Telegram Web Link
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة جمعة 23 من ذي الحجة 1443هـ الموافق 22 يوليو 2022م
الخطبة الأولى : الحمد لله المتفرد بالخلق والتدبير الواحد في الحكم والتقدير الملك الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته والبعد عن معصيته والاهتداء بهديه والاحتكام إلى دينه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام يطب لي أن أقف بحضراتكم في هذه اللحظات مع حقائق مهمة وعظيمة لا تقبل النسيان ولا يجوز التغافل عنها ذلك لأن الغفلة عنها تفقد الإنسان هويته وخصائصه ورسالته في الحياة ودينه وكرامته .
نعم أيها الكرام من تلك الحقائق أن نعلم أن أول خلاف حدث في الأرض بين الإنسان والشيطان هو خلاف على الخلافة والولاية العامة والسلطة ما يؤكد أهمية الحكم والخلافة والولاية العامة في حياة الإنسان وتبدأ القصة باختيار الله لآدم عليه السلام وذريته ليتولوا الخلافة والحكم في الأرض فاعترض إبليس ورفض خلافة آدم السياسية وولايته العامة بحجة وضاعة نسب آدم وأفضلية إبليس عنصراً ونسباً عليه (قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) وأراد بذلك احتكار السلطة السياسية والخلافة في البطنين الملائكة والجن ، وبهذا البيان القرآني يتبين لنا أن الذي صيّر رئيس الملائكة وطاووسهم شيطاناً هو خلافه مع الله سبحانه وتعالى حول الخلافة السياسية والولاية العامة وتكبره واستعلائه برفضه لخلافة آدم وبنيه من بعده بحجة وضاعة نسبهم وأفضليته العنصرية. وبسبب ذلك طرده الله من رحمته وحكم عليه بأنه كافر خارج عن الإسلام وعن نظامه الحكيم قال تعالى: (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (اسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ)، وبسبب هذا الخلاف انقسم العالم إلى ميدان للصراع السياسي بين الله والشيطان، بين حزب الله وحزب الشيطان ، بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان . حزب الله هم الذين يرون أن الخلافة والولاية العامة تصلح في كافة بني آدم الأعلم منهم والأتقى والأكفأ دون اشتراط النسب أو العنصر ، وحزب الشيطان هم الذين يرون أن الخلافة لا تصلح في عموم بني آدم وإنما يشترطون العنصرية والنسب ويفسرون الدين بكل نصوصه تفسيراً عنصرياً بما يلبي أهواءهم ، وعلى مذهب الشيطان سلك اليهود وعلى طريقة الشيطان سار الحوثيون وأسيادهم من الروافض الإيرانيين الحاقدين فنستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ومن كل المتكبرين والمتعصبين (فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ) ، وندرك أن نظرية الإمامة عند الحوثيين والرافضة التي تحصر الولاية العامة في البطنين هي نظرية شيطانية استعلائية والدين منها براء .
أما الحقيقة الثانية فهي أن الإسلام يقيم بين المسلمين الحكم على أساس الشورى واختيار الأكفأ والأقوى والأصلح فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين أن الحكم في أبناء اليمن أصيل ففي الحديث (كان الملك في حمير) فأبناء اليمن كانوا أول ملوك الأرض من بعد نوح عليه السلام والقرآن الكريم أكد الحقيقة التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى عن قوم عاد بلسان نبي الله هود عليه السلام جد اليمنيين « وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» فأول خلفاء الأرض بعد نوح عليه السلام هم قوم عاد، وعاد هم أبناء اليمن، والرسول صلى الله عليه وسلّم الذي قال: (كان الملك في حمير) قال: (وسيعود إليهم) بما يؤكد شرعية تولي اليمنيين للولاية العامة والخلافة بخلاف نظرية الإمامة الشيطانية عند الحوثيين ومن على شاكلتهم والتي حرمت أبناء اليمن من حقوقهم السياسية عبر التاريخ ، ولم يكتفِ أئمة الظلم بحرمان اليمنيين من قيادة أنفسهم بل قسموا المجتمع اليمني إلى طبقتين طبقة السادة والحكام وهذه الطبقة حصريا عليهم وليس لغيرهم فيها حق ولا نصيب ويتولون بغير شورى ولا انتخاب وإنما
باعتبار أن هذا حق لهم من الله ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ، وطبقة العبيد والخدم هم كل من ليس من السلالة ، وهذا الكبر والاستعلاء الذي مارسه أئمة الضلال والجور على أبناء اليمن وصل إلى حد أنهم فرضوا على أبناء اليمن إطلاق كلمة (سيدي) لأبناء الطبقة الأولى وتقبيل ركبهم ويرفضون أن ينادى أحدهم (يا أخي) مع أن القرآن الكريم يقول (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وإذا أخطأ أحد اليمنيين وقال للسيد (يا أخي) يرد عليه بكل صلف (أخوك الكلب، أنا سيدك وعينك)، وفرضوا عليهم عند مراسلة الإمام أن يذيّلوا آخر الرسالة بكلمة (خادم تراب نعالكم)، وكان الأئمة يراسلون مشايخ القبائل برسائل يفتتحونها بقولهم (خدامتنا حاشد – خدامتنا بكيل) فهذا الكبر والاستعلاء ليس من الإسلام في شيء.
أما الحقيقة الثالثة فإن هؤلاء يدعون زورا وبهتانا بأنهم على طريقة آل البيت ، فآل البيت هم المنتسبون إلى الرسول محمد (صلى الله عليه وسلّم) ديناً وهم المؤمنون الصادقون وليس المنتسبون إليه طيناً (بني هاشم) لأن بيت النبوة هو بيت الدين وبيت القرآن والحكمة وليس بيت الطين. وقوام هذا البيت هم المؤمنون والنبي أبوهم أبوة الدين لا أبوة الطين ونساؤه أمهاتهم لقوله تعالى “وأزواجه أمهاتهم” فالتكريم إذا إنما يقوم على قاعدة التقوى قال تعالى: “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) ولا قيمة للنسب في ذلك في صحيح مسلم (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) وقال تعالى (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ) ، ولذا نفى الله النسب عن ولد نوح عليه السلام كما قال تعالى (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ، قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِن أهلك إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)وكم من كافر خرج من صلبه نبي كما هو حال إبراهيم عليه السلام ، وكم من نبي خرج من صلبه كافر كما هو حال نوح مع ولده
الحقيقة الرابعة أن الحوثيين ومن على طريقتهم من أتباع ابن سبأ اليهودي قد تطرفوا وغلوا وخرفوا فيما يعتقدونه في علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفي الدين حيث يصرحون في قنواتهم القضائية بأن (عليا هو الله وأسماء الله الحسنى هم آل البيت) وقالوا(إذا خرج المهدي سيهدم الكعبة والحرمين المكي والمدني ومسجد الكوفة ويجعل المساجد جماء لا حرمة لها) وقالوا(قال الله يا علي من أطاعك وعصاني أدخلته الجنة ومن عصاك وأطاعني أدخلته النار) وقالوا (قدّم القرآن بمعزل عن قرنائه من أهل البيت وبالتالي طلع عمى وقدّم الله من خلال كتابه أسوأ من الشيطان) تعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا ، ولعنهم الله بما قالوا ، فهل هذه عقيدة علي ابن أبي طالب؟ !! حاشاه أن يتطاول على ربه وأن يفتري على دين الله وأن يرفع نفسه فوق مقام البشر .
كما زعموا أن الإسلام ما قام إلا بعلي بن أبي طالب ونحن نشهد أنه بطل من الأبطال وهو زوج الزهراء وأب الحسنين رضي الله عنهم وهو من المبشرين بالجنة وهو بطل الخندق وقائد فتح خيبر والفدائي يوم الهجرة والحاكم العادل العفيف الذي لم يأخذ من بيت مال المسلمين شيئا مدة خلافته أربع سنوات بل كان يأكل من عمل يده ولكنه لم يشارك في فتح مصر ولا بلاد الشام ولا العراق ولا بلاد فارس ولا في الفتوحات التي أوصلت الإسلام إلى الصين شرقا وفرنسا غربا وإلى المحيط المتجمد شمالا في العهد الأموي والعهد العباسي والعهد العثماني ولم يشارك في اليرموك ولا في حطين ولا في القادسية فلا ننتقص صحابيا حبا في آخر بل نحبهم جميعا ولكل منهم فضله فرضي الله عنهم جميعا ونبرأ إلى الله ممن ينتقص أحدا منهم.
الحقيقة الخامسة أن الشيعة يشترطون لحب علي رضي لله عنه بغض جميع الصحابة وجميع المسلمين وبنوا على ذلك تكفير وتفسيق الصحابة ابتداء من أبي بكر وعمر وعثمان ، واستحلال دماء المسلمين وتعذيبهم وإخراجهم من ديارهم وما زالوا يقومون بذلك بحجة أن هؤلاء أعداء آل البيت وأنه لا ولاء إلا ببراء ، أما نحن فنحب الصحابة جميعا لإيمانهم الحق الذي شهد الله لهم به بقوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) ولجهادهم وتضحياتهم الذي شهد الله تعالى لهم به بقوله (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ، وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ
وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ولحبهم لبعضهم وشدتهم على الكفار الذي شهد الله تعالى لهم به بقوله(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) ولثباتهم ووفاءهم بعهودهم الذي شهد الله لهم به بقوله تعالى(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ، لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) وهكذا مئات الآيات ولا يغيظ الكفّار أكثر من اجتماع الصحابة ومن بعدهم من المسلمين على العمل بهذا الدين ونصرته والدعوة إليه والجهاد في سبيله. وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فالحقيقة السادسة أن انتخاب أبي بكر الصديق للخلافة كان من أعظم الإنجازات في حياة الأمة بعد نبيها فقد وضع حجر الأساس لدولة المؤسسات وبه جمع الله شمل المهاجرين والأنصار بعد أن نادى كل طرف بأمير ولو تم دفن النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك ما قامت للمسلمين دولة وكان أبو بكر رضي الله عنه يمتلك أعلى المؤهلات للخلافة فهو أول الرجال إسلاما وثاني اثنين إذ هما في الغار وإمام الصلاة في الحرم النبوي في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بسد كل الأبواب المفتوحة إلى المسجد النبوي إلّا باب أبي بكر وهو من المبشرين بالجنة وهو أشجع المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته عائشة ولذلك حفظ الله به الإسلام وضرب به شوكة المرتدين ومانعي الزكاة ومدعي النبوة جميعا في وقت واحد وكان أهلا للأمانة صدق عليه قول الله (إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها) وإقامة الدين كما قال الله تعالى(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)
الحقيقة السابعة : أن جميع الخلفاء الراشدين من أبي بكر إلى عمر إلى عثمان إلى علي تولوا أمر الأمة والخلافة على أساس الشورى لا على أساس الوصية والنسب وهذا ما ثبت عن جميع الصحابة وصرح به علي رضي الله عنه فقد روى الإمام الذهبي وغيره بسنده عن الحسن قال : لما قدم علي البصرة قام إليه ابن الكواء وقيس بن عباد فقالا له : ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه تتولى على الأمة تضرب بعضهم ببعض، أعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهده إليك ؟ فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت، فقال : أما أن يكون عندي عهد من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا والله، إن كنت أول من صدق به فلا أكون أول من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك ما تركت أخا بني تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره ولقاتلتهما بيدي ولو لم أجد إلا بردي هذا. ولكن رسول الله صلى  الله عليه وسلم لم يقتل قتلا ولم يمت فجأة مكث في مرضه أياما وليالي يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس وهو يرى مكاني، ثم يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب وقال : أنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر يصلي بالناس ، فلما قبض الله نبيه نظرنا في أمورنا فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله لديننا ، وكانت الصلاة أصل الإسلام وهي أعظم الأمر وقوام الدين.
فبايعنا أبا بكر وكان لذلك أهلا لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقه وعرفت له طاعته وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين
يديه الحدود بسوطي. وهكذا قال في عمر وعثمان قال فلما قتل عثمان بايعني أهل الحرمين وأهل هذين المصرين
الحقيقة الثامنة : أن الجهاد والقتال والتضحية في سبيل الله دفاعا عن الدين والحرية والكرامة والثورة والجمهورية واجب على كل مسلم في حدود قدرته وإمكاناته عملا بقول الله (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ، وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) ويقول سبحانه(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) ، (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ، وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) وهذا ما يمارسه جيشنا وأمننا وقبائلنا رافضين كل اشكال الهيمنة والوصاية وهو ما قام به ثوار سبتمبر وأكتوبر وفبراير وثورتنا هذه شعارهم قول الشاعر
‏كفرنا بالغدير وبالولايةْ ... وبالكهف المضرج بالغوايةْ
كفرنا بالضلالِ وزارعيهِ ... وطلقناهُ زوراً لا هدايةْ
كفرنا بالغديرِ حديثُ غدرٍ ... شربنا كأسهُ حتى النهايةْ
كفرنا بالخمينيين طُراً ... ولو جاءوا بمعجزةٍ وآيةْ
فكم هدموا بصرختهمْ بلاداً ... وجاءوا بالدمارِ وبالوصايةْ
قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ثم الدعاء والدعوة إلى الجهاد بالمال كما هو المعتاد وأقم الصلاة
خطبة 🎤 بعنوان
الهجرة دروس متجددة في حياة الأمة
🕌🕋🌴🕋🕌
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ لله إليه تصير الأمور، وبيدِه تصريفُ الدّهور، أحمده سبحانه وأشكره، عمَّ الخلائقَ فضلُه وإحسانه ، ووسِع المذنبين عفوُه وغفرانُه،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، عظُم شأنه وعزّ سلطانه وجل ثناءه وتقدست أسمـــاءه ،...

ولدتـك أمـك يا ابن آدم باكيـاً ...
والناس حولك يضحكون سروراً ..
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكـوا ...
في يوم مـوتك ضاحكاً مسروراً ..

وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبد الله ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً ...

يا خير من جاء الوجود تحية ***
من مرسلين إلى الهدى بك جاؤوا

بك بشر الله السماء فزينت ***
وتوضعت مسكا بك الغبراء

فإذا سخوت بلغت بالجود المدى ***
وفعلت ما لا تفعل الأنواء

وإذا عفوت فقادرا ومقدرا ***
لا يستهين بعفوك الجهلاء

وإذا رحمت فأنت أم أو أب ***
هذان في الدنيا هما الرحماء.

صلّى الله وسلّم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين،
وسلَّم تسليمًا كثيرًا ...

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1] ؛

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]،...

أما بعــد :

عبـــــــاد الله : -
دخـل أبو الدرداء رضي الله عنه الشام فقال: (يا أهل الشام، اسمعوا قول أخٍ ناصح ، فاجتمعوا عليه فقال: (ما لي أراكم تبنون ما لا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون؟! إن الذين كانوا من قبلكم بنوا مشيدًا وأملوا بعيدًا وجمعوا مثيرًا، فأصبح أملهم غرورًا وجمعهم ثبورًا ومساكنهم قبورًا .. ) ...

وصدق الله إذ يقول ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (الحديد:20) ..

إن رحيل الأيام والشهور والسنين من حياة الإنسان إنما هي بمثابة رحيل عمر هذا الإنسان في هذه الأرض وإنتهاء حياته وانتقاله إلى الدار الآخرة ،

فكم رأينا في عامنا المنصرم من بنَى وسكَن غيرُه، وجمع وأكل وارثه، وتعب واستراح من بعدَه...

إن تعاقب الشهور والأعوام على العبد قد يكون نعمة له أو نقمة عليه، فطول العمر ليس نعمة بحدّ ذاته، فإن طال عمر العبد ولم يعمره بالخير فإنما هو يستكثر من حجَج الله تعالى عليه...

أخرج الإمام أحمد وغيره عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((خير الناس من طال عمره وحسن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله) ...

وإن من أعظم الغفلة أن يعلم الإنسان أنه يسير في هذه الحياة إلى أجله، ينقص عمره، وتدنو نهايته، وهو مع ذلك لا يحتسب ليوم الحساب، ولا يتجهز ليوم المعاد، يؤمل أن يعمر عمر نوح، وأمر الله يطرق كل ليلة،
والواعظ يقول له:
يـا راقدَ الليـل مسرورا بأوله ***
إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

لقد ذهب عامكم شاهدًا عليكم أو لكم،
فهيئوا زادًا كافيا، وأعدوا جوابا شافيا، واستكثروا في أعماركم من الحسنات، وتداركوا ما مضى من الهفوات، وبادروا فرصة الأوقات قبل أن يفاجئكم هادم اللذات، ، ،

عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي يعظ رجلاً ويقول له: ((اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك ) أخرجه الحاكم ...

نسير إلى الآجـال فِي كل لحظـة ***
وأعمارنا تطوَى وهنَّ مراحل

ترحل من الدنيـا بزاد من التقـى ***
فعمرك أيـام و هنَّ قلائـل
عبـــــــاد الله : -
إننا على أبواب عام هجري جديد قد أقبل محملاً بما فيه،
نقف فيه متذكرين هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم إنها ذكرى الاعتبار والاتعاظ ...
وإنها لوقفة نستقرئ فيها فصلا من فصول الحياة ودرساً من دروس معلم البشرية ومحطم الوثنية صلى الله عليه وسلم لماذا ؟
لأنها هجرةٌ نفثت في الأرواح والأجساد والأوطان الحياة بما تحمله من معاني وقيم فالإنسان لا يكون حياً وإن أكل وشرب وتنفس إلا بالإيمان ...

قال تعالى ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:122) ...

وإن من أعظم دروس الهجرة التي ينبغي أن نتعلمها ونطبقها في حياتنا أن ندرك إنه لا قيمة للإنسان مهما بلغ من الذكاء والقوة والمال والمنصب والجاه إلا بالإلتزام بهذا الدين وإتباع الرسول الله صلى الله عليه وسلم والسير على منهجه ...

وإن من أعظم النعم التي يجب أن يشكرها العبد نعمة الإيمان والهداية وذلك بالدوام عليها والقيام بمقتضياتها ،،،
وإن من وسائل شكر هذه النعمة ونحن في بداية عام هجري جديد إستغلال الأعمار والأوقات بشتى أنواع العبادات والقربات ومواسم الطاعات والبعد عن المعاصي والآثام والسيئات ...

فكم من موانع وعقبات وشبهات تقف أمام الإنسان تصده عن الله وعن دينه وشرعه ...
وهناك من يستسلم للرغبات والشهوات فيبيع دينه بعرض من الدنيا قليل ،،،
وهناك من تشتاق نفسه إلى الهداية ...
لكن يمنعه حب الدنيا وزينتها وقول فلان وعلان و من الناس ،،،
يرى الحق أمامه واضحا جليا ومع ذلك لا يتبعه ..


هذا الأعشى بن قيس .. كان شيخاً كبيراً شاعراً .. خرج من اليمامة .. من نجد .. يريد النبي عليه الصلاة والسلام .. راغباً في دخول الإسلام ..مضى على راحلته .. مشتاقاً للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
بل كان يسير وهو يردد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً :

ألم تغتم عيناك ليلة أرمدا * **
وبت كما بات السليمُ مسهدا

ألا أيهذى السائلي أين يممت * **
فإن لها في أهل يثرب موعدا

واليت لا آوي لها من كلالة * **
ولا من حفي حتى تلاقي محمدا

نبي يرى ما لا ترون وذكرُه ***
أغار لعمري في البلاد وانجدا

أجدِّك لم تسمع وصاه محمد ***
نبيِّ الإله حيث أوصى وأشهدا

إذ أنت لم ترحل بزاد من التقى ***
ولا قيت بعد الموت من قد تزودا

ندمت على أن لا تكون كمثله. ***
فترصد للأمر الذي كان أرصدا

وما زال يقطع الفيافي والقفار..يحمله الشوق والغرام .. إلى النبي عليه السلام ..راغباً في الإسلام .. ونبذ عبادة الأصنام ..
فلما كان قريباً من المدينة..اعترضه بعض المشركين فسألوه عن أمره ؟ ..
فأخبرهم أنه جاء يريد لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم ...
فخافوا أن يسلم هذا الشاعر ..
فيقوى شأن النبي صلى الله عليه وسلم ..
فشاعر واحد وهو حسان بن ثابت قد فعل بهم الأفاعيل ..
فكيف لو أسلم شاعر العرب الأعشى بن قيس ..
فقالوا له : يا أعشى دينك ودين آبائك خير لك ..
قال : بل دينه خير وأقوم ..
قالوا : يا أعشى .. إنه يحرم الزنا ..
قال : أنا شيخ كبير ما لي في النساء حاجة ..
فقالوا : إنه يحرم الخمر ..
فقال : إنها مذهبة للعقل .. مذلة للرجل .. ولا حاجة لي بها ..
فلما رأوا أنه عازم على الإسلام ..
قالوا : نعطيك مائةَ بعير وترجع إلى أهلك .. وتترك الإسلام ..
قال : أما المال .. فنعم .. فجمعوها له ..
فارتد على عقبيه .. وكرَّ راجعاً إلى قومه بكفره ..
واستاق الإبل أمامه .. فرحاً بها مستبشراً ..
فلما كاد أن يبلغ دياره ..
سقط من على ناقته فانكسرت رقبته ومات ..
( ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ ) (النحل/107- 109)...


ومن دروس العام الهجري الجديد وهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يعلم كل مسلم حقيقة هذه الهجرة ، وأنها لم تكن سياحةً في الأرض ولا هروباً من الواقع ولا رغبةَ في السلامة أو استكشافاً لعالمٍ جديد,...
كلاَّ, ..!!
لقد كانتْ خياراً لا مفرّ منه, ، وحلاً أخيراً بعد أنْ ضاقتْ بالمسلمينَ أرضُ مكةَ بما رحبت, وتغيرَ عليهم الناسُ, وأصبحتْ بضعُ ركعاتٍ في المسجدِ الحرامِ جريمةً لا تُغتفر, وغدتْ قراءةُ القُرآن رجعيةً وهمجيةً, وإرهاباً وتطرفاً ...
عندها كان لابد من الهجرة فكانت حدثاً غير مجرى التأريخ، وحمل في طياته معاني القيم العظيمة والحب الخالد للدين و الشجاعة والتضحية والإباء، والصبر والنصر والفداء، والتوكل والقوة والإخاء، والاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الأعداء،
جعله الله سبحانه طريقا للنصر والعزة، ورفع راية الإسلام، وتشييد دولته، وإقامة صرح حضارته،،،

فما كان لنور الإسلام أن يشع في جميع أرجاء المعمورة لو بقي حبيسا في مهده، ولله الحكمة البالغة في شرعه وكونه وخلقه. ...

فالغايةَ الكُبرى من الوجودِ الإنسانيِ بأسرهِ هو عمارةُ الأرضِ بالتوحيدِ والإيمان, وإقامةُ حكمُ اللهِ وشرعهِ في عظائمِ الأُمورِ وصغارها ً...
ومتى ما تعذَّرَ تحقيقُ هذه الغايةِ فوقَ أرضٍ ما, أو في وظيفة ما أو في منصبٍ ما أو في مدينة ما أو مع شلة وأصحاب وكبراء يركنُ إليهم ويخافهم ..!!
فلا بُدَّ من البحثِ عن غيرِها من أرض أو وظيفة أو منصب مهما كان الثمن, ومهما كانتِ التضحيات ،،،

والله عز وجل يقول محذراَ أن يضعف الإنسان فيبيع دينه وقيمه ومبادئه بحجة الضعف والخنوع والإستسلام (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:97) ...

لقد أراد الصحابي الجليل صهيب الرومي الهجرة إلى المدينة فراراً بدينه ولحاقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان تاجراً ذا مال وفير ...
فتبعته قريش وقالوا : والله لا ندعك تلحق بصاحبك ..
لقد أتيتنا صعلوكاً لا مال لديك والآن تريد أن تهاجر ، والله لن ندعك ...
فقال : يا معشر قريش أرايتم إن أخبرتكم أين مالي أتخلون سبيلي ؟
قالوا : نعم ؟
فدلهم على ماله وهاجر بدينه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
فلما رأه سلم عليه وقال له ربح البيع أبا يحيى .. ربح البيع أبا يحيى ...
وأنزل الله قوله تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (البقرة:207) ...


ومن هذه الدروس أن نعي جميعاً أن الأخوة والحب التراحم فيما بيننا كمسلمين سبب لقوتنا وصلاح مجتمعاتنا وسبب لإستجلاب رحمة الله وتوفيقه،

ولذلك آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المسلمين بعد الهجرة وشدد على هذه الأخوة وبين ثمراتها وحذر من التباغض والتحاسد وفساد ذات البين وقد بين الله أهميتها في حياة الأفراد والمجتمعات...
د قال تعالى ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(الحجرات: 10)...
بها امتن الله على عباده فقال ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(آل عمران: من الآية103)...

ولأهميتها وعظيم أجرها فقد تولى سبحانه وتعالى بنفسه يوم القيامة يوم العرض الأكبر نداء المتحابين فيه ليكرمهم ويجزيهم أعظم الجزاء..

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلّهم في ظلّي يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي ( رواه مسلم) ..

ولها منزلة عظيمة تطلع لوصول إليها الأنبياء والشهداء والصالحين ...
قال صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: "أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ") (أخرجه أبو داود وصححه الألباني ) ...

بل جعل سبحانه وتعالى الأخوة وسيلة لإكتساب حلاوة الإيمان ،،،
فقد قال صلى الله عليه وسلم: [ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ] ( البخاري ومسلم) ...
و هي طريق المؤمنين وسبيلهم إلى الجنة قال صلى الله عليه وسلم [وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا أَنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ] (رواه مسلم ) ...

فليكن هذا العام الهجري الجديد هو عام الأخوة والعفو والتراحم والتسامح فيما بيننا ...

اللهم وفقنا لعبادتك واستعملنا في طاعتك وثبتنا على الهدى وبصرنا من العمى ...

قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه...





-:(( الخطــــبة الثانــية )): -

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...

أما بعد:

عبــــــــاد الله :-

ما أحوجنا اليومَ ونحنُ نستقبلُ عامًا جديدًا إلى فتحِ صفحةٍ بيضاء, نصطلحُ فيها مع اللهِ سبحانه الذي أمهلَنا كثيرًا, وصبرَ علينا طويلاً, ومنحنَا الفرصةَ تلوَ الفرصة،
قال تعالى ( وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) [الشعراء:132-135] ..

وليكن كل مسلم مهاجر إلى الله بهجر الذنوب والخطايا والتوبة النصوح ورد الحقوق والمظالم إلى اهلها وبذل المعروف وكف الأذى قال صلى الله عليه وسلم «ألا أخبركم بالمؤمن؟ من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه فى طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب» (شعب الإيمان، ١٣/٤٥٥ برقم ١٠٦١١).وفى رواية البخارى: «والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» (البخارى ١/١١ برقم ١٠)..


أيها المؤمنون /عبـــــــاد الله : -
ما أحوجنا ونحن نستقبل عاماً جديداً إلى فتح صفحة بيضاء نقوي بها أخوتنا ونحفظ بها مجتمعنا ونصون دمائنا وأعراضنا ،
ويؤدي كل واحد منا واجبه تجاه الآخرين فتحل علينا رحمة الله ويرفع عنا مقته وغضبه فتصلح الأحوال وتظهر الرحمة وتنتشر المودة والتعاون بين الجميع ...

اللهُمَّ إنَّا نسألُك إيمانًا يُباشرُ قُلوبنا ويقينًا صادقًا وتوبةً قبلَ الموتِ وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة ولا فتنةً مُضلة...

اللهُمَّ زينَّا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مُهتدين, لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروفِ آمرين، وعن المُنكرِ ناهين يا ربَّ العالمين...

هذا وقد أمركم ربكم بأمر بدأ فيه بنفسه المتعالي بعظمته ومجده ، وثنى بملائكته الكرام المسبحة بقدسه ، وثلث بكم معاشر المسلمين من جنه وإنسه ،

فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]...

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞِّ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺑﺎﺭﻙ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر،
ﻭﺍﺭﺽَ ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﺧﻠﻔﺎﺋﻪ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﻳﻦ،
أبي بكر و عمر و عثمان و علي ، ﻭﻋﻦ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ، ﻭﻋﻦ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ، ﻭﻣﻦ ﺗﺒﻌﻬﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻋﻨﺎ ﻣﻌﻬﻢ ﺑﻤﻨﻚ ﻭﺭﺣﻤﺘﻚ ﻳﺎ ﺃﺭﺣﻢ الراحمين ..

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺃﻋﺰ ﺍﻹ‌ﺳﻼ‌ﻡ ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﺃﺫﻝ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻭﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ، ﻭﺍﺣﻢ ﺣﻮﺯﺓ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﺍﺟﻌﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﺁﻣﻨﺎً ﻣﻄﻤﺌﻨﺎً ﻭﺳﺎﺋﺮ ﺑﻼ‌ﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻳﺎ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ..

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺁﻣﻨﺎ ﻓﻲ ﺃﻭﻃﺎﻧﻨﺎ ﻭﺃﺻﻠﺢ ﺃﺋﻤﺘﻨﺎ ﻭﻭﻻ‌ﺓ ﺃﻣﻮﺭﻧﺎ، ﻭﺍﺟﻌﻞ ﻭﻻ‌ﻳﺘﻨﺎ ﻓﻴﻤﻦ ﺧﺎﻓﻚ ﻭﺍﺗﻘﺎﻙ ﻭﺍﺗﺒﻊ ﺭﺿﺎﻙ ﻳﺎ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ...

ﺍﻟﻠـﻬﻢ ﺇﻥ ﺃﺭﺩﺕ ﺑﺎﻟﻨﺎﺱ ﻓﺘﻨﺔ ﻓﺎﻗﺒﻀﻨﺎ ﺇﻟﻴﻚ ﻏﻴﺮ ﺧﺰﺍﻳﺎ ﻭﻻ‌ ﻣﻔﺘﻮﻧﻴﻦ ، ﻭﻻ‌ ﻣﻐﻴﺮﻳﻦ ﻭﻻ‌ ﻣﺒﺪﻟﻴﻦ ﺑﺮﺣﻤﺘﻚ ﻳﺎ ﺃﺭﺣﻢ ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻴﻦ ...

ﺍﻟﻠـﻬﻢ ﻻ‌ ﺗﺪﻉ ﻷ‌ﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﻓﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺫﻧﺒﺎً ﺇﻻ‌ ﻏﻔﺮﺗﻪ ﻭﻻ‌ ﻣﺮﻳﻀﺎ ﺇﻟﻰ ﺷﻔﻴﺘﻪ ﻭﻻ‌ ﺩﻳﻨﺎً ﺇﻻ‌ ﻗﻀﻴﺘﻪ ، ﻭﻻ‌ ﻫﻤﺎً ﺇﻟﻰ ﻓَﺮَّﺟْﺘﻪ ، ﻭﻻ‌ﻣﻴﺘﺎ ﺇﻻ‌ ﺭﺣﻤﺘﻪ ، ﻭﻻ‌ ﻋﺎﺻﻴﺎ ﺇﻻ‌ ﻫﺪﻳﺘﻪ ، ﻭﻻ‌ ﻃﺎﺋﻌﺎ ﺇﻻ‌ ﺳﺪﺩﺗﻪ ، ﻭﻻ‌ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻚ فيها ﺭﺿﺎً ﻭﻟﻨﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺻﻼ‌ﺡ ﺇﻻ‌ ﻗﻀﻴﺘﻬﺎ ﻳﺎ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ,...

ﺍﻟﻠـﻬﻢ ﺍﺟﻌﻞ ﺟﻤﻌﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﺟﻤﻌﺎً ﻣﺮﺣﻮﻣﺎً ، ﻭﺗﻔﺮﻗﻨﺎً ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻩ ﺗﻔﺮﻗﺎ ﻣﻌﺼﻮﻣﺎ ﻭﻻ‌ ﺗﺠﻌﻞ ﻓﻴﻨﺎ ﻭﻻ‌ ﻣﻨﺎ ﻭﻻ‌ ﻣﻌﻨﺎ ﺷﻘﻴﺎً ﺃﻭ ﻣﺤﺮﻭﻣﺎً ,

اللهم لا تخرجنا من هذا المكان إلا بذنب مغفور وسعى مشكور وتجارةٍ لن تبور ..
اللهم إرحم ضعفنا ، وإرحم بكاءنا ، وارحم بين يديك ذلنا وعجزنا وفقرنا ..

اللهم لا تفضحنا بخفى ما أطلعت عليه من اسرارنا
ولا بقبيح ما تجرأنا به عليك فى خلواتنا ،

يا رب إغفر الذنوب التى تهتك العصم،
وأغفر لنا الذنوب التى تنزل النقم ،
واغفر لنا الذنوب التى تحبس الدعاء ،
وأغفر لنا الذنوب التى تقطع الرجاء،
وأغفر لنا الذنوب التى تنزل البلاء ،
يا من ذكره دواء ، وطاعته غناء ، إرحم من رأس مالهم الرجاء ، وسلاحهم البكاء برحمتك يا أرحم الراحمين ...

اللهم إرحم موتانا وموتى المسلمين ،
وإشفى مرضانا ومرضى المسلمين ،
اللهم جدد آمالهم ، وأذهب آلآمهم

اللهم تقبل منا وأقبلنا إنك أنت التواب الرحيم..
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻧﺴﺄﻟﻚ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﻣﺎ ﻗﺮﺏ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻮﻝٍ ﻭﻋﻤﻞ،ﻭﻧﻌﻮﺫ ﺑﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭﻣﺎ ﻗﺮﺏ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻮﻝ ﻭﻋﻤﻞ ﻳﺎ ﺃﺭﺣﻢ ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻴﻦ،

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﺎ ﻧﺴﺄﻟﻚ ﺃﻟﺴﻨﺔ ﺫﺍﻛﺮﺓ ﺻﺎﺩﻗﺔ، ﻭﻗﻠﻮﺑﺎً ﺳﻠﻴﻤﺔ، ﻭﺃﺧﻼ‌ﻗﺎً ﻣﺴﺘﻘﻴﻤﺔ ﺑﺮﺣﻤﺘﻚ ﻳﺎ ﺃﺭﺣﻢ ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻴﻦ..

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺍﺧﺘﻢ ﻟﻨﺎ ﺑﺨﺎﺗﻤﺔ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ، ﻭﺍﺟﻌﻠﻨﺎ ﻣﻤﻦ ﻛﺘﺒﺖ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭﺯﻳﺎﺩﺓ، ﻳﺎ ﻛﺮﻳﻢ ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ.
 
ﺭﺑﻨﺎ ﺁﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﺴﻨﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﻵ‌ﺧﺮﺓ ﺣﺴﻨﺔ ﻭﻗﻨﺎ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻨﺎﺭ...

عبــاد الله:

{ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻳَﺄْﻣُﺮُ ﺑِﺎﻟْﻌَﺪْﻝِ ﻭَﺍﻹ‌ِﺣْﺴَﺎﻥِ ﻭَﺇِﻳﺘَﺎﺀِ ﺫِﻱ ﺍﻟْﻘُﺮْﺑَﻰ ﻭَﻳَﻨْﻬَﻰ ﻋَﻦِ ﺍﻟْﻔَﺤْﺸَﺎﺀِ ﻭَﺍﻟْﻤُﻨْﻜَﺮِ ﻭَﺍﻟْﺒَﻐْﻲِ ﻳَﻌِﻈُﻜُﻢْ ﻟَﻌَﻠَّﻜُﻢْ ﺗَﺬَﻛَّﺮُﻭﻥَ}. (ﺍﻟﻨﺤﻞ: 90)

فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون...
والحمد لله رب العالمين ...
خطبة 🎤 بعنوان
الهجرة لم تكن هروبا من الواقع..!!
🕌🕋🌴🕋🕌
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله الذي منّ علينا بالإيمان،
وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وجعلنا من الراشدين...

ونشهد أن لا إله إلا الله يحب التائب ويقبل الآيب، وليس لديه بواب ولا حاجب،،،
إذا قال العبد: يا رب قد أذنبت،
قال الله له: يا عبدي وأنا قد سترت،
فإذا قال العبد: يا رب قد ندمت وتبت،
قال الله تعالى: يا عبدي وأنا قد قبلت،
من ذا الذي جاء إلى بابنا فطردناه،
من ذا الذي مدّ إلينا يده فما أجبناه، من ذا الذي سألنا فما أعطيناه ؟

ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً رسول الله صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر صلى الله عليه وعلى آله و صحابته الغُر الميامين، والقادة المظفرين، أعلام الهدى وأُسد الوغى، ومنارات التقى، وسلم تسليماً كثيراً ...

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1] ؛

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]،...

أما بعــد : -

عبـــــــاد الله : -
مع كثرت المشاكل وتنوع الابتلاءات التي تصيب الإنسان في حياته وحجم التكاليف والأعباء التي ينبغي أن يؤديها ويقوم بها فإنه وفي حالة ضعف قد لا يستطيع أن يصمد او يواجه كل هذه التحديات ، فيهرب من واقعه وحياته إلى واقع آخر يصنعه بنفسه يوافق هواه ويستجيب لرغباته ،

والإنسان خلقه الله وجعل من سننه في هذه الحياة أن يبتليه بشتى أنواع الإبتلاءات ليرفع من مكانته ويزيد في أجره ليستحق أن يكون خليفة الله في أرضه ووراثاً لنعيم الله في جنته وأمره سبحانه وتعالى بالصبر والثبات ومواجهة نوائب الدهر وعقبات الزمان بالإيمان والأمل..

قال تعالى ( وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ)( الرعد: 22) ...
وقال سبحانه (ليْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)( البقرة: 177) ...

هذه الحياة جبلت على كدر لم يسلم منها الأنبياء قدوة الخلق عليهم صلوات الله وسلامه ولم يسلم منها عباد الله المقربون وهم مع ذلك لم يضعفوا ولم يستكينوا ولم يهربوا من واقع الحياة ومتطلباتها وواجباتهم ومسئولياتهم فكان لهم النصر والتمكين وتهيئة الأسباب والمكانة العالية والمقام الرفيع ...

قال تعالى ("وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ")(السجدة/ 24) ...

وقال تعالى ("فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ")(الأحقاف/ 35) ...

وفي ذكر الهجرة النبوية وفي بداية عام هجري جديد يأخذ المسلم الدروس من هذا الحدث التاريخي العظيم ،
و إنها لذكرى الاعتبار والاتعاظ ... ووقفة نستقرئ فيها فصلا من فصول الحياة ،
ودرساً من دروس معلم البشرية ومحطم الوثنية صلى الله عليه وسلم ...

لماذا ؟

لأنها هجرةٌ نفثت في الأرواح والأجساد والأوطان الحياة بما تحمله من معاني وقيم فالإنسان لا يكون حياً وإن أكل وشرب وتنفس إلا بالإيمان ..

قال تعالى ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:122) ...
إن الهجرة تكن لم سياحةً في الأرض ولا هروباً من الواقع ولا رغبةَ في السلامة أو استكشافاً لعالمٍ جديد,
فالهروب من الواقع في مثل هذا الحدث أن يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما عرضت عليه قريش من الملك والمكانة والمنصب والمال ويترك دينه ودعوته ...

والهروب من الواقع أن يستسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه للضغوطات ويؤثروا السلامة لأنفسهم وأهليهم بترك هذا الدين ...

والهروب من الواقع أن تخرج من بلادك تبحث عن مكان تخلد فيه للراحة وتعتزل الناس فتموت أفكارك وقيمك وأهدافك وترضخ للواقع ...

كلاَّ ..!!

لم يكن ذلك من أهداف هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بل كانتْ خياراً لا مفرّ منه, وحلاً أخيراً بعد أنْ ضاقتْ بالمسلمينَ أرضُ مكةَ بما رحبت, وتغيرَ عليهم الناسُ, وأصبحتْ بضعُ ركعاتٍ في المسجدِ الحرامِ جريمةً لا تُغتفر, وغدتْ قراءةُ القُرآن رجعيةً وهمجيةً, وإرهاباً وتطرفاً ..!!
عندها ،،، كان لابد من الهجرة للحفاظ على الدين وتبليغ الرسالة وبناء الأمة لمواجهة الباطل وتحدياته من جديد ، فكانت حدثاً غير مجرى التأريخ، حمل في طياته معاني القيم العظيمة والحب الخالد للدين و الشجاعة والتضحية والإباء، والصبر والنصر والفداء، والتوكل والقوة والإخاء، والاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الأعداء، ، ،

جعله الله سبحانه طريقا للنصر والعزة، ورفع راية الإسلام، وتشييد دولته، وإقامة صرح حضارته، فما كان لنور الإسلام أن يشع في جميع أرجاء المعمورة لو بقي حبيسا في مهده، ولله الحكمة البالغة في شرعه وكونه وخلقه. ..


عبـــــــاد الله : -

إنَّ الغايةَ الكُبرى من الوجودِ الإنسانيِ بأسرهِ هو عمارةُ الأرضِ بالتوحيدِ والإيمان, وإقامةُ حكمُ اللهِ وشرعهِ في عظائمِ الأُمورِ وصغارها ً ومتى ما تعذَّرَ تحقيقُ هذه الغايةِ فوقَ أرضٍ ما, أو في وظيفة ما أو في منصبٍ ما أو في مدينة ما أو مع شلة وأصحاب وكبراء يركنُ إليهم ويخافهم ...

فلا بُدَّ من البحثِ عن غيرِها من أرض أو وظيفة أو منصب مهما كان الثمن,
ومهما كانتِ التضحيات والله عز وجل يقول محذراَ أن يضعف الإنسان وأن يهرب من واقع الحياة دون بذل أو عطاء أو مساهمة أو ايجابية تبرهن استحقاقه شرف الإنتساب لهذا الدين والحق والخير الذي أمر به أما أن يبيع دينه وقيمه ومبادئه بحجة الضعف والخنوع والإستسلام للظروف ،،

فهذا مما لا يرضاه الله القائل (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:97) ...

لقد أراد الصحابي الجليل صهيب الرومي الهجرة إلى المدينة وهو التاجر صاحب المال الوفير ، فواقعه الذي يعيش فيه أنه في مأمن على نفسه وماله ،
وإن كان يكتم إيمانه ففي ذلك خير لكن عندما يكون هناك تمايز بين الحق والباطل والخير والشر والمصلحة والمفسدة كانت الهجرة استجابة لأمر الله ورسوله ، وتقوية للصف والمساهمة في البناء ولو كان في ذلك خسارة للمكانة والشرف والمال فيما يبدو للناس وإلا فأن ما عند الله خير وأبقى ...
لقد تبعته قريش وقالوا والله لا ندعك تلحق بصاحبك لقد أتيتنا صعلوكاً لا مال لديك والآن تريد أن تهاجر ،
والله لن ندعك ...
فقال يا معشر قريش : أرايتم إن أخبرتكم أين مالي أتخلون سبيلى ؟
قالوا : نعم ..
فدلهم على ماله وهاجر بدينه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فلما رأه سلم عليه وقال له ربح البيع أبا يحيى ..
ربح البيع أبا يحيى ..
وأنزل الله قوله تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (البقرة:207) ...


أيها المؤمنون /عبــاد الله : -

لقد هرب كثير من الناس من واقع الحياة وظروفها،
فهذا تخلى عن واجباته الأسرية تجاه أولاده وأهله..!!
وآخر هرب من واقعه وتنازل عن أخلاقه تماشياً ومسايرة للواقع ..!!
وآخر هرب من واقعه ودفن رأسه في الرمال يرى واقع أمته ومجتمعه في خطر محدق وفساد مستشري فلم ينصح أو يوجه أو يساهم أو يأمر بمعروف أو ينهي عن منكر ، فآثر السلامة فيما يبدو له ..!!
لكن ذلك هو الضعف والذل والقصور في فهم الدين ونواميس الكون وسنن الحياة ...

أين هذا الإنسان وأمثاله من تلك النملة الصغيرة في الوادي المترامي الأطراف وقد رأت جيش سليمان عليه السلام قد قرب من مجتمعها وبلادها وأهلها فصاحت محذرة قومها وبني جنسها محذرة إياهم من هذا الخطر ؟!

قال تعالى ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾(النمل: 18) ...
فأين الإيمان وأين هذه العقيدة السليمة التي تربي المسلم على القوة والعظمة والخيرية والبذل والعطاء؟
أين هذا الإيمان في قلوب المسلمين اليوم ؟

إن يجب أن يدرك المسلمون أن سبب عزتهم وقوتهم وثباتهم على الحق تكمن في تحقيق كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة عليها،
وأن أي تفريط في أمر العقيدة أو تقصير في أخوة الدين مآله ضعف الأفراد وتفكك المجتمع وهزيمة الأمة،

وإن المتأمل في هزائم الأمم وانتكاسات الشعوب عبر التأريخ يجد أن مردّ ذلك إلى التفريط في أمر العقيدة والتساهل في جانب الثوابت المعنوية مهما تقدمت الوسائل المادية، فقوة الإيمان تفعل الأعاجيب وتجعل المؤمن صادقا في الثقة بالله والاطمئنان إليه والاتكال عليه، ، ،

هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ينظر إلى مواضع أقدام المشركين حول الغار فيقول: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا، فيجيبه صلى الله عليه وسلم جواب الواثق بنصر الله: ((يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما) (البخاري 3653)...
بل لقد تبعتهم قريش بفرسانها ، و أرصدت لمن يأت بمحمد حياً أو ميتاً مائة ناقة وهو في ذلك الوقت مال عظيم ،،
ولقد صور الله مكرهم وحقدهم وتآمرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) [الأنفال:30] ...
وكان من بين هؤلاء الفرسان سراقة بن مالك المدلجي الذي كاد أن يمسك بهما ،
فلما رآه سيدنا أبي بكر قال أُتينا يا رسول الله فقال : له النبي صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا ...
فدعا صلى الله عليه وسلم على سراقة فساخت يدا فرسه في الرمل فقال سراقة : إني أراكما قد دعوتما علي، فادعوا لي، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب،
فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم ...
وفي رواية أن النبي صلى عليه وسلم قال لسراقة كيف بك إذا لبست سواري كسرى وتاجه فيعجب الرجل ويبهت ويقول: كسرى بن هرمز؟
فيقول: "نعم". ( وكأن سراقة يضحك ويقول في نفسه هذا ضربٌ من الخيال،
أهذا يستولي على إمبراطوريات الدنيا؟!
أهذا يلغي ممالك العالم، وهو لا يستطيع أن ينجو بنفسه؟!
أيمكن لهذا الرجل المطلوب حياً أو ميتاً أن يوزع كنوز الملوك وثرواتهم لمن يشاء ويتصرف بها كيفما يشاء وهو لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ؟

وبالفعل تم ذلك، ودكدك الظلم، وفتح فارس، ورفرفت لا إله إلا الله على الإيوان ...

فلما غنم المسلمون كنوز كسرى أتى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بها بين يدي عمر بن الخطاب ،
فأمر عمر بأن يأتوا له بسراقة و قد كان وقتها شيخاً كبيراً قد جاوز الثمانين من العمر ،
و قد مضى على وعد رسول الله له أكثر من خمسة عشر سنة فألبسه سواري كسرى و تاجه فقال له أرفع يديك وقل الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة الأعرابي، ) (وأصل القصة في صحيح البخاري كتاب المناقب باب علامات النبوة 3419 /كنز العمال .35752 ) ....

فما أحوجنا إلى إعادة الثقة بأنفسنا وقدراتنا وقيمنا ومبادئنا وديننا فنحن أمة أختارها الله وأصطفى منها رسولها وتكفل بحفظ كتابها وتعهد بنصرها وتمكينها ...

اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلا ...

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم...





-:(( الخطــــبة الثانــية )): -


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...

أما بعد:

عبــــــــاد الله :-

ما أحوجنا اليومَ ونحنُ نستقبلُ عامًا جديدًا إلى فتحِ صفحةٍ بيضاء, نصطلحُ فيها مع اللهِ سبحانه الذي أمهلَنا كثيرًا, وصبرَ علينا طويلاً, ومنحنَا الفرصةَ تلوَ الفرصة،
قال تعالى ( وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) [الشعراء:132-135]...

وإنه لينبغي أن يهجر كل مسلم ما نهى الله عنه حتى يكون مهاجرا إلى الله سبحانه،

أخرج ابن ماجة عن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب).

فهل فكّرنا في هذه الهجرة التي لا تتطلب مالا ولا سفرا ولا تعرضا لخطر، بل تتطلب عزما وحزما، وتتطلب صدقا وإخلاصا في التوجه إلى الله سبحانه وفي نصرة دينه وإقامة شرعه؟!

إننا مُطالَبون جميعًا بهجرةِ ما نهى اللهُ عنه إن كُنَّا نُؤمنُ باللهِ واليومِ الآخر ونُوقنُ بالجنةِ والنار, وهجرة ما نهى اللهُ عنه ،
تُطالبُ بها الأمةُ كلُها من أعلى القمةِ إلى أسفلِ القاع؛
فالأمةُ كُلها تستقلُ سفينةً واحدة, فليسَ لأحدٍ أن يخرقَ في نصيبهِ خرقًا, فمتى خُرقت السفينةُ فإن الخطر الداهم والهلاك سيعم الجميع ...


عبـــــــاد الله :
إن فهمنا لحدث الهجرة النبوية ودروسها ينبغي أن يطبق في واقع حياتنا ويظهر في سلوكياتنا من حب وتضحية لهذا الدين واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وحبه والسير على نهجه ، والدفاع عن سنته ، وتقوية روابط الأخوة والحب والتراحم فيما بيننا ، والتخطيط والتعليم والأخذ بالأسباب لبناء الحضارة وإعداد القوة لمواجهة الأعداء ، وحسن التربية لأولادنا وأهلينا، وربطهم بقيم هذا الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزرع الأمل في النفوس ، والثقة بنصر الله ، ، ،

ولن يكون الهروب من الواقع والرضى بالدون والتنازل عن القيم فيه نجاة ولا سعادة ولا راحة ..!!

إنما يكون ذلك بتقوية الإيمان وإجادة العمل ونشر الخير ودفع الباطل ومواجهته. ومعرفة غاية الخلق. وواجبنا في الحياة. والتعلق بمعالي الأمور. والبعد عن سفاسفها. والصبر واليقين حتى يأتي أمر الله ، ، ،
ولن يخلف الله وعده بالتمكين لعباده ونصرهم والدفاع عنهم وما ذلك على الله بعزيز ...

اللهُمَّ إنَّا نسألُك إيمانًا يُباشرُ قُلوبنا ويقينًا صادقًا وتوبةً قبلَ الموتِ وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة ولا فتنةً مُضلة.
اللهُمَّ زينَّا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مُهتدين, لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروفِ آمرين، وعن المُنكرِ ناهين يا ربَّ العالمين...

هـــذا ﻭﺻﻠﻮﺍ ﻭﺳﻠﻤﻮﺍ ﺭﺣﻤﻜﻢ ﺍﻟﻠﻪ على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين وقائد الغُرِّ المُحجلين، ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻤﻬﺪﺍﺓ، ﻭﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﺍﻟﻤﺴﺪﺍﺓ ،
النبي المصطفى والرسول المجتبى ،
ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻭﺇﻣﺎﻣﻨﺎ ﻭﻗﺪﻭﺗﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة.

ﻓﻘﺪ ﺃﻣﺮﻛﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺎﻟﺼﻼ‌ﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼ‌ﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻘﻮﻟﻪ: {ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻭَﻣَﻼ‌ﺋِﻜَﺘَﻪُ ﻳُﺼَﻠُّﻮﻥَ ﻋَﻠَﻰ ﺍﻟﻨَّﺒِﻲِّ ﻳَﺎ ﺃَﻳُّﻬَﺎ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺁﻣَﻨُﻮﺍ ﺻَﻠُّﻮﺍ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠِّﻤُﻮﺍ ﺗَﺴْﻠِﻴﻤًﺎ} [ﺍﻷ‌ﺣﺰﺍﺏ: 56].

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞِّ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺑﺎﺭﻙ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر،
ﻭﺍﺭﺽَ ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﺧﻠﻔﺎﺋﻪ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﻳﻦ،
أبي بكر و عمر و عثمان و علي ، ﻭﻋﻦ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ، ﻭﻋﻦ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ، ﻭﻣﻦ ﺗﺒﻌﻬﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻋﻨﺎ ﻣﻌﻬﻢ ﺑﻤﻨﻚ ﻭﺭﺣﻤﺘﻚ ﻳﺎ ﺃﺭﺣﻢ الراحمين ..

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين..

اللهم احقن دمائنا واحفظ بلادنا وألف بين قلوبنا ... ومن أرادنا أو أراد بلادنا بسوء أو مكروه فرد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه ..

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺯﺩﻧﺎ ﻭﻻ‌ ﺗﻨﻘﺼﻨﺎ، ﻭﺃﻛﺮﻣﻨﺎ ﻭﻻ‌ ﺗﻬﻨﺎ، ﻭﺃﻋﻄﻨﺎ ﻭﻻ‌ ﺗﺤﺮﻣﻨﺎ، ﻭﺁﺛﺮﻧﺎ ﻭﻻ‌ ﺗﺆﺛﺮ ﻋﻠﻴﻨﺎ، ﻭﺍﺭﺽ ﻋﻨﺎ ﻭﺃﺭﺿﻨﺎ،
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺍﺟﻌﻞ ﺯﺍﺩﻧﺎ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ، ﻭﺯﺩﻧﺎ ﺇﻳﻤﺎﻧﺎً ﻭﻳﻘﻴﻨﺎً ﻭﻓِﻘﻬﺎً ﻭﺗﺴﻠﻴﻤﺎً،

ﺍﻟﻠـﻬﻢ ﺍﺟﻌﻞ ﺟﻤﻌﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﺟﻤﻌﺎً ﻣﺮﺣﻮﻣﺎً ، ﻭﺗﻔﺮﻗﻨﺎً ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻩ ﺗﻔﺮﻗﺎ ﻣﻌﺼﻮﻣﺎ ﻭﻻ‌ ﺗﺠﻌﻞ ﻓﻴﻨﺎ ﻭﻻ‌ ﻣﻨﺎ ﻭﻻ‌ ﻣﻌﻨﺎ ﺷﻘﻴﺎً ﺃﻭ ﻣﺤﺮﻭﻣﺎً ,

اللهم لا تخرجنا من هذا المكان إلا بذنب مغفور وسعى مشكور وتجارةٍ لن تبور ..
اللهم إرحم ضعفنا ، وإرحم بكاءنا ، وارحم بين يديك ذلنا وعجزنا وفقرنا ..

اللهم لا تفضحنا بخفى ما أطلعت عليه من اسرارنا
ولا بقبيح ما تجرأنا به عليك فى خلواتنا ،

يا رب إغفر الذنوب التى تهتك العصم،
وأغفر لنا الذنوب التى تنزل النقم ،
واغفر لنا الذنوب التى تحبس الدعاء ،
وأغفر لنا الذنوب التى تقطع الرجاء،
وأغفر لنا الذنوب التى تنزل البلاء ،
يا من ذكره دواء ، وطاعته غناء ، إرحم من رأس مالهم الرجاء ، وسلاحهم البكاء برحمتك يا أرحم الراحمين ...

اللهم إرحم موتانا وموتى المسلمين ،
وإشفى مرضانا ومرضى المسلمين ،
اللهم جدد آمالهم ، وأذهب آلآمهم

اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين وَنعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ..

اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وتولى أمرنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً ...

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﺎ ﻧﺴﺄﻟﻚ ﻣﻮﺟﺒﺎﺕ ﺭﺣﻤﺘﻚ، ﻭﻋﺰﺍﺋﻢ ﻣﻐﻔﺮﺗﻚ، ﻭﺍﻟﺴﻼ‌ﻣﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺇﺛﻢ، ﻭﺍﻟﻐﻨﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺑﺮ، ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﺎ ﻧﺴﺄﻟﻚ ﺍﻟﻔﻮﺯ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ ﻭﺍﻟﻨﺠﺎﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺭ ،

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻻ‌ ﺗﺪﻉ ﻟﻨﺎ ﺫﻧﺒﺎً ﺇﻻ‌ ﻏﻔﺮﺗﻪ، ﻭﻻ‌ ﻫﻤﺎً ﺇﻻ‌ ﻓﺮﺟﺘﻪ، ﻭﻻ‌ ﺩﻳﻨﺎً ﺇﻻ‌ ﻗﻀﻴﺘﻪ، ﻭﻻ‌ ﻣﺮﻳﻀﺎً ﺇﻻ‌ ﺷﻔﻴﺘﻪ، ﻭﻻ‌ ﺣﺎﺟﺔً ﺇﻻ‌ ﻗﻀﻴﺘﻬﺎ ﻭﻳﺴّﺮﺗﻬﺎ ﻳﺎ ﺭﺏّ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ،

اللهم تقبل منا وأقبلنا إنك أنت التواب الرحيم..

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻧﺴﺄﻟﻚ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﻣﺎ ﻗﺮﺏ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻮﻝٍ ﻭﻋﻤﻞ،ﻭﻧﻌﻮﺫ ﺑﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭﻣﺎ ﻗﺮﺏ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﻮﻝ ﻭﻋﻤﻞ ﻳﺎ ﺃﺭﺣﻢ ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻴﻦ،

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﺎ ﻧﺴﺄﻟﻚ ﺃﻟﺴﻨﺔ ﺫﺍﻛﺮﺓ ﺻﺎﺩﻗﺔ، ﻭﻗﻠﻮﺑﺎً ﺳﻠﻴﻤﺔ، ﻭﺃﺧﻼ‌ﻗﺎً ﻣﺴﺘﻘﻴﻤﺔ ﺑﺮﺣﻤﺘﻚ ﻳﺎ ﺃﺭﺣﻢ ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻴﻦ..

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺍﺧﺘﻢ ﻟﻨﺎ ﺑﺨﺎﺗﻤﺔ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ، ﻭﺍﺟﻌﻠﻨﺎ ﻣﻤﻦ ﻛﺘﺒﺖ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭﺯﻳﺎﺩﺓ، ﻳﺎ ﻛﺮﻳﻢ ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ.
 
ﺭﺑﻨﺎ ﺁﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﺴﻨﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﻵ‌ﺧﺮﺓ ﺣﺴﻨﺔ ﻭﻗﻨﺎ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻨﺎﺭ...

عبــاد الله:


{ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻳَﺄْﻣُﺮُ ﺑِﺎﻟْﻌَﺪْﻝِ ﻭَﺍﻹ‌ِﺣْﺴَﺎﻥِ ﻭَﺇِﻳﺘَﺎﺀِ ﺫِﻱ ﺍﻟْﻘُﺮْﺑَﻰ ﻭَﻳَﻨْﻬَﻰ ﻋَﻦِ ﺍﻟْﻔَﺤْﺸَﺎﺀِ ﻭَﺍﻟْﻤُﻨْﻜَﺮِ ﻭَﺍﻟْﺒَﻐْﻲِ ﻳَﻌِﻈُﻜُﻢْ ﻟَﻌَﻠَّﻜُﻢْ ﺗَﺬَﻛَّﺮُﻭﻥَ}. (ﺍﻟﻨﺤﻞ: 90)
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون...
والحمد لله رب العالمين ...
خطبة الجمعة 7 محرم 1444هـ الموافق 5 أغسطس 2022م
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام وشرع لنا من الدين ما فيه صلاح للقلوب والأفهام، ورفع عنا الأمراض والأوبئة والأسقام، وجعلنا شهداء على البشرية والأنام، اللهم ربنا لك الحمد ما توالت الليالي والأيام والشهور والأعوام وما تحركت بذكرك القلوب والألسنة والأقلام.
وأشهد أن لا إِله إلا الله وحده لا شريك له الملك القُدّوس السلام ذو الجلال والكمال والإكرام، من حثنا على الإكثار من الطاعة والعبادة في الشهر الحرام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رفع الله به عن الأمة الآصار والأغلال والآثام صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأعلام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الحشر والزحام.
أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته والبعد عن معصيته والجهاد في سبيله بالنفس والمال واللسان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا).
أما بعد:
فهذا شهر الله المحرم أحد الأشهر الحرم التي عظمها الله، ففي البخاري عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ : ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ".وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يحث على الصيام فيه، ويبين لأصحابه فضله ، كما في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ ؛ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ ؛ صَلَاةُ اللَّيْلِ ".
وقد كانت العرب وبنو إسرائيل يعظمون منه يوم عاشوراء ، ففي البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ، " ، ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجد يهود يصومون عاشوراء ففي الصحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ : لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا : هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ ". ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ. فصيامه سنة متبعة، ويسن مخالفة اليهود بصوم يوم قبله أو يوم بعده ، وأما فضله فقد قال عنه صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه "وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ؟ فَقَالَ : " يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ ".
فيوم عاشوراء إذاً يوم عظيم من أيام الله نصر الله فيه موسى وقومه وأهلك فيه فرعون وجنوده ونحن مأمورون شرعا بالتوقف مع هذا اليوم وما فيه من العظة والعبرة لنَذكر ونتذكر ونُبشر ونستبشر ولنتقرب إلى الله بالصبر والشكر قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)
وسأقف بحضراتكم أيها الكرام بعد هذا التذكير بيوم عاشوراء مع قول النبي صلى الله عليه وسلم "نحن أولى بموسى منهم" ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم (نحن أولى بموسى) كما في شرح سنن أبي داود: "أي نحن أثبت وأقرب لمتابعة موسى صلى الله عليه وسلم منكم، فإنا موافقون له في أصول الدين ، ومصدقون لكتابه ، وأنتم مخالفون له في التغيير والتحريف ، صدقت يا رسول الله (نحن أولى بموسى منهم) فما علاقتهم بموسى عليه السلام وهو نبي يدعو إلى التوحيد وعبادة الله وحده بينما اليهود كفروا بالله ، وعبدوا العجل، وأساؤوا الأدب مع الله؛ فقالوا: " يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ" وقالوا: " إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ" وقالوا:" لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً".
وقال الله عنهم:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا)
(نحن أولى بموسى منهم) فما علاقتهم بموسى النبي عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهو الذي دعاهم إلى اتباع النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم وبشرهم به وببعثته ، وأمرهم عيسى من بعده كذلك بتصديقه. قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ". رواه مسلم. ولكن يهود كانوا أول من كفر به ، وتآمر مع حزب الشرك والوثنية عليه .
ما علاقتهم بموسى وهو نبي يخاف الله ويخشى عقابه لأنه عبد من عباد الله وأما يهود فيقولون (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) ، ويقولون " لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً " (يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) .
ما علاقتهم بموسى النبي الكريم الذي كان يدعوهم إلى أكل الحلال وينهاهم عن الحرام ، وهم من يستحلون الربا والرشوة والسحت ويأكلون أموال الناس بالباطل ويكتمون ما أنزل الله (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا ، وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) وهم الذين يستحلون أموال غيرهم ويقولون (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)
نحن أولى بموسى الذي دعا إلى عبادة الله وحده ونبذ عبادة الأوثان، وأما يهود فقد أخبرنا عنهم القرآن فقال:" وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ) وقال (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ)
أيها الإخوة المؤمنون :على هذا المنهج النبوي في رد الأمور إلى نصابها ،ونزع ادعاء الانتساب والانتماء إلى الأنبياء من يد الدجالين الكذابين ، سنقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المفترين والمحرفين والمخرفين والمنحرفين والمتاجرين بالدين في هذه الأمة فنقول لمدعي حب أهل البيت كذبا والمتاجرين بمظلومية الحسين بن علي رضي الله عنهما زورا ، ومثيري الأحقاد بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، نقول للشيعة الرافضة في يوم عاشوراء، نقول للحوثيين وأتباعهم "نحن أولى بالحسين منكم".
اجتهد الحسين رضي الله عنه وخرج لمواجهة الظلم والاستبداد مدافعا عن الشورى في الحكم رافضا للتوريث ، فقتل شهيدا رضي الله عنه ، وأنتم اليوم تعيدون الأمة إلى الاستبداد وتعطيل الشورى ووراثة الحكم فنحن أحق بالحسين منكم .
وفيما بينه وبين خصومه لسنا قضاة ولا محكمين بينهم وإنما ذلك إلى الله وحده القائل (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ، ولن نحدث في الدين ما أحدثتموه، ولن نعبد الله إلا بما شرع ، ولن نجعل عاشوراء يوم ثأر وانتقام من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما تفعلون ، لأنا على يقين بأن هذا ليس منهج الحسين ولا منهج أبيه وجده وإنما هي أحقادكم التي استحللتم بها دماء ملايين الأبرياء عبر التاريخ والحسين رضي الله عنه بريء مما تعملون .
نحن أولى بالحسين بن علي منكم لأنه لم يذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بخير، وكان يتعبد الله بحبهم والولاء لهم ، وأنتم تلعنونهم على المنابر وتكفرونهم ، وتحشدون الناس للبراءة منهم، وأنتم في هذا شر من بني إسرائيل الذين أثنوا على أصحاب أنبيائهم وحوارييهم ولم يذكروهم بسوء فالحسين بريء منكم .
ونحن أولى بالحسين منكم " لأنا على يقين أن الحسين رضي الله عنه كان على السنة والتوحيد ويمقت البدع والشركيات ، ويبرأ من قول الزور الذي تقولونه في حق الله وحق دينه وحق أصحاب رسوله ، وهو بريء من الإفك الذي تفترونه على أمهات المؤمنين ، وبريء من مظاهر الوثنية وعبادة القبور التي تفعلونها ولو كان بيننا اليوم لقاتلكم على كل البدع والجرائم التي أحدثتموها.
لم يكن الحسين ولا والده رضي الله عنهما ولا أحد من أهل بيته يستغيثون بغير الله ، ولا يعظمون غير الله ، ولا يعتقدون العصمة في غير رسول الله وأنتم تصرخون الليل مع النهار تستغيثون بعلي والحسين وفاطمة وزينب والخمسة ، وتطلبون من الأئمة الغوث والولد والعافية والرزق، فهذه لا تطلب إلا من الله وحده لا شريك له القائل (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) .
والحسين وأبوه كذلك لم يكفروا مخالفيهم من أهل الملة ، ولم يقيموا الموالد ومجالس اللطم، ولا نظموا البكائيات والمراثي ليثيروا الأحقاد والثارات ، ولم يفتروا على الله الكذب، ولم يدعو علم الغيب كما تروون عنهم . بل يتبرؤون من كل من برئ منه رسول الله بقوله كما في البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ» .
فرضي الله عن علي بن أبي طالب والحسن والحسين وغضب الله ونقمته على كل من ينسب إلى هؤلاء الأطهار ما لا يرضونه من الضلالات والخرافات (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام نحن أولى بالحسين من أولئك الضالين المضلين لأن الحسين رضي الله عنه لم يعمل على قبر والده ولا على قبر أحد من أهل بيته ضريحا ، ولم يحوله مزارا ليقصد بالزيارة والتعظيم ، والنذور والهدايا ، والطواف والحج إليه كما يفعلون اليوم في كربلاء وغيرها ، كيف وقد روى الترمذي عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قَالَ لِأَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ : أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ أَنْ لَا تَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ، وَلَا تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ)
نحن أولى بالحسين منكم أيها المعتدون ، لأنه لم يأكل حراما ، ولم يتحايل على أكل أموال الناس بالباطل باسم الخمس والمجهود الحربي ومحاربة العدوان وغيرها ، بينما بلغ احتيالكم على أكل أموال الناس حدا لم تبلغه اليهود ولا النصارى. لقد تمكنتم فجوعتم الناس وأفقرتموهم وسلبتم ونهبتم ثرواتهم وأرزاقهم ومرتباتهم لينعم بها قادتكم ، فلم يعرف الناس حالة الجوع والفقر والخوف والمرض التي عمت شعوب إيران والعراق ولبنان واليمن إلا في عهدكم
نحن أولى بالحسين وأبيه منكم لأنه لم يستبح ما استبحتم لأنفسكم من المتعة والزنا ، ولا ما جاهرتم به من الفسق والفجور والعدوان على أعراض المسلمين ونسائهم متجاوزين في ذلك الدين والأعراف والتقاليد
ولذلك أيها الكرام فلن نجد علاجا نواجه به هذه الضلالات إلا بالعلم فهو شفاء الأمة من الجهل، فلا تنمو الخرافة إلا في بيئات الجهل والأمية، فعليكم بالعلم فإن أول ما أنزل على نبيكم صلى الله عليه وسلم وهو الرجل الأمي كلمة (اقرأ).. ليفتح بها آذانا صما وقلوبا غلفا وأعينا عميا، فقاد ثورة العلم بوجه الجهل والخرافة والتقليد والتبعية والعبودية، فنفع الله به البشرية وقامت عليه أعظم حضارة عرفتها الدنيا.
بل حين أمره الله بالعبادة جعل العلم طريقا لها فلا تصح العبادة إلا بالعلم فقال: " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ..." ولا غرابة أن تعيق ميليشيات الجهل والظلام في صنعاء وغيرها من مدن الاسلام التي دهتها داهية الرافضة - لا غرابة أن تعيق هذه الميليشيات والعصابات طريق العلم والتعليم بأساليب متعددة ، فتقطع مرتبات المعلمين والمعلمات لتفقرهم وتستنفر الطلاب من المدارس والجامعات لجبهات القتال ، ودورات التجهيل والخرافة التي تحولهم وحوشا بشرية وآلات قتل عمياء تقتل الأقرباء والأبرياء...
أيها الكرام الأحرار ستفتح المدارس أبوابها لعام دراسي جديد بعد أيام ، فاستعينوا بالله على القيام بمهامكم، أخاطبكم أنتم يا أولياء الأمور ويا مديري المدارس ، ورؤساء الجامعات ، وأنتم أيها المعلمون والمعلمات، وأخاطب معكم قيادات الدولة ووزاراتها المختلفة ، وأخاطب معكم المستثمرين في حقل التعليم من ملاك المدارس والمعاهد والجامعات الخاصة فأقول : سهلوا ويسروا أمر تعليم أبناء اليمن وبناته ، فهم ضمان المستقبل ، وأبدعوا في تدريس مناهج التعليم التي تقود لتحرير الفكر والقلب من التبعية والتقليد الأعمى ، وابذلوا الجهد في تحصين الجيل من الخرافة والبدع والانحراف الأخلاقي والعقدي والفكري ، وربوا جيلا صالحا مسلحا بالعلم، معتزا بدينه ، ومحبا لوطنه، وحريصا على وقته ، ومثقفا في فكره، ونافعا لنفسه
ولبلده.
يسروا لأبناء المرابطين وأبناء الشهداء والجرحى والمعاقين وللأيتام والفقراء الذين لا يجدون ما يغطون به حاجة أبنائهم وبناتهم ، وهذا ميدان لفعل الخير يا محبي الخير ، وما أنفقتم في هذا الميدان فهو في سبيل الله إن شاء الله
(قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ثم الدعاء والدعوة إلى الجهاد بالمال وأقم الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 14 محرم 1444هـ الموافق 13 أغسطس 2022م
الخطبة الأولى : الحمد لله الرحيم الرحمن الكريم المنان علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له (يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله معلم الإنسانية وهادي البشرية امتن عليه ربه بقوله (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته والبعد عن معصيته ومراقبته في السر والعلانية والجهاد في سبيله بالنفس والمال ، والعمل على نشر العلم النافع والوعي الصحيح بين أفراد المجتمع ومكوناته كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وقال (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام ونحن نفتتح عاما دراسيا جديدا في المدارس الأساسية والثانوية وفي الجامعة ، يسرنا أن نقف بحضراتكم وقفة مع العلم وأهميته في بناء الإنسان والأوطان ، وفي حماية الأجيال من ضلالات الشيطان وشبهات أعداء الإسلام ، وفي الفوز بالجنة والنجاة من النار ، سائلين الله تعالى أن يكون لهذه الموعظة أثر في استنفار طاقات المجتمع والمعلمين والمعلمات والآباء والأمهات لتربية أبنائهم تربية متكاملة عقلا وروحا وخلقا وسلوكا ، ثم اعلموا أيها المؤمنون بأن من أهم مقومات الحياة الدينية والدنيوية العلم فلا قيام للحياة في مظهرها العقدي أو العبادي أو الأخلاقي أو السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي إلا بالعلم ، ولذلك كان أول أمر أمرنا الله به وأوجبه علينا في أول آية نزلت من القرآن الكريم هو القراءة باعتبارها أهم طرائق التعلم قال تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) وكان المؤهل الوحيد الذي رشح به آدم عليه السلام وذريته للخلافة وعمارة الأرض دينا ودنيا هو العلم قال تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ، قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) ، والعلم مقدم على كل عمل في أمور الدين والدنيا لأن كل عمل لا يقوم على أساس العلم فهو باطل مردود قال تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) ، فالآية تدل دلالة واضحة على أن العلم قبل القول والعمل كما بوب بذلك البخاري في صحيحه ، فبالعلم يميز الإنسان بين الحق والباطل والخير والشر والهدى والضلال والحلال والحرام والمنافع والمضار ، وعلى قاعدة العلم تبنى الدول وتقوم الصناعات ، وتتطور الإدارات ، وتبنى الحياة وتزدهر الحضارات ، ورضي الله عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حيث قال : من أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن الآخرة فعليه بالعلم ومن أرادهما معا فعليه بالعلم ، والعلم طريق الرقي والتقدم والرفعة في الدنيا والآخرة قال تعالى (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ) فدرجات الرفعة في الدنيا والآخرة مرتبطة بالعلم زيادة وقله ، وعن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ». رواه مسلم وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ، وَارْتَقِ، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا " رواه أبوداود وهو حديث حسن صحيح ، والعلم عبادة فيها أجر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ» رواه مسلم
ولأهمية العلم ونشره وتعليمه امتن الله علينا بأنه هو المعلم لعباده أهم ما يحتاجون إليه في أمور دينهم ودنياهم فعلم آدم أسماء الأشياء كلها وخصائصها وكيفية تسخيرها والانتفاع بها ، وعلم داود الصناعات الحربية ، وعلم الخضر ما شاء من علم يعرف به مآلات الأمور ويتصرف وفقا لذلك ، وعلم ذا القرنين جملة من علوم الدنيا والدين والسياسة ، وعلم خاتم النبيين القرآن والحكمة ، ويكفي إشادة بذلك قول الله تعالى (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) ، وقوله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) ، وقوله في حق داود (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ) وعلم الله يوسف عليه السلام تأويل الرّؤيا قال الله تعالى عنه (قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) ومن المعلمين من الملآئكة جبريل عليه السلام قال الله تعالى(عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) وسيد المرسلين وخاتم النبيين معلم للعالم كذلك قال الله تعالى(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) .
إخوة الإسلام ولأن عصابة الحوثي الإجرامية جاءت لهدم الدين والقيم ومحاربة الحق وأهله ومحاربة القرآن والسنة ، كان من أكبر جرائمها اعتماد سياسة التجهيل والتضليل وإعلان الحرب على العلم وأهله ومؤسساته ، ذلك لأنهم يعلمون بأن مشروعهم الإجرامي لن يجد له سوقا ولن يكون له قبول إلا في ظل التجهيل والتضليل والإرهاب ، وهذا ما سار عليه أجدادهم من أئمة الجور والظلم والطغيان وهم على طريقهم سائرون ، والواقع أيها الكرام يشهد بهذا الاعتداء السافر على العلم ومقوماته عن عمد وعدوان مع سبق الإصرار والترصد . لقد وجهت عصابة الحوثي السلالية سهامها إلى كل أنواع العلم النافع في مستواه الأساسي والثانوي والجامعي ، وكذا مراكز العلم الشرعي ودور القرآن وحلقاته مستهدفة علم العقيدة ، والشريعة والقرآن والسنة والسيرة والتاريخ  واللغة العربية وغيرها ، وإليكم نماذج من أفاعيل مليشيات الحوثي بمؤسسات التعليم العام والخاص ومؤسسات القرآن والعلم الشرعي ، فقد ذكرت التقارير الرسمية الموثقة المحلية والدولية ما خلاصته أن أربعة ملايين ونصف مليون طفل يمني تسربوا وحُرموا من التعليم منذ انقلاب ميليشيات الحوثي أواخر عام 2014م بسبب  قصفها المدراس وتحويلها إلى ثكنات عسكرية، وسعيها إلى تعطيل العملية التعليمية، والاستفادة من الأطفال في التجنيد والزج بهم في جبهات القتال، إضافة إلى وضع مناهج تدعو للطائفية والكراهية وتهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي ،وأضافت التقارير بأن الحوثيين دمروا عدد 2372 مدرسة جزئيا أو كليا، واستخدموا أكثر من 1500 مدرسة أخرى كسجون وثكنات عسكرية".  كما أخرجوا الملايين من الأطفال من مدارسهم إلى الشوارع بحثا عن لقمة العيش الضرورية فأكثر من 2 مليون طفل تركوا الدراسة وخرجوا الى سوق العمل ويقومون بالأشغال الشاقة لإعالة أسرهم ، (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فقد سبق الحديث عن جرائم عصابة الحوثي الإرهابية في التعليم الأساسي والثانوي ، أما في التعليم الجامعي الأهلي والرسمي فلا تختلف عما سبق ، فجامعة صنعاء مثلا أغلق فيها قسم اللغة العربية والتاريخ والعلاقات الدولية ، والجغرافيا ، وفتح قسم اللغة الفارسية وبإشراف إيراني مباشر ، وتم الاحتفال بتخرج أول دفعة والتي سميت بدفعة قاسم سليماني ، أما جامعة الإيمان فمحيت من الخارطة الأكاديمية ، وصودرت كل ممتلكاتها المقدرة بـ11 مليون دولار أمريكي، وحرم من الدراسة ما يقارب 6 ألف طالب وطالبة ، وأحرقت مكتبتها التي تحوي 95 ألف كتاب ورسالة علمية. وأكثر من (50000) ألف عنوان ، وحولتها المليشيات إلى سوق مركزي للخضر وثكنة عسكرية وسكن لعدد 50 أسرة حوثية ، ولكم أن تسألوا أيضا عن مصير جامعة العلوم والتكنولوجيا ، وجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية  في مقرها الرئيسي بصنعاء ، وغيرها من الجامعات ، ومن جرائم المليشيات كذلك تغيير مناهج التعليم الأساسي والثانوي والجامعي وحشوه بالمواد ذات الأفكار الطائفية الخرافية المليئة بالتعصب المقيت ، وهذا ما يوجب علينا إنقاذ الجيل من هذه العقائد الباطلة وتحرير البلاد من شرهم ، والحرص على تجويد
2024/09/22 01:53:43
Back to Top
HTML Embed Code: