Telegram Web Link
نَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ

أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 32].

(24) عباد الرحمن: يبادرون بالتوبة إلى الله تعالى:
اللهُ تعالى حث عباده على المبادرة بالتوبة النصوح قبل أن تخرج الروحُ من الجسد، وعباد الرحمن هم أسرع الناس بالتوبة الصادقة.

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8].

قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 17].

(1) روى مسلم عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس، توبوا إلى الله؛ فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرةٍ))؛ (مسلم حديث: 2702).

(2) روى مسلم عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها))؛(مسلم حديث 2759).

(3) روى الشيخان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: ((أذنب عبد ذنبًا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي،فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي،فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمَل ما شئت فقد غفرت لك))؛(البخاري حديث: 7507/ مسلم حديث: 2758).

(25) عباد الرحمن يتوكلون على الله تعالى، ويأخذون بالأسباب المشروعة للوصول إلى أهدافهم:
قال سبحانه: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 58].

وقال جل شأنه: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [إبراهيم: 11].

روى الترمذي عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله، لرزقتم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا، وترُوح بطانًا))؛(حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2344).

(26) عباد الرحمن يسترون عورات الناس:
روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يستُرُ عبد عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة))؛ (مسلم - كتاب البر - حديث: 72).

روى أبو داود عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر مَن آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتَّبعوا عوراتهم؛ فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته))؛ (حديث حسن صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 4083).

(27) عباد الرحمن يتعاطفون مع المسلمين في كل مكان:
قال الله تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].

روى مسلمٌ عن النعمان بن بشيرٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مَثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))؛(مسلم حديث: 2586).

روى مسلم عن أنس بن مالكٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))؛ (مسلم: 45).

(28) عباد الرحمن يراعون حقوق جيرانهم المسلمين وغير المسلمين:
قال الله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَ
الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَ

مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36].

روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما زال يوصيني جبريل بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثه))؛ (البخاري حديث 6014).

روى مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا ذر، إذا طبخت مرقةً، فأكثِرْ ماءها، وتعاهَدْ جيرانك))؛ (مسلم - كتاب البر والصلة - حديث 142).

روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يمنَع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره))؛ (البخاري حديث 2463 / مسلم حديث 1609).

روى أحمد عن أنس بن مالك: أن غلامًا من اليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده وهو بالموت، فدعاه إلى الإسلام، فنظر الغلام إلى أبيه وهو عند رأسه، فقال له أبوه: أطِعْ أبا القاسم، فأسلم، ثم مات، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنقذه بي من النار))؛(حديث صحيح) (مسند أحمد جـ 21 صـ 78 حديث 13375).

(29) عباد الرحمن أصحاب قلوب سلمية، لا يحملون حقدًا لأحد من المسلمين:
قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 9، 10].

(30) عباد الرحمن يحرصون على الكسب الحلال ويجتنبون الشبهات:
يقول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275].

ويقول جل شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279].

(1) روى مسلم عن جابرٍ قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: آكِلَ الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: ((هم سواء))؛ (مسلم حديث 1598).

(2) روى الشيخانِ عن النعمان بن بشيرٍ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الحلال بَيِّنٌ، وإن الحرام بَيِّنٌ، وبينهما مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثير من الناس؛ فمن اتقى الشبهاتِ استبرأ لدِينه وعِرضه، ومَن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملكٍ حمًى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلَحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))؛(البخاري حديث 52 / مسلم حديث 1599).

(31) عباد الرحمن يسألون الله تعالى أن يرزقهم الذرية الصالحة:
قال تعالى عن صفات عباد الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].

قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): يعني: الذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم وذرياتهم مَن يُطيعه ويعبُدُه وحده لا شريك له؛ (تفسير ابن كثير جـ 10 صـ 332).

قال ابن عباسٍ: يعنون مَن يعمل بالطاعة، فتقَرُّ به أعينهم في الدنيا والآخرة؛(تفسير ابن كثير جـ 10 صـ 332).
قال عكرمة: لم يريدوا بذلك صباحةً ولا جمالًا، ولكن أرادوا أن يكونوا مطيعين؛(تفسير ابن كثير جـ 10 صـ 333).

(32) عباد الرحمن يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة:
قال الله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [آل عمران: 110].

وقال جل شأنه: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾ [التوبة: 71].

وقال سبحانه: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ [النحل: 125].

روى مسلم عن أبي سعيدٍ الخدري: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن رأى منكم منكرًا فليغيِّرْه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))؛(مسلم حديث 49).
روى الشيخان عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه

: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والجلوس بالطرقات))،فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بدٌّ، نتحدث فيها، فقال: ((إذ أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه))، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: ((غض البصر، وكفُّ الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر))؛(البخاري حديث 2465 / مسلم حديث 2121).

أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم.

وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
زاد الخـطــيــب الـــدعـــــوي📚:
🎤
محاضرة.قيمة.بعنوان.cc
هــو ســمـاكــم الـمســلمــين
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

عناصر المحاضرة :
~ هو سماكم المسلمين
~ حقيقة الانتماء للإسلام ومعياره
~ مقتضيات الانتماء للدين
~ قوادح الانتماء للدين

هو سماكم المسلمين :
إن أعظم نعمة وأرفع هُويَّة وأشرف نسبة هي أن ينسب المرء للإسلام قال تعالى: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج: 78]. فنسبة المرء لهذا الدين وانتماؤه إليه هي منبع العزة ومصدر الشرف قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله. (1)

وإن اعتزاز المسلم بالانتماء لدينه وصف لا ينفك عنه حتى في لحظات الضعف بل في لحظات الهزيمة

فهذا يوسف عليه السلام
يلقيه أخوته في غيابة الجب ليلتقطه سيارة فيبيعونه بثمن بخس دراهم معدودة؛ ثم يتعرض لفتنة امرأة العزيز فيسجن مظلوما على الرغم من طهره وعفافه ولكن هذه الظُّلامات وتلك الملمَّات لم تمنعه أن يجهر في محبسه باعتزازه بدينه وعراقة نسبه وانتمائه إليه وبراءته مما سواه {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [يوسف: 37- 38]

والجزاء من جنس العمل فقد امتن الله عليه بعدما مكث في السجن بضع سنين

وصيره عزيزا في مصر ليأتيه أخوته سائلين راجين واصفين إياه بلقب العزيز كما أخبر رب العزة {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف: 88]

حقيقة الانتماء للإسلام ومعياره

إن انتماء المرء لدينه يحمل معنى الاستسلام لله بتوحيده والانقياد له بطاعته والخضوع والذل له وحده؛ وثمرة هذا أن يؤثر الدين في سلوك المتدين؛ قال تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة: 138] قال القرطبي: فسمي الدين صبغة استعارة ومجازا من حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين، كما يظهر أثر الصبغ في الثوب. (2)

وحقيقة الانتماء للإسلام ليست شعارات ترفع أو دعوى مجردة عن العمل ذلك أن العمل داخل في ماهية الإيمان ومسماه وهذا من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة؛ قال البخاري رحمه الله: لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم. . ثم سمى جماعة منهم، ثم قال: فما رأيت واحدا منهم يختلف في هذه الأشياء: أن الدين قول وعمل؛ وذلك لقول الله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةِ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5] (3)

من أجل ذلك كانت أوثق أسباب الروابط بين المسلمين نتاج التوافق في الدين

والمعتقد السليم والمنهج الصحيح، قال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]

وقال تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ

أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)} [[هود: 45-46]

وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114]

مقتضيات الانتماء للدين

أولا: موافقة الشرع ومتابعة
النبي - صلى الله عليه وسلم-

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: دين الإسلام مبني على أصلين:

- أن نعبد الله وحده لا شريك له

- وأن نعبده بما شرعه من الدين

وهو ما أمرت به الرسل أمر إيجاب أو أمر استحباب، فيُعبد في كل زمان بما أمر به في ذلك الزمان. فلما كانت شريعة التوراة محكمة كان العاملون بها مسلمين، وكذلك شريعة الإنجيل.

وكذلك في أول الإسلام لما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي إلى بيت المقدس كانت صلاته إليه من الإسلام، ولما أُمر بالتوجه إلى الكعبة كانت الصلاة إليها من الإسلام، والعدول عنها إلى الصخرة خروجًا عن دين الإسلام. (4)

فلا يكفي لقبول العمل أن يكون خالصا لله بل لابد أن يكون موافقا لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-

قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ ا
لرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم

ْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]

وقال: تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]

وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]، فجعل محبة العبد لربه موجبة لاتباع الرسول، وجعل متابعة الرسول سببا لمحبة الله عبده.

وعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى. (5)

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ. (6)، وفي رواية لمسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. (7)

ومتابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- من لوازم شهادة أن محمدا رسول الله، ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى وزجر، وألا يُعبد الله إلا بما شرع. (8)

ثانيا: اتباع منهج السلف الصالح وتقديم فهمهم للنصوص

المقصود بالسَّلَف: أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن تبِعَهم بإحسان، فلم يَخْرُج عن منهجهم.

ومن دلائل صدق الانتماء إلى الدين اتباع منهج السلف الصالح واتباع طريقهم وتقديم فهمهم للنصوص، وقد قامت الأدلة على ربط الهداية والفوز باتباع منهج السلف الصالح من الصحابة ومن سار على نهجهم قال تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} [البقرة: 137]

وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]

قال ابن القيم: ومن المحال أن يخطئ الحق في حكم الله خير قلوب العباد بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويظفر به من بعدهم. (9)

وقد توعد رب العزة من خالف طريق الصحابة وسلك غير سبيلهم؛ قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]؛ فاتباع طريق الصحابة والسلف الصالح فرع عن اتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-

ويتميز علم السلف الصالح وفهمهم بالصفاء والاقتصار على ما ينفع وعدم الخوض في الجدال والخصام.

وما ظهرت البدع وتفرقت الأمة إلا عند الإعراض عن فهم السلف من الصحابة ومن تبعهم كما فعل الخوارج عندما خرجوا على المسلمين محتجين بفهمهم لنصوص الكتاب والسنة على نحو يخالف فهم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وكان من نتيجة ذلك ما قاله ابن عبد البر: هم قوم استحلوا بما تأولوا من كتاب الله ( عز وجل ) دماء المسلمين وكفروهم بالذنوب وحملوا عليهم السيف. (10)

فضلوا السبيل فلم تغن عنهم كثرة قراءتهم وعبادتهم شيئا كما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- من شأنهم: يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ

يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ. (11)

وقد أمَر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتمسُّك بِفَهْم أصحابه، فقال: فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ. (12)

وسنة الخلفاء الراشدين أي ما فهموه لأنهم لا يخرجون عن الكتاب والسنة ليشرعوا تشريعًا جديدًا

ثالثا: الانتماء إنما يكون للدين وليس للأشخاص ولا الأفكار

قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}، قال ابن القيم: فأخبر سبحانه أن الهداية في طاعة الرسول لا في غيرها، فإنه معلق بالشرط فينتفي بانتفائه. (13)

وقال ابن القيم: قال الشافعي، رحمه الله: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس. (14)

وقال ابن القيم: إن الحجة الواجب إتباعها على الخلق كافة إنما هو قول المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، وأما أقوال غيره فغايتها أن تكون سائغة الاتباع فضلاً عن أن يعارض بها النصوص. (15)

رابعا: التسليم لكل
ا؛ فإن الجماعة رحمة والفرقة عذاب. (21)

قال ابن رجب رحمه الله: وأما فتنة الشبهات والأهواء المضلة فبسببها تفرق أهل القبلة وصاروا شيعا وكفر بعضهم بعضا، وأصبحوا أعداءً وفرقا وأحزابا بعد أن كانوا إخوانا قلوبهم على قلب رجل واحد، فلم ينج من هذه الفرق إلا الفرقة الواحدة الناجية، وهم المذكورون في قوله -صلى الله عليه وسلم-: لا تزال طائفة من أُمتي ظاهرين على الحق لا

يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك. (22)

ثانيا: التشبه بغير المسلمين يقدح في الانتماء للدين

لقد أرادت الشريعة الإسلامية أن تجعل للمسلم شخصية متميزة عن غيره في الظاهر والباطن؛ وقد منع الشارع الحكيم التشبه بالكفار في عاداتهم وعباداتهم وأعيادهم وملابسهم فمن حديث أنس بن مالك عند مسلم، وفيه أن اليهود قالوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ. (23)

فالتشبه بغير المسلمين يقدح في صدق انتماء المرء لدينه.

وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية بعضا من أخطار التشبه بغير المسلمين وهي:

1- المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبا وتشاكلا بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس؛ فإن اللابس ثياب أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة - مثلا - يجد من نفسه نوع تخلق بأخلاقهم، ويصير طبعه متقاضيا لذلك، إلا أن يمنعه مانع.

2- ومنها: أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال، والانعطاف على أهل الهدى والرضوان، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين.

وكلما كان القلب أتم حياة، وأعرف بالإسلام - الذي هو الإسلام، لست أعني مجرد التوسم به ظاهرا أو باطنا بمجرد الاعتقادات من حيث الجملة - كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطنا وظاهرا أتم، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد.

3- ومنها: أن مشاركتهم في الهدي الظاهر، توجب الاختلاط الظاهر، حتى يرتفع التميز ظاهرا، بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين إلى غير ذلك من الأسباب الحكمية.

هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحا محضا لو تجرد عن مشابهتهم، فأما إن كان من موجبات كفرهم؛ كان شعبة من شعب الكفر؛ فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع معاصيهم.(24)

والحمد لله رب العالمين

••••━══════✿══════━••••

(1) أخرجه الحاكم (207)، وصححه الألباني في الصحيحة (1/117- 118)
(2) تفسير القرطبي (2/ 144)
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 195)
(4) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، شيخ الإسلام ابن تيمية (1/ 69)
(5) أخرجه البخاري (7280)
(6) أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718)
(7) أخرجه مسلم (1718)
(8) مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، 1/190.
(9) إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 106)
(10) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار (8/ 85)
(11) أخرجه البخاري (3610)، ومسلم (1064)
(12) أخرجه أحمد (4/127)، وأبو داود (4609) من حديث العرباض
(13) الرسالة التبوكية = زاد المهاجر إلى ربه (ص: 37)
(14) إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 6)
(15) الرسالة التبوكية (ص: 37)
(16) أخرجه مسلم (335)
(17) أبحاث في الاعتقاد عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف (ص: 28- 29)
(18) انظر: مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين - باب الولاء والبراء.
(19) أبحاث في الاعتقاد (ص: 28- 29)
(20) الآداب الشرعية والمنح المرعية (1/ 237)
(21) مجموع الفتاوى (3/ 421)
(22) كشف الكربة في وصف أهل الغربة لابن رجب (ص: 319)
(23) أخرجه مسلم (302)
(24) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (1/ 93 - 94)

=========================
ما جاءنا من الله وصح عن رسول الله -ص

لى الله عليه وسلم-

إن التسليم للنصوص الشرعية تابع لقوة الإيمان وضعفه فكلما قوي الإيمان ازاد التسليم لنصوص الشارع وكلما ضعف الإيمان ضعف التسليم للنصوص الشرعية؛ لذا فقد أثنى رب العزة على من أسلم وجهه لله فقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء: 125]

وقال تعالى {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: 22]

عن معاذة، قالت: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ. فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ. قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ. (16)

خامسا: ترسيخ عقيدة الولاء والبراء

الولاء معناه المحبة والمودة والقرب، والبراء هو البغض والعداوة والبعد، والولاء والبراء أمر قلبي في أصله. . لكن يظهر على اللسان والجوارح. . فالولاء لا يكون إلا لله تعالى ورسوله --صلى الله عليه وسلم-- وللمؤمنين كما قال سبحانه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 55] فالولاء للمؤمنين يكون بمحبتهم لإيمانهم، ونصرتهم، والإشفاق عليهم، والنصح لهم، والدعاء لهم، والسلام عليهم، وزيارة مريضهم وتشييع ميتهم ومواساتهم

وإعانتهم والسؤال عن أحوالهم، وغير ذلك من وسائل تحقيق هذا الولاء. (17)

ولا يكون الولاء لمن وافق في الدين والعقيدة الصحيحة

قال تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ

أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)} [[هود: 45-46]

وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114]

البراء والولاء لله سبحانه: أن يتبرأ الإنسان من كل ما تبرأ الله منه كما قال سبحانه وتعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا} [الممتحنة: 4]، وهذا مع القوم المشركين كما قال سبحانه: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3].

فيجب على كل مؤمن أن يتبرأ من كل مشرك وكافر. فهذا في الأشخاص.

وكذلك يجب على المسلم أن يتبرأ من كل عملٍ لا يرضي الله ورسوله وإن لم يكن كفراً، كالفسوق والعصيان كما قال سبحانه: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7].

وإذا كان مؤمن عنده إيمان وعنده معصية، فنواليه على إيمانه، ونكرهه على معاصيه. (18)

والبراءة من الكفار تكون: ببغضهم - ديناً - وعدم بدئهم بالسلام وعدم التذلل لهم أو الإعجاب بهم، والحذر من التشبه بهم، وتحقيق مخالفتهم - شرعاً - وجهادهم بالمال واللسان والسنان، والهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام وغير ذلك من مقتضيات البراءة منهم. (19)

ونقل ابن مفلح عن عقيل قوله: إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة. . . إلى أن قال: وهذا يدل على برودة الدين في القلب. (20)

قوادح الانتماء للدين

أولا: التفرق والتحزب
إن الله تعالى قد نهى عن التفرق والخصام فقال: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]

وقال: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 32]

وإن من أكبر أسباب التفرق ترك ما أمر الله به واتباع الشبهات والأهواء

قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 14]. قال شخ الإسلام ابن تيمية: فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا وإذا اجتمعوا صلحوا وملكو
⛅️ #إشــツـراقة_الصبـاح

❈ الاربعاء ❈
١٧/ ذو القـ⑪ـعدة/ ١٤٣٨هـ
09/ أغـسـ⑧ــطس/ 2017مـ ❂:::ــــــــــــــــــ✺ـــــــــــــــــ:::❂

‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏"ونجيناه من الغم وكذلك ننجي
المؤمنين"
لن يطول بك هم وقلبك عامر
بالإيمان..
لن ينتصر عليك الحزن إن وقر
بقلبك حسن الظن بالله !...♡
‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏
صبــــاح الايمان. ..@

.
*إشراقة الصباح*
‏صباح الخير ثم تذوقِ جمال
الصباح، تنفسي منه حُب الحياة
و فتحي نوافذ التفاؤل والأمل في روحكِ
☆ *أذكار الصباح*☆
أذكآر الصبآح | نور لِقلبك

تِلاوَة للقَارئ : فَارِس عَبّاد .
http://is.gd/CNHe8w
☀️☀️
*إشراقة*
‏أبتسم فالحياة جميلة, حين يخذلك شخص سيقوم بأسعادك شخص أخر, حين تخسر فرصة ستأتي لك فرص أكثر, وحين تعمل خيراً سيعوضك الله خيرا كثيراً .

📚 *صحيح البخاري ومسلم*
عن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، عن النبيّ ﷺ ، قَالَ : (( مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ )) .
*رواه البخاري*

‏﴿ *والـضُّـحَـى* ﴾
لا يُقسم الرَّحمٰن إلا بشـيءٍ عظـيم
فـ هـنيئًا لمن جعـل لـہُ ركعـتان يتصدق بـﮫـما عـن مفاصلــہ !
*الضُّـحـى صــلاة الأوَّابيــن*

صباح مليء بالتفاؤل والعطاء
والتوجه إلى رب السماء
بأن يحفظ علينا النعم ويدفع عنا النقم
اللہم مع أنفاس هذا الصباح ارزُقنا حُلو الحياة... وخير العطاء وسعة الرزق...وراحة البال...ولباسَ العافية وحسنَ الخاتمة
... *اللهم آمين*...
ﮩ•┈••✾•◆❀◆•✾••┈•ﮩ
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
تـأمـــــلات فـي آيــة الـكــرسـي
للدكتور/ ابراهيم بن محمد الحقيل
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــة.الاولـــى.cc
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:71]. 

أما بَعْدُ: فإنَّ الله تعالى أنزل هذا القرآنَ وجعله مَصْدَرَ هدايةٍ، وسبيل توفيق في الدنيا والآخرة، لمن آمن به فقرأه وتدبره ثم عمل به: ﴿ إِنَّ هَذَا القُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء:9] ما قال يهدي للطريق القويم؛ وإنما قال تعالى: ﴿ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء:9] أي في كل شيء يدل على ما هو أفضل وأخير، وفي ذلك إيماءٌ إلى ضمان سلامة أمة القرآن من الحيدة عن الطريق الأقوم؛ لأن القرآن جاء بأسلوب من الإرشاد قويم، ذي أفنان لا يحول دونه ودون الولوج إلى العقول حائل، ولا يغادر مسلكًا إلى ناحية من نواحي الأخلاق والطبائع إلا سلكه إليها تحريضًا أو تحذيرًا، بحيث لا يعدم المتدبر في معانيه اجتناء ثمار أفنانه[1].

أيها الإخوة: هذه وقفة عابرة على آية عظيمة من آياته في معناها وفضلها، وما ينبغي أن يُعْلم عنها، هي أفضل آية في كتاب الله تعالى كما روى أبيُّ بن كعب رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سأله: ((أيُّ آية في كتاب الله أعظم؟)) قال: "اللهُ ورسولُه أعلم"، قال: فردَّدها مرات، ثم قال أبيٌّ: "آية الكُرْسِيّ"، قال: ((لِيَهْنِكَ العلم أبا المنذر، والذي نفسي بيده إنَّ لها لسانًا وَشَفَتَيْنِ تُقَدِّسُ الملِكَ عِنْدَ ساقِ العَرْشِ))؛ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّفْظُ لَهُ[2].

﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [البقرة: 255] له جميعُ معانِي الألوهيَّة، لا يستحق الألوهية والعبودية إلا هو، فعبادةُ غيره شرك وضلال، وظلم وبطلان.

﴿ الحَيُّ القَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255] متصف بجميع معاني الحياة الكاملة على وجه يليق بجلاله وعظمته. قام بنفسه، واستغنى عن جميع مخلوقاته، وقام بجميع الموجودات؛ فأوجدها وأبقاها، وأمدَّها بجميع ما تحتاج إليه في وجودها وبقائها؛ فهي مفتقرة إليه وهو غني عنها، ولا قوام لها بدون أمره ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ﴾ [الرُّوم:25].[3]، ومن كمال حياته وقيوميته أنه:

﴿ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ﴾ [البقرة: 255] أي نعاس، ﴿ وَلا نَوْمٌ ﴾ [البقرة: 255]؛ لأن السِّنَةَ والنوم إنما يعرضان للمخلوق الذي يجري عليه الضعف والعجز والانحلال، ولا يعرضان لذي العظمة والكبرياء والجلال، فلا يعتريه تعالى نقْصٌ ولا غَفْلَةٌ ولا ذهول عن خلقه؛ بل هو ﴿ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [الرعد:33] شهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، ولا تخفى عليه خافية[4]. 

قال أبو موسى الأشعريّ رضي الله عنه: "قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال: ((إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبُحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه))؛ رواه مسلم[5]؛ فسبحان الله ما أعظمه؟ كيف يعصيه المخلوق الضعيف وهو بهذه القدرة والعظمة؟!

﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ﴾ [البقرة: 255]: خلقها ويملكها ويدبرها؛ فالجميع عبيده فلماذا يتكبرون؟! وفي ملكه فلماذا على معصيته يجترئون؟! وتحت قهره وسلطانه فلماذا يظلمون؟! ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا *وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم: 93- 95].

ومن تمام ملكه وعظيم سلطانه: أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحدٍ عنده إلا بإذنه له في الشفاعة:

﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255] فكل الوجهاء والشفعاء، عبيد له مماليك، لا يقدمون على شفاعة حتى يأذن لهم
﴿ قُلْ لله الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ل

َهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ [الزُّمر:44]، ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النَّجم:26] والله لايأذن لأحدٍ أن يشفع إلا فيمن ارتضى، ولايرتضي إلا توحيده، واتباع رسله، فمن لم يتصف بهذا فليس له في الشفاعة نصيب[6].

﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ [البقرة: 255] دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات، ماضيها وحاضرها ومستقبلها؛ فهو يعلم ما بين أيدي الخلائق من الأمور المستقبليةِ التي لا نهاية لها، وما خلفهم من الأمور الماضية التي لا حدَّ لها[7]. ولكم أن تتخيلوا كم يحدث في الأرض من حَدَث في الدقيقة بل في الثانية الواحدة؟ كم تسقط من أوراق، وتنزل من أمطار، ويموت من بشر، ويولد من ولدان، وتحمل من أرحام، ويتحرك من حيوان، ويطير من طير؟ بل حتى الهواءُ الذي يتنفسه الإنسان والحيوان والنبات، والخطوات التي يمشونها ، والماء الذي يشربونه، والطعام الذي يأكلونه، كل ذلك لا يكون إلا بتقدير الله تعالى وعلمه وأمره!! 

ولوِ اجْتَمَعَ البَشَرُ كلُّهم بتقنياتهم وما أوتوا من علم على أن يحصوا أحداث الأرض في ثانية واحدة لما استطاعوا ذلك، والله تعالى وحده يحصيها ويعلمها؛ بل ويعلم ما يجري في سائر الكواكب والمجرات، والأرض والسماوات: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام:59]، ﴿ اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطَّلاق:12]؛ ولذا قال الملائكة: ﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم:64].

يا ترى ماذا سيكون قولنا أمام هذه العظمة والقدرة، والعلم والإحاطة التي يتصف بها مولانا جل جلاله، وتقدست أسماؤه؟!

هل يليق بنا أن يأتينا أمره فلا نطيع؟! ونعلم نهيه فلا نلتزم؟! نبصرُ آياته في الكون وفي أنفسنا، ونشاهد إتقان صنعه في كل شيء، وننظر في هذه الأرض العظيمة بجبالها وأنهارها وبحارها، وجميع الأحياء عليها مما نعلمه وما لا نعلمه؛ فنتعاظم ذلك ونعجب منه! أفلا يقودنا ذلك إلى تعظيم مقدّرها وخالقها، وآمرها ومدبرها، الذي خضع له كل شيء؟! لماذا لا تخشع منا القلوب؟! ولماذا لا تدمع العيون؟! تعظيمًا لله تعالى وإجلالاً.

هل عَرَفْنا الله حقيقة المعرفة، وقدرناه حق قدره، من يعصي الله في خلواته؟ ويبطر بإنعامه عليه؟ انظروا كم ضيعنا من فرائض الله وحقوقه! وكم انتهكنا مِنْ محارم الله وحدوده! فهل حقُّ الخالقِ العظيم أن يقابل على إنعامه وإحسانه بالكفران؛ فنسألك اللهم أن تعفو عنا، وتغفر لنا، وتردنا إليك ردًّا جميلاً.

وفي مقابل علم الله العظيم
فإنه أخبر عن خلقه فقال:

﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ﴾ [البقرة: 255] وهو ما أطلعهم عليه من الأمور الشرعية والقدرية وهو جزء يسير مضمحل في علوم الباري؛ كما قال أعلم خلقه به الرسلُ والملائكة: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ ﴾ [البقرة:32]. 

﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ﴾ [البقرة: 255][8]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره"؛ أخرجه ابن خزيمة؛ والدارمي بسند صحيح[9]، وجاء في أخبار كثيرة أن السماوات السبع بالنسبة للكرسي؛ كحلقة ألقيت في فلاة من عظمة كرسي الرحمن[10].


﴿ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ﴾ [البقرة: 255] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "أي: لا يثقله حفظ السماوات والأرض ومن فيهما ومن بينهما؛ بل ذلك سهل عليه يسير لديه، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على جميع الأشياء، فلا يَعْزُبُ عنه شيء، ولا يغيب عنه شيء، والأشياء كلها حقيرة بين يديه، متواضعة ذليلة صغيرة بالنسبة إليه، محتاجة فقيرة. وهو الغني الحميد، الفعال لما يريد، الذي لايسأل عما يفعل وهم يسألون. وهو القاهر لكل شيء، الحسيب على كل شيء، الرقيب العلي العظيم، لا إله غيره، ولا ربَّ سواه». أ. هـ [11] 

ثم ختم الآية بقوله: ﴿ وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255] عليُّ بذاته على جميع مخلوقاته، وهو العلي بعظمة صفاته، وهو العليّ الذي قهر المخلوقات، ودانت له الموجودات، وخضعت له الصعاب، وذلت له الرقاب، وهو المُعَظَّمُ الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء، والمجد والبهاء، الذي تحبه القلوب، وتعظمه الأرواح، ويعرف العارفون أن عظمة كل شيء،
وإن جلّت عن الصفة فإنها مضمحِلَّة ف

ي جانب عظمة العلي العظيم[12].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ اللهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِيُّ العَظِيمُ ﴾ [البقرة:255] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.



الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله، أحمده حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه: ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الحَكِيمُ العَلِيمُ * وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [الزُّخرف:84 - 85]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أفضل الخلق وأتقاهم وأخشاهم لربه  صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومَنْ سار على نَهْجِهِمْ، واقْتَفَى أَثَرَهُمْ إلى يوم الدين.

 
أمَّا بَعْدُ: فاتَّقوا الله عباد الله فَمَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصفات، وتَنَزَّهَ عن النظائر والأشباه، وأحصى كل شيء عددًا، وأحاط بكل شيء علمًا لحقيقٌ أن يُخْشَى ويُتَّقَى  سبحانه وتعالى. 

أيها الإخوة المؤمنون: آية الكرسي أفضل آي القرآن؛ لما فيها من المعاني العظيمة في إثبات توحيد الله تعالى ووصفه بما ينبغي أن يوصف به؛ لذا كانت حرزًا من الشيطان، يقرؤها المسلم قبل نومه فتحفظه بإذن الله تعالى؛ كما جاء في حديث أبي هريرة عند البخاري: أن الشيطان قال لأبي هريرة: "إذا أويت إلى فراشك فأقرأ آية الكرسي، فإنك لن يزال معك من الله حافظ، ولا يقرَبُك شيطان حتى تصبح". وقد صدَّقه النبي صلى الله عليه وسلم[13]، وجاء في حديث آخر أنَّ المداومة على قراءتها سبب لدخول الجنة؛ كما جاء في حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: ((مَنْ قَرَأَ دُبُرَ كُلِّ صلاةٍ مكتوبة آية الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت))؛ أخرجه النسائي وابن حبان[14]. 

أيها الإخوة: هذا فضل آية الكرسي، وهذه أجزاء من معانيها ودقائقها، من قرأها وتأملها ظهرت له عظمة المولى جل جلاله وما توصل إليه البشرُ من علوم الأرض والبحار، والإنسان والحيوان والنبات، والنجوم والأفلاك وغيرها ليثبت هذه العظمة للخالق سبحانه وكلما ازداد الإنسان علمًا نظريًّا أو تجريبيًّا عظم انبهاره بدقة سير المخلوقات، ونظام الحياة؛ فالله تعالى هو الذي خلقها ودبرها وأحكم صنعها.

بهذه النظرة والمعرفة يعرف الإنسان - مهما أوتي من علم وعبقرية ودهاء، أو قوة ومال وجاه - أنه يكاد أن لا يكون شيئًا في هذا الكون الواسع، بما فيه من مخلوقات عظيمة، عندئذ يحتقر العاقل نفسه ويزدريها، ويسارع في عبادة ربه وخشيته وتقواه، ومع ذلك أنعم الله على هذا الإنسان الضعيف وشرّفه بحمل الرسالة حين أشفقت من حملها السماواتُ والأرض والجبال فأبَيْنَ أن يحملنها: ﴿ وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً ﴾ [الأحزاب:72].

وسخر له هذه المخلوقات التي تفوقه قوة وعددًا، وجعلها في خدمته. فهل نكون أهلاً لنعم الله تعالى علينا بشكرها ورعايتها، وعبادة الله تعالى على الوجه الذي يرضاه لنا ويحبه منا. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل طاعته وخشيته. 

أيها الإخوة: هذه الرحلة القصيرة كانت في آية من كتاب الله تعالى، فما رأيكم لو قرأنا القرآن كلَّهُ بتدبر وتأمل؟ ماذا سيظهر لنا من عظمة الله تعالى، وعظيم خلقه، وإتقان صنعه؟! جل في علاه: ﴿ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الزُّمر:62]

ألا فاتقوا الله ربكم وأحْسِنُوا التلقي عن كتابه، واقدروه حق قدره، واعبدوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، ثم صلوا وسلموا على محمد بن عبدالله.


[1] انظر: التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور (15/ 40).
[2] أخرجه مسلم في صلاة المسافرين؛ باب فضل سورة الكهف، وآية الكرسي (810)، وأبوداود في الصلاة باب ماجاء في آية الكرسي (146)، وأحمد واللفظ له (5/ 186).
[3] انظر: تفسير ابن كثير (1/ 280)، وتيسير الكريم الرحمن (1/ 202).
[4] المرجعان السابقان.
[5] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب قوله عليه السلام: ((إن الله لاينام)) (179) (1/ 162).
[6] انظر: تفسير ابن كثير (1/ 280)، وتيسير الكريم الرحمن (1/ 202).
[7] المرجعان السابقان.
[8] انظر: تفسير ابن كثير (1/ 280)، وتيسير الكريم الرحمن للشيخ ابن سَعْدِيّ (1/ 202).
[9] أخرجه ابن خزيمة في التوحيد (71)، والدارمي في الرد على بشر المريسي (71)، وأبوجعفر بن أبي شيبة في العرش (114)، وعبدالله بن أحمد
في السنة (71)، وانظر: مختصر العلو للعل

ي الغفار (102).
[10] انظر: تفسير ابن كثير (1/ 284).
[11] تفسير ابن كثير ( 1/ 285).
[12] تيسير الكريم الرحمن (1/ 203).
[13] أخرجه البخاري تعليقًا في كتاب الوكالة؛ باب إذا وكل رجلاً فترك الوكيل شيئًا، فأجازه الموكل فهو جائز وإن أقرضه إلى أجل مسمى (2311)، قال الحافظ: هكذا أورد البخاري هذا الحديث هنا، ولم يصرح فيه بالتحديث... وقال: وقد وصله النسائي والإسماعيلي وأبو نعيم... وذكرته في تغليق التعليق... انظر: فتح الباري (4/ 569).
[14] أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (124)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (100)، وقال المنذري: رواه النسائي والطبراني بأسانيد أحدها صحيح، وقال شيخنا أبو الحسن: هو على شرط البخاري، وابن حبان في كتاب الصلاة وصححه ... انظر: "الترغيب والترهيب" (2/ 261)، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط بأسانيد وأحدها جيد، انظر: "مجمع الزوائد" (10/ 102)، وقال ابن كثير بعد ذكره: وهو إسناد على شرط البخاري (1/ 283).
🎤
خطبـة.جمعـة.بعنـوان.cc
الحج شوق ومحبة ، وعوض ورحمة
للــشيـخ/ مـــحــــمــــــد الــجــــــــــرافـــــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـة.الاولــى.cc
الحمدلله الذي هيَّأ لأصحاب السعادة أسباب التوفيق ، ويسَّر لمن شاء من عباده حج بيته العتيق ، وجعل أفئدةً من الناس تهوي إليه من الحُرِّ والرقيق ، فيأتونه {رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} ، وجعل بيته مثابةً للناس وأمناً لهم من عذاب الحريق ، وقرن وجوب حجِّه باستطاعة السبيل وأمن الطريق . فسبحان من جعل حج بيته بين العبد والنار حجاباً وجُنَّة ، ولم يجعل للحج المبرور جزاءً إلا الجنة .

أشهد ألا إله إلا هو ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً سيِّدُ الإنس والجِنَّة ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين جعلوا أنفسهم له وقايةً كالمِجَنَّة

عـــباد اللـــه :
أوصيكم ونفسي الآثمة بتقوى الله يقول الله عز وجل يقول الله عز وجل (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))

أمـــا بـــعــــــد :
فمـن أين أبدؤها وكيف أصــوغها
وبأي شـعــــر يستفيـــض لســــاني
هاجت من الأعماق فيض مشاعر
خفــاقــة ترتـــاع في وجـــــداني
تهفـــو إلى البيت العتيق قلوبـــنا
مــنا الســلام أهـيـــل ذاك الـوادي
طــوف وسعــي والمبـيـت ومشـعـــر
وتضــرعــات القلـــب في عــرفـات
مــا أروع اللـحـــظات بــل وأجــلــها
في نفـــس مشـــتاق إلــيه وشــاكي

إن في نفوس المحبين ..
شوق عارم، وصبابة جارفة، يعجز اللسان إن أراد وصفها، ويحتار البيان إذا تقحم دربها، حين يحدو قاصدي البيت الحرام حادي الركب ويصرخ في أذانهم أن هلموا، وإلى حرم الله أقبلوا، ونحو بيت الله شدو، فما أن يبلغ صداها أسماعهم، حتى تسابق عباراتهم عبراتهم، وتغلب عيونهم دمعاتهم.

تجري بهم قلوبهم قبل أن تسير بهم أقدامهم يأتون {مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، لا يألون على شيء سواء أن يشرفهم الله برؤية بيته، وينعمون بزيارة كعبته، ويبلغهم مقاصدهم {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}لا إله إلا الله ما أعظمها من رحلة في حياتهم.

رحلة الإيمان وإن تحركت الأبدان رحلة القلوب وإن سارت الأجساد، تفيض مشاعرهم فلا يجدون إلا الدموع تؤنس لوعة حنينهم فلا تروي ظمأ شوقهم ولهفهم، يترقبون في كل سهل ووادي، وبين وجوه الرائح الغادي
متى اللقيا تلـوح على محــــب
أذاب فــــؤاده بعـــد الـتـــلاقي
لأبيت الله قد سابقت شــوقي
وطارت في الربي روح العناقي

هبَّت في أيَّامكم هذه على قلب كلِّ مؤمن نسيم الشوق إلى الله تعالى، أما شعرتم ..؟

أيُّها المسلمون ـ أنَّكم في أيَّام مباركات ذكرها الله تعالى في كتابه فقال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [الحج:197]، فالأشهر المعلومات هي هذه الأشهر الثلاثة التي يُهَلُّ فيها بالحجّ.
ولذلك آثرت اليوم أن أشوقكم ونفسي إلى حج بيت الله الحرام، أسال الله أن يرزقنا حج بيته الحرام.

عـــباد اللـــه :
إن الحج من أفضل العبادات على الإطلاق؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ؛ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قال : إيمانٌ باللهِ ورسولِه . قِيلَ: ثم ماذا ؟ قال جهادٌ في سبيلِ اللهِ. قِيلَ: ثم ماذا؟ قال: حجٌّ مَبرورٌ .” (متفق عليه)

ويكفي الحـــج فضـــلاً :
أن الحاج يولد من جديد؛ فكما أن المولود يولد على الفطرة لم يرتكب ذنباً أو خطيئةً ؛ فكذلك الحاج !! فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ “(متفق عليه)

فالذي أكرمه بحج بيت الله الحرام قد جمع بين ثوابي الدنيا والآخرة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ” (متفق عليه)
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ” (الترمذي وابن ماجة والنسائي) ؛ فهو قد جمع بين ثواب الدنيا من الغنى ونفي الفقر والذنوب؛ وبين ثواب الآخرة وهو الجنة؛ وهل هناك أعظم من ذلك في الدنيا والآخرة؟!!

وقد عد الرسول صلى الله عليه وسلم الحج لونا من ألوان الجهاد في سبيل الله؛ فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ ال
لَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَ

ا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: لَا لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ” (البخاري)
لذلك كانت عائشة رضي الله عنها لا تتركه منذ أن علمت أنه جهاد؛ فَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلَا نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقَالَ:” لَكِنَّ أَحْسَنَ الْجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ الْحَجُّ حَجٌّ مَبْرُورٌ” فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَا أَدَعُ الْحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” (البخاري)

عـــباد اللـــه:
إن للحج فضائل كثيرة؛ وأن من لم يحج بيت الله الحرام مع القدرة عليه فقد حرم خيراً كثيراً ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ” قال اللهُ: إنَّ عبدًا صحَّحْتُ له جسمَه ووسَّعْتُ عليه في المعيشةِ يمضي عليه خمسةُ أعوامٍ لا يفِدُ إليَّ لَمحرومٌ ” (البيهقي وابن حبان وصححه الألباني في الصحيحة)

هذه الفضائل والهبات والعطايا والمنح العظيمة تجعل الإنسان دائم الشوق إلى الحج :
إليـــك إلهـــي قـــد أتيــتُ مـلبـيـــاً
فـبارك إلهـــي حجـتــي ودعائـــيا
قصـدتك مضطراً وجئتك باكـــياً
وحـــاشاك ربي أن تـــرد بــكـــائيا
كفــاني فــخـــــراً أنني لك عـــابد
فيا فرحتـي إن صرتُ عبداً مواليا
أتيتُ بلا زاد وجـــودك مطمعـــي
وما خاب من يهفو لجودك ساعيا
إليك إلـهــي قد حضـــرتُ مُؤمّـــلاً
خــلاصَ فـــؤادي من ذنوبي ملبياً

عـــباد اللـــه :
إن في الحج الذي يصفه الفقهاء بعبادة العمر، وختام الإسلام، وكمال الدين، روحانية عجيبة، ونسمات إيمانية رهيبة، تحلق بالقلب لتحوم به حول العرش، وتسمو بالنفس في مقامات العبودية
إنَّ السفر للحجِّ والعمرة ليس كمثل سائر الأسفار، المسافر إلى بيت الله مسافرٌ إلى ربِّه على جناح الشوق والمحبَّة، يقطع في سفره بقلبه مسافات ومنازل ليست كمسافات الأرض التي يقطعها ببدنه، إنَّها مسافة الدنوِّ والاقتراب إلى الله في المكان الذي يتقرَّب فيه من عباده ويدنو منهم .

قيل لامرأة خرجت مسافرة:
إلى أين؟ قالت: إلى الحج إن شاء الله، فقيل لها: إنَّ الطريق بعيد، فقالت: بعيد على كسلان أو ذي ملالة، فأمَّا على المشتاق فهو قريب.

يذكر عن بعض الصالحات ..
أنَّها حين وصلت إلى مكَّة بقيت تقول لرفقائها: أروني بيت ربِّي؟ أين بيت ربِّي؟ قيل لها: الآن ترينه، فلمَّا رأته اشتدَّت نحوه فالتزمته وفاضت عيناها من شدَّة الشوق، وليس بها الشوق إلى البيت، ولكن إلى ربَّ البيت، فاستذكرتها رؤية بيت الله رؤيةَ الله يوم القيامة، فلم تزل على تلك الحال حتَّى خرجت روحها فماتت

أحبتي في الله: أرى قلوبكم وأفئدتكم تحركت شوقاً وحنيناً تجاه البلد الحرام؛ ولكنكم لا تستطيعون!!
أن يفيض قلبه شوقا فتفيض عينه دموعا حزنا على تخلفك وسبق غيرك
المتخلفون لعذر يقولون للسائرين:
يا سائرين إلى البيت العتيق
لقد سرتم جسوما وسرنا نحن  أرواحا
 إنا أقمنا على عذر وقد رحلوا    ومن أقام على عذر  فقد راحا  
 جسمي معي غير أن الروح عندكم   فالروح في غربة والجسم في وطني

عـــباد اللـــه:
من أجلِّ وأعظم نفحات ربنا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن شرَّع لهم أعمالاً تعدل الحج في الجزاء والفضل والثواب ، لكن لا تغنيه هذه الأعمال عن حج الفريضة إذا بلغ حد الاستطاعة .

بشـــرى.ســـارة.cc
لمن تقطع قلبه وذرفت عيناه
شوقاً لبيت الله الحرام لكن يعجز عن ذلك، فاعلموا أن من رحمة الله – تبارك وتعالي – بعباده أن جعل من حالت دونه السبل عن الحج لعذر شريكاً لمن ذهب في الأجر، بل شرع الله لنا أعمالاً تعدل أجر الحج والعمرة ، هذه الأعمال لا تكلفك تأشيرةً ولا مالاً ولا سفراً مدعمة بالأدلة الصحيحة الصريحة من القرآن والسنة وتتمثل فيما يلي:-

أولاً: المكث في المسجد بعد صلاة الفجر حتى الشروق ثم صلاة ركعتين.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة” (أخرجه الترمذي بسند صحيح، وصححه الألبـاني في الصحيحة)

ثانياً: حضور صلاة الجماعة والمشي إلى صلاة التطوع: فقد أخرج الإمام أحمد بسند حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من مشي إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهى كحجة، ومن مشي إلى صـلاة تطوع فهي كعمرة نافلة . وفي رواية : ومن مشى إلى سبحة الضحى كان له كأجر المعتمر “ـ(صحيح الجامع)

ثالثاً: حضور مجالس العلم في المساجد: فعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يُعَلِّمه، كان كأجر حاج تاماً حجته”.( أخرجه الطبراني والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب)،”

قلت ما سمعتم وأستغ
فر الله العظيم لي ولكم فاستغفره إنه

هو الغفور الرحيم


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشد وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شرك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

أمـــا بعـــد عـــباد الله :
اوصيكم ونفسي بتقوى الله
عباد الله ومن رحمات الله لنا فمن الأعمال التي تعدل أجر الحج والعمرة .

رابعاً: الأذكار بعد الصلاة:
فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه : ” أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم فقال وما ذاك؟ قالوا: يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق، ولهم فضول أموالهم يحجون ويعتمرون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة، قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فضل الله يؤته من يشاء.”

خامساً: عمرة في رمضـان:
فقد أخرج الإمام مسلم عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة من الأنصار يقال لها أم سنان: ”ما منعك أن تكوني حججت معنا؟ قالت: ناضحان كان لأبي فلان – تعنى زوجها – حج هو وابنه على أحدهما، وكان الآخر يسقي عليه غلامنا، قال صلى الله عليه وسلم : فعمرة في رمضان تقضي حجة، أو حجة معى”. والناضح: الجمل .

سادساً: بـرُّ الوالـديـن:
فقد أخرج أبو يعلي بسند جيد: ” أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، قال: هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمي، قال: قابل الله في برها، فإن فعلت فأنت حاج ومعتمر ومجاهد”.

سابعاً: صدق النية مع الله انك تريد الحج
فنية العبد خيرٌ من عمله ، فقد يحج ولا يقبل منه لسوء نيته، وقد لا يحج ويكتب له أجر حجة وعمرة تامتين تامتين لصدق نيته، لذلك جاء أول حديث في البخاري ” إنما الأعمال بالنيات “.

فإذا كان الحج قد فاتك فإن أفعال الخير لا تفوتك فتلحق بركب الحجيج ، وما أجمل مقولة أحد السلف: ” من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بحقه الذي عَرَفَه، ومن عجز عن المبيت بمزدلفة، فليُبيِّت عزمه على طاعة الله وقد قرَّبه وأزلفه ، ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المُنى ، ومن لم يصلْ إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فإنه أقرب إليه من حبل الوريد”. 

أيُّها المسلمون : إنَّنا نؤمُّ هذا البيت خمس مرات في اليوم، فلا تزال قلوبنا متَّصلة به كلَّ يوم باستمرار، فلا غرو أن تدفع هذه الصلة المستمرَّة قلب المؤمن إلى توقان نفسه للتوجُّه إلى بيت الله حتَّى يمتع بصره بالنظر إليه والطواف به والتماس الحجر الأسود الذي هو بمنزلة يمين الله في الأرض.

ولذا تجد قلوب الصالحين ..
تحنُّ إليه، لا ينقطع شوقها إليه حتَّى تلتزمه وتطوف به، كما تطوف الملائكة حول البيت المعمور في السماء.
وإذا كنا نقول دوما بأن الله لم يأمرنا بطلب الزيادة في شيء إلا العلم، فإنه لم يأمرنا بالعجلة في شيء إلا الخير، ومن أهم أبواب الخير الحج، روى الإمام أحمد وأبو داوود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ ».

وإننا كلما نقرأ هذا الحديث يزداد يقيننا وإيماننا وحبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الذي يؤخر الحج، فاعلموا أنه لن يحج فالفرص لا تتكرر، كان الحج في زمن من الأزمنة  رخيصا سهلا ميسورا،  ثم جاء زمن فضيق ثم ضيق، وها نحن نعيش أيام الضنك أيام التضييق يوم بلغ ثمن الحج كبير لا يقدر عليه الا القلة وفي ذلك ما فيه نسأل الله لنا ولكم العافية، لذلك يأتي تصديق حديث رسول الله من أراد الحج فليتعجل.

قد يقول البعض لماذا؟ والله تعالى يقول: لمن استطاع إليه سبيلا نقول: دعونا من الغافل هذا، دعونا من جامد القلب هذا، إننا الآن نكلم المشتاقين الذين جذب قلوبهم حب بيت الله الحرام، الذين استهوتهم الكعبة، الذين يشتاقون لتقبيل الحجر، الذين يتمنون أن يطوفوا حول الكعبة، أن يصلوا خلف المقام، أن يسعوا بين الصفا والمروة، أن يشربوا من ماء زمزم هناك، أن يقفوا بجبل عرفات، هؤلاء هم المشتاقون هم الذين يبذلون الغالي والنفيس !!!!

كان آباؤنا وأجدادنا في زمان إذا رأى أحدهم الكعبة  يبكي ويرتعش، يراها في صورة أو بأي وسيلة من الوسائل، أو حتى عندما يسمع لبيك اللهم لبيك يقشعر جلده ويبكي شوقا إلى إلى بيت الله الحرام، الإنسان اليوم يجلس أمام التلفاز فيسيل لعابه أمام متاع الحياة الدنيا، صارت أمان
ي الناس متعلقة بالدنيا، روى الإمام اب

ن أبي حاتم بإسناد صحيح عن الحسن البصري أنه تلا هذه الآية الكريمة جعل الله فقال لا يزال الناس على دين  ما حجوا واستقبلوا القبلة.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم، كما أمركم بذلك ربكم (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)
اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارضَ اللهم عن صحابةِ رسولِك أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم لا تدع لنا في هذا المقام ذنبا إلا غفرته ولا دينا إلا قضيته ولا مريضا إلا شفيته ولا حاجة من حوائج الدنيا الا سهلتها وقضيتها يارب العالمين
الله من حضر هذه الجمعة فاغفر له ولوالديه وافتح لسماع الموعظة قلبه وأذنيه
اللهم احفظ بلادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم من أراد ببلادنا خيرا فوفقه الى كل خير ومن أراد ببلادنا شرا فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره في تدميره واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين
اللهم لا ترفع له راية ولا تحقق له في وطننا الحبيب غاية واجعله لمن خلفه عبرة وآية

اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظ بلادنا واقض ديوننا واشف أمراضنا وعافنا واعف عنا وأكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤاثر علينا وارحم موتانا واغفر لنا ولوالدينا وأصلح أحوالنا وأحسن ختامنا وارزقنا حج بيتك الكريم يارب العالمين

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله اكبر

واقم الصلاة .

================
🎤
خطبــة.جمعــة.بعنــوان.cc
العِبادَةُ سُمُوٌ أَخلاقيٌّ وإِصلاحٌ اجتِماعِي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ، يَجْزِي المُحْسنِينَ، ويَتَقبَّلُ عَمَلَ المُتَّقِينَ، أَمَرَنا بِعِبَادَتِهِ حتَّى يأتِيَنا اليَقينُ، سُبْحانَهُ أَنزَلَ كُتبَهُ وأَرْسَلَ رُسُلَهُ للإخلاَصِ فَي العِبادَةِ، ووَعَدَهم علَى ذَلكَ الفَوزَ والنَّجاةَ والسَّعادَةَ، فَقالَ سُبْحانَهُ: ((لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ))(1)، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، إِمامُ العَابِدِينَ، وأَفضَلُ الرَّاكِعينَ السَّاجِدينَ، وقائدُ الغُرِّ المُحَجَّلينَ، ورَضِيَ اللهُ عَنْ أَصحابِهِ أَجمَعينَ، والتَّابِعينَ لَهُم بإِحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

أَمـــَّا بَعـــْدُ، فَيَا عِـــبَادَ اللهِ :
طُوبَى لِعَبْدٍ عَرَفَ مَفْهومَ العِبادَةِ، فَعَمَرَ بِها حَياتَهُ وغَذَّى بِها فُؤادَهُ، فَالعِبادَةُ بِمَفهومِها العَامِّ تأخُذُ بِيَدِ الإِنسانِ إِلى الرُّقيِّ والتَّقدُّمِ للأَمامِ، ولِمَ لاَ؟ وهِيَ عِِلَّةُ خَلْقِ الإِنسانِ ووظِيفَتُهُ الأُولَى، يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ))(2)

وجَاءَ فِي بَعْضِ الآثارِ القُدْسِيَّةِ
قَولُ اللهِ سُبْحانَهُ: ((يا عِبادِي: إِنِّي ما خَلَقتُكم لأَستأَنِسَ بِكُم مِنْ وَحْشَةٍ، ولاَ لأَستَكثِرَ بِكُم مِنْ قِلَّةٍ، ولاَ لأَستَعينَ بِكُم مِنْ وَحْدَةٍ عَلَى أَمْرٍ عَجَزْتُ عَنْهُ، ولاَ لِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ ولاَ لِدَفْعِ مَضرَّةٍ، وإِنَّما خَلَقْتُكم لِتَعْبُدونِي طَويلاً، وتَذكُرونِي كَثِيراً، وتُسَبِّحونِي بُكْرةً وأَصيلاً))

ولِلعبادَةِ ثِمارُها اليافِعَةُ، ونَتائجُها النَّافِعَةُ، فَبِالعِبادَةِ تُوجَدُ التَّقوى وتَتحقَّقُ، فَتَتأكَّدُ صِلَةُ الإِنسانِ بِرَبِّهِ وتَتوثَّقُ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))(3)، وبِالعِبادَةِ يَنالُ الإِنسانُ الفَلاَحَ، ويُدْرِكُ الظَّفَرَ والنَّجاحَ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ))(4)

وبِالعِبادَةِ يُؤدِّي الإِنسانُ شُكْرَ رَبِّهِ الذِي أَسْدَى وأَنْعَمَ، وأَعطَى وأَكرَمَ، يَقولُ اللهُ تعَالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ))(5)، ويَقولُ جَلَّ شأنُهُ: ((فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ))(6)، ويَقولُ جَلَّ وعَلاَ: ((بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ))(7)

وإذا كانَ لِلعبادَةِ هَذِهِ الثَّمراتُ العَظِيمَةُ، والغَاياتُ المُبارَكَةُ الكَريمَةُ؛ فَلاَ عَجَبَ أَنْ يَتَصدَّرَ دَعَوةَ أَنبياءِ اللهِ ورُسُلِهِ لأَقوامِهم الأَمْرُ بِعبادَةِ اللهِ؛ فَما مِنْ رَسولٍ أَرسَلَهُ اللهُ إِلاَّ كانَ أَوَّلُ ما قَالَهُ لِقَومِهِ: ((اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ))(8)، يَقولُ جَلَّ شَأنُهُ: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ))(9).

عِبادَ اللهِ :
إِنَّ مَقامَ العُبودِيَّةِ مَقامٌ عَظِيمٌ، يَحْظَى بِسَبِبهِ الإِنسانُ بِالتَّكرِيمِ والتَّعْظِيمِ، إِنَّهُ مَقامٌ عالٍ ورَفِيعٌ، يَعتَرِفُ فِيهِ العَبْدُ بِأَنَّ اللهَ رَبُّ الجَمِيعِ، ولأَنَّ العُبودِيَّةَ أَعلَى المَقاماتِ وأَرفَعُ الدَّرَجاتِ؛ وَصَفَ اللهُ بِها رَسولَهُ -صلى الله عليه وسلم- فِي أَسمَى وأَرفَعِ الحالاَتِ، وَصَفَهُ بِها فِي مَقامِ الوَحْيِ فَقالَ: ((فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى))(10)،

وَوَصَفَهُ بِها فِي مَقامِ تَنْزيلِ الكِتابِ والفُرقانِ عَلَيهِ؛ فَكانَ مِمّا أَوحاهُ إِليهِ: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا))(11)، كَما قَالَ تعَالَى: ((تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً))(12)

وَوَصَفهُ بِها فِي مَقامِ الإِسراءِ فَقالَ: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))(13)، وَوَصَفَهُ بِها فِي مَقامِ التَّضَرُّعِ والدُّعاءِ فَقالَ سُبْحانَهُ: ((وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ
يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً))(14)، وَوَصَفَهُ بِها فِي مَقامِ الكِفايَةِ والحِمايَةِ فَقالَ تَباركَ وتَعالَى: ((أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ))(15)، كَما أَمَرَهُ اللهُ بِها فِي كُلِّ وَقْتٍ وحِينٍ، وإِلى أَنْ يَجيءَ الأَجَلُ ويَحِينَ، فَقالَ جَلَّ شأنُهُ: ((وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ))(16)،

والعِبادَةُ بِمفهومِها العامِّ المَعروفِ تَتَّسِعُ لِتَشمَلَ كُلَّ عَمَلِ خَيْرٍ وقَولٍ مَعْروفٍ، وهوَ ثَمَرةُ العِبادَةِ الخاصَّةِ مِنْ شَهادَتَينِ وصَلاَةٍ وصِيامٍ وزَكاةٍ وحَجٍّ؛

فَلِهَذه ِالعِباداتِ ثِمارٌ عَظِيمَةٌ وغَايَاتٌ كَرِيمَةٌ، ومِنْ ثِمارِها تَهْذِيبُ السُّلوكِ وسُمُوُّ الأَخلاَقِ، والتَّحلِّي بِالفَضائلِ، والتَّخلِّي عَنِ الرَّذائلِ، فَفِي بَيانِ آثارِ الصَّلاَةِ الخُلُقيَّةِ يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى))(17)، ويَقولُ سُبْحانَهُ: ((وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ))(18)، ويَقولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم- فيمَا يَرويهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ: ((إِنَّما أَتقبَّلُ الصَّلاَةُ مِمَّنْ تَواضَعَ بِها لِعَظَمتِي، ولَمْ يَستَطِلْ عَلَى خَلْقِي، ولَمْ يَبِتْ مُصرّاً عَلَى مَعْصِيَتي، وقَطَعَ النَّهارَ فِي ذِكْرِي، ورَحِمَ المِسكينَ وابنَ السَّبِيلِ والأَرمَلَةَ ورَحِمَ المُصابَ))

وفِي بَيانِ أَثَرِ الزَّكاةِ فِي تَطْهِيرِ النُّفوسِ وتَزكِيَةِ القُلوبِ؛ يَقولُ اللهُ عَلاَّمُ الغُيوبِ: ((خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا))(19)، وفِي بَيانِ أَثَرِ عِبادَةِ الصِّيامِ يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))(20)،

فَفِي الصِّيامِ تَدْرِيبٌ لِلنَّفْسِ عَلَى كَبْتِ شَهواتِها المَحْظُورَةِ، ونَزَوَاتِها المَنْكورَةِ؛ فَلاَ لَغْوَ ولاَ رَفَثَ ولاَ كَذِبَ ولاَ زُورَ، ولاَ اقتِرافَ لأَيِّ عَمَلٍ أَو قَولٍ مَحْظورٍ، يَقولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَولَ الزُّورِ والعَملَ بِهِ فَلَيسَ للهِ حاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ))، ويَقولُ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلاَمُ-: ((الصِّيامُ جُنَّةٌ؛ فإِذا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُم فَلاَ يَرفُثْ ولاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَو قَاتَلَهُ فَليَقُلْ: إِنِّي صائمٌ)) .

والحَجُّ فِي الإِسلاَمِ لَيسَ مُجَرَّدَ سَفَرٍ إِلَى البِقاعِ المُقدَّسَةِ وأَداءٍ للشَّعائرِ والمَناسِكِ، بَلْ فِيهِ تَقويمٌ للسُّلوكِ وتَهْذيبٌ للأَخلاَقِ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ))(21)، ويَقولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرفُثْ ولَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ مِنْ ذُنوبِهِ كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ)).

عـــِبادَ اللـــهِ :
إِنَّ مَحبَّةَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ يَنالُها ويُدْرِكُها كُلُّ مَنْ تَمتَّعَ بِصِفَاتٍ إِيجابِيَّةٍ، وأَخلاَقٍ رَضِيَّةٍ، وتَصرُّفاتٍ سَوِيَّةٍ، تُؤكِّدُ حَقِيقَةَ العِبادَةِ، وتَرسُمُ لِصاحِبها طَرِيقَ الخَيْرِ وتَضَعُهُ علَى سَبيلِ السَّعادَةِ، فَالعابِدونَ للهِ هُمُ المُحسِنونَ، التَّوَّابونَ المُتطهِّرونَ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ))(22)، وَيقولُ: ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ))(23)، وهُمُ الصابِرونَ المُتوكِّلونَ، يَقولُ اللهُ تَعالَى: ((وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ))(24)، ويَقولُ جَلَّ شَأنُهُ: (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ))(25)، وهُمُ المُقْسِطونَ العادِلونَ، يَقولُ تَعالَى: (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ))(26)

إِنَّ العِبادَةَ تَزكِيَةٌ حَقِيقيَّةٌ للسُّلوكِ، تُثْمِرُ شَفافِيةَ النَّفْسِ وسَلاَمَةَ الاتِّجاهِ، وتَضْمَنُ للإِنسانِ الظَّفَرَ والنَّجاةَ، وتَحمِيهِ مِنَ الزَّيْغِ والانحِرافِ، فَيتَعالَى عَنْ سَفاسِفِ الأُمورِ ويَتَجمَّلُ بالنَّزاهَةِ والعَفافِ، فَإِنْ أُوكِلَ إِليهِ عَمَلٌ أدَّاهُ بِإتقانٍ، وإِنْ عامَلَ النَّاسَ عَامَلَهم بإِحسانٍ، لأَنَّهُ سَليمُ القَلْبِ عَفُّ الِّلسانِ، لاَ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ خَيْرِهِ، ويُحِبُّ الخَيْرَ لِنَفْسِهِ ولِغَيْرِهِ، فَعَنْ عبدِاللهِ بنِ عَمروٍ قَالَ: ((قيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَفضَلُ؟ قَالَ: كُلُّ مَخْمومِ القَلْبِ صَدوقِ الِّلسانِ، قِيلَ: صَدوقُ اللِّسانِ نَعْرِفُهُ، فَما مَخْمومُ القَلْبِ؟ قَالَ: هوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لاَ إِثْمَ فِيهِ ولاَ بَغْيَ، ولاَ غِلَّ ولاَ حَسَدَ)).

فَاتَّقو
ا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلَموا أَنَّ مَحاسِنَ ومَكارِمَ الأَخلاقِ هِيَ ثَمَرةُ عِبادَةٍ خالِصَةٍ للهِ الواحِدِ الخَلاَّقِ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.

أَمــَّا بَعْـــدُ، فَيَا عِــبَادَ اللــهِ :
إِنَّ للعِبادَةِ وَظِيفَةً إجتِماعيَّةً هَامَّةً، فَهِيَ تُهيِّئُ الفُرَصَ الكَثِيرَةَ لِتَحقِيقِ الإِصلاَحِ الاجتِماعِيِّ الذِي يَنْشُدُهُ الإِسلاَمُ، لِتَحقِيقِ الطُّمأنِينَةِ والأَمْنِ والسَّلاَمِ، فَالعِبادَةُ علاَوةً علَى ما تَسكُبُهُ فِي نَفْسِ الإِنسانِ مِنْ طُمأنِينَةٍ وهُدوءٍ وسَكينَةٍ؛ فإِنَّها تَجْعلُهُ يَتفاعَلُ مَعَ إِخوانِهِ فِي الإِنسانِيَّةِ، فَيُشارِكُهم فِي حَلِّ بَعْضِ المُشْكِلاَتِ، والتَّغلُّبِ علَى ما يَعتَرِضُ طَريقَهم مِنْ عَقباتٍ، وبِهذهِ المشارَكَةِ تَشْتدُّ أَواصِرُ الصِّلاَتِ وتَتوثَّقُ العلاقاتُ .

فَتتحقَّقُ الأُخوَّةُ تَجْعلُ المُجتَمعَ يَزدادُ تَماسُكاً ويَكْتَسِبُ قُوَّةً، كَما أَنَّ للعِبادَةِِ دَوْراً رَائعاً فِي تَنْمِيَةِ رُوحِ المُساواةِ الحَقِيقيَّةِ، فَيَشْعُرُ الفَرْدُ بِأَنَّهُ لإِخوانِهِ كَما يَشْعُرُ إِخوانُهُ بِأنَّهُ لَهُم، فَهوَ يَحيا بِهِم ويَحْيا لَهُم، ومِنْ أَجلِ تَحقِيقِ هذِه الأَهدافِ المَنشودَةِ، والوُصُولِ إِلى الآمالِ المَرْصودَةِ؛ وَسَّعَ الإِسلاَمُ دائرةَ العِبادَةِ؛ فَجَعلَ كُلَّ عَمَلٍ اجتِماعِيٍّ نَافِعٍ عِبادَةً مَرضِيَّةً، ما دامَ فاعِلُهُ يَقْصِدُ الخَيْرَ لَهُ ولإِخوانِهِ فِي الإِنسانِيَّةِ، فَكُلُّ عَمَلٍ يُخَفِّفُ بِهِ الإِنسانُ كُرْبَةَ مَكْروبٍ، ويَرْسُمُ بِهِ البَسْمَةَ علَى الوُجُوهِ والفَرْحَةَ فِي القُلوبِ، أَو يُقِيلُ بِهِ عَثْرَةَ مَغلوبٍ، هوَ عِبادَةٌ وقُرْبَى، وكُلُّ عَمَلٍ أَو قَولٍ يَهْدِي بِهِ الإِنسانُ حائراً، أو يُعلِّمُ جَاهِلاً، أَو يُقَرِّبُ بِهِ بَيْنَ مُتباعِدَيْنِ، ويُصلِحُ بِهِ بَيْنَ مُتخاصِمَيْنِ هوَ عِبادَةٌ وقُربَى .

وكُلُّ عَمَلٍ يُزيلُ بِهِ الإِنسانُ ..
أَذىً عَنْ طَريقٍ، أَو يَحْمِي بِهِ بِيئَةً مِنْ تَلوُّثٍ، أَو يَسوقُ بِهِ نَفْعاً، أَو يَدفَعُ بِهِ ضَرّاً، أَو يَمنَعُ بِهِ شَرّاً، كُلُّ ذَلكَ وغَيْرُهُ مِمّا يُحقِّقُ النَّفْعَ العامَّ، ويُساعِدُ علَى الرُّقِيِّ والتَّقدُّمِ للأمامِ هوَ عِبادَةٌ وقُربَى وطاعَةٌ لِرَبِّ الأَنامِ .

لِذلِكَ حَضَّ الإِسلامُ علَى أَنْ يُساهِمَ كُلُّ امرئٍ لِتَحقِيقِ ذَلِكَ قَدْرَ الوِسْعِ والاستِطاعَةِ. إِنَّ كُلَّ عَمَلٍ يَعمَلُهُ المُؤمِنُ يَقْصِدُ بِهِ الخَيْرَ ونَفْعَ الغَيْرِ هوَ عَمَلٌ مُبارَكٌ مَحْبوبٌ، جَزاؤُهُ عِنْدَ اللهِ مُدَّخَرٌ ومَكتوبٌ، يَقولُ الرَّسولُ -صلى الله عليه وسلم-: ((كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ علَيهِ صَدقَةٌ، كُلُّ يَومٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدُلُ بَيْنَ الاثنِينِ صَدقَةٌ، ويُعِينُ الرَّجُلَ فِي دابَّتِهِ فَيَحمِلُهُ أَو يَرفَعُ علَيها مَتاعَهُ صَدقَةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقةٌ، وكُلُّ خُطْوةٍ يَمشِيها إِلى الصَّلاَةِ صَدقَةٌ، ويُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّريقِ صَدَقةٌ))، ويَقولُ -صلى الله عليه وسلم- : ((بَيْنما رَجُلٌ يَمْشِي بِطَريقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوكٍ فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللهُ لَهُ))، وجَاءَ فِي رِوايَةٍ: ((مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ علَى ظَهْرِ الطَّريقِ فَقالَ: لأُنَحِيَنَّ هذا عَنِ المُسلِمينَ لاَ يُؤذِيهم، فأُدْخِل الجَنَّةَ)).

فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واعلَموا أَنَّ مَجالاتِ العِبادَةِ فِِي الإِسلامِ واسِعَةٌ؛ فاستَبِقوا إِلَيها؛ يُثِبْكُم اللهُ علَيها.

هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: ((إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا))(27).

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ
2024/09/25 21:17:08
Back to Top
HTML Embed Code: