Telegram Web Link
التعليم وتفعيل الجانب السلوكي والتربوي فالتعليم في الأساس تعديل السلوك فإذا لم يحدث ذلك فلم يحقق أهدافه ، ولا بد من التعاون بين البيت والمدرسة والمسجد ووسائل الإعلام حتى تؤدي التربية ثمرتها المرجوة ، ومن هنا نؤكد على واجب جيشنا وأمننا وقبائلنا المجاهدة في القيام بواجبها في حماية العلم والمعرفة والدين والوطن وهو ما يضحي الجميع من أجله ، ومن الأمور التي ينبغي أن نذكر بها المتضررين من السيول في مخيمات النازحين فكم من بيوت تهدمت وخرجت العوائل إلى العراء لا تملك شيئا وقد فقدت كل ضروراتها من الأثاث المنزلي وغيره ، وهي مأساة تذكر بعظم الجريمة التي ارتكبتها مليشيات الإجرام الحوثية بتشريد الملايين من بيوتهم ومساكنهم ونهب أوالهم واضطرتهم إلى مثل هذه المخيمات بما فيها من المخاطر ، وتذكرنا جميعا بأن علينا واجب التكافل والتعاون والتراحم فهي سمة المجتمع المؤمن وأنتم منهم إن شاء الله ففي الحديث عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ شَيْءٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى " رواه مسلم ، ويوجب علينا كذلك جمع الكلمة ووحدة الصف أمام المخاطر التي تكتنف البلد من أعداء الإسلام الحوثيين وغيرهم من أعداء الوطن الذين يشعلون الفتن ، وأن نكون جميعا عونا لجيشنا وأمننا وقبائلنا مجاهدين معهم بالمال والنفس ثم الدعاء والدعوة إلى حملة الجهاد بالمال وأقم الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 28 محرم 1444هـ الموافق 27 أغسطس 2022م
الخطبة الأولى : الحمد لله رب العالمين القائل (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بصير ) وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه تكفل له ربه بالحماية بقوله (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والسائرين على طريقته إلى يوم الدين ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته والبعد عن معصيته والجهاد في سبيله والانتصار لدينه والاعتماد عليه والاستناد إلى قوته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) ، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) ، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ) ، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ) جعلني الله وإياكم من المتقين الفائزين...أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام أقف بحضراتكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه إلى الهجرة يدخل غار ثور يختبئ فيه والمشركون يطاردونه بغية أن يحظوا بجائزة قريش التي رصدتها لمن يأتي بمحمد وصاحبه مائة من الإبل عن كل رأس منهما ، إنها جائزة كبرى سال لها لعاب فرسان قريش وشبابها فخرجوا يجوبون الأرض مشرقا ومغربا وشمالا وجنوبا يقصون الأثر في كل الطرقات ، وبالفعل وصل المطاردون إلى باب الغار الذي يختبئ فيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مع صاحبه ، استقر في قناعة المطاردين بأن محمدا وصل إلى باب الغار ولم يبرح من ذلك المكان فإما ابتلعته الأرض وإما ارتفع إلى السماء ، هذا ما قاله المطاردون بلسان الحال والمقال ، لكنه لم يحصل شيء من ذلك وإنما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفظ الله وفي رعايته ومعيته وحراسته ولذلك أخذ بأبصارهم فلم يشاهدوه وهو أمام أعينهم ، يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو في أشد الخوف والحزن على رسول الله يخشى أن يراه المشاركون فيقتلونه ويطفؤون نور الله ويقضون على حامل راية الدعوة والجهاد ، ويطمسون معالم الدين ، يقول له همسا يا رسول الله والله لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا فيقول له الحبيب المصطفى : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما لا تحزن إن الله معنا .
إنه درس نتعلم منه أيها المؤمنون أن نكون على ثقة بربنا وديننا وأن الله تعالى مع عباده المؤمنين ومع جنده المجاهدين ومع الدعاة المصلحين ينصرهم ويحميهم ويدفع عنهم الأخطار لا سيما في أوقات الشدة والمحنة عندما نشاهد أعداء الله وأعداء دينه وأعداء اليمن يتفرعنون علينا ويحاولون أن يستأثروا بخيراتنا وثرواتنا ويمزقوا وحدتنا ويستهدفوا ديننا وقيمنا وأمننا واستقرارنا وجيشنا وقبائلنا ، نؤمن بأن الله لا شك ناصر دينه ومعز أولياءه ومذل أعداءه ، وهذا أيها الكرام لا يعني أن الأمة معفو عنها من عمل الأسباب ، لا بل يجب أن تستنفر كل الطاقات والجهود والقدرات ، ولذلك ما ذا كانت النتيجة لتلك المؤامرة الكبرى من قبل قريش والتي استهدفت القضاء على رسول الله وعلى دينه ودعوته وعلى أصحابه وأتباعه ؟ وبعد أن استنفر كل الأسباب تدخلت القدرة الإلهية لنصرته قال الله (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى
وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ( وقد تكررت هذه الحقيقة عبر التاريخ وستتكرر اليوم إن شاء الله وسيعود أعداء الدين والوطن خائبين خاسرين مكسورين مهزومين وستعلو كلمة الحق بإذن الله ولو كره الكافرون والمجرمون والحاقدون (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
إخوة الإسلام لقد كانت الثقة بحماية الله ورعايته وحفظ الله ومعية الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولدينه تلازمه في أشد المواقف خطورة ، يتبعه سراقة بن مالك حتى يشاهده مع أبي بكر وهما يسيران في الطريق بغير حماية إلا حماية الله وكفى بها فيسيل لعابه فيسرع ليقبض عليهما فتسيخ قوائم فرسه في الأرض فيطلب الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيؤمنه فتنزع قوائم فرسه من الأرض مصحوبة بالدخان إنذارا له ، ثم تحدثه نفسه مرة أخرى باللحاق برسول الله وصاحبه فيحصل له ما حصل في المرة السابقة وهكذا يتكرر المشهد ثلاث مرات فيعلم سراقة أنه ممنوع من رسول الله فيطلب الأمان فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى ؟ فيقول متعجبا كسرى بن هرمز فيقول : كسرى بن هرمز ، وهو مطارد يبشر بالنصر لهذا الدين ولحملته والتمكين له في العالمين وهكذا يجب أن نكون .
نعم إخوة الإسلام تحاصر المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية الناشئة يوم الأحزاب لشهر كامل ويتجمع أعداء الإسلام من قريش وحلفائها ضد المسلمين ويساندهم اليهود والمنافقون من الداخل ويظنونها القاضية على الدين والدعوة والدولة فيزداد شعور المسلمين ويقينهم بقرب الفرج ويبشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بفتح فارس والروم وصنعاء فتكون الهزيمة للعدو لا بقدرة الجيش ولكن بقدرة الله القائل (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ، وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ، وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ) ، نعم أيها المؤمنون لا تحزنوا وجاهدوا وقاوموا واثبتوا والله معكم ولن يتركم أعمالكم (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) .
ولا تهنوا وتضعفوا وتستكينوا أمام أعدائكم الطامعين واجمعوا كلمتكم ووحدوا صفوفكم فالنصر لكم فأنتم أصحاب الحق وصدق الله (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) فالله جل جلاله لا يحب الظالمين ولا يحب المعتدين ولا يحب الفساد ولا المفسدين ولا يحب الخائنين ولا يحب المستكبرين والمتكبرين والمتفرعنين بل يغضب عليهم وينزل بهم عقوبته في الدنيا والآخرة ، ولكنه يحب الصابرين والصادقين والمتوكلين والمحسنين والمجاهدين الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ، فكونوا كذلك يحببكم الله ومن أحبه الله دافع عنه بقوته وقدرته وهو القائل (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) ، وأعلن الحرب على أعدائه ففي الحديث القدسي كما في الصحيحين(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ) أي أعلمته أنني محارب له ، ومن حاربه الله فهو مهزوم فأبشروا فمصير أعدائكم إلى زوال وخسارة ووبال ، وتقربوا إلى الله بمزيد من الطاعة والإيمان والتقوى لتحظوا بمعيته وحمايته فالله يقول (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) وبمزيد من الصبر والمصابرة والمرابطة وطول النفس فالله يقول (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام لما التقى أصحاب طالوت وهم قلة في العدد والعدة بجيش جالوت الجرار بكثرة عدده وعدته لم يضعفوا بل اعتصموا بالله وأيقنوا بالنصر ودعوا الله أن يفيض عليهم مزيدا من الصبر والثبات فانتصروا قال تعالى (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً
بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ، وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ، فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ) وأنتم يا أبناء اليمن ستهزمون كل المعتدين والحاقدين والطامعين والخائنين بإذن الله وسيندم هؤلاء جميعا في الدنيا قبل الآخرة قال تعالى (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) ، أحسنوا الظن بربكم وكونوا على يقين أنه معكم ومن كان الله معه لا يخيب ففي الحديث القدسي الذي رواه البخاري في صحيحه : (يقول الله تعلى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي)
وعندما أرسل الله نبيه موسى وأخاه هارون إلى فرعون أكبر طاغية من طغاة الأرض ولديه أعظم قوة مادية وبشرية خافا من بطشه وجبروته فتوجها إلى الملك القادر سبحانه قائلين (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى ، قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) ونصرهم الله وهم في أضعف حال لا يملكون قوة ولا منعه وقد خرج فرعون بجنوده وأمنه وجيشه ورجال دولته يريد البطش بالمؤمنين ونشر ضدهم دعايات تضليلية كثيرة واتهمهم بما ليس فيهم وهم أطهر الناس (فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ، قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) وفعلا جعل الله له ولقومه مخرجا فأهلك فرعون وهو في أعلى عنجهيته وقوته وكبريائه ونصر موسى وقومه وهم في أضعف حال ، وأوثهم الارض ومكن لهم قال تعالى (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) وتلك سنة الله وإرادته الماضية على الدوام قال تعالى (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) ، وقال (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ، ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ ،كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) ، وفي القسم بالفجر في بداية سورة الفجر دليل على قرب الفجر والفرج لهذه الأمة المقهورة المظلومة وهو القائل سبحانه (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) فأبشروا وبشروا واثبتوا وتمثلوا حال أولئك الأبرار الذين تجمع عليهم الأعداء وكثر التخويف والإرجاف فثبتوا وتوكلوا على الوكيل سبحانه فكانت العاقبة لهم (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ، إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)) ثم الدعاء والدعوة إلى الجهاد بالمال وأقم الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 6 صفر 1444هـ الموافق 2 سبتمبر 2022م
الخطبة الأولى : الحمد لله المتفرد بالخلق والتدبير الواحد في الحكم والتقدير الملك الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته والبعد عن معصيته والجهاد في سبيله والدفاع عن الدين والأرض والعرض (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما بعد فيا أيها المؤمنون الأبرار إن الأمانة بمعناها الشامل هي أصل التكليف الذي عرضه الله على السماوات والأرض فأبت وأشفقت وحمله الإنسان قال تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) وهي بهذا المعنى شاملة لكل ما يجب على الإنسان من التكاليف والالتزامات والحقوق والواجبات نحو ربه ونفسه وأسرته ومجتمعه وفي كل مجالات الحياة ، وإن من الكبائر ضياع الأمانات والإخلال بها إذ هي علامة من علامات النهاية لهذه الحياة ومظهر من مظاهر اختلالها فإذا ضيعت الأمانة ذهب مبرر بقاء الكون وفائدة وجود الإنسان وفي لحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» رواه البخاري ، وضياع الأمانة هي الخيانة التي حذرنا الله منها وجعلها كبيرة من الكبائر وعظيمة من العظائم فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ ، والخيانة ليست من صفات المؤمنين بل من سمات الكفار أو المنافقين أصحاب القلوب المريضة والسقيمة قال تعالى( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) وقال (إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) فربط بين الخيانة والكفر ، وفي الحديث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آيَة المنافق ثلاثٌ: إذا حدَّث كذب، وإذا وعَد أخلَف، وإذا اؤتمن خان)؛ رواه البخاري ومسلم ، لذلك لا يسكن الإيمان قلب سكنته الخيانة ، وكثيرا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر هذا المعنى لأصحابه ففي مسند أحمد بسند حسن عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا قَالَ : " لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ) لذلك يجب أن تكون حساسية المؤمن تجاه مواقف الخيانة والغدر عالية مهما كانت صغيرة ، وكان عليه الصلاة والسلام يتعوذ بالله من الخيانة فيقول: (اللهمَّ إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنَّه بئس الضَّجيع، ومن الخيانة؛ فإنَّها بئست البطانة)؛ أخرجه النسائي عن أبي هريرة
والخيانة أيها المؤمنون صورها ومظاهرها وأنواعها كثيرة وبعضها أقبح من بعض كما قال الذهبي رحمه الله ، فبحسب مجالاتها وسعة أضرارها ودوام آثارها يكون إثم صاحبها ، فأعظم الخيانات خيانة الله ورسولِه ودينه بتعدِّي الحدود، وتعطيلِ الفرائض، وانتهاك الحرمات ومحاربة الفضيلة ونشر الظلم والاستبداد والفساد والتخلف عن الجهاد والتضحية ، ثم خيانة الوطن والأمة والشعب بموالاة أعداء الدين والوطن ومداهنتهم ، والميل والركون إليهم وتمكينهم من احتلال الأوطان ونهب الثروات والسيطرة على الإمكانات وكبت الحريات وانتهاك الحرمات والتضحية بأبناء الوطن في الدفاع عن المحتل الغازي والغاصب الحاقد وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك حيث قال عن المدينة باعتبارها وطن الإسلام والمسلمين وعاصمة الدولة ورمز السيادة عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن المدينة : (مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ) رواه البخاري ثم الخيانة للعلم بإخفاء توجيهاته وإظهار أحكامه في وقت الحاجة مهما كانت المخاطر المترتبة على ذلك فأفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر
وغيرها من صور وأنواع الأمانات .
ولقد شن الإسلام حملة على الخائنين فنهى الله نبيه أن يدافع عن الخائنين في قصة مشهورة يذكرها المفسرون عند تفسير قوله تعالى "إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا. وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رحيما ) وإذا كان ذلك في حق النبي صلى الله عليه وسلم وي قضية مالية وفردية فما ذا يقول الدين فيمن تتعدى خياناته إلى الإضرار بشعبه وبأمته وبدينه وبالحاضر والمستقبل ؟ لا شك بأن ذلك أشنع وأقبح .
 نعم يا أيها المؤمنون إن الخائن شخص باع دينه ووطنه وكرامته وشرفه لعدوه وعدو دينه ووأمته مقابل الدرهم والريال والدينار والدولار ورغبة في الزعامة والسلطة والكرسي والنفوذ ، فمزق الأواصر الأخوية ، وقطع الأرحام وداس على القيم، ونقض العهود، وحنث في الأيمان وفجر في الخصومة فأزهق النفوس ونهب الأموال وانتهك الأعراض ونكث بالمواثيق والاتفاقات واجترأ على حدود الله، وقطع ما أمر الله به أن يوصل وأفسد في الأرض فاستحق لعنة الله قال تعالى (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) ، وقال عن بني إسرائيل (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
إنَّ الخونة والغدارين وناقضي العهود وبائعي الأديان والأوطان والمقدسات موجودون في كلِّ الأمم في وقت السلم والحرب وفي كل زمان ومكان بل لم يَسلم منهم أفضَل زمان كان قائد الأمة فيه ومعلمها هو أفضل الخلق وسيد البشر ونجم هذا الوجود محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام فكيف بمن بعده؟!والتاريخ مليء بنماذج الخيانة والخائنين على مرِّ العصور، وجسَد الأمَّة الإسلاميَّة شاهد بأفعال الخائنين وليس به موضع إصبع إلَّا وتحته أثر لخيانة خائن ، تارة من أعدائها التقليديين المعروفين ، وتارات - وهو أنكى وأشد ألمًا - من بني جلدتها الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا خنجرا مسموما بيد العدو يطعن به في قلب الأمة ؛ وذلك لأنَّ أعداء هذه الأمة عندما يَيأسون من القضاء عليها بسلاحهم المباشر يلجؤون إلى زراعة الأورَام السرَطانية الخبيثة ، التي تنهك هذا الجسَد وتصيبه بالعجز والشلل ؛ والتاريخ يسجل ويثبت بأن رسول صلى الله عليه وسلم سَمَّته يهود وهم شركاؤه في الوطن ومع هذا خانوا وطنهم ، وعمر الفاروق رضي الله عنه قتلَه أبو لؤلؤة المجوسي والذي تظاهر بأنه صاحب حرفة وصنعة ينفع بها المجتمع ولكنه كان يضمر الخيانة والغدر ، وعثمان بن عفان قتلَتْه أيادي ابن سبأ اليهودي ، وفي بئر معونة قُتِلَ سبعون من خيار الصحابة خيانة وغدرا ، وأبورغال الخائن لدينه ووطنه ومقدسات أمته لا تزال اللعنة تطاره وتلاحقه إلى يوم القيامة ، والعرب ترجم قبره وهو مثل سوء إلى يومنا هذا فاحذروا أيها المؤمنون وحذروا من الخونة والخائنين فأبلغ عتاب يمكن أن نتعظ به ما قاله الله تعالى لرسوله ولكل من يدافع عن الخونة كما في قول الله (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً ، وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً ، وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً ، يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ، ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا) فلا تجادلوا ولا تدافعوا ولا تناصروا محدثا أو خائنا أو غدارا فمن فعل ذلك فقد خان الله ورسوله والمؤمنين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ولا فرضا ولا نفلا حتى يدخله جهنم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد أيها المؤمنون الكرام :
الخيانة خزي وعار وفضيحة وشنار وعذاب ونار في الدنيا وفي دار القرار ، والخائن يسقط ويهان ويحتقر مرات ومرات ، مرة أمام نفسه وضميره ، ومرة أمام قومه ومجتمعه ، ومرة أمام العالم كله ومرة أمام من خان دينه ووطنه لأجلهم ،.. والتاريخ يحدثنا عن أحد الخونة لدينه ووطنه وأمته وهو المشهور بابن العلقمي فمن هو ابْنُ العَلْقَمِيِّ ؟ وما قصته ؟ ابن العلقمي أيها الكرام اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى الخِيَانَةِ وَالغَدْرِ ... اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى سُقُوْطِ الدَّولَةِ العَبَّاسِيَّةِ ... اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى مُوَالاَةِ الكُفَّارِ إنه الشيعي الرافضي الحاقد أبو طالب محمّد بن أحمد بن علي مؤيّد الدين الوزير وكان وزيرًا للخليفة العباسي المستعصِم بالله محمد الظاهر، وكان لابن له الدَّور الكبير في دخول التتار إلى بغداد، وسقوط الخلافة العباسية فيها. آن ذاك ، فكيف كان ذلك ؟ كتَب ابن العلقمي إلى هولاكو قائد التَّتار أنَّه على استِعداد أن يُسلِّمه بغداد إذا قام بالهجوم عليها، فكتب هولاكو لابن العلقمي: "إنَّ عساكر بغداد كثيرة؛ -أي من المسلمين - فإن كنت صادقًا فيما قلتَ لنا وداخلًا تحت طاعتنا، ففرِّق العسكر"، فلمَّا وصَل الكتاب إلى ابن العلقمي، أخذ يتحايَل على المستعصم ويقنعه بعدَم جدوى هذه الأعداد الكبيرة من الجنود؛ حيث إنَّ التتار قد رجعوا إلى بلادهم، ولا حاجة لتكليف الدولة كلفة هؤلاء الجند، فاستجاب الخليفةُ لرأيه، وبالفعل تمَّ تسريح أعداد غَفيرة من أفضل عناصر الجيش، يقول المؤرِّخون: إنَّ ما تمَّ تسريحه يقارب مائتي ألف فارس ومقاتل ، ولما أتمَّ حيلتَه، كتب إلى هولاكو بما فعل، فركب هولاكو وقدِم بجيشه إلى بغداد، وأثناء المعركة أرسل ابن العلقمي جماعةً من أنصاره، فحبسوا مياهَ دجلة؛ حتى تعوق تفوُّق جيش بغداد، وبالفعل انتصر التَّتار، وقَتَلوا الخليفةَ وابنه، وأفسدوا في البلاد أشدَّ الفساد، ثم دعا هولاكو بابن العلقمي ليكافئه، فحضر بين يديه، فوبَّخه على خيانَته لسيِّده الذي وثِق به، ثم قال: "لو أعطيناك كلَّ ما نملِك، ما نرجو منك خيرًا، فما نرى إلا قتلَك"، وقتله بالفعل. وهكذا مصير الخونة ، ومثل ما فعل هولاكوا بابن العلقمي فعل الحوثيون بكثير ممن خانوا دينهم ووطنهم وسلموا للحوثي الوطن والمواطن والثروات والسلاح والذخيرة وهذه هي طبيعة الطامعين ومصير الخونة والبائعين
وأكبر فضيحة للخائنين ستكون في يوم لم يعملوا حسابه إنه يوم الحشر وأمام الله وأمام الخلائق أجمعين ففي الحديث عن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكلِّ غادرٍ لواء عند استِه يوم القيامة)، وفي رواية: (لكلِّ غادر لواءٌ يوم القيامة، يُرفع له بقدر غدرته، ألَا ولا غادر أعظم غدرًا من أمير عامَّة) رواه مسلم
إن الخائن أيها المؤمنون مكروه منبوذ مرفوض مبعد ملعون عند الله وعند خلقه فالله لا يحب الخائنين قال تعالى ( وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) ، وقال (إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) ، (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً) وهذه هي المكانة الطبيعية للخونة فهم جسم غريب لا يجوز أن يقبل ولا أن يجد لنفسه مكانا ومعينا ولا نصيرا ولا ظهيرا بين أمتنا وشعبنا الصابر المجاهد
يجب أن ينبذ المجتمع المسلم كل  خائن ويشعره بأنه كائن غير مرغوب فيه ، بل يجب أن يرفع المجتمع الغطاء عن الخائن فلا يناصره ولا يدافع عنه ولا يدعمه ولا يعجب بقوله أحد حتى يشعر الخائن أنه منبوذ محتقر حيث لا عصبية تمنعه ولا قبيلة تقر فعلته ولا حزب يدافع عنه ولا أحد يناصره ولا يدافع عنه ، وعلى ذلك نجمع كلمتنا ونوحد صفنا ونحزم أمرنا ونغلق الأبواب أمام العابثين والحاقدين والطامعين موقنين بأن الله لا شك ناصر دينه معز أولياءه ، وأن الخائنين سيعودون بالخيبة والخسارة والبوار فالله (لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) ، (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ، (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) ثم الدعاء والدعوة إلى الجهاد بالمال وأقم الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 13 صفر 1443هـ الموافق 9 سبتمبر2022م
الخطبة الأولى : ﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﺰﻝ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻫﺪﻯ ﻟﻠﻤﺘﻘﻴﻦ ، ﻭﺭﺣﻤﺔ ﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ، ﻭﻧﺒﺮﺍﺳﺎً ﻟﻠﻤﻬﺘﺪﻳﻦ، ﻭﺷﻔﺎﺀً ﻟﻤﺎ ﻓﻲ ﺻﺪﻭﺭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ، ﺃﺣﻤﺪﻩ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺁﻻ‌ﺋﻪ، ﻭﺃﺷﻜﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﻧﻌﻤﺎﺋﻪ، ﻓﺎﻃﺮِ ﺍﻟﺴﻤﻮﺍﺕ والأرضين ، من اعتصم به حماه ومن توكل عليه كفاه ومن استعاذ بجنابه نجاه وآواه ، وأشهد ألا إله إلا اﻟﻠﻪ وحده لا شريك له وسع كل شيئ علما ، ﻭﺃﺣﺼﻰ ﻛﻞَّ ﺷﻲﺀ عددا ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، ﻭﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪﺍً ﻋﺒﺪﻩ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ، ﻣﻦ ﺑﻌﺜﻪ الله ﻫﺎﺩﻳﺎً ﻭﻣﺒﺸﺮﺍً ﻭﻧﺬﻳﺮﺍً، أمانا لمن صحبه وشفيعا لمن اتبعه وقدوة لمن اهتدى بهديه ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻭﺻﺤﺒﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺗﺴﻠﻴﻤﺎً ﻛﺜﻴﺮﺍً ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى والعمل بطاعته والبعد عن معصيته والجهاد في سبيله والتعاون على البر والخير والصلاح ومساندة المجاهدين الصابرين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام إن من خصائص الابتلاءات والشدائد والامتحانات التي تمر بها الأمة ومن فوائدها أنها تكشف معادن الناس أمام أنفسهم وأمام مجتمعهم وأمام حاضرهم ومستقبلهم فتظهر المعادن النفيسة من الرديئة والنقية من المشوبة ، والذهب الصافي من المغشوش ، وتظهر الشدائد كذلك الرجال الصادقين من الكاذبين والوطنيين من الأدعياء ، والأقوياء من الضعفاء والشجعان من الجبناء والمجاهدين من القاعدين وتميز المخلصين لدينهم ووطنهم من طلاب الدنيا والمادة والمناصب ، وتظهر أصحاب القلوب السليمة من السقيمة ، وهي حكمة ربانية أرادها الله رحمة بعبادة ورفعا لدرجاتهم وتكثيرا لحسناتهم ولتمييز الصفوف وكشف الأستار عن أعداء الأمة المتسترين بالدين والوطنية وحقوق الإنسان وهم يد للعدو الغادر الماكر قال تعالى : (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) والمعنى : ما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من اختلاط المؤمنين بالمنافقين والصادقين بالكاذبين ، حتى يميز بعضكم عن بعض بالمحن والشدائد والجهاد والمجاهدة والصبر والمصابرة ، فمن كان مؤمناً ثبت على إيمانه وعلى دينه ، ومن كان منافقاً ظهر نفاقه وكفره ، (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) أي لا يجوز أن يحصل ذلك التمييز بأن يطلعكم الله على غيبه فيقول : إن فلاناً كذا وفلاناً كذا فإن سنّة الله جارية بأن لا يطلع الناس على غيبه إلا من ارتضى من رسله ، فلا سبيل لكم إلى معرفة ذلك التمييز إلا بامتحانكم بالمحن والشدائد والأخطار وتآمر الأعداء ، وبذلك يعرف كل مؤمن مقدار إيمانه الحقيقي ومدى عمقه في نفسه ومقدار ثباته عليه ، ومقدار استعداده للجهاد والفداء والتضحية ، ويعرف المجتمع أفراده ما لهم وما عليهم وبالتالي يتعامل معهم على أساس ذلك ويضع كلا منهم في المكان اللائق به وصدق الله القائل (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
نعم أيها المؤمنون اقتضت إرادة الله أن يميز الخبيث من الطيب من الأشخاص والمواقف ، وأن يميز الخبيث من الطيب من المال والنفقات ، وأن يميز الخبيث من الطيب من الأفكار والمشاريع واللافتات ، وأن يميز الخبيث من الطيب من القاعدين والمجاهدين ، وأن يميز الخبيث من الطيب من الصادقين والكاذبين . نعم أيها الكرام ليميز الله الخبيث من المال الذي ينفق ويرصد للصد عن سبيل الله ومحاربة دينه وأوليائه من المال الذي ينفق في سبيل الله دفاعا عن الدين والعقيدة والوطن والقيم ، فيجعل المال الخبيث الذي جمع من حرام وأنفق في إجرام بعضه على بعض فيركمه فوق بعضه مهما كانت كثرته ثم يحيله وأهله إلى الخسارة والبوار في الدنيا والآخرة وصدق الله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ، لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) ، وبالمقابل يجعل المال الذي ينفق في الجهاد مباركا ناميا نافعا لصاحبه في الدنيا والآخرة (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ
أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
إخوة الإسلام لقد تكفل الله لعباده المؤمنين أن يكشف ما في نفوس أعداء لله وأعداء رسوله والصادين عن سبيله مهما تستروا وتلحفوا بشعارات زائفة سيظهر الله ذلك في أقوالهم وأفعالهم ومواقفهم قال تعالى(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) فلا يدع ربنا سبحانه مدعيا للإيمان أو الإخلاص أو الدين أو الوطنية أو غيرها دون ابتلاء حتى يعرضه للتضحية والجهاد من أجل دينه وإيمانه فيظهر الصادق من الكاذب قال تعالى (الم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ـ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) وهكذا تتوالى الاختبارات بالمواقف والشدائد والخطوب وفق هذه السنة الماضية ويتنزل القرآن ليكشف سلوك المبطلين والخائنين والمنافقين والمندسين في سور وآيات كثيرة ، وأكثر السور فضيحة لهذا الصنف من الناس سورة التوبة والتي سماها الصحابة بالفاضحة والحافرة والمبعثرة لأنها حفرت ونقبت عما في نفوس المنافقين وأثارتها وبعثرتها وفضحتها أخرج البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: سورة التوبة، قال: التوبة هي الفاضحة، السورة التي فضحت المنافقين، ما زالت تنزل ومنهم ومنهم ومنهم حتَّى ظَنُّوا أنَّهَا لَنْ تُبْقِيَ أحَدًا منهمْ –أي من المنافقين - إلَّا ذُكِرَ فِيهَا). (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) وهكذا الابتلاء لا سيما بالجهاد يظهر المجاهدين الصادقين متميزين كما هو حال جيشنا وأمننا وقبائلنا ورجالنا المجاهدين عن غيرهم كما قال تعالى (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد ففي القرآن والتاريخ صورتان متناقضتان للناس عند الشدائد تعبر تعبيرا صادقا عما في نفوسهم ففي قصة طالوت تقول الكثرة الضعيفة (لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ) ويقول الصادقون الذين يوقنون بلقاء الله وجزائه وعونه لعباده مع قلتهم عددا وعدة (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) -وهذا هو التمايز -ويكون لهم النصر والغلبة بإذن الله ، وفي غزوة أحد يثبت المؤمنون في مواجهة العدو ويظهر الضعفاء والمنافقون فيعودون مخذولين مع عبد الله بن أبي بن سلول لعنه الله ولعن من سار على طريقته ، وفي يوم الأحزاب يرى المؤمنون الشدة فيقولون (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) ، وتهتز نفوس المنافقين الخوارين فيقولون بلسان الحال والمقال (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) ، وفي الحديبية نرى المؤمنين الصادقين يبادرون جميعا للبيعة والعهد على الجهاد والثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرضى الله عنهم (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) ويتخلف صاحب الجمل الأحمر ومن على شاكلته باحثا عن الدنيا فجمله مقدم على دينه وعقيدته ، وفي يوم العسرة نرى المنافقين يقدمون الخدمة للعدو مجانا متمثلة في مسجد الضرار الذي أنشئ لتفريق المؤمنين وتجميع المنافقين والخائنين لمحاربة الدين ، ونشاهد صورة أخرى أصيلة لكعب بن مالك وهو يعيش عقوبة قاسية من المجتمع بسبب تخلفه ، والعدو يراسله ويواسيه ويغريه ويمنيه بالأموال والمناصب ليبيع دينه ووطنه فيأخذ رسالة الخيانة ويسجرها في التنور ويقول (وهذه من البلاء ) وهكذا تتمايز الصفوف فتكون مقدمات طبيعية للنصر كما قال ربنا (لَوْ تَزَيَّلُوا
لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)
ثم اعلموا أيها الكرام أن في الفتن أيضا والشدائد تأهيلا للمؤمنين الصادقين والمجاهدين الصابرين للقيادة والسيادة والنصر في الدنيا وللدرجات العالية في الجنة دار الخلود يقول الله (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) وعن درجات دار البقاء قال تعالى (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) وقال (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) فجيشنا وأمننا وقبائلنا تعد للنصر بإذن الله رغم كيد الكائدين ومكر الماكرين وحسد الحاسدين وخيانة الخائنين ، ولاشك أيها المؤمنون بأن من يضحي اليوم بنفسه وروحه وشبابه وماله من أجل دينه ووطنه قد نجح في الاختبار ونال شهادة التفوق والتميز وهذا حال جيشنا وأمننا وقبائلنا الصامدة المجاهدة فلنكن عونا لهم في ثباتهم وصمودهم وجهادهم موقنين بنصر الله وتأييده وأن كل مشاريع الإجرام والتمزيق والخراب والدمار لليمن لن تفلح فأبشروا وبشروا فالنصر قريب والفرج قادم (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) . (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) ثم الدعاء ، والدعوة للجهاد بالمال ، ثم الصلاة على النبي وأقم الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 4 ربيع أول 1444هـ للموافق 1 أكتوبر 2022م
الخطبة الأولى : الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون والمجرمون والكافرون والضالون ، نحدمك اللهم حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه على نعمة الإسلام والإيمان والقرآن وعلى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له امتن علينا بإكمال الدين وإتمامه فقال (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله الله هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا
ولد الهدى فاهتزت الدنيا له فرحا وزالت دولة الإجرام
والظلم ولى ما له من رجعة والعدل أقبل مفرد الأعلام
والجهل أدبر ما له من عودة والعلم جاء ينير كل ظلام
وتقهقرت يا صاح كل رذيلة كالوأد والتشريد والآثام
وتألقت كل القلوب مودة ومحبة في صحبة ووئام
فالصلاة والسلام عليك يا رسول الله في شهر مولدك ، الصلاة والسلام عليك يا رسول الله في يوم مبعثك ، الصلاة السلام عليك يا رسول يوم هجرتك ، الصلاة والسلام عليك يا رسول الله بعدد لحظات حياتك وجهدك وجهادك ، الصلاة والسلام عليك يا رسول الله يوم ولدت ويوم قبضت ويوم تبعث ويوم تشفع فتشفع ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته والبعد عن معصيته والجهاد في سبيله والصبر والمصابرة في السراء والضراء والشدة والرخاء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام : مما شرف الله به هذا الشهر الكريم شهر ربيع الأول ميلاد أفضل الخلق وسيد البشر ونجم هذا الوجود محمد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه والذي يعتبر ميلاده ميلادا لنا لحريتنا لإنسانيتنا لكرامتنا لعزنا لمجدنا لسؤددنا ، حياته حياتنا وبعثته هدايتنا ، ميلاده ميلاد للحق والنور ، ميلاد للعدل والمساواة ، ميلاد للخير والرحمة . هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم امتن الله علينا ببعثته فقال (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) وقال (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ، وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فهو منة الله ونعمته وفضله على البشرية منذ أن بعث إلى قيام الساعة ، هذا النبي الذي رفع الله قدره وشرح صدره وأعلى ذكره في الأولين والآخرين بشر به الأنبياء والمرسلون من قبله ، وخلدت مناقبه ومناقب أصحابه في التوراة والإنجيل وغيرها من الكتب السابقة ، أخذ الله العهد والميثاق على كل الأمم وأنبيائها ليؤمنن به عند مجيئه ولينصرنه ، قال تعالى حكاية عن عيسى بن مريم عليه السلام وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ وقال تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) وقال وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ
وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ، وأكد سبحانه بأنه لا نجاة لجميع الأمم التي سبقت فيها الرسالات من أدرك منهم محمدا صلى الله عليه وسلم فلا يسعه إلا الإيمان به واتباعه فقال ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ، هو رحمة الله للعالمين وحجة الله على الناس أجمعين وشريعته مهيمنة على جميع شرائع الدين ولا عذر للمغضوب عليهم والضالين فهم يعرفونه من كتبهم بيقين قال تعالى (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) وقال (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) ، وهو صلى الله عليه وسلم دعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام حيث قال رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، هو أكمل البشر خلقا وخلقا رباه الله فأحسن تربيته وأعده لحمل رسالته ف(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) ، مدحه ووصفه وامتن عليه بذلك فقال (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ، وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) ، وقال (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ، مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ، وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ، وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، هو سيد ولد آدم وصاحب الحوض المورود والشفاعة العظمى وأول من يستفتح باب الجنة وصاحب الرسالة الخاتمة والشريعة السمحة والدين الخالد الباقي ببقاء الله والمحفوظ بحفظ الله والمشتمل على حكمة الله ورحمته ورأفته بعباده وهو القائل سبحانه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) والقائل (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)
هذا يا أيها المؤمنون هو رسول الله الذي يجب أن نحتفي به وبالنور الذي أنزل عليه وبالسنة المبينة له وأن نقتدي به وبسيرته وأن نهتدي بهديه في كل شؤوننا وجوانب حياتنا وأن نعزره ونوقره وأن نحبه ونحب أصحابه جميعا من المهاجرين والأنصار ومن الأهل والأقارب والأصهار لا سيما وقد زكاهم الله ورضي عنهم فال (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ، وأن نحذر أصحاب الأفكار الضالة والعقائد الباطلة من الحوثيين الضالين المضلين ومن الروافض الحاقدين الذين يتخذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوم مولده فرصة لمزيد من التضليل على الأمة وعلى العامة فيظهرون الاحتفاء بمولده ويبالغون في ذلك ويبتدعون البدع والخرافات التي لا يرضاها رسول الله وليست من هديه ، ويعدون المولد الشريف فرصة لنهب الأموال واستعباد الناس ومصادرة الحريات وتضليل البسطاء وموسما لمزيد من الإثراء ، يحتفون بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ويتهمون زوجته وحبيبته الطاهرة الصديقة بنت الصديق بالزنى والعياذ بالله ، يحتفون بمولده ويلعنون أخص أصهاره ووزرائه أبو بكر وعمر وعثمان ، يحتفون بمولده وينكرون سنته ولا يعترفون بها كمصدر من مصادر التشريع ، يحتفون بمولده ويسبون أصحابه وأنصاره وتلامذته ، يحتفون بمولده ويحاربون أولياءه وأتباعه من العلماء والدعاة وأهل القرآن ، يحتفون بمولده ويحولون دينه ورسالته إلى خرافات وترهات وشركيات وعبودية لغير الله وتعظيم وادعاء عصمة لغيره صلى الله عليه وسلم يصدق عليهم في مغالطاتهم قول الله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ، يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا
فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) وأستغفر الله لي ولك ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين أما بعد فإن الذين يتشرفون بوراثة النبوة علما وعملا هم العلماء والدعاة والمجاهدون الذين يقضون حياتهم تعلما لدين الله وتعليما ونشرا وتربية عليه ودفاعا عن الدين وعن مبادئه بالنفس والمال ويتحملون في ذلك التضحية بكل غال ونفيس ولا يمنون على الله بما يبذلون بل يعترفون بأن الله هو صاحب الفضل والمنة عليهم سبحانه (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )، ويعترف الناس بل جميع المخلوقات والكائنات بفضلهم ومكانتهم فتصلي عليهم الكائنات الحية والجامدة وتدعو لهم وتستغفر لهم إذ بسببهم ينتشر الخير وينحسر الشر وتتنزل الأمطار وتعم البركة والرخاء وفي ذلك نفع لجميع المخلوقات فعن أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « إِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، حتى الحية في جحرها وَالْحِيتَانُ فِي البحر، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا وإنما وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» رواه أبو داود وغيره ، والعجيب أيها الكرام أن تعترف الكائنات الجامدة وغير العاقلة بفضل العلم وحملة العلم والدعوة وتحتفي بهم ويجحد صنف من العقلاء ذلك فيحاربون العلم والعلماء وأهل القرآن ويضيقون على حرياتهم ويهجرونهم من بلدانهم ويودعونهم السجون والمعتقلات وينزلون بهم أشد التعذيب والعقاب بل ويحكمون عليهم بالإعدام ويتهمونهم بالإرهاب والتطرف - وهم أرحم الناس بالأمة وأحرص الناس على مصالحها الدينية والدنيوية - لا تتسع قلوب الفراعنة المريضة ولا بلدانهم الفيحاء للأفذاذ والنوابغ والنجوم اللامعة هذا شأن البشر المستبدين ، أما رب العالمين فقد رفع قدر العلماء والدعاة وأعلى شأنهم ومكانتهم في الدنيا والآخرة فقال (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) وموت العلماء نقص وثلمة وثغرة في حياة الأمة يصدق فيهم قول الشاعر
ﺇﺫا ﻣﺎ ﻣﺎﺕ ﺫﻭ ﻋﻠﻢ ﻭﺗﻘﻮﻯ. …    ﻓﻘﺪ ﺛﻠﻤﺖ ﻣﻦ اﻹﺳﻼﻡ ﺛﻠﻤﻪ
ﻭﻣﻮﺕ اﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﻌﺪﻝ اﻟﻤﻮﻟﻰ …  ﺑﺤﻜﻢ اﻷﺭﺽ ﻣﻨﻘﺼﺔ ﻭﻧﻘﻤﻪ
ﻭﻣﻮﺕ ﻓﺘﻰ ﻛﺜﻴﺮ اﻟﺠﻮﺩﻣﺤﻞ…  ﻓﺈﻥ ﺑﻘﺎءﻩ ﺧﺼﺐ ﻭﻧﻌﻤـــــــﻪ
ﻭﻣﻮﺕ اﻟﻌﺎﺑﺪ اﻟﻘﻮاﻡ ﻟﻴــــــﻞ…   ﻳﻨﺎﺟﻲ ﺭﺑﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻇﻠـــــــﻤﻪ
ﻭﻣﻮﺕ اﻟﻔﺎﺭﺱ اﻟﻀﺮﻏﺎﻡ ﻫﺪﻡ … فكم شهِدت لَهُ فِي النَّصْر عزمه
ﻓﺤﺴﺒﻚ ﺧﻤﺴﺔ ﻳﺒﻜﻰ ﻋﻠﻴﻬﻢ …. ﻭﺑﺎﻗﻲ اﻟﻨﺎﺱ ﺗﺨﻔﻴﻒ ﻭﺭﺣﻤﻪ
وها هي ذي عصابة الحوثي الإرهابية الإيرانية المتعصبة تقتل وتشرد وتطارد وتنفي العلماء ورثة الأنبياء وحملة الدين والدعوة وأهل القرآن والأحرار والمجاهدين كما هو مذهب غيرهم من الظلمة المستبدين في هذا العصر ، يهجرون العلماء ، يوجهون إليهم آلة القتل ، ويكممون أفواههم فلا يسمحون لهم بقول الحق ، يفعلون ذلك ليخلوا الجو للجهلاء يترأسون ويفتون بما لا يعلمون ويضللون الأمة باسم الدين وهذا ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بحصوله وحذر من وقوعه فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ: يقَبْضُ الْعِلْمِ بقَبْض الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا " رواه البخاري ومسلم
نعم يا أيها المؤمنون وفي هذه الأيام يفقد العالم الإسلامي علما من أعلامه ونجما من نجومه ومرشدا ومرجعا من مراجع الأمة في الفقه والفتوى والدعوة هو الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله وتغشاه بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون ، عزاؤنا لأنفسنا ولأمتنا الإسلامية بوفاة هذا الرمز من رموز العلم والدعوة والجهاد ، رأس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لفترة طويلة ، تشهد المكتبة الإسلامية بما أنتجه للأمة من المؤلفات في مجالات عدة ، فاللهم آجرنا في مصيبتنا واخلفنا في علمائنا ، وسنصلي عليه إن شاء الله تعالى بعد صلاة الجمعة صلاة الغائب  وفاء بحق هذا العلم من أعلام الأمة ، ومشروعية الصلاة على الغائب الذي له فضل عام على الأمة هو مذهبه ومذهب الشافعي وأحمد في ظاهر الرواية عنه ورجحه
الشوكاني وغيره واستدلوا على ذلك بما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي ملك الحبشة في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر عليه أربعاً) ثم الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعوة إلى الجهاد بالمال والصلاة على النبي وأقم الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 11 ربيع أول 1444هـ الموافق 7 أكتوبر 2022م
الخطبة الأولى : الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون والمجرمون والكافرون والضالون ، نحدمك اللهم حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه على نعمة الإسلام والإيمان والقرآن وعلى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له امتن علينا بإكمال الدين وإتمامه فقال (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله الله هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا
إن البرية يوم مولد أحمد .... نظر الإله لها فبدل حالها ... بل كرم الإنسان حين اختار من ...خير البرية نجمها وهلاله
لبس المرقع وهو قائد أمة... جبت الكنوز فكسرت أغلالها ... لما رآها الله تمضي نحوه ... تبغي رضاه هدى وأصلح بالها
أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته والبعد عن معصيته والجهاد في سبيله والصبر والمصابرة في السراء والضراء والشدة والرخاء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام إن من الجرائم الكبيرة التي شنع الله بها على أهل الكتاب من اليهود والنصارى تلبيسهم على الناس وإظهار ما هم عليه من باطل وضلال في ثوب الحق والدين قال تعالى (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ، وعاب عليهم تحريفهم لنصوص الدين تحريفا لفظيا أو معنويا حتى أخرجوا الدين عن حقيقته وحولوه إلى خرافة فقال (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ، وقال (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ) ، كما شنع عليهم تسترهم بالنفاق فيظهرون الخير بأقوالهم ويبطنون الباطل في نفوسهم وسلوكهم ومواقفهم قال تعالى (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) ، وهذا السلوك التضليلي الذي ذم الله به اليهود والنصارى هو ما يمارسه الروافض الحاقدون عموما والحوثيون الضالون المضلون على وجه الخصوص فهم يلبسون باطلهم ثوب الحق على الدوام في شعاراتهم وبرامجهم ومشاريعهم فهم أنصار الله كما يدعون وأصحاب المسيرة القرآنية كما يزعمون وأولياء الله كما يتوهمون وأبناء النبي والسادة على الناس كما يقولون ، وهم أفضل الناس عنصرا ونسبا وأصلا ، وقادتهم معصومون بل اتخذوهم أربابا من دون الله كما هو حال اليهود والنصارى الذين قال الله عنهم (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) .
لكن الإسلام أيها المؤمنون يقرر بأن كل دعوة لعصبية أو سلالية أو دعوى لأفضلية نسب أو عنصر على ما سواه  فهي دعوى جاهلية باطلة لأن فيها افتراء على الله وعلى دينه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم فالأنساب لا تغني شيئا إنما ينفع الإنسان دينه وتقواه وبهذا نطق الحبيب المصطفى ففي الحديث الذي رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا فَخَصَّ وَعَمَّ، فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا يَا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا يَا مَعْشَرَ بَنِي قُصَيٍّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا
وَلَا نَفْعًا، يَا مَعْشَرَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِنَّ لَكِ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا ". والمعنى أن لكم رحما وسأصلكم في الدنيا ولا أغني عنكم من الله شيئا .  فأين هذا مما يدعيه الحوثيون والشيعة الضالون!!
ويعمد الروافض إلى التضليل حتى في تسمية أئمتهم فيسمونهم بالأسماء الدينية وينسبونهم إلى الله وإلى الدين وهم أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء دينه كالهادي إلى الحق والمهدي لدين الله والمتوكل على الله والمستنصر بالله ونصر الله وآية الله والمعز لدين الله وسيف الإسلام وهلم جرا كلها تزكيات لرؤوس الشر والضلال والله يقول (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) ، وتميز وترفع على الناس وليس هذا من الدين في شيء فالدين جاء بالمساواة وفي الحديث عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ»، قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ) مسند أحمد، وإسناده صحيح .
إخوة الإسلام إنه لا وجود لهذه العنصرية والسلالية إلا عند إبليس وجنده من اليهود والنصارى الذين قال الله عنهم (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) ، وادعائهم بأنهم شعب الله المختار ، وزعمهم بأنهم أولياء الله ، وعن قولهم (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ) ، هذا التلبس بالدين والمغالطة تحت لافتة الدين من أقبح أنواع السلوك والمعاصي ولذلك استحقوا به لعنة الله وغضبه قال تعالى (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ) ومثلهم الروافض عموما والحوثيون على وجه الخصوص .
وها نحن اليوم أيها الكرام أمام نموذج من نماذج التضليل والمغالطة يرتكبه الروافض والحوثيون في تعاملهم مع المولد النبوي الشريف حيث استغلوه دينيا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا فهم يحولون البلاد كلها إلى احتفالات ينسجون فيها الخرافات والضلالات باسم النبي وباسم الإسلام ، والنبي والإسلام بريء من ذلك فليست هذه الطقوس من الدين في شيء ولم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعون وهم خير القرون الذين قال عنهم سيد البشر (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) ، ألا وإن أول من أظهر هذه الخرافات وهذه المراسيم والرايات الخضراء وتوزيع الحلوى في ذكرى المولد النبوي هي الدولة الفاطمية العبيدية الاسماعيلية الشيعية المتعصبة والتي نشأت في مصر من بداية القرن الرابع الهجري وما بعده وادعت أنها من أصحاب النسب الشريف ، والصحيح أنهم من نسل عبد الله بن ميمون القداح اليهودي الذي ادعى الإسلام وباطنه الكفر البواح كما قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله .
ولنا أن نتساءل من أين أخذ هؤلاء هذه الضلالات ؟ سنجد الجواب واضحا بأنه تقليد للنصارى الذين يحتفلون بالمسيح وهم أبعد الناس عن هديه ودينه فقد ضيعوا دينه وطريقته وحرفوا ما نزل عليه من الوحي ، وهكذا هؤلاء الحوثيين يحتفلون بمحمد صلى الله عليه وسلم وقد ضيعوا سنته وهديه بل يحتفلون به ويتهمون زوجته الطاهرة بالزنى ويسبون أصحابه ويحاربون القرآن والسنة وينزلون أشد العقوبات بورثة الأنبياء من أهل العلم والقرآن والدعاة ، ومما يؤكد أن هذه الطقوس تسر أعداء الإسلام أن ملك إربل في القرن السادس الهجري احتفل بالمولد النبوي بمثل هذه الطقوس ودعمه نابليون بملايين من الدراهم الفرنسية تشجيعا لهذه المظاهر التي تهدم الدين باسم الدين وتحول الإسلام إلى مظاهر تزين بها الشوارع والجدران ولا شيء وراء ذلك فدين الشيعة هو النسخة المفضلة عند الغرب للإسلام ويحبون أن يعرضوا الإسلام على شعوبهم بهذه الصورة المزيفة وذلك كذب على الله وعلى دينه (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) ، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ ، يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)
إخوة الإسلام إن يمن الإيمان والحكمة والفقه لم تكن تعرف مظاهر الغلو والتطرف والخرافة في هذه المناسبة وإنما كان الناس يقيمون بالمناسبة محاضرة أو ندوة في بعض المساجد الرسمية يتكلم فيها العلماء والدعاة عن النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وسنته وصفاته الخلقية والخلقية ويكتفون بذلك ، أما توظيف هذه المناسبة للكسب السياسي دعاية وتسويقا فهذا فعل عصابة الحوثي تبعا لما يفعله أمثالهم في العراق وإيران ولبنان وبهدف تزيين أنفسهم وأفكارهم وسيدهم ووجوههم القبيحة فيضعون أنفسهم وسيدهم مقام النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعتبرون ما هو للنبي هو لسيدهم وكأن الدين والنبي إنما جاء لصالح أسرة معينة أو سلالة ولم يأت لإسعاد جميع البشر والله يقول (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) ، ويقدمون سيدهم على أنه ابن النبي والوريث الوحيد كذبا على الله وهو يقول (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) ، يصممون اللافتات الدعائية باسم النبي صلى الله عليه وسلم والصورة بجوارها لعبد الملك الحوثي فهل يجوز هذا ؟ أليس هذا من التضليل للمجتمع ؟ ويقدمون اسم النبي صلى الله عليه وسلم دعاية لضلالاتهم وخرافاتهم وانحرافاتهم ، ويبتزون الناس وينهبون أموالهم باسم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يجوع ليشبع الناس والذي قال الله عنه وعن رحمته بالأمة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) وقال صلى الله عليه وسلم (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم ) قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام أصبح الناس ينزعجون كلما قربت مناسبة المولد النبوي الشريف لا لأنهم لا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم وإنما لما يفرض عليهم من التكاليف المادية باسم المولد ، فالحوثيون يفرضون على الناس تزيين محلاتهم وبيوتهم وسياراتهم بالقوة والإكراه ، ويأخذون من أموالهم ما يشاؤون باسم النبي صلى الله عليه وسلم ، معيار الحب للنبي صلى الله عليه وسلم بقدر ما يدفعون للمتعصبين من أموال ، مولد النبي صلى الله عليه وسلم موسم لمزيد من الإثراء للحوثيين ومزيد من النهب والإفقار للمواطنين علما أن صاحب الذكرى عليه الصلاة والسلام والمولد قد حرم استباحة الدماء والأعراض والأموال بغير حق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا !) رواه مسلم.
كما استغل الحوثيون مولد النبي صلى الله عليه وسلم عسكريا يحشدون للجبهات لقتال الأحرار والمجاهدين وأهل القرآن يفعلون ذلك لصالح التمكين للمشروع الإيراني الفارسي المجوسي الحاقد في اليمن ويعدون ذلك جهادا في سبيل الله ، ومتى كان قتال المسلمين والتمكين لأعداء الدين جهادا كما يزعمونه ؟ يرفعون شعار الصرخة (الموت لأمريكا والموت لإسرائيل واللعنة على اليهود والنصر للإسلام) وهم في الواقع أصدقاء للأمريكان وعملاء لليهود لم يقتلوا يهوديا من يهود فلسطين المحتلة وهم قريبون إليهم جدا ، ولا قتلوا أمريكيا في العراق ولا في غيرها ، لكنهم قتلوا الملايين من المسلمين في العراق وفي لبنان وفي اليمن وفي غيرها ، يظهرون الشرك والاستغاثة بغير الله باسم النبي صلى الله عليه وسلم ويذكرون سيدهم أكثر من ذكرهم لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ، شوهوا الدين وأساؤوا إلى النبي وإلى علي وإلى الحسن وإلى الحسين وزيد وغيرهم باسم آل البيت ، ولذلك كان من الواجب ومن حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حق دين الإسلام اليوم  على كل مسلم قادر أن يدفع عنه شر هذه العصابة الضالة ويقف في وجه ضلالها وانحرافها رفعاً لهذا الظلم والبغي؛ وصيانة لكرامة كل مسلم وحريته ، قال الله تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) وقال تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)
وإن جيشنا وأمننا وقبائلنا ومقاومتنا اليوم يخوضون هذه المعركة المقدسة وهم على يقين أنهم يدافعون عن دينهم ووطنهم وكرامتهم وسينتصرون بإذن الله القائل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) ، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ
الْمُؤْمِنِينَ) وستخسر عصابة إيران التي تتلقى تعليماتها من طهران كما تشهد عليهم تصريحات إيران لتي تفاوضها الأمم المتحدة والدول الأخرى من أجل إقناع الحوثيين بقبول تمديد الهدنة الأخيرة ، وهذه من أكبر صور العمالة والارتهان التي درجت عليها الحوثية منذ نشأتها وهكذا هي طبيعة الخائنين والله من ورائهم محيط (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ، (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ثم الدعاء والدعوة إلى الجهاد بالمال والصلاة على رسول الله وأقم الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 18 ربيع أول 1444هـ الموافق 14 أكتوبر 2022م
الخطبة الأولى : الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله ناصر المستضعفين قاصم ظهور الجبارين المتكبرين ومذل الظالمين المعتدين ، سبحانه قيوم السماوات والأرضين مدبر أمر الخلائق أجمعين ، له الحمد سبحانه وتعالى وهو الملك الحق المبين ، اللهم لك الحمد كله ولك الشكر كله وإليك يرجع الأمر كله ، أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته والبعد عن معصيته والجهاد في سبيله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام في الذكرى التاسعة والخمسين لثورة الرابع عشر من أكتوبر المباركة والتي تحرر فيها شعبنا في الشطر الجنوبي من الوطن من الاحتلال البريطاني الغاصب والذي ظل يعيث فيه فسادا وظلما وتنكيلا وتمزيقا لمدة مائة وثمان وعشرين سنة ، أقف بحضراتكم مع موضوع الحرية والوحدة باعتبارهما غاية من الغايات التي من أجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وشرع الشرائع ، وباعتبارهما الهدف الأبرز للثورة السبتمبرية والاكتوبرية ، وباعتبارهما أهم مقومات الأمة وأهم عناصر قوتها ، وباعتبارهما أهم منجزات ثورة السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر المجيدتين ، نتذكر ذلك ونذكر به الأجيال والأبطال ونخلد مآثره في كل مكونات المجتمع ، نؤكد على ذلك في الوقت الذي يعيد التاريخ فيه نفسه وتطل الإمامة البائدة من جديد حاملة لمشروع الاحتلال الإيراني الفارسي التوسعي الطامع في خيرات اليمن وثرواته وموقعها الجغرافي المتميز ، متوسلة بمشاريع التمزيق والتشتيت للبلد ليتسنى لها التمكين لأهدافها وأنى لها ذلك ، ولتأخذ الأجيال العظة والعبرة من التاريخ ، ولتجدد هدف التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما ، وهدف تحقيق الوحدة اليمنية في إطار الوحدة العربية الشاملة ، ولتستنفر طاقات جيشنا وأمننا وقبائلنا للحفاظ على الثورة ومكتسباتها واستكمال أهدافها وتجديد روحها بالحفاظ على الوحدة والسيادة كاملة غير منقوصة
نعم يا أيها المؤمنون من الحقائق التي سجلها التاريخ ذلك الصراع المستمر بين الأمة الإسلامية من جهة والمغضوب عليهم والضالين من اليهود والنصارى من جهة أخرى ، صراع لا يهدأ وإنما يتجدد بين كل فترة وأخرى فكما مرت على الأمة موجة احتلال في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بهدف التخلص من وحدة الوطن الإسلامي التي كانت تجمع المسلمين باختلاف بلدانهم ولغاتهم وألوانهم وأعرافهم وتقاليدهم والتي امتن الله عليهم بها بقوله (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ، كما استهدف المحتل تحجيم نفوذ الدولة الإسلامية والذي وصل إلى وسط أوروبا، وانتشر في بلاد البلقان ووصل إلى المجر والنمسا. ولا تزال مآذن مساجد المسلمين ومآثرهم شاهدة على تلك القوة والعزة حتى اليوم ، كما استهدف المحتل الاستئثار بثروات الوطن الإسلامي وخيراته وبسط نفوذه السياسي والاقتصادي والعسكري عليها بناء على اتفاقية سايكس بيكو 1916م التي قضت بتقسيم تركة الدولة العثمانية بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، ولضمان مزيد من التراجع لوضع المسلمين على المستوى الدولي السياسي والاقتصادي والأخلاقي حسدا منهم على هذه الأمة وما تملكه من التفوق القيمي والمادي وصدق الله (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، وقال (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) إنه الحقد على الدين وانتشاره ومحاولة لإطفاء أنوار الحق والهدى وأنى لهم ذلك فالأمة المسلمة تمرض ولكنها لا تموت وتتراجع لتتقدم والله غالب على أمره وقاهر فوق عباده وحافظ دينه قال تعالى( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وقال (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) .
إخوة الإسلام سيبقى دين الله ظاهرا قاهرا لا يضره كيد كائد ولا مكر فاجر قال تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وسيبقى الصراع بين المشروعين الإسلامي والغربي على أشده ابتلاء واختبارا للأمة المسلمة كما قال تعالى (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وليتميز الصادقون المجاهدون من غيرهم
نعم يا أيها المؤمنون لقد كان قدر شعبنا أن استهدف ضمن هذا العالم باحتلال جنوبه من قبل الغاصب البريطاني وكان ذلك سببا لثورة عارمة ضد المحتل ضحى فيه ابناء اليمن بالنفوس والارواح والأموال طوال فترة من الجهاد والمقاومة حتى أذن الله بالنصر
إن التحرر من الاستبداد والاحتلال فطرة ودين وقيمة إنسانية أصيلة ، والدفاع عن حرية الإنسان وكرامته وحقوقه وعن حرية بلدان المسلمين واستقلالها فطرة ودين فكل الأنبياء بعثوا بمهمة تحرير العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحد لا شريك له ، وهو معنى (لا إله ألا الله) أي لا معبود بحق في الوجود إلا الله ، بمعنى لا طاعة ولا خضوع ولا ذلة ولا تسليم إلا لله ولحكمه ودينه وهو معنى قول الله (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) ، (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) وهو المطلب الذي بعث به موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) ، وقوله تعالى (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) وهو ما عبر عنه ربعي بن عامر عن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم للقائد الفارسي رستم (نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة) .
نعم أيها الكرام إن الرضى بالانتقاص من الحرية والكرامة يعد كبيرة من الكبائر يحاسب عليها الإنسان ويعاتب ويعاقب في أول لحظات الآخرة ولا يعذر إلا العجزة والمستضعفون من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ، إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ، فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ، وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
وهذه هي المنطلقات التي قامت عليها الثورات في الشمال والجنوب وفي الماضي والحاضر ، ومن الحقائق التي ظهرت في نضال اليمنيين واحدية الثورة في أهدافها وغاياتها وفي أنشطتها وفعالياتها وفي شخصياتها ورموزها فلا يكاد الدارس أن يلحظ فارقا بين أهداف سبتمبر واكتوبر إلا في الصياغة فكلها تستهدف التحرر من الاستبداد والاستعمار وكلها تستهدف تحقيق الوحدة الوطنية وكلها
2024/09/21 22:54:45
Back to Top
HTML Embed Code: