Telegram Web Link
فعلا وقفة أمام هذه الموجة من السوء التي تسمم الأجواء وتزكم الأنوف وتلوث البيئة النظيفة وتغري النفوس الضعيفة بذلك وهذه أول لفتة توجب علينا حماية الأجيال العربية والإسلامية من هذا الشر فالحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا وجعلنا مسلمين (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ، وعندما تفوق فريق المغرب في بعض مراحل التصفيات عمت الفرحة العالم العربي والإسلامي ما يدل على أن عاطفة الولاء بين الشعوب لا تزال حية بالرغم مما تعرضت له من العواصف وحملات التمزيق وأن الأمة تحب أن تجتمع وأن تتوحد ولو كان ذلك على مشروع رياضي وهي دعوة الله لعباده (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ، (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)، أعجب الحاضرون في المهرجان من الأجانب بخصائص الأسرة عند المسلمين وبالترابط الأسري والعواطف الجياشة التي تحكم هذه الصلاة وهي قضية يفقدها الغرب فالأسرة ممزقة والآباء والأمهات في الملاجئ لكن ديننا يجعل نظام الاسرة من أصول الشريعة ، أعجبوا بالأذان ذلك الصوت العظيم الذي يخاطب الفطرة السليمة وهي شعيرة أثرت في تلك الجماهير التي لا تعرف هذا في بلدانها ولا حتى في دينها المحرف ، ومظهر الصلاة كان عجيبا وتوقف كل شيء وقت الصلاة ومنها المباراة مع أهميتها اندفعت الجماهير لمشاهدة المسلمين في صلواتهم في الأماكن العامة وفي المساجد ، كانت بعض النساء تجرب لباس النساء المسلمات والحجاب وتنظر إلى نفسها فترى نفسها شيئا عظيما قد عادت إلى أنوثتها وخصائصها ، ظهر من خلال ذلك حاجة العالم إلى التعرف على الإسلام من خلال المظاهر الصادقة التي تعبر عنه في الشعائر والأخلاق وهي الدعوة التي كلف الله بها العباد تبغا لنبيهم (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، أعجبوا بما سمعوه عن الإسلام وبما سمعوه عن الأمة الإسلامية والعربية وتاريخها وقيمها ، لأول مرة في التاريخ المعاصر يطلع العالم كشعوب ونخب عن قرب عن الأمة الإسلامية ودينها وأخلاقها ، تميز المجتمع القطري بحملة استضافة الأسر الأجنبية ليعيشوا مع المسلمين فيتعرفوا على أوضاعهم الأسرية والأخلاقية والدينية
وبالمناسبة من واجبنا أن نسدي الشكر والتقدير لحراسنا الأمناء والمدافعين الأشداء عن ثغورنا في جبهات وميدان العزة والكرامة في جبهات مأرب وغيرها فحراسة الأوطان والأديان والثغور والمقدسات يجب أن يعطى الهم الأول في حياة الأمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) ثم الدعاء والصلاة على النبي والدعوة إلى الجهاد بالمال وأقم الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة29 جمادى الأولى 1444هـ الموفق 23 ديسمبر 2022 م
الخطبة الأولى : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ، يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، لك الحمد ربنا أمرتنا بشكرك وذكرك وحسن عبادتك ورغبتنا في تسبيحك وحمدك وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك شهادة نبرأ بها من الشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق ونسعد بها يوم التلاق وتسموا بها أرواحنا إلى الآفاق وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صاحب القلب الشاكر واللسان الذاكر والفؤاد الصابر صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ما تعاقب الليل والنهار وسلم تسليما كثيرا أوصيكم ونفسي بتقوى فاتقوا الله حق التقوى وسارعوا إلى ما يحب ويرضى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) أما بعد فيقول الله جل جلاله وتقدست أسماؤه (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) وقفة أيها المؤمنون مع هذا الفيض الرباني العظيم والكرم الإلهي الكبير من الرحمن الرحيم الذي يدعونا إلى ذكره وشكره ويجعل جزاء ذلك أن يذكر من ذكره ويشكر سعي من شكره يعلن ذلك في سمائه وأرضه بين عالم الجن والإنس والملائكة في عالم الأحياء والجمادات وفي عالم الدنيا والآخرة وهو القائل في الحديث القدسي عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ِشِبْرٍا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً " متفق عليه ، هكذا أيها المؤمنون بالارتباط الشرطي بين المقدمة والنتيجة وبين فعل الشرط وجوابه وجزائه ، ارتباط لا يتخلف بين فعل العبد وفعل الرب سبحانه فمتى ذكرت الله ذكرك ومتى شكرته شكرك ومتى نسيته نسيك والجزاء من جنس العمل ، كما أن سنن الله عز وجل كلها لا تتخلف ، لا تتخلف النتائج إلا إذا أخل الإنسان بالمقدمات فما أعظم هذا الالتزام من الله جل جلاله الذي لا يجب عليه شيء بل هو تفضل محض منه سبحانه ويؤكد هذا الارتباط حديث أبي ذر عند مسلم وفيه (يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ)
وذكر الله تعالى أيها المؤمنون ليس لفظا باللسان فقط وإنما هو انفعال القلب معه أو بدونه، والشعور بالله ووجوده والتأثر بهذا الشعور تأثرا ينتهي إلى الطاعة في حده الأدنى، وإلى رؤية الله وحده ولا شيء غيره لمن يهبه الله الوصول ويذيقه حلاوة اللقاء..والشكر لله عز وجل درجات ، تبدأ بالاعتراف بفضله والحياء من معصيته. وتنتهي بالتجرد لشكره والقصد إلى هذا الشكر في كل حركة بدن، وفي كل لفظة لسان، وفي كل خفقة قلب، وفي كل خطرة جنان. ثم النهي عن الكفر هنا تحذير من الخطر الذي ينتهي إليه التقصير في الذكر والشكر; وتحذير من الخسارة الأبدية والشقاوة الدائمة التي ينتهي إليها هذا الحظ التعيس المحفوف بالغفلة ! والعياذ بالله
والذكر في ذاته شكر لله الذي أنعم علينا بنعمة الدين وجعلنا من أتباع خاتم النبيين وسيد المرسلين وخصنا بخصائص فضلنا فيها على العالمين وأكرمنا بمنهج صالح لكل زمان ومكان كما قال سبحانه (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) ، شكر وذكر أيها الكرام يتحقق به الاعتراف بالنعمة التي أنشأت للإنسان وجودا، وجعلت له دورا في التاريخ، ورسالة في الحياة ، وقيمة في الوجود وقد
كان من قبلها وبدونها ضائعا تائها (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) ، ولولا هذه المنة لظلت البشرية كذلك ضائعة، لا تحمل فكرة ولا تملك مشروعا يقود الحياة وينميها ، نتذكر هذه الحقيقة ليذكرنا الله فلا ينسانا ، لا ننساها فينسانا من فضله وكرمه ورحمته . ومن نسيه الله فهو مغمور ضائع لا ذكر له في الأرض، ولا ذكر له في الملأ الأعلى. ومن ذكر الله ذكره، ورفع من وجوده وذكره في هذا الكون الكبير(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). وذِكْرُ اللهِ من أعظم الأسباب المُعينة على الطاعات، قال الله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ فجعل الصلاةَ ناشئةً عن الذِّكر، ومسبَّبة عنه ، وقال تعالى - في ترك الذنوب والاستغفار منها: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ) فجعل الاستغفارَ ناشئاً عن الذِّكر ، وقال (وَ يَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) فهو مصدر من مصادر القوة للفرد والمجتمع لا سيما القوة المعنوية النفسية
ومن الأهمية بمكان أيها المؤمنون أنْ يستعين المسلمُ بالله تعالى على ذِكره وشُكره وحُسنِ عبادته، ومن هنا جاءت وصية النبيِّ صلى الله عليه وسلم لمعاذٍ - رضي الله عنه: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ! لاَ تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» صحيح - رواه أبو داود والنسائي. وتأملْوا – إخوة الإسلام - في الثوابِ العظيم المُترتِّب على الإقبال على الله في مناجاته، وذِكرِه وحُسْنِ عبادته قال تعالى (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» رواه مسلم. والمسلم إذا تلذّذ بِذِكْرِ الله ومناجاتِه؛ وَجَدَ حلاوةَ ذلك، وأحبَّ المداومةَ عليه والإكثارَ منه، فترى لسانَه دائماً يلهج بذكر الله ، قال مُسلم بن يسار - رحمه الله -: (ما تلذَّذَ المُتلذِّذون بمِثل الخلوة بمناجاة الله عز وجل وقال ابن عون - رحمه الله -: (ذِكْرُ الناسِ داء، وذِكْرُ اللهِ دواء قال الذهبي - رحمه الله -: (إي واللهِ ، فالعَجَبُ منا، ومن جهلنا، كيف نَدَعُ الدواءَ، ونقتحِمُ الداءَ ؟   وقال ابن القيم - رحمه الله -: (في القلب خَلَّة وفاقة لا يَسُدُّها شيء البتَّة إلاَّ ذكر الله عز وجل، فإذا صار الذِّكرُ شِعارَ القلب، بحيث يكون هو الذَّاكر بطريق الأصالة، واللسان تَبَعٌ له؛ فهذا هو الذِّكر الذي يَسُدُّ الخَلَّة، ويُغني الفاقةَ، فيكون صاحبُه غنياً بلا مال، عزيزاً بلا عشيرة، مَهِيباً بلا سلطان، فإذا كان غافلاً عن ذكر الله عز وجل فهو بِضِدِّ ذلك، فقير مع كثرة جِدَته، ذليل مع سلطانه، حقير مع كثرة عشيرته ) فما أحوجنا إلى ملازمة الذِّكر دائماً، خصوصاً في أوقات الغَفَلات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ، هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام خلاصة ذلك التوجيه الرباني في قوله (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) أن تكون قلوبنا وحياتنا عامرة بذكر الله فاذكروا الله أيها المؤمنون بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم ، اذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ، اذكروا الله بعبادتكم وأخلاقكم اذكروا الله بجهادكم ورباطكم وثباتكم ، اذكروا الله ببذلكم وتضحيتكم في سبيل دينه ، اذكروا الله بجمع كلمتكم ووحدة صفكم ، اذكروا الله بحسن العبادة وحسن العمل والاتقان لأعمالكم ووظائفكم ، اذكروا الله في بيعكم وشرائكم فلا تظلمون ولا تظلمون ، اذكروا الله في تربية أولادكم والإحسان إلى أهليكم ، اذكروا الله في الأمر بالعروف والنهي عن المنكر والتناصح فيما بينكم ، اذكروا الله في ظاهركم وباطنكم اكثروا من ذكره على كل حال فهو يدعوكم إلى ذلك بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه ، وعن عبد الله بن بسر أن أعرابيا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن شرائع
الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به ؟ فقال : لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله ) أخرجه احمد وابن ماجة ، اذكروا الله في السراء والضراء والشدة والرخاء ، إذا حمي وطيس المعركة بينكم وبين أعداء دينكم ووطنكم فاذكروا الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، استعينوا في مواجهة مكر الماكرين وكيد الكائدين وخيانة الخائنين بالصبر والمصابرة والجهاد والمجاهدة والله معكم ولن يتركم أعمالكم (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) ـ (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) ، (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا) ، (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) ، في كل نجاح وفي كل انتصار اذكروا الله وسبحوه واستغفروه (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) ، عند مواجهة الطغاة والمستبدين وأعداء الدين اذكروا الله مستشعرين قول الله لموسى وأخيه عليهما السلام (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ، اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى ، قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)
وفي قوله (اذكركم) أي أذكركم بعوني وأذكركم بتوفيقي أذكركم بهدايتي وتسديدي لكم أذكركم بمعيتي أذكركم بنصري ، ولقد ذكر المسلمون ربهم عبر تاريخهم فذكرهم ونصرهم ومكن لهم ، ورفع ذكرهم، ومكنهم من القيادة الراشدة ثم نسوه فنسيهم فإذا هم همل ضائع، وذيل تافه ذليل.. والوسيلة قائمة. والعودة إلى السيادة والريادة ممكنة وألطاف الله لا تزال تتنزل على العباد رغم عدم الوفاء بالأسباب والله يدعوهم في قرآنه الكريم:  فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون.  
ولاشك بأننا بحاجة ماسة إلى أن نقوي صلتنا بربنا شكرا وذكرا حتى يكون عونا لنا وناصرا لنا على أعداء الإسلام وأعداء اليمن ، وأكثر الناس ذكرا لله هم أولئك المجاهدون المرابطون في المواقع والجبهات والثغور الليل مع النهار ..ولذلك ذكرهم الله وأثنى عليهم بقوله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ، لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ) وخلد ذكرهم في قوله (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ثم الدعاء والدعوة إلى الجهاد بالمال والصلاة على النبي وأقم الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 6 جمادى الآخرة 1444هـالموافق 30 ديسمبر2022م.
الخطبة الأولى : الحمد لله ذي الملك والملكوت الحمد لله ذي العزة والجبروت الحمد لله الحي الدائم الذي لا يموت سبحانك ربنا وبحمدك من اعتز بعقله ضلّ​ ومن اعتز بماله قلّ​ ومن اعتز بجاهه ذلّ​ ومن اعتز بمعيشته ملّ​ ومن اعتز بك ودينك فلا ضل ولا قلّ ولا ذل ولا ملّ​ ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله من شرح الله صدره ووضع وزره ورفع ذكره وجعله شرفا لمن اتبعه وأمانا لمن اهتدى بهديه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أوصيكم ونفسي بتقوى الله والاعتصام بدينه والاعتزاز بكتابه العزيز والتمسك بشريعته (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) ، (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) ، (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام أقف بحضراتكم مع موضوع من المواضيع المهمة وسمة من سمات المؤمنين الصادقين ومؤهل من مؤهلات الأمة للقيادة والسيادة والنصر والتمكين إنه موضوع العزة ، نعم العزة التي تعني الشجاعة والقوة والثبات على الحق والصبر والمصابرة وطول النفس في مواجهة أعداء الدين والعقيدة والوطن ، وتعني السيادة والقيادة والتمكين بمعنى أن تكون الأمة متبوعة لا تابعة وقائدة لا مقودة ومعطية لا متسولة معتزة بقيمها ودينها وأخلاقها متفردة متميزة محصنة عن التبعية الأخلاقية للآخرين ، العزة تعني الانتصار ممن ظلمها أو اعتدى على حرماتها والانتصاف منه وصدق الله (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) وهي الحال التي وصف الله بها جيل النصر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم ممن سار على نهجهم وطريقتهم وهم قدوتنا في ذلك فقال (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ...يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) وهي مؤهلات جند الله الذين يختارهم لحراسة دينه ونصرة شريعته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ) ، هذه الفئة أيها المؤمنون التي اعتزت بربها ودينها وقرآنها وسنة نبيها وجانبت طريق المغضوب عليهم والضالين ومن سار على طريقهم ،هؤلاء هم حملة الحق والدين الذين سيظلون ثابتين وفي سبيل الله مجاهدين لا يضرهم من خذلهم ولا من ناوأهم ولا من قاتلهم ، ولا يفت في عضدهم كيد الكائدين ولا مكر الماكرين حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك يصدق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم عن مُعَاوِيَةَ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ» وفي رواية (يقاتلون على الحق ) وعند أبي داود (ظاهرين على من ناوأهم) .
والعزة أيها المؤمنون اسم من أسماء الله تعالى وصفة من صفاته فهو العزيز سبحانه وقد وصف ذاته العلية بذلك في القرآن اثنتين وتسعين مرة قال تعالى (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) وقال ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) وقال ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) وقال ( بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يقول الله سبحانه : (الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري من نازعني واحدا منهما ألقيته في جهنّم ) رواه مسلم
والعزة ملك لله وحده (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) ولا تنال العزة إلا من الله وبالقرب منه والعمل بدينه والالتزام بشرعه والجهاد في سبيله والصبر والمصابرة لا بالمال ولا بالجاه ولا بالقبيلة ولا بالوظيفة ولا بالنسب ولا بالمظاهر ولا بالقوة المادية قال تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، تُولِجُ
اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) وهو درس نتعلمه من الفاروق عمر رضي الله عنه فعن طارق بن شهاب، قال: خرج عمر ابن الخطّاب إلى الشّام ومعنا أبو عبيدة بن الجرّاح فأتوا على مخاضة، وعمر على ناقة له، فنزل عنها وخلع خفّيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين! أنت تفعل هذا؟ تخلع خفّيك وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟ ما يسرّني أنّ أهل البلد استشرفوك . فقال عمر: أوه ! لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، إنّا كنّا أذلّ قوم فأعزّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزّ بغير ما أعزّنا الله به أذلّنا الله ». أخرجه الحاكم ووافقه الذهبي ، ولما اعتز المسلمون يوم حنين بالكثرة نزلت بهم الهزيمة لتعيدهم إلى الاعتزاز بالله وبدينه وصدق الله (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) ، ولا قيمة للاعتزاز بالذات والتكبر عن قبول الحق فليس ذلك من أخلاق المؤمنين بل وصف الله به الكفار والمنافقين فقال (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) وقال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فما أحوجنا أيها المؤمنون اليوم ونحن نواجه الصلف الحوثي الإيراني الحاقد على الدين والوطن والهوية ، ما أحوجنا أن نتمثل هذه العزة على أعدائنا وهي مسيرة يحبها الله على أعدائه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي دجانة ، ما أحوجنا إلى أن نواجه هذا العدو الغاشم بعزة وشدة وقوة في التمسك بالحق والدفاع عنه والجهاد في سبيله كما قال الله لموسى عليه السلام (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ)
ما أحوجنا إلى أمثال أبي بكر وعمر وحمزة وخالد وغيرهم من الصادقين الذين يستمدون عزتهم وشجاعتهم وقوتهم من العزيز سبحانه ، ينصر الله بهم هذا الدين ويرفع الله بهم شأن المسلمين ويذل بهم أعداء الدين ، ومرة أخرى من مدرسة عمر نتعلم فعن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: «ما زلنا أعزّة منذ أسلم عمر رواه البخاري ، وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ  بأحبِّ هذين الرجُلين إليك بأبي جهلٍ أو بعمر بن الخطاب ، فكان أحبُّهما إلى الله عمر بن الخطاب رواه أحمد فبأمثال هذه النماذج ينصر دين الله
وعلى طريقهم يسير الركب المبارك من المجاهدين والأبطال حتى يومنا هذا فمن للجبهات غير من تشربوا درس العزة والكرامة والقوة من المجاهدين الأبطال الذين يعزهم الله ويذل بهم كبرياء أعدائه من الحوثيين المعتدين بل إنهم جيل النصر الحاسم في المستقبل الذي يمكن فيه للدين في العالمين إن شاء الله فعن تَميم الداري رضي الله عنه ، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ليَبْلغنَّ هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهارُ، ولا يترك اللهُ بيت مَدَر ولا وَبَر إلا أدخله الله هذا الدين، بعِزِّ عزيز أو بذُلِّ ذليل، عزا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلا يُذل الله به الكفر) ،  وكان تميم الداري، يقول: قد عرفتُ ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب مَن أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان كافرا الذلة والهوان رواه أحمد وهو صحيح
ولا يفت في عضد المجاهدين تعاون أصحاب الشر مع أعداء ديننا وطننا فمن يستند إلى غير الله ويضع يده بيد أعداء الدين والوطن خاسر مهزوم بلا شك ولا ريب ولا يفعل ذلك إلا أصحاب القلوب الخاوية من الإيمان بالعزيز القوي سبحانه وبذلك وصف الله من اعتز بغيره من الكفار والمنافقين فقال (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ، الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) ، عاد اعْتَزَّت بِقُوَّتِها ، فقالت بكبرياء وتَجَبُّر :
(مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) فأتاهم الجواب : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) وكانت عاقبة الطُّغيان والْجَبَرُوت : (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ)
واعْتَزّ شيخ الطُّغاة " فِرعون " بِكثرة قومه ، وبأن أنهار مصر تجري مِن تحته .. فأخرجه الله منها ذليلا صاغِرا .. وأغرقه في الماء الذي كان يزعم أنه يملكه !وأوْرَث الله بني إسرائيل ما كان فيه فرعون (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ) ، فما كان لهم مِن عزاء ، ولا كان عليهم مِن باكٍ .. (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ)
واعتز سحرة فرعون بعزة ملكهم وقوته (وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ) فغلبوا كما قال تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ، فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ ، وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ)
وتحصّنت اليهود في حصونها ، وظنّوا أن لهم فيها مَنَعَة .. فأتاهم الله من حيث لم يحتسِبوا .. (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) ويعتز الحوثيون الضالون المضلون بإيران وحلفائها في مواجهة المسلمين والتنكيل بهم وتدمير كل مقومات الحياة في العراق وسوريا ولبنان واليمن ولكنهم سيهزمون بإذن الله وتأتي عليهم سنة الله وسيقطع دابرهم وتستأصل شأفتهم بإذن الله بمزيد من الصبر والجهد والمجاهدة وجمع الصف ووحدة الكلمة (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) ثم الدعاء والدعوة للجهاد بالمال والصلاة على النبي وأقم الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 13 جمادى الآخر 1444هـ 6 يناير 2023م

الخطبة الأولى : الحمد لله لا مانع لعطائه ولا راد لقضائه، ولا كاشف لبلائه، أحصى كل شيء عددا ووسع كل شيء علما ، من استهداه هداه، ومن أقبل إليه آواه، ومن سأله أعطاه، ومن توكل عليه كفاه، إليه المشتكى، وإليه الملتجأ، أحمده سبحانه وتعالى هو أهل الحمد والثناء ، وأشهد أن لاّ إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، هو الواحد الأحد الفرد الصّمد الذي ليس له صاحبة ولا ولد ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدا عبده ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل والعمل بطاعته والبعد عن معصيته والجهاد في سبيله والالتجاء إليه في السراء والضراء وفي الشدة والرخاء وفي كل حال وعلى كل حال وهو القائل سبحانه (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) والقائل (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ، ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) وصدق الشاعر إذ يقول :
مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُحْمَدْ فِي عَوَاقِبِهِ وَيَكْفِهِ شَرَّ مَنْ عَزُّوا وَمَنْ هَانُوا
مَنِ اسْتَجَارَ بِغَيْرِ اللَّهِ فِي فَزَعٍ فَإِنَّ نَاصِرَهُ عَجْزٌ وَخِذْلانُ
فَاشْدُدْ يَدَيْكَ بِحَبْلِ اللَّهِ مُعْتَصِمًا فَإِنَّهُ الرُّكْنُ إِنْ خَانَتْكَ أَرْكَانُ
اما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون ، إن التضرع إلى الله تعالى والالتجاء إليه في كل نازلة وبلية ، وفي كل فاجعة أو رزية ، وفي كل مهمة أو قضية من علامات الإيمان، ودرجات الإحسان، وهو دليل على حياة القلوب، وسلامة الصدور، وإن التوسل إلى الله بأسمائه، والتضرع إليه بصفاته من فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، فما من إنسان يقع في مأزق أو تنزل به مصيبة، إلا ويجد في نفسه قوة تدفعه إلى التوجه إلى الله مباشرة - دون واسطة - يطلب منه النجاة والعون ، ويلتمس منه الشفاء والغوث ، وما من أمة من الأمم السابقة تصيبها كارثة، أو فاجعة، أو نازلة، إلا توجهت إلى خالقها، واندفعت إلى بارئها، تطلب منه العون والمدد والنصر والتأييد ، وتستمد منه كشف الضر عنها؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ .
ألا وإنَّ أعظم المقامات التي تزيد في إيمان المسلم، وتُقوِّي عقيدته، وصلته بالله : هو مقام اللجوء إلى الله سبحانه والفرار والاحتماء بحماه ، نعم مقام اللجوء إلى الله الذي يحقق لمن صدق في لجوئه طلبه ورجاءه، عاجلاً أو آجلاً، والله يدعونا إلى ذلك فيقول : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) ، ويقول (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ، وقال (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
إخوة الإسلام إن ما تعيشه أمتنا اليوم من معركة متعددة الأسلحة والأساليب ومتلونة المكر والكيد والخداع من قبل عصابة الشر والبغي الحوثية الرافضية الإيرانية الحاقدة وكل أذرعها المتعددة في يمن الإيمان والحكمة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا يقتضي منا مزيدا من اللجوء إلى الله والتوكل عليه والاعتماد على قوته وقدرته والاطراح ببابه وإعلان الفقر إليه والبراءة من كل قوة وقدرة إلا من قوة الله شعارنا (لا حول ولا قوة إلا بالله) فهي كنز من كنوز الجنة كما قال من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم ، وليس معنى ذلك أن نترك الأسباب ونتخلى عن إعداد العدة البشرية والمادية بل إن بذل أقصى الجهد في ذلك من لوازم إجابة الدعاء وتحقق الرجاء ونزول النصر وصدق الله (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) فمتى استجبنا لله بفعل المأمور وترك المحظور وإعداد المستطاع واستنفار كل الطاقات أجاب دعواتنا وقضى حاجاتنا ونصرنا على عدونا
عباد الله إن اللجوء إلى المولى سبحانه في أوقات الشدة والرخاء، وفي كل ما يعرض للعبد من سوء وبلاء، هو دأب الأنبياء والصالحين من عباد الله تعالى، فما من نبي من الأنبياء أصابه ضر ومصيبة إلا ولجأ في دعائه وتضرعه واستغاثته إلى الله مالك الملك، ومدبر الأمر، وخالق الكون فيكشف الله ما نزل به، ويرفعه درجات، ويزيده من فضله وعنايته، فالله أكرم من أن يرد سائلًا، أو يخيب ظن من أحسن به الظن ؛ كيف وهو القائل: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾
فهذا يعقوب عليه السلام يشكوا همه وحزنه قائلا ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ وهذا أيوب عليه السلام ينادي ربه (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) ، ويونس عليه السلام يلجأ إلى ربه وهو في ظلمات البحر وظلمة بطن الحوت وظلمة الليل فيستجيب الله دعوته ويفرج همه وكربته (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) ، ونتعلم نفس الدرس من أفضل الأنبياء والمرسلين في يوم بدر فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه: (لما كان يوم بدر، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مدَّ يديه، فجعل يهتف بربه: اللهم أنْجِزْ لي ما وعدتني، اللهم آتِني ما وعدتني، اللهم إن تُهلِك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبَد في الأرض، فما زال يهتف بربه، مادًّا يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن مَنكِبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتَك ربَّك، فإنه سيُنجز لك ما وعدك؛ فأنزل الله عز وجل: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾
و هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أصاب الناس مجاعة في عام الرمادة كان يتضرع إلى الله؛ قال عبدالله بن عمر: (كان عمر بن الخطاب أحدث في زمان الرمادة أمرًا ما كان يفعله، لقد كان يصلي بالناس العشاء، ثم يخرج حتى يدخل بيته، فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتي الأنقاب فيطوف عليها، وإني لأسمعه ليلةً في السحر، وهو يقول: اللهم لا تجعل هلاكَ أمة محمد على يدي) ، وعلى طريقهم يجب أن نسير (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) ، فهكذا كانوا يتضرعون ويلجؤون ويشتكون إلى الله، وهم الأفضل والأقرب إلى الله منا ، وهم خير القرون ، فكيف بنا نحن عباد الله ، ومجتمعنا اليمني يعيش أوضاعا وأحوالا شديدة وتآمرا على أعلى المستويات ، وحياة طغت فيه الماديات والشهوات، وكثرت فيه الفتن والشبهات، وكثرت فيه الخيانات والمطامع والرغبات، وكثرت فيه الأهواء والنزوات، واشتدت فيه الفتن والضوائق والكربات ولذا كان اللجوء الى الله ، من أوجب الواجبات ليكشف الله عنا ما نحن فيه (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ، وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه أما بعد فيا أيها المؤمنون إن اللجوء إلى الله تعالى ليس محصورا كما يظن البعض في الدعاء فقط, كلا . . فالدعاء صورة من صور اللجوء إلى الله سبحانه وباب من أبوابه, أما اللجوء إلى الله سبحانه بمعناه الشامل الكامل هو القيام بأوامره سبحانه جميعا, وهو من أسباب استجابة الدعاء. قال سبحانه: (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) فعليك أخي المسلم بالاجتهاد في طاعة الله والقيام بأوامره سبحانه, فإن التفريط في المأمورات وفعل المحظورات يثمر تسليط المعاصي على العبد وتفرق القلوب وتسلط العدو قال تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) وقال (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) فسارع أخي . .
بالبحث عما فاتك من الواجبات والطاعات من أعمال الجوارح، كالصلاة بخشوع، وأداء الزكاة، والصيام بشروطه وآدابه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك, وكذا أعمال القلوب من خشية لله والتوكل عليه ، والأنس به والتشوق إلى لقائه ، والرضى بقضائه وقدره, فإننا إن قمنا بهذا صرف الله عنا بفضله ورحمته هذا البلاء وعجل لنا بالنصر
ونتواصى بالفزع إلى الله دائما وهي الحالة التي كان عليها سيد البشر صلى الله عليه وسلم فعن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم «إذا حزبه أمر صلى» وقال الله سبحانه وتعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ)
وقوله : " وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ " أي : من المصلين, فذكر من الصلاة حالة القرب من الله تعالى وهي السجود, وهي أكرم حالات الصلاة وأرجاها لإجابة الدعوات وتنزل الرحمات
ايها الاباء . . كم نحن بحاجة إلى أن نلتجأ إلى الله بالتوبة و بالعمل الصالح وبالدعاء ، من أجل أن يصلح الله أحوال أبنائنا وبناتنا ، وان يحفظهم من المضلات والفتن والأهواء ومن شياطين الجن والإنس الذين يستهدفون أبناءنا في عقائدهم وتصوراتهم وأخلاقهم وسلوكهم ، فإن اللجوء الى الله درع يحميهم ويكف عنهم الشرور .
كم نحن بحاجة إلى أن نلجأ إلى الله تعالى ليحفظ شبابنا وشاباتنا عدة الحاضر وأمل المستقبل ونحن نعيش في مواجهة أعداء متربصين
، يعملون جاهدين الليل مع النهار لمسخ هويتنا وقيمنا وأخلاقنا وإفساد هذا الجيل الصاعد المجاهد
كم نحن بحاجة كمسؤولين وموظفين وأطباء وتجار ومعلمين وعسكريين ومدنيين أن تكون قلوبنا موصولة بالله على الدوام إيمانا وعبادة وأخلاقا وتفانيا في أداء واجباتنا المناطة بنا دينا وقانونا وأن نتقن في ذلك فإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه
كم نحن بحاجة الى اللجوء إلى الله ونحن نواجه أعداء متربصين بديننا وأخلاقنا ووطننا وثرواتنا ويستهدفون أن يبقى المجتمع فوضى في صراع دائم ويمنعون قيام دولة وطنية مستقلة في قرارها السياسي والاقتصادي لتبقى عاجزة مضطرة للتبعية للدول الطامعة لتتحكم في قرارها ومصيرها
كم نحن بحاجة الى اللجوء إلى الله ونحن نرى الشر والإلحاد والفساد والدعوات إلى الشذوذ الجنسي تنتشر عبر شبكات الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المتعددة ، نلجأ إلى الله بالالتزام بطاعته ومنهجه في حياتنا الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية والعسكرية والأمنية وفي كل حال
عباد الله: إننا نخشى مع كل ما يحصل من تفلت وانهيار في المنظومة الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، أن تُسلَب منا النعم، وتحل بنا النقم، ونستحق غضب الجبار، ويخسف بنا ربنا الواحد القهار ثم بعد ذلك ندعو فلا يُستجاب لنا، ونقول فلا يُسمع منا، ويسلط علينا فلا نصر يأتينا، اسمعوا ماذا يقول الرب سبحانه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) فالبدار البدار والعجلة العجلة شعارنا (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) ثم الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعوة إلى الجهاد المال وأقم الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة20 جمادى الآخرة 1444هـ الموافق 13 يناير 2023 م
الخطبة الأولى : الحمد لله ولي المؤمنين وناصر عباده المجاهدين ومذل الطغاة والمعتدين وأشهد ألا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته والبعد عن معصيته والجهاد في سيله والصبر والمصابرة في العسر واليسر والسراء والضراء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) اللهم اجعلنا جميعا من المتقين الفائزين اللهم أبدل عسرنا يسرا وضيقنا فرجا وضعفنا قوة وجهلنا علما وفقرنا غنى. واجعلنا أغنى خلقك بك اللهم استرنا بسترك الحصين واعصمنا بحبلك المتين واجعلنا ممن لاذ بك فأجرته، وفرَّ إليك فقبلته ، وخاف منك فأمنته، وتوكل عليك فكفيته ، وسألك فأعطيته. اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك ، و نعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك أَمَّا بَعدُ فيا أَيُّهَا المؤمنون الكرام مِن الأمور الأساسية التي تشغل مساحة كبيرة من حياة الإنسان ووقته وجهده وتفكيره واهتمامه وتؤثر على نشاطه ومواقفه الوضع الاقتصادي والحالة المعيشية ولتأكيد هذه الحقيقة يقول النبي صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)،وتشتد تلك الآثار في حالة الحرب والتي تعد فيها المعيشية سلاحا يستخدمه العدو في مواجهة الحق وأهله ليؤثر على ثباتهم ووحدة صفهم وموقفهم وبذلهم وتضحياتهم وقديما قال أعداء الدين (لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) ، واستخدم كفار مكة هذا السلاح ضد النبي صلى الله عليه وسلم وكل أصحابه ومن وقف معه وسانده لكن المؤمنين واجهوا ذلك كله بالثبات على الحق والمبدأ في العسر واليسر ، وهذه أيها الكرام هي قصتنا اليوم في يمن الإيمان والحكمة والفقه ونحن في مواجهة حاسمة مع عصابة الحوثي الإرهابية الإيرانية الحاقدة ومن ورائها أعداء الدين والوطن وعلى وجه الخصوص الرباعية الدولية التي تتحكم في الملف اليمني والتي استخدمت الاقتصاد وسيلة من وسائل الضغط على المجتمع لتخضعه ولتكسر إرادته فمن أول يوم نهبت الاحتياطي النقدي من البنك المركزي فضاعت قيمة العملة ، ومن أول يوم صادرت رواتب جميع الموظفين وأفقدت مئات الآلاف من الأسر مصدر رزقها ، ومن أول يوم عطلت كل الموارد الاقتصادية للبلد فأصبحت البلاد عالة على الآخرين ، ومن أول يوم أخرجت الملايين من أبناء الشعب اليمني من بيوتهم ومتاجرهم ومزارعهم وصادرت كل ممتلكاتهم فتحولوا إلى فقراء لا يملكون شيئا ، وزاد الطين بلة اللا مبالاة من قبل الحكومة الشرعية وحلفائها والتي فتحت الباب واسعا للعبث بالمال العام وقدمت ما حقه التأخير وأخرت ما حقه التقديم وفتحت أبواب الترف والنفقات الكمالية مشرعة على حساب ضرورات الشعب والجيش والأمن . ونحن نعيش هذا الواقع يجب ألا تَغِيبُ عَنِ بالنا جميعا أُصُولٌ عَقَدِيَّةٌ مُهِمَّةٌ قد يؤدي غيابها إلى الشعور باليأس والإحباط والقنوط والفزع والجزع .
نعم أيها الكرام إنَّ من حقائق الإيمان أَنَّهُ لم تُخلَقْ نَفسٌ إِلاَّ وَقَد كَتَبَ اللهُ رِزقَهَا، وَلَن تَخرُجَ مِن هَذِهِ الدُّنيَا إِلاَّ وَقَدِ استَوفَت رِزقَهَا وَأَجَلَهَا، فَلا يَزِيدُ في الرِّزقِ حِرصُ حَرِيصٍ وَلا عَنَاءُ ذَكِيٍّ، وَلا يَنقُصُ مِنهُ تَأَنِّي مُتَأَنٍّ أَو مَكرُ مَاكِرٍ أو حقد حاقد أو عبث عابث ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) وَقَالَ جَلَّ وَعَلا(إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) وَفي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ عَن عَبدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ: " إِنَّ أَحَدَكُم يُجمَعُ خَلقُهُ في بَطنِ أُمِّهِ أَربَعِينَ يَومًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضغَةً مِثلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبعَثُ اللهُ مَلَكًا فَيُؤمَرُ بِأَربَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ: اُكتُبْ عَمَلَهُ وَرِزقَهُ وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَو سَعِيدٌ... " الحَدِيثَ وَعَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَأَى تَمرَةً عَائِرَةً فَأَخَذَهَا فَنَاوَلَهَا سَائِلاً، فَقَالَ: " أَمَّا إِنَّكَ لَو لم تَأتِهَا لأَتَتكَ " رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
وَمِنَ الأُصُولِ الإيمانية العَظِيمَةِ الَّتي يَجِبُ أَن نَعلَمَهَا وَنُوقِنَ بها أَنَّ مَفاتِيحِ الرِّزقِ هِيَ تَقوَى اللهِ وَطَاعَتُهُ وَشُكرُهُ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيهِ، وَسَبَبُ زَوَالِهِ وَمَحقِهِ الإِعرَاضُ عَن وَاهِبِهِ وَمُولِيهِ، قَالَ جَلَّ وَعَلا(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وَقَالَ جَلَّ وَعَلا ( فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) وَعَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إِنَّ اللهَ - تَعَالَى - يَقُولُ: يَا ابنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتي أَملأْ صَدرَكَ غِنًى وَأَسُدَّ فَقرَكَ، وَإِلاَّ تَفعَلْ مَلأتُ صَدرَكَ شُغلاً وَلم أَسُدَّ فَقرَكَ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ (لَو أَنَّكُم تَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ تَعَالى حَقَّ تَوَكُلِهِ لَرَزَقَكُم كَمَا يَرزُقُ الطَّيرَ، تَغدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ تَعَالى(وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكسِبُونَ)
أَجَلْ إخوة الإسلام إِنَّ مَا عِندَ اللهِ لا يُنَالُ إِلاَّ بِتَقوَاهُ وَطَاعَتِهِ، وَمِن خَيرِ ذَلِكَ وَأَعظَمِهِ مُجَانَبَةُ الأَثَرَةِ وَحُبِّ الذَّاتِ، وَالبَذلُ في سُبُلِ الخَيرِ والجهاد وَبسط اليَدَينِ بِالعَطَاءِ للفقراء والمساكين والمحتاجين ، وَصِلَةُ الأَرحَامِ وَالإِحسَانُ إِلى الآخَرِينَ، قَالَ سُبحَانَهُ (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) وَقَالَ جَلَّ وَعَلا (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَيَقدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقتُم مِن شَيءٍ فَهُوَ يُخلِفُهُ وَهُوَ خَيرُ الرَّازِقِينَ ) وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ (مَا مِن يَومٍ يُصبِحُ العِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعطِ مُنفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعطِ مُمسِكًا تَلَفًا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ( اُبغُوني في ضُعَفَائِكُم؛ فَإِنَّمَا تُرزَقُونَ وَتُنصَرُونَ بِضُعَفَائِكُم " رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ (مَن سَرَّهُ أَن يُبسَطَ عَلَيهِ رِزقُهُ، أَو يُنسَأَ في أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وإن من مفاتيح الرزق الجهاد في سبيل الله دفاعا عن الدين والعقيدة والوطن والعرض والأرض روى البخاري تعليقا في باب الجهاد وأحمد في المسند عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : بعثت بين يدي الساعة مع السيف وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري) نَعَم أيها الكرام قَد لا يرى الإنسان زيادة في الرزق من ناحية القدر المادي ومظاهره لكنه يرى ذلك في ألطاف الله بنفسه وأهله وأولاده ويرى ذلك بركة في القليل من الدخل وهو ما نلاحظه في وضع هذا الشعب الصابر الذي ضيق عليه في معيشته وضروراته ومع ذلك لا زال يقاوم ويكافح ويصبر ويصابر مؤمنا بقول الله تعالى(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ(وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ) وَللهِ تَعَالى في تَفَاوُتِ أَرزَاقِ النَّاسِ وَاختِلافِ مَعِيشَتِهِم بَالِغُ الحِكَمِ، وَمِن أَظهَرِهَا تَسخِيرُ بَعضِهِم بَعضًا في الأَعمَالِ وَالحِرَفِ، وَلَو تَسَاووا في الغِنَى وَلم يَحتَجْ بَعضُهُم إِلى بَعضٍ، لَتَعَطَّلَت كَثِيرٌ مِن مَصَالِحِهِم وَمَنَافِعِهِم، قَالَ سُبحَانَهُ)أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا( مستشعري بأن ذلك ابتلاء من الله يستحق منا الصبر والتحمل وصدق الله (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ
وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه نه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : فيا أيها المؤمنون الكرام لا يعني حديثنا يأن الأرزاق بيد الرزاق أن نقف مكتوفي الأيدي أمام الإجراءات الخاطئة التي تضر بشعبنا وتثقل كاهله بل من حقنا أن نقول لا لمثل هذا النوع من الإجراءات وفي محافظة مارب على وجه الخصوص هذه المدينة التي تقل ثلاثة ملايين من المهاجرين المجاهدين والتي يقف أهلها والمهاجرون إليها في ساحة المواجهة المباشرة مع الحوثي الليل مع النهار فلا مساواة بينها وبين غيرها استئناسا بقول الله (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ، دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
ومن واجبنا ونحن نعترض على هذه القرارات التي تضر بالمجتمع أن نتذكر أن كل البلاء الذي نزل باليمنيين من بعد انقلاب الحوثيين في سبتمبر ٢٠١٤م يتحمل جرمه وإثمه الحوثيون ومن وراءهم فالخلاف، والفرقة ، والاقتتال، واستباحة السيادة، ونشأة المشروعات المناطقية ، وتضاعف الضائقة المعيشية والاقتصادية النازلة باليمن هم سبب في ذلك كله .. ولكنا مع ذلك لا نعفي الحكومة ممثلة بجميع سلطاتها ووزاراتها من اللوم وتحمليها المسؤولية في كثير من القضايا وخصوصا فيما أقدمت عليه مؤخرا من قرار رفع أسعار النفط والغاز والكهرباء والجمارك ففي حديث ابْنِ عُمَرَ، عند مسلم : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) وفي الحديث الآخر (إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ ؟ )، وإننا إذ نقدر الوضع الاقتصادي الذي تمر به الحكومة بسبب حصار الحوثي لموانئ التصدير وعبثه بالعملة لنؤكد أن واجب الحكومة أن تلجأ لمعالجات أخرى ، لكنها للأسف سارت تتجه نحو الإجراءات السهلة لها والمميتة للمجتمع ، وذلك برفع أسعار المشتقات النفطية والغاز والكهرباء والجمارك فيما تغيب عن أجندتها إجراءات أيسر وأقل كلفة مثل تقليص عدد السفارات والموظفين فيها ورواتب المسؤولين المصروفة بالدولار ومثل مكافحة الفساد ، بل وتوفير حماية للمنشئات الاقتصادية والموانئ، واستثمار الموارد وتوحيدها، وقصرت عن وظيفتها في دعم الجيش وتوحيده لاستعادة الدولة وإنهاء العبث والانقلاب وهي فريضة الوقت والربح فيها يقول الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ). الحكومة للأسف لم تتحمل مسؤوليتها، ولهذا نطلب اليوم من مجلس القيادة الرئاسي تحمل مسؤوليته الوطنية بإلغاء هذه الإجراءات القاتلة للناس، كما نطالب أعضاء مجلس النواب والشورى وجميع القوى السياسية أن تقف أمام هذه القرارات بحزم وأن توقف هذه الإجراءات التي تترتب عليها والتي سيكون المستفيد الأكبر من تداعياتها هم الحوثيون والقوى التي لا تريد لهذه المحافظة واليمن عموما الخير والاستقرار . كما نطلب من المواطنين جميعا عدم التعاطي مع دعوات التخريب وقطع الطرقات تحت ذريعة هذه القرارات فهذا ما تقر به عين الحوثي ومن وراه. وقد راينا كيف تذرع بذلك لإسقاط صنعاء والحكومة والانقلاب على الدولة ونهب مقدراتها ثم جرع اليمنيين الجرع ونهب كل ممتلكات الدولة وبسط السيطرة على جميع الموارد وختم بنهب المرتبات والمساعدات.
علينا جميعا تشكيل رأي عام ضاغط على من اتخذ هذا القرار لإيقافه والتراجع عنه والاهتمام بتدبير موارد تدعم موازنة الحكومة دون أن يتحمل المواطن مزيدا من المعاناة.. يا مجلس القيادة ويا حكومة الجمهورية اليمنية ، ادعموا الجيش ووحدوا قيادته تحت راية وزارة الدفاع تستردوا سيادتكم وموانئ التصدير المهددة من طيران الحوثي وتسلموا من تدخلات القوى الخارجية ، وحدوا الصف لتستعيدوا حقوق اليمنيين المنهوبة من الميليشيات ولتسجلوا في تاريخكم مواقف مشرفة تليق بالأحرار الأبطال. كما نذكر الجميع باللجوء إلى الله الذي بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير أن يرفع عنا الغلا والحصار والفتن والمؤامرات وأن يكفينا شر الأشرار وكيد الفجار ..السكينة السكينة وحذار أن ينفذ العدو من خلال غضبكم وسخطكم على هذه القرارات الجائرة وإننا على ثقة أن يكون للغيورين في الرئاسة والحكومة والنواب موقفا ينحازون فيه للناس وحاجتهم.. استعينوا بالله وتوكلوا على الله وقووا موقف الجبهات حضورا وإسنادا فالعدو يتربص بنا .. حسبنا الله ونعم الوكيل حسبنا الله فيمن يتآمر على هذا الشعب حسبنا الله فيمن يضر به ويفاقم معانته.. (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ثم الدعاء والدعوة إلى الجهاد بالمال وأقم الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 27 جمادى الآخرة 1444هـ الموافق 20 يناير 2023 م
الخطبة الأولى : الحمد لله رب العالمين قيوم السماوات والأرضين مدبر أمر الخلائق أجمعين نحمده تعالى حمد الشاكرين الذاكرين ونسأله عز وجل أن يجعلنا من الفائزين يوم الدين يوم يقوم الناس لرب العالمين ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ابتلانا بالتكاليف والأمانات والحقوق والواجبات ووعد الأوفياء بأحسن الجزاء وتوعد من ضيع أمانته بالغضب وسوء الحساب وهو القائل سبحانه (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ، إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وأشهد أن محمدا عبده ورسوله من بلغ رسالته وأدى أمانته وجاهد في سبيل ربه حق جهاده حتى أتاه اليقين صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته والبعد عن معصيتة وأداء الأمانة ورعاية المسؤولية عملا بقول الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام ذكر العلامة علاء الدين الهندي في كنز العمال قال قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفد من العراق فيهم الأحنف بن قيس وهو سيد قومه ، قدموا على أمير المؤمنين في يوم صائف شديد الحر، فوجدوه معمما بعباءة يغسل ويطلي بعيراً من إبل الصدقة بالقطران فقال: يا أحنف ضع ثيابك، وهلم، فأعن أمير المؤمنين على هذا البعير فإنه من إبل الصدقة، فيه حق اليتيم، والأرملة، والمسكين، فقال رجل من القوم: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين فهلا تأمر عبداً من عبيد الصدقة فيكفيك ؟ فقال عمر: وأي عبد هو أعبد مني ومن الأحنف؟ إنه من ولي أمر المسلمين يجب عليه لهم ما يجب على العبد لسيده في النصيحة، وأداء الأمانة ) ، وأخرج بن أبي شيبة وغيره عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قال : قَالَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه " والذي نفسي بيده لَوْ هَلَكَ حَمَلٌ مِنْ وَلَدِ الضَّأْنِ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ ، ضَائِعًا ؛ أو جمل أو شاة لَخَشِيتُ أَنْ يَسْأَلَنِي اللَّهُ عَنْهُ " .من مدرسة عمر أيها المؤمنون الكرام نتعلم الشعور بالمسؤولية والإحساس بالأمانة والقيام بالواجب المناط بكل واحد منا على أكمل وجه وهي موعظة عامة لكل مكلف تتعلق بذمته أمانات ومسؤوليات والتزامات وحقوق وواجبات هو مسؤول شرعا عن الوفاء بها ورعايتها ومحاسب عليها في الدنيا والآخرة وهي الأمانة التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملها وأشفقن منها وحملها الإنسان ، وذلك ما أكده النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى مَالِ زَوْجِهَا، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ) رواه مسلم وهو دليل على عموم المسؤولية على كل مكلف في مسؤوليته عن نفسه وأهله وماله ووظيفته وعن دينه ووطنه ، وهي رسالة وموعظة عملية يعظ بها الفاروق كل من يتولى أمر المسلمين في الوفاء بحق الأمة والشعور بحق الرعية في رعاية مصالحهم والحفاظ على ثرواتهم والرفق بضعفائهم وتوفير خدماتهم ، يعلم الجميع بأن المسؤولية الأكبر هي مسؤولية ولاة أمر المسلمين من الرؤساء والأمراء والوزراء وأصحاب الولايات العامة والذين يعدون مكانتهم في قيادة الأمة والمجتمع مغنم في حين يعدها عمر مغرم ويتمنى لو خرج منها كفافا لا له ولا عليه ، ذلك لأن الوفاء أمر عزيز ولا يوفق إليه إلا أصحاب الهمم العالية والعاطفة الدينية والوطنية الحية والذين يعيشون لأمتهم لا لمصالحهم الذاتية والذين يقدرون ما في ذمتهم من العهود والأيمان والعقود والالتزامات ، يحضر في قلوبهم دائما قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
كما في حديث معقل بن يسار بلفظ (ما مِن عَبْدٍ اسْتَرْعاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْها بنَصِيحَةٍ، إلَّا لَمْ يَجِدْ رائِحَةَ الجَنَّةِ) رواه البخاري ، ولذلك عظم الله جزاء الأوفياء فوعدهم بجزيل العطاء فقال (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) وقال سبحانه (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ). وفي حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ( سبعة يلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله – وذكر منهم –إمام عادل ) وأمر الله عباده بالوفاء بالعهود فقال (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ). كما أمر الله تعالى عباده بالوفاء بالعقود فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، وكم من العقود والعهود والأيمان التي يقطعها كل مسؤول على نفسه كلما تولى مسؤولية يردد "أقسم بالله العظيم أن أكون متمسكاً بكتاب الله وسنة رسوله، وأن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعي مصالح الشعب وحرياته رعاية كاملة، وأن أحافظ على وحدة الوطن واستقلاله وسلامة أراضيه والله على ما اقول شهيد". فأين الوفاء يا أيها المسؤولون بهذا القسم وهذا العهد ماذا فعلتم للحفاظ والتمسك بالدين والقيم والحوثي وأيادي الشر والفساد في البلد ينشرون الإلحاد ويدمرون الأخلاق ؟ ماذا فعلتم للحفاظ على النظام الجمهوري الذي ضحى من أجله ثوار سبتمبر وأكتوبر وأئمة الظلم والاستبداد في الشمال والجنوب يسيطرون على جزء كبير من يمن الإيمان والحكمة ؟ أين الحفاظ على الوحدة الوطنية وأعداء اليمن في كل يوم يزيدوننا تمزيقا وشتاتا ؟ أين الحفاظ على استقلال الوطن واستقراره وسلامة أراضيه والمخاطر تحيط بالبلد في شماله وجنوبه وشرقه وغربه ؟ أين رعاية مصالح الشعب وأبناء اليمن في كل يوم يزدادون معاناة ويقاسون من ارتفاع الأسعار وضياع العملة والركود الاقتصادي وحكومتهم تزيدهم جرعات وترفع البترول والغاز والكهرباء والجمارك مما يهدد بمزيد من غلاء المعيشة فهي ترعى مصالح الشعب بالمقلوب ظلمات بعضها فوق بعض ، تذكروا أيمانكم ولا تتخذوها هزوا ولعبا مقابل عوض دنيوي زائل فالله يقول (وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). نربأ بكم عن الإخلال بالعهود والوعود فليست من صفات المؤمنين وإنما هي من سمات المغضوب عليهم من اليهود ومن صفات المنافقين ولستم كذلك بإذن الله قال تعالى عن اليهود (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) وقال عن المنافقين (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ، لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وفي الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ " واه البخاري ، ونقض العهود من صفات المفسدين في الأرض قال الله تعالى(وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ). كل ذلك يوجب علينا حكاما ومحكومين أن نكون أوفياء بأماناتنا وعهودنا ومسؤولياتنا كما وصف الله عباده المؤمنين بقوله (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فيا أيها المؤمنون ليتذكر كل واحد منا ما في ذمته من أمانات ومسؤوليات فيوفي بها لأن الله سيسأله عن أمانته يوم القيامة فإذا ضيعها فإنها تمثل له في جهنم فيغوص في النار ليؤدي أمانته فلا ينجو بل يظل في عذاب بقدر ما ضيع من أمانته ، كما نذكر مرة أخرى المجلس الرئاسي والحكومة ومجلس النواب والشورى بما في ذمتهم من الحقوق لهذا الشعب وقد اقسموا مرات
كثيرة على رعاية مصالح الشعب لكن هذه الملايين لم تر وفاء حتى اليوم فأحسنوا إلى شعبكم تنالون خيرات ودعوات ولا تشقوا عليه فتصيبكم دعواته عليكم بل ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك ففي الحديث عن عائشة -رضى الله عنها- قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول في بيتي هذا: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، رواه مسلم. وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خِيَارُ أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتُصَلُّون عليهم ويصلون عليكم. وشِرارُ أئمتكم الذين تبُغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم!»، قال: قلنا: يا رسول الله، أفلا نُنَابِذُهُم؟ قال: «لا، ما أقاموا فيكم الصلاة. لا، ما أقاموا فيكم الصلاة) رواه مسلم ، ولذلك فإن على جميع المسؤولين المدنيين والعسكريين الوفاء بعهودهم وعقودهم المتمثلة في القرآن والسنة والدستور والقوانين والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مؤتمر الرياض وبرنامج المجلس الرئاسي وبرنامج الحكومة وقرار تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية
وذلك بدمج كل الوحدات العسكرية تحت قيادة وزارة الدفاع وكل القوات والأجهزة الأمنية تحت قيادة وزارة الداخلية وصرف رواتب الجيش الوطني بصورة مستمرة وعلاج الجرحى ورعاية أسر الشهداء والمعاقين والمختطفين ماليا وصحيا وتعليميا وتوفير المنح الدراسية لهم ولأبنائهم. وتوفير مستلزمات معركة التحرير من السلاح الثقيل والخفيف والدروع والطائرات المسيرة والذخيرة والتموين والإسناد اللوجستي. ورفع رواتب الجيش والأمن استعدادا لمعركة الحسم مع المليشيات ولا تعويل على مشاريع السلام ، وعلى الحكومة كذلك توقيف الجرعات السعرية القاتلة ومعالجة الوضع الاقتصادي عن طريق إلغاء السفارات التي لا حاجة لها وترشيد الإنفاق الحكومي ومحاربة الفساد المالي والإداري. ورعاية مصالح الشعب بتخفيض الأسعار والضرائب والجمارك وتشغيل الموانئ والمطارات وضبط إيرادات المنافذ الحدودية والغاز والنفط والثروة السمكية وعائدات المؤسسات العامة وأراضي وعقارات الدولة وإزالة الأسماء الوهمية والمكررة في الوظائف العامة. واستنفار كل مؤسسات الدولة التعليمية والثقافية والإعلامية والتوجيه المعنوي والإرشاد في توعية أبناء اليمن للحفاظ على الهوية الدينية والوطنية والنظام الجمهوري والسيادة والاستقلال ، ومنع الميليشيات المسلحة خارج إطار وزارتي الدفاع والداخلية من التحركات العسكرية لإثارة الفوضى في المناطق المحررة ونقل مراكز الاتصال من صنعاء إلى أي منطقة محررة لمنع تحكم الحوثيين فيها وعزل ومعاقبة كل من يثبت تعامله مع الحوثيين من موظفي الخارجية والسفارات. ومن حق الشعب بكل قبائله وأحزابه مطالبة الحكومة بتنفيذ التزاماتها السابقة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والوسائل القانونية السلمية والحذر من استغلال ميليشيات إيران وعملاء إسرائيل وخلاياها في المناطق المحررة للمطالب الشعبية الشرعية لإثارة الفوضى والتخريب وقطع الطرقات والاعتداء على مؤسسات الدولة الشرعية أو على أبطال الجيش الوطني والأمن فذلك كله مرفوض شرعا وقانونا وأخلاقا (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ثم الدعاء والصلاة على النبي والدعوة إلى الجهاد بالمال
🎤

*خطبة مكتوبه بعنوان:*
*خطر.التهاون.بالصلاة.وعقوباته.tt*


🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌


الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين جعل المحافظة على الصلاة من صفات المؤمنين ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ وجعل التكاسل عنها من صفات المنافقين ﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وصف من تركوا الصلاة بالمجرمين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصى بالمحافظة على الصلاة حتى أتاه اليقين صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.



أما بعد:

فاتقوا الله أيها المسلمون حق التقوى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ أيها المسلمون: مما لا يخفى أنَّ الصلاة عمود الدين بل هي الركن الثاني للإسلام بعد الشهادتين وهي صلة العبد برب العلمين فرضها الله من فوق سبع سموات على النبي بغير واسطة لأهميتها وعظيم مكانتها بل أمر بالمحافظة عليها جماعةً حتى المجاهدين وجعلها قرينة الإيمان في مواضع كثيرة من القرآن العظيم بل سماها إيمانا كما قال سبحانه ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ أي صلاتكم وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول " أن أَوَّلَ ما يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يوم الْقِيَامَةِ من عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ "سنن النسائي ج1 ص232 برقم 465 والترمذي ج2 ص270 برقم 413 وصححه الألباني في المشكاة "1330". وأورث المحافظين عليها الفردوس الأعلى ووعد النبي صلى الله عليه وسلم من حافظ عليها بالجنة عهدا من رب العالمين عن عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ رضي الله عنه قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول " خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ الله على الْعِبَادِ فَمَنْ جاء بِهِنَّ لم يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شيئا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كان له عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ "المسند ج5 ص315 برقم 22745 وسنن النسائي ج1 ص230 برقم 461 وأبي داود ج2 ص62 برقم 1420 وصصححه ابن حبان ج5 ص23 برقم 1732 والألباني في صحيح الجامع 5554 وغيره. لذلك كله حافظ عليها المسلمون جيلا بعد جيل ولم يتهاونوا بها حتى عند المرض والسكرات قال ابن مسعود رضي الله عنه " وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وما يَتَخَلَّفُ عنها إلا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَلَقَدْ كان الرَّجُلُ يؤتي بِهِ يُهَادَى بين الرَّجُلَيْنِ حتى يُقَامَ في الصَّفِّ " وفي لفظ قال " لقد رَأَيْتُنَا وما يَتَخَلَّفُ عن الصَّلَاةِ إلا مُنَافِقٌ قد عُلِمَ نِفَاقُهُ أو مَرِيضٌ إن كان الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بين رَجُلَيْنِ حتى يَأْتِيَ الصَّلَاةَ " مسلم ج1 ص453 برقم 654 وقيل لابن المسيب فلان يريد قتلك فالزم بيتك ولا تخرج فقال مستنكرا أدعى إلى الفلاح أو أسمع حي على الفلاح فلا أجيب. لقد حافظوا عليها حتى مع ضعفهم وتسلط الأعداء عليهم حتى جاء عصرنا الحاضر فعظم المصاب بتضييع الصلاة والتهاون بها ونسوا ما قال الله ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ والغي قال ابن مسعود والبراء بن عازب واد في جهنم من قيح لأنه يسيل فيه قيح أهل النار وصديدهم وهو بعيد القعر خبيث الطعم. ونسوا وعيد الله بالويل لهم ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ والويل قال عنه عطاء بن يسار " الويل واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت من حره " واختلفت أحوالهم في التهاون والتضييع بين مضيع لها بالكلية ومضيع لأركانها وواجباتها والخشوع فيها ومضيع لأوقاتها ومضيع لجماعتها في المساجد حيث ينادى بها. أيها المسلمون: وليكن حديثنا هذا اليوم مع المضيعين للصلاة والمتهاونين بها بدءا بالتاركين لها إنَّ تارك الصلاة عاص للرحمن متبع للشيطان الذي أمر بالسجود فأبى وسيحشر يوم القيامة مع يليق به في المنزلة ممن تمرد على ربه كفرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلاةَ يَوْمًا فَقَالَ "... وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُرْهَانٌ وَلا نُورٌ وَلا نَجَاةٌ وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَهَامَانَ وَفِرْعَوْنَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ " المسند ج2 ص169 برقم 6575 وصحيح ابن حبان ج4 ص329 برقم 1467 وصححه الألباني في المشكاة 578.
وتارك الصلاة عامدا جاحدا لوجوبها كافر بإجماع العلماء وأما إذا تركها تهاونا وكسلا مع إقراره بوجوبها فقد اختلف علماء الإسلام في حكمه على قولين أظهرها أنه كافر الكفر الأكبر وتجرى عليه أحكام المرتدين لما ورد من نصوص الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم ومنها قوله تعالى ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ والأخوة الإيمانية لا تنتفي بوجود المعاصي مهما كبرت عدا الشرك. وقال تعالى ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ....- إلى أن قال - فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ والذي لا تنفعه الشفعة هو الكافر كما قالوا عن أنفسهم كما حكى الله ﴿ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ ﴾ وأما المسلم فتنفعه الشفاعة بإذن الله وهذا دليل صريح على كفر تارك الصلاة. ومنها عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنه يقول سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول " بين الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ " مسلم ج1ص77برقم 82 وعن بُرَيْدَةَ الأسلمي رضي الله عنه قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " الْعَهْدُ الذي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ " سنن النسائي ج1 ص231 برقم 463 والترمذي ج5 ص13 برقم 2621 والمسند ج5346 برقم 22987 وصححه الحاكم ج1 ص48 برقم 11 والألباني في صحيح الترغيب والترهيب "564" وغيره. عن مُعَاذِ بن جَبَلٍ رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال لِمُعَاذِ بن جَبَلٍ رضي الله عنه " من تَرَكَ الصَّلاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ منه ذِمَّةُ اللَّهِ " المعجم الكبير للطبراني ج20 ص117 برقم 233 والمسند عن أم أيمن ج6 ص421 برقم 27404 وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب" 573" وقال في الإرواء" وهذا إسناد رجاله ثقات...". وأما أقوال الصحابة فقد قال عمر لفاروق رضي الله عنه " له لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة " وعن علي رضي الله عنه " من لم يصل فهو كافر " وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " من لم يصل فلا دين " وقال عبد الله بن شقيق " كان أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة " ولم يرد في النصوص أن تارك الصلاة مؤمن أو أنه يدخل الجنة أو أنه ينجو من النار حتى نحتاج معه إلى تأويل النصوص فنقول إن الكفر هو كفر النعمة أو الكفر الأصغر لا يخرج من الملة كما يقول أصحاب القول الثاني، وهل يرضى تارك الصلاة لنفسه أن يكون محل شك عند علماء الإسلام هل هو مسلم أم لا ؟ أيها المسلمون: إذا تبين أن تارك صلاة كافر كفرا أكبر ومرتد عن دينه فإنه تجرى عليه أحكام المرتدين ومنها : أولا لا يجوز أن يزوج ببنات المسلمين وإن عقد له وهو لا يصلي فنكاحه باطل وإن كان تركه للصلاة بعد عقد النكاح فينفسخ عقده من زوجته ولا تحل له لقوله تعالى ﴿ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ وثانيا لا تحل ذبيحته إن ذبحها، وثالثا لا يجوز له دخول مكة أو حدود حرمها لقوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾ ورابعا إذا مات أحد أقاربه من المسلمين لم يرث منه عن أُسَامَةَ بن زَيْدٍ رضي الله عنهما أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال " لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ ولا الْكَافِرُ الْمُسْلِم " البخاري ج6 ص2484 برقم 6383 ومسلم ج3 ص1233ب رقم1614. وخامسا أنه إذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يجوز لأحد من أقاربه أن يدعوا له بالرحمة والمغفرة لأنه كافر لا يستحقها قال تعالى ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ ويحشر يوم القيامة مع أئمة الكفر فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف فإن كان ملكا أو رئيسا شغله ملكه ورئاسته عن الصلاة حشر مع فرعون وإن كان وزيرا أو موظفا شغلته وزارته أو وظيفته عن الصلاة حشر مع هامان وإن كان ثريا غنيا شغله غناه عن الصلاة حشر مع قارون وإن كان تاجرا يبيع ويشتري وألهاه بيعه وشراؤه عن الصلاة حشر مع أبي بن خلف ولا تسل يا تارك الصلاة عن منازل هؤلاء في النار يوم القيامة فهم في شر الدركات هذا حكم تارك الصلاة وهذه عقوبته فهل بعي ذلك تارك الصلاة ويتدارك نفسه قبل فوات الأوان، وأما المضيع لأوقاتها المؤخر لها عن وقتها المحدد لها شرعا فقد قال تعالى ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ قال ابن مسعود رضي الله عنه " ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية ولكن أخروها عن أوقاتها " وقال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا
أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ قال جماعة من المفسرين : المراد بذكر الله الصلوات الخمس فمن اشتغل عن الصلاة في وقتها بماله كبيعه وشرائه أو معيشته أو ضيعته أو ولده كان من الخاسرين. وقال تعالى ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ وهذا تهديد لمن أخر الصلاة عن أوقاتها والويل واد في جهنم وورد الوعيد بشأن صلوات مخصوصة كالفجر والعصر عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ " البخاري ج1 ص203 برقم 528 وعن بن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " الذي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ "البخاري ج1 ص203 برقم 529 ومسلم ج1 ص436 برقم 626. وعن سَمُرَةُ بن جُنْدَبٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرُّؤْيَا قال " أَمَّا الرَّجُلُ الْأَوَّلُ الذي أَتَيْتَ عليه يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فإنه الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عن الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ "البخاري ج6 ص2585 برقم 6640. وفي حديث أبي هريرة في الإسراء أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء قال يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء الذين تثاقلت رؤوسهم عن الصلاة " قال صاحب المجمع ج1 ص72 رواه البزار ورجاله موثوقون. هذا بعض العقاب إضافة إلى ما فاتهم من الفضل العظيم لمن حافظ على الصلاة في أول وقتها فعن عبد اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال " سَأَلْتُ النبي صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلى اللَّهِ قال الصَّلَاةُ على وَقْتِهَا.." البخاري 1ص 197 برقم 504.



فيا من تؤخر الصلاة عن وقتها تنبه من غفلتك واستيقظ من رقدت قبل أن تندم في وقت لا ينفع فيه الندم وتتمنى الرجوع إلى الدنيا لتعمل صالحا ولكن هيهات هيهات ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ....... ﴾



الخطبة الثانية

أيها المسلمون:

اتقوا الله واعلموا أن الصلاة عمود الدين وبرهان الإيمان وشرط القبول فإن قبلت قبل سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله من وفاها وفاه الله حقه ومن طفف ففيها فقد علمتم ما قال الله في المطففين، ولا يزال الحديث مع المضيعين والمتهاونين بالصلاة ومع المضيع لصلاة الجماعة في بيوت الله أولئك الذين هجروا المساجد شأنهم شأن المنافقين وربما كان بيت الواحد منهم مجاورا للمسجد ولا يعرف طريقه فاسمعوا طرفا من الوعيد والتهديد الذي ينتظرهم إن لم يراجعوا أنفسهم ويصلحوا ما فسد من قلوبهم قال تعالى ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ وذلك يوم القيامة وما يكون فيه من الأهوال والزلازل والبلاء والامتحان والأمور العظام حين يغشاهم الذل والهوان وقد كانوا يدعون إلى السجود في الدنيا قال ابن المسيب " كانوا يسمعون حي على الصلاة حي على الفلاح فلا يجيبون وهم أصحاء سالمون " وقال إبراهيم التيمي " يعني يدعون إلى الصلاة بالأذان والإقامة " وقال كعب الأحبار " والله ما نزلت هذه الآية إلى في الذين تخلفوا عن الجماعة " فأي وعيد أشد وأبلغ من هذا لمن ترك الصلاة مع جماعة المسلمين مع قدرته على الذهاب إليها، عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ على الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ ما فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ من حَطَبٍ إلى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ" البخاري ج1 ص234 برقم 626 ومسلم ج1 ص415 برقم 651. وهل يمكن أن يتوعد الرسول صلى الله عليه وسلم بالتحريق بالنار أقواماً إلا بسبب ذنب عظيم اقترفوه، أتى ابن أم مكتوم رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ شَاسِعُ الدَّارِ وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي فَهَلْ لي رُخْصَةٌ أَنْ أُصَلِّيَ في بَيْتِي فرخص له فلما ولى دعاه وقال هل تَسْمَعُ النِّدَاءَ قال نعم قال فأجب لَا أَجِدُ لك رُخْصَةً "مسلم ج1 ص452 برقم 653 وغيره فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجد رخصة لرجل أعمى أن يصلي في بيته ولم يعذره فكيف يجوز لصحيح البدن والبصر أن يصلي بيته ؟ كيف يستبيح كثير من الناس التخلف عن الصلاة مع الجماعة في المساجد وقد أصح الله أبدانهم ووسع عليهم في أرزاقهم وآمنهم في أوطانهم أما يخشى أولئك المتخلفون الغافلون أن يكون النفاق قد تسلل إلى قلوبهم وهم لا يشعرون ؟ عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال قال
2024/09/21 17:07:47
Back to Top
HTML Embed Code: