Telegram Web Link
على صحة الإنسان الجسمية فهي سموم بطيئة قاتلة مدمرة لأجهزة جسم الإنسان لا سيما أضرارها على الكبد والكلى والمريء والبنكرياس والسكر والضغط والجهاز العصبي والجهاز المناعي ، وهي من الأسباب الأساسية لمرض السرطان ، كما تقضي على صحة الإنسان النفسية بالقلق والاضطرابات وكثرة النسيان حتى يصل الشخص إلى الجنون والعيا بالله ، كما تعد خطرا على استقرار الأسرة والمجتمع فهي سبب أصيل في كثرة جرائم القتل والاغتصاب وغيرها ، ومن أضرار المخدرات أيضا تآكل خلايا المخ وحدوث التهاب بها والإصابة بالهلوسة السمعية والعقلية والبصرية وزيادة معدل ضربات القلب والتي تؤدي إلى الإصابة بالذبخة الصدرية وتؤدي إلى حدوث تلف في شرايين القلب الخ ، والمخدرات أيها المؤمنون أصبحت آلة من آلات الحرب التي يستخدمها الشيطان الرافضي الحوثي عدو الدين والوطن ومن ورائه إيران الفارسية الحاقدة للفتك بمجتمعاتنا وأخلاقنا فكم من شحنات قبض عليها الأمن وهي في طريقها إلى مناطق الحوثي ، وكم من المخدرات التي يروج لها الحوثي في مناطق الشرعية وفي مأرب على وجه الخصوص ليفسد بها عقول الشباب ويضر بأجسامهم وصحتهم انتقاما منهم لأنهم واجهوه بقوة وبسالة في الجبهات خلال ثمان سنوات فالحذر الحذر من هذه السموم القاتلة ، الحذر أيها الشباب أيها الشابات أيها الآباء أيها الأبناء يا رجال الجيش والأمن ويا كل مؤمن غيور على دينه ووطنه ومجتمعه خذوا حذركم من العدو بكل أساليبه ، ونتواصى
بالواجبات اللازمة علينا جميعا حكومة وشعبا ، نطالب الرئاسة والحكومة بتفعيل أجهزة الأمن في مراقبة المنافذ البرية والبحرية والجوية والتصدي بحزم لما فيا إيران الإجرامية التي تسعى لإغراق البلاد بالمخدرات بكل أنواعها لإفساد المجتمع والقضاء على صحته وأخلاقه ، كما نحذر من أداء بعض المنظمات الدولية التي تعد يدا لإفساد المجتمع وإذا كانت الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها قد ظهرت شريكة للحوثي في زراعة الألغام فما الذي يمنع أن تكون شريكة في إفساد المجتمع فليحذر الجميع ، كما نشد على أيدي الأمن ونحثهم على اليقظة العالية ومراقبة كل التحركات المشبوهة لا سيما في مخيمات النازحين ومناطق الوادي وفي المدينة أيضا فلا داعي إلى إحسان الظن بأعداء الدين والعقيدة ، كما ندعوا وسائل الإعلام ومكاتب الصحة والتربية ومكتب الأوقاف والدعاة والعلماء إلى نشر الوعي المجتمعي بهذه المخاطر وأضرارها ، ونذكر الآباء والأمهات الحذر على أبنائهم ومراقبتهم حتى لا تتخطفهم أيادي العابثين ، نحذر الشباب ذكورا وإناثا الرفقة السيئة التي قد توقعكم في المهالك بطريقة ماكرة وغير مباشرة
 (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ثم الدعاء والصلاة على النبي والدعوة إلى الجهاد بالمال
:
🎤
*خطـبة جمـعة بعنـوان :*
*دور القيم في حماية المجتمع*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

*الخطبـة.الاولـى.cc*
الحمدُ لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون ، وبعدله ضل الضَّالون . لا يُسألُ عما يفعل  وهم يُسألون . أحمدهُ سبحانه على نعمه الغزار ..وأشكره وفضله على من شكر  مدرار ..  لا فوز إلا في طاعته، ولا عِزَّ إلا في التذلل لعظمته، ولا غنى إلا في الافتقار لرحمته  .
يا ربي حمداً ليس غيرُك يُحمد **
يا من له كل الخلائق تصمدُ
أبوابُ كلُ الملوكِ قد أوصدت**
ورأيت بابك واسعاً لا يوصدُ

  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار ..وأشهد أن محمداًعبده ورسوله النبي المختار المبعوث إلى الناس كافة بالتبشير والإنذار .
إن البريةَ يومَ مبعثِ أحمدٍ **
نظر الإله  لها فبدّل حالها
بل كرمَ الإنسانَ حين اختار من**
خير البريةِ نجمُها وهلالها
صلى الله عليه وسلم   صلاة تتجدد بركاتها بالعشي والإبكار وعلى آله وأصحابه وأتباعه الأبرار ..    أما بعــــد :

عبــــــــاد الله :-  كم تمر علينا قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان يمشي ليلاً  في شوارع المدينة، ومعه خادمه ليتفقد أحوال الرعية فأعياه التعب فاتكأ إلى جدار بيت، وإذ بإمراه تقول لابنتها: قومي إلى اللبن فامزجيه بالماء حتى يكثر، فقالت الفتاة: يا أماه أو ما سمعت منادي الخليفة ينادي: لا يُخلط اللبن بالماء... فقالت الأم: إن عمر لا يرانا ، قالت الفتاة: إن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا، فلما سمع الخليفة كلامها دمعت عيناه وقال لخادمه: اعرف مكان البيت, ثم مضى عمر رضي الله عنه في جولاته، فلما أصبح قال للخادم: امض إلى ذلك البيت فانظر من الفتاة؟ وهل لها زوج؟ قال الخادم: أتيت البيت فعلمت أنه ليس لها زوج, فعدت إلى الخليفة فأخبرته الخبر، فجمع أولاده وقال لهم: هل فيكم من يحتاج إلى الزواج فأزوجه فزوجها لابنه عاصم فأنجبت له بنتاً تزوجت فيما بعد عبدالعزيز بن مروان فأنجبت عمر بن عبدالعزيز الخليفة العادل ...

كم تمر علينا هذه القصة فهل وقف أحدنا يسأل نفسه ما الذي دفع هذه الفتاة إلى الإلتزام بهذا الخلق وهذا السلوك الرائع ؟ وما الذي جعلها ترفض السلوك الخطأ وهو الغش رغم الفاقة وشدة الحاجة  وغياب رقابة البشر ؟ وكم سيسعد المجتمع عندما يجد أفراده في مثل هذا الوعي والانضباط الأخلاقي والسلوكي ؟

إن مرد ذلك إلى القيم الإيمانية والأخلاقية والسلوكية التي يحملها الفرد في نفسه ويتعامل بها مع من حوله ويشعر أنها سببٌ لراحته وسعادته في الدنيا والآخرة ...

هذه القيم غرسها الله في فطرة الإنسان وأرسل الرسل وأنزل الكتب لتربية الناس عليها وتثبيتها في قلوبهم ووعظهم وتذكيرهم بها عند انحرافهم عنها قال تعالى  [وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا] {النساء:66} وقال تعالى ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) {الجمعة:2} فالتزكية تعني بناء قيم الخير في النفوس وتربية الناس عليها ...

فالإيمان بالله ومراقبته وتعظيمه والخوف منه والالتزام بشرعه قيمٌ عظيمة يجب أن تتربى عليها النفوس .. والأمانة والصدق والحياء والعفاف وصون اللسان وحفظ الجوارح والتسامح واحترام الآخرين وحفظ حقوقهم والتعاون وبذل المعروف والجود والكرم وحسن الخلق والترفع عن سفاسف الأمور وبغض الشر وكراهيته وصون الدماء وحفظ الأعراض قيمٌ تسعد بها الأفراد والمجتمعات والدول .. والالتزام بالقوانين التي تسير حياة الناس وتكفل لهم الراحة وتطبيقها وتربية المجتمع عليها قيمٌ تجعل الإنسان في قمة الحضارة والرقي وتساهم في تطور المجتمعات وتقدمها.

عبــــــــاد الله :-  هذه القيم تتربى عليها المجتمعات ويتحصن بها الأفراد من خلال أولاً قيام الوالدين بواجبهما من التربية فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) وقال تعالى على لسان لقمان وهو  يوجه ابنه ويربيه على قيم الخير( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(لقمان:13) وقال له أيضاً (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا  إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ  إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِير ) (لقمان /18-19)
ويتربى الناس على هذه القيم في المدارس ومن خلال المناهج الدراسية فالتربية والتعليم من أهم وأخص واجبات المدارس وعندما يحدث الانحراف عن هذا الهدف تسوء الأخلاق ويظهر جيل لا يحمل من القيم شيء وعند ذلك سيكون وباله على مجتمعه وأمته كبير ..

ومن محاضن التربية على القيم المساجد فدورها عظيم من خلال اجتماع الناس فيها ومن خلال الدروس والمواعظ وخطب الجمعة والله سبحانه وتعالى يقول عنها ( لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ) {التوبة:108}

فالمساجد يجب أن تقوم بدورها في تربية النفوس وتزكيتها وتطهيرها وإن من ينظر إلى سيرته صلى الله عليه وسلم يجد أن المسجد كان المحضن الأول في تربية الصحابة وتوجيه الأمة وغرس القيم ..

ومن ذلك الإعلام سواء كان إذاعة أو تلفزيون أو صحافة يجب أن يعي دوره في توجيه الأمة وتربيتها وتوعيتها ولذلك لما فقد الإعلام دوره وانحرف عن هدفه أصبح معول هدم للقيم والأخلاق في حياة الأفراد والمجتمعات والدول فالجرائم والمعاصي يرتكب كثيراً منها اليوم تقليداً ومحاكاة لما يبث ويذاع وينشر في وسائل الإعلام فأين التوعية وأين التوجيه وأين تربية أفراد هذه الأمة وغرس القيم في نفوسهم ؟ وتتحصن الأمة بالقيم والأخلاق الحسنة والسلوك السوي من خلال القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن خيرية هذه الأمة لم تنعقد إلا بذلك قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ){آل عمران:110}

ومتى ما أخلت هذه الأمة بهذا الشرط سلبت هذه الخيرية، وأوشك أن ينزل بها العذاب، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن بني إسرائيل، فقال: « إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، أن كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم على بعض ثم قال: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ {المائدة:78/79) ثم قال: كلا والله لتأمرُنَّ بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا، ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم بعضا، ثم يلعنكم كما لعنهم ) (رواه أبو داود /4336 والترمذي /3047)

وانظروا كيف أهلك الله ثمود قوم نبي الله صالح عليه السلام بسبب فساد نفرٌ قليلٌ منهم وسكوت غالبية الناس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزجر المعتدي والأخذ على يديه قال تعالى ( وَكَانَ فِي المَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ) {النمل:48} فلما استفحل شرهم وزاد غيهم وظهر مكرهم أذن الله بهلاكهم هم وقومهم قال تعالى [فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ] {النمل:51} . ومن ميادين غرس القيم ووسائل اكتسابها تزكية الفرد لنفسه بتعليمها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتربيتها على الأخلاق الفاضلة وصونها عن كل ما يدنسها قال تعالى [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا] {الشمس9/10) فالمسلم يدرك أن سلوكه وأخلاقه مرتبطة بإيمانه بربه و هو يعتقد أنه سيحاسب يوم القيامة على أعماله وأن الله مطلع عليه في كل أحواله وأن سعادته في الدنيا والآخرة  في رضا ربه ولقد قصد الإسلام من هذه التزكية أنْ يكُون الإِنسان مَثَالاً صَالحاً محمُود الخصال شريف الشمائل حسن السلوك  إن تكلم صَـدَقَ، وإنْ وَعَدَ وَفَى بِوَعْده، وإن أؤتُمِنَ في أمْرٍ أَدَّى الأمانَةَ وَلَمْ يَخُنْ، وإنْ رَأى أمراً مُنْكراً غَيَّرهُ بيَدِه؟ فإِنْ لمْ يَسْتَطعْ فَبِلسانه، فإن لم يَسْتَطعْ فَبِقَلْبه؟ وإن تَكَلم خفضَ صَوتَه، وَإن مَشَى لَم يَكُن مُخْتَالاً وفخوراً في مشيتِه، وإنْ رأى كَبيراً وَقَّره أو صغيراً عطف أو جاراً أو ضيفاً أكرمه أو محتاجاً أعانه.

عبــــــــاد الله :-  إن تربية الأفراد على قيم الخير وتحصينهم من الرذائل والأخلاق السيئة فيه حماية للمجتمعات وحفاظاً على الحقوق والواجبات وصوناً للدماء والأعراض والممتلكات وبسبب ذلك يفتح الله على البلاد والعباد الخيرات قال تعالى مبيناً هذه السنة في أمم كانت من قبلنا ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ) {المائدة:66} أنظروا رحمكم الله ماذا تعمل
القيم وكيف تضبط السلوك وتوجه التصرفات في عام الرمادة وقد بلغ الفقر والجوع بالمسلمين مبلغاً عظيماً جاءتْ  قافلةٌ  لعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ مُؤَلَّفة ٌمِن أْلفِ بَعْيِرٍ مُحَمَّلَة ٌ بالتَّمْرِ والزَّبيْبِ والزَّيْتِ وغيرِها من ألوانِ

الطعامِ، فجاءَهُ تُجّارُ المدينةِ المُنَوَّرَةِ مِنْ أَجْلِ شِرائِها منه، وقالُوا لهُ: - نُعْطيكَ ربحاً بَدَلَ الدِّرْهَمَ دِرْهَمَينِ يا عثمان.. قالَ عثمانُ: أُعْطِيْتُ أكثرَ مِنْ هذا..  قالوا: نَزِيْدُكَ الدِّرْهَمَ بخَمْسة .. قالَ لَهُمْ: لَقَدْ زادنَي غيرُكم.. الدِّرْهَمَ بَعَشَرة... قالوا له: مَنِ الذي زادَكَ، ولَيْسَ في المدينةِ تُجّارٌ غيرُنا؟ قالَ عثمانُ: أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ اللهِ تعالى   ( مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فلهُ عَشْرُ أمثاِلها )... أُشْهِدُكُمْ أنّي قَدْ بِعْتُها للهِ ورسولهِ. فأنفقها في سبيل الله ..  لو لم يكن هناك إيمان لكان الجشع والطمع واستغلال حاجات الناس وظروفهم  ...

إن الأخطار التي تهدد الأفراد والمجتمعات لا تستحكم حلقاتها إلا عندما تتهدم حصونها من الداخل  بفساد القيم وانحلال الأخلاق في نفوس أبنائها  ..  فاللهم إنا نسألك إيماناً خالصاً ويقيناً صادقاً ومرداً غير مخزٍ ولا فاضح

قلت قولي هَذا، وأستغفر الله  لي ولكم فاستغفروه.

الخطــــبة الثانــية  : -
الحمدلله وكفى وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد:

أيها المسلمون  :-  إن من أعظم الآثار المترتبة على فساد القيم وضعفها في النفوس ظهور الاختلالات في المجتمع و إثارت الفتن وسفك الدماء وسوء الأخلاق وذهاب المعروف وتغليب المصلحة الشخصية الضيقة على مصالح المجتمع والأمة والتنصل عن القيام بالواجبات والمسئوليات وظهور العصبيات ... إنه  لا يمكن أن يتصور أن عاقل عودة الناس إلى حياة الجاهلية والعصبية التي بدأت تنثر سمومها في سلوكيات بعض أفراد المجتمع والله تعالى يقول ممتناً على عباده بنعمة الأخوة والألفة ( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ){آل عمران:103}  ومن الآثار المترتبة على فساد القيم ظهور الأمراض والآفات التي أهلكت الأمم والمجتمعات والشعوب عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)) رواه ابن ماجه وهو صحيح. [السلسلة الصحيحة (106)]

عبــــــــاد الله :-  لنعد إلى القيم والأخلاق التي جاء بها ديننا الإسلامي فبها تستقيم النفوس وتسمو الأخلاق ويسعد المجتمع وتحفظ الحقوق وتؤدى الواجبات ويظهر الود والحب والتراحم بين المسلمين وعن طريقها ننقل للعالم حقيقة هذا الدين وعظمته وخيريته ..   هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (الأحزاب:56) اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وارضَ  اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين .


====================
خطبة 🎤 بعنوان
 " إسم الله الرزاق وآثاره الإيمانية "
🕌🕋🌴🕋🕌
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عناصر الخطبة:

1/ اثبات اسم الله الرزاق في القرآن والسنة ودلالاته.
2/تكفل الله الرازق بجميع الخلائق.
3/مظاهر الرزق وأنواعه.
4/ من أسباب تحصيل الرزق.
5/ آثار الإيمان باسم الله الرزاق.
6/ توسعة الله لبعض خلقه هل هو دليلٌ على محبته لهم؟.

○○○□□□○○○

ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﺫﻱ ﺍﻟﻌﺰ ﺍﻟﻤﺠﻴﺪ ﻭﺍﻟﺒﻄﺶ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ, ﺍﻟﻤﻨﺘﻘﻢ ﻣﻤﻦ ﻋﺼﺎﻩ ﺑﺎﻟﻨﺎﺭ ﺑﻌﺪ ﺍﻹ‌ﻧﺬﺍﺭ ﺑﻬﺎ ﻭﺍﻟﻮﻋﻴﺪ ..
ﺍﻟﻤﻜﺮﻡ ﻟﻤﻦ ﺧﺎﻓﻪ ﻭﺍﺗﻘﺎﻩ ﺑﺪﺍﺭ ﻟﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ  ﻣﻦ ﻛﻞ ﺧﻴﺮ ﻣﺰﻳﺪ , ,  
ﺃﺣﻤﺪﻩ ﻭﻫﻮ ﺃﻫﻞ ﻟﻠﺤﻤﺪ ﻭﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﻤﺠﻴﺪ ﻭﺃﺷﻜﺮﻩ  ﻭﻧﻌﻤﻪ ﺑﺎﻟﺸﻜﺮ ﺗﺪﻭﻡ ﻭﺗﺰﻳﺪ ...

ﻭﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ‌ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ‌ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ ﻻ‌ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ  ﻭﻻ‌ ﻛﻔﻮ ﻭﻻ‌ ﻧﺪﻳﺪ ,,,,

ﺍﻟﺸﻤﺲُ ﻭﺍﻟﺒﺪﺭ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﺭ ﺣﻜﻤﺘﻪ ...
    ﻭﺍﻟﺒﺮ ﻭﺍﻟﺒﺤﺮ ﻓﻴﺾٌ ﻣﻦ ﻋﻄﺎﻳﺎﻩُ
ﺍﻟﻤـﻮﺝُ ﻛﺒﺮﻩ ﻭﺍﻟﻮﺣﺶُ ﻣﺠﺪﻩ ...
       ﻭﺍﻟﻄﻴﺮُ ﺳﺒﺤﻪ ﻭﺍﻟﺤﻮﺕ ﻧﺎﺟﺎﻩُ
ﻭﺍﻟﻨﻤﻞُ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﺍﻟﺼﻢ ﻗﺪﺳﻪ... 
  ﻭﺍﻟﻨﺤﻞُ ﻳﻬﺘﻒ ﺣﻤﺪﺍ ﻓﻲ ﺧﻼ‌ﻳﺎﻩ
ُ ﻭﺍﻟﻨﺎﺱُ ﻳﻌﺼُﻮﻧﻪ ﺟﻬﺮﺍ ﻓﻴﺴﺘﺮﻫﻢ ... 
   ﻭﺍﻟﻌﺒﺪُ ﻳﻨﺴﻰ ﻭﺭﺑﻲ ﻟﻴﺲ ﻳﻨﺴﺎﻩُ

ﻭﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪﻩ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻭﺻﻔﻴﻪ ﻭﺧﻠﻴﻠﻪ ، ﺍﻟﺒﺸﻴﺮ ﺍﻟﻨﺬﻳﺮ ﺍﻟﺴﺮﺍﺝ ﺍﻟﻤﺰﻫﺮ ﺍﻟﻤﻨﻴﺮ ،
ﺧﻴﺮ ﺍﻷ‌ﻧﺒﻴﺎﺀ ﻣﻘﺎﻣَﺎ ﻭﺃﺣﺴﻦ ﺍﻷ‌ﻧﺒﻴﺎﺀ ﻛﻼ‌ﻣﺎ ،
ﻟﺒﻨﺔ ﺗﻤﺎﻣﻬﻢ ﻭﻣﺴﻚ ﺧﺘﺎﻣﻬﻢ ،
ﺭﺍﻓﻊ ﺍﻹ‌ﺻﺮ ﻭﺍﻷ‌ﻏﻼ‌ﻝ ، ﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ﺇﻟﻰ ﺧﻴﺮ ﺍﻷ‌ﻗﻮﺍﻝ ﻭﺍﻷ‌ﻋﻤﺎﻝ ﻭﺍﻷ‌ﺣﻮﺍﻝ ،
ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻌﺜﻪ ﺭﺑﻪ ﺟﻞ ﻭﻋﻼ‌ ﺑﺎﻟﻬﺪﻯ ﻭﺩﻳﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﻴﻦ ﻳﺪِ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺑﺸﻴﺮﺍ ﻭﻧﺬﻳﺮﺍ ﻭﺩﺍﻋﻴﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺈﺫﻧﻪ ﻭﺳﺮﺍﺟﺎً ﻣﻨﻴﺮﺍ ، ً ﻓﺨﺘﻢ ﺑﻪ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ، ﻭﻋﻠﻢ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻬﺎﻟﺔ ، ﻭﻫﺪﻯ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﻼ‌ﻟﺔ ،
ﻭﻓﺘﺢ ﺑﻪ ﺃﻋﻴﻦً ﻋﻤﻴﺎ ﻭﺁﺫﺍﻧﺎً ﺻﻤﺎ ﻭﻗﻠﻮﺏ ﻏﻠﻔا ،
ﻭﺗﺮﻛﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺤﺠﺔ ﺍﻟﺒﻴﻀﺎﺀ ﻻ‌ ﻳﺰﻳﻎ ﻋﻨﻬﺎ ﺇﻻ‌ ﻫﺎﻟﻚ ،،،

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻭﻛﻤﺎ ﺁﻣﻨﺎ ﺑﻪ ﻭﻟﻢ ﻧﺮﻩ ﻓﻼ‌ ﺗﻔﺮﻕ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻭﺑﻴﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﺗُﺪﺧﻠﻨﺎ ﻣُﺪﺧﻠﻪ ، ﻭﺃﻭﺭﺩﻧﺎ ﻳﺎﺭﺏ ﺑﻔﻀﻠﻚ ﻭﻛﺮﻣﻚ ﻭﺭﺣﻤﺘﻚ ﺣﻮﺿﻪ ﺍﻷ‌ﺻﻔﻰ ﻭﻧﻬﺮﻩ ﺍﻟﻜﻮﺛﺮ ، ﻭﺍﺳﻘﻨﺎ ﻣﻨﻪ ﺑﻴﺪﻩ ﺷﺮﺑﺔً ﻫﻨﻴﺌةً ﻻ‌ ﻧﻈﻤﺄ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺃﺑﺪﺍً ﺣﺘﻰ ﻧﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻬﻚ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ،،،

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺻﻠﻲ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺯﺩ ﻭﺑﺎﺭﻙ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﻭﺃﺣﺒﺎﺑﻪ ﻭﺃﺗﺒﺎﻋﻪ ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺍﻫﺘﺪﻯ ﺑﻬﺪﻳﻪ ﻭﺍﺳﺘﻦَّ ﺑﺴﻨﺘﻪ ﻭﺍﻗﺘﻔﻰ ﺃﺛﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ...


(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تََسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1] ؛

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]،...

  أما بعد:
 
عباد الله:

اتقوا الله حق تقاته، واشكروا له، فهو -سبحانه- المعطي الرزاق لجميع المخلوقات، وسع الخلقَ كلهم رزقُه, لا يخص بذلك مؤمنًا دون كافر، يسوقه إلى الضعيف الذي لا حيلة له، كما يسوقه إلى الجَلْد القوي،
قال تعالى: (كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) [الإسراء:20],
وخزائن الله -عزَّ وجلَّ- مملوءة بكل شيء، يعطي منها جميع الخلائق ولا تنقص إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر،
قال الله -تعالى-: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ) [النحل: 96].
 

عباد الله:

وصف الله نفسه بأنه الرزاق، فقال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 56 – 58]،
ورزقه -سبحانه- أفضل الرزق,
قال تعالى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [الجمعة: 11].

كما بيّن أن رزقه للعباد صورة من صور لطفه بهم، فقال: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ) [الشورى:19],
ورزقه ليس له عدٌّ ولا حساب (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [البقرة:212],
تكفل -سبحانه- بأرزاق الخلائق جميعًا (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [العنكبوت: 60].

وقد وصف نبينا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- ربَّه بأنه الرزاق، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إن الله هو المسعِّر، القابض الباسط الرزاق” (الترمذي وصححه الألباني).
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينسب الرزق لربه مادحًا إياه على رزقه لعباده, مع عصيانهم وتمردهم على شرعه، وكل هذا من صبر الله الواسع,

قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، يَدَّعُونَ لَهُ الوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ” (البخاري).

 
عباد الله :

والرّزَّاقُ -سبحانه- هو الذي خلق الأَرْزاق، وأَعطى الخلائق أَرزاقها، وهو القائم على كل نفس بما يقيمها من قُوتِها، وخزائنه مملوءة بكل شيء يحتاجه الخلق، يصرّف الأرزاق ويقسّمها على الخلائق بحسب علمه وحكمته كيف يشاء,

وهو المتفرِّد بالرزق وحده لا شريك له، قال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [فاطر: 3].


أيها المؤمنون:

لقد تكفل الرزاق -سبحانه- بإيصال جميع الأقوات التي تتغذى بها المخلوقات برّها وفاجرها، وذلك يشمل الإنسان والحيوان والجان،
قال -سبحانه-: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [هود: 6]،

فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يُصلحه، حتى الذرّ في باطن الأرض، والطير في الهواء، والحيتان في الأعماق، والأجنّة في الأرحام، والحشرات في الصخور، فسبحان الرزاق العليم.


أيها المسلمون:

لا تحسبوا أن الرزق مجرد أموال ووظائف وأولاد فقط،
بل هناك رزق الأرواح وهو أطيب الأرزاق وأفضلها،
فالإيمان والتوحيد هو الرزق النافع الذي يوصل العبد إلى أعلى الغايات، ويرزقه الله من يستحقه ويشكره، فيمُنّ -سبحانه- برزق القلوب بالعلوم النافعة والإيمان الصحيح، ثم التخلق بالأخلاق الجميلة، والتنزَّه عن الأخلاق الرذيلة، ويحصل العبدُ الخير الوفير من هذا الرزق.

ومِن جميل رزقه: أن يرزق عبده لسانًا صادقاً، ويدًا منفقة متصدقة، ومن رزقه ما يضعه في قلوب الصالحين من المعرفة والمحبة والإنابة، ومن الأرزاق رزق خفي؛ بأن يرزق الله العبد القناعة، فيقنع العبد ويرضى بما أعطاه الله،
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “قد أفلح من أسلم، ورُزق كَفَافًا، وقنَّعه الله بما آتاه” (مسلم).

ومن جميل الرزق: أن يُغني الله عبدَه بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه، وهذا ما علّمه النبي -عليه الصلاة والسلام- أمته أن يحرصوا عليه،

فعَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: “إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ مُكَاتَبَتِي فَأَعِنِّي، قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ، قَالَ: “قُلْ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ“(الترمذي وصححه الألباني).

وإذا رزق الله العبد العلم النافع والإيمان الصحيح، والرزق الحلال، والقناعة بما أعطاه الله منه، فقد تمت أموره، واستقامت أحواله الدينية والبدنية، وهذا النوع من الرزق هو الذي مدحته النصوص النبوية، واشتملت عليه الأدعية النافعة، ومن لا يملكه فهو الفقير فعلاً الذي يُرثَى له.

وإن أعظم رزق يرزقه الله عباده، وأحسنه وأكمله، وأعلاه وأدومه، أن يرزقهم الجنة بفضله ومنّه، قال تعالى: (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ) [ص: 54]،
وذلك الرزق قد اختص به المؤمنين دون غيرهم،

قال -سبحانه-: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا) [الطلاق: 11].

 
أيها المؤمنون:

لتطمئن النفوس فإنه لا ينقطع رزقٌ حتى تنقطع أنفاس صاحبه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لو أن ابن آدم هَرَبَ من رزقه كما يهرب من الموت، لأدركه رزقُه كما يدركه الموتُ” (البيهقي وحسنه الألباني).

وإذا أعوزنا الرزق، فلا نطلبه بكثرة الحرص، فلن يزيد الحرصُ والشحُّ العبدَ في رزقه المقدّر فوق ما قسمه الله له،

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أَيُّـهَا النَّاسُ: اتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ” (صححه الألباني).
 

عباد الله:

اعلموا أن الإيمان والتقوى سببان عظيمان للحصول على الأرزاق والبركات، وأن الكفر والفجور سببان عظيمان لنقص الأرزاق ومحق البركات، قال -سبحانه-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف:
96]،

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ” (ابن ماجه  وحسنه الألباني).


والأرزاق تزيد بالشكر، وتنقص بالكفران والمعاصي، قال -سبحانه-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]،

وإذا استحضر العبد أن الرزق مِن الله، لزم شكره، ولم يشكر غيره؛ لأن شكر غيره نكران للجميل، وجحود للمنعم، وعندما نشكر الآخرين إنما نشكرهم لأنهم كانوا أسبابًا وأدوات لوصول ذلك الرزق، وننسب الفضل أولاً وأخيرًا لصاحب الفضل كله رب العالمين...

اللهم اجعلنا مؤمنين بك حقا يا رب العالمين...


أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم...

 

 

-:((الخطبة الثانية)):-

الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى،،،

أما بعد:

عباد الله:
فإن لاسم الله الرزاق آثارا؛
منها:

الثقة واليقين بأن الله هو المتفرد بالرزق وحده لا شريك له، قال تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ) [سبأ: 24].

ومن آثار الإيمان باسم الله الرزاق : أن الرزاق هو وحده الذي يستحق أن يُفرَد بالعبادة ولا يُشرَك معه غيرُه، وأن يُفرد بالشكرِ والثناء، وشكر غيره تابعاً لشكره -سبحانه-, ولذلك أنكر الله على المشركين عبادتهم لغيره مع رزقه إياهم,

قال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ) [النحل: 73].

ومن آثار الإيمان باسم الله الرزاق: أن تظهر على العبد آثار فضل الله -سبحانه- ومنّه عليه، ولا يجحد النعم فيخفيها، بل يعلن نعم الله عليه؛ شكرًا لله، وهذا مما يحبه الله -عز وجل-،
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “فإذا أتاك الله مالاً فَلْيُرَ عليك أثر نعمة الله وكرامته” (النسائي وصححه الألباني)،
وقال: “إنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى نِعَمَهُ عَلَى عَبْدِهِ” (صححه الألباني).

ومن آثار اسم الله الرزاق: الإحسان إلى عباده, والصدقة والإنفاق في سبيل الله, فإن المال مال الله تعالى, وقد حصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجوه الانتفاع في الرزق في أمور،

كما جاء عن  النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قَالَ: “يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ، أَوْ أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ” [مسلم (2958)].


عباد الله:

ينبغي أن نرضى بقسمة الرزاق -سبحانه-، ونسأله وحده الرزق،
كما قال إبراهيم -عليه السلام-: (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [العنكبوت: 17]،

وقوله -تعالى- على لسان عيسى -عليه السلام-: (وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [المائدة: 114].

وعلى المسلم أن يثق كل الثقة أن الرزق بيد الله وحده، لا يزيده حرص حريص، ولا يردّه كراهية كاره، ولذلك ينأى المسلم بنفسه عن أن يأكل مالاً حرامًا، كما يحرص على ألا يذل نفسه لأي مخلوق من أجل لقمة العيش، وما دام أن رزقك لا يمسكه أحد، أو يقدر على منعه، فاطلبه منه وحده.

أيها المسلمون:

هناك فكرة خاطئة، يعتقدها بعض الناس، وهي أنهم يظنون أن مجرد عطاء الله لخلقه، وتوسعته عليهم في الرزق، دليلٌ على محبة الله لهم، وهذا فَهْم غير صحيح، فكثرة الرزق في الدنيا لا تدل على محبة الله -تعالى- للعبد ورضاه عنه؛
لأن الله يعطي الدنيا مَن يحب ومَن لا يحب, قال الله: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا) [الفجر: 15 – 17],

أي ليس الأمر كما يظنون ويزعمون, فقد يكون الكفار أكثر رزقًا وأفضل صحة، والمؤمن قد يكون مضيقًا عليه في رزقه؛ حماية له وصيانة من فتن الدنيا...

فاسألوا الله من واسع فضله, وقوموا بما يجب عليكم من حقه بعبادته وأداء شكره؛ يرزقكم الله من حيث لا تحتسبون...

أسأل الله أن يملأ قلوبنا بالإيمان به إنه على ما يشاء قدير...

هذا ﻭﺻﻠﻮﺍ ﻭﺳﻠﻤﻮﺍ ﺭﺣﻤﻜﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻤﻬﺪﺍﺓ، ﻭﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﺍﻟﻤﺴﺪﺍﺓ ، النبي المصطفى والرسول المجتبى ، ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻭﺇﻣﺎﻣﻨﺎ ﻭﻗﺪﻭﺗﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة...

ﻓﻘﺪ ﺃﻣﺮﻛﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺎﻟﺼﻼ‌ﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼ‌ﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻘﻮﻟﻪ: {ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻭَﻣَﻼ‌ﺋِﻜَﺘَﻪُ ﻳُﺼَﻠُّﻮﻥَ ﻋَﻠَﻰ ﺍﻟﻨَّﺒِﻲِّ ﻳَﺎ ﺃَﻳُّﻬَﺎ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺁﻣَﻨُﻮﺍ ﺻَﻠُّﻮﺍ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠِّﻤُﻮﺍ ﺗَﺴْﻠِﻴﻤًﺎ} [ﺍﻷ‌ﺣﺰﺍﺏ: 56]...
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞِّ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺑﺎﺭﻙ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، ﻭﺍﺭﺽَ ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﺧﻠﻔﺎﺋﻪ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﻳﻦ، أبي بكر و عمر و عثمان و علي ، ﻭﻋﻦ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ، ﻭﻋﻦ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ، ﻭﻣﻦ ﺗﺒﻌﻬﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻋﻨﺎ ﻣﻌﻬﻢ ﺑﻤﻨﻚ ﻭﺭﺣﻤﺘﻚ ﻳﺎ ﺃﺭﺣﻢ الراحمين ..

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺃﻋﺰ ﺍﻹ‌ﺳﻼ‌ﻡ ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺃﻋﺰ ﺍﻹ‌ﺳﻼ‌ﻡ ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺃﻋﺰ ﺍﻹ‌ﺳﻼ‌ﻡ ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﺃﺫﻝ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻭﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ،
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺩﻣﺮ ﺃﻋﺪﺍﺀ ﺍﻹ‌ﺳﻼ‌ﻡ ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ والنصارى ﻭﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻴﻴﻦ، ﻭﺃﻋﻮﺍﻧﻬﻢ ﻳﺎ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ، ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺩﻣﺮﻫﻢ ﺗﺪﻣﻴﺮﺍً،

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺃﺻﻠﺢ ﺃﺋﻤﺘﻨﺎ ﻭﻭﻻ‌ﺓ ﺃﻣﻮﺭﻧﺎ، ﻭﺃﺋﻤﺔ ﻭﻭﻻ‌ﺓ ﺃﻣﻮﺭ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﺭﻕ ﺍﻷ‌ﺭﺽ ﻭﻣﻐﺎﺭﺑﻬﺎ.،

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺃﺻﻠﺢ ﺃﻭﻻ‌ﺩﻧﺎ ﻭﻧﺴﺎﺀﻧﺎ، ﻭﺍﺟﻌﻠﻨﺎ ﻭﺇﻳﺎﻫﻢ ﻫﺪﺍﺓً ﻣﻬﺘﺪﻳﻦ،
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺃﺻﻠﺢ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ،
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺃﺻﻠﺢ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ،

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺍﺭﻓﻊ ﻋﻨﺎ ﺍﻟﻐﻼ‌ﺀ ﻭﺍﻟﻮﺑﺎﺀ ﻭﺍﻟﺮﺑﺎ ﻭﺍﻟﺰﻧﺎ ﻭﺍﻟﻠﻮﺍﻁ ﻭﺍﻟﺰﻻ‌ﺯﻝ ﻭﺍﻟﻤﺤﻦ ﻭﺳﻮﺀ ﺍﻟﻔﺘﻦ ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻣﺎ ﺑﻄﻦ.

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺍﻫﺪﻧﺎ ﻷ‌ﺣﺴﻦ ﺍﻷ‌ﺧﻼ‌ﻕ ﻻ‌ ﻳﻬﺪﻱ ﻷ‌ﺣﺴﻨﻬﺎ ﺇﻻ‌ ﺃﻧﺖ ،
ﻭﺍﺻﺮﻑ ﻋﻨّﺎ ﺳﻴﺌﻬﺎ ﻻ‌ ﻳﺼﺮﻑ ﻋﻨّﺎ ﺳﻴﺌﻬﺎ ﺇﻻ‌ ﺃﻧﺖ،

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻭﻓﻘﻨﺎ ﻟﻤﺎ ﻳﺮﺿﻴﻚ ﻋﻨّﺎ ﻭﺟﻨﺒﻨﺎ ﻣﺎ ﻳﺴﺨﻂ ﻋﻠﻴﻨﺎ،
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻭﻓﻘﻨﺎ ﺑﺤﺴﻦ ﺍﻹ‌ﻗﺒﺎﻝ ﻋﻠﻴﻚ ﻭﺍﻹ‌ﺻﻐﺎﺀ ﺇﻟﻴﻚ،
ﻭﺍﺭﺯﻗﻨﺎ ﻭﻭﻓﻘﻨﺎ ﻟﻠﺘﻌﺎﻭﻥ ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺘﻚ، ﻭﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺧﺪﻣﺘﻚ، ﻭﺣﺴﻦ ﺍﻵ‌ﺩﺍﺏ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﻚ، ﻭﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﻷ‌ﻣﺮﻙ، ﻭﺍﻟﺮﺿﺎ ﺑﻘﻀﺎﺋﻚ، ﻭﺍﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻼ‌ﺋﻚ، ﻭﺍﻟﺸﻜﺮ ﻟﻨﻌﻤﺎﺋﻚ ﻳﺎ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ...

  ﺭﺑﻨﺎ ﺍﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﻭﻹ‌ﺧﻮﺍﻧﻨﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﺒﻘﻮﻧﺎ ﺑﺎﻹ‌ﻳﻤﺎﻥ، ﻭﻻ‌ ﺗﺠﻌﻞ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﻏﻼ‌ً ﻟﻠﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮﺍ ﺭﺑﻨﺎ ﺇﻧﻚ ﺭﺀﻭﻑ ﺭﺣﻴﻢ، ،،

ﺭﺑﻨﺎ ﺁﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﺴﻨﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﻵ‌ﺧﺮﺓ ﺣﺴﻨﺔ ﻭﻗﻨﺎ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻨﺎﺭ...

  ﻋﺒﺎﺩ ﺍﻟﻠﻪ:

﴿ ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻳَﺄْﻣُﺮُ ﺑِﺎﻟْﻌَﺪْﻝِ ﻭَﺍﻟْﺈِﺣْﺴَﺎﻥِ ﻭَﺇِﻳﺘَﺎﺀِ ﺫِﻱ ﺍﻟْﻘُﺮْﺑَﻰ ﻭَﻳَﻨْﻬَﻰ ﻋَﻦِ ﺍﻟْﻔَﺤْﺸَﺎﺀِ ﻭَﺍﻟْﻤُﻨْﻜَﺮِ ﻭَﺍﻟْﺒَﻐْﻲِ ﻳَﻌِﻈُﻜُﻢْ ﻟَﻌَﻠَّﻜُﻢْ ﺗَﺬَﻛَّﺮُﻭﻥَ * ﻭَﺃَﻭْﻓُﻮﺍ ﺑِﻌَﻬْﺪِ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﺇِﺫَﺍ ﻋَﺎﻫَﺪْﺗُﻢْ ﻭَﻻ‌ ﺗَﻨْﻘُﻀُﻮﺍ ﺍﻟْﺄَﻳْﻤَﺎﻥَ ﺑَﻌْﺪَ ﺗَﻮْﻛِﻴﺪِﻫَﺎ ﴾ [ﺍﻟﻨﺤﻞ:90-91]..

ﻭﺍﺫﻛﺮﻭﺍ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﺍﻟﺠﻠﻴﻞ ﻳﺬﻛﺮﻛﻢ، ﻭﺍﺷﻜﺮﻭﻩ ﻋﻠﻰ ﻭﺍﻓﺮ ﻧﻌﻤﻪ ﻳﺰﺩﻛﻢ، ﻭﻟﺬﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ، ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺗﺼﻨﻌﻮﻥ...
والحمد لله رب العالمين ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 8 جمادى الأولى 1444 هـ الموافق 2 ديسمبر 2022م
الخطبة الأولى : الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ، نحمده تبارك وتعالى شرع الجهاد ضمانا للحرية ودفاعا عن الكرامة وإعلاء لقيم الحق والدين ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تستقيم بها حياتنا وتصلح بها أوضاعنا ونستحق بها النصر والتمكين والمدد للمجاهدين الصادقين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله من بعثه الله رحمة للعالمين وهاديا للحائرين فجاهد في سبيل إقرار الحق وإزهاق الباطل حتى أتاه اليقين صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته في كل شؤون حياتنا ، والاهتداء بهديه في كل علاقاتنا ومعاملاتنا ، والجهاد في سبيله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما بعد : ففي ظلال الذكرى الخامسة والخمسين للاستقلال والتي توافق ال30 من نوفمبر يطيب لي أن أقف بحضراتكم مع موضوع الوطنية ، نعم أيها المؤمنون نذكر بموضوع الوطنية باعتبارها من أهم منطلقات الثورات دفاعا عن الأوطان والثروات والاستقلال والحرية والكرامة والدين والقيم ، نتحدث عن الوطنية استثمارا للمناسبة وتصحيحا للمفاهيم الخاطئة عن الوطنية ، ولبيان حقيقة الوطنية بالمنظور الشرعي والفطري والأخلاقي ، وضرورة التخلق بها والقيام بمقتضياتها من حراسة الأوطان والأديان والمبادئ والدفاع عنها والتضحية في سبيلها .
الوطنية أيها المؤمنون ليست شعارا يرفع ويردد لكسب وظيفة أو مغنم أو جاه أو مكانة أو لقب أو لتحقيق مصلحة شخصية أو حزبية ضيقة وإنما هي مبدأ له حدوده وحقوقه ، الوطنية تعني أن يحب الإنسان وطنه وأبناء وطنه وأن يحمل همهم وأن يتفانى في خدمتهم وأن يخاطر بنفسه وماله وحياته من أجل إسعادهم ودفع الخطر عنهم وأن يدافع عن الحرية والكرامة والعرض والأرض ، وتعني أن يسخر الإنسان جهده وطاقاته وقدراته ومواهبه في بناء وطنه وتفعيل مؤسساته والدفاع عن استقلاله واستقراره . وصدق الشاعر
بلادي هواها في لساني وفي دمي يمجدها قلبي ويدعو لها فمي
ولا خير فيمن لا يحبّ بلاده ولا في حليف الحب إن لم يتيم
ومن تؤوه دار فيجحد فضلها يكن حيواناً فوقه كل أعجم
ألم تر أنّ الطير إن جاء عشه فآواه في أكنافه يترنم
وليس من الأوطان من لم يكن لها فداء وإن أمسى إليهنّ ينتمي
نتعلم الوطنية أيها الكرام من الفطرة ومن القرآن ومن السنة ومن السيرة ومن حياة الصحابة ومن التاريخ ومن الواقع ومن المجاهدين بل نتعلم الوطنية حتى من الحيوانات ، نتعلم ذلك من القرآن حيث شرع لنا أن ندفع من اعتدى علينا وعلى أوطاننا وأخرجنا من ديارنا وأموالنا واغتصب ثرواتنا بغير حق وأن نقاتله دفاعا عن النفس والوطن قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ*الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) ، والفقهاء متفقون على أن العدو إذا اعتدى على أي بلد أصبح قتاله فرض عين على كل أهل تلك البلاد قال الإمام النووي - رحمه الله -: (قال أصحابنا الجهاد اليوم فرض كفاية إلا أن ينزل العدو ببلد فيتعين عليهم الجهاد فإن لم يكن في أهل تلك البلد كفاية وجب على من يليهم تتميم الكفاية) ، وفي مسند الإمام أحمد عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ " وفي رواية (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَة فَهُوَ شَهِيدٌ وفي رواية ( وَمَنْ قُتِلَ دُونَ جَارِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ حَقِّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» وهذه هي مقومات وعناصر الوطن وضرورات المواطن التي يجب الدفاع عنها بالجهاد في سبيل الله .
كما نتعلم الوطنيّة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قاد الجيوش واستنفر المجتمع في المدينة بكل مكوناته للدفاع عن المدينة عاصمة الدولة النبوية المباركة وخاض من أجل ذلك معركة بدر وأحد والأحزاب وغيرها كما خاض عدة معارك للوصول إلى تحرير مكة المكرمة والجزيرة العربية بأجمعها من سيطرة المشركين وأعداء الدين ثم واصل الراية من بعده الخلفاء الراشدون
لتحرير الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، ونتعلم منه صلى الله عليه وسلم أن حب الوطن فطرة ودين ففي مسند أبي يعلى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما خرج من مكّة المكرّمة أناخ راحلته ونظر إلى موطنه وهو يقول: (والله إنّك لأحبّ البلاد إليّ، وأحبّ أرض الله إلى الله، ولولا أنّ قومك أخرجوني منك ما خرجت أبداً)، وروى البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه أن «النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدران المدينة أوضع ناقته وإن كان على دابة حركها من حبها» قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: «في الحديث دلالة على فضل المدينة وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه» وكان صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر وشاهد أحد استبشر وقال : هذا أحد جبل يحبنا ونحبه).
نتعلم الوطنية من الفيل محمود الذي أبى أن يخون الدين والوطن والقيم والمقدسات وأن يكون أداة بيد أعداء الدين من الأحباش ليحققوا به ما يطمحون إليه من اغتصاب البلدان ومحاربة الأديان والمقدسات ، لكن أبا رغال كان أحقر وأضل من الفيل حيث وضع نفسه دلالا ومعينا للعدو لاغتصاب وطنه وطمس معالم الدين حتى أصبح رمزا للخيانة والغدر ، وكم في الدنيا اليوم من أبي رغال وعلى طريقته وخيانته وكم نفقد من يستفزه ذلك الفيل محمود بوطنيته وغيرته .
نتعلم الوطنية أيها المؤمنون من النملة التي خاطرت بحياتها لتدفع الخطر عن شعب بأكمله وأمة بأجمعها وتعجب لها نبي الله سليمان عليه السلام فتبسم ضاحكا من قولها ، وهو دليل الحب والتفاني في حماية الوطن والمواطن .
نتعلم الوطنية من الشهداء والجرحى والمعاقين والمعتقلين الذين ضحوا ويضحون بأنفسهم وحياتهم وكل مصالحهم من أجل وطنهم وأمتهم ، نتعلم الوطنية من رجال الجيش والأمن الذين يموتون ليحيا المجتمع ويتعرضون للأخطار ليأمن الوطن والمواطن ، ويشردون ليستقر أبناء وطنهم ، ويجوعون ليشبع أبناء وطنهم ، ويسهرون لينام الناس ولذلك كان جزاؤهم عظيم كما في الحديث : عَيْنَانِ لَا تَرَيَانِ النَّارَ: عَيْنٌ بَاتَتْ تَكْلَأُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ " وصدق فيهم قول الله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعابثين والخائنين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : ليسوا وطنيين : نعم أيها المؤمنون هنالك فئات من الناس مهما ادعوا لأنفسهم الوطنية لكن الواقع والسلوك والتاريخ والمواقف تكذبهم وتفضحهم ، اليهود قد يكونون مع المسلمين في وطن واحد كما كان الحال في المدينة المنورة على قائدها أفضل الصلاة والسلام لكن الواقع والتاريخ أثبت خيانتهم لوطنهم وأبناء وطنهم وغدرهم بالوطن والمواطن فيهود بني النضير حاولوا قتله ، ويهود خيبر حاولوا تسميمه ، ويهود بني قريظة نقضوا العهد وخانوا وطنهم ووقفوا في صف العدو الغازي فليسوا وطنيين ، والذين يعتدون على النساء كما فعل اليهود في في سوق بني قينقاع وكما يفعل الحوثي اليوم في نساء المسلمين ليسوا وطنيين ، والذين يثيرون الفتن والثارات بين القبائل المجاهدة ومكونات الشرعية لمصلحة الحوثي وخلاياه ليسوا وطنيين ، والمنافقون الذين يكونون عونا للعدو كما فعلوا يوم الأحزاب يخذلون ويثبطون وينشرون الإشاعات والأراجيف بين المسلمين وكما تفعل أبواق الحوثي الإعلامية والأمنية اليوم ليسوا وطنيين ولذلك لعنهم وهي لعنة عليهم وعلى من سار على شاكلتهم إلى يوم الدين قال تعالى (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ، مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا )
والذي يخل بالأمن في وطنه أو يكون يدا للعدو الغازي يمكن له على حساب دينه ووطنه كما يفعل الحوثي ومن على شاكلته ليس وطنيا ، والذي يؤوي أعداء وطنه ودينه ويدافع عنهم ليس وطنيا ، والذين يخذلون فلسطين في القديم وفي الحديث ويعقدون صفقة القرن اليوم للتنازل عنها ليسوا وطنيين ، والذين سلموا العراق وسوريا ولبنان واليمن والأحواز للشيعة ليسوا وطنيين ، من ينهب ثروات بلاده ويدمرها ليس وطنيا ، والذي يخل بالأمن في وطنه ويقطع الطرقات ليس وطنيا
، ومن يسفك دماء أبناء وطنه ومن يعادي الدين والأخلاق والقيم والصالحين ليس وطنيا ، ومن يظلم أو يرضى بالظلم لأبناء وطنه ليس وطنيا ، ومن يهدم الدولة ومؤسساتها ليس وطنيا ، ومن يدمر الثروات ليس وطنيا ، ومن يثير العداوة والبغضاء والعصبيات بين أبناء وطنه ليس وطنيا .
الوطنيون هم ثوار سبتمبر وأكتوبر وفبراير ، الوطنيون هم القادة والسياسيون والموظفون المخلصون في خدمة وطنهم والدفاع عن مصالحه ، الوطنيون هم الذين واجهوا ويواجهون عصابة الحوثي الإيرانية الرافضية الحاقدة في كل مناطق اليمن ، الوطني هو الزبيري والنعمان والقردعي وعلي عبد المغني والثلايا وغالب راجح لبوزة والشدادي والدكتور عبد الله عابد ..والدكتور عبد القادر مريط والشيخ ربيش العليي وغيرهم من القامات الوطنية من الأمن والجيش والقبائل الذي سقوا وطنهم بدمائهم الغالية الزكية ، التحية والإكرام لكل الوطنيين فالسلام عليكم يا ثوار سبتمبر والسلام عليكم يا أبطال أكتوبر والسلام عليكم يا شهداء فبراير والسلام عليكم يا أحرار الشرعية السلام على الشهداء السلام على الجرحى والمعتقلين السلام على المجاهدين الصابرين الثابتين والخزي والعار على كل الخونة والغدارين والانقلابيين ولا نامت أعين الجبناء (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ثم الدعاء والصلاة على النبي والدعوة إلى الجهاد بالمال وأقم الصلاة
🎤

*خطبة مكتوبه بعنوان:*

العلم والتعليم *فضل.العلم.والعلماء.tt* 1️⃣

للشيخ د / إبراهيم بن محمد الحقيل


عناصر الخطبة

1/العلم طريق الإيمان 2/ فضل العلم الشرعي 3/ فضائل أهل العلم 4/ صفات أهل العلم 5/ المراد بالعلم في القرآن علم الشريعة 6/ علوم الدنيا أجرها بقدر نية صاحبها 7/ تجديد النية في طلب العلم 8/ أمجاد المسلمين عندما نشروا العلم .

اهداف الخطبة

بيان فضل العلم والعلماء / بيان العلم الذي يثاب عليه / التعريف بصفات أهل العلم
عنوان فرعي أول
ورثة الأنبياء
عنوان فرعي ثاني
بين علوم الدنيا وعلوم الآخرة
عنوان فرعي ثالث
مجدنا بعلمنا

🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبة الاولى:



الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله...

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن خير الكلام كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الناس:خلق الله تعالى الخلق ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وبين سبحانه الطريق الموصلة إليه بما أرسل من الرسل ، وأنزل من الكتب (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25].


ولا سبيل إلى عبادة الله تعالى إلا بمعرفة مراده ، ولا يمكن الوصول إلى معرفة ذلك إلا بقراءة كتابه ، والتلقي عن رسوله صلى الله عليه وسلم ، وطريق ذلك هو العلم بالقرآن والسنة ؛ ولذا كانت العلوم الشرعية أفضل العلوم وأجلها ؛ لأنها توصل إلى العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته، وأمره ونهيه ، ووعده ووعيده ، وثوابه وعقابه. وفي ذلك يقول الله تعالى: (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة:11]، وروى عامر بن واثلة : "أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعُسْفَان وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أَبْزَى، قال: ومن ابنُ أبزى؟ قال: مولى من موالينا، قال: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله عز وجل، وإنه عالم بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين" رواه مسلم.

ومن فضيلة العلم: أن الله تعالى أشهد أهله على أجل مشهود عليه وأصدقه وأفضله ، وهو توحيده سبحانه وتعالى ، وقرن شهادة أهل العلم بشهادته عز وجل وبشهادة الملائكة الكرام عليهم السلام (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالمَلَائِكَةُ وَأُولُو العِلْمِ قَائِمًا بِالقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) [آل عمران:18].


قال ابن القيم رحمه الله تعالى: استشهد بهم على أجل مشهود به وأعظمه وأكبره وهو شهادة أن لا إله إلا الله، والعظيم القدر إنما يستشهد على الأمر العظيم أكابر الخلق وساداتهم.

وقد نفى الله تعالى التسوية بين أهل العلم وبين غيرهم كما نفى التسوية بين أصحاب الجنة وأصحاب النار فقال تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ) [الزُّمر:9]. كما قال تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الجَنَّةِ) [الحشر:20] وهذا يدل على غاية فضلهم وشرفهم.

وجعل سبحانه وتعالى صاحب الجهل بمنزلة الأعمى الذين لا يبصر فقال عز وجل (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى) [الرعد:19] فما ثَمَّ إلا مبصر أو أعمى، وقد وصف سبحانه أهل الجهل بأنهم صم بكم عمي في غير موضع من كتابه.

وأهل العلم هم من يعرف كلام الله تعالى ، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويعلمون أنه الحق دون سائر الناس (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ) [سبأ:6] وفي الآية الأخرى (وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ
رَبِّكَ بِالحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) [الأنعام:114].



وتشتد حاجة الناس لأهل العلم؛ لأنهم يبصرونهم ويرشدونهم ويفتونهم في أمور دينهم (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل:43]وأهل الذكر هم أهل العلم بما أنزل على الأنبياء عليهم السلام.

وأهل العلم هم أهل الخشية، خصهم الله تعالى بها من بين سائر الناس: (إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ) [فاطر:28] وهذا حصر لخشيته في أولي العلم ، وفي الآية الأخرى: (جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) [البيِّنة:8 ] وقد أخبر أن أهل خشيته هم العلماء ، فدل ذلك -بمجموع الآيتين- على أن هذا الجزاء المذكور هو للعلماء قال ابن مسعود رضي الله عنه: "كفى بخشية الله علما، وكفى بالاغترار بالله جهلا".

وأهل العلم هم أكثر الناس خشوعا إذا سمعوا آيات الله تعالى تتلى (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) [الإسراء:109].


وكيف لا يكونون كذلك وقلوبهم مستودع الكتاب والسنة، ويعملون عقولهم في نصوصهما تدبرا وفهما واستنباطا (بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ) [العنكبوت:49]. ولمكانة أهل العلم عند الله تعالى فإنهم يشهدون يوم القيامة على الكفار والمنافقين (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللهِ إِلَى يَوْمِ البَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ البَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [الرُّوم:56].

والأمثال التي ضربها الله تعالى لعباده يدلهم بها على صحة ما أخبرهم به في كتابه ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لا يفهمها حق الفهم إلا أهل العلم (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ) [العنكبوت:43]. وفي القرآن بضعة وأربعون مثلا، وقد كان بعض السلف إذا مرَّ بمثل لا يفهمه يبكي ويقول: "لست من العالمين".


والخير كل الخير يناله أهل العلم بمقتضى قول الله تعالى (يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) [البقرة:269]. وبمقتضى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" رواه الشيخان من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.وفي لفظ للطبراني: "يا أيها الناس تعلموا إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين".

والمراد بالفقه هنا: معرفة ما يجب لله سبحانه وتعالى، وفهم الأحكام الشرعية ، ومعرفة الحلال والحرام ، والعمل بمقتضى العلم بذلك، قال ابن القيم رحمه الله تعالى : "وهذا يدل على أن من لم يفقهه في دينه لم يرد به خيرا، كما أن من أراد به خيرا فقهه في دينه".
ويكفي في فضل العلم أن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من شيء إلا الازدياد من العلم فأمره به (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه:114].

والعلم طريق يوصل إلى الجنة ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة" رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وأصحاب الأعمال الصالحة تنقطع أعمالهم بوفاتهم إلا من ورَّثَ علما ينتفع به، فإن علمه يجري عليه في قبره إلى قيام الساعة؛ كما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى بعد أن ذكر جملة من فضائل العلم والعلماء: "والأحاديث في هذا كثيرة ، وقد ذكرنا مائتي دليل على فضل العلم وأهله في كتاب مفرد ، فيا لها من مرتبة ما أعلاها ، ومنقبة ما أجلها وأسناها: أن يكون المرء في حياته مشغولا ببعض أشغاله، أو في قبره قد صار أشلاء متمزقة ، وأوصالا متفرقة، وصحف حسناته متزايدة يملي فيها الحسنات كل وقت، وأعمال الخير مهداة إليه من حيث لا يحتسب، تلك والله المكارم والغنائم، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وعليه يحسد الحاسدون، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وحقيق بمرتبة هذا شأنها أن تنفق نفائس الأنفاس عليها، ويسبق السابقون إليها، وتوفر عليها الأوقات، وتتوجه نحوها الطلبات، فنسأل الله الذي بيده مفاتيح كل خير أن يفتح علينا خزائن رحمته، ويجعلنا من أهل هذه الصفة بمنه وكرمه، وأصحاب هذه المرتبة يدعون عظماء في ملكوت السماء؛ كما قال بعض السلف:من علم وعمل وعلم فذلك يدعى عظيما في ملكوت السماء" انتهى كلامه.
أيها الإخوة: وفضائل العلم كثيرة ، ومزاياه عديدة ، لا يحيط بها كتاب ، ولا يحصيها مقام ، وكل البشر يحبون الانتساب إلى العلم وإن كان بعضهم ليس من أهله، وكل الناس يتبرؤون من الجهل وإن كان أكثرهم من أهله ، فنعوذ بالله من الجهل، ومن عمى البصائر، ونسأله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يرزقنا العمل بما علمنا، إنه سميع قريب مجيب.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق:1-5].


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة:282].


أيها المسلمون: إذا أطلق العلم في الكتاب أو السنة فالمراد به العلم الشرعي ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "وكل علم أطلق في القرآن أو في السنة فإنما يراد به علم الكتاب والسنة ...ثم نقل عن الطحاوي رحمه الله تعالى قوله: اسم العالم يُستحق بشيئين: بعلم الكتاب والسنة وشرائع الدين فهو العالم الفقيه ، والآخر بخشية الله تعالى قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ) [فاطر:28] فالمراد بالعالم: هو العالم الفقيه لأن آباط الإبل لا تضرب إلا في طلب العلم الذي هو الفقه، لا في طلب العلم الذي هو الخشية، فمن كان معه من الفقهاء من خشية الله تعالى ما ليس مع غيره منهم فهو في أرفع مراتب العلماء.

وقال الحافظ أيضا: والمراد بالعلم العلم الشرعي الذي يفيد معرفة ما يجب على المكلف من أمر دينه في عباداته ومعاملاته، والعلم بالله وصفاته وما يجب له من القيام بأمره وتنزيهه عن النقائص.اهـ

وعلوم الدنيا كالطب والهندسة والفلك وغيرها مما ينفع الناس، لصاحبها من الثواب والأجر بقدر نيته الصالحة في نفع الناس، والارتقاء بمجتمعه وأمته حتى لا تكون عالة على غيرها من الأمم، وهذه العلوم النافعة هي من فروض الكفايات التي يجب أن ينفر لها طائفة من المسلمين؛ ليغنوا مجتمعاتهم عن الحاجة إلى غيرهم، ومن نفر إليها مخلصا لله تعالى فهو مشارك في رفع الحرج عن عموم المسلمين، وله من الأجر بقدر نيته الصالحة.

أيها الإخوة: يجب أن يراجع كل مدرس ومدرسة وطالب وطالبة ، نواياهم تجاه بذل العلم وطلبه؛ إذ إن من أهم أسباب تأخر المسلمين في شتى العلوم ضعف الإخلاص في التعليم والتحصيل، وتقديم حظوظ الدنيا على حقوق الآخرة، وإلا فالمخلصون لله تعالى موفقون في كل أعمالهم، ويظهر إنتاج الواحد منهم كما لو كان أمة وحده.

لقد أدى إخلاص المعلم والمتعلم فيما مضى من تاريخنا إلى نهضة حضارية شاملة، تبع المسلمين فيها غيرُهم ، فكانت الطوائف الأخرى من يهود ونصارى وغيرهم يرون أن الشرف كل الشرف في أن يتقنوا اللغة العربية وآدابها وفنونها.. يبزون بذلك أقرانهم ، ويفاخرون به في مجتمعاتهم؛ وذلك إبان الحضارة الإسلامية في الأندلس، حتى كتب أحد المؤرخين القساوسة من الأوربيين يصف الأحوال آنذاك فمما كتب قوله: "كثيرون من أبناء ديني يقرؤون أشعار العرب وأساطيرهم، ويدرسون ما كتبه علماء الدين، لا ليخرجوا عن دينهم، وإنما ليتعلموا كيف يكتبون اللغة العربية مستخدمين الأساليب البلاغية. ثم يقول: أين نجد اليوم مسيحيا عاديا يقرأ النصوص المقدسة باللغة اللاتينية؟ من منكم يدرس اليوم الكتاب المقدس أو ما قاله الرسل؟ إن كل الشباب النابه منصرف الآن إلى تعلم اللغة والأدب العربيين، فهم يقرؤون ويدرسون بحماسة بالغة الكتب العربية، ويدفعون أموالهم في اقتناء المكتبات، ويتحدثون في كل مكان بأن الأدب العربي جدير بالدراسة والاهتمام، وإذا حدَّثهم أحد عن الكتب المسيحية أجابوه بلا اكتراث: بأن هذه الكتب تافهة ولا تستحق اهتمامهم، ثم يقول: يا للهول، نسي المسيحيون حتى لغتهم، ولن تجد بين الألف منهم واحدا يستطيع كتابة خطاب باللغة اللاتينية، بينما تجد بينهم عددا كبيرا لا يحصى يتكلم العربية بطلاقة، ويقرض الشعر أحسن من العرب أنفسهم" انتهى كلامه.

وذكرت مستشرقة ألمانية أن الأسقف والقاضي الأوربيين آنذاك يلبسان زيا عربيا، ويحملان اسمين عربيين، ويتلوان كغيرهما من النصارى الإنجيل بالعربية.

وليس يعنينا في هذا المقام التذكير بالأمجاد السالفة قدر أن نأخذ العبرة من التاريخ، وأن لا نفرط فيما خطه الأجداد بمداد من ذهب في صفحات التاريخ الأوربي، وما أحوج الناس في مشارق الأرض ومغاربها إلى الأخذ بأيديهم إلى حظيرة هذا الدين العظيم، ولا يتأتى ذلك إلا بالعلم والتعليم، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، ولا بصيرة بلا علم صحيح.
فاتقوا الله - أيها المسلمون - في أنفسكم وأولادكم وأمتكم، وتعلموا العلم النافع وعلموه، واغرسوا في نفوس أولادكم وطلابكم الإخلاص في العمل، والجد في الطلب، والابتعاد عن الملهيات التي فتكت بعقول الشباب، ودمرت كثيرا من أخلاقهم، وأوهنت عزائمهم، وأضعفت قوتهم عن تحمل المسؤوليات. عسى الله تعالى أن يصلح شباب المسلمين وفتياتهم، وأن يجعلهم قرة أعين لوالديهم ولمجتمعاتهم، إنه على كل شيء قدير.

وصلوا وسلموا على نبيكم...
🎤

*خطبة مكتوبه بعنوان:*

العلم والتعليم *ذم.الجهل.وأهله.tt* 2️⃣

للشيخ د / إبراهيم بن محمد الحقيل


عناصر الخطبة

1/نعمة العقل 2/ أعظم العلم وأعظم الجهل 3/ عواقب الجهل 4/ الغرب أجهل الناس بالدين 5/ زيادة الجهل بالبعد عن زمن الوحي 6/ خطر تهوين التغريبيين بالعلوم الشرعية في المدارس 7/ واجب الغيورين تجاه مناهج التعليم الشرعية .

اهداف الخطبة

بيان عواقب الجهل / التحذير من دعوات تقليل مناهج العلوم الشرعية في المدارس
عنوان فرعي أول
عندما يكون الجهل قاتلاً
عنوان فرعي ثاني
الجهل بالدين أم بالدنيا؟
عنوان فرعي ثالث
حماية مناهجنا الشرعية


🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبة الاولى:


الحمد لله (الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق:4-5]، نحمده على نعمه، ونشكره على آلائه ومننه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عظيم في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته (ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ) [الأنعام:103].

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ نقل الله تعالى به هذه الأمة الخاتمة من الجهل إلى العلم، ومن الضلال إلى الهدى، ومن دركات الشر إلى درجات الخير (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران:164]. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) [البقرة:48].

أيها الناس: من حكمة الله تعالى في خلقه أنه سبحانه لما خلقهم علمهم ما ينفعهم وما يضرهم، فكل مخلوق منهم يجلب لنفسه النفع، ويدفع عنها الضر؛ رحمة من الله تعالى بهم، وهداية منه عز وجل لهم، ولما قال فرعون في مناظرته لموسى عليه السلام (فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه:50].

وفضل سبحانه وتعالى البشر على سائر الحيوان بما وهبهم من العقول التي فتحت لهم مغاليق العلوم، وسُخرت لهم بها كنوز الأرض ودوابها (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء:70].

والبشر ما كان لهم أن يعلموا شيئا لولا أن الله تعالى ركب فيهم الأسماع والأبصار والأفئدة التي هي وسائل تحصيل العلوم والمعارف (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78].

وأعظم علم ينفع الإنسان في عاجله وآجله هو العلم بالله تعالى وبما يرضيه، وذلك بتعلم كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، والفقه فيهما؛ ليعبد ربه عز وجل على علم وبصيرة، ثم العلم بما يصلح للعبد دنياه؛ فإن الدنيا مطية الآخرة.

وأعظم الجهل وأشده وأشنعه الجهل بالله تعالى وبدينه الذي ارتضاه لعباده، ومن عطل عقله عن تحصيل ما ينفعه من العلوم الشرعية التي بها يقيم دينه، ويعبد ربه فهو من الجاهلين، ولو كان مبرزا في علوم الدنيا، والأمة التي ليس لها من علوم الشريعة أي حظ هي أمة جاهلة هالكة ولو اكتشفت الذرة، وشيدت العمران والحضارة، وصعدت إلى الفضاء حتى بلغت القمر؛ إذ إن أضر شيء على العباد أن يجهلوا ما ينفعهم وما يضرهم، وما يقربهم من الله تعالى وهو الإيمان به وطاعته، واتباع رسله؛ ولذلك امتدح الله تعالى العلم والعلماء، وذم الجهل وأهله، وأخبر أن أهل العلم وأهل الجهل لا يستويان أبدا (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ) [الزُّمر:9].

وكل حمد في القرآن والسنة للعلم والعلماء فإنه ينصرف إلى العلم الشرعي الذي يتوصل به إلى رضوان الله تعالى، وكل ذم في القرآن والسنة للجهل وأهله فهو منصرف إلى الجهل بدين الله تعالى.

وقد أخبر سبحانه وتعالى عن المشركين أنهم لا يؤمنون بالآيات البينات بسبب جهلهم (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ المَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ المَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) [الأنعام:111].
والجهل سبب للإعراض عن الحق ومحاربته، ومنابذة أهله بالعداء، وهو أكثر داء في أهل الباطل (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنبياء:24].

والجهل بالله تعالى وبدينه يؤدي إلى الشرك به؛ ولذا وصف به نوح وهود ولوط عليهم السلام أقوامهم لما رفضوا دعواتهم، وأصروا على شركهم ومعصيتهم لله تعالى، فقال نوح عليه السلام (وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ) [هود:29].

وقال هود عليه السلام لقومه (إِنَّمَا العِلْمُ عِنْدَ الله وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ) [الأحقاف:23]. وقال لوط عليه السلام لقومه (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [النمل:55].ولما طلبت بنو إسرائيل من موسى عليه السلام أن يجعل لهم مثل ما للمشركين من الأصنام أنكر موسى عليهم، وبين أن الحامل لهم على طلبهم هذا هو جهلهم بالله تعالى (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ البَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [الأعراف:138].

ومع أن أنبياء الله تعالى قد عصموا من الجهل؛ لكمال عقولهم بالوحي الرباني، ومعرفتهم بالله تعالى؛ فإن الله تعالى وعظهم أن يكونوا في عداد الجاهلين، وهم عليهم السلام قد تعوذوا بالله تعالى من الجهل، وما ذاك إلا هداية للبشر أن يقتفوا أثر الأنبياء عليهم السلام.

سأل نوح عليه السلام ربه عز وجل أن ينجي ابنه المشرك من الطوفان فكان وحي الله تعالى له (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ) [هود:46]، فقبل نوح عليه السلام موعظة الله تعالى له، واستعاذ به سبحانه من سلوك سبل أهل الجهل والضلال (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الخَاسِرِينَ) [هود:47]. وقال موسى عليه السلام (أَعُوذُ بِالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ) [البقرة:67].

ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام لما أعرض أهل الجهل والضلال عن دعوته، وطالبوه بالآيات ثم لم يؤمنوا بها، وشق ذلك عليه؛ وعظه ربه عز وجل، وبين له أن الهداية منه سبحانه وليست لأحد من خلقه، وحذره من الجهل، فقال سبحانه (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الجَاهِلِينَ) [الأنعام:35].

وأمره عز وجل بتبليغ الدعوة والإعراض عن أهل الضلال والجهل (خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ) [الأعراف:199].

وأهل العلم والهدى لا يطاولون أهل الجهل في جهالاتهم، ولا يشاركونهم في مرائهم ومجادلاتهم، ولا يُجترون إلى معاركهم وخصوماتهم، وهي معارك جانبية تَشْغَلُ عن المعارك الكبرى للأمة، وغالب أهدافها الانتصار للنفس فحسب؛ وأهل العلم لا يجارون أهل السفه والجهل في ذلك؛ لأن همتهم أعلى من مجرد انتصارهم لأنفسهم، وإثبات ذواتهم؛ ولأنهم يعلمون أن أهل الجهل بجهالاتهم ومجادلاتهم إنما يستنزفون جهدهم، ويضيعون أوقاتهم فيما لا طائل منه، فيعرضون عنهم لاشتغالهم بما هو أهم وأعلى، وقد امتدح الله تعالى هذا الأسلوب منهم في التعامل مع الجاهلين (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الجَاهِلِينَ) [القصص:55] وجعل من صفات المؤمنين المفلحين تجنب مجادلة أهل الجهل (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) [المؤمنون:3] وفي آية أخرى (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان:63].

ومن حال جهله بينه وبين بلوغ الحق وهو دين الله تعالى الذي ارتضاه لعباده فقد عطل ما وهبه الله تعالى من وسائل تحصيل العلم والمعرفة؛ ولذا وصف الله تعالى من هذه حالهم بالعمى والصمم ونفى عنهم صفة العقل؛ لأنهم لم يعقلوا الحق ولم يبصروه ولم يسمعوه، فهم شر الخليقة عند الله تعالى، والآيات القرآنية الواردة في ذلك لا يتسع مقام كهذا لعرضها كلها، ففي سورة البقرة (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [البقرة:171] وفي المائدة (وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا
يَعْقِلُونَ) [المائدة:103]

وفي الأنعام (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الأنعام:39] وفي الأنفال (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ الله الصُّمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) [الأنفال:22] وفي يونس (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) [يونس:100] وفي الحج (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج:46].

ولأنهم عطلوا ما رزقهم الله تعالى من وسائل تحصيل العلوم فكفروا به سبحانه وقد كان أولى بهم أن يعرفوا ربهم فلا يجحدوه، ويوحدوه فلا يكفروه؛ فإنه عز وجل قد حكم عليهم بأنهم شر خلقه (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ البَرِيَّةِ) [البيِّنة:6].

وقَدْرُهم في دين الله تعالى أقل من قدر الأنعام لتي لا تعقل (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ) [الأعراف:179] وفي آية أخرى (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان:44].

فحري بكل مؤمن أن يدرك قدر نعمة العلم بالله تعالى، والإيمان به، وأن يشكر الله تعالى على ذلك ويسأله الثبات، فكم من البشر قد أعرضوا عن الحق جهلا أو استكبارا!! (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات:17].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أيها المسلمون: كثير من الناس في هذا العصر قد فتنوا بحضارة الغرب، وما قدمته للبشرية من إنجازات عظيمة في أنواع العلوم والمعارف الدنيوية حتى سموها حضارة النور والعلم والمعرفة، ووسموا دولها بدول العالم الأول، ووصموا غيرها بالدول النامية ودول العالم الثالث، والدول الجاهلة والمتخلفة، واستقرت هذه التسميات في عقول الناس، وسلموا بها للغربيين.

ولئن صح ذلك في علوم الدنيا فلا يصح في علوم الدين التي نفعها أعظم من نفع علوم الدنيا وأبقى، وهي التي يجب أن تقدم عليها في التصنيف والتفضيل، فما قيمة علوم الدنيا مهما بلغت مع الجهل بالله تعالى وبدينه الحنيف، وبالدار الآخرة، والله تعالى يقول في شأن الدنيا والآخرة (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [القصص:60] وفي آية أخرى (وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الأعلى:17].

ولا يحل لمسلم أن يُسلم للحضارة الغربية بهذه الأوصاف المطلقة من النور والعلم والمعرفة ونحو ذلك، بل لا بد أن تقيد هذه الأوصاف فيهم بعلوم الدنيا؛ لأن حضارة الغرب وإن أبدعت في علوم الدنيا فإنها جهلت علوم الدين، وهي من شر الأمم انحطاطا في هذا الجانب، ومن أشدها كفرا بالله تعالى، وما زادتهم علومهم الدنيوية إلا استكبارا عن قبول الحق، واستنكافا عن العبودية لله تعالى، واتباع رسله، وتصديق كتبه، ويصدق فيهم قول الله تعالى (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الرُّوم:7].

والعلم بالوحي الرباني المتضمن للعلم بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر هو العلم الحقيقي، وهو الروح للإنسان كما قال الله تعالى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشُّورى:52].

ومن جهل به فهو ميت وإن كان في الأحياء (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:122].
وكلما بعد الناس عن زمن الوحي قل فيهم العلم، وزاد فيهم الجهل كما دلت على ذلك الأحاديث:
فعن ابن مسعود وَأَبِي مُوسَى رضي الله عنهما قَالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ بين يَدَيْ السَّاعَةِ لأيَّامًا يَنْزِلُ فيها الْجَهْلُ وَيُرْفَعُ فيها الْعِلْمُ وَيَكْثُرُ فيها الْهَرْجُ وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ" متفق عليه.

وانتشار الجهل بدين الله تعالى من أشراط الساعة المؤذنة بقرب قيامها؛ كما في حديث أَنَسِ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ من أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَظْهَرَ الزِّنَا" متفق عليه. وفي لفظ للبخاري "إِنَّ من أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ وَيَكْثُرَ الزِّنَا وَيَكْثُرَ شُرْبُ الْخَمْرِ"

أيها الإخوة: وفي زمننا هذا كثر إلحاح كثير من الصحفيين ومن يسمون أنفسهم بالمفكرين على التهوين من شأن العلوم الدينية، ويطالبون بتقليصها في مناهج التعليم، ودمج بعضها في بعض، مع مطالبتهم بتوسيع العلوم الدنيوية على حسابها؛ زاعمين أن ذلك سبيل التقدم والازدهار.

يقولون ذلك وهم يرون كثيرا من الدول العربية والإسلامية التي أقصت التعليم الديني، وقضت على مدارسه وجامعاته ومنهاجه منذ عقود ترسف في الفقر والتخلف والانحطاط والتبعية، وما نفعها شيئا القضاء على مؤسسات التعليم الديني ومناهجه، بل أضر بشعوبها ضررا بالغا؛ فلا أصلحوا للناس دنياهم، ولا أبقوا لهم دينهم.

ولذا فإنه يجب على الغيورين أن يقفوا أمام محاولات المنافقين والتغريبيين العبثية التخريبية التي تستهدف عقول أولادنا، ومدارسنا وجامعاتنا، ومناهج تعليمنا، وتحاول طمس أنوار العلوم الشرعية منها، ومسخها لتكون كالعقول الغربية في تمردها على الله تعالى وعلى أنبيائه وشرائعه.

إننا ما رأينا هؤلاء المنحرفين عن شريعة الله تعالى يجيدون شيئا سوى الثرثرة في فضائياتهم وصحفهم، فلم يصنعوا للأمة مجدا، ولم يعيدوا لها حقا، ولم يخترعوا شيئا، ولم يسهموا في رقي الأمة وتقدمها، بل هم سبب رئيس في تخلفها وتقهقرها بدعواتهم المشبوهة لنبذ الدين، ومطالباتهم المكرورة بالتبعية للغرب، والانصهار في مناهجه المحرفة لتفقد الأمة ما ميزها الله تعالى به من هذا الدين العظيم (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ) [التوبة:33].

وصلوا وسلموا على نبيكم...
🎤

*خطبة مكتوبه بعنوان:*

العلم والتعليم *العلماء.الربانيون.أمان.للأمة.tt* 3️⃣

للشيخ د / إبراهيم بن محمد الحقيل


عناصر الخطبة

1/الأسباب الشرعية والقدرية لحفظ الدين 2/حفظ الأمة بالعلماء الربانيين 3/ من العلماء الذين حفظ الله بهم الأمة 4/ أهمية توحيد كلمة العلماء والسلاطين 5/ عظم المصيبة بموت العلماء الربانيين .

اهداف الخطبة

بيان فضل العلماء الربانيين / بيان أن العلماء الربانيين حفظ للأمة / ذكر نماذج للعلماء الربانيين .
عنوان فرعي أول
العلماء وسفينة الأمة
عنوان فرعي ثاني
رجال أفذاذ
عنوان فرعي ثالث
إذا ما مات ذو علم وتقوى

🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبة الاولى:


الحمد لله رب العالمين؛ فضَّل هذه الأمة على سائر الأمم، وجعلها شاهدة لأنبيائهم عليهم (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة: 143] نحمده على ما هدانا، ونشكره على ما أعطانا، ونستغفره لخطايانا؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ الخير بيديه، والشر ليس إليه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أخرجنا الله تعالى به من الضلال إلى الهدى، ومن الجهل إلى العلم (رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ الله مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) [الطَّلاق:11] صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واتبعوا ما أَنزل من الهدى، واحذروا مضلات الفتن واتباع الهوى؛ فإن الفتن تعمي عن السنن، وإن الهوى يهوي بأهله في نار جهنم (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الكَافِرِينَ) [آل عمران:31-32].

أيها الناس: اختار الله تعالى دينَ الإسلام مهيمنا على كل الأديان والشرائع، واختار سبحانه رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام خاتما للرسالات والنبوات، واختار القرآن كتابا لأهل الحق والهدى يبقى إلى آخر الزمان؛ فلا دينَ بعد الإسلام، ولا نبيَ بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا كتابَ بعد القرآن.

وقد قضى الله تعالى بحفظ دين الإسلام وكتابه القرآن من التحريف والتبديل والضياع (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9]. وجعل سبحانه وتعالى لهذا الحفظ أسبابا قدرية وأسبابا شرعية:

فمن الأسباب الشرعية: تحذيرُ المسلمين من الابتداع في الدين، ونهيهم عن التشبه بالكافرين؛ لأن الابتداع والتشبه يُدخلان في الدين ما ليس منه، وإذا أُدخل فيه ما ليس منه، خرج ما هو منه، فحصل التحريف والتبديل.

ومن الأسباب القدرية: أن الله تعالى جعل في كل زمان للحق أنصارا يذودون عن الدين، ويحفظونه من جهل الجاهلين، وينفون عنه تحريف المحرفين، ويصبرون في سبيل ذلك على أذى المؤذين، وظلم الظالمين؛ كما في حديث مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قال: سمعت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ الهَ لَا يَضُرُّهُمْ من خَذَلَهُمْ أو خَالَفَهُمْ حتى يَأْتِيَ أَمْرُ الله وَهُمْ ظَاهِرُونَ على الناس"
وفي رواية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تَزَالُ عِصَابَةٌ من الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ على الْحَقِّ ظَاهِرِينَ على من نَاوَأَهُمْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" رواه الشيخان.

ومن نظر في تاريخ المسلمين منذ وفاة النبي عليه الصلاة والسلام استبان له أن على رأسِ هذه الطائفة المنصورة العلماءَ الربانيين، فهم الذين يبلغون الحق خلفا عن سلف، وهم الذين يدرءون عن الدين شبهات المضلين، وهم الذين يُقوِّمون اعوجاج الأمة إذا اعوجت، ويتصدون للفساد والمفسدين، وينصحون العامة والخاصة، فيأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويصدعون بالحق لا يخافون في الله تعالى لومة لائم. وفي حال المحن والفتن واختلاط الأمر يؤوب الناس إليهم لاستجلاء الأمر، واتخاذ المواقف المناسبة.

لقد حفظ الله تعالى الأمة من الانحراف والضياع بالعلماء الربانيين، وبهم حفظ دينه، ولقد كان الصديق أبو بكر رضي الله عنه أعلم الصحابة بملازمته للنبي عليه الصلاة والسلام، وبعلمه وثباته حفظ الله تعالى الأمة بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام حين صُدم الناس بوفاته، ثم حفظ به الأمة مرة أخرى لما ارتد المرتدون، فثبت ثباتا عظيما قُضي بسببه على المرتدين، وسلمت به الأمة من الفتنة في أول عهدها.

ولما حاول بعض الزنادقة والمنافقين الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعوا أحاديث لم يقلها انبرى لهم علماء الحديث والرجال فبينوا الصحيح من السقيم، وميزوا الأصيل من الدخيل، وبهم حفظ الله تعالى سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
2024/09/21 18:07:52
Back to Top
HTML Embed Code: