Telegram Web Link
سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.

اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.

رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.

عـــِبَادَ اللـــهِ :
((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ)).
🎤
خطبة.جمعــة.بعنــوان.cc
كيــفَ نـتــعَامَلُُ مَـــعَ الـــواقـــع؟
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــــة.الاولــــى.cc
الحَمْدُ للهِ الغَنِيِّ الحَمِيدِ، يَفْعَلُ مَا يَشاءُ ويَحكُمُ ما يُريدُ، جَعَلَ مِنْ سُنَّةِ الحَياةِ الدُّنيا التَّغَيُّرَ والتَّطَوُّرَ والتَّجدِيدَ، أَحمدُهُ سُبْحانَهُ بِما هوَ لَهُ أَهلٌ مِنَ الحَمْدِ وأُثنِي علَيهِ، وأُومِنُ بِهِ وأَتوكَّلُ علَيهِ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضلِلْ فَلاَ هادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، زَوَّدَ الإِنسانَ بِالعَقْلِ لِيَعلَمَ، وبِالإِرادَةِ لِيَعملَ بِما يَعلَمُ، وحَثَّهُ علَى تَحَرِّي الأَفضَلِ، واختِيارِ الأَحسَنِ والأَمثَلِ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خلْقِهِ وحَبِيبُهُ، حَلاَّهُ رَبُّهِ بأَحسَنِ الشَّمائلِ، وأَرسلَهُ داعِياً إِلى كُلِّ الفَضائلِ، أَخرَجَ اللهُ بِبِعثَتِهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلى النُّورِ، وهَداهُم إِلَى أَفْضلِ وأَقْوَمِ الأُمُورِ، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبَارِكْ علَيهِ وعلَى آلهِ وأَصحابِهِ أَجمَعينَ، والتَّابِعينَ لَهُم بإِحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ .

أَمــَّا بَعـــدُ، فَيَا عــِبَادَ اللــهِ :
إِنَّ قَدْرَ الإِنسانِ فِي الإِسلاَمِ رَفيعٌ، وإِنَّ جانِبَهُ مَصونٌ مَنيعٌ، ولِمَ لاَ؟ وقَدْ حَظِيَ مِنَ اللهِ الكَريمِ، بالتَّقدِيرِ والتَّكْريمِ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً))(1)

ومِنْ مَظاهِرِ هَذا التَّكْريمِ :
أَنْ مَنَحَهُ عقلاً يَزِنُ بِهِ أُمورَ حَياتِهِ، ويَضْبِطُ بِهِ تَصرُّفاتِهِ؛ لِيَضْمَنَ لِنَفسِهِ حاضِراً واعِداً، ويُؤَسِّسَ لَها مُستَقْبلاً مُشْرِقاً صَاعِداً، إِنَّ الإِنسانَ العَاقِلَ الرَّشِيدَ، ذا الفِكْرِ السَدِيدِ، يَعْرِفُ وَظيفَتَهُ نَحْوَ نَفْسِهِ، وواجِبَهُ نَحْوَ مُجتَمَعِهِ، وواجِبَهُ نَحْوَ رَبِّهِ، يَعْرِفُ وَظيفَتَهُ نَحْوَ نَفْسِهِ، فَيَصونُها مِنْ كُلِّ انحِرافٍ، ويُحصِّنُها بِمكارِمِ الأَخلاَقِ ومَحاسِنِ الأَوصافِ، لِيَجِدَ ثَمرَةَ ذَلكَ فِي دُنياهُ ثَناءً عَاطِراً، وفِي أُخراهُ خَيْراً حَاضِراً، يَقولُ اللهُ تُعالُى: ((وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ))(2)، ويَقولُ جلَّ شأنُهُ: ((يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً))(3)، ويَعْرِفُ واجِبَهُ نَحْوَ مُجتَمَعِهِ؛ فَيَعملُ دائماً علَى ارتِقائِهِ، وطَهارتِهِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ ونَقائِهِ؛ لِيَتَفوَّقَ المُجتَمَعُ ويَصْعَدَ، ويَهنأَ ويَسْعَدَ، ويَعْرِفُ واجِبَهُ نَحْوَ ربِّهِ؛ فَلاَ يَفْعلُ ما نَهَى اللهُ عَنْهُ وحذَّرَ منهُ، ولاَ يَغْفَلُ لَحْظَةً عمَّا حَثَّ علَيهِ وأَمَرَ بهِ، وبِذلكَ يَسلُكُ الإِنسانُ الطَّريقَ القَويمَ؛ فَتَصلُحُ أُمورُهُ وتَستقِيمُ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ))(4)، وفِي حَديثٍ مِنْ جَوامِعِ الكَلِمِ حَدَّدَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- عَلاَقةَ الإِنسانِ بِرَبِّهِ وعلاَقتَهُ بِنَفْسِهِ وعلاَقتَهُ بِمُجتَمَعِهِ؛ فَقالَ -علَيهِ الصَّلاَةُ والسَّلامُ-: ((اتَّقِ اللهَ حَيثُما كُنْتَ، وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنةَ تَمْحُها، وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)).

عــــِبادَ اللــــهِ :
إِنَّ مَنْ أُوتِيَ عَقلاً رَشِيداً وفِكْراً سَدِيداً يَتعَاملُ مَعَ الواقِعِ الذِي هوَ فِيهِ بِحِكْمَةٍ ورَوِيَّةٍ، وتَصرُّفاتٍ عاقِلَةٍ سَوِيَّةٍ .

ولَنْ يَكونَ التَّعامُلُ مَعَ الواقِعِ ناجِحاً إِلاَّ إِذا بَدأَ بِدايَةً صَحِيحَةً، وسَارَ وِفْقَ تَنْظِيمٍ وتَرتِيبٍ، فَلاَ تَعامُلَ مَعَ الواقِعِ البَعِيدِ إِلاَّ بَعْدَ حُسْنِ التَّعامُلِ مَعَ الواقِعِ القَريبِ، وأَقْرَبُ وَاقِعٍ للإِنسانِ نَفسُهُ؛ فَلْيَكُنْ تَعامُلُهُ معَها علَى أَساسِ المَعْرِفَةِ بِالنَّفْسِ البَشَرِيَّةِ، والعِلْمِ بِالطَّبِيعَةِ الإِنسانِيَّةِ، فالإِنسانُ مَخْلوقٌ مُزدَوَجُ التَّكوِينِ ثُنائيُّ الخِلْقَةِ، مِنْ حَيْثُ هوَ جَسَدٌ وروحٌ، وقَدْ أَشارَ اللهُ عزَّ وجلَّ إِلَى ذَلِكَ فَقالَ: ((الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ))(5)، وقَالَ جلَّ شأنُهُ: ((إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ
فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ))(6)

ومَا دامَ الإِنسانُ جَسَداً ورُوحاً
فَلْيتَعاملْ مَعَ نَفْسِهِ علَى أَساسِ واقِعِهِ الذِي هوَ فِيهِ؛ فَيُعْطِي لِلجَسَدِ حَقَّهُ وللرُّوحِ حَقَّها، لأَنَّ لِلجَسَدِ مَطالِبَهُ وللرُّوحِ أَشْواقَها، ومَنْ تَعاملَ مَعَ جَسَدِهِ ورُوحِهِ بِميزانٍ عادِلٍ دَقِيقٍ؛ سَلكَ أَقومَ سَبِيلٍ وأَسلَمَ طَريقٍ، فَلاَ هَدْرَ لِحقوقِ رُوحٍ علَى حِسابِ جَسَدٍ، ولاَ إِهمالَ لِحقوقِ جَسَدٍ علَى حِسابِ رُوحٍ، هَذا هوَ العَدلُ والإِنصافُ، وما عَداهُ ظُلْمٌ للنَّفْسِ وإِجحافٌ، وقَدْ نَعَى القُرآنُ الكَريمُ علَى قَومٍ أَغفَلوا مَطالِبَ الرُّوحِ، واستَغرقوا فِي الاستِجابَةِ لِمَطالِبِ الجَسَدِ؛ فاتَّخذوا إِلهَهُمْ هَواهُم، وأَصبَحَ كُلُّ هَمِّهِم دُنياهُم، فَقالَ تَباركَ وتَعالَى: ((أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً))(7)، كَما نَهَى اللهُ عزَّوجلَّ رَسولَهُ -صلى الله عليه وسلم- عنِ اتِّباعِ كُلِّ مَنِ اتَّبَعَ هَواهُ، واهتَمَّ بِجَسدِهِ ودُنياهُ، اهتِماماً أَنساهُ ذِكْرَ اللهِ، فَقالَ تَباركَ وتَعالَى: ((وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً))(8)، وكَما نَهَى الإِسلامُ عنِ الاعتِداءِ علَى مَطالِبِ الرُّوحِ، نَهَى كَذلِكَ عَنِ الاعتِداءِ علَى مَطالِبِ الجَسَدِ، وأَنْحَى بِالَّلائمَةِ علَى كُلِّ مَنْ أَفرَطَ وغالَى؛ فَحَرَّمَ ما أَحلَّ اللهُ تَباركَ وتَعالَى مِمّا فِيهِ حَظٌّ لِلجَسَدِ مِنْ طَعامٍ وشَرابٍ، وتَزيُّنٍ بِما أَحلَّ اللهُ مِنَ الثِّيابِ، فَقالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: ((يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ))(9)، وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : ((كُلوا واشرَبُوا وتَصَدَّقُوا والبَسُوا فِي غَيْرِ إِسرافٍ ولاَ مَخيلَةٍ)).

عِـــبادَ اللهِ :
إِنَّ التَّعاملَ مَعَ الواقِعِ لاَ يَعْنِي الرِّضا بِهِ علَى إِطلاَقِهِ، ولاَ يَعْنِي التَّمرُّدَ علَيهِ علَى إِطلاَقِهِ، بلْ يَعنِي التَّعامُلَ مَعَهُ بِذكاءٍ وبَصِيرةٍ؛ تُسعِدُ حاضِرَ الإِنسانِ وتُؤّمِنُ مُستقَبلَهُ ومَصيرَهُ؛ فَإِنْ كانَ الواقِعُ والحاصِلُ يُعانِي مِنِ اضطِرابٍ واختِلاَلٍ؛ حاولَ الإِنسانُ إِصلاَحَهُ وتَقويمَهُ؛ مُتسلِّحاً فِي سَبيلِ تَحقِيقِ ذَلِكَ بِالحِكْمَةِ والاعتِدالِ، فَرُبَّ إِنسانٍ أَفسَدَ مِنْ حَيْثُ أَرادَ الإِصلاَحَ، وأَخفَقَ مِنْ حَيْثُ أَرادَ النَّجاحَ، بِسبَبِ سُوءِ اختِيارِ الوَسيلَةِ الأَمثلِ والطَّريقَةِ الأَفضلِ، أَو بِسَببِ استِعجالِ الوُصُولِ إِلى الغاياتِ دُونَ تَرتِيبٍ للبِداياتِ، ولَنا فِي تَعامُلِ الرَّسولِ -صلى الله عليه وسلم- مَعَ الواقِعِ أُسْوَةٌ حَسَنةٌ وقُدوَةٌ طَيِّبَةٌ؛ فَلَقَدْ وَاجَهَ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ بُعِثَ واقِعاً مُضطَّرِبَ المَوازينِ، مُعَقَّدَ الأَوضاعِ، مُنْتَكِسَ الطِّباعِ، لاَ يَحْكُمُهُ عَقلٌ راشِدٌ، بَلْ يَتَحكَّمُ فِيهِ تَقلِيدٌ سَائدٌ؛ فَظلَّ -صلى الله عليه وسلم- فِي مَكَّةَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ عاماً يَدعو النَّاسَ بِكُلِّ حِكْمَةٍ ورَوِيَّةٍ، إِلى انتِهاجِ الطُّرُقِ السَّوِيَّةِ، للوصولِ إِلى حَقِيقَةِ الوَحدانِيَّةِ، داعياً إِلَى حُسْنِ التَّعقُّلِ وجَودَةِ التَّفكُّرِ، دُونَما قَسوةٍ وشِدَّةٍ، وغِلظَةٍ وحِدَّةٍ، وكانَ بِذلكَ يُنفِّذُ ما أَوحَى إِليهِ رَبُّهُ مِنِ التِزامٍ بِالحكْمَةِ والمَوعِظَةِ الحَسَنةِ، والجِدالِ بِأَحسَنِ طَريقَةٍ، تُوضِّحُ الأُمورَ وتَهْدِى إِلى الحَقِيقَةِ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ))(10)، لَقَدْ كانَ -صلى الله عليه وسلم- يُذكِّرُ النَّاسَ دونَما قَهْرٍ وإِجبارٍ، أَو سَيْطَرةٍ واستِكبارٍ، وكانَ بِذلِكَ أَيضاً يُنفِّذُ أَوامِرَ ربِّهِ العالِمِ بِطَبائعِ المَخلوقاتِ وخَصائصِ المَوجوداتِ ((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) (11)، يَقولُ اللهُ تَعالَى مُخاطِباً نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم-: ((وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ))(12)، ويَقُولُ سُبْحانَهُ: ((فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ))(13).

فاتَّقوا
اللهَ -عِبادَ اللهِ :
واعلَموا أَنَّ التَّعامُلَ مَعَ الواقِعِ بإِيجابِيَّةٍ؛ يَمنَحُ الإِنسانَ حَياةً هَنِيئَةً، وطُمأنِينَةً قَلْبِيَّةً.

أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.


الخطبـــة.الثانيــــة.cc
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

أَمَّا بَعْــــدُ؛ فَيَا عــــِبَادَ اللهِ :
إِنَّ الرِّضا بِالواقِعِ علَى عِلاَّتِه -حتَّى وإِنْ كانَتْ إِيجابيّاتُهُ أَكثَرَ مِنْ سَلْبِيَّاتِهِ - أَمْرٌ يَتنافَى مَعَ طَبِيعَةِ التَّغيُّرِ والتَّطوُّرِ، وهذِهِ الطَّبِيعَةُ سُنَّةٌ إِلهيَّةٌ وطَريقَةٌ طَبِيعيَّةٌ، فَمَنْ رَضِيَ بِوَاقِعِهِ وَقَفَ فِي نَفْسِ المَكانِ فِي وَقْتٍ يَتَحَرَّكُ فِيهِ الزَّمانُ؛ فَهوَ فِي الواقِعِ يَتأَخَّرُ، ويَتراجَعُ ويَتقَهقَرُ، وما أَشبَهَهُ وهوَ علَى هذِه الحالِ بِماءٍ طَيِّبٍ زُلالٍ، بَيْدَ أَنَّهُ راكِدٌ لاَ يَتحرُّكُ، فَإِنْ بَقِيَ علَى رُكودِهِ أَسِنَ وتَغيَّرَ، ولَحِقَهُ الكَدَرُ، إِنَّ أَصحابَ العُقولِ الرَّاشِدَةِ، والنُّفوسِ الطَّموحَةِ الأَبِيَّةِ، يَعملونَ بِجِدٍّ وإِيجابِيَّةٍ، لاَ يَتوقَّفونَ عَنْ عَملٍ، ولاَ يَتخلَّوْنَ عَنْ أَملٍ، إِنْ حَقَّقوا هَدَفاً أَرادوهُ رَصَدوا لَهُم هَدفاً آخَرَ، ثُمَّ اتَّجَهوا إِليهِ وقَصَدوهُ، وهَكَذا بِحَركَتِهم الدَؤوبَةِ وعَملِهم المُتواصِلِ لاَ يَرضَونَ بِالواقِعِ والحاصِلِ، دُونَ سُلوكِ الأَسبابِ وطَرقِ جَمِيعِ الأَبوابِ، وقَدْ جاءَ فِي الأَثَرِ: ((علَى العاقِلِ أَنْ يَكونَ بَصيراً بِزَمانِهِ، مُقْبِلاً علَى شانِهِ، حافِظاً لِلِسانِهِ)).

إِنَّ الرِّضا الذِي يُريدُهُ الإِسلاَمُ هوَ رِضا العامِلينَ، لاَ رِضا المُتواكِلينَ الخامِلينَ، ولَقَدْ ساقَ القُرآنُ الكَريمُ قِصَّةَ ذِي القَرنَيْينِ مَثَلاً للمُؤمِنِ الذِي يَعْملُ بِدأْبٍ واستِمرارٍ، لِنَشْرِ الخَيْرِ ودَرأِ الأَخطارِ، ومُكافَحَةِ الأَضرارِ، مُتسلِّحا بِالعَزيمَةِ والإِصرارِ، فَكانَ لاَ يَفتأُ أَنْ يُغَيِّرَ واقِعاً فِيهِ خَلَلٌ، حتَّى يَتَّجِهَ إِلى واقِعٍ آخَرَ؛ لِيَعمَلَ علَى تَقويِمِهِ وإِصلاَحِهِ بِجِدٍّ وعَزْمٍ، وعَمَلٍ مُتَّسِمٍ بِالضَّبطِ والحَزمِ، مُتَّبِعاً سَبباً بِسَببٍ، وعَملاً بِعَملٍ؛ فاستَطاعَ أَنْ يُبَدِّلَ الواقِعَ المَعِيبَ المَرذُولَ إِلى واقِعٍ صالِحٍ مَقْبولٍ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً، إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً))(14).

عــــِبادَ اللــــهِ :
إِنَّ الرَّفْضَ للواقِعِ المُعاشِ دُونَ مُساهَمَةٍ فِي الإِصلاَحِ بِهِمَّةٍ وإِيجابيَّةٍ يُعَدُّ مِنَ التَّصرُّفاتِ السَّلْبِيَّةِ التِي تَقتُلُ الطُّموحَ فِي النَّفسِ البَشريَّةِ، والطُّموحُ شَمْعَةٌ مُضِيئةٌ لاَ يَجوزُ بِحالٍ إِطفاؤها وإِخمادُها، بلْ ولاَ إِقصاؤها وإِبعادُها؛ فالطُّموحُ مَعَ اتِّخاذِ الأَسبابِ ارتِقاءٌ وارتِفاعٌ، وعَدمُهُ تَدنٍّ واتِّضاعٌ، يُؤدِّي إِلى الخُسْرانِ والضَّياعِ، وإِنَّ الطُّموحَ يَدفَعُ الإِنسانَ دَفعاً إِلى العَملِ، ويُذكْي فِيهِ رُوحَ الأَملِ، ومَنْ رَفَضَ الواقِعَ دُونَ عَملٍ وحَركَةٍ وَأَدَ وقتَهُ ونَزَعَ مِنهُ البَركَةَ، إِنُّ كُلَّ لَحظَةٍ تَضِيعُ مِنْ عُمُرِ الإِنسانِ دُونَ عَملٍ مُثمِرٍ بِنّاءٍ هيَ أَوقاتٌ غَبَنَها الإِنسانُ حَقَّها، يَقولُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((نِعْمتانِ مَغْبونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ))، وقَدْ قِيلَ: ((إِنْ لَمْ يَكُنِ الشُّغْلُ مَحْمَدةً كانَ الفَراغُ مَفْسَدَةً، فَلاَ تُفْرِغْ قَلبَكَ مِنْ فِكْرٍ، ولاَ وَلَدكَ مِنْ تأدِيبٍ؛ فَإِنَّ القَلبَ الفَارِغَ يَبْحَثُ عَنِ السُّوءَ، واليَدَ الفارِغَةَ تُنازِعُ إِلى الآثامِ)).

فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، وَعِيشوا واقِعَكُم، وتَعامَلوا مَعَهُ بِما يُصلِحُ أَعمالَكم، يُحَقِّقِ اللهُ آمالَكُم.

هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْث
ُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا ))(15).

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجمع كلمتهم عَلَى الحق، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظالمين، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعَبادك أجمعين.

اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.

عِبَادَ اللهِ :(( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )).
🎤
محاضرة.قيمة.بعنوان.cc
هــو ســمـاكــم الـمســلمــين
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

عناصر المحاضرة :
~ هو سماكم المسلمين
~ حقيقة الانتماء للإسلام ومعياره
~ مقتضيات الانتماء للدين
~ قوادح الانتماء للدين

هو سماكم المسلمين :
إن أعظم نعمة وأرفع هُويَّة وأشرف نسبة هي أن ينسب المرء للإسلام قال تعالى: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج: 78]. فنسبة المرء لهذا الدين وانتماؤه إليه هي منبع العزة ومصدر الشرف قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله. (1)

وإن اعتزاز المسلم بالانتماء لدينه وصف لا ينفك عنه حتى في لحظات الضعف بل في لحظات الهزيمة

فهذا يوسف عليه السلام
يلقيه أخوته في غيابة الجب ليلتقطه سيارة فيبيعونه بثمن بخس دراهم معدودة؛ ثم يتعرض لفتنة امرأة العزيز فيسجن مظلوما على الرغم من طهره وعفافه ولكن هذه الظُّلامات وتلك الملمَّات لم تمنعه أن يجهر في محبسه باعتزازه بدينه وعراقة نسبه وانتمائه إليه وبراءته مما سواه {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [يوسف: 37- 38]

والجزاء من جنس العمل فقد امتن الله عليه بعدما مكث في السجن بضع سنين

وصيره عزيزا في مصر ليأتيه أخوته سائلين راجين واصفين إياه بلقب العزيز كما أخبر رب العزة {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف: 88]

حقيقة الانتماء للإسلام ومعياره

إن انتماء المرء لدينه يحمل معنى الاستسلام لله بتوحيده والانقياد له بطاعته والخضوع والذل له وحده؛ وثمرة هذا أن يؤثر الدين في سلوك المتدين؛ قال تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة: 138] قال القرطبي: فسمي الدين صبغة استعارة ومجازا من حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين، كما يظهر أثر الصبغ في الثوب. (2)

وحقيقة الانتماء للإسلام ليست شعارات ترفع أو دعوى مجردة عن العمل ذلك أن العمل داخل في ماهية الإيمان ومسماه وهذا من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة؛ قال البخاري رحمه الله: لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم. . ثم سمى جماعة منهم، ثم قال: فما رأيت واحدا منهم يختلف في هذه الأشياء: أن الدين قول وعمل؛ وذلك لقول الله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةِ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] (3)

من أجل ذلك كانت أوثق أسباب الروابط بين المسلمين نتاج التوافق في الدين

والمعتقد السليم والمنهج الصحيح، قال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]

وقال تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ

أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)} [[هود: 45-46]

وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114]

مقتضيات الانتماء للدين

أولا: موافقة الشرع ومتابعة
النبي - صلى الله عليه وسلم-

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: دين الإسلام مبني على أصلين:

- أن نعبد الله وحده لا شريك له

- وأن نعبده بما شرعه من الدين

وهو ما أمرت به الرسل أمر إيجاب أو أمر استحباب، فيُعبد في كل زمان بما أمر به في ذلك الزمان. فلما كانت شريعة التوراة محكمة كان العاملون بها مسلمين، وكذلك شريعة الإنجيل.

وكذلك في أول الإسلام لما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي إلى بيت المقدس كانت صلاته إليه من الإسلام، ولما أُمر بالتوجه إلى الكعبة كانت الصلاة إليها من الإسلام، والعدول عنها إلى الصخرة خروجًا عن دين الإسلام. (4)

فلا يكفي لقبول العمل أن يكون خالصا لله بل لابد أن يكون موافقا لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-

قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ ا
لرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم

ْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]

وقال: تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]

وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]، فجعل محبة العبد لربه موجبة لاتباع الرسول، وجعل متابعة الرسول سببا لمحبة الله عبده.

وعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى. (5)

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ. (6)، وفي رواية لمسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. (7)

ومتابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- من لوازم شهادة أن محمدا رسول الله، ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى وزجر، وألا يُعبد الله إلا بما شرع. (8)

ثانيا: اتباع منهج السلف الصالح وتقديم فهمهم للنصوص

المقصود بالسَّلَف: أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن تبِعَهم بإحسان، فلم يَخْرُج عن منهجهم.

ومن دلائل صدق الانتماء إلى الدين اتباع منهج السلف الصالح واتباع طريقهم وتقديم فهمهم للنصوص، وقد قامت الأدلة على ربط الهداية والفوز باتباع منهج السلف الصالح من الصحابة ومن سار على نهجهم قال تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} [البقرة: 137]

وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]

قال ابن القيم: ومن المحال أن يخطئ الحق في حكم الله خير قلوب العباد بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويظفر به من بعدهم. (9)

وقد توعد رب العزة من خالف طريق الصحابة وسلك غير سبيلهم؛ قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]؛ فاتباع طريق الصحابة والسلف الصالح فرع عن اتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-

ويتميز علم السلف الصالح وفهمهم بالصفاء والاقتصار على ما ينفع وعدم الخوض في الجدال والخصام.

وما ظهرت البدع وتفرقت الأمة إلا عند الإعراض عن فهم السلف من الصحابة ومن تبعهم كما فعل الخوارج عندما خرجوا على المسلمين محتجين بفهمهم لنصوص الكتاب والسنة على نحو يخالف فهم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وكان من نتيجة ذلك ما قاله ابن عبد البر: هم قوم استحلوا بما تأولوا من كتاب الله ( عز وجل ) دماء المسلمين وكفروهم بالذنوب وحملوا عليهم السيف. (10)

فضلوا السبيل فلم تغن عنهم كثرة قراءتهم وعبادتهم شيئا كما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- من شأنهم: يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ

يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ. (11)

وقد أمَر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتمسُّك بِفَهْم أصحابه، فقال: فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ. (12)

وسنة الخلفاء الراشدين أي ما فهموه لأنهم لا يخرجون عن الكتاب والسنة ليشرعوا تشريعًا جديدًا

ثالثا: الانتماء إنما يكون للدين وليس للأشخاص ولا الأفكار

قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}، قال ابن القيم: فأخبر سبحانه أن الهداية في طاعة الرسول لا في غيرها، فإنه معلق بالشرط فينتفي بانتفائه. (13)

وقال ابن القيم: قال الشافعي، رحمه الله: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس. (14)

وقال ابن القيم: إن الحجة الواجب إتباعها على الخلق كافة إنما هو قول المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وأما أقوال غيره فغايتها أن تكون سائغة الاتباع فضلاً عن أن يعارض بها النصوص. (15)

رابعا: التسليم لكل
ما جاءنا من الله وصح عن رسول الله -ص

لى الله عليه وسلم-

إن التسليم للنصوص الشرعية تابع لقوة الإيمان وضعفه فكلما قوي الإيمان ازاد التسليم لنصوص الشارع وكلما ضعف الإيمان ضعف التسليم للنصوص الشرعية؛ لذا فقد أثنى رب العزة على من أسلم وجهه لله فقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء: 125]

وقال تعالى {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: 22]

عن معاذة، قالت: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ. فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ. (16)

خامسا: ترسيخ عقيدة الولاء والبراء

الولاء معناه المحبة والمودة والقرب، والبراء هو البغض والعداوة والبعد، والولاء والبراء أمر قلبي في أصله. . لكن يظهر على اللسان والجوارح. . فالولاء لا يكون إلا لله تعالى ورسوله --صلى الله عليه وسلم-- وللمؤمنين كما قال سبحانه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 55] فالولاء للمؤمنين يكون بمحبتهم لإيمانهم، ونصرتهم، والإشفاق عليهم، والنصح لهم، والدعاء لهم، والسلام عليهم، وزيارة مريضهم وتشييع ميتهم ومواساتهم

وإعانتهم والسؤال عن أحوالهم، وغير ذلك من وسائل تحقيق هذا الولاء. (17)

ولا يكون الولاء لمن وافق في الدين والعقيدة الصحيحة

قال تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ

أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)} [[هود: 45-46]

وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114]

البراء والولاء لله سبحانه: أن يتبرأ الإنسان من كل ما تبرأ الله منه كما قال سبحانه وتعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا} [الممتحنة: 4]، وهذا مع القوم المشركين كما قال سبحانه: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3].

فيجب على كل مؤمن أن يتبرأ من كل مشرك وكافر. فهذا في الأشخاص.

وكذلك يجب على المسلم أن يتبرأ من كل عملٍ لا يرضي الله ورسوله وإن لم يكن كفراً، كالفسوق والعصيان كما قال سبحانه: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7].

وإذا كان مؤمن عنده إيمان وعنده معصية، فنواليه على إيمانه، ونكرهه على معاصيه. (18)

والبراءة من الكفار تكون: ببغضهم - ديناً - وعدم بدئهم بالسلام وعدم التذلل لهم أو الإعجاب بهم، والحذر من التشبه بهم، وتحقيق مخالفتهم - شرعاً - وجهادهم بالمال واللسان والسنان، والهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام وغير ذلك من مقتضيات البراءة منهم. (19)

ونقل ابن مفلح عن عقيل قوله: إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة. . . إلى أن قال: وهذا يدل على برودة الدين في القلب. (20)

قوادح الانتماء للدين

أولا: التفرق والتحزب
إن الله تعالى قد نهى عن التفرق والخصام فقال: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]

وقال: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 32]

وإن من أكبر أسباب التفرق ترك ما أمر الله به واتباع الشبهات والأهواء

قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 14]. قال شخ الإسلام ابن تيمية: فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا وإذا اجتمعوا صلحوا وملكو
ا؛ فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب. (21)

قال ابن رجب رحمه الله: وأما فتنة الشبهات والأهواء المضلة فبسببها تفرق أهل القبلة وصاروا شيعا وكفر بعضهم بعضا، وأصبحوا أعداءً وفرقا وأحزابا بعد أن كانوا إخوانا قلوبهم على قلب رجل واحد، فلم ينج من هذه الفرق إلا الفرقة الواحدة الناجية، وهم المذكورون في قوله -صلى الله عليه وسلم-: لا تزال طائفة من أُمتي ظاهرين على الحق لا

يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك. (22)

ثانيا: التشبه بغير المسلمين يقدح في الانتماء للدين

لقد أرادت الشريعة الإسلامية أن تجعل للمسلم شخصية متميزة عن غيره في الظاهر والباطن؛ وقد منع الشارع الحكيم التشبه بالكفار في عاداتهم وعباداتهم وأعيادهم وملابسهم فمن حديث أنس بن مالك عند مسلم، وفيه أن اليهود قالوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ. (23)

فالتشبه بغير المسلمين يقدح في صدق انتماء المرء لدينه.

وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية بعضا من أخطار التشبه بغير المسلمين وهي:

1- المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبا وتشاكلا بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس؛ فإن اللابس ثياب أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة - مثلا - يجد من نفسه نوع تخلق بأخلاقهم، ويصير طبعه متقاضيا لذلك، إلا أن يمنعه مانع.

2- ومنها: أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال، والانعطاف على أهل الهدى والرضوان، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين.

وكلما كان القلب أتم حياة، وأعرف بالإسلام - الذي هو الإسلام، لست أعني مجرد التوسم به ظاهرا أو باطنا بمجرد الاعتقادات من حيث الجملة - كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطنا وظاهرا أتم، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد.

3- ومنها: أن مشاركتهم في الهدي الظاهر، توجب الاختلاط الظاهر، حتى يرتفع التميز ظاهرا، بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين إلى غير ذلك من الأسباب الحكمية.

هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحا محضا لو تجرد عن مشابهتهم، فأما إن كان من موجبات كفرهم؛ كان شعبة من شعب الكفر؛ فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع معاصيهم.(24)

والحمد لله رب العالمين

••••━══════✿══════━••••

(1) أخرجه الحاكم (207)، وصححه الألباني في الصحيحة (1/117- 118)
(2) تفسير القرطبي (2/ 144)
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 195)
(4) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 69)
(5) أخرجه البخاري (7280)
(6) أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718)
(7) أخرجه مسلم (1718)
(8) مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، 1/190.
(9) إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 106)
(10) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار (8/ 85)
(11) أخرجه البخاري (3610)، ومسلم (1064)
(12) أخرجه أحمد (4/127)، وأبو داود (4609) من حديث العرباض
(13) الرسالة التبوكية = زاد المهاجر إلى ربه (ص: 37)
(14) إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 6)
(15) الرسالة التبوكية (ص: 37)
(16) أخرجه مسلم (335)
(17) أبحاث في الاعتقاد عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف (ص: 28- 29)
(18) انظر: مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين - باب الولاء والبراء.
(19) أبحاث في الاعتقاد (ص: 28- 29)
(20) الآداب الشرعية والمنح المرعية (1/ 237)
(21) مجموع الفتاوى (3/ 421)
(22) كشف الكربة في وصف أهل الغربة لابن رجب (ص: 319)
(23) أخرجه مسلم (302)
(24) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/ 93 - 94)
🎤
خطـبــــة.الـكـســــــوف.cc
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الأولـــى.cc
الحمد لله الملك القهار العظيم الجبار خلق الشمس والقمر وسخر الليل والنهار، فسبحانه من إله عظيم خضعت له الرقاب ولانت لقوته الصعاب، توعد بالعقوبةِ من خرج عن طاعته ﴿ وَلَوْيُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْدَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ﴾ [فاطر: من الآية45] ويجازيهم على أعمالهم يوم الحساب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له من غيرِ شكٍ ولا ارتياب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب؛ وسلم تسليماً كثيراً.

أمـــا بعـــد :
فيا أيها الناس اتقوا ربكم، واشكروه على ما سخر لكم من مخلوقاته قال تعالى: ﴿ وسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِيالْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾ [الجاثـية: من الآية13] ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ والنهار * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [ابراهيم:32-34].

إخوة الإسلام : إن الله سخر لكم ذلك وهو في غنىً عنكم، وأنتم أشدُّ ما تكونون إليه افتقارا ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر:15]

أيها المسلمون :
إن الله سخر لكم الشمس والقمر دائبين، لتعلموا بمنازل القمر عدد السنين والحساب، ولتتنوع الثمار بمنازل الشمس بحسب الفصول والأزمان، سخر الله الشمس والقمر يسيران بنظام بديع وسير سريع ﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴾ [الرحمن:5]، لا يختلفان علواً ولا نزولاً ولا ينحرفان يميناً ولا شمالاً ولا يتغيران تقدماً ولا تأخراً عما قدر الله لهما في ذلك ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [النمل: من الآية88]

أيها المسلمون :
إن الشمس والقمر آيتان من آيات اللهِ الدالة على كمال علمه وقدرته؛ وبالغ حكمته؛ وواسع رحمته؛ آيتان من آيات الله في عِظَمِهِما؛ آيتان من آيات الله في نورهما وإضاءتهما ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً ﴾ [الفرقان:61]؛ آيتان من آيات الله في سيرهما وانتظامهما ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يـس:38-40].

إخـــوة الإيـمـــان :
إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله مخلوقان من مخلوقات الله ينجليان بأمر الله وينكسفان بأمر الله؛ فإذا أراد الله عز وجل أن يخوف عباده من عاقبة معاصيهم ومخالفاتهم كسفهما باختفاءِ نورِهما كلِّه أو بعضِه؛ إنذارا للعباد وتذكيرا لهم لعلهم يحدثون توبة فيقومون بما يجب عليهم من أوامر الله؛ ويُبْعِدُون عما حَرُمَ عليهم من نواهي الله، ولقد كثر الكسوف في هذا العصر؛ فلا تكاد تمضي السنةُ حتى يحدثَ كسوف في الشمس أوالقمر أو فيهما جميعا؛ مرة أو مرتين، وما ذلك إلا لكثرة المعاصي والفتن في هذا الزمن، فلقد انغمس أكثر الناس في شهوات الدنيا ونسوا أهوال الآخرة؛ وأترفوا أبدانهم وأتلفوا أديانهم؛ أقبلوا على الأمور المادية المحسوسة وأعرضوا عن الأمور الغيبية الموعودة المحتومة.

وإن من المؤسف أن كثيرا من أهل هذا العصر تهاونوا بأمر الكسوف فلم يقيموا له وزنا؛ ولم يحرك منهم ساكنا، وما ذلك إلا لضعف إيمانهم وجهلهم بما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمر الكسوف؛ واعتمادهم على ما عُلم من أسباب الكسوف الطبيعية؛ وغفلتهم عن الأسباب الشرعية والحكمة البالغة التي من أجلها يُحدِث الله الكسوف بأسبابه الطبيعية، فالكسوف بلا شك له أسبابٌ طبيعية يقر بها المؤمنون والكافرون، وله أسباب شرعية يقر بها المؤمنون وينكرها الكافرون؛ ويتهاون بها ضعيف الإيمان، فلا يقومون بما أمرهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفزع إلى الصلاة والذكر والدعاء والاستغفار والصدقة والعتق والتكبير هذه سبعة أمور أمر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - عند حدوث الكسوف .

ولقد كسفت الشمس في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة واحدة في آخر حياته في تسع وعشرين من شوال في السنة العاشرة من الهجرة حين مات ابنه إبراهيم؛ وذلك في يوم شديد الحر فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فزعا إلى المسجد؛ وأمر منادي ينادي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس في المسجد رجالا ونساءً .

فقام فيهم نبيهم صلوات الله وسلامه عليه وصلَّوا خلفه؛ فكبر وقرأ الفاتحة وسورة طويلة
الله، وما بينكم وبين هذه المحاسبة إلا الموت الذي يأتي بغتة.


اللهم عافنا ومجتمعاتنا من الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين.

اللهم لا تؤاخذنا بسوء أعمالنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا.

اللهم تب على التائبين
بقدر سورة البقرة يجهر بقراءته ثم ركع ركوعا طويلا جدا ثم رفع وقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم قرأ الفاتحة وسورة طويلة لكنها أقصر من الأولى ثم ركع ركوعا طويلا دون الأول ثم رفع وقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد وقام قياما طويلا نحو ركوعه ثم سجد سجودا طويلا جدا نحوا من ركوعه ثم رفع وجلس جلوسا طويلا ثم سجد سجودا طويلا ثم قام إلى الركعة الثانية فصنع مثل ما صنع في الأولى لكنها دونها في القراءة والركوع والسجود والقيام ثم تشهد وسلم وقد تجلت الشمس .

ثم قام فخطب خطبة عظيمة بليغة فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال:
(أما بعد فإن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده لينظر من يحدث منهم توبة وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة وإلى ذكر الله ودعائه واستغفاره وفي رواية فادعوا الله وكبروا وتصدقوا حتى يفرجَ الله عنكم وفي رواية حتى ينجلي)

وأمر - صلى الله عليه وسلم - الأُمَّة بالعتق، وقال: (يا أُمّة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبدُه أو تزني أمته، يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وأيم الله يعني والله لقد رأيت منذ قمت ما أنتم لاقوه من أمر دنياكم وآخرتكم، ما من شيء لم أكنرأيته إلا رأيته في مقامي؛ هذا حتى الجنة والنار؛ رأيت النار يحطم بعضها بعضا، فلم أَرَ كاليوم منظرا قط أفظع.. إلى آخر موعظته البليغة العظيمة

عباد الله، إن فزعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - للكسوف وصلاتَه هذه الصلاة وعَرْضَ الجنة والنار عليه فيها ورؤيتَه لكل ما نحن لاقوه من أمر الدنيا والآخرة ورؤيتَه الأمّة تفتنُ في قبورها وخطبتَه هذه الخطبة البليغة وأمرَه أُمَّتَه إذا رأوا كسوف الشمس أو القمر أن يفزعوا إلى الصلاة والذكر والدعاء والاستغفار والتكبير والصدقة وأمرَه بالعتق؛ كلُّ هذا يدل دلالة واضحة على عظم الكسوف، وأن صلاة الكسوف مؤكدة جدا حتى إن بعض العلماء قال إنها واجبة وأن من لم يصلها فهو آثم وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنها فرض كفاية.

أيها الإخوة؛ صلى نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ركعتين؛ في كل ركعة ركوعان وسجودان؛ بقراءة جهرية؛ ومن فاتته الصلاةُ مع الجماعة فليقضِها على صفتها إلا أن ينجلي الكسوف، ومن دخل مع الإمام قبل الركوع الأول فقد أدرك الركعة؛ ومن فاته الركوع الأول فقد فاتته الركعة؛ لأن الركوع الثاني لا تدرك به الركعة.

أيها المسلمون؛ اعتبروا بآيات الله واتعظوا بها وأحدثوا توبة لعل الله يتوب عليكم؛ فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين. اللهم إنا نسألك أن توفقنا لتعظيمِك والخوفِ منك، وأن ترزقنا الاعتبارَ بآياتِك والانتفاعَ بها؛ إنك جواد كريم برٌّ غفور رحيم.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
أيها المسلمون فلقد سمعتم شيئا من موعظة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن انتهى من صلاة الكسوف وسمعتم فيها أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ما من أحد أغير من الله أن يزني عبدُه أو تزني أَمَتُه، وهذا فيه إشارة إلى عظم الزنا؛ وأنه سبب للعقوبات التي ينذر الله عباده منها بهذه الكسوفات،

أيهاالمسلمون؛ إن الزنا مَحْقٌ للناس؛ فسادٌ في الأنساب، فسادٌ في المجتمع؛ فسادٌ في الأخلاق، ولذلك حذر الله منه ووصفه بالفاحشة فقال: ﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَفَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾ [الاسراء:32] وأمر الله تعالى بإتلاف من زنى وهو محصن أن يرجم بالحجارة حتى يموت من الدنيا؛ لأنه عضو فاسد حيث زنى بعد أن من الله عليه بالنكاح.

يجب علينا جميعا أن نكون حذرين من هذه الخصلة الذميمة وهذا الخلق السافل بأن نفعل كل ما يكون عونا في القضاء عليه، ونبتعد عن كل سبب يقرب منه لأن الله تعالى قال: ﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾ [الاسراء: من الآية32]

إخوة الإسلام؛ إن للزنا أسبابا كثيرة منها ضعف الإيمان، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، لأنه لو كان مؤمنا بالله وعظمته وما رتب على الزنا من عقاب لم يباشر الزنا، ولو تذكر عظمة الله ما جلس بين فخذ امرأة لا تحل له.

ومن أسباب ذلك ما يُرى من تبرج النساء عند الخروج إلى الأسواق وغيرها إغراءً في اللباس والطيب مما يفتن الرجال، وكذلك الاختلاط بين الرجال والنساء في دوائر العمل والتعليم وغيرها، ولهذا يجب عليكم أنتم أيها الرجال وأنتم أصحاب المسؤولية وأنتم الذين قال الله فيكم ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ [النساء: من الآية34] وقال فيكم رسوله - صلى الله عليه وسلم -: (الرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته)
يجب عليكم أن تمنعوا نساءكم من الخروج على هذه الأوجه المحرمة.

ومن أسباب الزنا أيضا ما يشاهد في كثير من الفضائيات وغيرها من التفسخ والتعري مما يدعوا إلى الفساد والانحلال ويشجع على الفواحش، فاحذروا أيها المسلمون كلَّ أسبابِ الزنا فإنه فساد الديار وهلاك الأمم.

احذروا على أنفسكم وعلى من ولاكم الله أمرهم. فإنكم مسؤولون عن هذا أمام
⛅️ #إشــツـراقة_الصبـاح

❁ الجمــ☼ــعــة ❁
١٩/ ذو القـ⑪ـعدة/ ١٤٣٨هـ
11/ أغـسـ⑧ــطس/ 2017مـ ❂:::ــــــــــــــــــ✺ـــــــــــــــــ:::❂
‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏﴿ حَتَّىٰ إِذَا ركِبا فِي السَّفِينةِ خَرقَها ﴾
كان في خرق السفينة نجاتهم !
قد يرحمك الرحمن من طريقٍ تكرهه !
وقد يجعل نجاتك من امر لا تتوقعه!...♡

﴿ اللَّهُم صَلِّ وسَـلِّم علَى نَبِينَا םבםבﷺ ﴾
‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏
صبــــاح الثقة بالله...@
*إشراقة الصباح*
تذكر أنه ببزوغ يوم الجمعة
فإن هناك حبيبا ينتظر صلاتك
وسلامك عليه
وساعة مبهمة تنتظر دعواتك فيها
المستجابة بإذن اله
وقبر يترقب أن تنير ظلمته بقراءتك
لسورة الكهف
ويوم عظيم ينتظر منك نور أعمالك الصالحة.
☆ *أذكار الصباح*☆
أذكآر الصبآح | نور لِقلبك

🔹 *همسة غالية*🔹
‌‏المتأمّل في اللطف الذي يسوقه الله إليه يستشعر نعمة الله عليه حتى في دقائق
الأمور التي لا يراها أحدٌ غيره

*‏وما الجمعة إلا نور لقلبك ؛ رتّل كهفك* ،
*صل على نبيك ، وإبعث7 دعواتك لربك* ♡
https://t.co/xghv8jgXgH
سورة الكهف
https://t.co/CC4g1IElxV

💎 *درر الطريفي*💎
من أسباب زوال الهموم وغفران الذنوب الصلاة على النبي ﷺ، ويوم الجمعة يكون أثر الصلاة أعظم، قال النبي ﷺ للمصلي عليه (تُكفى همك ويُغفر لك ذنبك)
♢ عبدالعزيز الطريفي ♢

📩 *أيهما أقدّم*
سداد الدَّين أم الحج ؟..
يجيب ناصر العمر 👇🏻
https://safeshare.tv/submit?url=https%3A%2F%2Fyoutu.be%2FofFd7s4KSlc

‏﴿ *والـضُّـحَـى* ﴾
لا يُقسم الرَّحمٰن إلا بشـيءٍ عظـيم
فـ هـنيئًا لمن جعـل لـہُ ركعـتان يتصدق بـﮫـما عـن مفاصلــہ !
*الضُّـحـى صــلاة الأوَّابيــن*

》 *وختااما*《
مادمت بالله مؤمن، وتعلم سعة رحمته، وتعلم حكمته وعلمه ورأفته ﷻ؛ فلمَ تبتئس وأنت لاتعلم أين الخير؛ فلربما في ثنايا ماتراه شرًا فيه خير كثير.
*فاترك الامر لله ولا تخف*
¤¤¤¤¤
عطر الله جمعتك برياحين الجنة
وظللك بأغصان بساتينها
وسقاك من زلال كوثرها
وجعلك من المغتنمين لوقتها
بكثرة الصلاة على الحبيب المصطفى
والتالين لسورة الكهف
الناجين في يوم النفخ والحشر
الثابتين على الحق
*حتى لقاء حبيبنا
محمد صل الله عليه وسلم*
ﮩ•┈••✾•◆❀◆•✾••┈•ﮩ
🌙 *همسة المساء*🌙
*‏ساعةُ الجمعة*
‏شرفُها معلوم ، وفضلها ثابت ،
‏كم مِن همٍّ أُزيح ، وغمٍّ أُزِيل ، ودينٍ قُضِي، وعافيةٍ عادتْ ، وشتاتٍ أَذِن الله لهُ في اجتماع!
*ش/ أحمد المغيري حفظه الله
💐 *مساؤكم دعوات مستجابة*
☆ *أذكار المسـاء*☆
#أذكار_المساء | تزود بها
🌙🌙
🔹 *همسة غالية*🔹
قصة ذي القرنين تشحذ همة المؤمن وتعلي منها، إذ سعى وجد واجتهد حتى بلغ حيث انتهت طاقته، ولم يفرط في شيء مما أوتيه من أسباب.
🌙🌙
🍁 *علمتني_سورة_الكهف*
قال تعالى: 
{ ولا يشعرنَّ بكم أحدًا }
قال أهل العلم يستفاد من هذه الآية : 
مشروعية كتمان بعض الأعمال وعدم إظهارها .
🌙🌙
*اللديغُ الذي قرأ وِردَهُ* ‼️..
🔮 *قصة عجيبة يرويها*
الشيخ د/ ناصر العمر..
https://safeshare.tv/submit?url=https%3A%2F%2Fyoutu.be%2FWgtORDTk3N0
🌙🌙
》 *وختااما*《
قال رسول الله ﷺ :
( إنَّ في الجمُعةِ ساعةً لا يوافقُها عبدٌ مُسلمٌ ، يسألُ اللَّهَ فيها شيئًا ، إلَّا أعطاهُ إيَّاه )ُ
. . صحيح النسائي
قال رسول الله ﷺ :
( التمسُوا الساعةَ التي تُرجَى في يومِ الجمُعَةِ، بعدَ العصرِ إلى غيبوبةِ الشمس )ِ
. . صحيح الترمذي
قال رسول الله ﷺ :
( إنَّ ربَّكم حَيِيٌّ كريمٌ ، يَسْتَحْيِي من عبدِه – إذا رفع يَدَيْهِ إليه – أن يَرُدَّهُما صِفْرًا )
. . صحيح أبي داود
●□●□●
♢اللّهُمَ اجْـعَل لنا في هذه الساعة من هذه الجمعة ساعة إجابة.. 
جَابرَةً لِلقُلوبْ 
سَاتِـرَةً لِلعُيْوبْ 
ماحِيَةً لِلذُنُوبْ مُفْرجَةًلِلكرُوبْ.
♢اللهم اجعل هذه الجمعة حاملة لنا من الخير فوق ما نرجوا . .
واشرح صدورنا . .
وارحم موتانا . .
واشف مرضانا . .
واجعلها جمعةخير لأمورنا كلها...
💎 *مساء الخيرات*💎
•┈••✾•◆❀◆•✾••┈•
⛅️ #إشــツـراقة_الصبـاح

✵ السبت ✵
٢٠/ ذو القـ⑪ـعدة/ ١٤٣٨هـ
12/ أغـسـ⑧ــطس/ 2017مـ ❂:::ــــــــــــــــــ✺ـــــــــــــــــ:::❂
‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏
‏أخفى الله القبول لتبقى القلوب
على وجل..
وأبقى باب التوبة مفتوحاً ليبقى
الانسان على أمل..
وجعل العبرة بالخواتيم لئلا يغتر
أحد بالعمل!...♡
‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏
صبــــاح حكمة الله...@

.
.واحة الخطيب
خطبة هذا الاسبوع بعنوان ⬇️

#كيف_النجاة_من_الواقع_المُر

🕌🕌🕌🕌🕌🕌
#الخطبة_الأولى

الحمد لله كاشفِ الضرَّاء ورافعِ البَلوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الآخرة والأولى، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه أفضلُ من تضرَّع إلى ربِّه ودعا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ أهلِ التقوى.

أما بعد، فيا أيها المُسلمون:
أُوصِيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فهي سبيلُ الفلاح فيا الدنيا وفي الأُخرى.

أيها المسلمون:
إن البشرَ على مُستوى مُجتمعهم وأفرادهم يمُرُّون في هذه الدنيا بأحوالٍ؛ منها حال البأساء والضرَّاء، حال المِحَن والمتاعِب والبلاء، وهكذا حالُ هذه الدنيا الفانِية الزائِلة، الدنيا التي تتنوَّعُ فيها الهُمومُ، وتتلوَّنُ فيها الغُموم.

وإن مُجتمعات المُسلمين اليوم يُعانُون من مضائِق لا نهاية لها، ويُقاسُون آلامًا لا حدَّ لها، وإلى الله المُشتكَى، وهو المُستعان، وعليه التُّكلان.

إن واقعَ المُسلمين اليوم يمُرُّ بمراحل خطِرة، وأزماتٍ مُتتابِعة؛ فكم هي المِحَن التي تقع؟! وكم هي الفتنُ التي تعصِفُ؟!

أسألُ اللهَ أن يُفرِّجَ الكربةَ ويكِشِفَ الغُمَّة، إنه هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

إخوة الإسلام:
إن المُتأمِّل في حال المُسلمين مع هذه الحالِ التي وصفْنا يجِدُ عجبًا من الغفلة عن المنهج القُرآنيِّ الذي رسمَه للمُسلمين، وخطَّه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - منهجًا واضحًا عند نزول الكُرُوب والشِّداد الخُطوب. المُسلمون لا يُمكنُ بأي حالٍ أن يجتازُوا مِحنةً أو أن يسلَموا من مُصيبةٍ إلا من مُنطلَق مبادِئَ قُرآنيَّةٍ وأُصولٍ نبويَّةٍ.

المُسلِمون لا تُحلُّ قضاياهم المُتعقِّدة، ولا يتخلَّصُون من مصائبِهم المُتعدِّدة بالتعلُّق بأي قوةٍ بشريَّةٍ مهما كانت بمَنأًى عن المنهج القرآني والتوجيه النبويِّ.

المُسلِمون أصحابُ رسالةٍ وذوو عقيدةٍ متينةٍ تقوم على الإخلاص بالتعلُّق بالخالق - عز وجل -، والتقوِّي بالقادر على كل شيءٍ - تبارك وتعالى -، والتوكُّل على القاهِر فوق عبادِه - جل وعلا -.

إن الأصلَ الأصيلَ والرُّكنَ الركينَ عند وقوع الكوارِث ونزول المصائِب أن يقطعَ المُسلِمون علائِقَهم إلا بالله - جل وعلا -، إخلاصًا وصدقًا، رغبًا ورهَبًا، تضرُّعًا ودُعاءً؛ فالأمةُ حُكَّامًا ومحكومين، شعوبًا وأفرادًا لا نجاةَ لهم من ضرَّاء، ولا مخلَصَ لهم من شقاءٍ إلا حينما يتيقَّنون بأن المخلَصَ لا يُمكنُ إلا من الخالقِ - جل وعلا -، المدعُوِّ عند الشدائد، المرجُوِّ عند النوازل، ﴿ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 63، 64].

إن المسلمين لم يسترِدُّوا أرضًا مُحتلَّة، ولم يتخلَّصُوا من عدوٍّ مُتغلِّبٍ إلا حينما تستقرُّ في قلوبِهم عقيدةٌ راسِيةٌ رُسُوَّ الجِبال، هي عقيدةُ التوحيد التي جاء بها محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، التي تتضمَّنُ أن الضرَّ لا يكشِفُه سوى الخالقِ، وأن البأساء لا يدفَعُها إلا البارئُ القادِرُ، ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

.
أخرج ابنُ أبي حاتم وغيرُه: أن مالك الأشجعيّ جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أُسِرَ ابني عوفٌ، فقال له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أرسِل إليه بأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يأمُرك أن تُكثِرَ من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله». فأتاه الرسولُ، فأخبرَ عوفًا بذلك، فأكبَّ عوفٌ يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.

وكانوا - أي: الأعداء - قد شدُّوه بالقدِّ، فسقط القدُّ عنه فخرَج، فإذا هو بناقةٍ لهم فركِبَها فأقبَلَ، فإذا هو بسَرحِ القوم الذين كانوا شدُّوه، فصاحَ بهم، فأتبعَ آخرُها أولَها، فلم يفجِع أبوَيْه إلا وهو يُنادِي بالباب. فقال أبوه: عوفٌ وربِّ الكعبة. فقالت أمُّه: عوفٌ كئيبٌ يألَمُ لما فيه من القدِّ. فاستبقَ الأبُ والخادمُ إليه فإذا عوفٌ قد ملأَ الفِناءَ إبِلاً، فقصَّ على أبيه أمرَه وأمرَ الإبل، فأتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرَه بخبر عوفٍ وخبر الإبل. فقال له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «اصنَع بها ما أحببتَ كما كنتَ صانِعًا بإبِلك»، ثم نزل قولُه - جل وعلا -: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].

فيا تُرى من يقِفُ عند هذه القصة من أبناء المُسلمين عند الشدائد والكُروب؟!

يا أمة سيد الثَّقَلَيْن:

ما لكم عن طوق النجاة غافِلون؟ وعن سبيل الفرَج لاهُون؟ أنِيبُوا إلى العزيز الغالِبِ عند حدوث الحادِثات، ﴿ وَنُوحًا إِذ
ْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنبياء: 76].

تضرَّعوا إلى المولَى - جل وعلا - عند نُزول المُلِمَّات، ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 87، 88].

بالدعاءِ الصادق، بالتوجُّه إلى الله - جل وعلا - تحصُل السّعة بعد الضيق، والعافيةُ بعد البلاء، ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 83، 84].

أفلا نستجيبُ إلى ربِّنا كما كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يفعلُ؟! ففي الحديث الصحيح: «اللهم رحمتَك أرجُو فلا تكِلني إلى نفسي طرفةَ عينٍ، وأصلِح لي شأني كلَّه، لا إله إلا أنت».

فمن أحسنَ الظنَّ بربِّه مُلتجِئًا إليه فرَّجَ عن الكُرُبات، وأزاحَ عنه المُلِمَّات، وسهَّلَ له الصعوبات. في الحديث القُدسي: «أنا عند ظنِّ عبدي بي، فليظُنَّ بي خيرًا».

وصدقَ من قال:
وإني لأرجُو اللهَ حتى كأنَّني
أرَى بجميل الظنِّ ما اللهُ صانِعُ

يا أمة الإسلام:

يا من أحاطَت بها الكُرُبات من كل جانبٍ! توجَّهُوا إلى الله وحدَه، وارجُوه - جل وعلا -، تضرَّعوا إليه، اطلُبوه - عز وجل -، حقِّقُوا دُعاءَ المسألة ودُعاءَ الطلب بصدقٍ وإخلاصٍ ويقينٍ تتحقَّقُ لكم عِزَّتُكم وأمنُكم وفلاحُكم وصلاحُكم، وإلا فمن رجَا غيرَ الله خابَ، ومن لاذَ بجنابِ غيره وُكِلَ إلى سرابٍ، وواقعُ الأمة عبرَ تأريخها أكبرُ شاهدٍ. قال - صلى الله عليه وسلم -: «من تعلَّق شيئًا وُكِلَ إليه».

يقول أبو يزيدٍ البِسطاميُّ: "عِشتُ مع الناس أربعين سنةً فوجدتُّهم أمواتًا غيرَ أحياء وما يشعُرون أيَّان يُبعَثون، فكبَّرتُ عليهم أربعَ تكبيراتٍ، ونفضْتُ يدِي منهم، وجدتهم لا يقطَعون ولا يصِلون، لا يُميتون ولا يُحيُون، لا يُقرِّبون ولا يُبعِدون، لا يُعِزُّون ولا يُذِلُّون، لا ينفعون ولا يضُرُّون". ثم قال مُتمثِّلاً:
لا تسألَنَّ بُنَيَّ آدم حاجةً
وسَلِ الذي أبوابُه لا تُحجَبُ
اللهُ يغضبُ إن تركتَ سُؤالَهُ
وترى ابنَ آدم حين يُسألُ يغضبُ

فيا تُرى هل يكونُ واقعُ الأمة حُكَّامًا ومحكومين أن يُراجِعوا أنفُسَهم وأن يُغيِّرُوا الحالَ عن الحالِ السابقةِ من التعلُّق بغير الله - جل وعلا - يمينًا ويسارًا، شرقًا وغربًا؟!

نعم، المُسلِمون لا تنقشِعُ عنهم مُلِمَّةٌ إلا بالتضرُّع الصادقِ إلى العزيز القدير، لا تُكشَفُ عنهم غُمَّةٌ إلا إذا أطاعُوا اللهَ مُخلِصين، وانقطَعوا إلى جنابِه، فهو على كل شيءٍ قديرٌ.

جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: إلا ما تدعُو؟ قال: «أدعُو إلى الله وحده الذي إن مسَّك ضرٌّ فدعوتَه كشفَ عنك، والذي إن ضللتَ بأرضٍ قَفرٍ فدعوتَه ردَّ عليك، والذي إن أصابَتك سنةٌ فدعوتَه أنبتَ لك».
وصدق من قال:
وصبرًا جميلاً ما أقربَ الفرَجًا
من راقبَ اللهَ ذي الأمر نجَا
من صدقَ اللهَ لم ينَلْهُ أذى
ومن رجاهُ يكونُ حيثُ رجَا

أيها المسلم:
إن أصابَكَ مرضٌ فالتجِئ إلى الله الشافي الكافِي، وإن أصابَتك فاقةٌ فتوجَّه إلى الله الغنيِّ الكافِي.

عن عُبيد بن أبي صالحٍ قال: دخلَ عليَّ طاوسٌ يعُودُني، فقلتُ له: ادعُ اللهَ لي يا أبا عبد الرحمن. فقال: ادعُ لنفسِك؛ فإنه يُجيبُ المُضطرَّ إذا دعاه.

وقال وهبُ بن مُنبِّه: "قرأتُ في الكتاب الأول: أن اللهَ - جل وعلا - يقول: بعِزَّتي إنه من اعتصنمَ بي فإن كادَته السماوات بمن فيهنَّ والأرضون بمن فيهنَّ فإني أجعلُ له من بين ذلك مخرَجًا، ومن لم يعتصِم بي فإني أخسِفُ به من تحت قدمَيْه الأرض، فأجعلُه في الهواء، فأكِلُه إلى نفسه".

يا شُعوبَ المُسلمين! إنكم تُعانُون وتُعانُون، فالتجِؤوا إلى الله - جل وعلا -.

ذكرَ شيخُ الإسلام ابن تيمية أثرًا إلهيًّا: "لا تُشغِلوا أنفُسكم بسبِّ المُلوك، أطيعُوني أُعطِّفهم عليكم".

يا من يُعاني من المصائب! الجَأ إلى الله بصدقٍ وإخلاصٍ. يا من أصابَته الضرَّاءُ! ابتهِل إلى العزيز القهَّار، ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].

ذكرَ الحافظُ ابنُ عساكرٍ عن رجلٍ قال: "كنتُ أُكارِي على بغلٍ لي من دمشق إلى بلد الزَّبَداني، فركِبَ معي ذات مرةٍ رجلٌ، فمرَرنا على بعض الطريق غير مسلُوكةٍ، فقال لي: خُذ في هذه فإنها أقرب، فقلتُ له: لا خبرةَ لي فيها، فقال: بل هي أقربُ، فسلَكناها فانتهينا إلى مكانٍ وعرٍ وو
ادٍ عميقةٍ وفيه قتلًى كُثُر. فقال لي: أمسِك رأسَ البغل حتى أنزِل، فنزلَ وتشمَّر وجمعَ عليه ثيابَه، وسلَّ سكينًا معه وقصدَني، ففررتُ من بين يديه، وتبِعَني فناشدتُّه اللهَ وقلتُ: خُذ البغلَ بما عليه، فقال: هو لي، إنما أُريدُ قتلَك. فخوَّفتُه اللهَ والعقوبةَ فلم يقبَل، فاستسلَمتُ بين يديه، وقلتُ: إن رأيتَ أن تترُكني حتى أُصلِّيَ ركعتين؟ فقال: عجِّل. فقمتُ أُصلِّي، فأُرتِجَ عليَّ في القراءة فلم يحضُرني منه حرفٌ واحدٌ، فبقيتُ واقِفًا مُتحيِّرًا، وهو يقول: هِيه ابرُك. فأجرى اللهُ على لساني قولَه - جل وعلا -: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62].

فإذا أنا بفارسٍ قد أقبلَ من فم الوادي وبيده حربةٌ، فرمَى بها الرَّجُلَ فما أخطأَت فؤادَه فخرَّ صريعًا، فتعلَّقتُ بالفارسِ وقلتُ: باللهِ من أنت؟ فقال: أنا رسولُ الذي يُجيبُ المُضطرَّ إذا دعاه ويكشِفُ السُّوءَ. قال: فأخذتُ البغلَ والحملَ ورجعتُ سالِمًا".

أيها المسلمون:
بالتوجُّه الصادق إلى الله - جل وعلا - يحصُل الفرَجُ بعد الشدَّة، ويحُلُّ اليُسرُ بعد العُسر، وإذا أوقدَت المكارِه، وأرسَت الخُطوب، وانقطعَت الحِيَل بالأرِيب؛ أتى اللُّطفُ من اللطيف المُستجيب.

فافرَحوا - أيها المسلمون -، وتيقَّنوا بمُناجاة الله وبدُعائه، وتحقيق التوحيد الخالص، والعمل الصالح، والنيَّة الصادقة؛ تُفلِحُ الأمة، وتقوَى شكوتُها، ويشتدُّ جانِبُها، مهما أحاطَ بها من خُطوبٍ وكُروبٍ.
وكلُّ الحادِثات وإن تناهَت
فموصولٌ بها فرَجٌ قريب

ولرُبَّ نازلةٍ يضيقُ بها الفتَى
ذرعًا، وعند الله فيها المخرَجُ
ضاقَت فلما استحكمَت حلقاتُها
فُرِجَت وكنتُ أظنُّها لا تُفرَجُ

فيا أمة الإسلام:
يا من أصابَهم الضرَّاء والبلواء! لا تقنَطوا من رحمة الله، لا تيأسُوا من روح الله، فمهما وقع بكم فاعلَموا أن لكم ربًّا عظيمًا، وإلهًا قادِرًا، كلَّ يومٍ هو في شأنٍ، يُزيلُ الكُرُبات، ويُفرِّجُ المُلِمَّات، حتى عن المُشرِكين إذا أخلَصوا، ألم يقُل اللهُ - جل وعلا -: ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [العنكبوت: 65].

فكيف بمن أسلمَ! فكيف بمن أُوذِيَ وهو مؤمن وتوجَّهَ إلى الله سرًّا وجهرًا، شدَّةً ورخاءً؟! فالشأنُ الأعظمُ هو الإخلاصُ، والتوجُّهُ الصادقُ إليه، ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].

وما حصلَ من قريبٍ لكثيرٍ من المُسلمين خيرُ شاهدٍ، واللهُ - جل وعلا - هو القادر على كل شيءٍ.

يا مَن يُعاني من ظُلم الظالمين، وعُتوِّ الطغاة والجبَّارين! لا تيأسُوا من النصرِ؛ فالنصرُ عند الله للمؤمنين وعدٌ غيرُ مكذوبٍ.

.
ذُكِر أن عجوزًا في عهد ابنِ الفُرات اعتدَى على بُستانٍ لها وأخذَه ابنُ الفُرات، فقالت له: اتَّقِ اللهَ فالدارُ داري، والله لأدعُونَّ عليك. فقال مُستهزِئًا: انتظري الثُّلُثَ الأخيرَ. فانتظرَت الثُّلُثَ الأخيرَ وهي تدعُو، فجاء الخليفةُ وغضِبَ وأخذَ ابنَ الفُرات، وجلَدَه وقطعَ يدَه وعلَّقَها عند باب الخِلافة. ومرَّت عليه وإذا هو يُجلَدُ في الظَّهيرة، فقالت: جزاك اللهُ خيرًا على نصيحتِك بثُلُث الليل الأخير، ثم قالت:

إذا جارَ الوزيرُ وكاتِباهُ
وقاضِ الأرض أجحفَ في القضاءِ
فويلٌ ثم ويلٌ ثم ويلٌ
لقاضِي الأرض من قاضِي السماءِ

وصدقَ من قال:
لطائِفُ الله وإن طالَ المَدى
كلَمحة الطَّرفِ إذا الطَّرْفُ بدَا

بارك الله لي ولكم فيما سمِعنا وعلِمنا، إنه على كل شيء قدير، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

.
#الخطبة_الثانية
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ.

أما بعد، فيا أيها المسلمون:
خُذوا من الأسباب المشروعة الحِسِّيَّة والمعنويَّة ما يُفرِّجُ الكُرَب، ويُذهِبُ الهمَّ، وينصُر على الأعداء، قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «عبادَ الله تداوَوا، لا تتداوَوا بحرامٍ».

ولكنَّ الشأن كلّ الشأن في تحقيق التقوى والإنابةِ إلى المولَى، والتوكُّل على البارِي - جل وعلا -، والتعرُّف عليه في الشدَّة والرخاء، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾[الطلاق: 2، 3].

فمتى قوَّت الأمةُ إيمانَها بالله - عزَّ شأنُه -، ووثَّقَت الصِّلةَ به - سبحانه - في كل شأنٍ، في جميع الأمور صغيرِها وكبيرِها، وحسُنَ ظنُّها بربِّها كشفَ عنها الضرَّاءَ، وأبدلَ شِدَّتَها رخاءً، وهمَّها فرجًا، وعُسرَها ي
ُسرًا.

هي الأيامُ والغِيَرُ
وأمرُ الله يُنتظَرُ
أتيأسُ أن ترى فرَجًا
فأين اللهُ والقدرُ؟

يا أيها الأمة:
أين الله والقدَر؟ فقدرُكم أنكم مربوطون بالقُرآن، مربوطون بسُنَّة سيد ولد عدنان، فما ابتعدتُّم عنهما أصابَكم الذلُّ، وأصابَتكم الكُروبُ والخُطوبُ مهما تعلَّقتُم بأيِّ قوَّةٍ من قُوى البشر.

إن المُؤمنَ متى استبطَأَ الفرَجَ وأيِسَ منه بعد كثرة دُعائِه وتضرُّعه، ولم يظهَر عليه أثرُ الإجابة؛ فإن الواجبَ أن يرجِعَ على نفسه باللائِمة، وأن يقول لها: إنما أُوتيتُ من قِبَلِك، ولو كان فيكي خيرًا لأُجِبتِ من الله - جل وعلا -.

قال ابنُ رجب: "وهذا اللومُ حينئذٍ أحبُّ إلى الله من كثيرٍ من الطاعات؛ فإنه يُوجِبُ انكِسارَ العبد لمولاه، واعتِرافَه له بأنه أهلٌ لما نزلَ به من البلاء، وأنه ليس بأهلٍ لإجابةِ الدُّعاء، فلذلك تُسرِعُ إليه حينئذٍ إجابةُ الدعاء، وتفريجُ الكُرَب؛ فإنه تعالى عند المُنكسِرة قلوبُهم من أجلِه، مُجيبًا سميعًا".

تعذَّرَ على جيش المُسلمين حين فتح كابُل الفتحَ، فدعا قائدُ الجيش: يا حيُّ يا قيُّوم - بصوتٍ مُرتفعٍ -، فارتجَّ الجيشُ بذلك صادقًا ومُخلِصًا، داعِيًا إلى الله سرًّا وجهرًا، ففُتِحَ على المُسلمين ما أرادوا، وأصبحَت بلادًا إسلاميَّةً بحمد الله.

ثم إن الله - جل وعلا - أمَرَنا بأمرٍ عظيمٍ، ألا وهو: الصلاةُ والسلامُ على النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وأنعِم على سيِّدنا ونبيِّنا محمدٍ، اللهم ارضَ عن الصحابةِ أجمعين، وعن الآل ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المسلمين، اللهم فرِّج هُمومَنا وهمومَ المُسلمين، اللهم ارفَع الضرَّاءَ عن المُؤمنين، اللهم حقِّق لهم الأمنَ والرخاءَ والاستِقرارَ يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اكشِف ما أصابَهم من غُمَّةٍ، اللهم اكشِف ما أصابَ المُسلمين من غُمَّةٍ.
اللهم اجمَع كلمةَ المُسلمين في مصر على التقوى، اللهم فرِّج عن المُسلمين في سُوريا، وفي فلسطين، وفي أفغانستان، وفي كل مكانٍ يا حي يا قيوم، اللهم هيِّئ للمُسلمين في لِيبيا أمرًا رشيدًا، اللهم احفَظ المُسلمين في اليمن، اللهم احفَظهم وأصلِح أمورَهم يا حي يا قيوم، اللهم أصلِح أمرَ كلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفَظ بلادَ المُسلمين، اللهم احفَظ بلادَ المُسلمين من مكر الأعداء، اللهم احفَظ المُسلمين من مكر الأعداء، اللهم احفَظ المُسلمين من مُخطَّطات الكفَّار والفُجَّار يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أقِم بلادَ المُسلمين على الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر، وعلى الطاعة والتقوى يا حي يا قيوم.
اللهم حبِّب إليهم التحاكُم إلى كتابك واتباع سنةِ نبيك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجعَله عامَ رخاءٍ علينا وعلى المُسلمين.
اللهم احفَظ بلاد الحرمين، اللهم احفَظ عليها أمنَها واستِقرارَها، اللهم احفَظ عليها أمنَها واستِقرارَها، اللهم احفَظ عليها أمنَها واستِقرارَها، وسائرَ بلاد المُسلمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّ وترضَى، اللهم ألبِسه لباسَ الصحة والعافية، اللهم وفِّقه ونائِبَه لما تحبُّه وترضاه يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ولِّ على المُسلمين خِيارَهم، اللهم ولِّ على المُسلمين خِيارَهم، اللهم ولِّ على المُسلمين خِيارَهم، اللهم لا تجعل للكفار عليهم يدًا ولا نعمة، اللهم لا تجعل للكفار على المُسلمين يدًا ولا نعمة يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

🍃🍃🍃🍃🍃🍃
2024/09/25 19:24:40
Back to Top
HTML Embed Code: