلام، وقامت معه الضمانات المعيشية على أساس من البر والخير والتعاطف والرحمة، فيا مفاخر التاريخ..!

ويا عجائب الزمن!.. هل تلد الحياة أقواماً تلهج الحياة بذكرهم؟ وهل يطل على الوجود أناس تتغنى الدنيا بمآثرهم؟!)..

6. الهدية:
من وسائل تحقيق التكافل المستحبة: الهدايا بين الناس، وهدفها غرس المحبة والتآلف بين القلوب، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تهادوا تحابوا) رواه البخاري في الأدب المفرد والبيهقي وهو حسن، وروى البخاري عن عائشة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل الهدية ويثيب عليها (2).
فهذه أهم الوسائل العملية التي لو عمل بها الناس لحلت كثير من مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية.
نسأل الله أن ييسر من يحقق هذا الأمر.. وأن يصلح أحوالنا..
والله الموفق..

1 بتصرف من رسالة للعلامة لعثيمين رحمة الله عليه
2- يراجع كتاب (التكافل الاجتماعي في الإسلام) د/ عبد الله علوان، وقد استفدنا منه الفكرة العامة وترتيب الفقرات... جزاه الله خيراً.
ه وتشتاق إلى ما يفعل ويقول لك الشيطان لماذا لا تكون مثله وتسافر معه؟ لماذا لا تدخن مثله؟ لماذا لا تجرب أن تسهر معه ليلة وتشرب المسكر مثله؟ هاهو هاتفه لا يكاد أن ينقطع الاتصال من الفتيات اللاتي يغازلهن لماذا لا تكون مثله؟ إما أن يحرق ثيابك يؤثر فيك ولو على مسير الوقت قال: وإما أن تشم منه رائحة خبيثة تصبح سمعتك سيئة عندما يقال: والله رأيناه خارجا من بيت فلان أو رأيناه راكبا مع فلان في سيارته أو أن فلان يتصل به كثيرا إما أن يحرق ثيابك وإما أن تشم منه رائحة خبيثة

ولذلك كان السلف الصالح رحمهم الله يحرصون على مصاحبة الأخيار يحرصون على مصاحبة الصالحين يبتعد عمن قد يؤثر فيه بألفاظه أو يؤثر فيه بأفعاله .

بل يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى: استكثروا من الأصحاب الصالحين في الدنيا فإنهم ينفعون يوم القيامة استكثروا منهم من معرفتهم قيل له كيف ينفعون فقال الحسن البصري: بينما أهل الجنة في الجنة إذ تذاكروا أصحابهم في الدنيا وأحوالهم في الدنيا فيقول قائلهم: ما فعل صديقي فلان؟ أنا كان عندي صديق في المدرسة أو ربما في الحي الذي أسكن فيه أو في الجامعة أو في العمل معي ما فعل؟ لا أراه في الجنة ما فعل صديقي فلان؟ فيقال: هو في النار فيقول هذا المؤمن: يا رب لا تكتمل لذتي بالجنة إلا إذا كان معي صديقي فلان عندها يأمر الله تعالى فيخرج صديقه من النار إلى الجنة لا لأجل عمل صالح من قيام ليل أو صيام نهار أو قراءة قرآن أو صدقة وإنما شفع له صديقه إكرام لصديقه الذي في الجنة اخرج هذا إليه
فيقول أهل النار: عجبا من شفع له؟ أبوه شهيد؟ فيقال: لا أخوه شهيد؟ فيقال: لا شفعت له الملائكة؟ الأنبياء؟ فيقال: لا وإنما شفع له صديقه فلان عندها يقول أهل النار: (فما لنا من شافعين (100) ولا صديق حميم (101) فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين (102) سورة الشعراء

يا ليتنا نرجع إلى الدنيا لنعيد النظر في أصحابنا وذكر الله جل وعلا حال من اتخذ صاحبا سيئا إذا جلس معه ربما عرض عليه من هاتفه مقاطع محرمة أو ربما بدأ يقترح عليه ماذا نفعل في العطلة القادمة يقترح اقتراحات سيئة يقول الله جل وعلا: (ويوم يعض الظالم على يديه) يوم القيامة (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا) (الفرقان:27) يا ليتني مشيت على الطريق الذي دلنا عليه الرسول (يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا) عجبا! ما الذي منعك أن تتخذ مع الرسول سبيلا؟ ألم يكن السبيل واضحا أمامك؟ ألم تكن الحجة بينة ظاهرة؟ ما الذي منعك؟ (يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا) (الفرقان:28) كنت أجالسه كنت إذا استيقظت الصبح اتصل به كنت إذا رجعت من عملي ثم استيقظت آخر النهار اتصلت به: هاه أين تذهب الليلة؟ أين ستقضي ليلتك؟ أين ستكون؟ اتخذته خليلا ربما تركت أولادي الساعات الطوال لأجلس معه واذهب معه وأجيء اتخذته خليلا (يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلانا خليلا) طيب لما اتخذته خليلا ماذا أثر فيك؟ ماذا أثر في حياتك؟ (لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا) (الفرقان:29) انظر كيف أن الصاحب السيئ صاحب السوء الذي لا يشجعك على صلاة لا يشجعك على بر والدين إن رأى منك سوءا زادك وشجعك عليه وإن رأى منك خيرا ردك عنه وربما خذلك عنه لا تسمع منه إلا الكلام السيئ والأخبار القبيحة والنوايا العاطلة لكن الإنسان الحسن هو الذي يجرك إلى الخير ويدلك عليه

ولا شك أيها الأكارم أننا أيها الآباء لسنا مسئولين فقط عن صداقاتنا ربما بعض من أمامي من الآباء قد آتاه الله من العقل والحكمة ما يستطيع به أن يختار الصديق المناسب لكننا يجب أن نختار أصدقاء أبنائنا وألا ندعهم بعواطفهم وشهواتهم الخاصة تميل أنفسهم دون توجيه منا فكم من صديق أردى صديقه ولو ذهبت اليوم إلى السجون ورأيت الذين عليهم قضايا المخدرات أو ربما أيضا قضايا المسكرات وقضايا القتل لوجدتك إذا سألت الواحد منهم عن السبب ذكر لك أن أصدقاءه هم الذين جروه إلى مثل ذلك
وقد رأيت والله عجائب في مثل هذا ينشأ الشاب صالحا ثم يتعرف على رفقة سيئة فيجرونه إلى مخدرات وإلى غيرها بطول جلوسه معهم وغفلة والديه .

ولا أنسى قبل قرابة العشر سنوات أو تزيد قليلا كنت في إحدى المدن وألقيت محاضرة في أحد السجون ثم كانوا قد جمعوا لي السجناء في مكان واسع ثم لما انتهيت من المحاضرة قيل لي إن بعض السجناء لا يزالون في الحجز الانفرادي فلعلك أن تمر وتعطيهم كلمة مختصرة فمررت وأعطيتهم محاضرة قصيرة ثم مررت أسلم عليهم وكان عددهم قليل قرابة 10 زنازين أو نحو ذلك عليهم قضايا قتل قضايا مخدرات قضايا سطو وإذا من بينهم شاب لا يزال في ريعان شبابه ربما لم يتجاوز العشرين وإذا وجهه وجه خير ليس وجه إجرام فسلمت عليه ثم غادرت وسألت صاحبي قلت: ما جريمته؟ أحد المرشدين الدينيين عندهم قلت: ما جريمته؟ قال: هذا عليه قضية قتل قلت: ما قصته؟ فقال لي: هذا الشاب لما كان في المرحلة المتوسطة اشترك في مدرسته مع مجموعة من الأخيار كان عندهم أنشطة فيها ثقافة فيها أمور
🎤
خطبـة.جمعــة.بعنـــوان.cc
الصداقة وأثرها في الدنيا والآخرة
للــشيــخ/ مـــحــــمـــــــد الــعـــــــــريــفــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر الميامين ما اتصلت عين بنظر ووعت أذن بخبر وسلم تسليما كثيرا

أمـــا بعـــد أيها الإخوة المؤمنون
فطر الله جل وعلا الإنسان وجعله يميل بطبيعته وفطرته إلى أشياء فجعل الله تعالى الرجل يميل إلى المرأة بفطرته وطبيعته وهي أيضا تميل إليه وجعل الإنسان يحب المال حبا جما بفطرته وطبيعته ويميل إليه وجعل الأب يحنو على ولده ويعطف عليه ويحبه حبا كبيرا بطبيعته التي فطره الله تعالى عليها

وإن مما فطر الله جل وعلا عليه الناس أن يكون الإنسان مختارا لصديق يكون مصاحبا له إما أن يكون صديقا خليلا دائما، أو أن يكون صديقا عاما ولقد جعل الله تعالى شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم التي كان يبينها للناس ويشرح أحكامها جعلها الله تعالى مقيدة وضابطة لهذه الفطر التي فطر الله تعالى الناس عليها ، فلم يمنع الله تعالى الأب من أن يحب ولده ، ولم يمنع الإنسان من أن يحب المال ولم يمنع الرجل من أن يقترب من المرأة ولم يمنع العبد من أن يكون له صديق، لكن ربنا جل وعلا جعل لذلك ضوابط وآداب وأحكام ..

لعلنا اليوم نتكلم عن فطرة فطر الله تعالى الإنسان عليها وجعل الله تعالى لها ضوابط ، هذه الفطرة قد يكون الإنسان إذا عمل بها يرفعه الله تعالى عنده درجات، بل يصل إلى موطن يغبطه فيه الأنبياء والشهداء وربما ضل الإنسان بسببها ألا وهي اختيار الصديق فكيف يختار الإنسان صديقه؟ وما مميزات الصديق الذي ينبغي أن يحرص العبد على مصاحبته؟ وكيف ربما يردي الصديق صديقه؟ وكيف ربما يرفعه عند الله تعالى درجات؟ وكيف أوصى الله تعالى باتخاذ الأصدقاء؟ وكيف تكلم النبي عليه الصلاة والسلام عنهم وذكر الآداب معهم؟
يقول نبينا صلوات ربي وسلامه عليه: "المرء على دين خليله " أي على دين صاحبه الذي يجالسه دائما ويسافر معه وربما آكله وشاربه قال: المرء على دين خليله يعني على دين من يصاحب ويتخذه خليلا مقربا المرء على دين خليله "فلينظر أحدكم من يخالل " وكأن النبي عليه الصلاة والسلام ينبه هنا إلى أن المرء إذا صاحب السيئين ربما جروه إلى ما يقعون فيه حتى ولو لم يشعر بذلك
ولذلك قال ربنا جل وعلا موجها نبينا عليه الصلاة والسلام: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم) (الكهف:28)

يعني إن كنت مريدا لصاحب أو صديق أو أخ فاصبر نفسك مع هؤلاء حتى يعينوك على طاعة الله جل وعلا
وقال نبينا صلى الله عليه وسلم موضح أثر الأصدقاء قال: " مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك" ذاك الذي يبيع العطر "إما أن يحذيك" إذا جئت إليه إما أن يستخرج شيئا من العطر ثم يضعه على ثيابك أو يضعه على طرف يدك إما أن يحذيك أن يعطيك من عطره "وإما أن تجد منه رائحة طيبة"

الصديق الصالح إما أن تتأثر أنت بأخلاقه فإذا كان كثير الذكر تأثرت سبحان الله بطبيعته فأصبحت كثير الذكر مثله إذا كان حريصا على التقدم إلى الصلوات رأيت نفسك تتبعه في ذلك وتتأثر إذا كانت أخلاقه حسنة إذا كانت ألفاظه حسنة يردد دائما هداك الله بارك الله فيك جزاك الله خيرا وجدت أن ألفاظك تتطبع بطباعه إذا كان بارا بوالديه إذا كان أمينا في تجارته إذا كان حريصا على القيام بعمله حريصا على وظيفته نشيطا في الاستيقاظ مبكرا تجد انك تتأثر به حتى ولو لم تشعر بذلك ولذلك قال في الحديث: إما أن يحذيك وإما أن تشم منه ريحا طيبة هذا إن لم تتأثر به فإنك ستكسب سمعة طيبة من مصاحبته فإذا رآك الناس معه قالوا: ما شاء الله فلان يمشي مع فلان هنيئا له وإذا سئل الناس عنك قالوا: لا ما دام أن صديقه فلان العاقل الصالح فاعتبروه من الصالحين يعطيك سمعة طيبة عند الناس .

ولذلك قال في الحديث: إما أن يحذيك إما أن يؤثر فيك فإن لم يؤثر فيك كسبت منه سمعة طيبة قال: أو تجد منه رائحة طيبة حتى لو لم تتعطر من عطره فإنك تشم عنده ريحه طيبة

أما صاحب السوء فقال عليه الصلاة والسلام فيه قال: وأما " جليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك" ونافخ الكير هو الحداد الذي ينفخ على الحديد فيتطاير الشرار فإذا وقفت عنده إما أن يتطاير بعض الشرار على ثوبك فإذا صاحبت السيئ تأثرت به قال: وإما" أن تشم منه رائحة خبيثة" فإذا صاحبت إنسانا سيئا ربما كان سارقا أو مرتشيا أو محتالا أو ربما كان عاقا لوالديه أو ربما كان مدخنا أو شاربا للخمر أو متعاطيا للمخدرات أو كلما جلس معك حدثك بسفره إلى بلد كذا وبلد كذا ووقوعه في أنواع الفواحش فهذا إن لم تتأثر ب
دي

نية فيها تربية لكن القائم عليها من المدرسين المختصين بالعلوم الشرعية

فلما علم أبوه أن المدرس من أهل الخير قال: لا أريدك يا ولدي أن تمشي مع هؤلاء والولد يرتاح إليهم ونفسه تميل إليهم لكن الأب يمنعه فمنعه من حضور حلقة التحفيظ في المسجد وصار الولد يزاملهم في المدرسة لكن لا يستطيع أن يراهم عصرا في المسجد فلما وصل الولد إلى الثانوية وإذا هو قد تعرف عليهم وقويت علاقته بهم وظهرت عليه أمارات الالتزام وقصر ثوبه وصار يصلي في المسجد والأب يمنعه غاية المنع من ذلك ثم ذهب الأب لما وصل الولد إلى الثانية ثانوي ذهب واشترى سيارة وجاء أوقفها عند الباب وعلق المفتاح في البيت وقال: تريد هذه السيارة؟ اترك هؤلاء الذين تصاحبهم وهذه الشعرات التي في وجهك أزلها وأطل ثوبك وعش حياتك لماذا تعيش مع هؤلاء؟ قال: يا أبي لا ضرر علي أنا متفوق قال: لا أريدك أن أراك معهم تحمل الولد أسبوعا وأسبوعين ثم غلبته نشوة الشباب وفعلا فعل ما طلبه أبوه وأخذ السيارة وصار يخجل من أن يذهب إلى أصحابه بعدما أزال شعرات قليلة من لحيته وأصبح مظهره غير ملتزم

وطبيعة الإنسان لابد له من صديق وقد كان شابا معه سيارة فهذا إغراء لغيره بأن ينجذب إليه فتعرف عليه مجموعة أخرى في المدرسة وفي الحارة والأب فرحان لما رأى معه أمثال هؤلاء فشيئا فشيئا أوقعوه في التدخين ثم لم يمضي فترة بعدها حتى أوقعوه في الحشيش ثم جعلت الأيام تسير والأب يرى ولده يخرج إلى ملعب الكرة يخرج إلى البر إلى استراحة إلى مخيم إلى ساحل بحر ويقول ولدي يعيش حياته وماشي في دراسته وفي يوم من الأيام خرج هذا الشاب بسيارته مع أحد أصدقائه هؤلاء إلى ساحل البحر فسكرا شربا مسكرا ثم بدأ صاحبه ذاك يحاول أن يقع على هذا الشاب بالفاحشة وكان مع هذا الشاب سكين في سيارته فوقع بينهما عراك وأخذ الشاب السكين وطعن ذلك الصاحب مرارا حتى قتله ثم قبض عليه ورأيته بعيني في السجن وقد كان مضى له سنة ونصف أو سنتان تقريبا يقول لي صاحبي هذا المرشد الديني يقول: الآن حكم عليه بالقصاص ورفع إلى الجهة العليا لتصديقه ولا ندري يصدق أم لا يقول: دائما إذا جاء الآباء يزورون أبنائهم أكون معهم وعادة إذا جاءوا يزورونهم تجد أن الابن يخفض رأسه طوال الزيارة خجلا من أبيه والأب يتكلم ويعظ وكأن الأب يقول: ورطتني لماذا دخلت السجن؟ يقول: إلا في هذه الحالة والله يا شيخ إن الابن رافع رأسه وإن الأب منزل رأسه في الأرض يقول: وحدثني الأب يوما وهو خارج رأيته متأثرا فأقبلت أصبره فقال: والله يا شيخ أنا أدخل الآن المسجد وأرى من كانوا مع ولدي هذا يؤذن وهو طالب سنة أولى في كلية الطب والثاني مبتعث والثالث في كلية الهندسة والرابع في الشريعة وإذا هم هذا يوكله الإمام وهذا أتمنى لو كان ولدي من بينهم لكني ما كنت أعقل في هذا

ولذلك أيها الإخوة الكرام ينبغي علينا لا أن نحرص فقط على صحبتنا وعلى من نجالسهم نحن هل يرفعوننا أم يخفضوننا؟ كلا وإنما صحبة زوجتك وصحبة بناتك وصحبة أبنائك ينبغي أن تحرص عليها سواء الصحبة المباشرة ممن يجالسونهم أو كذلك الصحبة غير المباشرة من الأصدقاء الذين يراسلونهم عبر تويتر والفيس بوك وعبر غيرها من وسائل التواصل الاجتماعي ولهم اليوم من التأثير عبر كتاباتهم وصورهم ومقاطعهم الشيء الكثير ينبغي أن تحرص على التدقيق في ذلك بالأسلوب الحسن المناسب أن تدعو الله تعالى لهم بأن يحفظهم الله تعالى من صحبة السوء لعل الله تعالى أن يستجيب لك فيقر بذلك عينك

اسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يصحبون الأخيار ونسأل الله أن يحفظنا وذرياتنا من صحبة الأشرار وأن يجمعنا بمن نحب في جناته .

أقول ما تسمعون واستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين .

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم

اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا اللهم من كان منهم حيا فمتعه بالصحة على طاعتك واختم لنا وله بخير ومن كان منهم ميتا فوسع له في قبره وضاعف له حسناته وتجاوز عن سيئاته واجمعنا به في جنتك يا رب العالمين
اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا إنك رءوف رحيم

اللهم إنا نسألك أن تعز الإسلام والمسلمين في كل مكان اللهم ولّ على المسلمين خيارهم اللهم ولّ على المسلمين خيارهم اللهم اصرف عنهم شرارهم اللهم انصر من نصر الدين واخذل من حارب الدين يا رب العالمين
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في بلاد الشام اللهم انصر إخواننا المجاهدين في بلاد الشام اللهم أيدهم بتأييدك اللهم أجمع
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
ضريبـة الـذل و تتار بورمــا ...!!
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله الذي تفرد بالعز والجلال،
وتوحد بالكبرياء والكمال،
وجلّ عن الأشباه والأشكال ،
أذل من اعتز بغيره غاية الإذلال،
وتفضل على المطيعين بلذيذ الإقبال،
بيده ملكوت السماوات والأرض ومفاتيح الأقفال،
لا رادّ لأمره ولا معقب لحكمه وهو الخالق الفعال..

واشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد وهو علي كل شيء قدير ،

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدٌ عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه الذي أيده بالمعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، وزينه بأشرف الخصال وعلي آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه و من اتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين...

أما بعـــد - عبـاد الله : -
إن أمتنا اليوم تمر بمخاض عسير وبلاء عظيم ..
حروب وصراعات وخلافات وإزهاق للأرواح وسفك للدماء و فرقة خصومات وتنكر للدين وقيمه في كثير من بلاد العرب والمسلمين، إلى جانب الظلم والاستبداد السياسي والاجتماعي ، والتبعية للأعداء ، واستنزاف الأموال والثروات ، وضعف العلم والعمل، وكثرة الجدل ...
ومع هذا الجو الصاخب والوضع المأساوي والذي كان سببه بعدنا عن الدين القويم وتلوث نفوسنا بالدنيا وشبهاتها وشهواتها والركون إلى الذين ظلموا ..

أصبحنا بسبب ذلك لقمة سائغة لكل طامع وكل من متجبر وكل مستكبر من الأمم التي حولنا .
وهذا مصداقا لحديث رسول الله صل الله عليه وسلم حيث قال: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»،
فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟
قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت» (صحيح). ..

نعم حب الدنيا وكراهية الموت .. !!

فالبعد عن منهج الله يصيب الأمة بمصيبتين عظيمتين،
الأولى أن ينزع الله من صدور أعدائنا مهابتنا والخوف منا وعدم عمل أي اعتبار لنا رغم كثرة عددنا،
والمصيبة الثانية، أن يقذف الله الوهن في قلوب هذه الأمة وهو حب الدنيا وكراهية الموت ،
والذين يكرهون الموت لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر ولا يجاهدون في سبيل الله ولا يناضلون من أجل القيم العظيمة والأخلاق السامية، ولا ينتصرون لدين ولا يقفون مع مظلوم ..!!

فيعيشون حياة تافهة دون هدف أو غاية،
قد تربعت الدنيا في قلوبهم، فيبذلون من اجل شهواتها كل غالي ورخيص، إلى جانب أن الذل والهوان يكتب عليهم وتذهب كرامتهم وعزتهم أدراج الرياح .

معاشر المسلمين:
بعض النفوس الضعيفة يخيل إليها أن للكرامة ضريبة باهضة لاتطاق ، فتختار الذل والمهانة هرباً من هذه التكاليف الثقال،
فتعيش عيشة تافهة رخيصة مفزعة قلقة تخاف من ظلها وتفرق من صداها ،
يحسبون كل صيحة عليهم ولتجدنهم أحرص الناس على حياة !

هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة..
إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملة يؤدونها من نفوسهم ، ويؤدونها من أقدارهم ، ويؤدونها من سمعتهم، ويؤدونها من اطمئنانهم ، وكثيراً مايؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لايشعرون ...

وانظروا رحمكم الله، إلى المجازر والدماء التي تسفك في هذه الأمة،
كل يوم نعيش جراحات جديدة، فقد استمرأ الأعداء، حين لم يجدوا الأمة القوية الواعية الحريصة على دينها وقيمها وأخلاقها ومقدراتها، وما يحدث في أراكان بورما وغيرها من بلاد المسلمين لدليل على ذلك .

يذكر المؤرخون أن الإسلام وصل إلى أراكان في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد (رحمه الله) في القرن السابع الميلادي عن طريق التجار العرب حتى أصبحت دولة مستقلة حكمها 48 ملكاً مسلماً على التوالي وذلك لأكثر من ثلاثة قرون ونصف القرن،
أي ما بين عامي 1430 م – 1784م، وقد تركوا آثاراً إسلامية من مساجد ومدارس وأربطة،

وفي عام 1784م احتل أراكان الملك البوذي البورمي (بوداباي)، وضم الإقليم إلى بورما خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة، وعاث في الأرض الفساد،
حيث دمر كثيراً من الآثار الإسلامية من مساجد ومدارس، وقتل العلماء والدعاة، واستمر البوذيون البورميون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين الماغ على ذلك خلال فترة احتلالهم أربعين سنة حتى ضمتهم بريطانيا إلى الهند أثناء احتلالها لها في عام 1824م،

وفي عام 1942م تعرض المسلمون لمذبحة وحشية كبرى من قِبَل البوذيين الماغ بعد حصولهم على الأسلحة والإمداد من قِبَل إخوانهم البوذيين البورمان والمستعمرين وغيرهم والتي راح ضحيتها أكثر من مائة ألف مسلم وأغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال، وشردت مئات الآلاف خارج الوطن، حتى بعد استقلالها بزعم مشابهتهم للبنغاليين في الدين واللغة والشكل...

ومن مظاهر تسلط البوذيون عليهم:
المدارس الإسلامية تمنع من التطوير أو الاعتراف الحكومي والمصادقة لشهاداتها أو
خريجيها.

المحاولات المستميتة لـ (برمنة) الثقافة الإسلامية وتذويب المسلمين في المجتمع البوذي البورمي قسراً.

التهجير الجماعي من قرى المسلمين وأراضيهم الزراعية، وتوطين البوذيين فيها في قرى نموذجية تبنى بأموال وأيدي المسلمين جبراً وصولا للتغيير الديموغرافي،
أو شق طرق كبيرة أو ثكنات عسكرية دون أي تعويض،
ومن يرفض فمصيره الموت في المعتقلات الفاشية التي لا تعرف الرحمة.
الطرد الجماعي المتكرر خارج الوطن، حيث يطردون بآلاف مؤلفة بين 30 ألف -50 ألف مسلم.

إلغاء حق المواطنة من المسلمين، حيث تم استبدال إثباتاتهم الرسمية القديمة ببطاقات تفيد أنهم ليسوا مواطنين، ومن يرفض فمصيره الموت في المعتقلات وتحت التعذيب أو الهروب خارج البلاد، وهو المطلوب أصلاً.
العمل القسري لدى الجيش أثناء التنقلات أو بناء ثكنات عسكرية أو شق طرق وغير ذلك من الأعمال الحكومية (سخرة وبلا مقابل حتى نفقتهم في الأكل والشرب والمواصلات).

حرمان أبناء المسلمين من مواصلة التعلم في الكليات والجامعات، ومن يذهب للخارج يُطوى قيده من سجلات القرية، ومن ثم يعتقل عند عودته، ويرمى به في غياهب السجون.

حرمانهم من الوظائف الحكومية مهما كان تأهيلهم،
حتى الذين كانوا يعملون منذ الاستعمار أو القدماء في الوظائف أجبروا على الاستقالة أو الفصل، إلا عمداء القرى وبعض الوظائف التي يحتاجها العسكر فإنهم يعيِّنون فيها المسلمين بدون رواتب، بل وعلى نفقتهم المواصلات واستضافة العسكر عند قيامهم بالجولات التفتيشية للقرى.

منعهم من السفر إلى الخارج حتى لأداء فريضة الحج إلا إلى بنغلاديش ولمدة يسيرة، ويعتبر السفر إلى عاصمة الدولة رانغون أو أية مدينة أخرى جريمة يعاقب عليها، وكذا عاصمة الإقليم والميناء الوحيد فيه مدينة أكياب، بل يمنع التنقل من قرية إلى أخرى إلا بعد الحصول على تصريح.

عدم السماح لهم باستضافة أحد في بيوتهم ولو كانوا أشقاء أو أقارب إلا بإذن مسبق، وأما المبيت فيمنع منعاً باتاً، ويعتبر جريمة كبرى ربما يعاقب بهدم منزله أو اعتقاله أو طرده من البلاد هو وأسرته، هذا غيض من فيض مما يتعرضون له .

عبــــاد الله:
واليوم عادت المجازر والمذابح والحرق بالنار والذبح والدفن أحياء ضد المسلمين في بورما من قبل جيش بورما والمتطرفين البوذيين أمام مرأى ومسمع من العالم،
فلا يتكلم أحد، ولا يشجب ولا يستنكر أحد، ولا يسارع للعون وتقديم المساعدة احد، فقط لأنهم مسلمون ولا بواكي لهم ،

فأين منظمة المؤتمر الإسلامي !!؟؟
وأين منظمة الأمم المتحدة !!؟؟
وأين مجلس الأمن !!؟؟
وأين حقوق الإنسان وأين المنظمات العالمية والدولية وأين الإعلام والصحافة التي تركز على حادث عرضي في أي بلاد غير بلاد المسلمين يقتل فيه شخص فتقوم الدنيا ولا تقعد..!!

أما هذه المجازر التي يقودها التتار الجدد من البوذيين المتطرفين وجيش بورما ضد المسلمين فالعالم لا يتكلم ولا يسمع ولا يرى

قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر
وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر

اليوم ما من قرية يتم القضاء على المسلمين فيها؛ حتى يسارع النظام العسكري الحاكم بوضع لوحات على بوابات هذه القرى، تشير إلى أن هذه القرية خالية من المسلمين.
ومن استعصى عليهم قتله ومن تمكن من الهرب ورأوا أن لهم حاجة به، فقد أقيمت لهم تجمعات، كي يقتلونهم فيها ببطء وبكل سادية،
تجمعات لا يعرف ما الذي يجري فيها تماما، فلا الهيئات الدولية ولا الجمعيات الخيرية ولا وسائل الإعلام يسمح لها بالاقتراب من هذه التجمعات، وما عرف حتى الآن أنهم مستعبدون بالكامل لدى الجيش البورمي؛ كبارا وصغارا، حيث يجبرون على الأعمال الشاقة ودون مقابل، أما المسلمات فهن مشاعا للجيش البورمي؛ حيث يتعرضن للاغتصاب في أبشع صوره، لعلمهم أن العرض لدي المسلمين يساوي الحياة.

ومن استطاع منهم أن يفر فعبر أمواج البحر في قوارب بالية وقد يكون البحر قبرا لهم،
وقد يصل بعضهم إلى دول مجاورة ترفض استضافتهم فتعيدهم للبحر من جديد ليلتهم من بقي حيا منهم،
وإن وافقت بعض الدول على استضافتهم فهي تتعنت في شروط بقائهم فتتركهم في العراء بين قطع قماش لا تستر أجسادهم ولا تقيهم حرا ولا زمهريرا ، ولا يسمح للهيئات الإغاثية بإقامة مدارس ومستشفيات ولا مساكن ثابتة خوفا من استقرارهم الدائم لديها.

عبـــــاد الله :
ضاقت صدورنا بما يجري ، لا ندري نتكلم عن ما يحدث في بلادنا وبلاد العرب بين المسلمين والعرب أنفسهم من سفك للدماء ومن خلافات وصراعات أكلت الأخضر واليابس ودمرت الأوطان وفرقت النسيج الاجتماعي،

أم نتحدث عن مجازر وجراحات أخرى في بلاد المسلمين..!!

ومع هذا وذاك فإنه يجب على المسلم أن يقوم بدوره ولو كان فرداً بما يستطيع في حل قضايا امته،

وهي لا شك فترة حرجة وفتنة عظيمة، ينبغي معها أن لا نفقد الأمل بالله وبخيرية هذه الأمة، وأنها تتعرض لضربات ونكبات لكنها لا تموت وتعود للحياة من جديد.

وقد حاول أعداء هذه الأمة طمس هذا الدين وهوية الأمة في نفوس أبنائها وأقامو
ا

المجازر والمذابح ضد المسلمين في أوربا وفي الاتحاد السوفياتي وفي الصين في تركستان وفي أفريقيا وغيرها، وقبل ذلك ما فعله التتار والمغول والصليبيون وحملاتهم على مدى قرون من الزمان ،

ومع ذلك عاد الإسلام وعاد المسلمون وزاد الإسلام من انتشاره وأصبح الدين الذين لا يقف عند العوائق والحواجز والخطط ومكر الليل والنار التي يحيكها الأعداء ، لأنه دين الله ، دين الفطرة ،
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر. قال الألباني: رواه جماعة منهم الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وصححه ثم قال .وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار) (صحيح)

والحديث معناه واضح فالمراد بقوله صلى الله عليه وسلم: هذا الأمر أي الإسلام ، أي أنه سيبلغ ما بلغ الليل والنهار وهي الأرض كلها ، وقوله بعز عزيز إلى آخره أي أن من أسلم يعزه الله ويعز به الإسلام، ومن امتنع أذله الله تعالى.

فثقوا بالله وأحسنوا الظن به وأحسنوا العمل وقوموا بواجباتكم وتوكلوا عليه ولن يخيب رجائكم ولن يرد دعائكم وسيحفظكم من كل فتنة ..

اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ...


الخطـبة.الثانــية.cc
عبــاد الله : لقد عاشت أمم الأرض وطوائفها تحت راية الإسلام قرون من الزمن، ولم تقم مثل هذه الجرائم والمذابح ضد الأفراد أو الدول أو الأقليات، لأنه دين سلام وأمن وأمان، لكن عندما تنتهك حدود الله، ويقتل المسلمين ويهجروا من أراضيهم وتحرق عليهم بيوتهم،

فيجب على أمة الإسلام أن يكون موقفها واضح لا لبس فيه من هذه المجازر والمذابح ضد المسلمين من قبل تتار بورما ومتطرفيها، مهما كانت أوضاعها سيئة وجراحاتها الداخلية تنزف دماً ومشاكلها لا تتوقف، فعلى الأقل تعمل خيرا يسجله التاريخ في صفحاتها الناصعة،

ولابد للخروج من هذه الفتن والأحداث التي تعصف بالأمة داخليا وخارجياً أن تقوم الأمة أفراداً وجماعات ، حكاماً ومحكومين بأمور:

أولها : التوبة النصوح من الذنوب والمعاصي توبة تدفع غضب الله ومقته عنا قال تعالى(وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ )(الشورى 30) ..

وثانياً: أن ندرك جيداً حقيقة الحياة وأنها لاتدوم وأن بعدها موت وحساب وجنة ونار فلنجعل أعمالنا صالحة ونياتنا خالصة لله، ولنبحث عن ما يرض الله وما يخلده التاريخ من أعمال العزة والكرامة .

وثالثاً: علينا أن نستشعر أن الأخوة دين أمرنا الله بها في كتابها شأنها كالصلاة والصيام والحج ولها أهمية عظيمة في حياة الفرد وآخرته فلا نفرط فيها وعلينا القيام بحقوقها من الحب والتناصح وسلامة الصدر والتعاون وأن ننبذ العصبية والطائفية والمذهبية والمناطقية بأي شكل وتحت أي مبرر وغير ذلك ..

ثم علينا مناصرة المسلمين في كل مكان بالمال والعتاد للدفاع عن أنفسهم والدعاء لهم ، ثم بالمواقف السياسية المشرفة، ونشر قضاياهم في أوساط المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الانسان وفي وسائل الاعلام وغير ذلك.

رابعاً: علينا أن نثق بالله بعد ذلك ونتصل به وندعوه ونتوكل عليه فبيده كل شيء وقلوب العباد بين أصابعه يقلبها كيفما يشاء ومهما خطط البشر ومكر البشر وأمتلك البشر من مقومات القتل والتدمير وكثر عددهم وأتباعهم لن يضروا شيئاً ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ولن يرضى الله لعباده إلا كل خير وإن ابتلاهم ...

ولن يحق إلا الحق ولو كره المجرمون وأمره لا يحجبه حاجب ولا ترده قوة ولا يعجزه جبار أو ظالم أو متكبر ..

سَهِرَتْ أَعينٌ، وَنَامَتْ عُيونُ
في أمورٍ تكونُ أو لاتكونُ.
فَاطرح الهمَّ مَا استَطعْتَ
ﻻ فحملانكَ الهمومَ جنونُ.
إن رَّباَّ كفاكَ ما كان بالأمسِ
سَيَكْفِيكَ في غَدٍ مَا يَكُونُ .

ولنعلم جيداً أن الموت والحياة بيد الله، ولكل أجل كتاب، ولننزعن الوهن من صورنا، ولنتخلص من ضريبة الذل، بالعودة إلى ديننا، والوقوف اما الظلم والظالمين، أمراً بمعروف ونهياً عن منكر، ولنعتز بديننا، ولنتطلع إلى ما عند الله من خير في الدار الخرة ..

اللهم هيأ لنا من أمرنا رشداً وألف بين قلوبنا واجمع كلمتنا وخذ بنواصينا إلى كل خير...

هذا و صلوا على نبي الرحمة نبيكم محمد رسول الله،
فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل
( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)
[الأحزاب:56]

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
والحمد لله رب العالمين...

=
🎤
محاضرة.قيمة.بعنوان.cc
العام الهجري الجديد وقفات ودروس
جــمــع وإعـــداد/ دار بــن خـــزيـــمـــــة
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الحمد لله تعالى المنزَّه عن النقصان، سبحانه وتعالى عظيم الشان، والصلاة والسلام على نبيه محمد الطاهر وآله وصحْبه أهل التُّقى والمآثر.

وبــــعــــــــد ُ:
في سنة ست عشرة من الهجرة كان ذلك القرار الميمون بمرسوم عمري طاهر، يحكي طهارة ذلك الجيل الذي ربَّاه النبي صلى الله عليه وسلم، فها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُصدر أمرًا أن يتعامل المسلمون بالتاريخ الهجري، ويتركوا ما سواه من التاريخ، فغدا التاريخ الهجري هو التاريخ المقدَّم عند المسلمين، يَرِدون إليه، ويُصدِرون عنه.

أخي المسلم، وها نحن نقدِّم الخُطى لنعبُر عتبات عام منصرم، لندخل عامًا جديدًا.

وما أعظم أن يُدرك المسلم عظَمة هذا التاريخ، ولكن هل يكفي هذا وقد انفرَط عقد النظام؟!
أخي، كم هو مؤلِمٌ ألا يتجاوز نظر المسلم موضع قدَميه، فهذه هي جماعات المسلمين - أفرادًا وزرافات - يحتفلون بميلاد عام هجري جديد، وهم إذ يحتفلون بذلك نسوا بأمر مَن أخذوا في احتفالهم هذا؟ هل كان ذلك بأمرٍ مِن الله تعالى في كتابه العزيز؟ أم بأمر رسوله؟ أم هم مقتدون بصحابة النبي صلى الله عليه وسلم؟!

إنه لمن الخطأ الواضح أن يُقدِم المسلمون على فعلٍ ليس له أصلٌ من كتاب ولا سُنة، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم يأمره الله تعالى ألا يتجاوز وحْيه؛ ﴿ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 106].

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أُمته بالاتباع، ونهاها عن الإحداث، وأن مَن أحدث حدثًا في الدين، فهو مردودٌ عليه؛ ((مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ))؛ رواه البخاري.

أخي في الله، ألا أدلُّك على خير من ذلك كله، وهو خيرٌ لك في معاشك ومعادك، فسأنضِح عليك من طيب النُّصح، فهل من طالب لأريج المسك ونفحات العطر؟!

أخي، هل تذكرتَ نعمة الإسلام والتي فاقت كل نعمة؟ وما أعظمه من ميلاد يوم أن بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام، فأخرج العباد من الظلام إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى؛ قال الإمام ابن رجب: "رحِم الله عباده بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم، فأنقذهم من الضلال؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الجمعة: 4].

فمَن حصل له نصيبٌ من دين الإسلام، فقد حصل له الفضل العظيم، وقد عظُمت عليه نعمة الله، فما أحوجه إلى القيام بشكر هذه النعمة وسؤاله دوامَها، والثبات عليها إلى الممات والموت عليها، فبذلك تتم النعمة".

كم يمر العام الهجري على المسلمين وأكثرهم لا يتذكر هذه النعمة الجليلة، ولا يلتفت إليها إلا إذا مرَّ عليه رأس العام الهجري الجديد، فلا يتذكر ذلك إلا تذكُّر الغافلين! فما أعظمها من مصيبة!

ثم أخي المسلم، وأنت تتذكر العام الهجري الجديد، هل خطر ببالك ذلك المصاب العظيم، والذي زلزَل المدينة الطاهرة يوم حدوثه؟ وهو موت النبي صلى الله عليه وسلم، كم وكم من المسلمين لا ينتبهون لذلك! وهو الحدث الذي آذَن بأول شرط من أشراط الساعة، نعم لقد ترَك النبي صلى الله عليه وسلم لنا كتاب الله تعالى وسنته الطاهرة، ولكنَّ فقْده له وقْعه الخاص على النفوس، هذا أبو الجوزاء يقول: "كان الرجل من أهل المدينة إذا أصابته مصيبة جاء أخوه فصافَحه، ويقول: يا عبدالله، ثِقْ بالله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسوة حسنة".

اصْبِرْ لكل مصيبة وتجلَّدِ
وأعْلم بأنَّ المرءَ غيرُ مخلَّدِ
واصبِر كما صبَر الكرامُ فإنَّها
نُوبٌ تَنُوبُ اليومَ تُكشَفُ في غدِ
وإذا أتَتْك مُصيبة تَشجى بها
فاذْكُر مُصابَك بالنبي محمَّدِ

أخي، كم تمر على المسلم الأعوام والحال هي هي! لا يتغيَّر ولا يتبدل عما هو فيه من غفلة وقسوة في القلب، ومعاص بلغت عنان السماء، أوامر الرحمن معطلة، وأوامر الشيطان تُنفَّذ، انشغل الناس بالمعاصي، فإذا كان العام الهجري الجديد، قالوا: هذا هو العام الجديد!

ولكن أخي المسلم، أين الجديد من أفعالك؟ أين الجديد من أقوالك؟ ألا يوجد قلب تاه يفكِّر فيما مضى من العمر، وانصرَم من الساعات؟! قال الإمام ابن رجب: "العجب ممن عرَف ربَّه ثم عصاه! وعرَف الشيطان ثم أطاعه! ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف: 50].

لما أُهبَط آدم إلى الأرض، وُعِد العود إلى الجنة هو ومَن آمن من ذريته، واتَّبع الرسل؛ ﴿ يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأعراف: 35].

المؤمنون في دار الدنيا في سفر جه
اد، يجاهدون فيه النفوس والهوى، فإذا انقضى سفر الجهاد، عادوا إلى وطنهم الأول الذي كانوا فيه في صُلب أبيهم، تكفل الله للمجاهد في سبيله أن يردَّه إلى وطنه بما نال من أجر أو غنيمة".

أخي في الله، ها هي الأرض تَعِج بالمعاصي والذنوب، وتَجْأر إلى الله من ذلك، وقد غاب عن القلوب الرقيب والمذكر، فكانت المصائب والويلات التي تجرَّع المسلم مرارتها؛ زلازل وفيضانات، ومجاعات وحروب، وكسوف بين الحين والآخر، فلا أحد يَرعَوي، ولا مُقلع عن الهوى؛ ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].

قال مجاهد: "أمَا والله، ما هو بحرُكم هذا، ولكن كل قرية على ماء جارٍ، فهو بحر".

أخي، بلاء في بلاء، وتمر السنون والشرور في ازدياد؛ قال مجاهد: "إن البهائم تلعَن عُصاة بني آدم إذا اشتدَّت السنة وأمسك المطر، وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم"، وقال عكرمة: "دواب الأرض وهوامُّها، حتى الخنافس والعقارب يقولون: مُنِعنا القطر بذنوب بني آدم"، وقال بعض الصالحين وقد شكا إليه الناس بلاءً وقع: "ما أرى ما أنتم فيه إلا بشؤْم الذنوب"، وقال الإمام ابن القيم: "ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تُحدث في الأرض أنواعًا من الفساد في المياه والهواء، والزروع والثمار والمساكن".

أخي المسلم، أمَا آن لك أن تُدرك - وأنت تدخل عامًا هجريًّا جديدًا - أن المعاصي والذنوب سببٌ من أسباب الذل والمهانة، وكم تأتي المعاصي بتسلُّط الأعداء والذل والصَّغار.

فقد كان من عامة دعاء إبراهيم بن أدهم: (اللهم انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة)، ومن دعاء الإمام أحمد بن حنبل: (اللهم أعزني بطاعتك، ولا تُذِلَّني بمعصيتك)).

أخي، هذه فرصة جديدة لك إن قُدِّر لك أن تَحيا هذا العام الجديد، فليكن لك من نفسك رقيبٌ، فإن الله تعالى محَّص عليك أعمالك إن كانت خيرًا أو شرًّا؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يَخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عملُ الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور، لو كشَفه لأحرَقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه))؛ رواه مسلم.

أخي المسلم، هل فكرت في ألا يرفع لك إلا عمل صالح؟
فإن ساعات العمر محسوبة، وكل يوم يمضي من حياتك، ينقص به يوم من عُمرك، يُكتب لك فيه ما قلته من قولٍ، أو فعلته من فعلٍ؛ ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يُكتب كلُّ ما تكلَّم به من خير وشر، حتى إنه ليُكتب قوله: "أكلتُ وشربتُ، وذهبتُ وجئتُ ورأيتُ، حتى إذا كان يوم الخميس عُرِض قوله وعمله، فأُقِر منه ما كان فيه من خير وشر، وأُلقي سائره؛ فذلك قوله تعالى: ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 39]".

أخي في الله، كم كان الصالحون يَحرِصون على إحصاء ساعات الليل والنهار! وكم كانوا يُشفقون أن تُرفَع لهم أعمال سيئة! فوا حسرة أهل الدنيا عندما فاتتْهم هذه اللذة، لقد كان إبراهيم النخعي يبكي إلى امرأته يوم الخميس، وتبكي إليه، ويقول: "اليوم تُعرَض أعمالنا على الله عز وجل"، وكان الضحاك يبكي آخر النهار، ويقول: "لا أدري ما رُفِع من عملي، يا مَن عمله معروض على مَن يعلم السر وأخفى، لا تُبهرج؛ فإن الناقد بصير".

قال الإمام ابن القيم: "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها"، وقال أيضًا رحمه الله: "أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كلَّ وقت بما هو أَولَى بها، وأنفع لها في معادها".

أخي المسلم، هل فكرت يومًا وأنت تحاسب نفسك، كم صعد لك من الأعمال الصالحة؛ من صلاة وصيام، وصدقة وقراءة للقرآن، وذكرٍ لله تعالى؟!

إنها الأيام تمر، وإنه العمر ينقضي؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدَما عبد يوم القيامة، حتى يُسأل عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن عمله فيمَ فعَل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفَقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه))؛ رواه الترمذي.

أخي المسلم، هو عُمرك فلا تقضه إلا في الطاعات، حتى يأتيك الموت؛ قال الحسن البصري رحمه الله: "إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلًا دون الموت، ثم قرأ: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]".

أخي، كم مضى عليك من السنين؟ كم عمَّرت من العمر؟ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أعذَر الله إلى امرئ أَخَّر أجَلَه حتى بلَّغه ستين سنة))؛ رواه البخاري.

وعن وهيب بن الورد قال: "إن لله مَلِكًا ينادي في السماء كلَّ يوم وليلة: أبناء الخمسين، زرعٌ دنا حصاده، أبناء الستين، هلمُّوا إلى الحساب، أبناء السبعين، ماذا قدَّمتم؟ وماذا أخَّرتم؟ أبناء الثمانين، لا عُذر".

عزيزي، كم من العمر يمضي في غير طاعة الله؟! كم من الساعات تنقضي في اللهو والعبث؟! فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
قا

ل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة، والفراغ))؛ رواه البخاري.

قال الإمام ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا، فغلب عليه الكسل عن الطاعة، فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحُها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله، فهو المغبوط، ومَن استعملها في معصية الله، فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقُبه الشغلُ، والصحة يعقبها السقمُ، ولو لم يكن إلا الهرَم كما قيل:
يَسُرُّ الفتى طولُ السلامة والبَقا
فكيف ترى طولَ السلامة يَفعَلُ
يُرَدُّ الفتى بعد اعتدال وصحةٍ
ينوءُ إذا رام القيامَ ويُحملُ

وقال الطيبي: "ضرَب النبي صلى الله عليه وسلم للمكلف مثلًا بالتاجر الذي له رأس مال، فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال، فطريقه في ذلك أن يتحرَّى فيمَن يُعامله، ويَلزَم الصدق والحذق؛ لئلا يغبن، فالصحة والمال رأس المال، وينبغي له أن يعامل الله بالإيمان ومجاهدة النفس وعدوِّ الدين؛ ليربح خيري الدنيا والآخرة، وقريب منه قول الله تعالى: ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الصف: 10]، وعليه أن يَجتنب مطاوعة النفس، ومعاملة الشيطان؛ لئلا يضيع رأس ماله مع الربح".

أخي المسلم، لقد استخلفَك الله في الأرض؛ لينظر جهاد المجاهدين في عبادته وطاعته، فيميز بين أوليائه وأعدائه؛ قال الإمام ابن رجب: "كم لله من لُطف وحكمة في إهباط آدم إلى الأرض، لولا نزوله، لَما ظهر جهاد المجاهدين، واجتهاد العابدين المجتهدين، ولا صدعت زفرات أنفاس التائبين، ولا نزلت قطرات دموع المذنبين".

أخي، لقد أفنينا أعمارنا في حبِّ الدنيا والتنافس في الاستزادة منها، والتكاثر في اقتناء حطامها؛ ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾ [التكاثر: 1، 2]، قال الإمام ابن القيم: "وأعرض عن ذكر المتكاثر به؛ إرادة لإطلاقة وعمومه، وإن كل ما يكاثر به العبد غيره سوى طاعة الله ورسوله، وما يعود عليه بنفع معاده، فهو داخل في هذا التكاثر، فالتكاثر في كل شيء؛ من مال أو جاه، أو رئاسة أو نسوة، أو حديث أو علم، ولا سيما إذا لم يحتج إليه، والتكاثر في الكتب والتصانيف، وكثرة المسائل وتفريعها وتوليدها..، والتكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيره، وهذا مذموم إلا فيما يُقرِّب إلى الله".

أخي المسلم، تمر عليك الأشهر سريعة، وكل يوم فيها يطلبك بحظه من الطاعة، فإن المسلم لا تمضي عليه ساعة من ساعات عمره إلا وهي مشغولة بطاعة مولاه تعالى، حتى أنه ليمر عليه الصيف، فيذكر حال من لا ظل له، أو مسكن يؤويه من حرِّ الشمس ولَفْحها، أو من زمهرير الشتاء، وقبل هذا كله يذكره الصيف بشدة نار جهنم، ويذكره الشتاء بزمهريرها؛ قال الإمام ابن رجب: "من فضائل الشتاء أنه يُذكِّر بزمهرير جهنم، ويوجِب الاستعاذة منها".

أخي المسلم، تلك هي حال المؤمنين الصادقين، لا تمر عليهم أيام السنة، إلا وهم قد استزادوا من الصالحات، وعمَّروا أوقاتهم بالطاعات، وإذا أردت أن تعرف أخي أحوال الصالحين، فتعالَ معي:
"قدِم مسافر فيما مضى على أهله، فسُرُّوا به، وهناك امرأة من الصالحات، فبكت، وقالت: "أذكرني هذا بقدومه القدومَ على الله عز وجل، فمن مسرور، ومثبور!".

أرأيت أخي المسلم؟ ما أسعد الصالحين بمعرفة مولاهم! وما أرفع مقامهم بنهْلهم من مورد الطاعات ومَعين القربات! فوا حسرتاه على قوم فاتَتْهم هذه اللذات، حتى خرجوا من دار الفناء والممات.

ألا إنما التقوى هي العِزُّ والكرمْ
وحبُّك للدنيا هو الذُّلُّ والسَّقَمْ
وليس على عبد تُقى نقيصة
إذا حقَّق التقوى وإن حاكَ أو حَجَمْ

أخي المسلم، اغتنم مواسم الطاعات وأيام القُربات؛ فلا تفوتنَّك وأنت لاهٍ غافل، يمر عليك شهر شعبان، فماذا أدَّيت من الطاعات؟ ويمر عليك شهر رمضان شهر الصبر والقرآن والقيام في أيامه الحسان، فماذا أدَّيت فيه من الطاعات؟ وتمر عليك أشهر الحج أيام زيارة المشاعر المعظمة، فما الذي قدَّمته من القربات؟ وهل سكبت الدموع هنالك ونثَرت بين يدي مولاك الحاجات؟ قال الإمام ابن رجب: "هذه الشهور والأعوام والليالي والأيام، كلها مقادير للآجال ومواقيت للأعمال، ثم تنقضي سريعًا وتمضي جميعًا، والذي أوجدها وابتدعها، وخصَّها بالفضائل وأودَعها، باقٍ لا يزول، ودائم لا يحول، هو في جميع الأوقات إله واحد، ولأعمال عباده رقيب مشاهد، فسبحان مَن قلَّب عباده في اختلاف الأوقات بين وظائف الخدم؛ ليسبغ عليهم فيها فواضل النعم، ويعاملهم بنهاية الجود والكرم، لما انقضت الأشهر الثلاثة الكرام التي أولها الشهر الحرام، وآخرها شهر الصيام، أقبلت بعدها الأشهر الثلاثة، أشهر الحج إلى البيت الحرام، فكما أن من صام رمضان وقامه غُفِر له ما تقدم من ذنبه، فإن مَن حج البيت ولم يرفُث ولم يَفسُق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أُمُّه، فما يمضي من عمر المؤمن ساعة من
السا

عات إلا ولله فيها عليه وظيفة من وظائف الطاعات، فالمؤمن يتقلب بين هذه الوظائف، ويتقرب بها إلى مولاه وهو راجٍ خائف.

المحب لا يَمَل من التقرب بالنوافل إلى مولاه، ولا يأمُل إلا قُربه ورضاه، كل وقت يُخليه العبد من طاعة مولاه، فقد خسره، وكل ساعة يغفل فيها عن ذكر الله تكون عليه يوم القيامة تِرَةً، فوا أسفاه على زمان ضاع في غير طاعته، ووا حسرتاه على وقت فات في غير خدمته".

أخي المسلم، لقد انصرَمت السنين وذهبت الشهور والأيام، والكثيرون في غَيِّهم وضلالهم، أخي، عجِّل بالرجوع إلى الله؛ فهو نعم المرجع؛ ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16].

أخي في الله، الإنابةَ الإنابة، التوبة التوبة قبل حلول الأجَل، وقطْع الأمل؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يُغرغر))؛ رواه أحمد، والترمذي، وابن حبان.

وعن طائفة من السلف منهم عمر بن عبدالعزيز في قوله تعالى: ﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ﴾ [سبأ: 54]، قالوا: "طلبوا التوبة حين حِيلَ بينهم وبينها".

ألسنا نرى شهوات النفوس
تَفنى وتبقى علينا الذنوبُ
يَخاف على نفسه مَن يتوبُ
فكيف يكنْ حالُ مَن لا يتوبُ

قال الفضيل بن عِياض رحمه الله لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة، قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك، يُوشك أن تبلغ! فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال الفضيل: مَن علِم أنه لله عبدٌ، وأنه إليه راجع، فليَعلَم أنه موقوف، وأنه مسؤول، فليُعِد للمسألة جوابًا، فقال له الرجل: فما الحِيلة؟ قال: يَسيرة، قال: وما هي؟ قال: تُحسن فيما بقِي، فيَغفِر لك ما مضى؛ فإنك إن أسأت فيما بقِي، أُخِذت بما مضى وما بقِي، وقال الحسن البصري: "اتَّق الله يا ابن آدم، لا يجتمع عليك خَصلتان؛ سكرة الموت، وحسرة الفوت".

أخي المسلم، احذر موت الفجأة، وصَرعة الغفلة، فقد جاء أن بعض المتقدمين سكِر ليلة، فعاتبتْه زوجته على ترْك الصلاة، فحلف بطلاقها ثلاثًا لا يصلي ثلاثة أيام، فاشتد عليه فِراق زوجته، فاستمر على ترك الصلاة مدة الأيام الثلاثة، فمات فيها على حاله وهو مُصر على الخمر، تارك للصلاة.

أخي في الله :
أعاذني الله وإياك من الخواتيم الردية، فابكِ أخي على نفسك، كم نأمُل في هذه الدنيا حتى انقطعت بنا الآمال! قال بكر المزني: "لا تزال التوبة للعبد مبسوطة ما لم تأته الرسل، فإذا عايَنهم انقطعت المعرفة"، فردِّد معي أخي:
ألا للموت كأسٌ أيُّ كأسٍ
وأنتَ لكأسه لا بدَّ حاسي
إلى كم والمماتُ إلى قريبٍ
تُذَكَّرُ بالممات وأنت ناسي

أخي المسلم: تُذكَّر بانقضاء السنين، وانقضاء الأعمار، وبزوال الليل والنهار، والدُّنو من دار القرار، وبالحر والبرد، وجنان ربك والنار.
قد هيَّؤوك لأمر لو فطِنتَ له
فارْبَأْ بنفسك أن تَرعى مع الهَمَل

وأخذ الله بقلبي وقلبك إلى سبُل المراضي، وأمَّنني وإياك يوم ينادي المنادي!

،
2024/09/24 18:27:01
Back to Top
HTML Embed Code: