Telegram Web Link
ِ ذَنْبٍ؛ فَاِسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُ

وَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ،وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ … (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) [آل عمران: 102]، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبَادَ اللهِ، ثُمَّ يَأْتِي الحَدِيثُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْعَظِيمَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَعَنْ صِدْقِهِ فِيمَا بَلَّغَ؛ فَشَهِدَ لَهُ رَبُّ الْعِزَّةِ وَالجَلَالِ بِصِدْقِهِ، وَصِدْقِ خَبَرِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) [التكوير: 23]: يخَاطِبُ اللهُ، -عَزَّ وَجَلَّ-، أَهْلَ مَكَّةَ، حِينَمَا وَصَفُوا مُحَمَّدًا، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، بِالْجُنُونِ فِيمَا جَاءَ بِهِ، فَأَقْسَمَ اللهُ لَهُمْ بِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَمْرِهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَأَنَّ محَمَّدًا، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، لَيْس بِمَجْنُونٍ، وَوَصْفُهُ ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، بِالجُنُونِ يَدُلُّ عَلَى جَهْلِ مَنْ عَادَوْهُ؛ حَيْثُ وَصَفُوا أَعْقَلَ النَّاسِ بِالجُنُونِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ يَقِينًا رُجْحَانَ عَقْلِهِ، وَصِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ.

وَخَاطَبَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) [التكوير: 23] فَسَمَّاهُ صَاحِبًا لهُمْ، لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهُ حَقَّ المْعْرِفَةِ؛ وَلَمَ لَا ؛ وَقَدْ نَشَأَ وَتَرَبَّى بَيْنَهُمْ؟! يَعْرِفُونَ أَمَانَتَهُ وَصِدْقَهُ، وَحَسَبِهِ وَنَسَبِهِ، وَلَكِنِ الْهَوَى وَالْحَسَدُ إِذَا غَلَبَا؛ غَيَّبَا الْعَقْلَ وَالْمَنْطِقَ وَالحَقَّ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: وَمَا محَمَّدٌ الَّذِي لَازَمَكُمْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ عَامًا ، فَلَا تخْفَى عَلَيْكُمْ دَقَائِقُ أَحْوَالِهِ؛ مَا هُوَ بمَخْبُولٍ، وَلَا هُوَ مِنَ الجِنِّ بمَمْسُوسٍ كَمَا تَزْعُمُونَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) [التكوير: 24]: حَيْثُ بَيَّنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ محمدًا -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، رَأَى جِبْرِيلَ عَلَى صُورَتِهِ الْمَلَكِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ الْوَاضِحِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) [التكوير: 25]: فَمُحَمَّدٌ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، لَيْسَ بِضَنِينٍ أَيْ: لَيْسَ بِبَخِيلٍ عَلَيْكُمْ، فَلَا يَبْخَلُ عَلَيْكُمْ بِمَا بَلَغَهُ، فَلَا يَكْتُمُ شَيْئًا عَنْكُمْ، أَوْ يَطْلُبُ عَلَيْهِ أَجْرًا، فَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ تَطْعَنُونَ فِي الْقُرْآنِ إِذَا كَانَ هَذَا شَأْنُهُ، وَشَأْنُ مَنْ حَمَلَهُ؟! فَالنَّاقِلُ أَمِينٌ، وَالْمُبَلِّغُ أَمِينٌ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ) [التكوير: 26]: أَيْ لَيْسَ الْقُرْآنُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْطَانِ الْمَرْجُومِ الَمَلْعُونِ، وَلَكِنَّهُ مِنْ كَلَامِ اللهِ وَوَحْيِهِ. فَكَيْفَ تَاهَتْ عُقُولُكُمْ يَا كُفَّارَ مَكَّةَ وَغَابَتْ؛ فَلَمْ تَعُدْ تَعْرِفُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَلَا تُمَيِّزُ الْغَثَّ مِنَ السَّمِينِ، وَلَا الصِّدْقَ مِنَ الْكَذِبِ؟!

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) [التكوير: 27]: فَمَا هِيَ الْحُجَّةُ الَّتِي تَسْتَنِدُونَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْيَوْمِ، وَبَعْدَ مَا بَانَتْ لَكُمُ الْحَقَائِقُ وَاِنْكَشَفَتِ، بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ وَالإِيضَاحِ عَنْ صِدْقِ الْقُرْآنِ؛ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، وَلَا بِقَوْلِ الشَّيَاطِينِ كَمَا تَدَّعُونَ بِأَنَّ مَعَهُ رِئْيًا. وَأَيُّ طَرِيقٍ تَسْلُكُونَهُ، بِتَكْذِيبِكُمْ لِهَذَا، فَإِذَا كُنْتُمْ تَبْحَثُونَ عَنْ الْحَقِيقَةِ؛ فَقَدَ بَانَتْ لَكُمْ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) [التكوير: 28]، أَيْ: مَا هَذَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، الَّذِي ذُكِرَتْ لَكُمْ أَحْوَالَهُ؛ إِلَّا مَوْعِظَةٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُكَلَّفُونَ مِنَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَحُجَّةٌ عَلَيْكُمُ؛ كَمَا قَالَ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ" (رَ
وَاهُ مُسْلِمٌ).

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:

(لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) [التكوير: 29]: فَمَنْ أَرَادَ الْهِدَايَةَ فَالْقُرْآنُ طَرِيقُهَا، وَهَلْ يُرِيدُونَ هَادِيًا أَعْظَمَ مِنْ الْقُرْآنِ؟! فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسِتَقِيمَ؛ فَالْقُرآنُ خَيرُ مُرْشِدٍ لَهُ، وَقَدْ أَثْبَتَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ السُّورَةِ؛ أَنَّ لِلْعِبَادِ مَشِيئَةً، وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ يَتَحَجَّجُونَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فِي اِرْتِكَابِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَحْجِبُ نَفْسَهُ عَنِ الْهِدَايَةِ، قَالَ تَعَالَى: (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس: 10].

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير: 30]: فَأَثْبَتَ الْقُرْآنُ أَنَّ للهِ مَشِيئَةً، وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، الَّذِينَ نَفَوا مَشِيئَةَ اللهِ؛ فَفِي هَذِهِ الآيَاتِ إِثْبَاتُ مَشِيئَةٍ للهِ، وَمَشِيئَةٍ لِلْعِبَادِ، فَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِقَامَةَ؛ فَهَا هُوَ الْقُرآنُ، وَهَا هِيَ السُّنَّةُ. فَلَا تَقَعُ مِنْكُمْ إِرَادَةٌ-كَائِنَةً مَا كَانَتْ- إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ بِوُقُوعِهَا؛ لِأَنَّهُ رَبُّ جَمِيعِ الْعَوَالِمِ؛ فَلَا يَقَعُ فِي مُلْكِهِ إِلَّا مَا يَشَاءْ. اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِينَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى.

أَلَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ، -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]. اللهُمَّ صَلِّ عَلَى نَبِيِّنَا، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى وَجْهِكَ. الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَلَا تَجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا شَقِيًّا وَلَا مَحْرُومًا، الَّلهُمَّ اِجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ اِحْفَظْ لِبِلَادِنَا أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا وَاِسْتِقْرَارَهَا.

الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاِجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا، وَأَصْلِحْ بِهِ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

اللهُمَّ انصُرِ الْمُجَاهِدِينَ، الَّذِينَ يُجَاهِدُونَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، اللهُمَّ انصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكِ وَعَدُوِّنَا، اللهُمَّ ثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ وانصُرْهُمْ عَلَى الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، اللَّهُمَّ اخلُفْهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ خَيْرًا، اللَّهُمَّ انصُرْ قُوَّاتِ التَّحَالُفِ عَلَى الْحُوثِيِّينَ الظَّلَمَةِ نَصْرًا مُؤَزَّرًا.

اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرُوا مَعَنَا، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
أُغـــلــــــــق الأقـــصـــــــــى …؟!
فعسـى اللـه أن يأتــي بالفتــــــح
للشيــخ/ عبـــدالــلــه البــصـــــــري
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الأولـــى.cc
مَّا بَعدُ ، فَـ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ “

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، قَبلَ أَن يَكُونَ في الأَرضِ كَنِيسَةٌ أَو بَيعَةٌ ، أَو يُبنَى فِيهَا مَعبَدٌ أَو صَومَعَةٌ ، كَانَت قَوَاعِدُ البَيتِ الحَرَامِ قَد أُرسِيَت ، وَبَعدَ ذَلِكَ بِأَربَعِينَ سَنَةً بُنِيَ بَيتٌ مُقَدَّسٌ آخَرُ بِأَمرٍ مِنَ اللهِ ، فَكَانَ بَيتُ اللهِ الحَرَامُ بِمَكَّةَ هُوَ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ، وَكَانَ المَسجِدُ الأَقصَى في فِلَسطِينَ هُوَ الثَّانيَ ، فَعَن أَبي ذَرٍّ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ : قُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ مَسجِدٍ وُضِعَ في الأَرضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ : ” المَسجِدُ الحَرَامُ ” قَالَ : قُلتُ : ثم أَيٌّ ؟ قَالَ : ” المَسجِدُ الأَقصَى ” قُلتُ : كَم كَانَ بَينَهُمَا ؟ قَالَ : ” أَربَعُونَ سَنَةً … ” الحَدِيثَ ، رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ .

وَكَمَا تَتَابَعَت عِمَارَةُ المَسجِدِ الحَرَامِ عَلَى مَدَى الدُّهُورِ وَتَوَالِي العُصُورِ ، فَقَد عَمَرَ الأَقصَى المُبَارَكَ كَذَلِكَ عَدَدٌ مِنَ الأَنبِيَاءِ وَمُلُوكِ الإِسلامِ وَالخُلَفَاءِ ، مِن أَشهَرِهِم إِبرَاهِيمُ الخَلِيلُ – عَلَيهِ السَّلامُ – وَأَبنَاؤُهُ وَذُرِّيَّتُهُ ، وَعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وَعَبدُالمَلِكِ بنُ مَروَانَ ، وَصَلاحُ الدِّينِ الأَيُّوبيُّ وَغَيرُهُم .

أَمَّا بَنُو إِسرَائِيلَ فَقَد كَانُوا في فِلَسطِينَ ، ثُمَّ انتَقَلُوا إِلى مِصرَ إِذْ آتَى اللهُ نَبِيَّهُ يُوسُفَ المُلكَ فِيهَا ، ثم عَادَ بِهِم مُوسَى – عَلَيهِ السَّلامُ – إِلى فِلَسطِينَ لِتَحرِيرِهَا مِن ظُلمِ العَمَالِقَةِ وَتَطهِيرِهَا مِن فَسَادِهِم ، لَكِنَّ بَنِي إِسرَائِيلَ وَهُم أَهلُ العِصيَانِ وَالطُّغيَانِ وَنَقضِ العُهُودِ وَالمَوَاثِيقِ مُذ كَانُوا ، لم يَشكُرُوا اللهَ عَلَى أَن خَلَّصَهُم مِنَ الفَرَاعِنَةِ الظَّالِمِينَ ، بَل عَبَدُوا العِجلَ مِن دُونِ اللهِ ، ثم جَبُنُوا عَن دُخُولِ الأَرضِ المُقَدَّسَةِ وَتَحرِيرِهَا مِنَ الجَبَّارِينَ ، قَالَ – تَعَالى – : ” وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ يَا قَومِ اذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إِذْ جَعَلَ فِيكُم أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُلُوكًا وَآتَاكُم مَا لم يُؤتِ أَحَدًا مِنَ العَالَمِينَ . يَا قَومِ ادخُلُوا الأَرضَ المُقَدَسَةَ الَتي كَتَبَ اللهُ لَكُم وَلا تَرتَدُوا عَلَى أَدبَارِكُم فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ . قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَومًا جَبَارِينَ وَإِنَّا لَن نَدخُلَهَا حَتَى يَخرُجُوا مِنهَا فَإِن يَخرُجُوا مِنهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ . قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنعَمَ اللهُ عَلَيهِمَا ادخُلُوا عَلَيهِمُ البَابَ فَإِذَا دَخَلتُمُوهُ فَإِنَّكُم غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ . قَالُـوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَدخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ” وَقَد آلَم نَبِيَّ اللهِ مُوسَى – عَلَيهِ السَّلامُ – جُحُودَهُم وَعِصيَانُهُم ، وَنُكُوصُهُم عَنِ الجِهَادِ مَعَهُ لِتَحرِيرِ المَسجِدِ الأَقصَى ، فَدَعَا رَبَّهُ أَن يَفرُقَ بَينَهُ وَبَينَ القَومِ الفَاسِقِينَ ، فَحَرَّمَ اللهُ عَلَيهِمُ الأَرضَ المُقَدَّسَةَ ، وَكَتَبَ عَلَيهِمُ التِّيهَ في الأَرضِ ، فَتَاهُوا في سَينَاءَ أَربَعِينَ سَنَةً ، قَالَ – تَعَالى – : ” قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَمَةٌ عَلَيهِم أَربَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ في الأَرضِ فَلا تَأسَ عَلَى القَومِ الفَاسِقِينَ ” وَلَمَّا انتَهَى التِّيهُ وَقَد مَاتَ هَارُونُ وَمُوسَى – عَلَيهِمَا السَّلامُ – ، بَعَثَ اللهُ يُوشَعَ بنَ نُونٍ – عَلَيهِ السَّلامُ – فَقَادَ جِيلاً جَدِيدًا مِن بَنِي إِسرَائِيلَ لِتَحرِيرِ الأَقصَى ، وَأَرَاهُمُ اللهُ مَعَهُ مُعجِزَةً عَظِيمَةً لَعَلَّهُم يَصمُدُونَ وَيَصدُقُونَ ، فَعَن‏ ‏أَبي هُرَيرَةَ‏ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – ‏َقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ‏- ‏َصَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – : ” ‏إِنَ الشَّمسَ لم تُحبَسْ ‏ ‏لِبَشَرٍ ‏ ‏إِلاَّ ‏ ‏لِيُوشَعَ ‏ ‏لَيَاليَ سَارَ إِلى ‏ ‏بَيتِ المَقدِسِ ” رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَلَكِنَّ بَنِي إِسرَائِيلَ بَعدَ هَذَا لم يُزَايِلُوا طَبِيعَتَهُم ، وَبَقُوا عَلَى إِصرَارِهِم وَعِصيَانِهِم ، وَظَلُّوا يُخَالِفُونَ وَيَتَنَكَّرُونَ ، وَكَفَرُوا بِنِعمَةِ اللهِ بَدَلاً مِن شُكرِهَا ، قَالَ – تَعَالى – : ” وَإِذ قُلنَا ادخُلُوا هَـذِهِ ا
لقَريَةَ فَكُلُوا مِنهَا حَيثُ شِئ

تُم رَغَدًا وَادخُلُوا البَابَ سُجَدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغفِرْ لَكُم خَطَايَاكُم وَسَنَزِيدُ المُحسِنِينَ . فَبَدَّلَ الَذِينَ ظَلَمُوا قَولاً غَيرَ الَذِي قِيلَ لَهُم فَأَنزَلنَا عَلَى الَذِينَ ظَلَمُوا رِجزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفسُقُونَ ” وَبِعِصيَانِ بَنِي إِسرَائِيلَ وَتَبدِيلِهِم ، سُلِّطَ عَلَيهِمُ الجَبَابِرَةُ مِنَ الكَنعَانِيِّينَ ، فَاحتَلُّوا بَيتَ المَقدِسِ وَنَكَّلُوا بِهِم ، فَضَاعُوا وَتَفَرَّقُوا ، ثم عَمَدُوا إِلى نَبِيٍّ لَهُم لِيُنَصِّبَ عَلَيهِم مَلِكًا يَسُوسُهُم وَيُعِيدُ المُلكَ إِلَيهِم ، فَأُرسِلَ إِلَيهِم طَالُوتُ مَلِكًا ، فَكَانَتِ المَعرَكَةُ العَظِيمَةُ ، وَانتَصَرُوا عَلَى الوَثَنِيِّينَ ، وَقَتَلَ دَاوُدُ – عَلَيهِ السَّلامُ – جالوت ، وَآلَ إِلَيهِ المُلكُ بَعدَ طَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ النُّبُوَّةَ ، وَجَدَّدَ هُوَ وَابنُهُ سُلَيمَانُ بِنَاءَ بَيتِ المَقدِسِ ، لَكِنَّ بَنِي إِسرَائِيلَ عَتَوا عَن أَمرِ رَبِّهِم وَعَصَوا رُسُلَهُ ، فَسَلَّطَ اللهُ عَلَيهِم الفُرسَ فَدَمَّرُوا بِلادَهُم ، وَبَدَّدُوهُم قَتلاً وَأَسرًا وَتَشرِيدًا ، وَخَرَّبُوا بَيتَ المَقدِسِ لِلمَرَّةِ الأُولى ، ثم اقتَضَت حِكمَةُ اللهِ – عَزَّ وَجَلَّ – بَعدُ أَن يَعُودَ بَنُو إِسرَائِيلَ إِلى الأَرضِ المُقَدَّسَةِ وَيَنشَؤوا نَشأً جَدِيدًا ، وَأَمَدَّهُم بِأَموَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلَهُم أَكثَرَ نَفِيرًا ، فَنَسُوا مَا جَرَى عَلَيهِم وَكَفَرُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ” كُلَّمَا جَاءهُم رَسُولٌ بِمَا لا تَهوَى أَنفُسُهُم فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقتُلُونَ ” فَسَلَّطَ اللهُ عَلَيهِم بَعضَ مُلُوكِ الفُرسِ وَالرُّومِ مَرَّةً أُخرَى وَاحتَلُّوا بِلادَهُم وَأَذَاقُوهُمُ العَذَابَ ، وَخَرَّبُوا بَيتَ المَقدِسِ وَتَبَّرُوا مَا عَلَوا تَتبِيرًا ، ثم بَقِيَ الأَقصَى بِيَدِ النَّصَارَى مِنَ الرُّومِ مِن قَبلِ بِعثَةِ النَّبيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – بِنَحوِ ثَلاثِ مِئَةِ سَنَةٍ ، حَتَّى أَنقَذَهُ اللهُ مِن أَيدِيهِم عَلَى يَدِ الخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – في السَّنَةِ الخَامِسَةَ عَشرَةَ مِنَ الهِجرَةِ ، فَصَارَ المَسجِدُ الأَقصَى بِيَدِ أَهلِهِ وَوَارِثِيهِ بِحَقٍّ وَهُمُ المُسلِمُونَ ، بَل وَصَارَت فِلَسطِينُ بِكَامِلِهَا بِلادًا إِسلامِيَّةً ، وَصَارَ المُسلِمُونَ جَمِيعًا مَعنِيِّينَ بها وَبِمَسجِدِهَا ، مَسؤُولِينَ عَنهُ إِلى يَومِ الدِّينِ ، كَيفَ لا وَهِيَ أَرضٌ مُقَدَّسَةٌ ، لم تُذكَرْ في كِتَابِ اللهِ إِلاَّ مَقرُونَةً بِوَصفِ البَرَكَةِ ؟! قَالَ – تَعَالى – : ” سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذِي بَارَكنَا حَولَهُ ” وَقَالَ – تَعَالى – عَلَى لِسَانِ مُوسَى – عَلَيهِ السَّلامُ – : ” يَا قَومِ ادخُلُوا الأَرضَ المُقَدَّسَةَ ” وَقَالَ – تَعَالى – حِكَايَةً عَن إِبرَاهِيمَ – عَلَيهِ السَّلامُ – : ” وَنَجَّينَاهُ وَلُوطًا إِلى الأَرضِ الَّتي بَارَكنَا فِيهَا لِلعَالَمِينَ ” وَقَاَل – تَعَالى – : ” وَأَورَثنَا القَومَ الَّذِينَ كَانُوا يُستَضعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتي بَارَكنَا فِيهَا ” وَقَالَ – سُبحَانَهُ – : ” وَلِسُلَيمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجرِي بِأَمرِهِ إِلى الأَرضِ الَّتي بَارَكنَا فِيهَا ” وَقَالَ – تَعَالى – عَن أَهلِ سَبَأٍ : ” وَجَعَلنَا بَينَهُم وَبَينَ القُرَى الَّتي بَارَكنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً “

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد ظَلَّ المَسجِدُ الأَقصَى قِبلَةَ مُعظَمِ الأَنبِيَاءِ ، بَل كَانَ هُوَ القِبلَةَ الأُولَى لِلمُسلِمِينَ أَربَعَةَ عَشَرَ عَامًا ، مُنذ مَبعَثِهِ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – إِلى سِتَّةَ عَشَرَ شَهرًا مِن هِجرَتِهِ . فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا – قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – يُصَلِّي وَهُوَ بِمَكَّةَ نَحوَ بَيتِ المَقدِسِ وَالكَعبَةُ بَينَ يَدَيهِ وَبَعدَ مَا هَاجَرَ إِلى المَدِينَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهرًا ، ثُمَّ صُرِفَ إِلى الكَعبَةِ ” رَوَاهُ أَحمَدُ .

وَفي المَسجِدِ الأَقصَى صَلَّى النَّبيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – لَيلَةَ الإِسرَاءِ رَكعَتَينِ ، ثم عُرِجَ بِهِ إِلى السَّمَاءِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ في صَحِيحِ مُسلِمٍ . وَكَمَا كَانَ الأَقصَى هُوَ مَبدَأَ مِعرَاجِهِ – عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ – إِلى السَّمَاءِ لَيلَةَ الإِسرَاءِ ، فَإِنَّهُ سَيَكُونُ في آخِرِ الزَّمَانِ هُوَ البَابَ إِلَيهَا بَعدَ الحَشرِ إِلَيهِ ، فَعَن مَيمُونَةَ مَولاةِ النَّبيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – أَنَّهَا قَالَت : يَا نَبِيَّ اللهِ ، أَفتِنَا
في بَيتِ المَقدِسِ . فَقَالَ : ” أَر

ضُ المَنشَرِ وَالمَحشَرِ ” رَوَاهُ أَحمَدُ .

وَمِن فَضَائِلِ المَسجِدِ الأَقصَى – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – أَنَّهُ ثَالِثُ المَسَاجِدِ الَّتي لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَيهَا ، عَن أَبي هُرَيرَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – عَنِ النَّبيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : ” لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ : المَسجِدِ الحَرَامِ ، وَمَسجِدِ الرَّسُولِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – وَمَسجِدِ الأَقصَى ” رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَعَن أَبي ذَرٍّ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ : تَذَاكَرنَا وَنَحنُ عِندَ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – أَيُّهُمَا أَفضَلُ : مَسجِدُ رَسُولِ اللهِ أَو بَيتُ المَقدِسِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – : ” صَلاةٌ في مَسجِدِي هَذَا أَفضَلُ مِن أَربَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ ، وَلَنِعمَ المُصَلَّى ، وَلَيُوشِكَنَّ أَن يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الأَرضِ حَيثُ يَرَى مِنهُ بَيتَ المَقدِسِ خَيرٌ لَهُ مِنَ الدُّنيَا جَمِيعًا ” أَو قَالَ : ” خَيرٌ لَهُ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا ” أَخرَجَهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهبيُّ .

وَفي عَصرِنَا الَّذِي ضَعُفَ فِيهِ شَأنُ المُسلِمِينَ ، عَادَ الصَّهَايِنَةُ الأَنجَاسُ فَاحتَلُّوا الأَقصَى ، وَاستَولَوا عَلَى أَجزَاءٍ مِنهُ ، وَحَوَّلُوا حَائِطَ البُرَاقِ الَّذِي حَولَهُ إِلى حَائِطِ مَبكًى يُدَنِّسُونَهُ صَبَاحًا وَمَسَاءً ، وَشَقُّوا الأَنفَاقَ تَحتَ أَسَاسِهِ حَتَّى تَصَدَّعَت أَجزَاءٌ مِنهُ ، وَمَنَعُوا تَرمِيمَهُ أَو إِعَادَةَ بِنَاءِ مَا تَصَدَّعَ مِنهُ ، وَحَاوَلُوا مُنذُ أَكثَرَ مِن خَمسِينَ عَامًا حَرقَهُ لِطَمسِ مَا يَدُلُّ عَلَى الحَضَارَةِ الإِسلامِيَّةِ فِيهِ ، وَمَا زَالُوا يَعتَدُونَ عَلَى المُصَلِّينَ دَاخِلَهُ ، وَيَستَبِيحُونَ دِمَاءَهُم في سَاحَاتِهِ ، ثم زَادَ كَيدُهُم مَعَ صَمتِ العَالَمِ المُطبِقِ وَضَعفِ المُسلِمِينَ المُستَمِرِّ ، حَتَّى أَقدَمُوا في الجُمُعَةِ المَاضِيَةِ عَلَى إِغلاقِهِ وَمَنعِ المُسلِمِينَ مِن أَدَاءِ صَلاةِ الجُمُعَةِ وَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ فِيهِ ، فَنَسأَلُ اللهَ أَن يُطَهِّرَ بَيتَهُ مِن رِجسِ اليَهُودِ ، فَـ” إِنَّ الأَرضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ “


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ .

وَاعلَمُوا أَنَّ المَسجِدَ الأَقصَى حَقٌّ لِلمُسلِمِينَ ؛ لأَنَّهُم وَرَثَةُ الرِّسَالاتِ ، وَرِسَالَتُهُم هِيَ خَاتِمَتُهَا ، وَكِتَابُهُم هُوَ المُصَدِّقُ لِمَا قَبلَهُ وَالمُهَيمِنُ عَلَيهِ ، قَالَ – تَعَالى – : ” وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيمِنًا عَلَيهِ ” وَإِنَّمَا كَتَبَ اللهُ الأَرضَ المُقَدَّسَةَ لِبَنِي إِسرَائِيلَ في أَوقَاتِ أَنبِيَائِهِم ؛ لأَنَّهُم كَانُوا إِذ ذَاكَ أَحَقَّ مَن في الأَرضِ بِهَا ؛ لِمَا هُم عَلَيهِ مِن إِيمَانٍ وَصَلاحٍ وَشَرِيعَةٍ قَائِمَةٍ ، وَاللهُ – تَعَالى – يَقُولُ : ” وَلَقَد كَتَبنَا في الزَّبُورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أَنَّ الأَرضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ” وَأَمَّا وَقَد نَزَعَ اللهُ مِنهُمُ الحَقَّ لأَنَّهُم لم يَكُونُوا لَهُ أَهلاً ، وَنَسَخَ الشَّرَائِعَ بِالإِسلامِ وَجَعَلَهُ عَلَيهَا مُهَيمِنًا ، فَلا وَاللهِ يَسُودُ الأَرضَ سَلامٌ وَهُم يُحَاوِلُونَ اغتِصَابَ الأَقصَى مِن أَهلِهِ ، وَلا وَاللهِ يَتَحَقَّقُ أَمنٌ إِلاَّ بِعَودَتِهِ إِلى المُسلِمِينَ ، وَلا يَأسَ وَلا قُنُوطَ مِن ذَلِكَ – أَيُّهَا المُؤمِنُونَ – فَقَدِ احتَلَّ النَّصَارَى المَسجِدَ الأَقصَى مِن قَبلُ ، وَتَوَقَّفَتِ الصَّلاةُ فِيهِ تَسعِينَ عَامًا ، حَوَّلُوهُ فِيهَا إِلى إِصطَبلٍ لِخُيُولِهِم ، فَلَمَّا أَرَادَ اللهُ بِقُوَّتِهِ ، قَيَّضَ لَهُ صَلاحَ الدِّينِ فَطَهَّرَهُ مِن رِجسِهِم ، وَلَئِن تَوَلَّى مِنَ المُسلِمِينَ اليَومَ مَن تَوَلَّى أَو ضَعُفَ مِنهُم مَن ضَعُفَ ؛ لأَنَّهُمُ استَحَبُّوا الحَيَاةَ الدُّنيَا عَلَى الآخِرَةِ ، فَلَيَجعَلَنَّ اللهُ الفَتح يَومًا مَا عَلَى أَيدِي قَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ ، أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ ، يُجَاهِدُونَ في سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَومَةَ لائِمٍ ، نَعَم – أَيُّهَا الإِخوَةُ – لَن يُستَعَادَ الأَقصَى بِمُؤتَمَرَاتٍ وَلا اجتِمَاعَاتٍ وَلا اتِّفَاقِيَّاتٍ ، وَلا عَلَى أَيدِي مَن يَلعَنُونَ عُمَرَ مِنَ الرِّافِضَةِ البَاطِنِيَّةِ ، وَلَكِنَّ فَاتِحِيهِ بِإِذنِ اللهِ هُمُ الطَّائِفَةُ المَنصُورَةُ ، ال
َّتي هِيَ عَلَى نَهجِ الفَاتِحِ الأَوّ

َلِ في الإِسلامِ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ ، أَلا فَلْيُرَاجِعِ المُسلِمُونَ أَنفُسَهُم ، وَلْيُقَوُّوا عِلاقَتَهُم بِرَبِّهِم ، فَإِنَّهُ وَمُنذُ عَهدِ صَلاحِ الدِّينِ – رَحِمَهُ اللهُ – قَبلَ مِئَاتِ السِّنِينَ ، لم يُصِبِ الأَقصَى هَوَانٌ كَاليَومِ ، فَللهِ الأَمرُ مِن قَبلُ وَمَن بَعدُ ، وَلَكِنْ مَتَى عَادَ المُسلِمُونَ إِلى رَبِّهِم – وَسَيَعُودُونَ يَومًا مَا وَلا شَكَّ – فَسَيَكُونُ كُلُّ شَيءٍ في الأَرضِ مَعَهُم عَلَى اليَهُودِ ، قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ – : ” لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسلِمُونَ اليَهُودَ فَيَقتُلُهُمُ المُسلِمُونَ ، حَتَّى يَختَبِئَ اليَهُودِيُّ مِن وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَرِ ، فَيَقُولُ الحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ : يَا مُسلِمُ ، يَا عَبدَاللهِ ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلفِي فَتَعَالَ فَاقتُلْهُ … ” رَوَاهُ مُسلِمٌ .

==========================
:
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
مــن اســــــــبــاب الـــخــــــذلان
تعلق القلوب بغير علام الغيــوب
للدكتور/ ابراهيم بن محمـد الحقيـل
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله القوي القهار، العزيز الجبار؛ كتب النصر والعز لمن تمسك بدينه، وأقام شريعته، وقضى بالذل والهوان والخذلان على من خالف أمره، واطرح شريعته، وركب هواه؛ نحمده على ما هدانا ووفقنا وأولانا، ونشكره بكل نعمة أنعم بها علينا في كثير وقليل، وجليل وحقير، وخاصة وعامة ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ الله ﴾ [النحل: 53] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ من تمسك بحبله نجَّاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن تعلق بغيره وكل إلى ما تعلق به فحاق به الشقاء، ولحقه الخذلان، ولا مَعَاذَ له إلا بمولاه جل في علاه ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطَّلاق: 3] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ وقف عبيد الدنيا كلُهم في وجهه لإجهاض دعوته، ومنعه من تبليغ رسالة ربه؛ فما وهنت عزيمته، ولا لانت شكيمته؛ حتى كثَّر الله تعالى أتباعه، وأعزهم بعد الذل، وقوّاهم بعد الضعف، وأغناهم بعد الفقر؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ بذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيل الله تعالى، وتحملوا في ذاته سبحانه عداء الكافرين، وأذى المنافقين، ودسائس اليهود؛ فأنالهم الله تعالى حسنة الدنيا، وأجرُ الآخرة أكبر وأبقى، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعـــد:
فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تعالى وطاعته؛ فاتقوا الله حق التقوى، وأسلموا له وجوهكم، وعلقوا به قلوبكم؛ فإن الخلق مهما كانت كثرتهم وقوتهم لا يملكون لكم نفعا ولا ضرا ولا حياة ولا رزقا ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 18].

أيها الناس:
من طبيعة البشر أن قلوبهم تتعلق بأهل العز والقوة، والقهر والغلبة، والمال والجاه، وتنجذب النفوس نحوهم، ويركن الناس إليهم، ويذلون لهم، ويخضعون لقوتهم وغلبتهم؛ لأنهم يبتغون منهم نفعا، أو يخافون منهم ضرا، وهذا التعلق بهم يبقيهم في دركات الذل والمهانة، وأسر الانبهار والتبعية، واستلاب العزة الكرامة، ونزع القوة والمهابة، فتؤكل حقوقهم، وتسلب إرادتهم، ويستباح حماهم، ويبلغ بهم الذل والهوان إلى حدِّ أنهم يقدسون من يفعلون ذلك بهم، كما يقع ذلك في عصرنا، ويقع في كل زمان ومكان.

ولذا نجد أن دين الله تعالى يربي المؤمنين على تعلق قلوبهم بالله تعالى، وتوكلهم عليه دون سواه، وتجريد العبودية له لا لغيره، ويغرس فيهم معاني العزة والأنفة والقوة، ويعدهم التوفيق والظفر إن هم أعزوا أنفسهم أمام غيرهم، ويحذرهم الفشل والخذلان إن هم ذلوا لغيره سبحانه.

إن العزة والقدرة والقهر والقوة هي من صفات الله تعالى التي يُقِّرُ بها أهل الإيمان، وتمر بهم كثيرا في كتاب الله تعالى؛ فربنا جل جلاله على كل شيء قدير، وهو بكل شيء محيط، وهو العليم الحكيم، وهو القوي العزيز؛ لم تقف قوة أمام قَدَره، ولم تصمد أمةٌ أمام عذابه، قال قوم عاد ﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾ [فصِّلت: 15] فأهلكهم ﴿ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴾ [الحاقَّة: 6] ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا المَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38] فأخذه الله تعالى وجنده فأغرقهم أجمعين.

وقال قارون ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78] فخسف الله تعالى به وبداره الأرض، وأغرق سبحانه قوم نوح عليه السلام، وأخذ ثمود بالصيحة، وقوم شعيب عليه السلام بعذاب يوم الظلة، وقَلَبَ على قوم لوط عليه السلام ديارهم، وأتبعهم بحجارة من سجيل، ونجَّى يوسف عليه السلام من الهلاك في الجب، ومن بلاء السجن، ورفع مكانه، وأعز مقامه، فجعله على خزائن الأرض، يأمر وينهى، ويقسم للناس أرزاقهم، ويعطيهم أقواتهم.

كان ربنا سبحانه ولا يزال يعز ويذل، ويرفع ويضع، ويغني ويفقر، ولا يُسأل عما يفعل ﴿ قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 26].

وإذا كانت مقادير كل شيء بيده سبحانه، ومصير العباد إليه، وآجالهم وأرزاقهم عنده، بل سعادتهم وشقاؤهم في الدنيا والآخرة لا يملكها أحد سواه عز وجل وجب أن تتعلق القلوب به وحده، وأن لا تذل إلا له، ولا تعتز إلا به، ولا تتوكل إلا عليه، ولا تركن إلا إليه ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].

فالنفع والضر بيده سبحانه، ولا يملكهما غيره، ولا يقعان إلا بقدره ﴿ قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ الله إِنْ أَرَادَ بِكُم
ْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْم

َةً ﴾ [الأحزاب: 17] وفي آية أخرى ﴿ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ﴾ [الفتح: 11].

والعزة له سبحانه وتعالى كما في القرآن ﴿ إِنَّ العِزَّةَ لله جَمِيعًا ﴾ [يونس: 65]وفي السنة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ الذي لَا إِلَهَ إلا أنت الذي لَا يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ)) رواه الشيخان، وتُبتغى العزة منه سبحانه، ولا يقدر عليها غيره ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الصَّفات: 180].

لا يملكها الكفار لأتباعهم وحلفائهم مهما كانت قوتهم، وكَثُر جمعهم، وبلغت حضارتهم ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَللهِ العِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ [فاطر: 10]. ولا يبتغي العزة من الكفار إلا المنافقون كما قال تعالى فيهم ﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لله جَمِيعًا ﴾ [النساء: 139]. ولما قال رأس المنافقين ﴿ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ﴾ قال الله تعالى ﴿ وَلله العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8].

والقوة والغلبة لله تعالى يمنحها من يشاء ولو كانوا قلة مستضعفين، أذلة مستضامين ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله ﴾ [البقرة: 249] وقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي: ((الله أَكْبَرُ ذُو الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ))ونَصَرَ الله تعالى أهل بدر وهم الأقل والأضعف، وكان عدوهم أكثر وأقوى ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾ [آل عمران: 123].

وإذا شاء الله سبحانه سلب القوة من الأقوياء فنكأ فيهم الضعفاء، وقد وقع ذلك كثيرا، ولا يزال يقع إلى يومنا هذا ﴿ إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58] ﴿ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].

والذين لجئوا إلى غير الله تعالى يبتغون القوة والغلبة منهم ما نفعوهم من الله تعالى شيئا ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ لله جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ العَذَابِ ﴾ [البقرة: 165].

وتَعَلُقُ القلب بالله وحده، واللجوءُ إليه سبحانه هو سبيل الرسل الكرام عليهم السلام، وبه نُصروا على أعدائهم، وأظهرهم الله تعالى في الأرض، وكتب لهم العزة والغلبة، وجعل العاقبة لهم، ولما ابتُلي موسى عليه السلام بأقوى سلطة، وأعتى طاغية، وخشي المؤمنون من أتباعه الهلكة كان موسى عليه السلام قد علق قلبه بالله تعالى في تلك الساعة الحرجة ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 61-62] فنجاه الله تعالى والمؤمنين معه، وأهلك فرعون وجنده.

ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم لما اجتمع عليهم كَلَب الكافرين، وتخذيل المنافقين، وكيد اليهود قابلوا ذلك بالتوكل على الله تعالى، وعدم التنازل عن شيء من دينهم، وعلقوا قلوبهم بربهم عز وجل، فكفاهم الله تعالى شر أعدائهم، وكتب العز والغلبة لهم، وقد جاء ذكر ذلك في قرآن يتلى إلى يوم القيامة ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ الله وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 174].

نسأل الله تعالى أن يمن علينا بما من به عليهم من صدق الإيمان به، والتوكل عليه، واللجوء إليه، وإسلام القلب له وحده لا شريك له، ونعوذ بالله تعالى من الخذلان، ولا عز ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 160].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم....


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعـــد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا الذنوب والمعاصي فإنها سبب الفشل والخذلان في الدنيا والآخرة.

أيها المسلمون:
الموفق من وفقه الله تعالى، والمخذول من خذله الله تعالى، ومن تعلق قلبه بغير الله تعالى وكله الله تعالى إليه فخاب وخسر، وقد قال النبي صلى الله عليه و
سلم: ((من تَعَلَّقَ شَيْئاً وُكِلَ إ

ليه)) رواه أحمد

وقد أجمع أهل العلم واليقين على أن التوفيق بأن لا يكلك الله تعالى إلى نفسك، ولا إلى أحد غيره سبحانه ، وأن الخذلان أنيكلك الله تعالى إلى نفسك، أو إلى أحد سواه عز وجل.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أن من مفسدات القلب: تعلقه بغير الله تبارك وتعالى، ثم قال: ((وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق، فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به، وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل بتعلقه بغيره، والتفاته إلى سواه، فلا على نصيبه من الله تعالى حصل، ولا إلى ما أمَّله ممن تعلق به وصل)).

إن مصيبة المتعلقين بغير الله تعالى أنهم يتعلقون بفانٍ زائل، وينتصرون بمهزوم، ويستقوون بضعيف، ويعتزون بذليل، ويرجون من لا يُرجى، ويسألون من لا ينفع، ويخافون من لا يضر، وينسون القوي العزيز الذي بيده ملكوت كل شيء.

ولما تصاف المسلمون والتتر للقتال جعل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يشجع السلطان ويثبته، ويبث الحمية والغيرة في قلوب الجند، فلما رأى السلطان كثرة التتار، قال: ((يا لخالد بن الوليد!)) فقال له ابن تيمية: ((لا تقل هذا، بل قل: يا الله! واستغث بالله ربك، ووحِّده وحدَه تُنصر، وقل: يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين!)) وما زال يُطل تارة على الخليفة المستكفي بالله، وتارة على الملك الناصر بن قلاوون، ويهدئهما، ويربط جأشهما، ويزيل خوفهما، ويعلقهما بالله تعالى حتى جاء نصر الله والفتح.

إن الأمة المسلمة في هذا الزمن ما تسلط عليها أعداؤها، فاستباحوا حماها، وكسروا هيبتها، واحتلوا أراضيها، وطمعوا في ثرواتها، وصادروا حقوقها في العيش الكريم إلا لأن الخذلان قد أحاط بالمسلمين، وأصيبوا بوهن قلوبهم، وانحطاط عزائمهم، وضعف هممهم، وسبب ذلك تعلق قلوبهم بغير الله تعالى.

وفي قضايا الأمة الكبرى، وقراراتها المصيرية يستبقون إلى أعدائهم زرافات ووحدانا، وسرا وجهرا؛ للحفاظ على مصالح خاصة ولو سحقت الأمة كلها في سبيل ذلك.

لقد امتلأت القلوب بالتعلق بالأعداء، ورُميت كرامة الأمة تحت أقدامهم، واعتقد كثير من المخذولين أن عز الأمة يأتيها من خارجها، وعلى أيدي أعدائها، وأن ما يحصل من تغيرات رئاسية أو حزبية عند الآخرين هو الحل والمنتهى، وهو المخرج للأمة مما هي فيه.

يفرحون بترشح هذا وإقصاء ذاك، وفوز حزب على آخر، يظنون أن القادم سيحل مشاكلهم، وينصفهم في قضاياهم، ثم لا يلبثون إلا قليلا ليدركوا أن اللاحق مثل السابق أو شرا منه، وأن للأعداء أهدافا لا يحيدون عنها، وخططا لا تتغير بتغير أفراد أو أحزاب.

إن من رأى الفرح يتراقص هذه الأيام من بين حروف المقالات في الصحف والمجلات إثر فوز الحزب الديمقراطي برئاسة الدولة الأولى في العالم يظن أن بيت المقدس قد حُرر، وأن الأمة قد فكت أغلالها وقيودها، وأن العدل والحق سيأتيها، فما أضعفها من نفوس تنشد عزها عند غيرها، وتستجدي حقوقها من أعدائها، وهي لا تعمل ولا تغير، بل تنتظر من يعطف عليها.

إن هذا التغيير الذي فرح به قومنا، وظنوا أن فجر الأمة قد بزغ معه لا يَدَ لنا فيه، ولن يكون نفعه لنا، إنه لمصلحتهم هم بعد أن عاثت حكومة الجمهوريين فسادا في الأرض، وأظهرت الوجه الحقيقي المستتر بأقنعة الديمقراطية والحرية لدولة الاستكبار والظلم.

لقد كان تغييرا ضروريا بعد أن استُنزفت أموالهم في حروب جائرة، ومغامرات متهورة، وانتكسوا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، فرأت مؤسساتهم أو شعوبهم أن التغيير مطلوب لإعادة الثقة المفقودة، وحفظ السمعة الملوثة، وترميم البناء المتهدم، فعلام يفرح الأتباع ولا يد لهم في هذا التغيير، ولن ينتفعوا منه نقيرا ولا قطميرا؟!

إنه ليس سوى التعلق بغير الله تعالى الذي كان سببا في خذلان الأمة وضياعها، ولن يزول هذا الخذلان إلا بإعادة القلوب إلى التعلق بالله تعالى وحده دون سواه.

إن الله تعالى قد علَّق تغيير حالنا من الضعف إلى القوة، ومن الذل إلى العز، ومن الهزيمة إلى النصر، علَّق ذلك بتغييرنا نحن لأنفسنا لا بتغيير الآخرين لما عندهم، فيرفضون حزبا اختاروه من قبل، أو يقبلون حاكما رفضوه بالأمس ﴿ إِنَّ الله لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11] وكل تغيير لا يطال قلوبنا، ولا ينبع من نفوسنا فلن يجدي شيئا، بل سيكون تعلقا ببيت العنكبوت ﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ البُيُوتِ لَبَيْتُ العَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 41].

وصلوا وسلموا على نبيكم...

=========================
:
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
غـــزوة أحـــد دروس وعـــبر2⃣
للشيــخ/ مــحـــمـــــــد الــجـــــــرافـــــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله؛ مالكِ الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعزُّ من يشاء، ويذل من يشاء. لا يذل من والاه، ولا يعز من عاداه، وهو على كل شيء قدير. أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا يخرج شيء عن أمره، ولا يعجزه أحد من خلقه، وله الحكمة البالغة في أمره وشرعه: ﴿ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 88].
وأشهد أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا محمَّدًا عبد الله ورسوله؛ في غزوة أحد جرح وجهه، وكسرت رَبَاعِيَته، وهشمت البيضة على رأسه، فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: ((كيف يفلح قوم شجّوا نبيهم، وكسروا رَبَاعِيَتَهُ وهو يدعوهم إلى الله))
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ قوم بذلوا لله نفوسهم وأموالهم، ﴿ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]. والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. 

عـــباد اللـــه أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ فنعم العدة للشدة تقوى الله تعالى وهي المخرج من الفتن، وهي المنجاة من عذابه تبارك وتقدس: ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزمر: 61]، ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴾ [مريم:

أمـــا بعـــد عـــباد الله :
فقد كانت غزوة أحد غزوة عظيمة في أحداثها ومجرياتها، عجيبة في آياتها ومعجزاتها شديدة في ضرائها وابتلاءاتها، غزيرة في عبرها ودروسها.

*- لذلك عباد الله بينت غزوة أحد حب الصحابة لنبيهم طوق المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه وكانوا تسعة فقتل سبعة منهم بعد قتال عنيف. ولم يبق معه غير سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبد الله فطمعوا في القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم رماه عتبة بن أبي وقاص بالحجارة فوقع لشقه، وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى، وجرحت شفته السفلى، وتقدم إليه عبد الله الزهري فشجه في جبهته، وجاء عبد الله بن قمئة فضرب على عاتقه صلى الله عليه وسلم بالسيف ضربة عنيفة شكا لأجلها أكثر من شهر، وضربه بأبي هو وأمي ضربة أخرى عنيفة حتى دخلت حلقتان من حلق المقفر في وجنته، فقال عليه الصلاة و السلام وهو يمسح الدم عن وجهه: ((كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) أخرجه من حديث أنس رضي الله عنه البخاري معلقًا ومسلم في الجهاد والسير باب غزوة أحد

واستبسل سعد وطلحة في الدفاع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد اعطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم كنانته لسعد بن أبي وقاص وقال: ارم فداك أبي وأمي، وأما طلحة فقد قاتل حتى شلت يده، وكان أبو بكر -رضي الله عنه - إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك اليوم كله لطلحة. وروى الترمذي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فيه يومئذ: ((من ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله))

وخلال هذا الموقف العصيب تسارع المسلمون إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأقاموا حوله سياجًا من أجسادهم وسلاحهم وبالغوا في الدفاع عنه، قام أبو طلحة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسور نفسه بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويرفع صدره ليقيه عن سهام العدو، وكان راميًا يرمي فكلما رمى أشرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليرى موضع سهمه، فيقول له أبو طلحة: بأبي أنت وأمي لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك، وقام أبو دجانة أمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فترس عليه ظهره والنبل يقع عليه، وهو لا يتحرك، وامتص مالك بن سنان الدم عن وجنته وأنقاه فقال: مجه. فقال: والله لا أمجه أبدًا، ثم أدبر يقاتل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) فقتل شهيدًا.
وقاتلت أم عمارة حول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضربها ابن قمئه على عاتقها ضربة تركت جرحًا أجوف، وضربته فنجا بدرعه، وبقيت تقاتل حتى أصابها اثنا عشر جرحًا.

وقام النبي صلى الله عليه وسلم فلاذ إليه المسلمون فأخذ بالانسحاب المنظم إلى شعب الجبل، وأثناء القتال كان النعاس يأخذ المسلمين أمنة من الله، قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار، يقال لها الشقيراء وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد, فلما نعوا لها قالت: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: خيرًا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، ق
الت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير ل

ها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل، تريد صغيرة، وأي صغيرة لكنه الإيمان يفعل في نفوس المسلمين.

- عـــباد اللـــه :
لقد كان الله - سبحانه وتعالى - قادرًا على أن ينصُر نبيَّه صلى الله عليه وسلم - ودينَه وأولياءَه منذ اللحظةِ الأولى، وأن يُهلِك أعداءَهم بلا كدٍّ من المؤمنين ولا عناءٍ، ولكنَّ الله تعالى أراد تربيةَ المُسلمين ليُبتلَوا، وليقُودوا البشريَّةَ قيادةً راشِدةً على ما تحمِلُه البشريةُ من شهواتٍ ونزَواتٍ وانحرافٍ.

وهذه القيادةُ تقتضِي صلابةً في الدين، وثباتًا على الحق، وصبرًا على الشدائد، ﴿ ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [محمد: 4]. هذه سُنَّةُ الله؛ الابتلاءُ قبل التمكين. فالنفسُ لا تنتصِرُ في الحروبِ إلا حين تنتصِرُ في القِيَم والمبادِئ، والذين تولَّوا يوم التقَى الجمعَانِ في أُحُد إنما استزلَّهم الشيطانُ ببعضِ ما كسَبُوا من الذنوب، والذين انتصَروا في معارِك العقيدة وراء أنبيائِهم هم الذين بدؤُوا المعركةَ بالاستِغفار من الذنوب، والالتِجاء إلى الله، والتطهُّر من المعاصِي.

* لقد ترفَّقَ القرآنُ الكريمُ في خِطابِ المُؤمنين بعد ما أصابَهم في أُحُدٍ؛ لكي لا يتحوَّل انكِسارُهم في الميدان إلى قُنوطٍ يفُلُّ قُواهم، وحسرةٍ تشُلُّ إنتاجَهم، قال الله - عز وجل -: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 139، 140].

فجمعَ - سبحانه - في خِطابِه لهم بين تشجيعِهم وتقويةِ نُفوسِهم، وإحياءِ عزائِمِهم وهِمَمهم، وبين حُسن التعزِيَة وذِكر الحِكَم الباهِرَة التي اقتَضَت انتصار الكفار عليهم، وعزَّى اللهُ نبيَّه وأولياءَه عمَّن قُتِلَ منهم في سبيلِه أحسنَ تعزِيةٍ وألطَفَها، وأدعاها إلى الرِّضا بما قضاهُ لهم، وأخبرَهم بما نالُوه من ثوابِه وكرامَته؛ ليُنافِسُوهم فيه، ولا يحزَنوا عليهم، وأعلَمَهم أن سببَ المُصيبةِ من عند أنفُسِهم ليحذَروا، وأنها بقضائِه وقدَرِه ليُوحِّدُوا ويتَّكِلوا، ولا يخافُوا غيرَه فقد جاء الكلام عن غزوة أحد في ثمان وخمسين آية من سورة آل عمران

* فلقد كانت حصيلةُ معركة أُحُدٍ ومن بعدها التوجيهات القُرآنية في سورة آل عمران بعد الأحداث أكبرَ من حصيلةِ النصر والغَنيمة، ولقد علِمَ المُؤمنون أن الهزيمةَ حين تقَع؛ فإنها جارِيةٌ على سُنَّة الله وفقَ ما يقعُ من تقصيرٍ وتفريطٍ، وأنها تُحقِّقُ غاياتٍ يُقدِّرُها الله بحِكمته وعلمِه لتمحيصِ النفوس، وتمييز الصفوف، وتجلِيَة الحقائِق، وإقرار القِيَم، وإقامَة الموازين، وجلاء السُّنن للمُستبصِرين.

*- لئن تكلَّف المُسلمون الأوائل عشراتٍ من الرِّجال وأشهرًا من الزمان، ليستعيدوا قوَّتَهم ويتفوَّقُوا في الوقائع اللاحِقة؛ فإن المُسلمين في هذا الزمان استنَزَفوا الملايين من أرواحِهم وعقودًا من أعمارهم، ولم يتغيَّر حالُهم، وكان الفارِقُ بينهم وبين سلَفِهم هو الفرقُ في تعلُّمهم الدروس واستِلهامِهم العِبَر.

- عـــباد اللـــه :
وفي غزوة أحد حدثت آيات عظيمة منها: أن الملائكة حضروها، ودافعوا عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روى الشيخان من حديث سعد رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه، عليهما ثياب بيض كأشدِّ القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد".

وقد ذكر العلماء أن الملائكة كانوا لحراسة النبي صلى الله عليه وسلم وأن الله تعالى قد وعد المؤمنين بأنهم إن صبروا واتقوا أمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، وكان قد فعل، فلما عصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك الرماة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يبرحوا منازلهم رفع الله عنهم مدد الملائكة، فصدقهم الله وعده، وأراهم الفتح، فلما عصوا أعقبهم البلاء. وبقي من بقي من الملائكة للدفع عن النبي صلى الله عليه وسلم وحفظه من العدو.

ومن أعمال الملائكة في أحد: أنهم غسلوا من كان جُنُبًا من الصحابة رضي الله عنهم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن حنظلة ابن أبي عامر: ((إن صاحبكم تغسله الملائكة فاسألوا صاحبته))، فقالت: "إنه خرج لما سمع الهائعة وهو جُنُب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لذلك غسلته الملائكة))رواه البيهقي والحاكم وصححه وقال "على شرط مسلم ووافقه الذهبي
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أصيب حمزة بن عبدالمطلب وحنظلة بن الراهب وهما جنب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رأيت الملائكة تغسلهما))؛ رواه الطبراني بإسناد حسن وحسنه الهيثمي.

وأظلت الملائكة عبدالله بن حرام رضي الله عنه كما روى ابنه جابرٌ رضي الله عن
ه قال: "لما قتل أبي جعلت أكشف الثوب

عن وجهه وأبكي، وينهوني عنه وهو لا ينهاني، فجعلت عمتي فاطمة تبكي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تبكين أو لا تبكين، فما زالت الملائكة تُظِلُّهُ بأجنحتها حتى رفعتموه))؛ رواه الشيخان
وقد أكرمه الله تعالى بكرامة عظيمة، قال جابر رضي الله عنه: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم": ((يا جابر، مالي أراك منكسرًا؟)) قال: "قلت: يا رسول الله، استشهد أبي وترك عيالاً ودينًا"، قال: ((أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟)) فقال: "بلى يا رسول الله". قال: ((ما كلم الله أحدًا قط إلا من وراء حجاب، وكلَّم أباك كفاحًا، فقال: "يا عبدي، تمن عليَّ أعطك". قال: "يا رب، تحييني فأقتل فيك ثانية"، فقال الرب سبحانه: "إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون"، قال: "يا رب، فأبلغ من ورائي"، قال الله تعالى: ﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169]))؛ رواه الترمذي وابن ماجه

قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفره إنه هو الغفور الرحيم


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمدلله وحده والصلاة
والسلام على من لانبي بعده،
نبينا محمد وعلى آله وصحبه .

أمــا بعــد ايها المسلمون :
*- ومن دروس غزوة أحد ترك الوهنِ.. والتمسكُ بشرف الإيمان: قال - سبحانه -: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]، لا يصحُّ لكم أيها المؤمنون أن تضعُفوا، أو تحزنوا، أو تستسلموا للوهن والحزن؛ فأنتم الأعلون بمقتضى سنَّة الله في جَعْل العاقبة للمتقين، وعلو كلمة الإسلام؛ وقال - تعالى -: ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ ﴾ [محمد: 35].ينهى الله - تعالى - عباده المؤمنين أن يضعُفوا عن قتال أعدائهم من الكافرين وهم الأعلون اعتقادًا وتصورًا للحياة، وأنتم الأعلون ارتباطًا وصلةً بالعليِّ الأعلى، وأنتم الأعلون منهجًا وهدفًا وغاية، وأنتم الأعلون شعورًا وخُلقًا وسلوكًا، ثم أنتم الأعلون قوة ومكانًا ونصرة، فمعكم القوة الكبرى: ﴿ وَاللَّهُ مَعَكُمْ ﴾ [محمد: 35]، فلستم وحدكم، إنكم في صحبة العليِّ الجبار القادر القهار، وهو لكم نصير حاضر معكم، يُدافِع عنكم، فما يكون أعداؤكم هؤلاء والله معكم؟ وكل ما تبذلون، وكل ما تفعلون، وكل ما يصيبكم من تضحيات، محسوب لكم، لا يضيع منه شيء عليكم

*- ومن دروس غــزوة أحد :
أن حكمة الله وسنته في رسله، وأتباعهم، جرت بأن يُدالوا مرّة، ويُدال عليهم أُخرى، لكن تكون لهم العاقبة، فإنهم لوا انتصروا دائماً، دخل معهم المؤمنون وغيرهم، ودخل معهم في الإسلام ظاهراً من ليس معهم فيه باطناً، فاقتضت حكمة الله-عز وجل-أن سبب لعباده محنة ميزت بين المؤمن والمنافق، ولو انتُصِر عليهم دائماً لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة، فاقتضت حكمة الله أن جمع لهم بين الأمرين ليتميز من يتبعهم ويطيعهم للحق، وما جاؤوا به، ممن يتبعهم على الظهور والغلبة خاصة. قال الله-تعالى-:{ ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حَتَّى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء}  آل عمران(179).

وكانت آثارُ المعركة تمحيصًا للنفوس، وتمييزًا للصفوف، وتحرُّرًا من تمييع القِيَم وتأرجُح المشاعِر؛ وذلك بتميُّز المُنافِقين ووضوحِ سِماتِهم

ولئِن نجحَ ابنُ أُبيٍّ في التأثير على ثُلُث الناس حتى رجَعوا إلى المدينة وتخلَّوا عن نُصرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلقد صمَدَت صفوةٌ نقيَّةٌ، حمَلَت أعباءَ الدين، وأنفقَت وقاتَلَت، وصبَرَت وصابَرَت، ﴿ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23]. بجِهادِهم وتضحياتِهم حفِظَ الله مصيرَ الإسلام في أول الزمان، وبمثلِ بُطولتهم وثباتِهم وصبرِهم يحفظُ الله وجودَ الإسلام في آخر الزمان

- عـــباد الله :
ومن دروس غزوة أحد أنه سبحانه إذا امتحن المؤمنين بالغلبة، والكَسرَة، والهزيمة، ذلَوا وانكسروا، وخضعوا، ما ستوجبوا منه العز والنصر، فإن خِلعة النصر إنما تكون مع ولاية الذٌّل والانكسار، قال تعالى: { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة}  آل عمران(123) ، وقال: { ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً }   التوبة (25) .
فهو سبحانه إذا أراد أن يُعزَّ عبده ويجبره وينصره، كسره أولاً، ويكون جبره له، ونصره على مقدر ذُلِّه وانكساره.

*- تقرير مبدأ الشورى إذا استشار أصحابه في قتال المشركين خارج المدينة أو داخلها وأخذ برأي الأغلبية وسجل حكمة انتفع بها كل من أخذ بها من مؤمن وكافر وهي قوله: "ما كان لنبي أن يضع لامته على رأسه ثم يضعها قبل أن يحكم الله بينه وبين عدوه" الحاكم في مستدركه والبيهقي 

إنها آية العزم ومظهر الحزم و الصدق
بل نزلت آية وشاورهم في الأمر بعد غزو

ة أحد ليؤكد على أهمية الشورى والا يعتقدوا أنها سبب هزيمتهم

*- درس في حقوق الطفل
ومن الدروس أنَّ الإمام لا يأذن لمن لا يطيق القتال من الصبيان غير البالغين بل يردهم إذا خرجوا كما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر ومن معه وكانوا صغارا حتى لا يزج بالأطفال في الحروب فتنتهك حقوقهم وحقهم أن يصانوا ويعلموا ويعيشوا طفولتهم البريئة .

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم، كما أمركم بذلك ربكم (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)
اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارضَ اللهم عن صحابةِ رسولِك أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم لا تدع لنا في هذا المقام ذنبا إلا غفرته ولا دينا إلا قضيته ولا مريضا إلا شفيته ولا حاجة من حوائج الدنيا الا سهلتها وقضيتها يارب العالمين
الله من حضر هذه الجمعة فاغفر له ولوالديه وافتح لسماع الموعظة قلبه وأذنيه

اللهم احفظ بلادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم من أراد ببلادنا خيرا فوفقه الى كل خير ومن أراد ببلادنا شرا فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره في تدميره واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين
اللهم لا ترفع له راية ولا تحقق له في وطننا الحبيب غاية واجعله لمن خلفه عبرة وآية
اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظ بلادنا واقض ديوننا واشف أمراضنا وعافنا واعف عنا وأكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤاثر علينا وارحم موتانا واغفر لنا ولوالدينا وأصلح أحوالنا وأحسن ختامنا يارب العالمين
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله اكبر واقم الصلاة .
:
🎤
خطبـة.جمعــة.بعنــوان.cc
المواطنة والانتماء حقوق وواجبات
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

عناصر الخطبة:
العنصر الأول: حب الوطن والانتماء إليه غريزة فطرية
العنصر الثاني: المواطنة حقوق وواجبات
العنصر الثالث: الوفاء والتضحية من أجل الوطن
العنصر الرابع: واجبنا نحو غير المسلمين من السائحين والزائرين والمقيمين .

أمـــا بعـــد:
العنصر الأول: حب الوطن
والانتماء إليه غريزة فطرية

عـــباد الله: إن حب الوطن غريزة فطرية في الإنسان، وما من إنسان إلا ويعتز بوطنه؛ لأنه مهد صباه ومدرج خطاه ومرتع طفولته، وملجأ كهولته، ومنبع ذكرياته، وموطن آبائه وأجداده، ومأوى أبنائه وأحفاده، حتى الحيوانات لا ترضى بغير وطنها بديلاً، ومن أجله تضحي بكل غالٍ ونفيس، والطيور تعيش في عشها في سعادة ولا ترضى بغيره ولو كان من حرير، والسمك يقطع آلاف الأميال متنقلاً عبر البحار والمحيطات ثم يعود إلى وطنه، وهذه النملة الصغيرة تخرج من بيتها ووطنها فتقطع الفيافي والقفار وتصعد على الصخور وتمشي على الرمال تبحث عن رزقها، ثم تعود إلى بيتها، بل إن بعض المخلوقات إذا تم نقلها عن موطنها الأصلي فإنها تموت، ولذا يقول الأصمعي:" ثلاث خصال في ثلاثة أصناف من الحيوانات: الإبل تحن إلى أوطانها وإن كان عهدها بها بعيدًا، والطير إلى وكره وإن كان موضعه مجدبًا، والإنسان إلى وطنه وإن كان غيره أكثر نفعًا".

وقد روي في ذلك أن مالك بن فهم خرج من السراة ( بلدة بالحجاز) يريد عمان، قد توسط الطريق، حنت إبله إلى مراعيها، وقبلت تلتفت إلى نحو السراة وتردد الحنين؛ فقال مالك في ذلك:
تحن إلى أوطانهـــــــــا إبل مالك
ومن دونهـــــــــــا عرض الفلا والدكادك
وفي كل أرض للفتى متقـــــــــــلب
ولست بدار الذل طوعا برامـــــــــــــــــك
ستغنيك عن أرض الحجاز مشارب
رحاب النواحي واضحات المسالك

فإذا كانت هذه سنة الله في المخلوقات فقد جعلها الله في فطرة الإنسان، وإلا فما الذي يجعل الإنسان الذي يعيش في المناطق شديدة الحرارة، والتي قد تصل إلى ستين درجة مئوية، وذلك الذي يعيش في القطب المتجمد الشمالي تحت البرد القارص، أو ذلك الذي يعيش في الغابات والأدغال يعاني من مخاطر الحياة كل يوم، ما الذي جعلهم يتحملون كل ذلك إلا حبهم لوطنهم وديارهم؟!!

لذلك كان من حق الوطن علينا أن نحبه؛ وهذا ما أعلنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يترك مكة تركًا مؤقتًا؛ فعن عبد الله بن عدي أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو واقف على راحلته بالحَزْوَرَة مِنْ مَكَّةَ يَقُول: “وَالله إِنَّك لَخَيْرُ أَرضِ اللهِ وَأحَبُّ أرْضِ اللهِ إِلًى اللهِ، وَلَوْلاَ أنِّي أخْرِجْتُ مِنْكِ مَاَ خَرَجْتُ” ( الترمذي وحسنه).

فما أروعَها من كلمات! كلمات قالها الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو يودِّع وطنه، إنها تكشف عن حبٍّ عميق، وانتماءٍ صادقٍ؛ وتعلُّق كبير بالوطن، بمكة المكرمة، بحلِّها وحَرَمها، بجبالها ووديانها، برملها وصخورها، بمائها وهوائها، هواؤها عليل ولو كان محمَّلًا بالغبار، وماؤها زلال ولو خالطه الأكدار، وتربتُها دواء ولو كانت قفارًا.

إنها الأرض التي ولد فيها، ونشأ فيها، وشبَّ فيها، وتزوَّج فيها، فيها ذكرياتٌ لا تُنسى، فالوطن ذاكرة الإنسان، فيها الأحباب والأصحاب، فيها الآباء والأجداد. قال الغزالي: "والبشر يألَفُون أرضَهم على ما بها، ولو كانت قفرًا مستوحَشًا، وحبُّ الوطن غريزةٌ متأصِّلة في النفوس، تجعل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه، ويحنُّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجِم، ويَغضب له إذا انتقص".

وها هو الخليل ابراهيم عليه السلام حين ترك زوجته هاجر وابنه اسماعيل عليه السلام فى مكة المكرمة وهى واد قاحل غير ذى زرع دعا ربه أن ييسر لهم أسباب الاستقرار ووسائل عمارة الديار ؛ فقَالَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمِ-:{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}( إبراهيم: 37).

وهذا كليم الله موسى عليه السلام حنّ إلى وطنه بعد أن خرج منها مجبراً؛ قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}.(القصص: 29)؛ قال ابن العربي في أحكام القرآن: " قال علماؤنا: لما قضى موسى الأجل طلب الرجوع إلى أهله وحنّ إلى وطنه وفي الرجوع إلى الأوطان تقتحم الأغرار وتركب الأخطار وتعلل الخواطر. ويقول: لما طالت المدة لعله قد نسيت التهمة وبليت القصة".

وها هو رسولنا صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: لما أخبر ورقة بن نوفل رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن قومه ـ وهم قريش ـ مخر

جوه من مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوَمخرجِيَّ هم؟!) قال: نعم، لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزَّرا. قال السهيلي رحمه الله: "يؤخذ منه شدّة مفارقة الوطن على النفس؛ فإنّه صلى الله عليه وسلم سمع قول ورقة أنهم يؤذونه ويكذبونه فلم يظهر منه انزعاج لذلك، فلما ذكر له الإخراج تحرّكت نفسه لحبّ الوطن وإلفه، فقال: (أوَمخرجِيَّ هم؟!
قال الحافظ الذهبي : وهو من العلماء المدقِّقين – مُعَدِّدًا طائفةً من محبوبات رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " وكان يحبُّ عائشةَ، ويحبُّ أَبَاهَا، ويحبُّ أسامةَ، ويحب سبطَيْه، ويحب الحلواء والعسل، ويحب جبل أُحُدٍ، ويحب وطنه".

ولتعلق النبي – صلى الله عليه وسلم – بوطنه الذي نشأ وترعرع فيه ووفائه له وانتمائه إليه؛ دعا ربه لما وصل المدينة أن يغرس فيه حبها فقال: " اللهم حبِّبْ إلينا المدينةَ كحُبِّنا مكةَ أو أشدَّ". (البخاري ومسلم.)
وقد استجاب الله دعاءه، فكان يحبُّ المدينة حبًّا عظيمًا، وكان يُسرُّ عندما يرى معالِمَها التي تدلُّ على قرب وصوله إليها؛ فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: "كان رسول الله إذا قدم من سفرٍ، فأبصر درجات المدينة، أوضع ناقتَه - أي: أسرع بها - وإن كانت دابة حرَّكَها"، قال أبو عبدالله: زاد الحارث بن عمير عن حميد: "حركها من حبِّها". (البخاري.)

ومع كل هذا الحب للمدينة لم يستطع أن ينسى حب مكة لحظة واحدة؛ لأن نفسه وعقله وخاطره في شغل دائم وتفكير مستمر في حبها؛ فقد أخرج الأزرقي في "أخبار مكة" عن ابن شهاب قال: قدم أصيل الغفاري قبل أن يضرب الحجاب على أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فدخل على عائشة -رضي الله عنها- فقالت له: يا أصيل: كيف عهدت مكة؟! قال: عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، قالت: أقم حتى يأتيك النبي، فلم يلبث أن دخل النبي، فقال له: "يا أصيل: كيف عهدت مكة؟!"، قال: والله عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، وأغدق إذخرها، وأسلت ثمامها، فقال: "حسبك -يا أصيل- لا تحزنا". وفي رواية أخرى قال: "ويها يا أصيل! دع القلوب تقر قرارها".

أرأيت كيف عبر النبي الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- عن حبه وهيامه وحنينه إلى وطنه بقوله: "يا أصيل: دع القلوب تقر"، فإن ذكر بلده الحبيب -الذي ولد فيه، ونشأ تحت سمائه وفوق أرضه، وبلغ أشده وأكرم بالنبوة في رحابه- أمامه يثير لواعج شوقه، ويذكي جمرة حنينه إلى موطنه الحبيب الأثير العزيز!!
أرأيت كيف أن الصحابة المهاجرين -رضوان الله عليهم أجمعين- كانوا يحاولون تخفيف حدة شوقهم وإطفاء لظى حنينهم إلى وطنهم بالأبيات الرقيقة المرققة التي تذكرهم بمعالم وطنهم من الوديان والموارد والجبال! ولما كان الخروج من الوطن قاسيًا على النفس، صعبًا عليها، فقد كان من فضائل المهاجرين أنهم ضحوا بأوطانهم في سبيل الله، فللمهاجرين على الأنصار أفضلية ترك الوطن، ما يدل على أن ترك الوطن ليس بالأمر السهل على النفس، وقد مدحهم الله سبحانه على ذلك فقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ}. [الحشر: 8].

أيها المسلمون: إن تراب الوطن الذي نعيش عليه له الفضل علينا في جميع مجالات حياتنا الاقتصادية والصناعية والزراعية والتجارية؛ بل إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان يستخدم تراب وطنه في الرقية والعلاج؛ فعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في الرقية: " باسم الله، تُرْبَةُ أَرْضِنا، ورِيقَةُ بَعْضِنا، يَشْفَى سقيمُنا بإذن ربنا". ( البخاري ومسلم.)
والشفاء في شم المحبوب، ومن ألوان الدواء لقاءُ المحبِّ محبوبَه أو أثرًا من آثاره!! ألم يُشفَ يعقوبُ ويعود إليه بصره عندما ألقَوْا عليه قميصَ يوسفَ؟! قال الجاحظ: " كانت العرب إذا غزتْ وسافرتْ حملتْ معها من تُربة بلدها رملاً وعفراً تستنشقه عند نزْلةٍ أو زكام أو صُداع."(الرسائل).
وهكذا يظهر لنا بجلاء فضيلة وأهمية حب الوطن والانتماء والحنين إليه في الإسلام.

العنصر الثاني: المواطنة حقوق وواجبات

عـــباد الله: إن المواطنة بمفهومها الحقيقي تقتضي أن هناك حقوقاً وواجباتٍ بين المواطن ووطنه ؛ تقتضي مجموعة من الحقوق للمواطن الذي يعيش على أرض الوطن تتمثل في الحرية والكرامة والمساواة والعدل والتعليم والرعاية وغير ذلك من الحقوق التي يشترك فيها جميع المواطنين الذين يعيشون على أرض الوطن على اختلاف عقائدهم وديانتهم وثقافتهم .

وفي مقابل هذه الحقوق على المواطن واجبات عديدة تجاه وطنه من أهمها :

- تربية الأبناء على استشعار ما للوطن من أفضالٍ سابقةٍ ولاحقة عليه - بعد فضل الله سبحانه وتعالى - منذ نعومة أظفاره ، ومن ثم تربيته على رد الجميل ، ومجازاة الإحسان بالإحسان؛ لاسيما أن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف ت
حث على ذلك وترشد إليه كما في قوله تع

الى : { هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ } ( الرحمن :60 ) .

- الحرص على مد جسور المحبة والمودة مع أبناء الوطن في أي مكانٍ منه؛ لإيجاد جوٍ من التآلف والتآخي والتآزر بين أعضائه الذين يمثلون في مجموعهم جسداً واحداً مُتماسكاً في مواجهة الظروف المختلفة .

- غرس حب الانتماء الإيجابي للوطن ، وتوضيح معنى ذلك الحب ، وبيان كيفيته المُثلى من خلال مختلف المؤسسات التربوية في المجتمع كالبيت ، والمدرسة ، والمسجد، والنادي ، ومكان العمل ، وعبر وسائل الإعلام المختلفة مقروءةً أو مسموعةً أو مرئيةً .

- العمل على أن تكون حياة الإنسان بخاصة والمجتمع بعامة كريمةً على أرض الوطن ، ولا يُمكن تحقيق ذلك إلا عندما يُدرك كل فردٍ فيه ما عليه من الواجبات فيقوم بها خير قيام ؛ فالحب الصادق للأوطان واجبات ومسؤوليات يجب علينا أن نترجمها على أرض الواقع؛ وهذا مكلف به الجميع كل حسب استطاعته ووسعه وما في مقدوره.

- تربية أبناء الوطن على تقدير خيرات الوطن ومعطياته والمحافظة على مرافقه ومُكتسباته التي من حق الجميع أن ينعُم بها وأن يتمتع بحظه منها كاملاً غير منقوص .

- الإسهام الفعال والإيجابي في كل ما من شأنه خدمة الوطن ورفعته سواءٌ كان ذلك الإسهام قولياً أو عملياً أو فكرياً ، وفي أي مجالٍ أو ميدان ؛ لأن ذلك واجب الجميع ؛ وهو أمرٌ يعود عليهم بالنفع والفائدة على المستوى الفردي والاجتماعي .

- التصدي لكل أمر يترتب عليه الإخلال بأمن وسلامة الوطن ، والعمل على رد ذلك بمختلف الوسائل والإمكانات الممكنة والمُتاحة .

- الدفاع عن الوطن عند الحاجة إلى ذلك بالقول أو العمل؛ جميل أن يموت الإنسان من أجل وطنه، ولكن الأجمل أن يحيى من أجل هذا الوطن!!

العنصر الثالث: الوفاء
والتضحية من أجل الوطن

عباد الله: إن المسلم الحقيقي يكون وفيًّا أعظم ما يكون الوفاء لوطنه، محبًّا أشد ما يكون الحب له، مستعدًا للتضحية دائمًا في سبيله بنفسه ونفيسه، ورخيصه وغاليه، فحبه لوطنه حب طبيعي مفطور عليه، حب أجل وأسمى من أن ترتقي إليه شبهة أو شك، حب تدعو إليه الفطرة، وترحب به العقيدة، وتؤيده السنة، وتجمع عليه خيار الأمة؛ فيا له من حب!
قيل لأعرابي: كيف تصنعون في البادية إذا اشتد القيظ (الحر) حين ينتعل كل شيء ظله؟! قال: "يمشي أحدنا ميلاً، فيرفض عرقًا، ثم ينصب عصاه، ويلقي عليها كساه، ويجلس في فيه يكتال الريح، فكأنه في إيوان كسرى". أي حب هذا وهو يلاقي ما يلاقي!! إنه يقول: أنا في وطني بهذه الحالة مَلِكٌ مثل كسرى في إيوانه.

إن المواطنة الحقة قيم ومبادئ وإحساس ونصيحة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وعزة وموالاة وتضحية وإيثار والتزام أخلاقي للفرد والأمة، إنها شعور بالشوق إلى الوطن حتى وإن كان لا يعيش الفرد في مرابعه كما قال شوقي:
وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه بالخلد نفسي
فأين هؤلاء الذين يدّعون حب الوطن والوطنية ولا ترى في أعمالهم وسلوكياتهم وكلامهم غير الخيانة والعبث بمقدراته، والعمالة لأعدائه، وتأجيج الفتن والصراعات بين أبنائه، ونشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة!!

أين الوفاء للأرض التي عاشوا فيها وأكلوا من خيراتها، وترعرعوا في رباها، واستظلوا تحت سماها، وكانت أرض الإيمان والتوحيد والعقيدة الصافية!!

عـــباد الله : يجب على كل مسلم أن يحب وطنه، ويتفانى في خدمته، ويضحي للدفاع عنه؛ فحب الوطن والدفاع عنه لا يحتاج لمساومة؛ ولا يحتاج لمزايدة؛ ولا يحتاج لشعارات رنانة؛ ولا يحتاج لآلاف الكلمات؛ أفعالنا تشير إلى حبنا، حركاتنا تدل عليه؛ حروفنا وكلماتنا تنساب إليه، أصواتنا تنطق به؛ آمالنا تتجه إليه، طموحاتنا ترتبط به، لأجل أرض وأوطان راقت الدماء؛ لأجل أرض وأوطان تشردت أمم، لأجل أرض وأوطان تحملت الشعوب ألواناً من العذاب؛ لأجل أن نكون منها وبها ولها؛ وإليها مطالبون أينما كنا أن نحافظ عليها !!

حب الوطن والتضحية من أجله هو واقع يستحق أن نعمل بحب وتفان من أجل المحافظة عليه لأنه أثمن ما في وجودنا وانتمائنا، فالوطن هو التاريخ والحضارة والتراث، وهو الذي سكن جسدنا وروحنا وذاكرتنا، ومن أجله وخاصة في هذه الفترة العصيبة نحتاج إلى العمل من دون مقابل، لأن الوطن فوق كل شيء.
بِلاَدِي هَوَاهَا فِي لِسَانِي وَفِي دَمِي
يُمَجِّدُهَا قَلْبِي وَيَدْعُو لَهَا فَمِي

يروى أنه عندما تقدم نابليون نحو الأراضي الروسية بقصد احتلالها، صادف فلاحا يعمل بمنجله في أحد الحقول، فسأله عن أقرب الطرق المؤدية إلى إحدى البلدان بعد أن أعلن له عن شخصيته، فقال له الفلاح ساخرا: «ومن نابليون هذا ؟!.. إنني لا أعرفه!». فقال نابليون غاضبا: «سوف أجعلك تعرف من أنا». ثم نادى أحد الضباط وأمره بأن يسخن قطعة من المعدن على هيئة حرف «N» الذي يبدأ به اسم نابليون حتى درجة الاحمرار ثم يلصقها بذراعه اليسرى. وبعد أن تم لنابليون ما أراد، هوى الفلاح بالمنجل على ذراعه من عند الرسغ وقطعها، وقال لنابليون والدم ينزف منه: «خير لي أن
أموت أو أحيا بذراع واحدة من أن أعيش ب

جسم تلوث بالحرف الأول من اسمك.. إنني وما أملك لبلادي».
ذهل نابليون من رد فعل هذا الفلاح، فصاح في جنوده أن يحضروا الزيت، ويقوموا بغليه، ويغمروا البقية الباقية من يده فيه، لإيقاف النزيف، قائلا لهم: «حرام أن يموت رجل يملك هذه الشجاعة وهذه الوطنية»، لكنهم إلى أن أحضروا الزيت وقاموا بغليه كان الفلاح قد نزف دما كثيرا، وما هي إلا دقائق حتى لفظ أنفاسه.
وحزن نابليون عليه حزنا شديدا لدرجة أنه أمر بحفر قبر له يدفن فيه، ومكث في المكان نفسه عدة أيام، وقبل أن يغادر وضع قبعته الشخصية على القبر وتركها تكريما وتقديرا لذلك الفلاح الجريء؛ وأمر قواته بأن تتجاوز تلك القرية ولا تدخلها أبدا.

فأين نحن من تضحياتنا لوطننا؟ فالتضحية من أجل الوطن ليست مقتصرة على مواجهة العدو والموت في سبيل الوطن ورفع الشعارات؛ أين هؤلاء الذين يدّعون حب الوطن والوطنية وهم من ذلك براء؟! ولا ترى في أعمالهم وسلوكياتهم وكلامهم غير الخيانة والعبث بمقدراته، والعمالة لأعدائه، وتأجيج الفتن والصراعات بين أبنائه، ونشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة!!

أحبتي في الله: إن واجبنا نحو التضحية من أجل وطننا أن يضحي كل فرد في المجتمع بحسب عمله ومسئوليته؛ فيضحي الطبيب من أجل حياة المريض؛ ويضحي المعلم من أجل تعليم وتنشئة الأولاد؛ ويضحي المهندس من أجل عمارة الوطن؛ ويضحي القاضي من أجل إقامة وتحقيق العدل؛ ويضحي الداعية من أجل نشر الوعي والفكر الصحيح بين أفراد المجتمع وتصحيح المفاهيم المغلوطة والأفكار المنحرفة؛ وتضحي الدولة من أجل كفالة الشعب ورعايته؛ ويضحي الأب من أجل معيشة كريمة لأولاده؛ ويضحي الجندي من أجل الدفاع عن وطنه؛ ويضحي العامل من أجل إتقان عمله؛ وتضحي الأم من أجل تربية أولادها..إلخ.... إننا فعلنا ذلك فإننا ننشد مجتمعا فاضلا متعاونا متكافلا تسوده روابط المحبة والإخلاص والبر والإحسان وجميع القيم الفاضلة.

العنصر الرابع: واجبنا نحو غير المسلمين من السائحين والزائرين والمقيمين

أحبتي في الله: لقد اهتم الإسلام اهتماماً بالغاً بالآخر؛ وقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تؤكد علاقات السلم والسلام والأمان مع غير المسلمين من السائحين والزائرين والمقيمين سواء من أهل الكتاب أم من غيرهم ؛ قال تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].
قال الطبري: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين من جميع أصناف الملل والأديان أن تبَرُّوهم وتصِلوهم، وتُقسطوا إليهم، وإن الله عز وجل عم بقوله: ﴿ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ﴾ [الممتحنة: 8] جميعَ مَن كان ذلك صفتَه، فلم يخصص به بعضًا دون بعضٍ" أ.ه .
ويقول الإمام القرطبي (رحمه الله) في تفسيره لهذه الآية: " دخل ذمي (رجل من غير المسلمين) على إسماعيل بن إسحاق القاضي فأكرمه، فأخذ عليه الحاضرون في ذلك، فتلا هذه الآية عليهم ".

ولا يخفى علينا بر أسماء بنت الصديق لأمها وهي مشركة؛ فعن أسماء بنت أبي بكرٍ قالت: قدِمَتْ علَيَّ أمي وهي مشركة في عهد قريشٍ إذ عاهَدهم، فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، قدِمَتْ عليَّ أمي وهي راغبة، أفأصِلُ أمي؟ قال: " نَعم، صِلِي أمَّكِ ".(متفق عليه). يقول الإمام القرطبي (رحمه الله): فيه دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال، إن كانا فقيرين، وإلانة القول والدعاء إلى الإسلام برفقٍ".

ونحن نعلم أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان يحتوي جميع الملل والأديان المختلفة؛ فكان جيرانُ نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم بالمدينة وما حولها أصحابَ ديانات مختلفة، فكان منهم اليهود والنصارى والمشركون الذين يعبدون الأصنام، وعلى الرغم من ذلك كان يدعوهم إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يجبرهم على الدخول في الإسلام، ولم يعتدِ على حرماتهم وأموالهم، وترك لهم حرية العبادة، مع أن المسلمين كانوا أصحاب الكلمة العليا في المدينة، ولم يسفك دم أحدٍ منهم بغير حق، بل كان يزور مرضاهم ويأمر بالإحسان إليهم؛ ونحن نعلم أن زيارته للغلام اليهودي كانت سبباً في إسلامه!
فعن أنسٍ رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: " أسلِمْ "، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطِعْ أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " لحمد لله الذي أنقذه من النار ".( البخاري ).

كذلك فعل من بعده - صلى الله عليه وسلم - الصحابة والتابعون مع جيرانهم من غير المسلمين.
فقد روى البخاري (في الأدب المفرد) عن مجاهد بن جبرٍ قال: كنت عند عبدالله بن عمرٍو - وغلامه يسلخ شاةً - فقال: يا غ
لام، إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي، فقال

رجل من القوم: اليهودي أصلحك الله؟ قال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالجار، حتى خشينا أو رُئِينا أنه سيورِّثه.

وإليكم هذه الصورة السمحة التي تعبر عن سماحة الإسلام ومدي تمسك أفراده بالحلم والسلم والعفو والصبر وجميع القيم الإنسانية؛ والتي كانت سبباً لدخول الكثيرين في الإسلام!

" فقد روي أنه كان لسهل بن عبدالله التستري (رحمه الله) جارٌ مجوسي، وكان قد انبثق مِن كنيفه (مرحاضه) إلى بيت سهل ثقب، فكان سهل يضع كل يوم الجَفنة (الوعاء) تحت ذلك الثقب فيجتمع ما يسقط فيه من كنيف المجوسي ويطرحه بالليل حيث لا يراه أحد، فمكث رحمه الله على هذه الحال زمانًا طويلًا إلى أن حضرت سهلًا الوفاة، فاستدعى جاره المجوسي، وقال له: ادخُلْ ذلك البيت وانظر ما فيه، فدخل فرأى ذلك الثقب والقذر يسقط منه في الجفنة، فقال: ما هذا الذي أرى؟! قال سهل: هذا منذ زمان طويل يسقط من دارك إلى هذا البيت وأنا أتلقاه بالنهار وألقيه بالليل، ولولا أنه حضرني أجلي وأنا أخاف ألا تتسع أخلاق غيري لذلك، وإلا لم أخبرك، فافعل ما ترى، فقال المجوسي: أيها الشيخ، أنت تعاملني بهذه المعاملة منذ زمان طويل وأنا مقيم على كفري؟ مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ثم مات سهل رحمه الله". (الكبائر للذهبي).
هذه هي أخلاق الإسلام مع غير المسلمين من السائحين والزائرين والمقيمين؛ وهذا ما يجب علينا جميعا أن نظهره للآخر؛ فهذه دعوة عملية فعلية؛ وهي أبلغ وأقوى تأثيراً من القول؛ فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كونوا دعاة إلى الله وأنتم صامتون . قيل : وكيف ذلك؟ قال : بأخلاقكم !! فأين نحن من هذه المعاني ؟!!

أيها المسلمون: إن غير المسلمين في بلدنا لهم عهد وأمان وذمة سواء كانوا سيَّاحاً أو زائرين أو مقيمين؛ وأن الغدر بهم أو الاعتداء عليهم جريمة نكراء وفعلة شنعاء؛ أوقع ديننا الحنيف بفاعلها أشد العقوبة والتنكيل في الدنيا والآخرة؛ فقد روى البخاري عن عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قتل معاهدًا، لم يَرَحْ رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا " .
قال الإمام ابن حجر العسقلاني: قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن قتل معاهدًا) المراد بالمعاهد: هو من له عهد مع المسلمين، سواء كان بعقد جزيةٍ أو هدنةٍ من سلطانٍ، أو أمانٍ من مسلمٍ".أ.ه
وروى النسائي عن عمرو بن الحمق الخزاعي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من آمن رجلًا على دمه، فقتله، فأنا بريء من القاتل، وإن كان المقتول كافرًا ".

وهكذا - أيها المسلمون - حرم الإسلام جميع الدماء بما فيها دماء غير المسلمين؛ ووضع أسس وقواعد الأمان والسلام والمواطنة في التعامل مع الآخر ؛ فهل بعد ذلك يأتي أحد حاقد على الإسلام فيقول إنه دين قتل وإرهاب؛ ويلصق به من التهم ما هو منها براء ؟!!!

نسأل الله أن يجعل بلدنا أمنا أمانا سلاما وسائر بلاد المسلمين؛ اللهم من أراد بلادنا وسائر بلاد المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره !!
الدعاء........ وأقم الصلاة،،،،

=======================
⛅️ #إشــツـراقة_الصبـاح

❆ الخميس ❆
٠٤/ ذو القـ⑪ـعدة/ ١٤٣٨هـ
27/ يـولـيــ⑦ــــو/ 2017مـ
❂:::ــــــــــــــــــ✺ـــــــــــــــــ:::❂

‌‏﴿اركض برجلك هٰذا مغتسل بارد
وشراب﴾
كان الفَرَجُ قريباً منه -عند رِجْلِه-
فكن قوي الأمل باللهﷻ وأحسن
الظن به دائما ولا تيأس فمهما
اشتدّ الكربُ فالفرج قريب!....♡
‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏
صبــــاح الفَرَجُ القريب ...@
*إشراقة الصباح*
صباح يجلو خطايا المساء ،
ينشر ضياءه في زوايا قلوب
تفتحت له عن رضا و طواعية
☆ *أذكار الصباح*☆
أذكآر الصبآح | نور لِقلبك

تِلاوَة طَيّبَة ؛ للقَارئ : لافي العوني .
﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾
http://e.top4top.net/m_268hnan0.mp3
☀️☀️
🔹 *همسة غالية*🔹
‏امضِ كأنك لم تسمَع اصمُـت كأنك
لمَ تفھَمْ ، تجاهل كأنك لم تَرى
وانسى كأنك لم تذكر
فهذا نصف الطريق للسّعَادة

*إشراقة*
إستيقظوا وتذوقوا جنة الدنيا ،
خسرها من كان نائم و هنيئاً
لِقلوب سجدت لربها فجرا

💡 *إضاءة*💡
كـل شـيء يسبـح للـه فـلا تكـن انـت الغافـل؛سبحـان الله وبحمده
سبحـان الله العظيـم📻🌴.....

ركعتي *الضحى*
زادٌ وغنيمة ومدائن فرح
تحَوي مُصليها فتظله بِالأجرعن
كل مِفصل صدقة
فهنيئاًلمن حافظ عليها🍂

》 *وختااما*《
(... عَسَى اللَّهُ أَنْ
يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ
إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)*
لكل أحلامك وحاجاتك،
لكل ثمين فقدته، لكل غال تنتظره،
قل بثقة ويقين سيأتيني الله
بما انتظر أو خيرًا مما انتظر .. 🌿
صباحكم .. يمتليء تسبيحاً وحمداًوأستغفاراً وذكرا
وصلاة وتسليماً على أفضل الخلق وأشرفهم
*أسعد الله صباحكم بكل الخير*🌿
ﮩ•┈••✾•◆❀◆•✾••┈•ﮩ
2024/09/26 23:20:59
Back to Top
HTML Embed Code: