Telegram Web Link
لإقبال، لجل علينا الخطب ولعظم عندنا الكرب، ولكن ما لجرح بميت إيلام.

فعلى أهل الغيرة أن يعقدوا الندوات وينظموا اللقاءات لبحث القضية وفرض الحلول العملية؛ حتى تتطهر المساجد من هذا المنكر، ويقبل الناس على عبادتهم بخشوع وإقبال وتعظيم وإجلال، فقد سئمنا هذا الداء العضال ومللنا رداءة الحال، فلا تكاد تخلو صلاة من نعيبه، ولا فريضة من تعذيبه، فأصبحت أيدينا على قلوبنا في كل صلاة ولسان حالنا يقول: اللهم سلم سلم.

فتخففوا -عباد الله- من ظلم أنفسكم بامتثال ما أمركم الله به، وترك ما نهاكم عنه، والتوبة مما فرط من الذنوب، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
فــلا تظلمـــوا فيهــن أنفسـكـم
للشيخ/ سعــود بن عــابـد الحــربي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

عناصر الخطبة :
1/ الله يخلق ما يشاء ويختار
2/ فضل شهر الله المحرم
3/ الأشهر الحرم
4/ تحريم الظلم ووعيد الظالمين
5/ دواوين الظلم الثلاثة
6/ التنبيه على معاصٍ منتشرة بين الناس

الخطبــة.الاولـــى.cc
أمــــا بعــــد - عــــباد الله:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

عباد الله: يقول ربنا - جل في علاه-: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [القصص: 68]، فسبحان من له الخلق والأمر تبارك ربّ العالمين، فالخلق خلقه، والأمر أمره، (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء: 23].

عباد الله: إنّ اللهَ خلق الزمان واختار منه ما يشاء، فاختار من الشهور بعضها وفضلها على بعض، واختار من الليالي والأيام ما يشاء، كل ذلك بحكمته ورحمته، عليم حكيم، رؤوف رحيم، لا رادّ لقضائه، ولا معقب لأمره: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل: 18].

ومما اختار الله من الشهور شهر الله المحرم، فأضافه إلى نفسه سبحانه تشريفًا وتكريمًا، وهو هذا الشهر الذي نعيش الآن أيامه، خصه الله بمزيد تشريف وتكريم، وزاده بفضل إجلال وتعظيم.

ومما جاء في فضلة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل".

ومن فضائل يوم عاشوراء أنه اليوم الذي تيبَ فيه على آدم ويونس عليهما وعلى نبينا -أفضل الصلاة وأزكى السلام-.

عباد الله: إنكم في شهر حرام وفي بلد حرام، عظّم الله هذا الشهر وعظم هذا البلد، فمِن تعظيم الله سبحانه أننا نعظم ما عظّم وأن نحرّم ما حرّم.

عظم الله هذا الشهر فقال سبحانه: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة: 36]

فهذه الأشهر هي ذو العقدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان كما أخبر بذلك الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-.

عباد الله: ولما نوّه الله بعِظَم هذه الشهور ونبّه على فضلها عقَّب ذلك بتحريم الظلم فيها، فالظلم ذنب عظيم وإثم مرتعه وخيم، وهو سبب كل شر وفساد وكل بلاء وإلحاد، فهو منبع الرذائل والموبقات ومصدر الشرور والآفات، متى فشا في أمة آذن الله بأفولها، ومتى شاع في بلدة فقد انعقدت أسباب زوالها، فبه تفسد الديار وتخرب الأمصار، وبه ينزل غضب الواحد الجبار، قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) [الكهف: 59]، وقال: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).

أيها المؤمنون: إن الله تعالى نفى عن نفسه الظلم، فقال -عز وجل-: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت: 46]، وقال: (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا). وقد حرمه تعالى على نفسه فقال في الحديث القدسي: "يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا". رواه مسلم.

فحرّم الظلم على نفسه قبل أن يجعله محرمًا بين عباده. وقد أعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- حرمة الظلم في أعظم مجمع وموقف، فقال في خطبته يوم عرفة: "ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا"، وفي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة"، وقال فيما يرويه مسلم وغيره: "المسلم أخو المسلم؛ لا يظلِمه، ولا يخذله، ولا يحقره".

وقد تهدد الله تعالى أرباب الظلم وأهله، فقال -جل ذكره-: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم:42]،
فالله تعالى للظالمين بالمرصاد، إذا أخذ الظالم لم يفلته، بل يأخذه أخذ عزيز مقتدر، (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102]، وقد لعن الله الظالمين فقال: (ألا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود: 18]، وأخبر سبحانه أنه يبغضهم فقال: (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِين)َ [آل عمران: 57].

والظلم –يا عباد الله- من أعظم أسباب ارتفاع الأمن وزوال الاهتداء عن الأفراد والمجتمعات، قال الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82]

فبقدر ما يكون في الفرد والمجتمع من الظلم بقدر ما يرتفع عنه الأمن والاهتداء، فالجزاء من جنس العمل، (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت: 46].

أيها المؤمنون: إن الظلم الذي وردت النصوص في تحريمه وبيا
ن سوءِ عاقبته والتحذير منه دواوين ثلاثة:

أولها: ديوان لا يغفره الله أبدًا، وهو الإشراك بالله تعالى، بصرف العبادة أو بعض أنواعها لغير الله، كدعاء غيره، والسجود لغيره، والذبح والنذر لغيره، ونبذ شرعه والتحاكم إلى سواه، قال الله تعالى حاكيًا عن لقمان وصيته لابنه: (يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: 13]، فهذا الظلم لا يغفره الله إلا بالتوبة منه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرِكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء) [النساء: 48].

فأخلصوا -أيها المؤمنون- عبادتكم لله تعالى، فإنه من قال: "لا إله إلا الله" خالصًا من قلبه دخل الجنة، وحاربوا الشرك وأهله بالدعوة إلى التوحيد.

وأما ثاني الدواوين: فذاك الظلم الذي لا يتركه الله تعالى، وهو ظلم العبد غيرَه من الخلق، فهذا لا بد فيه من أخذ الحقّ للمظلوم من الظالم، كما قال الله سبحانه في الحديث الإلهي: "وعزّتي، لأنصرنّك ولو بعد حين".

أيها المؤمنون: اتقوا الظلم؛ فإنّ نبيكم الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن الدنيا تملأ في آخر الزمان ظلمًا وجورًا، وها نحن نشهد صدق ما أخبر به، فإن الظلم قد فشا وشاع بين الناس، في الدماء والأموال والأبضاع والأعراض، ومن أعظم الظلم وأشنعه ظلم الأقربين والتعدي عليهم بأي نوع من أنواع الظلم كما قيل:
وظلم ذوي القربى أشد مضـاضة
على الحُرِّ من وقع الحسام المهند

فمن الناس من يظلم والديه وأقرب الناس إليه، ومن الناس من يظلم زوجه وأبناءه وبناته ومن له حق الولاية عليهم، ومن ظلم الزوجات أن لا يقوم بما يجب لها من حقوق شرعية، سواء في النفقة أو التعامل الحسن والكلمة الطيبة والاحترام والتقدير المطلوب بين الزوجين والوفاء لها وتقدير ضعفها وعاطفتها وحاجتها، ويظهر الظلم بصورة أوضح عند بعض الذين لديهم أكثر من زوجة، فيميل إلى واحدة على حساب الأخرى.
ومن ظلم الأولاد أنّ بعض الناس لا يحسن العدل بين أولاده، فيظلم بعضهم، ويَشْعُر أحد الأولاد -ابنًا أو بنتًا- بميل الأب إلى غيره وعدم العدل بينه وبين إخوانه، وتلك مشكلة يغفل عنها الكثير من الآباء؛ ما يسبب الحقد والبغضاء بينهم، وكم سمعنا من هذا الشيء الكثير حتى تبلغ العداوة بين الإخوان شيئًا لا يكاد يصدقه عقل، حتى بلغ الأمر ببعضهم أن يسحر أخاه أو يعتدي عليه بالضرب أو القتل، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم".

ومن ظلم العبد لغيره ظلم الخدم والعمال، فكم نرى من أصحاب الأعمال الذين ظلموا عمالهم؛ بتحميلهم ما لا يطيقون، أو بتأخير رواتبهم ومستحقاتهم، أو جحد حقوقهم، أو فرض الإتاوات عليهم.

وكم هم الولاة الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وحكّموا القوانين الوضعية، فلم يعدلوا في الرعية ولم يقسموا بالسوية!! وكم هم الذين أطلقوا لأنفسهم العنان في أعراض الناس ودمائهم، فتفكهوا بأعراض الغافلين وسفكوا دماء المؤمنين.

فلِلَّه ما أكثر المفلسين الذين يعملون لغيرهم ويتحمّلون عنهم؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتدرون من المفلس؟!"، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أُخِذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار". رواه مسلم.

فيا لها من تجارة بائرة وصفقة خاسرة أن تأتي يوم القيامة وأنت أحوجُ ما تكون إلى حسنة تثقل بها ميزانك، فإذا بخصمائك قد أحاطوا بك، فهذا آخذ بيدك، وهذا قابض على ناصيتك، وهذا متعلق بتلابيبك، هذا يقول: ظلمتني، وهذا يقول: شتمتني، وهذا يقول: اغتبتني أو استهزأت بي، وهذا يقول: جاورتني فأسأت جواري، وهذا يقول: غششتني، وهذا يقول: أخذت حقي.

فيا عباد الله: تداركوا الأمر قبل فوات الأوان، فما هي والله إلا ساعة ثم تبعثر القبور، ويحصّل ما في الصدور، وعند الله تجتمع الخصوم، فيقتص من الظالم للمظلوم، فتحللوا -أيها الإخوان- من المظالم قبل أن لا يكون درهم ولا دينار، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: "من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلّله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحُمِل عليه". رواه البخاري.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم…


الخطبــــة.الثانيــــة.cc
أمــــا بعــــد - أيّها المؤمنون:
أما ثالث دواوين الظلم فهو ظلم العبد نفسَه بالمعاصي والسيئات، فكل ذنب وخطيئة تقارفها -يا عبد الله- فإن ذلك ظلم منك لنفسك وبغي عليها، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: 229].

والناس في ذلك مستقل ومستكثر، فمن الناس من لا يردعه رادع ولا يزجره وازع، يخوض في غمار
المعاصي والذنوب، فلا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه، فأصبح جمعُ المال والنتافسُ عليه مستنقعًا آسنًا، عبّ منه كثير من العالمين، وارتوى منه كثير من الغافلين، فالربا قد انتشر وفشا، واستهان الناس بأخذ الرشا، مع ما ورد فيهما من الوعيد الشديد والنهي الأكيد، ضيّعت بسبب ذلك الأمانة وفشت الخيانة، وانتشر الكذب والتدليس، كل ذلك بسبب التنافس على حطام الدنيا الزائلة والاستكثار منها، مع أن نبينا المشفقَ على أمته قد حذرها من ذلك فقال: "فوالله، ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم". متفق عليه.

وإن من أعظم ما فشا بين الناس من المحرمات واستمرؤوها واعتادوا عليها وألفوها حتى أصبحوا لا ينكرون على أصحابها ولا يعاتبون أربابها حلقَ اللحى وإسبالَ الثياب وسماعَ الأغاني.

فأصبح حلق اللحية أمرًا مألوفًا لدى كثير من الناس، بل ربما أصبحت ترى من يتصدّر لتوجيه الناس وتعليمهم بل والفتيا والقضاء قد حلق لحيته كلّها أو كثيرًا منها وتشبه بأعداء الله، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "خالفوا اليهود؛ أعفوا اللحى".

وإسبال الثياب مع أنه من كبائر الذنوب أصبح أمرًا شائعًا ومنكرًا ذائعًا، ولا تكاد تجد من ينكره على من فعله مع أن فاروق هذه الأمة وهو يكابد غصصَ الموت وسكراته لما دخل عليه شابّ قد أسبل ثيابه ناداه وأنكر عليه.

أما الغناء وما أدراك ما الغناء!! فهذا المنكر الذي لا يكاد يسلم منه مكان ولا يخلو منه زمان، بل زاحم الناس حتى في أماكن العبادة وفي أشرف البقاع وأطهرها، فقد غزانا أعداء الإسلام بهذا السلاح الذي أفسد القلوب وأنبت فيها النفاق، فغرسوه في ألعاب الأطفال حتى يتربى عليه الطفل من الصغر، فقبل أن يلقن الأطفال القرآن والشهادتين يكون قد سمع من الغناء والموسيقى ما جعله يألف ذلك ويتربى عليه، وأصبحت تسمع هذا الصوت المنكر في كلّ مكان حيثما توجهت في الأماكن العامة والخاصة، في الأسواق والبيوت والسيارات والمتنزهات، بل حتى في المساجد والصلوات، فألفه الناس واعتادوه، فأصبح صاحب هذا المنكر يصول ويجول بين الناس وكأنه لم يفعل شيئًا، في حين أنه ينبغي أن ينكر عليه ويناصح ويعاتب، فالمنكرات تزول بإنكارها، وتبقى وتنتشر بالسكوت عليها.

بل وأصبحنا من ضعف الناس وتقاعسهم عن إنكار هذا المنكر نسمع من يأتي بمسائل مغلوطة وحجج واهية، ويقول: إن المستمع غير السامع، وتجده بهذه الحجة الواهية يبرر لنفسه سماع الغناء وعدم إنكاره على صاحبه، في حين أن ابن عمر -رضي الله عنه- لما سمع صوت ناي راعٍ وضع أصبعيه في أذنيه وعدل راحلته عن الطريق وهو يقول: يا نافع: أتسمع؟! فأقول: نعم، فيمضي حتى قلت: لا، فوضع يديه وأعاد راحلته إلى الطريق، وقال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع ناي راعٍ فصنع مثل هذا. رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني -رحمه الله-.

بل والأدهى من ذلك والأمرّ أن هذه الآلات القبيحة اقتحمت علينا أماكن العبادة في أطهر البقاع وأشرفها، في الأماكن التي لا تكاد تجد فيها منكرًا، فأصبحت الموسيقى تنبعث في المساجد وفي أثناء الصلوات بصفات شنيعة وأحوال مزرية، فهناك منها موسيقى راقصة، بل وهناك مقاطع لبعض الأغنيات الماجنة، متى ما سمعت أجزم يقينًا أنه لا يبقى في قلب مُصَلٍّ خشوع مهما بلغ من إقباله على صلاته.

فأي إساءة للأدب مع الله ومع عباده ما يصنعه هؤلاء المستهترون؟!
أين غاب عنهم مراقبتهم لله والحياء منه؟!
والله، إنه لمن المتناقضات التي أصبحنا نعيشها في هذا الزمان أن يكون رجل فيه من الخير والصلاح ما جعله يأتي للصلاة ويبكّر إليها ثم بعد ذلك يسمح لنفسه بهذا الفعل القبيح والعمل المشين.

والأدهى من ذلك والأمرّ أن لا تتحرك غيرة المصلين على صلاتهم فيقوموا بالإنكار عليه وكأن الأمر يسير، هل هانت علينا صلاتنا وإقبالنا على ربنا إلى درجة أن لا نتأثر إذا سمعنا مثل هذه الأصوات؟! لو كان الواحد منهم يشاهد مباراة في التلفاز أو منهَمِكًا في حديث مع من يحبّ ثم جاءه إزعاج يسير من أحد أبنائه لبادر بزجره وتوبيخه، بل ربما طرده وضربه، فيكف بحالنا مع صلاتنا؟! يجب أن يكون الأمر أشدَّ وأعظم؛ ولذلك أصبحنا نسمع هذه الأصوات المنكرة في كل صلاة إلا ما رحم ربي.
ولتعلم -يا من قمت بهذا العمل- أنك جمعت بين إساءات كلها عظيمة:

أولها: أنك تسببت في إذهاب خشوع كل من في المسجد مهما بلغ عددهم، فكل واحد منهم له في عنقك ذنب عظيم، وليس ذنبًا في أمر هين ويسير، بل في أعظم شيء يؤدّيه الإنسان وهو صلاته، وفي أعزّ شيء فيها وهو خشوعها الذي هو لبها.

الثانية: أنك جلبت هذا المنكر المفسد للقلوب المغضب لله علام الغيوب إلى بيته، والمكان الذي يَتَقَرَّبُ فيه إليه عبادُه الصالحون، فأسأت بذلك الأدب، وهتكت حجاب الحياء الذي بينك وبينه، فهل استشعرت هذه الجناية؟!
وهل قدرت الأمر قدره؟!
والله، لو عظّمنا هذه الشعيرة حقَّ التعظيم، وأقبلنا عليها حق ا
🎤
محاضرة.قيمة.بعنوان.cc
عـلـى فــــــــراش الـــمـــــــــوت
آخر وصايا الصحابة والتابعين
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

لما احتضر أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه حين وفاته قال : و جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد .
و قال لعائشة :
انظروا ثوبي هذين , فإغسلوهما و كفنوني فيهما , فإن الحي أولى بالجديد من الميت .
و لما حضرته الوفاة أوصى عمر رضي الله عنه قائلا :
إني أوصيك بوصية , إن أنت قبلت عني : إن لله عز و جل حقا بالليل لا يقبله بالنهار , و إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل , و إنه لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة , و إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه في الآخرة بإتباعهم الحق في الدنيا , و ثقلت ذلك عليهم , و حق لميزان يوضع فيه الحق أن يكون ثقيلا , و إنما خفت موازين من خفت موازينه في الآخرة باتباعهم الباطل , و خفته عليهم في الدنيا و حق لميزان أن يوضع فيه الباطل أن يكون خفيفا.

ولما طعن عمر
.. جاء عبدالله بن عباس , فقال .. : يا أمير المؤمنين , أسلمت حين كفر الناس , و جاهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حين خذله الناس , و قتلت شهيدا و لم يختلف عليك اثنان , و توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو عنك راض .
فقال له : أعد مقالتك فأعاد عليه , فقال : المغرور من غررتموه , و الله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس أو غربت لافتديت به من هول المطلع .
و قال عبدالله بن عمر : كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه .
فقال : ضع رأسي على الأرض .
فقلت : ما عليك كان على الأرض أو كان على فخذي ؟!
فقال : لا أم لك , ضعه على الأرض .
فقال عبدالله : فوضعته على الأرض .
فقال : ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي عز و جل.

أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه و أرضاه
قال حين طعنه الغادرون و الدماء تسيل على لحيته :
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .
اللهم إني أستعديك و أستعينك على جميع أموري و أسألك الصبر على بليتي .
ولما إستشهد فتشوا خزائنه فوجدوا فيها صندوقا مقفلا . ففتحوه فوجدوا فيه ورقة مكتوبا عليها (هذه وصية عثمان)
بسم الله الرحمن الرحيم .
عثمان بن عفان يشهد أن لا إله إلا الله و حده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله و أن الجنة حق . و أن الله يبعث من في القبور ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد . عليها يحيا و عليها يموت و عليها يبعث إن شاء الله .

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
بعد أن طعن علي رضي الله عنه
قال : ما فعل بضاربي ؟
قالو : أخذناه
قال : أطعموه من طعامي , و اسقوه من شرابي , فإن أنا عشت رأيت فيه رأيي , و إن أنا مت فاضربوه ضربة واحدة لا تزيدوه عليها .
ثم أوصى الحسن أن يغسله و قال : لا تغالي في الكفن فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : لاتغالوا في الكفن فإنه يسلب سلبا سريعا
و أوصى : إمشوا بي بين المشيتين لا تسرعوا بي , و لا تبطئوا , فإن كان خيرا عجلتموني إليه , و إن كان شرا ألقيتموني عن أكتافكم .

معاذ بن جبل رضي الله عنه و أرضاه
الصحابي الجليل معاذ بن جبل .. حين حضرته الوفاة ..
و جاءت ساعة الإحتضار .. نادى ربه ... قائلا .. :
يا رب إنني كنت أخافك , و أنا اليوم أرجوك .. اللهم إنك تعلم أنني ما كنت أحب الدنيا لجري الأنهار , و لا لغرس الأشجار .. و إنما لظمأ الهواجر , و مكابدة الساعات , و مزاحمة العلماء بالركب عند حلق العلم .
ثم فاضت روحه بعد أن قال :لا إله إلا الله ...
روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال .. : نعم الرجل معاذ بن جبل
و روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أرحم الناس بأمتي أبوبكر .... إلى أن قال ... و أعلمهم بالحلال و الحرام معاذ .

بلال بن رباح رضي الله عنه و أرضاه
حينما أتى بلالا الموت .. قالت زوجته : وا حزناه ..
فكشف الغطاء عن وجهه و هو في سكرات الموت .. و قال : لا تقولي واحزناه , و قولي وا فرحاه
ثم قال : غدا نلقى الأحبة ..محمدا و صحبه .

أبو ذر الغفاري رضي الله عنه و أرضاه
لما حضرت أبا ذر الوفاة .. بكت زوجته .. فقال : ما يبكيك ؟
قالت : و كيف لا أبكي و أنت تموت بأرض فلاة و ليس معنا ثوب يسعك كفنا ...
فقال لها : لا تبكي و أبشري فقد سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول لنفر أنا منهم :ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين
و ليس من أولئك النفر أحد إلا و مات في قرية و جماعة , و أنا الذي أموت بفلاة , و الله ما كذبت و لا كذبت فانظري الطريق
قالت :أنى و قد ذهب الحاج و تقطعت الطريق
فقال انظري فإذا أنا برجال فألحت ثوبي فأسرعوا إلي فقالوا : ما لك يا أمة الله ؟
قالت : امرؤ من المسلمين تكفونه ..
فقالوا : من هو ؟
قالت : أبو ذر
قالوا : صاحب رسول الله
ففدوه بأبائهم و أمهاتهم و دخلوا عليه فبشرهم و ذكر لهم الحديث
و قال : أنشدكم بالله , لا يكفنني أحد كان أمير أو عريفا أو بريدا
فكل القوم كانوا نالوا من ذلك شيئا غير فتى من الأنصار فكفنه في ثوبين لذلك الفتى
و صلى عليه عبد
الله بن مسعود
فكان في ذلك القوم
رضي الله عنهم أجمعين.

الصحابي الجليل أبوالدرداء رضي الله عنه و أرضاه
لما جاء أبا الدرداء الموت ... قال :
ألا رجل يعمل لمثل مصرعي هذا ؟
ألا رجل يعمل لمثل يومي هذا ؟
ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه ؟
ثم قبض رحمه الله.

سلمان الفارسي رضي الله عنه و أرضاه
بكى سلمان الفارسي عند موته , فقيل له : ما يبكيك ؟
فقال : عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يكون زاد أحدنا كزاد الراكب , و حولي هذه الأزواد .
و قيل : إنما كان حوله إجانة و جفنة و مطهرة !
الإجانة : إناء يجمع فيه الماء
الجفنة : القصعة يوضع فيها الماء و الطعام
المطهرة : إناء يتطهر فيه.

الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه
لما حضر عبدالله بن مسعود الموت دعا إبنه فقال : يا عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود , إني أوصيك بخمس خصال , فإحفظهن عني :
أظهر اليأس للناس , فإن ذلك غنى فاضل .
و دع مطلب الحاجات إلى الناس , فإن ذلك فقر حاضر .
و دع ما تعتذر منه من الأمور , و لا تعمل به .
و إن إستطعت ألا يأتي عليك يوم إلا و أنت خير منك بالأمس , فافعل .
و إذا صليت صلاة فصل صلاة مودع , كأنك لا تصلي بعدها .

الحسن بن علي سبط رسول الله و سيد شباب أهل الجنة رضي الله عنه
لما حضر الموت بالحسن بن علي رضي الله عنهما , قال :
أخرجوا فراشي إلى صحن الدار , فأخرج فقال :
اللهم إني أحتسب نفسي عندك , فإني لم أصب بمثلها !

الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
قال معاوية رضي الله عنه عند موته لمن حوله : أجلسوني ..
فأجلسوه .. فجلس يذكر الله .. , ثم بكى .. و قال :
الآن يا معاوية .. جئت تذكر ربك بعد الانحطام و الانهدام .., أما كان هذا و غض الشباب نضير ريان ؟!
ثم بكى و قال :
يا رب , يا رب , ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي .. اللهم أقل العثرة و اغفر الزلة .. و جد بحلمك على من لم يرج غيرك و لا وثق بأحد سواك ...
ثم فاضت رضي الله عنه.

الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه
حينما حضر عمرو بن العاص الموت .. بكى طويلا .. و حول وجهه إلى الجدار , فقال له إبنه :ما يبكيك يا أبتاه ؟ أما بشرك رسول الله ....
فأقبل عمرو رضي الله عنه إليهم بوجهه و قال : إن أفضل ما نعد ... شهادة أن لا إله إلا الله , و أن محمدا رسول الله ..
إني كنت على أطباق ثلاث ..
لقد رأيتني و ما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه و سلم مني , و لا أحب إلى أن أكون قد استمكنت منه فقتلته , فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار.....
فلما جعل الله الإسلام في قلبي , أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت : إبسط يمينك فلأبايعنك , فبسط يمينه , قال : فقضبت يدي ..
فقال : ما لك يا عمرو ؟
قلت : أردت أن أشترط
فقال : تشترط ماذا ؟
قلت : أن يغفر لي .
فقال : أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله , و أن الهجرة تهدم ما كان قبلها , و أن الحج يهدم ما كان قبله ؟
و ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا أحلى في عيني منه , و ما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له , و لو قيل لي صفه لما إستطعت أن أصفه , لأني لم أكن أملأ عيني منه ,
و لو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة ,
ثم ولينا أشياء , ما أدري ما حالي فيها ؟
فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة و لا نار , فإذا دفنتموني فسنوا علي التراب سنا ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور و يقسم لحمها , حتى أستأنس بكم , و أنظر ماذا أراجع به رسل ربي ؟

الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري
لما حضرت أبا موسى - رضي الله عنه - الوفاة , دعا فتيانه , و قال لهم :
إذهبوا فاحفروا لي و أعمقوا ...
ففعلوا ..
فقال : اجلسوا بي , فو الذي نفسي بيده إنها لإحدى المنزلتين , إما ليوسعن قبري حتى تكون كل زاوية أربعين ذراعا , و ليفتحن لي باب من أبواب الجنة , فلأنظرن إلى منزلي فيها و إلى أزواجي , و إلى ما أعد الله عز و جل لي فيها من النعيم , ثم لأنا أهدى إلى منزلي في الجنة مني اليوم إلى أهلي , و ليصيبني من روحها و ريحانها حتى أبعث .
و إن كانت الأخرى ليضيقن علي قبري حتى تختلف منه أضلاعي , حتى يكون أضيق من كذا و كذا , و ليفتحن لي باب من أبواب جهنم , فلأنظرن إلى مقعدي و إلى ما أعد الله عز و جل فيها من السلاسل و الأغلال و القرناء , ثم لأنا إلى مقعدي من جهنم لأهدى مني اليوم إلى منزلي , ثم ليصيبني من سمومها و حميمها حتى أبعث .

سعد بن الربيع رضي الله عنه
لما إنتهت غزوة أحد .. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من يذهب فينظر ماذا فعل سعد بن الربيع ؟
فدار رجل من الصحابة بين القتلى .. فأبصره سعد بن الربيع قبل أن تفيض روحه .. فناداه .. : ماذا تفعل ؟
فقال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثني لأنظر ماذا فعلت ؟
فقال سعد :
إقرأ على رسول الله صلى الله عليه و سلم مني السلام و أخبره أني ميت و أني قد طعنت إثنتي عشرة طعنة و أنفذت في , فأنا هالك لا محالة , و إقرأ على قومي من السلام و قل لهم .. يا قوم .. لا عذر
أما بعد ..
فهذا ما تيسر جمعه من على فراش الموت ..
جمعتها تذكرة لنفسي أولا و لإخواني .. لنأخذ منها العظة .. و لنتذكر حقيقة هذه الدنيا ...
و خير ختام لهذه الحلقات .. اللحظات الأخيرة على فراش موت النبي عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام ...
في يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول للسنة الحادية عشرة للهجرة
كان المرض قد أشتد برسول الله صلى الله عليه و سلم ، و سرت أنباء مرضه بين أصحابه ، و بلغ منهم القلق مبلغه ، و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أوصى أن يكون أبو بكر إماما لهم ، حين أعجزه المرض عن الحضور إلى الصلاة .
و في فجر ذلك اليوم و أبو بكر يصلي بالمسلمين ، لم يفاجئهم و هم يصلون إلا رسول الله و هو يكشف ستر حجرة عائشة ، و نظر إليهم و هم في صفوف الصلاة ، فتبسم مما رآه منهم فظن أبو بكر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد أن يخرج للصلاة ، فأراد أن يعود ليصل الصفوف ، و هم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم ، فرحا برسول الله صلى الله عليه و سلم
فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و أومأ إلى أبي بكر ليكمل الصلاة ، فجلس عن جانبه و صلى عن يساره ....... و عاد رسول الله إلى حجرته ، و فرح الناس بذلك أشد الفرح ، و ظن الناس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أفاق من وجعه ، و إستبشروا بذلك خيرا ...
و جاء الضحى .. و عاد الوجع لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، فدعا فاطمة .. فقال لها سرا أنه سيقبض في وجعه هذا .. فبكت لذلك .. ، فأخبرها أنها أول من يتبعه من أهله ، فضحكت ...
و إشتد الكرب برسول الله صلى الله عليه و سلم .. و بلغ منه مبلغه ... فقالت فاطمة : واكرباه ... فرد عليها رسول الله قائلا : لا كرب على أبيك بعد اليوم
و أوصى رسول الله صلى الله عليه و سلم وصيته للمسلمين و هو على فراش موته : الصلاة الصلاة .. و ما ملكت أيمانكم ...... الصلاة الصلاة و ما ملكت أيمانكم .... و كرر ذلك مرارا ......
و دخل عبد الرحمن بن أبي بكر و بيده السواك ، فنظر إليه رسول الله ، قالت عائشة : آخذه لك .. ؟ ، فأشار برأسه أن نعم ... فإشتد عليه ... فقالت عائشة : ألينه لك ... فأشار برأسه أن نعم ... فلينته له ...
و جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يدخل يديه في ركوة فيها ماء ، فيمسح بالماء وجهه و هو يقول : لا إله إلا الله ... إن للموت لسكرات ...
و في النهاية ... شخص بصر رسول الله صلى الله عليه و سلم ... و تحركت شفتاه قائلا : .... مع الذين أنعمت عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين ، اللهم إغفر لي و إرحمني ... و ألحقني بالرفيق الأعلى اللهم الرفيق الأعلى
اللهم الرفيق الأعلى
اللهم الرفيق الأعلى
و فاضت روح خير خلق الله .. فاضت أطهر روح خلقت إلى ربها .. فاضت روح من أرسله الله رحمة للعالمين و صلى اللهم عليه و سلم تسليما.
لكم إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و فيكم عين تطرف ...

عبدالله بن عمر رضي الله عنهما
قال عبدالله بن عمر قبل أن تفيض روحه :
ما آسى من الدنيا على شيء إلا على ثلاثة :
ظمأ ا لهواجر ومكابدةالليل و مراوحة الأقدام بالقيام لله عز و جل ,
و أني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت
(و لعله يقصد الحجاج و من معه).

عبادة بن الصامت رضي الله عنه و أرضاه
لما حضرت عبادة بن الصامت الوفاة ، قال :
أخرجوا فراشي إلى الصحن
ثم قال :
اجمعوا لي موالي و خدمي و جيراني و من كان يدخل علي
فجمعوا له .... فقال :
إن يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي علي من الدنيا ، و أول ليلة من الآخرة ، و إنه لا أدري لعله قد فرط مني إليكم بيدي أو بلساني شيء ، و هو والذي نفس عبادة بيده ، القصاص يوم القيامة ، و أحرج على أحد منكم في نفسه شيء من ذلك إلا اقتص مني قبل أن تخرج نفسي .
فقالوا : بل كنت والدا و كنت مؤدبا .
فقال : أغفرتم لي ما كان من ذلك ؟
قالوا : نعم .
فقال : اللهم اشهد ... أما الآن فاحفظوا وصيتي ...
أحرج على كل إنسان منكم أن يبكي ، فإذا خرجت نفسي فتوضئوا فأحسنوا الوضوء ، ثم ليدخل كل إنسان منكم مسجدا فيصلي ثم يستغفر لعبادة و لنفسه ، فإن الله عز و جل قال : و استعينوا بالصبر و الصلاة و إنها لكبيرة إلا على الخاشعين ... ثم أسرعوا بي إلى حفرتي ، و لا تتبعوني بنار .

الإمام الشافعي رضي الله عنه
دخل المزني على الإمام الشافعي في مرضه الذي توفي فيه
فقال له :كيف أصبحت يا أبا عبدالله ؟!
فقال الشافعي :
أصبحت من الدنيا راحلا, و للإخوان مفارقا , و لسوء عملي ملاقيا , و لكأس المنية شاربا , و على الله واردا , و لا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها , أم إلى النار فأعزيها , ثم أنشأ يقول :
و لما قسـا قلبي و ضاقـت مذاهبي
جـعـلت رجـائي نحـو عفـوك سلـما
تعاظـمــني ذنبــي فلـما قرنتـه
بعـفــوك ربـي كـان عفوك أعظـما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل
تجـود و تعـفـو منــة و تكـرمـا

الحسن البصري رضي الله عنه و أرضاه
حينما حضرت الحسن البصري المنية
حرك يديه و قال :
هذه منزلة صبر و إستسلام !

عبدالله بن المبارك
العالم العابد الزاهد المجاهد عبدالله بن المبارك , حينما جاءته الوفاة إشتدت عليه سكرات الموت
ثم أفاق .. و رفع الغطاء عن وجهه و ابتسم قائلا :
لمثل هذا فليعمل العاملون .... لا إله إلا الله ....
ثم فاضت روحه.

الفضيل بن عياض
العالم العابد الفضيل بن عياض الشهير بعابد الحرمين
لما حضرته الوفاة , غشي عليه , ثم أفاق و قال :
وا بعد سفراه ...
وا قلة زاداه ...!

الإمام العالم محمد بن سيرين
روي أنه لما حضرت محمد بن سيرين الوفاة , بكى , فقيل له : ما يبكيك ؟
فقال : أبكي لتفريطي في الأيام الخالية و قلة عملي للجنة العالية و ما ينجيني من النار الحامية.

الخليفة العادل الزاهد عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه
لما حضر الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز الموت قال لبنيه و كان مسلمة بن عبدالملك حاضرا :
يا بني , إني قد تركت لكم خيرا كثيرا لا تمرون بأحد من المسلمين و أهل ذمتهم إلا رأو لكم حقا .
يا بني , إني قد خيرت بين أمرين , إما أن تستغنوا و أدخل النار , أو تفتقروا و أدخل الجنة , فأرى أن تفتقروا إلى ذلك أحب إلي , قوموا عصمكم الله ... قوموا رزقكم الله ...
قوموا عني , فإني أرى خلقا ما يزدادون إلا كثرة , ما هم بجن و لا إنس ..
قال مسلمة : فقمنا و تركناه , و تنحينا عنه , و سمعنا قائلا يقول : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين
ثم خفت الصوت , فقمنا فدخلنا , فإذا هو ميت مغمض مسجى !

الخليفة المأمون أمير المؤمنين رحمه الله
حينما حضر المأمون الموت قال :
أنزلوني من على السرير.
فأنزلوه على الأرض ...
فوضع خده على التراب و قال :
يا من لا يزول ملكه ... إرحم من قد زال ملكه ... !

أمير المؤمنين عبدالملك من مروان رحمه الله
يروى أن عبدالملك بن مروان لما أحس بالموت قال : ارفعوني على شرف , ففعل ذلك , فتنسم الروح , ثم قال :
يا دنيا ما أطيبك !
إن طويلك لقصير ...
و إن كثيرك لحقير ...
و إن كنا منك لفي غرور ... !

هشام بن عبدالملك رحمه الله
لما أحتضر هشام بن عبدالملك , نظر إلى أهله يبكون حوله فقال : جاء هشام إليكم بالدنيا و جئتم له بالبكاء , ترك لكم ما جمع و تركتم له ما حمل , ما أعظم مصيبة هشام إن لم يرحمه الله .

أمير المؤمنين الخليفة المعتصم رحمه الله
قال المعتصم عند موته :
لو علمت أن عمري قصير هكذا ما فعلت ... !

أمير المؤمنين الخليفة الزاهد المجاهد هارون الرشيد رحمه الله
لما مرض هارون الرشيد و يئس الأطباء من شفائه ... و أحس بدنو أجله .. قال : أحضروا لي أكفانا فأحضروا له ..فقال :
احفروا لي قبرا ...
فحفروا له ... فنظر إلى القبر و قال :
ما أغنى عني مالية ... هلك عني سلطانية ... !

محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحمد لله الواحد العلام
و على النبي الكريم الصلاة و السلام
الخطبه رقم (( ٩٠ ))(( ١ ))
عنوان الخطبه :
فضل عشر ذي الحجة           
عبد العزيز بن محمد القنام

ملخص الخطبة

1- الله يخلق ما يشاء ويختار.
2- بركة الطاعة.
3- الزمن المبارك.
4- فضائل عشر ذي الحجة.
5- ما يشرع من الأعمال في هذه العشر.

 
الخطبة الأولى

 

أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله الذي يخلق ما يشاء ويختار، خلق السماوات واختار منها السابعة، وخلق الجنات واختار منها الفردوس، وخلق الملائكة واختار منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وخلق البشر واختار منهم المؤمنين، واختار من المؤمنين الأنبياء، واختار من الأنبياء الرسل، واختار من الرسل أولي العزم، واختار من أولي العزم الخليلين، واختار من الخليلين محمدا صلى الله وسلم عليه وعليهم أجمعين، وخلق الأرض واختار منها مكة، وخلق الأيام واختار من أشهرها شهر رمضان، ومن أيامها يوم الجمعة، ومن لياليها ليلة القدر، ومن ساعاتها ساعة الجمعة، ومن عشرها عشر ذي الحجة.
والمسلم يعيش مباركًا في العمل وفي الزمن، وأعظم البركة في العمل الطاعةُ؛ إذ هي بركة على أهلها كما يقول تعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا[الأنعام:160]، وكما يقول : ((إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، ومن همَّ بحسنة فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همَّ بسيئة فلم يعلمها كتبها الله عنده حسنة كاملة، ومن همَّ بسيئة فعملها كتبها الله سيئة واحدة، ولا يهلك على الله إلا هالك)).
وهذا يدل على أن الطاعة بركة في القول؛ إذ الكلمة الواحدة من الطاعة بعشر حسنات يكتب الله بها رضوانه، فيحفظ بها عبده حتى يُدخله الجنة، ويرضى عليه في الجنة فلا يسخط عليه أبدًا.
والطاعة بركة في العمل؛ إذ الصلاة بعشر صلوات كما في الحديث القدسي: ((أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي))، فهي خمس في الفعل وخمسون في الأجر والثواب. وصوم رمضان بعشرة أشهر كما في الحديث: ((رمضان بعشرة أشهر، وست شوال بشهرين))، ((والصدقة بسبعمائة ضعف))، ((والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).
والطاعة طهرة من الذنوب، فالصلاة طهرة من الذنوب كما في الحديث: ((مثل الصلوات الخمس كمثل نهر غمر على باب أحدكم يغتسل منه خمس مرات في اليوم والليلة، هل يبقى عليه من الدرن شيء؟!)). والصوم طهرة من الآثام كما في الحديث: ((جاءني جبريل فقال: من أدرك رمضان فلم يغفر له أبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين))، ومن صامه وقامه وقام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه. و((الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار))، و((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)).
والطاعة بركة في التعامل؛ إذ بالتعامل الحسن يدرك الإنسان درجة الصائم القائم، ويجاور الرسول ، ويحظى ببيت في أعلى الجنة، ويدخل الجنة، ويكمل إيمانه، ويثقل ميزانه.
وأعظم الزمن بركة عشر ذي الحجة، والتي تستقبلونها إن شاء الله هذه الأيام؛ إذ لها مكانة عظيمة عند الله تعالى تدل على محبته لها وتعظيمه لها، فهي عشر مباركات كثيرة الحسنات قليلة السيئات عالية الدرجات متنوعة الطاعات.
فمن فضائلها أن الله تعالى أقسم بها فقال: وَلَيالٍ عَشْرٍ [الفجر:2]، ولا يقسم تعالى إلا بعظيم، ومما يدل على ذلك أن الله لا يقسم إلا بأعظم المخلوقات كالسماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والرياح، ولا يقسم إلا بأعظم الأزمان كالفجر والعصر والضحى والليل والنهار والعشر، ولا يقسم إلا بأعظم الأمكنة كالقسم بمكة، وله أن يقسم من خلقه بما يشاء، ولا يجوز لخلقه أن يقسموا إلا به، فالقسم بها يدل على عظمتها ورفعة مكانتها وتعظيم الله لها.
ومن فضائلها أن الله تعالى قرنها بأفضل الأوقات، والقرين بالمقارن يقتدي، فقد قرنها بالفجر وبالشفع والوتر وبالليل. أما اقترانها بالفجر فلأنه الذي بحلوله تعود الحياة إلى الأبدان بعد الموت، وتعود الأنوار بعد الظلمة، والحركة بعد السكون، والقوة بعد الضعف، وتجتمع فيه الملائكة، وهو أقرب الأوقات إلى النزول الإلهي في الثلث الأخير من الليل، وبه يُعرف أهل الإيمان من أهل النفاق. وقرنها بالشفع والوتر لأنهما العددان المكوِّنان للمخلوقات، فما من مخلوق إلا وهو شفع أو وتر، وحتى العشر فيها شفع وهو النحر، وفيها وتر وهو عرفة. وقرنها بالليل لفضله، فقد قُدّم على النهار، وذكر في القرآن أكثر من النهار، إذ ذكر اثنتين وسبعين مرة، والنهار سبعا وخمسين مرة، وهو أفضل وقت لنفل الصلاة، وهو أقرب إلى الإخلاص لأنه زمن خلوة وانفراد، وهو أقرب إلى مراقبة الرب تعالى إذ لا يراه ولا يسمعه ولا يعلم بحاله إلا الله، وهو أقرب إلى إجابة الدعاء وإلى إعطاء السؤال ومغفرة الذنوب إذ يقول الرب في آخره: هل من دا
عٍ فأجيبه، وهل من سائل فأعطيه، وهل من مستغفر فأغفر له. مُيِّز به أهل الجنة في قوله تعالى: كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات:17]، وفي قوله سبحانه: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ[السجدة:16]، وميِّز به عباد الرحمن في قوله: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان:63، 64]، قال بعض السلف: "لولا الليل ما أحببت العيش أبدا"، وقال آخر: "لم يبق من لـذة الـدنيا إلا قيام اللـيل وصلاة الجماعة وصحبة الصالحين".
ومن فضائلها أن الله تعالى أكمل فيها الدين؛ إذ تجتمع فيها العبادات كلها، وبكمال الدين يكمل أهله، ويكمل عمله، ويكمل أجره، ويعيشون الحياة الكاملة التي يجدون فيها الوقاية من السيئات والتلذذ بالطاعات ومحبة المخلوقات، وبكمال الدين تنتصر السنة وتنهزم البدعة ويقوى الإيمان ويموت النفاق، وبكمال الدين ينتصر الإنسان على نفسه الأمارة بالسوء لتكون نفسًا مطمئنة تعبد الله كما أراد، وتقتدي بالأنبياء، وتصاحب الصالحين، وتتخلق بالأخلاق الحسنة، وبكمال الدين ينتصر الإنسان على شيطانه الذي شطّ ومال به عن الصراط المستقيم، وينتصر على الهوى والشهوات. وقد كمل الدين حتى تركنا الرسول على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك شقي. وقد حسدنا اليهود على هذا الكمال، قال حبر من أحبار اليهود لعمر رضي الله عنه: آية في كتابكم، لو نزلت علينا ـ معشر اليهود ـ اتخذنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدًا: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا[المائدة:3]، قال عمر: (إني أعلم متى نزلت، وأين نزلت. نزلت يوم عرفة في يوم جمعة). وكمال الدين يدل على كمال الأمة وخيريتها.
ومن فضائلها أن الله أتم فيها النعمة؛ إذ تنعم الأرواح بشتى أنواع الطاعات القولية والفعلية والتعاملية، ومن تمام النعمة أن الله فتح قلوب العباد للإسلام، فدخل الناس في دين الله أفواجًا، إذ كان عددهم عند تمام النعمة أكثر من مائة ألف. ومن تمام النعمة أن الله أظهر الإسلام على جميع الأديان؛ إذ كان في الجزيرة أديان متنوعة، منها اليهودية والنصرانية والمجوسية والوثنية والنفاق، فأبيدت بالإسلام، وظهر عليها الإسلام، قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [الفتح:28]. ومن تمام النعمة منع الكفار من دخول الحرم واختصاص المسلمين بذلك، فتوحدت صفوف المسلمين حتى أصبحوا كالجسد الواحد، ووحدوا معبودهم، وتوحد دينهم، وتوحدت كلمتهم، وتوحد طريقهم، ويا لها من نعمة عظيمة أن ترى أهل الإيمان ظاهرين وأهل الكفر مهزومين.
ومن فضائلها أن العبادات تجتمع فيها ولا تجتمع في غيرها، فهي أيام الكمال، ففيها الصلوات كما في غيرها، وفيها الصدقة لمن حال عليه الحول فيها، وفيها الصوم لمن أراد التطوع، أو لم يجد الهدي، وفيها الحج إلى البيت الحرام ولا يكون في غيرها، وفيها الذكر والتلبية والدعاء الذي تدل على التوحيد، واجتماع العبادات فيها شرف لها لا يضاهيها فيه غيرها ولا يساويها سواها.
ومن فضائلها أنها أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، دقائقها وساعاتها وأيامها وأسبوعها، فهي أحب الأيام إلى الله تعالى، والعمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى، فهي موسم للربح، وهي طريق للنجاة، وهي ميدان السبق إلى الخيرات، لقوله : ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام)) يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء))، وهذا يدل على أن العمل في أيام العشر أفضل من الجهاد بالنفس، وأفضل من الجهاد بالمال، وأفضل من الجهاد بهما والعودة بهما أو بأحدهما، لأنه لا يفضل العمل فيها إلا من خرج بنفسه وماله ولم يرجع لا بالنفس ولا بالمال، وقد روي عن أنس بن مالك أنه قال: كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم، يعني في الفضل، وروي عن الأوزاعي قال: بلغني أن العمل في يوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله، يصام نهارها ويحرس ليلها، إلا أن يختص امرؤ بالشهادة.
ومن فضائلها أن فيها يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وهو يوم معروف بالفضل وكثرة الأجر وغفران الذنب، فهو يوم مجيد، يعرف أهله بالتوحيد، إذ يقولون: لا إله إلا الله، وقد قال : ((وخير ما قلت أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله))، ويعرف الإنسان ضعف نفسه إذ يكثر من الدعاء ويلح على الله في الدعاء، وفي الحديث: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة))، ويعرف إخوانه المسلمين الذين اجتمعوا من كل مكان في صعيد واحد، ويعرف عدوّ
ه الذي ما رئي أصغر ولا أحقر منه في مثل يوم عرفة، ويعرف كثرة مغفرة الله في هذا اليوم لكثرة أسباب المغفرة من توحيد الله ودعائه وحفظ جوارحه وصيامه لغير الحاج، وهو يوم الحج الأعظم، قال : ((الحج عرفة))، وصومه تطوعًا يكفر ذنوب سنتين: سنة ماضية وسنة مقبلة، وما علمت هذا الفضل لغيره فكأنه حفظ للماضي والمستقبل.
ومن فضائلها أن فيها يوم النحر، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو أفضل الأيام كما في الحديث: ((أفضل الأيام يوم النحر))، وفيه معظم أعمال النسك من رمي الجمرة وحلق الرأس وذبح الهدي والطواف والسعي وصلاة العيد وذبح الأضحية واجتماع المسلمين في صلاة العيد وتهنئة بعضهم بعضًا.
وفضائل العشر كثيرة لا ينبغي للمسلم أن يضيِّعها، بل ينبغي أن يغتنمها، وأن يسابق إلى الخيرات فيها، وأن يشغلها بالعمل الصالح.
ومن الأعمال المشروعة فيها الذكر، يقول تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ [الحج:28]، وروى الإمام أحمد عن ابن عمر أن النبي قال: ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)).
وكان أبو هريرة وابن عمر ـ وهما أكثر الصحابة رواية للحديث وأكثر اتباعًا للسنة ـ إذا دخلت عشر ذي الحجة يخرجان إلى السوق يكبران كلّ على حدته، فإذا سمعهم الناس تذكروا التكبير فكبروا كل واحد على حدته، وهذا التكبير المطلق، ويُكثر مع التكبير من التسبيح والتهليل والتحميد والذكر، ويكثر من قراءة القرآن فإنه أفضل الذكر، وفيه الهدى والرحمة والبركة والعظمة والتأثير والشفاء، وليعلم المسلم بأن الذكر هو أحب الكلام إلى الله تعالى، وهو سبب النجاة في الدنيا والآخرة، وهو سبب الفلاح، وحفظ لصاحبه من الكفر ومن الشيطان ومن النار، به يذكَر العبد عند الله، ويصلي الله وملائكته على الذاكر، وهو أقوى سلاح، وهو خير الأعمال وأزكاها وأرفعها في الدرجات، وخير من النفقة، به يضاعف الله الأجر، ويغفر الوزر، ويثقل الميزان، ومجالسه هي مجالس الملائكة ومجالس الرسل ومجالس المغفرة والجنة والإيمان والسعادة والرحمة والسكينة، وفضائله كثيرة، قرنه الله بالصلاة فقال: فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ [النساء:103]، وقرنه بالجمعة فقال: فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ [الجمعة:10]، وقرنه بالصوم فقال: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185]، وقرنه بالحج فقال: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا [البقرة:200]، وقرنه بالجهاد فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ [الأنفال:45]، ولا يتقيد بزمن ولا حال، أمر الله بـه على جميع الأحوال فقال: فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء:103].
وينبغي للمسلم أن يسابق في هذه العشر بكل عمل صالح، ويكثر من الدعاء والاستغفار، ويتقرب إلى الله بكل قربة، فدونكم الفضائل فاغتنموها، وإياكم والتواني والكسل، ولنعلم أن لله جل وعلا نفحات في أيامه، فلنهتبل الفرصة ولنستكثر من الحسنات، عل الله جل وعلا أن يعفو عن زلاتنا وسيئاتنا.
اللهم وفقنا لأرشد الأقوال والأفعال لا يوفق لأرشدها إلا أنت، اللهم جنبنا سيئ الأقوال والأفعال والأهواء والأدواء لا يجنبنا سيئها إلا أنت، اللهم اهدنا وسددنا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيَات والذكر الحكيم، ونفعَنا بهدي سيد المرسلين وبقَوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من ذلك ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 
الخطبة الثانية

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ مستيقنٍ بها في جنانه، ومقرٍّ بها بلسانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله المبلغُ للوحيين: سنته وقرآنه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
وإن من أفضل الأعمال في هذه الأيام ـ يا عباد الله ـ الإهلال بالحج والتقرب إلى الله جل وعلا به، والتقرب إلى الله بصوم عرفة لمن لم يحج، وفضل الأضاحي، ولعل الله جل وعلا ييسر لنا الكلام عن فضلها في الجمعة القادمة.
ومن الأعمال في هذه العشر الإكثار من نوافل الصلوات بعد الفرائض، كالرواتب التي قبل الفرائض وبعدها، وهي اثنتا عشرة ركعة: أربع قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر. ويواظب على النوافل المقيدة، مثل أربع قبل الظهر، وأربع بعدها، وأربع قبل العصر، وركعتان قبل المغرب، وصلاة الليل،
وهي إحدى عشرة ركعة كما في السنة عن رسول الله ، وكان يواظب عليها ويقضيها وقت الضحى لو نام عنها، وصلاة الضحى ركعتان أو أكثر، فالمحافظة على النوافل سبب من أسباب محبة الله، ومن نال محبة الله حفظه وأجاب دعاءه، وأعاذه ورفع مقامه، لأنها تكمل النقص وتجبر الكسر وتسد الخلل.
ويكثر من الصدقة في العشر، إذ الصدقة فيها أفضل من الصدقة في رمضان، وما أكثر حاجات الناس في العشر من النفقة والاستعداد للحج وللعيد وطلب الأضحية ونحوها، وبالصدقة ينال الإنسان البر ويضاعف له الأجر ويظله الله في ظله يوم القيامة، ويفتح بها أبواب الخير ويغلق بها أبواب الشر، ويفتح فيها بابا من أبواب الجنة، ويحبه الله ويحبه الخلق، ويكون بها رحيمًا رفيقًا، ويزكي ماله ونفسه، ويغفر ذنبـه، ويتحرر من عبـودية الـدرهم والديـنار، ويحفـظه الله في نـفسـه ومـاله وولده ودنياه وآخرته.
ويكثر من الصيام في أيام العشر، ولو صام التسعة الأيام لكان ذلك مشروعًا، لأن الصيام من العمل الصالح، ولأنه ثبت في الحديث أنه كان يصوم يوم عاشوراء، وتسع ذي الحجة، وثلاثة أيام من الشهر، وما ورد عن عائشة أنه ما صام العشر فالمراد إخبار عائشة عن حاله عندها، وهو عندها ليلة من تسع، ولربما ترك الشيء خشية أن يُفرض على أمته، ولربما تركه لعذر من مرض أو سفر أو جهاد أو نحوه، وإذا تعارض حديثان أحدهما مُثبت والآخر نافي فإننا نقدم المثبت على النافي، لأن عنده زيادة علم.
وينبغي للمسلم إذا دخلت عليه العشر وهو يريد أن يضحي أن لا يأخذ من شعره ولا بشرته شيئًا، فمن أراد منكم أن يضحي فثبت دخول شهر ذي الحجة فإنه لا يحلّ له أن يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من أظفاره شيئا، هكذا جاء الحديث عن رسول الله ، إذا دخل العشر وأراد الإنسان أن يضحي فلا يأخذن من هذه الأمور الثلاثة شيئا الشعر والظفر والبشرة يعني الجلد، وأما من يضحّى عنه وهم أهل البيت فلا حرج عليهم أن يأخذوا شيئا من ذلك لأن النبي إنما نهى من أراد أن يضحي وأهل البيت يضحى عنهم ولا يضحّون، ولهذا لا نعلم أن النبي كان ينهى أهله أن يأخذوا شيئا من ذلك مع أنهم كانوا يضحى عنهم، فقد كان رسول الله يضحي بأضحيتين: إحداهما عنه وعن أهل بيته، والثانية عن أمته جميعا، فجزاه الله عنا خيرا، وجعلنا من أتباعه ظاهرا وباطنا، وحشرنا في زمرته، وسقانا من حوضه، وجمعنا به في جنات النعيم، إنه هو الكريم الوهاب.
وأكثروا من الصلاة والسلام علي نبيكم محمد ، أكثروا من الصلاة عليه في كل وقت فإنه أعظم الناس حقا عليكم، أكثروا من الصلاة عليه فإنكم بذلك أمرتم، أكثروا من الصلاة عليه فإنكم تنالون بذلك أجرا عظيما، فإن من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشره.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهرا وباطنا، اللهم توفنا على ملته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم ارض عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أفضل أتباع المرسلين، اللهم ارض عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارض عنا معهم وأصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين.
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
الــــحـــــــــــــج الـــمــــــــــــبرور
للشيــخ/ مــحــمـــد الــجـــــرافــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله جعل الحج المبرور كفارة للذنوب ووعد حجاج بيت الله بقضاء كل مرغوب وبجزاء في الجنة تطمئن له القلوب وأشهد أن لا إله إلا الله علام الغيوب إليه سبحانه وتعالى نرجع ونتوب وهو سبحانه وتعالى يمحو الخطايا ويستر العيوب وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المحبوب بشرعه تنكشف عنا الفتن والخطوب وتزول عنا الهموم والكروب صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين نشروا دين الله في أقصى الشروق وأقصى الغروب وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الحساب
عباد الله أوصيكم ونفسي الآثمة بتقوى الله يقول الله عز وجل يقول الله عز وجل (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))

أمـــا بـــعــــــد :
إن الحـــج يا عـــباد اللـــه :
عبادة عظيمة ذات فضل كبير يقصده الزوار من كل فج عميق ومن كل أوب سحيق شعثا غبرا متواضعين لرب البيت خضوعا لجلاله واستكانة لعزته يهدف الحاج منه إلى تحقيق مبدأ التقوى في معاملاته وتثبيت الأخلاق الكريمة في سلوكه يدفع في أداءه الغالي من ماله والنفيس من نفسه ويتحمل فيه مشقات الأسفار ومعاناة البعد عن الأهل والأحباب راجيا أن يكون حجه مبرورا يمحو الله به خطاياه ويغفر به ذنوبه ورزاياه فينال من الله سبحانه جنة الفردوس والله تعالى يقول: {وتزودوا فإن خبر الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب} ويقول سبحانه في ذبائح الحج: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم}
ولقد أحسن من قال:
إني أرى الحج في الإسلام مؤتمرا
المسلمون على التحقيق أعضاه
دستوره شرعة الإسلام يرسمها
هدي النبي وعين الحق ترعاه
العدل منهجه والعلم حجته
تجردوا فيه لا ملك ولا جاه
فهم جنود الهدى فيه نشيدهم
لبيك لبيك أنت الله رباه
فالحج درس عظيم شيق عظمت
أسرار تشريعه تجلو مزاياه
مهذب لنفوس طالما ركنت
إلى حضيض الهوى تقفو خطاياه

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف والحصول على هذا الفضل العميم أوجب الإسلام على الحاج الابتعاد عن كل ما يخرِم جمال هذه العبادة وينقص من قدرها من الرفث والفسوق والجدال ومنازع الشهوات والشيطان والكلام الساقط التافه او كلام الحرام كالغيبة والنميمة والكذب. فقال سبحانه وتعالى: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} وقال صلى الله عليه وسلم فيما روى البخاري ومسلم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه»

والرفث يطلق على أمور ثلاثة ينبغي للحاج الابتعاد عنها إذا أراد أن يكون حجه مقبولا عند الله سبحانه يطلق على المباشرة الجنسية: الجماع ويطلق على مقدمات الجماع من كلام الشهوة والنظر بالشهوة واللمس بالشهوة ويطلق على كل كلام لا فائدة فيه.

أما الفسوق فهو اسم عام يطلق على كل ما خالف شرع الله تعالى. وأما الجدال فهو ممنوع أثناء الإحرام متى كان يتعلق بشؤون الدنيا وإذا تعلق بشؤون علمية على العموم وبمناسك الحج على الخصوص وكان المقصود منه إحقاقَ الحق وإزهاقَ الباطل فلا منع ولا إثم.

وبهذا يا عـــباد الله :
يكون الحج مدرسة أخلاقية تربوية قبل أن يكون عبادة ربانية يتخرج منها المسلم طاهرا متسلحا بالأخلاق الرفيعة منسلخا عن الأخلاق الوضيعة حليما صبورا. يعتدى عليه فيصبر ويغضب فيملك نفسه فإن سابه أحد أو قاتله قال: {سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين} وكيف لا والحج يفرض عليه أن ينسلخ من ألصق أوصاف الإنسان وهو الجدال {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا}.

وبهذا يتعلم المسلم من مدرسة الحج كيف يتحكم في نفسه الأمارة فلا يستسلم لهواها وكيف يملك لسانه فلا يحصد به الأعراض وكيف يغض بصره فلا يتتبع العورات ولا يستسلم لشهواتها لأن الحج امتحان وابتلاء والامتحان مبني أساسا على المحنة والحرمان.

لقد امتحن الله في مكان الحج سيدنا إبراهيم عليه السلام حين أمره الله تعالى بذبح ابنه الوحيد وجاء بعد كبر فاستجاب واستسلم فنحج في الامتحان ففاز وغنم ففدى الله ابنه بذبح عظيم فكان جديرا بهذا المكان أن يكون موسما للامتحان على مر العصور والأزمان.

وإن من العجب العجاب أن ترى بعض الحجاج يجتنبون محرمات الإحرام من الروائح الطيبة وقلم الأظفار وإزالة الأشعار فلا يرتكبونها ولا يقتربون منها ولكن محرمات الإسلام من الغيبة والنميمة والسباب والشتائم وتتبع عورات الناس لا يجتنبوها .

عـــباد الله ألا إن محرمات الإسلام قد سبقت محرمات الإحرام! فكيف يحافظ على محرمات الإحرام من ضيع محرمات الإسلام
ناسين أو متناسين أنهم بذلك يضيعون أهم أسس الحج وأجل أهدافه بل قد يرجعون منه محملين بأسوأ الذنوب وأعظمها لأن مجرد الهم بالسيئة ومجرد التفكير في ارتكابها بمكة يعد عند الله جريمة كبرى فكيف بمن يرتكبها ويمارسها فاقرءوا إن شئتم قوله سبحانه: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب اليم} وقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه
انه قال: «لو أن رجلا هم فيه بإلحاد وهو (بعدن أبين) لأذاقه الله عز وجل عذابا أليما»

والمراد بالإلحاد والظلم في الآية الكريمة كل ما يؤدي إلى ارتكاب محرمات الإسلام ومحرمات الإحرام فمجرد إرادة الإلحاد وقصد الظلم جريمة يستوجب صاحبُها العذاب الأليم

عـــباد اللـــه :
بما أن من أهداف الحج إصلاحَ المسلم وتدريبه على اعتياد الأخلاق الحسنة وذلك بالتحلي بالفضائل والتخلى عن الرذائل فلا بد من أن يتزود الحاج بالتقوى وهذا لا يتم إلا بالالتزام بهذه الإرشادات الأخلاقية التالية:

* ان يتسلح الحاج دوما بالحلم والصبر فإن وضعية الموسم وكثرة الحجاج يفرض عليه أن يتعامل بالحلم والصبر. لا يزاحم ولا يندفع ولا يدفع ولا يسب ولا يجادل أحدا فإن ذلك ينقص من حجه.

* كذلك الصحبة الصالحة فيجب المحافظة عليها. لا بد أن يحرص الحاج على الرفقة الصالحة التي تذكرّه إذا نسي وتعينه إذا ذكر وتعلمه إذا جهل وتقوّيه إذا ضعف وتعينه إذا عجز

* من شروط الحج المبرور التوبة النصوح فالحاج يحتاج إلى تلقيح نفسه الأمارة بالتوبة النصوح وخصوصا إذا كان مقبلا على أعمال يأمل منها غفران الذنوب ومحو الخطايا كالحج المبرور.

والتوبة عـــباد الله :
حصن حصين وركن متين يأوي إليه الإنسان كلما جرفه الهوى والشيطان وكلما ساقته النفس الأمارة إلى مستنقعات الرذيلة والخسران وهي القنطرة التي يتحول بها الإنسان من مستنقعات الكفر والمعاصي والفجور إلى شاطئ الإسلام والطاعة والبرور فكان الحاج في حاجة إلى التوبة قبل أن يكون في حاجة إلى الحج.

بل المسلم في حاجة للتوبة على كل حال وهل تاب المسلم إذا ذهب إلى الحج وهو هنا لا يصلي أو يصلي ولكن خارج وقتها؟ وهل تاب من ذهب إلى الحج وهو يمارس ما نهى الله
ضحيت له كي أستظل بظـله
إذا الظل أضحى في القيامة خالصا
فوا أسفا إن كان سعيك باطلا
وواحسرتا إن كان حجك ناقصا

وأعظم فائدة للتوبة وأكبر نتيجة للإنابة أن يجد المسلم يوم القيامة ما ارتكب قبل التوبة من السيئات قد تحولت كلها إلى حسنات فكفى التائب فرحا وشرفا وكفاها تقربا وزلفى أن يجد في موضع الكافر مؤمنا وفي موضع المشرك مخلصا محسنا وفي موضع الشاك المنافق مطمئنا وفي موضع الفاسق محصنا وفي موضع الظالم الجائر عادلا منصفا وفي موضع العاصي الفاجر مطيعا عفيفا.

لكن بشرط التوبة النصوح والرجوع إلى الله بكل شفافية ووضوح مع المحافظة على العمل الصالح والبعد عن العمل الطالح والله تعالى يقول: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا}.

والذنب مهما عظم فعفو الله أعظم ومن ظن أن ذنبا لا يسعه عفو الله فقد فسق وأجرم وظن بالله ظن السوء فساء وتعدى وظلم والله تعالى يقول: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} ويقول سبحانه: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم: لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} ولقد أحسن من قال:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقدعلمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسـن
فمن الذي يرجو ويدعو المجرم
ما لي إليك وسيلة إلا الرجـا
وجميل عفوك ثـم أني مسلم

قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفره إنه هو الغفور الرحيم


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشد وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شرك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

أمـــا بـــعــــــد :
ومن شروط الحج المبرور الإخلاص وهو الركن الأعظم الذي لا مفر من المحافظة عليه ولا مناص يقول الله عز وجل: {وأتموا الحج والعمرة لله} ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حجته: «اللهم اجعلها حجة لا رياء فيها ولا سمعة».

فبالإخلاص يقبل الله عز وجل المناسك ويسهل إلى الجنة المسالك وبه يكون الحج مبرورا والسعي مشكورا والذنب مغفورا.

والذي يقصد بحجه تغيير الاسم واللقب أو اكتساب الشهرة والمنزلة بين النخب أو المنافسة للآخرين في الرياء والمظهر الكذب فسينال من الله الغضب والعذاب حيث لا جزاء له ولا ثواب.

وفي الحقيقة يا عباد الله ..
أن أي عمل لا يصح ولا يقبل إلا بالإخلاص يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى النسائي بسند جيد: «إن الله لا يَقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتُغي به وجهه»

فالله الله في الإخلاص لله عز وجل وتحري تعلق القلب به وارتباط الأشواق والآمال بثوابه سبحانه وتعالى فإنك تفد إلى ملك الملوك ورب الأرباب الذي لا تنفذ خزائنه
إنها النوايا الخالصة إنها المشاعر الصادقة التي تجعل همّ المسلم المؤمن لا يشغله شيءُ إلا الله سبحانه وتعالى

*ومن شروط الحج المبرور ..
الذي لابد منه إذا أراد المسلم أن يغفر الله ذنوبه فيفوز بجنات النعيم ألا وهو المال الحلال.

لأن الحج المبرور من الأ
ع

مال الصالحة والأعمال الصالحة إنما تأتي بعد المال الصالح والأكل الطيب والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من الطيبات واعملوا صالحا} روى الطبراني والبزار بإسناد صحيح

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خرج الحاج حاجا بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز أي المركوب- فنادى: لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور أي مقبول مطهر من الآثام وإذا خرج الحاج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك ناده مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مبرور» أي جلب لك الوزر والذنب وزادك سخطا وبعدا ، ورحم الله من قال:
فمن كــان بالمال المحرم حجه
فعـن حجــه والله ما كان أغناه
إذا هو لبــى الله كان جوابه
مـن الله لا لبيك حــج رددنـاه

ومن قال:
إذا حججت بمال أصله سحت
فما حججت ولكن حجت العير
لا يقبل الله إلا كلَّ خالصـة
ما كلُّ من حج بيت الله مـبرور

وكيف يقف بعرفات الله من عرف أن ماله من الرشوة وكاهله مثقل باللعنة «وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش»؟

وكيف يبيت بمنى من حطم أمنيات الفقراء وأكل أجور عماله والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث القدسي الجليل: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة وعد منها رجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره»؟

وكيف يزور القبر الشريف من جلب ماله من الغش في البيع والشراء فيبيع السلع مغشوشة أو يحلف على ثمنها كاذبا والرسول صلى الله عليه وسلم يتبرأ من الغش وصاحبه إذ يقول: «من غشنا فليس منا»؟ وكيف يسلم على القبر الشريف من تبرأ منه صاحب القبر الشريف صلى الله عليه وسلم؟

إن أول ما يحتاج إليه المسلم وهو يمارس أفعال الحج أن يستجيب الله دعاءه والدعاء هو مخ العبادة ألا تلاحظون أن الناس عندما يودعون الحاج أول شيء يطلبونه منه هو الدعاء؟ فكم من واحد يحمل الحاج هذا الطلب: لا تنساني في الدعاء؟ بل لا يكاد الحاج يودع أحدا إلا حمله هذا الطلب والحاج بدوره يعد بالوفاء وهو يعلم أنه مقبل على أماكن مقدسة يستجيب الله فيها الدعاء فهو سيدعو عند أدائه لمشاعر الحج في الطواف والسعي وعرفة وعند المشعر الحرام والجمرات وفي الملتزم وعند شرب ماء زمزم "وماء زمزم لما شرب له".

ولكن استجابة هذا الدعاء كلِّه مشروط بأكل الحلال واكتساب الحلال روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ تَعالى طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّباً وَإنَّ اللَّهَ تَعالى أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ فَقالَ تَعالى: {يا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وَقالَ تعالى: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعث أغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ: يا رَبّ يا رَبّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِي بالحَرَامِ فأنّى يُسْتَجابُ لِذَلِكَ؟»

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم، كما أمركم بذلك ربكم (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)
اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارضَ اللهم عن صحابةِ رسولِك أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم لا تدع لنا في هذا المقام ذنبا إلا غفرته ولا دينا إلا قضيته ولا مريضا إلا شفيته ولا حاجة من حوائج الدنيا الا سهلتها وقضيتها يارب العالمين
الله من حضر هذه الجمعة فاغفر له ولوالديه وافتح لسماع الموعظة قلبه وأذنيه
اللهم احفظ بلادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم من أراد ببلادنا خيرا فوفقه الى كل خير ومن أراد ببلادنا شرا فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره في تدميره واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين
اللهم لا ترفع له راية ولا تحقق له في وطننا الحبيب غاية واجعله لمن خلفه عبرة وآية
اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظ بلادنا واقض ديوننا واشف أمراضنا وعافنا واعف عنا وأكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤاثر علينا وارحم موتانا واغفر لنا ولوالدينا وأصلح أحوالنا وأحسن ختامنا وارزقنا حج بيتك الكريم يارب العالمين

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله اكبر واقم الصلاة .
أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54]، وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدًا عنيفًا على الكفار، رحيمًا بَرًّا بالأخيار، غضوبًا عبوسًا في وجه الكافر، ضحوكًا بشوشًا في وجه أخيه المؤمن، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ﴾ [التوبة: 123]، وقال النبي صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجَسَدِ بالحمَّى والسَّهَر"، وقال: "المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيانِ يشُدُّ بعضُهُ بعضًا" وشبَّك بين أصابعه، وكلا الحديثين في الصحيح.

وقوله: ﴿ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [الفتح: 29]؛ وصفهم بكثرة العمل، وكثرة الصلاة، وهي خير الأعمال، ووصفهم بالإخلاص فيها لله عز وجل، والاحتساب عند الله جزيل الثواب، وهو الجنة المشتملة على فضل الله، وهو سَعَة الرزق عليهم، ورضاه تعالى عنهم، وهو أكبر من الأول، كما قال: ﴿ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [التوبة: 72]. وقوله: ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح: 29]؛ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم ﴾ [الفتح: 29] يعني: السَّمْتُ الحَسَن. وقال مجاهد وغير واحد: يعني: الخشوع والتواضع.

3 - رضي الله عنهم وغفر لهم وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار:
قال تعالى ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].

قال ابن تيمية: (فرضي عن السابقين من غير اشتراط إحسان. ولم يرض عن التابعين إلا أن يتبعوهم بإحسان) الصارم المسلول: 572. ومن اتباعهم بإحسان الترضي عنهم والاستغفار لهم.

وقال تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].

وقال - صلى الله عليه وسلم - لعمر: ((وما يدريك، لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)) صحيح البخاري.

وعن أنس قال: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق وينقلون التراب وهم يقولون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا و يقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يجيبهم: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة). متفق عليه.

4 - زكى الله عز وجل ظاهرهم وباطنهم:
فمن تزكية ظواهرهم وصفهم بأعظم الأخلاق الحميدة، ومنها قال تعالي ﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، ﴿ وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحشر: 8].

﴿ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9].

أما بواطنهم، فأمر اختص به الله عز وجل، وهو وحده العليم بذات الصدور. فقد أخبرنا عز وجل بصدق بواطنهم وصلاح نياتهم، فقال على سبيل المثال:
﴿ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الفتح: 18].

﴿ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ﴾ [الحشر: 9]، ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [الفتح: 29].

﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ﴾ [التوبة: 117].

فقد تاب عليهم سبحانه وتعالى؛ لما علم صدق نياتهم وصدق توبتهم. والتوبة عمل قلبي محض كما هو معلوم... وهكذا.

5 - هم الصادقون حقا بشهادة الله لهم:
قال الله جلَّ وعلا: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحشر:8]، هكذا وصفهم الله: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحشر:8] من هم؟ المهاجرين، ثمَّ قال عن الأنصار:﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ ﴾ [الحشر: 9] يعني المدينة ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ﴾ [الحش
🎤
خطبــة.جمعــة.بعــنــوان.cc
فضائل الصحابة وواجبنا تجاههم
للــشيــــخ/ احـــــمـــــــد ابــو عــيـــــــد
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــة.الاولـــى.cc
الحمد لله رب العالمين واشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين واشهد أن محمداً عبد الله ورسوله. وبعــــد:

عناصر الخطبة:
أولاً: تعْرِيفُ الصَّحَابِيِّ.
ثانياً: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة.
ثالثاً: فضائل الصحابة رضوان الله عليهم.
رابعاً: واجبنا نحو الصحابة.
خامساً: حكم من سب الصحابة أو آذاهم.
سادساً: نماذج من سير الصحابة وفضلهم.

الموضوع:
أولاً: تعْرِيفُ الصَّحَابِيِّ:
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَر: وَأَصَحّ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِك أَنَّ الصَّحَابِيّ: مَنْ لَقيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنَاً بِهِ، وَمَاتَ عَلَى الإسْلامِ.

فَيَدْخُل فِيمَنْ لَقِيَهُ: مَنْ طَالَتْ مُجَالَسَتُهُ لَهُ أَوْ قَصُرَتْ، وَمَنْ رَوَى عَنْهُ وَمَنْ لَمْ يَرْو، وَمَنْ غَزَا مَعَهُ أَوْ لَمْ يَغْز، ومَنْ رَآهُ رُؤْيَةً وَلَوْ لَمْ يُجَالِسهُ، وَمَنْ لَمْ يَرَهُ لِعَارِضٍ كَالْعَمَى([الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 4 - دار الكتب العلمية)]).

ثانياً: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة:
قال الشيخ عبد المحسن العباد:
ومذهب أهل السّنّة والجماعة فيهم وسط بين طرفي الإفراط والتفريط، وسط بين المُفْرطين الغالين الذين يرفعون من يُعَظَّمون منهم إلى ما لا يليق إلَّا بالله أو برسله، وبين المُفرِّطين الجافين الذين ينتقصونهم ويسبونهم؛ فهم وسط بين الغلاة والجفاة؛ يحبون الصحابة جميعاً وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف، فلا يرفعونهم إلى ما لا يستحقون، ولا يقصرون بهم عما يليق بهم؛ فألسنتهم رطبة بذكرهم بالجميل اللائق بهم، وقلوبهم عامرة بحبهم.

وما صح فيما جرى بينهم من خلاف فهم فيه مجتهدون، إما مصيبون ولهم أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإما مخطئون ولهم أجر الاجتهاد وخطؤهم مغفور، وليسوا معصومين، بل هم بشر يصيبون ويخطئون، ولكن ما أكثر صوابهم بالنسبة لصواب غيرهم، وما أقل خطأهم إذا نسب إلى خطأ غيرهم ولهم من الله المغفرة والرضوان.

وعدالة الصحابة عند أهل السنة من مسائل العقيدة القطعية، أو مما هو معلوم من الدين بالضرورة واعتقاد عدالةِ الصحابة وفضلهم هو مذهبُ أهلِ السنة والجماعة، وذلك لما أثنى اللهُ تعالى عليهم في كتابه، ونطقت به السنَّةُ النبويةُ في مدحهم، وتواتر هذه النصوص في كثير من السياقات مما يدل دلالة واضحة على أن الله تعالى حباهم من الفضائل، وخصهم من كريم الخصال، ما نالوا به ذلك الشرف العالي، وتلك المنزلة الرفيعة عنده؛ وكما أن الله تعالى يختار لرسالته المحل اللائق بها من قلوب عباده، فإنه سبحانه يختار لوراثة النبوة من يقوم بشكر هذه النعمة، ويليق لهذه الكرامة؛ كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]

ويقول ابن مسعود رضي الله عنه:
" إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئا فهو عند الله سيئ " انتهى.
رواه أحمد في "المسند" (1/ 379) وقال المحققون: إسناده حسن.

ثالثا: فضائل الصحابة رضوان الله عليهم:
1 - هم صفوة خلق الله تعالى بعد النبيين عليهم الصلاة والسلام:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ﴾ [النمل: 59] قال: أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم طهارة القلوب، وصدق الإيمان قال تعالى: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18].

قال ابن كثير " فعلم ما في قلوبهم: أي: من الصدق والوفاء والسمع والطاعة.

2 - أثنى الله عليهم وذكر بعض صفاتهم:
قال تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح: 29].

قال ابن كثير في تفسيره: يخبر تعالى عن محمد صلوات الله عليه، أنه رسوله حقا بلا شك ولا ريب، فقال: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ [الفتح: 29]، وهذا مبتدأ وخبر، وهو مشتمل على كل وصف جميل، ثم ثنى بالثناء على أصحابه فقال: ﴿ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، كما قال تعالى: ﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
ر

: 9] يحبون المهاجرين ﴿ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]؛ هذا ثناءٌ على من ومن؟ على المهاجرين والأنصار من الصحابة.

6 - لا يستطيع احد أن يبلغ درجتهم عند الله مهما فعل:
عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ". متفق عليه.

وقد قال تعالى ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً ﴾ [الحديد: 10].

وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة، وضيق الحال بخلاف غيرهم، ولأن إنفاقهم كان في نصرته - صلى الله عليه وسلم -، وحمايته، وذلك معدوم بعده، وكذا جهادهم وسائر طاعتهم، وهذا كله مع ما كان فيهم في أنفسهم من الشفقة، والتودد، والخشوع، والتواضع، والإيثار، والجهاد في الله حق جهاده، وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل، ولا ينال درجتها بشيء، والفضائل لا تؤخذ بقياس ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

7 - لهم الحظَّ الوافر والنَّصيب الكامل من الأجر:
من دعوةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فعن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى له من سامع ". رواه الترمذي وابن ماجه وقال الألباني حسن صحيح.

8 - خير القرون على الإطلاق:
عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي قوم بعد ذلك تسبق أيمانهم شهاداتهم أو شهاداتهم أيمانهم " أخرجه البخاري ومسلم.

وإنما صار أول هذه الأمة خير القرون؛ لأنهم آمنوا به حين كفر الناس، وصدقوه حين كذبه الناس، وعزروه، ونصروه، وآووه، وواسوه بأموالهم وأنفسهم، وقاتلوا غيرهم على كفرهم حتى أدخلوهم في الإسلام.

9 - أمان لأهل الأرض بوجودهم:
وعن أبي بردة عن أبيه قال: رفع - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - رأسه إلى السماء وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء. فقال: " النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ". رواه مسلم. وهو إشارة إلى الفتن الحادثة بعد انقراض عصر الصحابة من طمس السنن وظهور البدع وفشو الفجور في أقطار الأرض.

رابعا: واجبنا نحو الصحابة:
1 - وجوب إكرامهم:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أكرموا أصحابي؛ فإنهم خياركم) مشكاة المصابيح: 3/ 1695.

2 - اتباع هديهم:
عن العرباض بن سارية قل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"...أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و أن أمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة". قال الشيخ الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 2549 في صحيح الجامع.

وما أحسن ما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: " من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة؛ أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة؛ أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم " رواه ابن عبد البر في الجامع، رقم (1810).

3 - وجوب حبهم وعدم بغضهم:
عن البراء بن عازب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم أو قال قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق من أحبهم فأحبه الله ومن أبغضهم فأبغضه الله فقلنا له: أنت سمعته من البراء فقال إياي حدث (صحيح سنن ابن ماجة 163: أخرجه البخاري).

4 - الدعاء لهم:
قال الله تعالى ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب":إنَّ مِنْ شأن مَنْ جاء مِنْ بعد المهاجرين والأنصار، أن يذكر السابقين، وهم المهاجرون والأنصار، بالدعاء والرحمة، فمن لم يكن كذلك، بل ذكَرَهم بسوء، كان خارجًا من جملة أقسام المؤمنين بحسب نص هذه الآية.

5 - سَلامة الصَّدر:
أن تكونَ قلوبُنا سليمةً تُجاه الصحابة، ليس فيها غِلٌّ، ليس فيها حِقدٌ، ليس فيها ضَغِينَةٌ، ليس فيها بَغْضَاء ليس فيها عَدَاوةٌ، وإنَّما فيها المحبَّةُ، فيها الإحسان، فيها الرِّفق، فيها المودَّة، فيها اللين، هذا نأخذه م
ن ق

وله: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الحشر: 10] يعني اجعلْ قلوبَنا سليمةً تجاه مَن سَبَقنا بالإيمان، وهُم إخوانُنا، بل هُم خيرُ إخوانِنا رضيَ الله عنهُم وأرضاهُم.

6 - سلامة اللِّسان:
ليس فيه سب، ليس فيه طعن، ليس فيه بذاء، ليس فيه فحش، وإنما قلبٌ نظيفٌ، ولسانٌ نقيٌّ تُجاه الصَّحابة الكرامِ وأرضاهم.

7 - عدم الخوض فيما صدر بين الصحابة من خلاف فالله اعلم به:
أحد السَّلف سُئِل عن هذا الأمر فقال: «تلك فتنة طهَّرَ الله منها سيوفَنا، فَلْنُطَّهِّر منها ألسنَتَنا».

وقال تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة:134].

لنَفْرِض أنَّ أحدَ الصَّحابة أخطَأ فهل الله عزَّ وجلَّ يحاسبك يوم القيامة أنتَ على هَذا الخطأ؟ ﴿ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة:134] فلماذَا تُقحِم نفسَك في هذا الَّذي شجَر بين الصَّحابة وأنتَ لستَ حسيبًا عليهم ولا رقيبًا، وأمرٌ آخَر وهُو في غاية الأهمِّيَّة: هذَا الخَطأ الَّذي لنفرضُ أنَّه وُجِدَ عند بعض الصَّحابة ما شأنه في ميزان الإسلام؟ يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: « إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ».متفق عليه.

8 - الدفاع عنهم:
فيجب الدفاع عن عنهم من كل من يتحدث في حقهم بالباطل فهم عدول كما شهد لهم الله بذلك وهم كالنجوم وهم الثقات الذين نقلوا لنا القران والسنة النبوية فالقدح فيهم كالقدح في القران والسنة.

وان لم يكن لك علم لتدافع عنهم فإياك أن تجلس أو تستمع لمن يخوضون فيهم كما قال تعالى ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ﴾ [الأنعام: 68].

خامسا: حكم من سب الصحابة أو آذاهم:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (مَن سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)صحيح الجامع قال ابن عمر -رضي الله عنهما- " لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عُمره ".

وقال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - " إذا رأيت رجلا يذكر أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بسوء فاتهمه على الإسلام " وقال - رحمه الله تعالى - " لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساويهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه فان تاب قبل منه وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلده الحبس حتى يموت أو يراجع ".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - " ويمسكون عما شجر من الصحابة، ويقولون إن هذه الآثار المروية في مساوئهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه، ونقص، وغُيِّرَ عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون؛ إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون...، ولهم من السوابق، والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات مما ليس لمن بعدهم... ثم القَدْر الذي يُنكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم، ومحاسنهم من الإيمان بالله، ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة، والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما منَّ الله عليهم به من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم، وأكرمها على الله " ا.هـ.

وقد اختلف أهل العلم في حكم سابِّ الصَّحابة - رضوان الله عليهم - على قولين:
القول الأَوَّل: تكفير من سبّ الصَّحابة أو انتقصهم أو عابهم في عدالتهم، وهو حلال الدم إلاّ أن يتوب من ذلك. وإلى هذا القول ذهب بعض الصَّحابة كعبد الرَّحمن ابن أبزى، وبعض التَّابعين كالأوزاعي وابن عيينة والفريابي والمروزي وغيرهم. انظر: الشَّرح والإبانة لابن بطّة ص160 - 162، الصَّارم المسلول ص570.

القول الثّاني: أن سابّ الصَّحابة لا يكفر، بل يُفسَّق ويُضلَّل ويؤدَّب ويُعزَّر. انظر:
الصَّارم المسلول ص568، الشِّفاء للقاضي عياض 2/ 307 - 308 - 309.

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
في حكم سب الصحابة في الشرع فعلى ثلاثة أقسام‏:‏
الأول‏:‏ أن يسبهم بما يقتضي كفر أكثرهم، أو أن عامتهم فسقوا، فهذا كفر؛ لأنه تكذيب لله ورسوله بالثناء عليهم والترضي عنهم، بل من شك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين؛ لأن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق‏.‏

الثاني‏:‏ أن يسبهم باللعن والتقبيح، ففي كفره قولان لأهل العلم، وعلى القول بأنه لا يكفر يجب أن يجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عما قال‏.‏

الثالث‏:‏ أن يسبهم بما لا يقدح في دينهم كالجبن والبخ
2024/09/25 17:27:06
Back to Top
HTML Embed Code: