Telegram Web Link
زكاة الفطر - الشيخ صالح الأطرم

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، رحيم بعباده، ورحمته وسِعت كل شيء، نَحمَده أمرنا بالتعاطف والتآلف، وأشكره على نِعمه وفضله، وأشهد أن لا إله إلا الله، جعل الفلاح في الدنيا والآخرة لمن التزم أوامره وأطاعه، وذَكَره وطهَّر نفسَه وماله، وعرف حقَّ الله تعالى، وحافَظ على حقوق عباد الله.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أمرنا بإخراج زكاة فطرنا؛ جبرًا لصيامنا من لغوٍ قلناه، أو زورٍ ارتكبناه، ومشاركة لإخواننا الفقراء والمساكين؛ تفريجًا لهم، وأخذًا بيدهم، وتوسعةً عليهم، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه الذين أقرضوا الله قرضًا حسنًا، فنمَّاه لهم وجزاهم خير الجزاء في مستقر رحمته في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

أما بعد:
فأيها المسلمون، اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وبادروا بإخراج زكاة فِطركم، وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان؛ عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: "فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقةَ الفطر على الذَّكر والأنثى، والحرِّ والمملوك، والصغير والكبير من المسلمين، صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من شعير، وأمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد"، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: "كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب"، فلما جاء معاوية - رضي الله عنه - وجاءت السمراء قال: أرى مُدًّا من هذا يُعادِل مُدَّين، قال أبو سعيد: أما أنا، فلا أزال أُخرِجه كما كنتُ أخرجه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن الله - سبحانه وتعالى - أوجب على الأبدان زكاة ماليَّة حولية، كما أوجبها في الأموال، وهي المذكورة في قوله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الأعلى: 14، 15].

قال بعض المفسرين: معنى: ﴿ مَنْ تَزَكَّى ﴾؛ أي: أخرج زكاةً تُطهِّره، ثم خرج إلى صلاة العيد، وهي الصلاة المشار إليها في هذه الآية: ﴿ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾؛ أي: بالتكبير، كما قال تعالى: ﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]، فصدقة الفطر واجبة على كل مسلم؛ لأنها طهارة له من أدران الذنوب، والكافر لا تَلحَقه طهرةٌ، وهذه الزكاة البدنيَّة تَجِب بالحول مرة واحدة، وتُسمَّى: زكاة الفطر، وصدقة الفطر حَولُها في آخر الإفطار من رمضان، وفُرِضت في هذا الوقت؛ لتتابع الحسنات، وهذا من علامة قَبُول الحسنة؛ ولهذا جاء في الحديث الشريف: ((الحسنة تقول: أختي أختي، والسيئة تقول: أختي أختي))، ولقد فرض الشارع الحكيم وجوبها بعد الصيام؛ لجبر ما نقَص منه وإتمامه، كما جاء في الحديث أنها ((طُهْرة للصائم من اللغو والرَّفثِ))، كما يُطهِّره أيضًا ما يُخرِجه عن صغيره ومجنونه اللذين لا يَصومان، وهي أيضًا رحمة بالفقير، وعطْف عليه؛ ليستغني عن سؤال الناس في يوم العيد، فيُشارِك الأغنياء فرحتَهم بهذا اليوم العظيم، وتأدية الصلاة، فلا يبقى هناك فقير عابِس، والناس حوله مسرورون، قال صلى الله عليه وسلم: ((أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم))، ولكن لا تجب إلا بشرطين:

الشرط الأول: أن يَفضُل عن نفقته ونفقة عياله يوم العيد وليلته ما يكفيه زكاة الفطر؛ لأن النفقة أهم، فيجب البَدء بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ابدأ بنفسك))؛ رواه مسلم، وفي رواية: ((وابدأ بمن تعول))؛ رواه الترمذي، ويُخرِج الإنسان عن نفسه وعمن يَعول، والحمل في بطن أمه لا تَجِب فطرته، ولكن مُستحبٌّ؛ لما رُوي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.

الشرط الثاني: دخول وقت الوجوب، وهو غروب الشمس في ليلة الفِطر؛ لقول ابن عمر - رضي الله عنهما -: "فرض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر"، وذلك يكون بغروب الشمس، فمَن أسلم أو تزوَّج أو وُلِد له ولدٌ أو مَلَك عبدًا بعد الغروب، لم تلزمه فِطرتُهم، وإن غرب وهم عنده ثم ماتوا، فعليه فطرتهم؛ لأنها تَجِب في الذمة، والأفضل في وقت إخراجها يوم العيد قبل الصلاة؛ للخبر، ولأن المقصود إغناءُ الفقراء يوم العيد عن الطلب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم))؛ رواه سعيد بن منصور، وفي إخراجها قبل الصلاة إغناءٌ لهم في اليوم كله، فإن قدَّمها قبل ذلك بيوم أو يومين، جاز؛ لأن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يؤديها قبل ذلك بيوم أو يومين؛ ولأن الظاهر أنها تبقى أو بعضها، فيَحصُل الغنى بها فيه، وإن عجَّلها لأكثر من ذلك، لم يَجُز؛ لأن الظاهر أنه يُنفِقها، فلا يحصل بها الغنى المقصود يوم العيد، وإن أخَّرها عن يوم العيد أَثِم؛ لتأخيره الحقَّ الواجب عن وقته، ولزِمه القضاء؛ لأنه حق مالي واجب، فلا يَسقُط بفوات وقته كالدَّين، وزكاة الفطر تُعطى الذين يعطون من زكاة المال، ولا تُعطِها من تلزمك نفقتُه، وتُسلَّم للفقير بيده في وقتها، أو وكيله في قبضها، ولا يُبقيها عنده انتظارًا للفقير
ولا يودِعها، وزكاة الفطر متعلِّقة بالبدن، فيخرجها في بلده الذي هو مقيم فيه، وفطرة مَن يَعولهم تَبَع له، فإن شاء أنفقها مع فطرته في بلده، وإن شاء أخرج في بلدهم، ولا يجوز إخراج القيمة ما دامت الأصناف الخمسة موجودة؛ لوجود النص عليها من الشارع الحكيم، الذي راعى مصالحَ الناس في كل مكان وزمان، وإخراج أحد هذه الأطعمة وهذه الأصناف مراعاة للمُخرِج؛ حيث إنها أغلب القوت، فلا يتكلَّف ما ليس عنده، وفيها مراعاة المُخرَج له؛ إذ بها الغُنية وسد الحاجة إلى الطعام، ولأنه ليس المقصود فيها التجارة.

لذا لم يذكر الشارع الحكيم القيمة؛ لأن زكاة الفطر شعيرة من شعائر الإسلام لا تَبرُز ولا تظهر إلا بالطعام، ولقد بيَّن الشارع الحكيم مصارفَ الزكاة في الآية الكريمة التي تبيِّن لنا من تدفع إليه، كما ذكرت الآية اعتراضَ المنافقين الجهلة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولمزهم إياه في قَسْم الصدقات، فبيَّن الله تعالى أنه هو الذي قسَمها، وبيَّن حكمَها، وتولَّى أمرها بنفسه، ولم يَكِل قَسْمَها إلى أحد غيره، فجزَّأها لهؤلاء المذكورين، ففي الحديث: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعطني من الصدقة، فقال له صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لم يرضَ بحكم نبي ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها فجزأها ثمانية أصناف؛ فإن كنتَ منهم، أعطيتُك))؛ لأنهم هم المستحقون للزكاة، فلا تبرأ الذمة إلا بدفعها لهم، ويبرأ منها صاحب الزكاة إن دفعها للإمام أو من أقامه مقامه من جباة الزكاة، وليَحذَرِ المزكِّي دفعَها إلى غير هؤلاء، وليعلم أنه لا حظَّ فيها لغني، ولا لقوي مُكتسِب، ولا لذي مِرَّة سويٍّ، وليحذر أن يدفع بزكاته مذمَّة، ولا يقي بها ماله، ولا يستخدم بها ولا يعطيها أحدًا من فروعه ولا من أصوله، وهم: الأولاد وأولاد الأولاد، والأصول: أمه وأبوه وأجداده وجداته من قِبَل الأب والأم، فمن أعطى زكاته أحدًا من هؤلاء، لم تبرَأْ ذمته؛ لأن الفقير من هؤلاء تجب عليك نفقته من دون الزكاة، وأما بقية الأقارب، فإن كنت لا تَرِثه فأعطِه من زكاتك إن كان فقيرًا، والنفقة على القريب تكون برًّا وصِلة، والزوج لا يعطي زوجته الزكاة، ولا يعطي المزكي مَن يخدُمه؛ لأنه يكون قد استخدم زكاته، ولا يجوز صرف الزكاة لغير هؤلاء الثمانية، من بناء مساجد أو إصلاح طريق؛ لأن الله تعالى خصهم بقوله: ﴿ إنَّمَا ﴾، وهي للحصر؛ تُثبِت المذكورِين، وتنفي ما عداهم.

فالأول والثاني: الفقير والمسكين، وهما: اللذان لا يجدان مؤنتهما وعائلتهما، فيُعطَون ما يكفيهما وعائلتهما، والفقير هو: الذي لا يجد شيئًا، والمسكين هو: الذي يجد بعض الكفاية، ومَن ادعى الفقر ممن لا يعرف حاله، قُبِل قوله من غير يمين؛ لأن الأصل عدم المال.

وإن ادعى الفقر من عُرف غناه، لم يُقبَل إلا بيمين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن المسألة لا تَحِل لأحد، إلا لثلاثة: رجل أصابته فاقة حتى شهِد له ثلاثة من ذوي الحِجَا من قومه: لقد أصاب فلانًا فاقةٌ، فحلَّت له المسألة حتى يُصيب قِوامًا أو سِدادًا من عيش))؛ رواه مسلم.


بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب.

------

الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله،وإحسانه،وأشكره على توفيقه وامتنانه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه،وسلَّم تسليماً كثيرًا، أما بعد:

والصِّنف الثالث: العاملون عليها، يعني: الذين يَشتغِلون في جباية زكاة الأموال ما بين حافظ وكاتب وسائق، فيعطون منها مقابل أعمالهم.

والصنف الرابع: المؤلَّفة قلوبُهم: وهم السادة المطاعون في عشائرهم، وهم ضَربان: كفار ومسلمون؛ فالكفار مَن يرجى إسلامهم، أو يخاف من شرهم فيعطون من الزكاة؛ ترغيبًا لهم في الإسلام، أو كفًّا لشرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى صفوانَ بن أمية يوم حنين قبل إسلامه؛ ترغيبًا له في الإسلام، والمؤلفةُ قلوبهم من المسلمين أربعة أضرب:
الأول منهم: من له شرف يرجى من إعطائه إسلام نظيره.
الثاني: مَن صِلتُه بالإسلام ضعيفة، فيعطون لتقوية إسلامهم.
الثالث: قوم إذا أُعطوا، قاتَلوا ودافعوا عن المسلمين.
الرابع: إذا أعطوا، جبوا الزكاة ممن لا يعطونها.

الصِّنف الخامس: فك الرقاب المسلمة من الرق، وإعطاء المكاتَب دَين كتابته، وفك الأسير المسلم من أيدي الكفار.

الصِّنف السادس: الغارمون:
وهم ضربان: ضرب غرم لإصلاح ذاتِ البين، وهو مَن يحمل دِيَة أو مالاً لتسكين فتنة أو إصلاح بين طائفتين، فيُدفع له من الصدقة ما يؤدي حَمَالته، وإن كان غنيًّا؛ لما روى قَبيصة بن مخارق - رضي الله عنه - قال: تحمَّلت حَمَالة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: ((أقم يا قَبيصة حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها))، ثم قال: ((يا قبيصة، إن الصدقة لا تَحِل إلا لثلاثة، رجل تحمل حَمَالةً فحلت له المسألة حتى
يصيبها ثم يُمسِك))؛ رواه مسلم، ولأنه يأخذ لمصلحة المسلمين، فجاز له الأخذ مع الغنى كالغازي.
والضرب الثاني: مَن غرِم لمصلحة نفسه في مباح، فيعطى من الصدقة ما يقضي غُرمَه، ولا يعطى مع الغنى؛ لأنه يأخذ لحاجة نفسه، وإن غرم في معصية، لم يدفع له قبل التوبة؛ لأنه لا يؤمن أن يستعين بها في المعصية، وبعد التوبة يعطى لتبرئة ذمتِه، وكان كالفقير.

الصِّنف السابع: هم الغزاة في سبيل الله الذين لا رواتب لهم، فإذا أُعطوا غزوا لجهاد الكفار، فيُعطون كفايتهم في طريقهم وإقامتهم، ويُعطون مراكب وما يُصلِحها ومَن يقوم عليها، ويعطى هؤلاء ولو كانوا أغنياء؛ لأن عملهم لمصلحة المسلمين، وإعلاءِ كلمة الدِّين، وإذلال كلمة الكفر والكافرين.

الصنف الثامن: ابن السبيل، وهو: المسافر المُنقطِع في طريقه، ولم يجد ما يُبلِّغه بلده، فيعطى ما يُوصله إلى بلده، ولو كان غنيًّا في بلاده، وإن كان سفره لمعصية لا يعطى، فيا لها من كفالة اجتماعية ما أعظمها! جاء بها إسلامُنا العالِمُ بمصالح الخَلْق حالاً ومآلاً.

فاتقوا الله أيها المسلمون، وأخرِجوا زكاة فطرِكم، وشاركوا إخوانكم فرحتَهم بالعيد، وامسحوا دمعتَهم، وخفِّفوا آلامهم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ...

الدعاء ...
خطبة عيد الفطر - الشيخ عمر المشاري

الخطبة الأولى:
الحمد لله على إتمام صيام رمضان وقيامه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله
الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله وتوبوا إليه واستغفروه.

معاشر المسلمين: إنَّ البهجة والسرور ترتسم على الوجوه في العيد، ذلك أنَّه يومُ فرح، يفرح فيه المؤمنون على إتمام صيام رمضان وقيامه، وأعظمنا فرحاً بالعيد هو ذلك المجتهد في رمضان المسابق فيه إلى الخيرات، فهنيئاً للمسابق الذي قام جميع ليالي رمضان واجتهد مزيداً في ليالي العشر الأواخر، وهنيئاً لمن ختم فيه القرآن كل ليلتين أو ثلاث مرة، هنيئاً لمن فرَّج فيه كربة أو أدخل سروراً على محزون أو أعان محتاجاً أو تصدَّق على فقير أو مسكين، وهنيئاً لذلك الذي أحسن إلى الناس فيه، وخالقهم بالخلق الحسن.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

معاشر المسلمين: إنَّ من صفة أهل الإيمان أنَّ أحدهم يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فهم كالجسد الواحد، بعضهم أولياء بعض في المحبة والموالاة والانتماء والنصرة؛ قال -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التوبة:71] (تفسير السعدي ص: 344).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"(أخرجه مسلم).

ومن صفات المؤمنين والمؤمنات أنَّهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ"(أخرجه مسلم).

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

معاشر المسلمين: في العيد يتواصل الناس فيما بينهم زيارةً واتصالاً، ويهنئُ بعضهم بعضاً بعيدهم ويدعو بعضهم لبعض بقبول العمل الصالح، تعلو البشاشة وجوههم وهم في مصافحتهم تقترب نفوسهم من بعضهم، مما يقوِّي أواصر الترابط والمحبَّة في المجتمع، وإنَّ الموفق منهم كلَّ التوفيق، ذلك الذي صفَّى قلبه على أخيه، ولم يجعل فيه موضعاً للسخيمة ولا للبغضاء والشحناء، ولقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: "واسلل سخيمة قلبي"(أخرجه الترمذي وصححه الألباني)؛ "أيْ: غِشَّهُ وَغِلَّهُ وَحِقْدَهُ وَحَسَدَهُ وَنَحْوَهَا مِمَّا يَنْشَأُ من الصدر ويسكن في القلب من مساوئ الأخلاق"(ينظر عون المعبود وحاشية ابن القيم 4/ 264).

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد

عباد الله: إنَّ كثرة الفتن وتلاطم أمواجها مزلَّةٌ مدحضة، لا يسلم منها إلا المتمسِّك بدينه الذي يملك زمام لسانه، فلم يخض في الفتن مع الخائضين، لسانه لا يقول إلا خيراً أو يصمت، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ"(أخرجه البخاري).

إنَّ الواجب على المؤمن والمؤمنة حفظ اللسان عن القول المحرم من الكذب والغيبة والنميمة والبهتان وقول الزور، فكم من كلمة سبَّبت خلافاً، وفرَّقت بعد ائتلاف، وأحدثت خصومة بعد توافق، وجلبت بغضاً بعد محبَّة، وإنَّ مما ينبغي للمؤمن على المؤمن أن يخاطبه بالقول الحسن، قال -تعالى-: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)[الإسراء: 53] قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "القول الحسن داعٍ لكل خُلقٍ جميلٍ وعملٍ صالح، فإنَّ من ملك لسانه ملك جميع أمره"(تفسير السعدي ص: 460).

الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

معاشر المسلمين: أدوا زكاة أموالكم لمستحقِّها وحافظوا على الصلاة جماعة في المسجد قال تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)[البقرة:238]؛ قال الإمام ابن جرير الطبري -رحمه الله-: "أي: واظبوا على الصلوات المكتوبات في أوقاتهن، وتعاهدوهنَّ والزَمُوهنَّ، وعلى الصلاة الوسطى منهنَّ"(تفسير الطبري 5/ 167).
وعلى الآباء والأمهات أن يأمروا أبناءهم بالصلاة في المساجد ويأمروا بناتهم بالصلاة في أوقاتها بلا تأخير لها.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

عباد الله: إنَّ العناية بتربية الأبناء وتقوية الوازع الديني في نفوسهم ووعظهم وإرشادهم من أهم الواجبات على الوالدين لأبنائهم وبناتهم، بتعاهدهم بالنصيحة وحسن التوجيه مع أهمية الرفق والحلم والصبر في ذلك، مع الدعاء لهم بالصلاح، وكذلك فعلى الأبناء والبنات البر بآبائهم وأمهاتهم وخدمتهم وإدخال السرور عليهم وعدم مخالفتهم مالم يأمروا بمعصية، ولتعلموا أنَّ البر بالوالدين من أعظم الأعمال الصالحة فجدُّوا واجتهدوا في ذلك.

معاشر المسلمين: صِلوا أرحامكم وأحسنوا إلى جيرانكم فإنَّكم بذلك مأمورون وعن القطيعة والإيذاء منهيون.

شباب الإسلام: احذروا الشائعات والأفكار المنحرفة والمناهج المخالفة التي ترمي بشررها فتناً كقطع الليل المظلم، ولا يُعصم منها إلا من تمسَّك بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وإنَّ من الفتن التي عمَّ شرُّها وعظُم خطرها فتنة الخروج على الولاة، فكم جرَّت من حروب ودمار وفساد وإفساد، والواجب طاعة ولي أمر المسلمين ما لم يأمر بمعصية، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي"(أخرجه الشيخان)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَكَرِهَهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً"(أخرجه الشيخان) وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ"(أخرجه مسلم).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

-------

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً

الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله
الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.

أمَّا بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)[آل عمران:102، 103].

عباد الله: أظهروا فرحكم بالعيد، فرحٌ لا يتجاوز الحلال إلى الحرام، افرحوا فرحاً لا معصية فيه (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ)[المائدة:2]، واحفظوا حقوق أمهاتكم وزوجاتكم وأخواتكم وبناتكم، فإنَّ لكل منهم حقاً، عاملوهن برفق وأحسنوا إليهن؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي"(أخرجه الترمذي وصححه الألباني).

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيتها النساء: أطعن الله ورسوله، وأكثرن من الصدقة والاستغفار وقمن بواجب تربية الأبناء والبنات واحفظن حقوق الزوج فإنَّ حقه عظيم والبسن الساتر الواسع من الملابس والبسن الحجاب الكامل فإنَّه عزٌّ وكرامة، واحذرن من الاختلاط بالرجال الأجانب (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)[الأحزاب: 33].

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]؛ اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين وعنا معهم بكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل بلدنا أمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك.

اللهم أصلح ولي أمرنا وولي عهده وارزقهما بطانة صالحة ناصحة وأبعد عنهما بطانة السوء وأرهما الحق حقاً وارزقهما اتباعه وأرهما الباطل باطلاً وارزقهما اجتنابه اللهم أصلح أحوال المسلمين وول عليهم خيارهم واكفهم شرارهم اللهم أطفئ نيران الفتن والحروب في بلدان المسلمين.

اللهم عليك بأعداء الدين الذين يحاربون دينك ويكذبون رسلك مزقهم وزلزلهم واشدد وطأتك عليهم وخالف بين قلوبهم واجعل بأسهم بينهم وصُبَّ عليهم العذاب صبَّاً.

اللهم انصر جنودنا المرابطين على الحدود وانصر قوات التحالف العربي وأهلنا في اليمن ثبت أقدامهم وسدد رميهم وانصرهم على أعداء الدين اللهم عليك بالحوثيين ومن يعاونهم يا هازم الأحزاب اهزمهم بقوتك يا قوي يا عزيز.

ربنا اغفر لنا ولوالدين وللمؤمنين وأصلح لنا ديننا ودنيانا وآخرتنا وأصلح نساءنا وشبابنا وتقبل صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا وارزقنا الإخلاص في القول والعمل وأعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
خطبة عيد الفطر المبارك (الثبات حتى الممات) - الشيخ إبراهيم العجلان

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى، خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّى، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَسْبَغَ مِنَ النِّعَمِ وَأَسْدَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتُ الْعُلَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، نَبِيُّهُ الْمُصْطَفَى، وَخَلِيلُهُ الْمُجْتَبَى، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اهْتَدَى.

اللَّهُ أَكْبَرُ (تِسْعًا)، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.

مَا أَجْمَلَ صَبَاحَكَ يَا عِيدُ، وَمَا أَسْعَدَ أَهْلَكَ الَّذِينَ أَتَمُّوا الْعِدَّةَ، وَأَخْرَجُوا الْفِطْرَةَ، وَخَتَمُوا مَوْسِمَ التَّقْوَى، وَقَدْ أَوْدَعُوهُ بِحُلَلِ الطَّاعَاتِ، وَنَفَائِسِ الْقُرُبَاتِ، وَبُشْرَاهُمُ الْفَوْزُ مِنَ اللَّهِ (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا)[النَّبَأ:31].

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: هُوَ سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَهُوَ حَبِيبُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَعَ هَذَا الِاجْتِبَاءِ وَالِاصْطِفَاءِ فَقَدْ كَانَ كَثِيرًا مَا يَبْتَهِلُ إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، يَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قَلْبِي عَلَى طَاعَتِكَ".

سَمِعَتْ أُمُّنَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عِليه وَسَلَّمَ- يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ، فَقَالَتْ: وَإِنَّ الْقُلُوبَ لَتَتَقَلَّبُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عِليه وَسَلَّمَ-: "مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ بَشَرٍ إِلَّا أَنَّ قَلْبَهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، فَإِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ"(رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

فَمَا أَحْوَجَنَا أَنْ نُورِدَ عَلَى الْقُلُوبِ وَالْأَسْمَاعِ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِ الثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ، وَالِاسْتِمْسَاكِ بِشَرِيعَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَالْحَدِيثُ عَنِ الثَّبَاتِ لَيْسَ هُوَ مِنْ نَافِلَةِ الْقَوْلِ، وَلَا مِنْ تَرَفِ الْكَلَامِ، هُوَ فَرِيضَةُ الْعَصْرِ، وَمَوْعِظَةُ السَّاعَةِ.

الْحَدِيثُ عَنِ الثَّبَاتِ يَتَأَكَّدُ فِي زَمَنِ جُنُونِ الْأَفْكَارِ، وَتَزْوِيرِ الْهُوِيَّاتِ. فِتَنٌ خَطَّافَةٌ تَمُوجُ بِأَهْلِهَا مَوْجًا، وَتَرْمِيهِمْ فِي دَرَكَاتِ التَّقَلُّبَاتِ فَوْجًا فَوْجًا. لَا يَسَعُ الْمُسْلِمَ وَهُوَ يَرَى مَا يَرَى إِلَّا أَنْ يَضَعَ كَفَّهُ عَلَى قَلْبِهِ، وَيُنَاجِيَ خَالِقَهُ وَرَبَّهُ: "يَا مُقَلِّبَ الْقَلْبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ".

فَلَا نِعْمَةَ أَعْظَمُ مِنَ اسْتِشْعَارِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ يَتَنَفَّسُ الْإِسْلَامَ، وَيَحْيَا عَلَى السُّنَّةِ، وَيَعِيشُ رَاضِيًا مُطْمَئِنًّا، لَا تَثُورُ فِي دَاخِلِهِ الشُّكُوكُ، وَلَا تَعْتَرِيهِ الْحَيْرَةُ.

الثَّبَاتُ عَلَى الدِّينِ وَالسُّنَّةِ لَيْسَ هُوَ دَعْوَةً عَابِرَةً، لَهَا زَمَنٌ وَمُنَاسَبَةٌ. وَلَيْسَ الثَّبَاتُ نَثْرًا يُنَمَّقُ، وَلَا أَبْيَاتٍ تُدَبَّجُ، بَلِ الثَّبَاتُ مَشْرُوعُ حَيَاةٍ (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الْحِجْر:99].

كَلِماتُ الثَّباتِ تُخاطَبُ بِهَا أَنتَ يَا عَبْدَ الله، فإيمَانُكَ وَمُعْتقَدُكَ وَأَخْلاقُكَ وَتَرْبِيتُكَ هِيَ أَعْظَمُ جَوْهَرَةٍ تَحُوْزُها، وَتَنْعَمُ بِهَا، فلَا أَمَانَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِلَّا بِتَثْبِيتِ اللَّهِ لَكَ، فَالثَّبَاتُ وَالتَّثْبِيتُ لَا يَحُوزُهُ الْمَرْءُ بِمَالِهِ وَذَكَائِهِ، وَلَا بِجَاهِهِ وَدَهَائِهِ، بَلْ هِيَ عَطِيَّةٌ وَمِنْحَةٌ مِنَ اللَّهِ الْكَرِيمِ.

لِأَجْلِ الثَّبَاتِ دَعَا الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فَقَالُوا: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)[آل عِمْرَانَ:8]؛ نَتَحَدَّثُ عَنِ الثَّبَاتِ؛ لِأَنَّنَا نَعِيشُ فِي وَاقِعٍ مُنْفَتِحٍ وَمَفْتُوحٍ، أَصْبَحَتِ الِانْحِرَافَاتُ الْبِدْعِيَّةُ، وَالْأَفْكَارُ الْإِلْحَادِيَّةُ تَعْبُرُ الْحُدُودَ، وَتَتَجَاوَزُ كُلَّ السُّدُودِ، وَتَغْزُو الْبُيُوتَ عَبْرَ الشَّاشَاتِ وَالْهَوَاتِفِ، فَمَا كَانَ مَدْفُونًا بِالْأَمْسِ أَضْحَى الْيَوْمَ يُتَنَفَّسُ فِي الْهَوَاءِ لِيَتَلَقَّفَهُ غَيْرُ الْمُخْتَصِّ، وَغَيْرُ الْمُتَعَلِّمِ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ.
نَتَواَصى بالثَّبَاتِ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَكِسِينَ الزَّائِغِينَ يُصَدَّرُونَ، وَبِالْفِكْرِ النَّيِّرِ وَالرُّؤَى الْجَدِيدَةِ يُعَرَّفُونَ. نَتَحَدَّثُ عَنِ الثَّبَاتِ؛ لِأَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَبْنَاءِ الْيَوْمِ غَشِيَهَا الْمَلَلُ، فَهِيَ تَبْحَثُ عَنِ التَّغْيِيرِ أَيًّا كَانَ هَذَا التَّغْيِيرُ، وَاللَّهُ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ.

كَمْ سَمِعْنَا وَرَأَيْنَا وَقَرَأْنَا مِنْ تَجَاوُزَاتٍ وَانْحِرَافَاتٍ، تَضْرِبُ النُّصُوصَ، وَتَمَسُّ الْعَقِيدَةَ، تُعْرَضُ ثُمَّ يَثُورُ حَوْلَهَا الْجَدَلُ، فَمَا تَلْبَثُ مَعَ كَثْرَةِ الطَّرْقِ وَالطَّرْحِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا مُؤَيِّدُونَ وَمُدَافِعُونَ وَمُبَرِّرُونَ، يَسُوقُونَ لَهَا مِنْ زُخْرُفِ الْقَوْلِ وَيُزَيِّنُونَ، (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ)[التَّوْبَة:47].

نَعَمْ! مُؤْلِمٌ أَنْ نَرَى مَنْ يَتَأَثَّرُ بِهَا وَيَتَغَيَّرُ، وَلَكِنَّ الْخَشْيَةَ الْأَكْبَرَ مِنْ تَأْنِيسِ الْقُلُوبِ عَلَى هَذَا، وَأَنْ يَهُونَ اسْتِنْكَارُهَا بَعْدَ تَلَقِّي صَدَمَاتِهَا.

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

عِبَادَ اللَّهِ: الْحَقُّ لَا يَضْعُفُ، وَلَا يَنْتَصِرُ الْبَاطِلُ عَلَيْهِ إِلَّا إِذَا رَقَّ الثَّبَاتُ، وَاهْتَزَّتْ مَعَانِي التَّدَيُّنِ فِي الْقُلُوبِ. فهم هذا الْمُحَدِّثُ الْفَقِيهُ ابْنُ حَنْبَلٍ، الَّذِي عَاشَ زَمَنًا اسْتِثْنَائِيًّا، وَبَلَاءَ كَارِثِيًّا، انْتَفَشَ فِيهِ الْمُبْتَدِعَةُ، وَاسْتَقْوَوْا بِالسُّلْطَةِ، فَقِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ حِينَهَا: أَلَا تَرَى الْحَقَّ كَيْفَ ظَهَرَ عَلَيْهِ الْبَاطِلُ؟ فَقَالَ: "كَلَّا، إِنَّ ظُهُورَ الْبَاطِلِ عَلَى الْحَقِّ أَنْ تَنْتَقِلَ الْقُلُوبُ مِنَ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالَةِ، وَقُلُوبُنَا بَعْدُ لَازِمَةٌ عَلَى الْحَقِّ".

فَثَبَاتُ الْقُدْوَاتِ هُوَ تَثْبِيتٌ لِغَيْرِهِمْ، وَالتَّارِيخُ يَشْهَدُ أَنَّ ثَبَاتَ قُدْوَةٍ عَلَى الْحَقِّ، نَتِيجَتُهُ جِيلٌ صَالِحٌ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَتَبَدَّلُ. وَكَمْ مِنْ شَخْصٍ اهْتَزَّ تَدَيُّنُهُ لِاهْتِزَازِ ثِقَتِهِ فِي قُدْوَةٍ كَانَ يَرَاهَا!

وَبِالتَّالِي، وَحِفْظًا عَلَى الثَّبَاتِ وَالِاعْتِدَالِ، فَالْوَاجِبُ الِاعْتِدَالُ فِي النَّظَرِ إِلَى الرِّجَالِ، فَمَهْمَا عَلَتْ مَنْزِلَتُهُمْ تَبْقَى أَقْوَالُهُمْ مَرْهُونَةً بِمُوَافَقَتِهَ لِلْحَقِّ كِتَابًا وَسُنَّةً، وَلَا يَأْمَنُ أَحَدٌ الْبَلَاءَ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّذِي خَافَ فَقَالَ: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)[إِبْرَاهِيم:35]، وَمَا أَجْمَلَ تِلْكَ الْوَصِيَّةَ الَّتِي قَالَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ: "مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا، فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فَإِنَّ الْحيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ".

الثَّبَاتُ عَلَى الْحَقِّ لَا يَعْنِي الْعِصْمَةَ وَالْكَمَالَ، فَالثَّابِتُونَ لَهُمْ نَوَازِعُ وَأَهْوَاءٌ، رُبَّمَا كَسِلُوا أَوْ فَتَرُوا، رُبَّمَا تَعَرَّضُوا لِلْإِغْوَاءِ، وَرُبَّمَا مَالُوا مَعَ الْإِغْرَاءِ، فَكُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ. لَكِنْ لَدَيْهِمْ مُضَغٌ، تَنْبِضُ حُبًّا لِلَّهِ تَعَالَى، فَمَقَامُ اللَّهِ حَاضِرٌ لَدَيْهِمْ لَا يَغِيبُ، فَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ. لَدَيْهِمْ مُضَغٌ حَيَّةٌ، تَشْتَعِلُ كَالْأَفْرَانِ إِذَا انْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللَّهِ، وَغَيْرَةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ.

الثَّابِتُونَ: جَاهَدُوا أَنْفُسَهُمْ، وَصَبَرُوا وَصَابَرُوا، فَهُمْ أَسْعَدُ بِالْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ لَهَا (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)[الْعَنْكَبُوت:69].

الثَّابِتُونَ هُمُ الْجَادُّونَ الصَّابِرُونَ، وَهُمُ الرِّجَالُ الْمُؤْمِنُونَ الصَّادِقُونَ، صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا.

الثَّابِتُونَ لَا يَغْتَرُّونَ، وَلَا بِأَعْمَالِهِمْ يُعْجَبُونَ، وَإِنَّمَا يَعْمَلُونَ وَيَسْتَزِيدُونَ، ثُمَّ لِلْقَبُولِ يَسْأَلُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ.

الثَّابِتُونَ هُمْ أَشْرَحُ النَّاسِ صُدُورًا، وَأَيْسَرُهُمْ أُمُورًا؛ لِأَنَّهُمْ حَجَبُوا عَنْ قُلُوبِهِمْ خَطَرَاتِ الشَّكِّ، وَنَزَغَاتِ الْحَيْرَةِ.

الثَّابِتُونَ لَا تُغَيِّرُهُمُ الْأَحْدَاثُ، وَلَا يَسْتَخِفُّهُمُ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ؛ لِأَنَّهُمْ بِوَعْدِ اللَّهِ مُوقِنُونَ.
الثَّابِتُونَ فِي كُلِّ مُجْتَمَعٍ هُمْ رَأْسُ الْحَرْبَةِ وَالْحُمَاةُ، وَهُمُ الْبَاقُونَ عَلَى جَبَلِ الرُّمَاةِ، فَوُجُودُهُمْ بَرَكَةٌ وخَيْرٌ، وَلَا يَأْتِي مِنْهُمْ إِلَّا كُلُّ خَيْرٍ.

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

هَاجِسُ الثَّبَاتِ يَنْبَغِي أَنْ يَعِيشَهُ الْمُسْلِمُ فِي صُبْحِهِ وَمَسَائِهِ، فِي فَرَائِضِهِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ، حَتَّى يَبْقَى الثَّبَاتُ هَمًّا يَخْفُقُ بِهِ الْقَلْبُ، وَيَتَلَجْلَجُ فِي الْوِجْدَانِ. "فَيَا يَا عِبَادَ اللَّهِ اثْبُتُوا"؛ قَالَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمُوَاجَهَةِ أَعْظَمِ الْفِتَنِ.

فَثَبَاتًا ثَبَاتًا عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، فَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ. ثَبَاتًا عَلَى نَقَاءِ التَّوْحِيدِ وَتَحْقِيقِهِ قَوْلًا وَعَمَلًا، وَتَعَلُّمًا وَتَعْلِيمًا. ثَبَاتًا عَلَى الِاسْتِمْسَاكِ بِشَرْعِ اللَّهِ، فَلَا تَضِيعُ الْأَوَامِرُ، وَلَا تُنْتَهَكُ الزَّوَاجِرُ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا)[النساء:66].

اسْتَجْلِبُوا الثَّبَاتَ بِتَعْظِيمِ نُصُوصِ الْوَحْيَيْنِ، فَلَا يُلْتَفُّ عَلَيْهَا بِتَأْوِيلَاتٍ مُنْحَرِفَةٍ شَاذَّةٍ، أَوْ تَفْسِيرَاتٍ ضَعِيفَةٍ نَادَّةٍ.

ابْحَثُوا عَنْ جَوْهَرَةِ الثَّبَاتِ بَيْنَ ثَنَايَا الْقُرْآنِ، تِلَاوَةً وَتَدَبُّرًا، فَفِي زُبُرِ الْقُرْآنِ قِصَصٌ لِلثَّابِتِينَ وَالثَّابِتَاتِ، (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ)[الْفُرْقَان:32].

اسْتَجْلِبُوا الثَّبَاتَ بِصِدْقِ الِالْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ، فَسَيِّدُ الثَّابِتِينَ قَالَ اللَّهُ عَنْهُ: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا)[الْإِسْرَاء:74].

وَاسْتَمْطِرُوا الثَّبَاتَ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ، وَالِاطِّرَاحِ وَالتَّوَجُّعِ، فَقَدْ فَزِعَ يُوسُفُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- حِينَ رَأَى الْفِتْنَةَ وَالْبَلَاءَ فَقَالَ: (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ)[يُوسُف:33-34].

وَخِتَامُ الذِّكْرَى يَا عَبْدَ اللَّهِ: لَا تَنْظُرْ إِلَى الْهَالِكِ كَيْفَ هَلَكَ، بَلِ انْظُرْ إِلَى النَّاجِي كَيْفَ نَجَا، فَكُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ سَيَأْتِي الرَّحْمَنَ عَبْدًا وَفَرْدًا. وَتَيَقَّنْ يَقِينًا أَنَّ فَلَاحَكَ وَسَعَادَتَكَ، وَمُسْتَقْبَلَكَ وَنَجَاتَكَ هُوَ فِي ثَبَاتِكَ.

فَثَبَاتُكَ هُنَا، سَبَبٌ لِتَثْبِيتِكَ هُنَاكَ (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)[إِبْرَاهِيم:27].

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْوَحْيَيْنِ، وَجَعَلَنَا مِنْ أَتْبَاعِ سَيِّدِ الثَّقَلَيْنِ...

-------

الخطبة الثانية:

أَمَّا بَعْدُ فَيَا إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: فِي يَوْمِ الْعِيدِ، وَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهِ وَمَعَ زَوْجِهِ، إِذْ سَمِعَ جَلَبَةً، فَإِذَا هُمُ الْأَحْبَاشُ قَدْ دَخَلُوا نَاحِيَةَ الْمَسْجِدِ، وَمَعَهُمْ حِرَابُهُمْ يَرْقُصُونَ وَبِلُغَتِهِمْ يَهْزِجُونَ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِ عَائِشَةَ لِتَرَى هَذَا الْمَنْظَرَ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَفِّزُهُمْ وَيَقُولُ: "دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ"، -وَهُوَ لَقَبٌ لِلْحَبَشَةِ-، ثُمَّ قَالَ: "لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً".

فَمَا أَعْظَمَ جَمَالَ هَذَا الدِّينِ الَّذِي فَتَحَ مِسَاحَاتٍ مِنَ التَّرْوِيحِ، فَسَاعَةً وَسَاعَةً! هَذِهِ الْفُسْحَةُ هِيَ جُزْءٌ مِنْ شَرِيعَتِنَا، وَصُورَةٌ مِنْ جَمَالِهَا وَكَمَالِهَا، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى وَاقِعِيَّةِ الدِّينِ، وَأَنَّهُ جَاءَ مُلَبِّيًا لِحَاجَاتِ النَّفْسِ.

فَفُسْحَةُ دِينِنَا هِيَ رِسَالَةُ دَعْوَةٍ وَتَيْسِيرٍ، وَتَرْغِيبٍ وَتَبْشِيرٍ. هَذِهِ الْفُسْحَةُ تَخْلُقُ التَّوَازُنَ فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِ، وَتُنَمِّي عِنْدَهُ قَضِيَّةَ الْوَسَطِيَّةِ وَالِاعْتِدَالِ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُصَادَرَ هَذِهِ الرُّخْصَةُ بِحُجَّةِ كَثْرَةِ الْجِرَاحِ وَالْآلَامِ هُنَا وَهُنَاكَ.

أَظْهِرُوا سَمَاحَةَ الْإِسْلَامِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْفُسَحِ، حَتَّى لَا يَتَحَوَّلَ التَّدَيُّنُ إِلَى فَهْمٍ خَاطِئٍ، وَوَجْهٍ عَابِسٍ، وَتَجَهُّمٍ دَائِمَ.
وَفِي الْمُقَابِلِ لَيْسَ مِنَ الْفُسْحَةِ فِي الدِّينِ التَّفَلُّتُ مِنْ تَعَالِيمِ الدِّينِ. لَيْسَ مِنَ الْفُسْحَةِ فِي الدِّينِ اسْتِحْلَالُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَشَرْعَنَةُ الْمُنْكَرَاتِ تَحْتَ أَيِّ اسْمٍ كَانَ. لَيْسَتِ الْفُسْحَةُ الدَّعْوَةَ لِانْفِلَاتِ الْحُرِّيَّاتِ، لِيُعَاقِرَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ، وَلِسَانُ الْحَالِ، اجْتَمِعُوا وَاخْتَلِطُوا، ثُمَّ اقْتَرِفُوا مَا أَنْتُمْ مُقْتَرِفُونَ.

الْفُسْحَةُ الْمُبَاحَةُ لَيْسَتْ كما يَظُنُّ الْبَعْضُ أنَّها دَعْوَةً لِلْمُنْكَرِ وَمُفَاخَرَةً، وَمَنْ لَا يُرِيدُ الْمُجَاهَرَةَ فَلْيَلْزَمْ بَيْتَهُ وَدَارَهُ.

فَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، وَحَافِظُوا عَلَى مَغَانِمِ رَمَضَانَ، وَتَذَكَّرُوا عُهُودًا أَبْرَمْتُمُوهَا مَعَ الْمَلِكِ الرَّحْمَنِ (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا)[النَّحْل:92].

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أَسْبَغَ اللَّهُ عَلَيْنَا نِعَمَ الْخَيْرَاتِ، وَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ الطَّاعَاتِ، وَأَعَادَ عَلَيْنَا شَهْرَنَا الْغَالِيَ وَنَحْنُ نَرْفُلُ بِالْعَافِيَةِ وَالْمَسَرَّاتِ.

صَلُّوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ وَأَزْكَى الْبَشَرِيَّةِ.

الدعاء .....
خطبة عيد الفطر المبارك - الشيخ عبد الله الطيار

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، الرحمنِ الرحيمِ، مالكِ يومِ الدينِ، والعاقبةُ للمتقينِ ولا عدوانَ إلا على الظالمين، الَّلهُم لكَ الحمدُ كلُّه، لا مَانعَ لما بَسطت، ولا باسطَ لما قَبضت، ولا هَاديَ لما أضللت، ولا مُضلَّ لمنْ هديت، ولا مُعطيَ لما مَنَعت، ولا مانعَ لما أعطيت، ولا مقرِّبَ لما باعدت، ولا مُباعدَ لما قرَّبت.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ.
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إله إلا اللهُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.
اللهُ أكبرُ كبيراً، والحمدُ للهِ كثيراً، وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلاً.

أحمدُ اللهَ وأشكرهُ وأُثني عليهِ الخيرَ كلَّه، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، الكريمُ في عطائِه، الحليمُ على خلقِه، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، كان قدوةَ الخلقِ في عبادِة ربِّه فكانَ عبدًا شكورًا، صلى اللهُ عليه وآلهِ وصحبهِ، والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعدُ: فيا أيها المسلمونَ والمسلمات، مباركٌ علينا وعليكم عيدُ الفطرِ المبارك، أعادَه اللهُ علينا وعليكم بالأمنِ والإيمانِ، والسلامةِ والإسلامِ، وأحلَّ علينَا وعليكم من بركاتِ العيدِ. وأُوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ، فهي الوصيةُ الأولى لعبادِه وخلقِه.

عبادَ اللهِ: عليكم أنْ تودِّعوا شهرَكم بشكرِ مولاكم أَنْ بلَّغكم إياه، وأعانَكم فيه على الصيامِ والقيامِ، وسائرِ الأعمالِ، وعليكم بالاستمرارِ على طاعةِ ربِّكم، والحرصِ على ما أمرَكم به من الفرائضِ وغيرهَا من نوافلِ الأعمالِ. أسألُ اللهَ -جلَّ وعلا- أنْ يجعَلنَا وإيَّاكم من المقبولين، وممن أعتق الله رقابهَم من النَّارِ.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إله إلا اللهُ. اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمد.

أيُّها المسلمونَ والمسلماتَ: أتى هذا العيدُ المبارك بعدَ أدائِكم للطاعةِ من الصيامِ والقيامِ والصدقةِ وتلاوةِ القرآنِ، فهنيئاً لكم الفرحةَ به، ومكافأةَ ربِّكم العظيمة. فعن جُبيرِ بن نُفيرٍ قال: كان أصحابُ النبِّي -صلى الله عليه وسلم- إذا التقوا يومَ العيدِ، يقولُ بعضُهم لبعضٍ: "تقبَّلَ اللهُ منا ومنك"(رواه أحمد).

إخوتي في الله: إنَّ فرحتَنا بعيدِنا أَنْ يرى الله منا صلاحَ قُلوبِنا، وسلامةَ صُدورِنا وتبدُّل أحوالِنا، والتزامَ أمرِه ونهيِه، والسيرَ على طريقِه وهديِه، وأن نقتَديَ بخيرِ خلقِه -صلى الله عليه وسلم-.

وأن نستمرَّ في العبادةِ بعدَ رمضان، فقد قال نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم-: "أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ تعالى أدومُها، وإن قلَّ"(رواه البخاري ومسلم)، وألا نعودَ إلى المعصيةِ والتقصيرِ والغفلةِ مرةً أخرى، وأن نتعاهدَ أنفسَنا بصلاحِها، وقلوبَنا بتزكيتِها وطهارتِها من أمراضِها.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ.. اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.

أيُّها المسلمون والمسلمات: وهذا العيدُ فرصةٌ عظيمةٌ لإزالةِ الأحقادِ والضغائنِ من القلوبِ والنفوسِ، بعيدينَ فيهِ عن الظلمِ والإثمِ والعدوانِ، والتباغضِ، والتقاطعِ، والتدابرِ، والسعيدُ في هذا اليوم مَنْ وَصَلَ رحمَه وعفى وصفحَ وبذلَ الإحسانَ إلى أهلِه وأقاربِه ومَنْ حولِه احتساباً للأجرِ من الكريمِ المنانِ.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ.. اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.

عبادَ اللهِ: ومما يُستَحبُّ القيامُ به في هذهِ الأيامِ المباركةِ التهنئةُ بالعيدِ بين المسلمين؛ فيقولُ المسلمُ لأخيهِ "عيدٌ مباركٌ علينا وعليكم"، أو "تقبَّلَ اللهُ منَّا ومنكم"، وما أشبَهَ ذلكَ من عباراتِ التهنئةِ المباحةِ.

وكذلك التوسعةُ على الأهلِ والعيالِ في هذا اليومِ من غيرِ بذخٍ أو تبذيرٍ أو إسرافٍ. وإدخالُ السرورِ على الوالدينِ، والزوجةِ والعيالِ، والإخوةِ والأخواتِ، والأقاربِ والجيرانِ. والبذلُ في هذهِ الأيامِ على الفقراءِ والمساكيِن وأصحابِ الحاجاتِ، فكمْ من بيتٍ مسلمٍ لا يجدُ حاجتَه ليفرحَ بالعيدِ كما يفرحُ الناس.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ.. اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.

عبادَ الله: على الجميعِ تَجنُّب الإسرافِ والتبذيرِ في موائِد العيدِ، والمناسباتِ، وتجنُّبِ خُروجِ النساءِ مُتبرجاتٍ متعطراتٍ، وخاصةً في الحدائقِ والمتنزهاتِ العامةِ والخاصةِ، والبعدُ عن الاختلاطِ والتكشفِ وخاصةً في المناسباتِ العائليةِ، وليحْذرَ أولياءُ الأمورِ من شراءِ الألعابِ النَّاريةِ لما فيها من الأذى والضررِ وإضاعةِ المال.

بسم الله الرحمن الرحيم: (وَالْعَصْر* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر)[سورة العصر:1-3].
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ.. اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.

-------

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسُولُه، صلى اللهُ وسلمَ عليه وعلى آلهِ وصحبهِ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وسلَّم تسليما كثيراً.

أما بعد: فاتقوا اللهَ حقَّ التَّقوى، واعلموا أنَّ بلادَكم مستهدفةٌ من أعدائِها، فاحرصوا على اجتماعِ الكلمةِ ووحدةِ الصفِّ، والدعاءِ لوليّ الأمرِ، فهذا دأبُ سلفِكم الصالِح، واحذروا من الشائعاتِ والأراجيفِ التي تصبُّ في مصلحةِ الأعداءِ، وكونوا صمامَ الأمانِ لبلادِكم من تربصاتِ ومكرِ أعدائِكم.

وتكاتَفوا، وترابَطوا، وتماسَكوا؛ فالعزُّ كُلُّ العزِّ في التَّمسكِ بهذا الدينِ، والتآلفِ بين الراعِي والرعيةِ، واحمدوا اللهَ تعالى على نعمةِ الأمنِ والإيمانِ، ونعمةِ رغدِ العيشِ، التي تتقلبونَ فيها وقد حُرِمها غيرُكم.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ.. اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.

عبادَ اللهِ: لقد مرّ خلالَ هذا العامِ أحداثٌ مفجعةٌ وأحوالٌ لا تسرُّ المؤمنينَ، مَرَّت بكثيرٍ من البلادِ من حولِنا، يندى لها الجبينُ وتبكي لها العيون، وبلادُنا وللهِ الحمدُ والمنّةُ حفظها اللهُ -تعالى- من كثيرٍ من الشرورِ، فحفظَ عليها دينَها، وأمنَها، وسلامتَها، ورغدَ عيشِها، واجتماعَ كلِمتها، ووحدةَ صفِّها، فنحمدُ اللهَ جلَّ وعلا على هذهِ النعمِ العظيمةِ ونسألهُ تعالى أن يديمَها علينَا وعلى سائرِ بلادِ المسلمين.

ولعلَّ من آخرِ ما شرَّفها به تلكَ القِمّمْ التي تَمَّت في أشرفِ بقعةٍ وزمانٍ، وتحقَّقَ بها خيرٌ كثيرٌ، أسَألُ اللهَ أن نرى ثمرتَها في القريبِ العاجلِ وجزى اللهُ خادم الحرمين الشريفين خير الجزاء على هذه الدعوةِ لهذه المؤتمرات واختيار الزمان والمكان المناسبين لها.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ.. اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.

عباد الله: وصيتي لكلِّ امرأةٍ مسلمةٍ أن تتقيَ اللهَ -جلَّ وعلا-، وأن تحافظَ على فرضِها، وأن تطيعَ زوجهَا، وأن تحافظَ على وقتِها من تضييعِه في غيرِ ما يُرضي الله، وأن تحرصَ على حجابِها الشرعي؛ طاعةً لأمرِ ربِّها، وألا تزاحمَ الرجالَ أثناءَ انصرافِهم من الصلاةِ، وأن تجتنبَ مَسَّ الطيبِ أثناءَ خروجِها من بيتِها، وأن تُحافظَ على نفسِها وبناتِها وألا تنشغلَ بالمباحاتِ عن الفرائضِ.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ.. اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.

عباد الله: يُسنُّ للمسلمِ إذَا دخلتْ عليهِ أيامُ شهرِ شوالِ أن يَصومَ ستًّا منها بدايةً من ثاني أيامِ العيدِ تعجلاً بالطاعةِ، ومتابعةً لها، لقولِه -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتّبَعُه سَتًّا مِنْ شَوالِ فَكأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ"(رواه مسلم)

ومنْ كانَ عليِه قضاءٌ من رمضانَ فليبادرْ إلى صيامِه قبلَ صيامِ السِّتِ من شوال؛ لأنَّ دينَ اللهِ أَحقُّ بالقضاءِ، والواجبُ مُقدمٌ على المسنونِ.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:٥٦].

أعاد الله علينا وعليكم من بركات العيد، وتقبَّل الله منا ومنكم وسائر المسلمين صالح الأعمال، والحمد لله رب العالمين.
خطبة عيد الفطر المبارك - الشيخ صلاح البدير

الخطبة الأولى:

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا،
الحمد لله الذي أنزلَنا ربيعَ فضلِه الخصيب، وأحلَّنا في ربوة كرمه الرحيب، وأكرَمَنا بالعيش المغدِق الناعم الرطيب، وجعَل الأعياد مربحًا للعبد التوَّاب الأوَّاب الثوَّاب المنيب،
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، إليه أدعو وإليه أنيب،
وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، ذو النَّسَب النسيب والحَسَب الحسيب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة ننال بها أجزلَ الأجر وأعظم النصيب.

أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله فإن الأمس مَثَل واليوم عَمَل، وغدا أَمَل، (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا)[الْمُزَّمِّلِ: 20].

أيها المسلمون: لقد أظلَّكم عيدُ الفطر السعيد، الذي شامت بروقُه، وعلاكم شروقُه، ها هو العيد وقد نثَر في أرجائكم عبقَه الفوَّاح، ونشَر فيكم ضياءه الوضَّاح، وانبلج بأريجه نورُ الصباح، عيد أزهر بالمسرَّة والأفراح، وأسفَر بنسائم السَّكِينة والانشراح، عيد احلولى زمانُه ومكانُه، واعلولى محلُّه وميدانه، واعذوذب اسمُه وعنوانُه، فهنيئًا لكم يوم العيد السعيد، هنيئا لكم يوم الفطر المجيد.

هنيئا لك العيد الذي أنتَ عيدُه***وأنكَ من فيض البهاء تزيده
بالبِرِّ صمتَ وبتَّ شهرَكَ صائمًا***وبسنة الله الرضية تُفْطِرُ
فَانْعَمْ بعيد الفطر عيدًا إنه***يوم أغر من الزمان مشهَّرُ
يا صائمًا ترَك الطعامَ تعفُّفًا***أضحى رفيق الجوع واللأواءِ
أَبْشِرْ بعيدِكَ في القيامة رحمةً***محفوفة بالبر والأنداءِ

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: طوبى لكم يوم أكملتُم عدةَ شهركم، وأخرجتُم زكاةَ فطركم، وجلجلتُم بالتكبير لربكم، والتكبيرُ أبلغُ لفظ في معاني التعظيم، فعَظِّموا خالِقَكم حقَّ عظمته، وخافوا من بأسه ونقمته، ولا تغفلوا عن شكر فضله ونعمته، وانقادوا لأمره ونهيه، ولا تعارضوهما بترخُّصٍ جافٍ أو تشديد غالٍ أو علة تُوهِن صدقَ الانقياد، وعظِّموه ونزِّهوه، عما يقول ويفعل عَبَدةُ الأوثانِ والمشركون، ولا تخففوا صحائفكم بالبدع والمحدَثات، ولا تُفسِدوا دينَكم بالذهاب إلى السحرة والكهان، والدجالين والمشعوِذِينَ الذين يدَّعون علمَ المغيَّبات، وكَشْف المضمَرات، ولا تخدشوا إيمانَكم بتعليق الخيوط والحروز، والتمائم وسائر المعلَّقات، التي لا تجلب مالًا، ولا تدفع وبالًا، ولا تحمي عيالًا، ولا تُحبِطوا أعمالَكم بعبادة الرِّمم البالية، والعظام النَّخِرة، ولا تطوفوا بقبر، ولا تذبحوا عند قبر، ولا تستغيثوا بقبر كما يفعله عباد القبور والأوثان، ومن صان عقيدتَه وتوحيدَه لربه فقد استشعر معنى التكبير، وقام بواجب التعظيم للرب العظيم.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: إذا أشرَق العيدُ تهلَّلت الوجوهُ فرحًا وأشرقت، وتلألأت واستهلت، واستبشرت واستنارت، والفَرَح بالعيد سُنَّة المسلمين، وشعيرة من شعائر الدين، شرع في العيد إشهار السرور والأفراح، لا إشهار الحزن والنُّوَاح، ولا تذكُّر الأوجاع ونَكْث الجراح.
لا حزن يعلو فرحةً شُرعت***في يوم عيد ويوم العيد أفراح

فأعلِنوا الأفراحَ وأظهِروها، وانشروا السعادةَ وعمموها، وبدِّدوا غيمةَ الأحزان، وروِّحُوا الأبدانَ، وأدخلوا السرورَ على الأهل والأقارب والجيران، وانفحوا بالمال نفحًا، وابسطوا اليدينِ إعطاءً ومَنْحًا، ووسِّعوا على العيال وأسعِدوا الأطفالَ، وجودوا بالتبسُّم وبَسْط الوجه، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: إدخالُكَ السرورَ على مؤمن، أشبعتَ جوعتَه، أو كسوتَ عورتَه، أو قضيتَ له حاجةً" (رواه الطبراني في الأوسط).

فطوبى لكل منَّاح فيَّاح، ولكل رؤوف عطَّاف، يحنو على الفقراء والمساكين، ويُدخِل الفرحَ في قلوب اليتامى والمحرومين والمنكوبين، ويُشفِق على الأيامى والأرامل والمقطوعين، ويحدُب على الضعفاء والمكروبينَ، ويواسي المستضعفينَ والمشردينَ، وإدخال السرور على الوالدين وبرهما وإزالة ما يحزنهما ألزم وأوجب.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: عاد العيد لتعود جداول الحب وسواقيه، وتفيض مسايل الوُدِّ ومجاريه، فتطهر القلوب من أوضار الحقد والشحناء، وتغسلها من أدران الكراهية والبغضاء، عاد العيد لتنتشل نفحتُه كلَّ كئيب، وتسلِّي فرحتُه كلَّ مكلوم، وتواسِي بهجتُه كلَّ مهموم، جاء العيد ليغسل وجوهًا ارتسم الحزنُ على قسماتها، وخيَّم الأسى في ساحتها، وتسلَّل اليأسُ إلى باحتها، اللهف لا يرد فَوَاتًا، والتحسُّر لا يُحيي مواتًا.
وَمِنَ السُّنَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْوَبَاءِ: الْيَقِينُ بِأَنَّهُ لَا يُصِيبُ إِلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَلَا يَقْتُلُ الْمُصَابَ إِلَّا بِأَمْرِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَيُعَلِّقُ الْمُؤْمِنُ قَلْبَهُ بِاللَّهِ -تَعَالَى-، وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[التَّوْبَةِ: 51]، فَلَا يَجْزَعُ مِنْ وُقُوعِ الْوَبَاءِ، فَالْجَزَعُ أَكْثَرُ فَتْكًا بِأَصْحَابِهِ مِنَ الْوَبَاءِ.

وَمِنَ السُّنَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْوَبَاءِ: حِفْظُ النَّفْسِ مِنْهُ، وَاجْتِنَابُ الْمُصَابِينَ بِهِ، وَسُؤَالُ اللَّهِ -تَعَالَى- الْعَافِيَةَ مِنْهُ، وَالِاسْتِرْشَادُ بِوَصَايَا الْأَطِبَّاءِ وَأَهْلِ الشَّأْنِ فِيهِ. فَإِذَا ابْتُلِيَ الْعَبْدُ بِهِ صَبَرَ وَاحْتَسَبَ، وَاجْتَهَدَ فِي عِلَاجِهِ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذَا أَحَسَّ بِهَلَاكِهِ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَاشْتَاقَ إِلَيْهِ، وَرَضِيَ بِمَا قَدَّرَ عَلَيْهِ، كَمَا فَعَلَ الصَّحَابَةُ وَأَسْلَافُ الْأُمَّةِ حِينَ أَصَابَهُمُ الْوَبَاءُ. "وَمَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ" كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ.

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

اللَّهُمَّ ارْفَعِ الْوَبَاءَ عَنْ بِلَادِنَا وَعَنْ سَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَصَابَهُمُ الْوَبَاءُ مِنْ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ فَاجْعَلْهُ كَفَّارَةً لِسَيِّئَاتِهِمْ، وَرِفْعَةً فِي دَرَجَاتِهِمْ، وَعَافِهِمْ مِنْهُ. وَمَنْ قَضَوْا فِيهِ فَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ وَأَسْكِنْهُمُ الْجَنَّةَ، وَاخَلُفْ عَلَى أَهْلِهِمْ بِخَيْرٍ.

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

--------

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ يُحْمَدُ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَفِي الْعَافِيَةِ وَالْبَلَاءِ، وَفِي الْأَفْرَاحِ وَالْأَحْزَانِ، وَلَا يُحْمَدُ فِي كُلِّ حَالٍ سِوَاهُ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا؛ أَفَاضَ عَلَيْنَا النِّعَمَ، وَرَفَعَ عَنَّا النِّقَمَ، وَأَمَرَنَا بِصِيَامِ شَهْرِنَا، وَشَرَعَ لَنَا الْفَرَحَ بِعِيدِنَا؛ فَلَهُ الْحَمْدُ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ كَمَا أَثْنَى هُوَ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ دَلَّ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْوُجُودِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ؛ فَلَا يَجْحَدُهُ إِلَّا مُكَابِرٌ، وَلَا يُنْكِرُ تَدْبِيرَهُ لِلْخَلْقِ إِلَّا كَافِرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ -تَعَالَى- فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، وَكَانَ يَذْكُرُهُ فِي كُلِّ أَحْيَانِهِ، وَاشْتَاقَ لِلِقَائِهِ، وَاخْتَارَ جِوَارَهُ؛ فَكَانَ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَأَطِيعُوهُ، وَوَاصِلُوا الْعَمَلَ بَعْدَ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ دَيْمُومَةَ الْأَعْمَالِ، وَأَتْبِعُوا رَمَضَانَ بِصِيَامِ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ؛ لِيَكُونَ لَكُمْ كَصِيَامِ الدَّهْرِ، وَاحْذَرُوا الْمُنْكَرَاتِ فِي الْعِيدِ؛ فَإِنَّهُ يَوْمُ شُكْرٍ لِلَّهِ -تَعَالَى- عَلَى نِعْمَةِ رَمَضَانَ، وَلَا يَلِيقُ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يُقَابِلَ نِعَمَ اللَّهِ -تَعَالَى- بِالْكُفْرَانِ (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الْبَقَرَةِ: 185].

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: يَكْثُرُ الْحَدِيثُ عَنِ ارْتِدَادَاتِ الْوَبَاءِ، وَآثَارِهِ الِاقْتِصَادِيَّةِ عَلَى الدُّوَلِ وَالْأَفْرَادِ، وَيَخَافُ النَّاسُ مِنَ الْقِلَّةِ وَالْفَقْرِ وَالْجُوعِ، وَيَحْرِصُونَ عَلَى أَرْزَاقِهِمْ كَمَا حَرَصُوا فِي الْوَبَاءِ عَلَى بَقَاءِ حَيَاتِهِمْ.
أَيُّهَا النَّاسُ: لَا شَيْءَ أَشْغَلَ النَّاسَ فِي الْأَشْهُرِ الْمَاضِيَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْوَبَاءِ الَّذِي عَمَّ الْأَرْضَ جَمِيعًا؛ إِذْ قُطِعَتْ بِسَبَبِهِ السُّبُلُ، وَمُنِعَ السَّفَرُ، وَتَعَطَّلَتِ الْأَعْمَالُ، وَأُغْلِقَتْ أَمَاكِنُ التَّجَمُّعَاتِ، وَاسْتَنْفَرَتْ لَهُ الدُّوَلُ كَوَادِرَهَا، وَسَخَّرَتْ لِمُكَافَحَتِهِ طَاقَاتِهَا، وَلَنْ تُحْصَى خَسَائِرُ الْعَالَمِ بِسَبَبِهِ؛ إِذْ فَقَدَ الْمَلَايِينُ مِنَ الْبَشَرِ وَظَائِفَهُمْ، وَأَفْلَسَتْ بِسَبَبِهِ شَرِكَاتٌ وَمُؤَسَّسَاتٌ، وَاسْتَدَانَتْ أَكْثَرُ الدُّوَلِ، وَصَارَ لَهُ مِنَ الْأَثَرِ مَا لَمْ يَكُنْ لِأَشَدِّ الزَّلَازِلِ وَالْبَرَاكِينِ وَالْفَيَضَانَاتِ، وَأَعْتَى الْحُرُوبِ وَالنِّزَاعَاتِ، فَهُوَ يَنْتَشِرُ فِي الدُّوَلِ بِهُدُوءٍ لَا صَخَبَ فِيهِ، وَيُتْلِفُ مِنَ الْبَشَرِ مَا تُتْلِفُهُ النَّارُ مِنَ الْهَشِيمِ، وَقَدْ خَاضَ النَّاسُ فِيهِ كَثِيرًا، فَتَحَدَّثُوا فِي أَمَدِهِ وَنِهَايَتِهِ، وَدَاكُوا فِي أَسْبَابِهِ وَبَوَاعِثِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مُؤَامَرَةً لِدُوَلٍ كُبْرَى عَلَى أُخْرَى، فِيمَا يُسَمَّى بِالْحُرُوبِ الْجُرْثُومِيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ خَطَأً فَادِحًا تَحَمَّلَ الْعَالَمُ كُلُّهُ دُوَلًا وَشُعُوبًا تَكْلِفَتَهُ، وَعَانَوْا مِنْ آثَارِهِ.

وَالْمُؤْمِنُ فِي نَظْرَتِهِ لِهَذَا الْوَبَاءِ يَرْتَكِزُ عَلَى أَسَاسَيْنِ مُهِمَّيْنِ، هُمَا: سُنَّةُ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي أَقْدَارِهِ وَأَفْعَالِهِ -سُبْحَانَهُ-، وَسُنَّتِهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي الْأَوْبِئَةِ الْمَاضِيَةِ؛ فَهِيَ مُدَوَّنَةٌ فِي التَّارِيخِ:

وَسُنَّةُ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي قَدَرِهِ وَفِعْلِهِ: أَنَّ هَذَا الْوَبَاءَ وَقَعَ بِأَمْرِهِ وَعِلْمِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، سَوَاءٌ نَتَجَ عَنْ خَطَأٍ بَشَرِيٍّ، أَوْ تَعَمَّدَ بَشَرٌ تَطْوِيرَهُ وَضَرْبَ الْعَالَمِ بِهِ، وَقَدْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ثُمَّ لَا يُسَيْطِرُونَ عَلَيْهِ، وَيَرْتَدُّ عَلَيْهِمْ فَيُدَمِّرُهُمْ (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)[فَاطِرٍ: 43]، وَفِي الْمَثَلِ الْمَشْهُورِ: مَنْ حَفَرَ حُفْرَةً لِأَخِيهِ وَقَعَ فِيهَا.

وَمِنْ سُنَّةِ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي قَدَرِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: أَنَّهُ لَا يُقَدِّرُ شَرًّا مَحْضًا، فَالشَّرُّ الْمَحْضُ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَكُلُّ مَا يَبْدُو لِلنَّاسِ شَرًّا فَفِيهِ خَيْرٌ قَدْ يَعْلَمُونَهُ وَقَدْ يَجْهَلُونَهُ، وَفِي الدُّعَاءِ النَّبَوِيِّ الْمَأْثُورِ: "لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ".

وَمِنْ سُنَّةِ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي الْأَوْبِئَةِ الْعَامَّةِ: أَنَّهَا دَوْرَةٌ حَضَارِيَّةٌ لِلتَّغْيِيرِ فِي الْأَرْضِ؛ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ اسْتِقْرَاءُ تَارِيخِ الْأَوْبِئَةِ الشَّامِلَةِ الَّتِي ضَرَبَتْ أَكْثَرَ الدُّوَلِ، وَأَفْنَتْ كَثِيرًا مِنَ الْبَشَرِ. وَبِاسْتِقْرَاءِ أَخْبَارِ الْأَوْبِئَةِ الَّتِي مَضَتْ فِي الْأُمَمِ السَّالِفَةِ؛ فَإِنَّ مِنْهَا مَا يَنْتَهِي فِي أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ كَطَاعُونِ الْجَارِفِ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: "وَكَانَ وُقُوعُ هَذَا الطَّاعُونِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَاحِدٌ وَسَبْعُونَ أَلْفًا، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ أَلْفًا، وَأَصْبَحَ النَّاسُ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ مَوْتَى إِلَّا قَلِيلًا مِنَ الْآحَادِ".

وَمِنْهَا أَوْبِئَةٌ تَمْكُثُ أَشْهُرًا، وَمِنْهَا مَا مَكَثَ سَنَوَاتٍ عِدَّةً؛ كَالطَّاعُونِ الْأَسْوَدِ، الَّذِي كَانَ يَنْتَقِلُ بَيْنَ الدُّوَلِ وَالْأَمْصَارِ كَالْمُسَافِرِ. قَالَ فِيهِ الْمُؤَرِّخُ ابْنُ الْوَرْدِيِّ: "فِي شَهْرِ رَجَبٍ وَصَلَ الْوَبَاءُ إِلَى حَلَبَ كَفَانَا اللَّهُ شَرَّهُ... وَابْتَدَأَ خَبَرُهُ مِنَ الظُّلُمَاتِ، فَوَاهًا لَهُ مِنْ زَائِرٍ، مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً دَائِرٌ" ثُمَّ ذَكَرَ انْتِقَالَهُ بَيْنَ الدُّوَلِ وَالْأُمَمِ خِلَالَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا، وَقَدْ مَاتَ ابْنُ الْوَرْدِيّ فِيهِ.

وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ -تَعَالَى- رَفْعَ الْوَبَاءِ رُفِعَ بِأَيِّ سَبَبٍ يُقَدِّرُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ كَتَفَرُّقِ النَّاسِ؛ لِئَلَّا تَسْرِيَ عَدْوَاهُ فِيهِمْ، كَمَا فَعَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حِينَ فَرَّقَ النَّاسَ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ، أَوْ بِتَوْفِيقِهِمْ لِاكْتِشَافِ لَقَاحٍ لَهُ كَمَا كَانَ فِي لَقَاحِ الْجُدَرِيِّ وَالْكُولِيرَا، أَوْ تَقْتُلُهُ حَرَارَةُ الْجَوِّ، أَوَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي يُقَدِّرُهَا اللَّهُ -تَعَالَى-.
وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ سَلَمًا لِلَّهِ -تَعَالَى-، مُسْتَسْلِمًا لِأَمْرِهِ، رَاضِيًا بِقَدَرِهِ، مَعَ أَخْذِهِ بِأَسْبَابِ حِفْظِ حَيَاتِهِ، وَتَحْصِيلِ رِزْقِهِ. وَلْيَعْلَمِ الْمُؤْمِنُ أَنَّ الْأَجَلَ وَالرِّزْقَ بِيَدِ اللَّهِ -تَعَالَى- لَا بِيَدِ الْخَلْقِ؛ فَلْيَأْخُذْ بِالْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ مَعَ الْأَسْبَابِ الْمَادِّيَّةِ؛ وَذَلِكَ بِلُزُومِ طَاعَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَالْبُعْدِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ؛ فَإِنَّ رِزْقَ اللَّهِ -تَعَالَى- لَا يُنَالُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَلْيُكْثِرْ مِنَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ؛ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلرِّزْقِ (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)[نُوحٍ: 10- 12]. وَلْيَكُنْ هَمُّهُ الْأَكْبَرُ حِفْظَ دِينِهِ؛ فَإِنَّهُ رَأْسُ مَالِهِ، وَسَبَبُ سَعَادَتِهِ فِي الدُّنْيَا، وَفَوْزِهِ فِي الْآخِرَةِ.

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ: ابْتِلَاءَاتُ الدُّنْيَا كَثِيرَةٌ، وَقَدْ تُبْتَلَى الْمَرْأَةُ فِي نَفْسِهَا أَوْ فِي أَحْبَابِهَا مِنْ زَوْجٍ وَوَلَدٍ وَقَرَابَةٍ، فَعَلَيْهَا بِالصَّبْرِ وَالِاحْتِسَابِ، وَالْيَقِينِ بِأَنَّ عَاقِبَةَ الْبَلَاءِ خَيْرٌ (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزُّمَرِ: 10].

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: افْرَحُوا بِالْعِيدِ السَّعِيدِ رَغْمَ الْوَبَاءِ؛ فَإِنَّ الْفَرَحَ يَجْلُو الْأَحْزَانَ، وَإِنَّ الْمِنَحَ تُسْتَخْرَجُ مِنَ الْمِحَنِ، وَالْمُؤْمِنُ دَائِمُ الْفَرِحِ بِاللَّهِ -تَعَالَى- وَبِطَاعَتِهِ، دَائِمُ الرِّضَا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَمَنْ رَضِيَ عَنِ اللَّهِ -تَعَالَى- رَضِيَ اللَّهُ -تَعَالَى- عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

الدعاء .........
*🕌خـطــــــــبــة.عــــــيـديــــة.tt🕌*
🎤🎤🎤🎤🎤🎤🎤🎤🎤

*عيد الفطر .. نقطة انطلاق والتغيير المطلوب*


الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر،الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .. الله أكبر عدد ما
ذكر الله ذاكر وكبر ، الله أكبر عدد ما حمد الله حامد وشكر ، الله أكبر ما سطع فجرُ
الإسلام وأسفر، الله أكبر ما أقبَلَ شهرُ الصيام وأدبر، الله أكبر ما فرح الصائم بتمام صيامه
واستبشر ,الله أكبر عدد ما تاب تائب واستغفر ، لله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! الله أكبر!
الله أكبر ولله الحمد!.. وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحْدَه لا شريكَ له المَلِكُ الدَّيَّان، وأشهد أنَّ محمداً عَبْدُهُ ورسولُهُ المبعوثُ إلى الإِنس والجان، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعينَ لهم بإحسان ما توالت الأزمان، وسلَّم تسليماً كثيراً أما بعد : -
أيها المسلمون / عبــــــــاد الله :- إن علينا جميعاً أن نتوجه إلى المولى سبحانه وتعالى بالشكر على أن وفقنا للصلاة والصيام وقراءة القرآن والقيام وسائر الأعمال وختم لنا شهر رمضان بعيد الفطر المبارك ليدخل البهجة والفرح إلى النفوس مع ما يدخره لعباده من أجر وثواب يوم القيامة في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر .. فاللهم لك الحمد عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك .. لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد بعد الرضا ولك الحمد في الأولى والأخرى ..
فلك المحامد والثناء جميعه * والشكر من قلبي ومن وجدان
فلأنت أهل الفضل والمنِّ الذي *
لا يستطيع لشكره الثقلان
أنت القوي وأنت قهار الورى * لا تعجزنَّك قوة السلطان
فلك المحامد والمدائح كلها *
بخواطري وجوانحي ولساني
لقد عاش المسلمون في جميع بلاد الدنيا وأصقاع الأرض .. في المدن والقرى .. في البادية والحضر .. وعلى قمم الجبال وسهول الوديان .. وعلى ضفاف الأنهار وسواحل البحار .. وفي الصحاري والغابات .. عاش المسلمون شهر رمضان بما فيه من معاني وقيم وأخلاق وتعرضوا لنفحات الرحمن ورياح الإيمان وتزودوا فيه الكثير من الأعمال وتحللوا فيه من الذنوب والمعاصي والآثام .. فكان شهر رمضان محطة إيمانية ومحراب عبادة وميدان تربوي وساحة بذل وعطاء وعمل وجد واجتهاد لتستقيم النفوس على طاعة ربها ومنهاج نبيها محمد صلى الله عليه وسلم طوال العام وحتى تلقى ربها وقد ثبتها بالإيمان الخالص والعمل الصالح والتوجه الصادق ولتؤدي واجبها في هذه الحياة وتعمر هذا الكون بكلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله.
إذا جلجلت الله أكبر في الـوغـى .... تخاذلت الأصوات عن ذلك الندا.
ومن خاصم الرحمن خابت جهوده .... وضاعت مساعيه وأتعابه سُدى.
أيها المؤمنون /عبـــــاد الله :- إن من تمام شكر الله على نعمه الاستقامة على الطاعات والأعمال الصالحة والمحافظة عليها بعد رمضان فهذا دليلٌ واضح على قبول العمل عند الله وإنها لبشارة عظيمة للعبد في الدنيا فالله سبحانه وتعالى لا يتقبل إلا من المتقين .. ومن نكث عن الصراط المستقيم وعاد إلى التفريط والتقصير وارتكاب المحرمات والموبقات فذلك والله هو المحروم من رحمة الله من الذين قال الله فيهم (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً"[النحل: من الآية92] فهل بعد الصلاة و الصيام والقيام وقراءة القرآن والذكر والصدقة وأعمال الخير يكون العصيان والتقصير والتفريط إن هذا والله ليس من علامات التوفيق وقبول الأعمال ... إن الله عز وجل قد أمرنا بالاستقامة على الطاعة حتى نلقاه لأن العبرة بخواتيم الأعمال ولا يدري أحدنا متى يأتيه أجله فوجب على كل مسلم رجل كان أو أمرأة أن يلتزم بها قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (فصلت/30) وقال مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده ( "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"( هود/112) وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، قال: "قل آمنتُ بالله ثم استقم"..
فالإستقامة على الدين والتزام الأخلاق الفاضلة والمحافظة على العبادات والطاعات وتطبيق الإسلام في واقع الحياة وفي جميع جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية يجلب على الأفراد والمجتمعات والشعوب والدول معية الله وتوفيقه ونصره وتتابع خيراته وتوالي نعمة وهذا هو الطريق الذي أرتضاه الله لعباده وأمر بالسير عليه ..
ما كان ليحدث ذلك إذا كنا ندرك جيداً أن هذه الأمة .. أمة واحدة في دينها وعقيدتها وأن المؤمنون أخوة .. والمسلم أخو المسلم .. وأن أكرم الناس عند الله أتقاهم .. وهكذا نجد التقصير والخلل في حياتنا في كثير من جوانب الحياة .. وهذا لا يعني انعدام الخير في هذه الأمة .. فهناك بذل وعطاء وجهود تبذل وهناك تغيير يحدث وهناك عودة إلى الدين وهناك طموح على مستوى الأفراد والدول للإنطلاق نحو الأفضل ولكن ليس بالصورة التي نريدها جميعاً ونتمناها جميعاً.
وقد آن لهذه الأمة أفراداً وجماعات ودول وحكاماً ومحكومين أن يعملوا جميعاً للخروج بالأوطان إلى بر الأمان فنحتكم للشرع ونحافظ على ثوابت الأمة ونحسن العمل والإنتاج وبذل الأسباب ونعالج خلافاتنا وقضايانا بالتفاهم والحوار وتغليب المصالح العامة على المصالح الخاصة ومصالح الأوطان على مصالح الأشخاص وننبذ العصبية الجاهلية ونعمل جميعاً على تقوية روابط الأخوة بين المسلمين ونأخذ جميعاً على يد الظالم حتى يعود إلى الحق وننتصر للمظلوم حتى يأخذ حقه ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر وهذه هي طريق النجاة والخيرية قال عزَّ وجلَّ: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } [آل عمران:110]... فليكن هذا العيد نقطة انطلاق ومراجعة لجميع أعمالنا وسلوكياتنا ونعزم جميعاً على التغيير نحو الأفضل في حياتنا .. اللهم خذ بنواصينا إلى كل خير وردنا إلى دينك رداً جميلاً ... قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه
الخطــبة الثانية : الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاالله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة ، وأصيلاً،
الله أكبر ما أشرقت وجوه الصائمين بشرا .. الله أكبر ما تعالت الأصوات تكبيراً وذكراً ... الله أكبر ما توالت الأعياد عمراً ودهراً ..
لك المحامد ربَّنا سراً وجهراً .. لك المحامد ربَّنا دوماً وكرَّا .. لك المحامد ربَّنا شعراً ونثرا ..
هذا يوم عيدكم ، عيد الفطر المبارك جعله الله لكم ولسائر المسلمين في أصقاع الأرض يوم فرح وسرور ... فهنيئاً لكم أيها الصائمون والقائمون .. هنيئاً لكم ايها المنفقون .. هنيئاً لكم أيها الذاكرون لله كثيراً القارئون لكتابه هذا يوم عيدكم وفرحكم اختصكم به ربكم دون سائر الأمم .. وأي فرح أعظم من فرح عبدٍ مؤمن أطاع ربه بما شرع قال تعالى ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) (يونس/58) ولما لا تفرحون وقد منّ الله عليكم بالهداية وبلغكم رمضان، ووفقكم للصيام ، وأتم الله عليكم نعمته فمنحكم الرحمة، وتفضل عليكم بالمغفرة، ووعدكم بالعتق من النار ؟! لم لا يفرح الصائم وقد أكرمه الله بأن حباه لساناً ناطقاً يلهج بذكره، وأمره بالتكبير شكراً وحمداً على هديه وجعله دليلاً على شكره : ( ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون )(البقرة: 185) .. ونذكر أصحاب الهمم العالية والنفوس التواقة إلى جنة ربها ورضوانه بصيام الست من شوال والتي أخبر عن فضل صيامها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر) (صحيح مسلم) .. ونذكر أنفسنا جميعاً بالتسامح والعفو مع بعضاً البعض والتآخي وتقديم المعروف وصلة الأرحام والاستمرار على الطاعة والمداومة على العبادة بعد رمضان .. وعلينا أن نقوم بأعمالنا ونؤدي أدوارنا في هذه الحياة على أكمل وجه وأحسن حال فنرضي ربنا ونقوي صفنا ونبني مجتمعاتنا ونعمر أوطاننا .. ألا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه ، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، اللهم اجمع شمل المسلمين ، ولم شعثهم ، وألف بين قلوبهم وأحقن دمائهم .. اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن واجعل بلدنا هذا آمناً وسائر بلاد المسلمين .. اللهم تقبل منا صيامنا وصلاتنا وسائر أعمالنا واستعملنا في طاعتك وادفع عنا وعن المسلمين شر الشرار وكيد الفجار وطوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا أرحم الراحمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

خطبة عيد الفطر // وَلاَ تَنَـازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ .. !!
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر... الله أكبر،الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .. الحمد لله مستحقِ الحمد بلا انقطاع، ومستوجبِ الشكر بأقصى ما يستطاع، الوهابُ المنان، الرحيم الرحمن، المدعو بكل لسان، المرجو للعفو والإحسان، الذي لا خير إلا منه، ولا فضل إلا من لدنه.
قال تعالى ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (الأنعام/153) .. وما ضعفت صلتنا بالله في يوم من الأيام إلا رآيت الفتن والبلايا والشرور وضنك العيش وظهور الصراعات وانتشار الخلافات فإذا لم يكن هناك توبة نصوح وعزم على تصحيح مسار حياتنا وعلاج أمراضنا وأخطائنا فإن الله يسلط جنوده ويرسل عذابه ويأذن بعقابه.
أيها المؤمنون /عبـــــاد الله :- وهكذا الأمم والشعوب والأفراد ما تزال في عزةٍ ومنعة وقوة وتمكين ما دام سيرهم على منهج الله مستفيدين من دروس التأريخ وأحداث الزمان آخذين بأسباب الحياة الطيبة متسلحين بالقيم والفضائل والأخلاق فإذا ظهـر الإنحراف عن هذا الطريق أذن الله بسنة التداول فتتبدل الأحوال من ضعف إلى قوة من قوة إلى ضعف ومن عزة ومنعة إلى ذل وهوان ومن ظلم إلى عدلٍ ومن ملك وسلطان إلى فاقة واحتياج وخذلان قال تعالى ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (النمل:69) وقال تعالى (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ) (الدخان 25/27 ) .. و قديما قالوا : "ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع" .. وقال الشاعر: لكل شيءٍ إذا ما تمَّ نقصانُ ...... فلا يُغّرُّ بطيب العيش إنسانُ.
أين فرعون وهامان وقارون ؟ وأين حضارات الروم وفارس وبلاد الأغريق؟ وأين عاد وثمود وقوم تبع؟ وأين دولة الإسلام التي كانت تحكم في ثلاث قارات حتى خاطب خليفتها السحاب قائلاً لها: أمطري حيث شئتي فإن خراجك سيصل إلي .. أين الاتحاد السوفيتي الذي دوخ العالم بقوته واختراعاته وجبروته وظلمة لقد تلاشى وتوزع إلى دويلات وضعفت قوته ؟ أين الملوك والأمراء والرؤساء وكيف كانت نهاية كثير منهم؟ أين البرامكة وزراء الدولة العباسية الذين ملكوا الشرق والغرب وبنوا القصور والدور وجمعوا الأموال وجيشوا الجيوش وكيف كانت نهايتهم عبرة للمعتبر حيث طغوا، وتجبروا، وظلموا، وتكبروا، حتى إنهم من الترف قاموا بطلاء قصورهم بماء الذهب والفضة، ويوم شاء الله عز وجل أن ينتقم للمظلومين في هذه الحياة، سلط الله عليهم سنته ، فيسجنوا ويقتل منهم من يقتل، ويسجن كبيرهم، ويدخل عليه أحد أبنائه في يوم عيد ويقول: أبتاه! بعد العز والغنى أصبحت في السجن وعلى التراب، قال: ألا تدري؟ قال: لا.قال: يا بني! دعوة مظلوم سرت في جوف الليل، غفلنا عنها وليس الله عنها بغافل... إن من مؤشرات نزول سنة التداول في أمة من الأمم أو شعب من الشعوب وحتى في حياة الأفراد فساد القيم والأخلاق و مخالفة أمر الله بارتكاب الذنوب والمعاصي و تحليل الحرام وتحريم الحلال وإتباع الهوى فتنقلب الأحوال وتتبدل الظروف من قوة وتمكين إلى ضعف ومن غنى إلى فقر ومن عدل إلى جور ومن أمنٍ إلى خوف ومن توكل على الله وبذل للأسباب إلى تواكل وترك الأسباب وهكذا فالذنوب .. جراحات ورب جرح وقع في مقتل صاحبه وقد يأتي أمر الله على حين غفلة من العباد قال تعالى: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 97-99]
أيها المؤمنون /عبـــــاد الله :- تعيش أمتنا اليوم لحظات عصيبة على جميع المستويات فالحياة السياسية يشوبها الظلم والتسلط ومصادرة الحريات الأمر الذي أدى إلى نشوب الصراعات والحروب وقيام الثورات ولأجل ذلك سفكت الدماء وهتكت الأعراض ودمرت المدن والقرى وتفرق الناس إلى شيع وأحزاب وجماعات وكان الأولى قبل أن يحدث هذا كله نشر العدل وتوفير الحياة الكريمة واحترام كرامة الإنسان والنظر إلى مصالح الأوطان .. وفي الجانب الإقتصاد رغم الثروات الهائلة التي تمتلكها هذه الأمة إلا أن سوء الإدارة وعدم وجود رؤية اقتصادية واضحة والفساد المالي أدى إلى تراجع كبير ولم نتقدم وأصبحنا أمة مستهلكة نصفها يعيش حالة الترف والبذخ والنصف الآخر يعيش حياة الفقر والجوع والكدح .. فلماذا لا يكون هناك تعاون اقتصادي وإستراتيجية واضحة لتعمير الأوطان وبناء الإنسان وهذا أمر مقدور عليه إذا صدقت النية وحسن العمل .. وفي الجانب الاجتماعي ظهرت البغضاء والشحناء والتفرق والإختلاف فإلى جانب الفرقة بين الدول والأقطار حدثت الفرقة الداخلية في الوطن الواحد بين القبائل والعشائر والأحزاب والجماعات وظهرت العصبية الجاهلية والطائفية والمذهبية البغيضة حتى استطال المسلم في عرض أخيه وماله وتخلت الأمة عن مقدساتها المحتلة وأراضيها المغتصبة في فلسطين وغيرها وركنت إلى عدوها .. وما كان ليحدث ذلك ونحن متمسكين بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله وعليه وسلم ..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الجميل العوائد، الجزيل الفوائد، أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، عالم الغيوب مفرّج الكروب، مجيب دعوة المضطر المكروب، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، الوافي عهده، الصادق وعده، ذو الأخلاق الطاهرة، المؤيّد بالمعجزات الظاهرة، والبراهين الباهرة.صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وتابعيه صلاة تشرق إشراق البدور أما بعــــــــد :-
أيها المسلمون /عبـــاد الله :- لقد عاش المسلمون في جميع بلاد الدنيا وأصقاع الأرض .. في المدن والقرى .. في البادية والحضر .. وعلى قمم الجبال وسهول الوديان .. وعلى ضفاف الأنهار وسواحل البحار .. وفي الصحاري والغابات .. عاش المسلمون شهر رمضان بما فيه من معاني وقيم وأخلاق وتعرضوا لنفحات الرحمن ورياح الإيمان وتزودوا فيه الكثير من الأعمال وتحللوا فيه من الذنوب والمعاصي والآثام .. فكان شهر رمضان محطة إيمانية ومحراب عبادة وميدان تربوي وساحة بذل وعطاء وعمل وجد واجتهاد لتستقيم النفوس على طاعة ربها ومنهاج نبيها محمد صلى الله عليه وسلم طوال العام وحتى تلقى ربها وقد ثبتها بالإيمان الخالص والعمل الصالح والتوجه الصادق ولتؤدي واجبها في هذه الحياة وتعمر هذا الكون بكلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله.
إذا جلجلت الله أكبر في الـوغـى .... تخاذلت الأصوات عن ذلك الندا.
ومن خاصم الرحمن خابت جهوده .... وضاعت مساعيه وأتعابه سُدى.
فيا من ودعتم شهراً كريماً ،وموسماً عظيماً ، صمتم نهاره ،وقمتم ما تيسر من ليله ،وأقبلتم على تلاوة القرآن ،وأكثرتم من الذكر والدعاء، وتصدقتم بجودٍ وسخاء ، وتقربتم إلى ربكم بأنواع القربات، رجاء ثوابه وخوف عقابه ، فكم من جهود بذلت ،وأجساد تعبت ،وقلوب وجلت وأكف رفعت، ودموع ذرفت،وعبرات سُكبت ، وحُق لها ذلك في موسم المتاجرة مع الله ،في موسم الرحمة والمغفرة ،والعتق من النار ، لقد ودعتم شهر رمضان ،وقد أحسن فيه أناس، و قصر فيه آخرون ، فلا إله إلا الله كم من مقبول هذا اليوم فرح مسرور ، ولا إله إلا الله كم من مردود هذا اليوم خائب مثبور ، جعلنا الله وإياكم من المقبولين عند رب العالمين .. ولن يعدم المسلم من ربه خيراً وما منكم من أحد إلا وقد قدم بين يدي ربه خيرا كثيرا فأحسنوا العمل وأحسنوا الظن به سبحانه واشكروه على نعمه وفضله واستقيموا على دينه وحافظوا على عبادته وتزودوا من القربات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر) (صحيح مسلم) ..
عبـــاد الله :- إن من أعظم دلالات شهر رمضان في حياة أمة الإسلام إلى جانب أنه شهر عبادة وطاعة وتربية للنفوس فهو كذلك شهر ينفث في الأرواح ويقرر في المشاعر الأمة الواحدة والمصير الواحد والمصلحة الواحدة والدين الواحد والقبلة الواحدة والتعالم والتوجيهات الواحدة وإن من أكبر المصائب التي ابتليت بها هذه الأمة وفتكت في سواعد قواها، وأطاحت برايات مجدها، الاختلاف و التفرق،والعصبية المقيته والتنازع على توافه الأمور والتخاصم والفجور في الخصومة وفساد ذات البين على مستوى الأسرة والقبيلة والمجتمع والدول والأوطان .. وبالتالي ضعفت هذه الأمة وخارت قواها وتشتت جهودها وتعرضت للنكسات والهزائم وتوقف الإبداع والتطور والإزدهار الحضاري وصدق الله عز وجل إذ يقول ( يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ )[الأنفال:45، 46].. إن التنازع مفسد للبيوت والأسر، مهلك للشعوب والأمم، سافك للدماء، مبدد للثروات.. نعم ( وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ )[الأنفال:46]. بالخصومات والمشاحنات تنتهك حرمات الدين، ويعم الشر القريب والبعيد. ومن أجل ذلك سمى رسول الله فساد ذات البين بالحالقة، فهي لا تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين فمن خطورتها أنها تذهب بدين المرء وخلقه وأمانته .. عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى قَالَ صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ) (صحيح: رواه أبو داود (4919)، والترمذي (2509) ويروى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ )(حسن لغيره، انظر: «صحيح التَّرغيب والتَّرهيب» (3/44/تحت رقم 2814) و«غاية المرام» (414) ..
2024/09/23 12:21:26
Back to Top
HTML Embed Code: