ا
المجازر والمذابح ضد المسلمين في أوربا وفي الاتحاد السوفياتي وفي الصين في تركستان وفي أفريقيا وغيرها، وقبل ذلك ما فعله التتار والمغول والصليبيون وحملاتهم على مدى قرون من الزمان ،
ومع ذلك عاد الإسلام وعاد المسلمون وزاد الإسلام من انتشاره وأصبح الدين الذين لا يقف عند العوائق والحواجز والخطط ومكر الليل والنار التي يحيكها الأعداء ، لأنه دين الله ، دين الفطرة ،
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر. قال الألباني: رواه جماعة منهم الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وصححه ثم قال .وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار) (صحيح)
والحديث معناه واضح فالمراد بقوله صلى الله عليه وسلم: هذا الأمر أي الإسلام ، أي أنه سيبلغ ما بلغ الليل والنهار وهي الأرض كلها ، وقوله بعز عزيز إلى آخره أي أن من أسلم يعزه الله ويعز به الإسلام، ومن امتنع أذله الله تعالى.
فثقوا بالله وأحسنوا الظن به وأحسنوا العمل وقوموا بواجباتكم وتوكلوا عليه ولن يخيب رجائكم ولن يرد دعائكم وسيحفظكم من كل فتنة ..
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ...
الخطـبة.الثانــية.cc
عبــاد الله : لقد عاشت أمم الأرض وطوائفها تحت راية الإسلام قرون من الزمن، ولم تقم مثل هذه الجرائم والمذابح ضد الأفراد أو الدول أو الأقليات، لأنه دين سلام وأمن وأمان، لكن عندما تنتهك حدود الله، ويقتل المسلمين ويهجروا من أراضيهم وتحرق عليهم بيوتهم،
فيجب على أمة الإسلام أن يكون موقفها واضح لا لبس فيه من هذه المجازر والمذابح ضد المسلمين من قبل تتار بورما ومتطرفيها، مهما كانت أوضاعها سيئة وجراحاتها الداخلية تنزف دماً ومشاكلها لا تتوقف، فعلى الأقل تعمل خيرا يسجله التاريخ في صفحاتها الناصعة،
ولابد للخروج من هذه الفتن والأحداث التي تعصف بالأمة داخليا وخارجياً أن تقوم الأمة أفراداً وجماعات ، حكاماً ومحكومين بأمور:
أولها : التوبة النصوح من الذنوب والمعاصي توبة تدفع غضب الله ومقته عنا قال تعالى(وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ )(الشورى 30) ..
وثانياً: أن ندرك جيداً حقيقة الحياة وأنها لاتدوم وأن بعدها موت وحساب وجنة ونار فلنجعل أعمالنا صالحة ونياتنا خالصة لله، ولنبحث عن ما يرض الله وما يخلده التاريخ من أعمال العزة والكرامة .
وثالثاً: علينا أن نستشعر أن الأخوة دين أمرنا الله بها في كتابها شأنها كالصلاة والصيام والحج ولها أهمية عظيمة في حياة الفرد وآخرته فلا نفرط فيها وعلينا القيام بحقوقها من الحب والتناصح وسلامة الصدر والتعاون وأن ننبذ العصبية والطائفية والمذهبية والمناطقية بأي شكل وتحت أي مبرر وغير ذلك ..
ثم علينا مناصرة المسلمين في كل مكان بالمال والعتاد للدفاع عن أنفسهم والدعاء لهم ، ثم بالمواقف السياسية المشرفة، ونشر قضاياهم في أوساط المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الانسان وفي وسائل الاعلام وغير ذلك.
رابعاً: علينا أن نثق بالله بعد ذلك ونتصل به وندعوه ونتوكل عليه فبيده كل شيء وقلوب العباد بين أصابعه يقلبها كيفما يشاء ومهما خطط البشر ومكر البشر وأمتلك البشر من مقومات القتل والتدمير وكثر عددهم وأتباعهم لن يضروا شيئاً ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ولن يرضى الله لعباده إلا كل خير وإن ابتلاهم ...
ولن يحق إلا الحق ولو كره المجرمون وأمره لا يحجبه حاجب ولا ترده قوة ولا يعجزه جبار أو ظالم أو متكبر ..
سَهِرَتْ أَعينٌ، وَنَامَتْ عُيونُ
في أمورٍ تكونُ أو لاتكونُ.
فَاطرح الهمَّ مَا استَطعْتَ
ﻻ فحملانكَ الهمومَ جنونُ.
إن رَّباَّ كفاكَ ما كان بالأمسِ
سَيَكْفِيكَ في غَدٍ مَا يَكُونُ .
ولنعلم جيداً أن الموت والحياة بيد الله، ولكل أجل كتاب، ولننزعن الوهن من صورنا، ولنتخلص من ضريبة الذل، بالعودة إلى ديننا، والوقوف اما الظلم والظالمين، أمراً بمعروف ونهياً عن منكر، ولنعتز بديننا، ولنتطلع إلى ما عند الله من خير في الدار الخرة ..
اللهم هيأ لنا من أمرنا رشداً وألف بين قلوبنا واجمع كلمتنا وخذ بنواصينا إلى كل خير...
هذا و صلوا على نبي الرحمة نبيكم محمد رسول الله،
فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل
( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)
[الأحزاب:56]
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
والحمد لله رب العالمين...
=
المجازر والمذابح ضد المسلمين في أوربا وفي الاتحاد السوفياتي وفي الصين في تركستان وفي أفريقيا وغيرها، وقبل ذلك ما فعله التتار والمغول والصليبيون وحملاتهم على مدى قرون من الزمان ،
ومع ذلك عاد الإسلام وعاد المسلمون وزاد الإسلام من انتشاره وأصبح الدين الذين لا يقف عند العوائق والحواجز والخطط ومكر الليل والنار التي يحيكها الأعداء ، لأنه دين الله ، دين الفطرة ،
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر. قال الألباني: رواه جماعة منهم الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وصححه ثم قال .وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار) (صحيح)
والحديث معناه واضح فالمراد بقوله صلى الله عليه وسلم: هذا الأمر أي الإسلام ، أي أنه سيبلغ ما بلغ الليل والنهار وهي الأرض كلها ، وقوله بعز عزيز إلى آخره أي أن من أسلم يعزه الله ويعز به الإسلام، ومن امتنع أذله الله تعالى.
فثقوا بالله وأحسنوا الظن به وأحسنوا العمل وقوموا بواجباتكم وتوكلوا عليه ولن يخيب رجائكم ولن يرد دعائكم وسيحفظكم من كل فتنة ..
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ...
الخطـبة.الثانــية.cc
عبــاد الله : لقد عاشت أمم الأرض وطوائفها تحت راية الإسلام قرون من الزمن، ولم تقم مثل هذه الجرائم والمذابح ضد الأفراد أو الدول أو الأقليات، لأنه دين سلام وأمن وأمان، لكن عندما تنتهك حدود الله، ويقتل المسلمين ويهجروا من أراضيهم وتحرق عليهم بيوتهم،
فيجب على أمة الإسلام أن يكون موقفها واضح لا لبس فيه من هذه المجازر والمذابح ضد المسلمين من قبل تتار بورما ومتطرفيها، مهما كانت أوضاعها سيئة وجراحاتها الداخلية تنزف دماً ومشاكلها لا تتوقف، فعلى الأقل تعمل خيرا يسجله التاريخ في صفحاتها الناصعة،
ولابد للخروج من هذه الفتن والأحداث التي تعصف بالأمة داخليا وخارجياً أن تقوم الأمة أفراداً وجماعات ، حكاماً ومحكومين بأمور:
أولها : التوبة النصوح من الذنوب والمعاصي توبة تدفع غضب الله ومقته عنا قال تعالى(وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ )(الشورى 30) ..
وثانياً: أن ندرك جيداً حقيقة الحياة وأنها لاتدوم وأن بعدها موت وحساب وجنة ونار فلنجعل أعمالنا صالحة ونياتنا خالصة لله، ولنبحث عن ما يرض الله وما يخلده التاريخ من أعمال العزة والكرامة .
وثالثاً: علينا أن نستشعر أن الأخوة دين أمرنا الله بها في كتابها شأنها كالصلاة والصيام والحج ولها أهمية عظيمة في حياة الفرد وآخرته فلا نفرط فيها وعلينا القيام بحقوقها من الحب والتناصح وسلامة الصدر والتعاون وأن ننبذ العصبية والطائفية والمذهبية والمناطقية بأي شكل وتحت أي مبرر وغير ذلك ..
ثم علينا مناصرة المسلمين في كل مكان بالمال والعتاد للدفاع عن أنفسهم والدعاء لهم ، ثم بالمواقف السياسية المشرفة، ونشر قضاياهم في أوساط المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الانسان وفي وسائل الاعلام وغير ذلك.
رابعاً: علينا أن نثق بالله بعد ذلك ونتصل به وندعوه ونتوكل عليه فبيده كل شيء وقلوب العباد بين أصابعه يقلبها كيفما يشاء ومهما خطط البشر ومكر البشر وأمتلك البشر من مقومات القتل والتدمير وكثر عددهم وأتباعهم لن يضروا شيئاً ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ولن يرضى الله لعباده إلا كل خير وإن ابتلاهم ...
ولن يحق إلا الحق ولو كره المجرمون وأمره لا يحجبه حاجب ولا ترده قوة ولا يعجزه جبار أو ظالم أو متكبر ..
سَهِرَتْ أَعينٌ، وَنَامَتْ عُيونُ
في أمورٍ تكونُ أو لاتكونُ.
فَاطرح الهمَّ مَا استَطعْتَ
ﻻ فحملانكَ الهمومَ جنونُ.
إن رَّباَّ كفاكَ ما كان بالأمسِ
سَيَكْفِيكَ في غَدٍ مَا يَكُونُ .
ولنعلم جيداً أن الموت والحياة بيد الله، ولكل أجل كتاب، ولننزعن الوهن من صورنا، ولنتخلص من ضريبة الذل، بالعودة إلى ديننا، والوقوف اما الظلم والظالمين، أمراً بمعروف ونهياً عن منكر، ولنعتز بديننا، ولنتطلع إلى ما عند الله من خير في الدار الخرة ..
اللهم هيأ لنا من أمرنا رشداً وألف بين قلوبنا واجمع كلمتنا وخذ بنواصينا إلى كل خير...
هذا و صلوا على نبي الرحمة نبيكم محمد رسول الله،
فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل
( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)
[الأحزاب:56]
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
والحمد لله رب العالمين...
=
🎤
محاضرة.قيمة.بعنوان.cc
العام الهجري الجديد وقفات ودروس
جــمــع وإعـــداد/ دار بــن خـــزيـــمـــــة
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
الحمد لله تعالى المنزَّه عن النقصان، سبحانه وتعالى عظيم الشان، والصلاة والسلام على نبيه محمد الطاهر وآله وصحْبه أهل التُّقى والمآثر.
وبــــعــــــــد ُ:
في سنة ست عشرة من الهجرة كان ذلك القرار الميمون بمرسوم عمري طاهر، يحكي طهارة ذلك الجيل الذي ربَّاه النبي صلى الله عليه وسلم، فها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُصدر أمرًا أن يتعامل المسلمون بالتاريخ الهجري، ويتركوا ما سواه من التاريخ، فغدا التاريخ الهجري هو التاريخ المقدَّم عند المسلمين، يَرِدون إليه، ويُصدِرون عنه.
أخي المسلم، وها نحن نقدِّم الخُطى لنعبُر عتبات عام منصرم، لندخل عامًا جديدًا.
وما أعظم أن يُدرك المسلم عظَمة هذا التاريخ، ولكن هل يكفي هذا وقد انفرَط عقد النظام؟!
أخي، كم هو مؤلِمٌ ألا يتجاوز نظر المسلم موضع قدَميه، فهذه هي جماعات المسلمين - أفرادًا وزرافات - يحتفلون بميلاد عام هجري جديد، وهم إذ يحتفلون بذلك نسوا بأمر مَن أخذوا في احتفالهم هذا؟ هل كان ذلك بأمرٍ مِن الله تعالى في كتابه العزيز؟ أم بأمر رسوله؟ أم هم مقتدون بصحابة النبي صلى الله عليه وسلم؟!
إنه لمن الخطأ الواضح أن يُقدِم المسلمون على فعلٍ ليس له أصلٌ من كتاب ولا سُنة، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم يأمره الله تعالى ألا يتجاوز وحْيه؛ ﴿ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 106].
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أُمته بالاتباع، ونهاها عن الإحداث، وأن مَن أحدث حدثًا في الدين، فهو مردودٌ عليه؛ ((مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ))؛ رواه البخاري.
أخي في الله، ألا أدلُّك على خير من ذلك كله، وهو خيرٌ لك في معاشك ومعادك، فسأنضِح عليك من طيب النُّصح، فهل من طالب لأريج المسك ونفحات العطر؟!
أخي، هل تذكرتَ نعمة الإسلام والتي فاقت كل نعمة؟ وما أعظمه من ميلاد يوم أن بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام، فأخرج العباد من الظلام إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى؛ قال الإمام ابن رجب: "رحِم الله عباده بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم، فأنقذهم من الضلال؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الجمعة: 4].
فمَن حصل له نصيبٌ من دين الإسلام، فقد حصل له الفضل العظيم، وقد عظُمت عليه نعمة الله، فما أحوجه إلى القيام بشكر هذه النعمة وسؤاله دوامَها، والثبات عليها إلى الممات والموت عليها، فبذلك تتم النعمة".
كم يمر العام الهجري على المسلمين وأكثرهم لا يتذكر هذه النعمة الجليلة، ولا يلتفت إليها إلا إذا مرَّ عليه رأس العام الهجري الجديد، فلا يتذكر ذلك إلا تذكُّر الغافلين! فما أعظمها من مصيبة!
ثم أخي المسلم، وأنت تتذكر العام الهجري الجديد، هل خطر ببالك ذلك المصاب العظيم، والذي زلزَل المدينة الطاهرة يوم حدوثه؟ وهو موت النبي صلى الله عليه وسلم، كم وكم من المسلمين لا ينتبهون لذلك! وهو الحدث الذي آذَن بأول شرط من أشراط الساعة، نعم لقد ترَك النبي صلى الله عليه وسلم لنا كتاب الله تعالى وسنته الطاهرة، ولكنَّ فقْده له وقْعه الخاص على النفوس، هذا أبو الجوزاء يقول: "كان الرجل من أهل المدينة إذا أصابته مصيبة جاء أخوه فصافَحه، ويقول: يا عبدالله، ثِقْ بالله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسوة حسنة".
اصْبِرْ لكل مصيبة وتجلَّدِ
وأعْلم بأنَّ المرءَ غيرُ مخلَّدِ
واصبِر كما صبَر الكرامُ فإنَّها
نُوبٌ تَنُوبُ اليومَ تُكشَفُ في غدِ
وإذا أتَتْك مُصيبة تَشجى بها
فاذْكُر مُصابَك بالنبي محمَّدِ
أخي، كم تمر على المسلم الأعوام والحال هي هي! لا يتغيَّر ولا يتبدل عما هو فيه من غفلة وقسوة في القلب، ومعاص بلغت عنان السماء، أوامر الرحمن معطلة، وأوامر الشيطان تُنفَّذ، انشغل الناس بالمعاصي، فإذا كان العام الهجري الجديد، قالوا: هذا هو العام الجديد!
ولكن أخي المسلم، أين الجديد من أفعالك؟ أين الجديد من أقوالك؟ ألا يوجد قلب تاه يفكِّر فيما مضى من العمر، وانصرَم من الساعات؟! قال الإمام ابن رجب: "العجب ممن عرَف ربَّه ثم عصاه! وعرَف الشيطان ثم أطاعه! ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف: 50].
لما أُهبَط آدم إلى الأرض، وُعِد العود إلى الجنة هو ومَن آمن من ذريته، واتَّبع الرسل؛ ﴿ يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأعراف: 35].
المؤمنون في دار الدنيا في سفر جه
محاضرة.قيمة.بعنوان.cc
العام الهجري الجديد وقفات ودروس
جــمــع وإعـــداد/ دار بــن خـــزيـــمـــــة
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
الحمد لله تعالى المنزَّه عن النقصان، سبحانه وتعالى عظيم الشان، والصلاة والسلام على نبيه محمد الطاهر وآله وصحْبه أهل التُّقى والمآثر.
وبــــعــــــــد ُ:
في سنة ست عشرة من الهجرة كان ذلك القرار الميمون بمرسوم عمري طاهر، يحكي طهارة ذلك الجيل الذي ربَّاه النبي صلى الله عليه وسلم، فها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُصدر أمرًا أن يتعامل المسلمون بالتاريخ الهجري، ويتركوا ما سواه من التاريخ، فغدا التاريخ الهجري هو التاريخ المقدَّم عند المسلمين، يَرِدون إليه، ويُصدِرون عنه.
أخي المسلم، وها نحن نقدِّم الخُطى لنعبُر عتبات عام منصرم، لندخل عامًا جديدًا.
وما أعظم أن يُدرك المسلم عظَمة هذا التاريخ، ولكن هل يكفي هذا وقد انفرَط عقد النظام؟!
أخي، كم هو مؤلِمٌ ألا يتجاوز نظر المسلم موضع قدَميه، فهذه هي جماعات المسلمين - أفرادًا وزرافات - يحتفلون بميلاد عام هجري جديد، وهم إذ يحتفلون بذلك نسوا بأمر مَن أخذوا في احتفالهم هذا؟ هل كان ذلك بأمرٍ مِن الله تعالى في كتابه العزيز؟ أم بأمر رسوله؟ أم هم مقتدون بصحابة النبي صلى الله عليه وسلم؟!
إنه لمن الخطأ الواضح أن يُقدِم المسلمون على فعلٍ ليس له أصلٌ من كتاب ولا سُنة، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم يأمره الله تعالى ألا يتجاوز وحْيه؛ ﴿ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 106].
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أُمته بالاتباع، ونهاها عن الإحداث، وأن مَن أحدث حدثًا في الدين، فهو مردودٌ عليه؛ ((مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رَدٌّ))؛ رواه البخاري.
أخي في الله، ألا أدلُّك على خير من ذلك كله، وهو خيرٌ لك في معاشك ومعادك، فسأنضِح عليك من طيب النُّصح، فهل من طالب لأريج المسك ونفحات العطر؟!
أخي، هل تذكرتَ نعمة الإسلام والتي فاقت كل نعمة؟ وما أعظمه من ميلاد يوم أن بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام، فأخرج العباد من الظلام إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى؛ قال الإمام ابن رجب: "رحِم الله عباده بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم، فأنقذهم من الضلال؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الجمعة: 4].
فمَن حصل له نصيبٌ من دين الإسلام، فقد حصل له الفضل العظيم، وقد عظُمت عليه نعمة الله، فما أحوجه إلى القيام بشكر هذه النعمة وسؤاله دوامَها، والثبات عليها إلى الممات والموت عليها، فبذلك تتم النعمة".
كم يمر العام الهجري على المسلمين وأكثرهم لا يتذكر هذه النعمة الجليلة، ولا يلتفت إليها إلا إذا مرَّ عليه رأس العام الهجري الجديد، فلا يتذكر ذلك إلا تذكُّر الغافلين! فما أعظمها من مصيبة!
ثم أخي المسلم، وأنت تتذكر العام الهجري الجديد، هل خطر ببالك ذلك المصاب العظيم، والذي زلزَل المدينة الطاهرة يوم حدوثه؟ وهو موت النبي صلى الله عليه وسلم، كم وكم من المسلمين لا ينتبهون لذلك! وهو الحدث الذي آذَن بأول شرط من أشراط الساعة، نعم لقد ترَك النبي صلى الله عليه وسلم لنا كتاب الله تعالى وسنته الطاهرة، ولكنَّ فقْده له وقْعه الخاص على النفوس، هذا أبو الجوزاء يقول: "كان الرجل من أهل المدينة إذا أصابته مصيبة جاء أخوه فصافَحه، ويقول: يا عبدالله، ثِقْ بالله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسوة حسنة".
اصْبِرْ لكل مصيبة وتجلَّدِ
وأعْلم بأنَّ المرءَ غيرُ مخلَّدِ
واصبِر كما صبَر الكرامُ فإنَّها
نُوبٌ تَنُوبُ اليومَ تُكشَفُ في غدِ
وإذا أتَتْك مُصيبة تَشجى بها
فاذْكُر مُصابَك بالنبي محمَّدِ
أخي، كم تمر على المسلم الأعوام والحال هي هي! لا يتغيَّر ولا يتبدل عما هو فيه من غفلة وقسوة في القلب، ومعاص بلغت عنان السماء، أوامر الرحمن معطلة، وأوامر الشيطان تُنفَّذ، انشغل الناس بالمعاصي، فإذا كان العام الهجري الجديد، قالوا: هذا هو العام الجديد!
ولكن أخي المسلم، أين الجديد من أفعالك؟ أين الجديد من أقوالك؟ ألا يوجد قلب تاه يفكِّر فيما مضى من العمر، وانصرَم من الساعات؟! قال الإمام ابن رجب: "العجب ممن عرَف ربَّه ثم عصاه! وعرَف الشيطان ثم أطاعه! ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف: 50].
لما أُهبَط آدم إلى الأرض، وُعِد العود إلى الجنة هو ومَن آمن من ذريته، واتَّبع الرسل؛ ﴿ يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأعراف: 35].
المؤمنون في دار الدنيا في سفر جه
اد، يجاهدون فيه النفوس والهوى، فإذا انقضى سفر الجهاد، عادوا إلى وطنهم الأول الذي كانوا فيه في صُلب أبيهم، تكفل الله للمجاهد في سبيله أن يردَّه إلى وطنه بما نال من أجر أو غنيمة".
أخي في الله، ها هي الأرض تَعِج بالمعاصي والذنوب، وتَجْأر إلى الله من ذلك، وقد غاب عن القلوب الرقيب والمذكر، فكانت المصائب والويلات التي تجرَّع المسلم مرارتها؛ زلازل وفيضانات، ومجاعات وحروب، وكسوف بين الحين والآخر، فلا أحد يَرعَوي، ولا مُقلع عن الهوى؛ ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].
قال مجاهد: "أمَا والله، ما هو بحرُكم هذا، ولكن كل قرية على ماء جارٍ، فهو بحر".
أخي، بلاء في بلاء، وتمر السنون والشرور في ازدياد؛ قال مجاهد: "إن البهائم تلعَن عُصاة بني آدم إذا اشتدَّت السنة وأمسك المطر، وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم"، وقال عكرمة: "دواب الأرض وهوامُّها، حتى الخنافس والعقارب يقولون: مُنِعنا القطر بذنوب بني آدم"، وقال بعض الصالحين وقد شكا إليه الناس بلاءً وقع: "ما أرى ما أنتم فيه إلا بشؤْم الذنوب"، وقال الإمام ابن القيم: "ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تُحدث في الأرض أنواعًا من الفساد في المياه والهواء، والزروع والثمار والمساكن".
أخي المسلم، أمَا آن لك أن تُدرك - وأنت تدخل عامًا هجريًّا جديدًا - أن المعاصي والذنوب سببٌ من أسباب الذل والمهانة، وكم تأتي المعاصي بتسلُّط الأعداء والذل والصَّغار.
فقد كان من عامة دعاء إبراهيم بن أدهم: (اللهم انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة)، ومن دعاء الإمام أحمد بن حنبل: (اللهم أعزني بطاعتك، ولا تُذِلَّني بمعصيتك)).
أخي، هذه فرصة جديدة لك إن قُدِّر لك أن تَحيا هذا العام الجديد، فليكن لك من نفسك رقيبٌ، فإن الله تعالى محَّص عليك أعمالك إن كانت خيرًا أو شرًّا؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يَخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عملُ الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور، لو كشَفه لأحرَقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه))؛ رواه مسلم.
أخي المسلم، هل فكرت في ألا يرفع لك إلا عمل صالح؟
فإن ساعات العمر محسوبة، وكل يوم يمضي من حياتك، ينقص به يوم من عُمرك، يُكتب لك فيه ما قلته من قولٍ، أو فعلته من فعلٍ؛ ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يُكتب كلُّ ما تكلَّم به من خير وشر، حتى إنه ليُكتب قوله: "أكلتُ وشربتُ، وذهبتُ وجئتُ ورأيتُ، حتى إذا كان يوم الخميس عُرِض قوله وعمله، فأُقِر منه ما كان فيه من خير وشر، وأُلقي سائره؛ فذلك قوله تعالى: ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 39]".
أخي في الله، كم كان الصالحون يَحرِصون على إحصاء ساعات الليل والنهار! وكم كانوا يُشفقون أن تُرفَع لهم أعمال سيئة! فوا حسرة أهل الدنيا عندما فاتتْهم هذه اللذة، لقد كان إبراهيم النخعي يبكي إلى امرأته يوم الخميس، وتبكي إليه، ويقول: "اليوم تُعرَض أعمالنا على الله عز وجل"، وكان الضحاك يبكي آخر النهار، ويقول: "لا أدري ما رُفِع من عملي، يا مَن عمله معروض على مَن يعلم السر وأخفى، لا تُبهرج؛ فإن الناقد بصير".
قال الإمام ابن القيم: "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها"، وقال أيضًا رحمه الله: "أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كلَّ وقت بما هو أَولَى بها، وأنفع لها في معادها".
أخي المسلم، هل فكرت يومًا وأنت تحاسب نفسك، كم صعد لك من الأعمال الصالحة؛ من صلاة وصيام، وصدقة وقراءة للقرآن، وذكرٍ لله تعالى؟!
إنها الأيام تمر، وإنه العمر ينقضي؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدَما عبد يوم القيامة، حتى يُسأل عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن عمله فيمَ فعَل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفَقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه))؛ رواه الترمذي.
أخي المسلم، هو عُمرك فلا تقضه إلا في الطاعات، حتى يأتيك الموت؛ قال الحسن البصري رحمه الله: "إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلًا دون الموت، ثم قرأ: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]".
أخي، كم مضى عليك من السنين؟ كم عمَّرت من العمر؟ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أعذَر الله إلى امرئ أَخَّر أجَلَه حتى بلَّغه ستين سنة))؛ رواه البخاري.
وعن وهيب بن الورد قال: "إن لله مَلِكًا ينادي في السماء كلَّ يوم وليلة: أبناء الخمسين، زرعٌ دنا حصاده، أبناء الستين، هلمُّوا إلى الحساب، أبناء السبعين، ماذا قدَّمتم؟ وماذا أخَّرتم؟ أبناء الثمانين، لا عُذر".
عزيزي، كم من العمر يمضي في غير طاعة الله؟! كم من الساعات تنقضي في اللهو والعبث؟! فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
أخي في الله، ها هي الأرض تَعِج بالمعاصي والذنوب، وتَجْأر إلى الله من ذلك، وقد غاب عن القلوب الرقيب والمذكر، فكانت المصائب والويلات التي تجرَّع المسلم مرارتها؛ زلازل وفيضانات، ومجاعات وحروب، وكسوف بين الحين والآخر، فلا أحد يَرعَوي، ولا مُقلع عن الهوى؛ ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].
قال مجاهد: "أمَا والله، ما هو بحرُكم هذا، ولكن كل قرية على ماء جارٍ، فهو بحر".
أخي، بلاء في بلاء، وتمر السنون والشرور في ازدياد؛ قال مجاهد: "إن البهائم تلعَن عُصاة بني آدم إذا اشتدَّت السنة وأمسك المطر، وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم"، وقال عكرمة: "دواب الأرض وهوامُّها، حتى الخنافس والعقارب يقولون: مُنِعنا القطر بذنوب بني آدم"، وقال بعض الصالحين وقد شكا إليه الناس بلاءً وقع: "ما أرى ما أنتم فيه إلا بشؤْم الذنوب"، وقال الإمام ابن القيم: "ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تُحدث في الأرض أنواعًا من الفساد في المياه والهواء، والزروع والثمار والمساكن".
أخي المسلم، أمَا آن لك أن تُدرك - وأنت تدخل عامًا هجريًّا جديدًا - أن المعاصي والذنوب سببٌ من أسباب الذل والمهانة، وكم تأتي المعاصي بتسلُّط الأعداء والذل والصَّغار.
فقد كان من عامة دعاء إبراهيم بن أدهم: (اللهم انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة)، ومن دعاء الإمام أحمد بن حنبل: (اللهم أعزني بطاعتك، ولا تُذِلَّني بمعصيتك)).
أخي، هذه فرصة جديدة لك إن قُدِّر لك أن تَحيا هذا العام الجديد، فليكن لك من نفسك رقيبٌ، فإن الله تعالى محَّص عليك أعمالك إن كانت خيرًا أو شرًّا؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يَخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عملُ الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور، لو كشَفه لأحرَقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه))؛ رواه مسلم.
أخي المسلم، هل فكرت في ألا يرفع لك إلا عمل صالح؟
فإن ساعات العمر محسوبة، وكل يوم يمضي من حياتك، ينقص به يوم من عُمرك، يُكتب لك فيه ما قلته من قولٍ، أو فعلته من فعلٍ؛ ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يُكتب كلُّ ما تكلَّم به من خير وشر، حتى إنه ليُكتب قوله: "أكلتُ وشربتُ، وذهبتُ وجئتُ ورأيتُ، حتى إذا كان يوم الخميس عُرِض قوله وعمله، فأُقِر منه ما كان فيه من خير وشر، وأُلقي سائره؛ فذلك قوله تعالى: ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 39]".
أخي في الله، كم كان الصالحون يَحرِصون على إحصاء ساعات الليل والنهار! وكم كانوا يُشفقون أن تُرفَع لهم أعمال سيئة! فوا حسرة أهل الدنيا عندما فاتتْهم هذه اللذة، لقد كان إبراهيم النخعي يبكي إلى امرأته يوم الخميس، وتبكي إليه، ويقول: "اليوم تُعرَض أعمالنا على الله عز وجل"، وكان الضحاك يبكي آخر النهار، ويقول: "لا أدري ما رُفِع من عملي، يا مَن عمله معروض على مَن يعلم السر وأخفى، لا تُبهرج؛ فإن الناقد بصير".
قال الإمام ابن القيم: "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها"، وقال أيضًا رحمه الله: "أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كلَّ وقت بما هو أَولَى بها، وأنفع لها في معادها".
أخي المسلم، هل فكرت يومًا وأنت تحاسب نفسك، كم صعد لك من الأعمال الصالحة؛ من صلاة وصيام، وصدقة وقراءة للقرآن، وذكرٍ لله تعالى؟!
إنها الأيام تمر، وإنه العمر ينقضي؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدَما عبد يوم القيامة، حتى يُسأل عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن عمله فيمَ فعَل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفَقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه))؛ رواه الترمذي.
أخي المسلم، هو عُمرك فلا تقضه إلا في الطاعات، حتى يأتيك الموت؛ قال الحسن البصري رحمه الله: "إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلًا دون الموت، ثم قرأ: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]".
أخي، كم مضى عليك من السنين؟ كم عمَّرت من العمر؟ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أعذَر الله إلى امرئ أَخَّر أجَلَه حتى بلَّغه ستين سنة))؛ رواه البخاري.
وعن وهيب بن الورد قال: "إن لله مَلِكًا ينادي في السماء كلَّ يوم وليلة: أبناء الخمسين، زرعٌ دنا حصاده، أبناء الستين، هلمُّوا إلى الحساب، أبناء السبعين، ماذا قدَّمتم؟ وماذا أخَّرتم؟ أبناء الثمانين، لا عُذر".
عزيزي، كم من العمر يمضي في غير طاعة الله؟! كم من الساعات تنقضي في اللهو والعبث؟! فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
قا
ل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة، والفراغ))؛ رواه البخاري.
قال الإمام ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا، فغلب عليه الكسل عن الطاعة، فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحُها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله، فهو المغبوط، ومَن استعملها في معصية الله، فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقُبه الشغلُ، والصحة يعقبها السقمُ، ولو لم يكن إلا الهرَم كما قيل:
يَسُرُّ الفتى طولُ السلامة والبَقا
فكيف ترى طولَ السلامة يَفعَلُ
يُرَدُّ الفتى بعد اعتدال وصحةٍ
ينوءُ إذا رام القيامَ ويُحملُ
وقال الطيبي: "ضرَب النبي صلى الله عليه وسلم للمكلف مثلًا بالتاجر الذي له رأس مال، فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال، فطريقه في ذلك أن يتحرَّى فيمَن يُعامله، ويَلزَم الصدق والحذق؛ لئلا يغبن، فالصحة والمال رأس المال، وينبغي له أن يعامل الله بالإيمان ومجاهدة النفس وعدوِّ الدين؛ ليربح خيري الدنيا والآخرة، وقريب منه قول الله تعالى: ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الصف: 10]، وعليه أن يَجتنب مطاوعة النفس، ومعاملة الشيطان؛ لئلا يضيع رأس ماله مع الربح".
أخي المسلم، لقد استخلفَك الله في الأرض؛ لينظر جهاد المجاهدين في عبادته وطاعته، فيميز بين أوليائه وأعدائه؛ قال الإمام ابن رجب: "كم لله من لُطف وحكمة في إهباط آدم إلى الأرض، لولا نزوله، لَما ظهر جهاد المجاهدين، واجتهاد العابدين المجتهدين، ولا صدعت زفرات أنفاس التائبين، ولا نزلت قطرات دموع المذنبين".
أخي، لقد أفنينا أعمارنا في حبِّ الدنيا والتنافس في الاستزادة منها، والتكاثر في اقتناء حطامها؛ ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾ [التكاثر: 1، 2]، قال الإمام ابن القيم: "وأعرض عن ذكر المتكاثر به؛ إرادة لإطلاقة وعمومه، وإن كل ما يكاثر به العبد غيره سوى طاعة الله ورسوله، وما يعود عليه بنفع معاده، فهو داخل في هذا التكاثر، فالتكاثر في كل شيء؛ من مال أو جاه، أو رئاسة أو نسوة، أو حديث أو علم، ولا سيما إذا لم يحتج إليه، والتكاثر في الكتب والتصانيف، وكثرة المسائل وتفريعها وتوليدها..، والتكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيره، وهذا مذموم إلا فيما يُقرِّب إلى الله".
أخي المسلم، تمر عليك الأشهر سريعة، وكل يوم فيها يطلبك بحظه من الطاعة، فإن المسلم لا تمضي عليه ساعة من ساعات عمره إلا وهي مشغولة بطاعة مولاه تعالى، حتى أنه ليمر عليه الصيف، فيذكر حال من لا ظل له، أو مسكن يؤويه من حرِّ الشمس ولَفْحها، أو من زمهرير الشتاء، وقبل هذا كله يذكره الصيف بشدة نار جهنم، ويذكره الشتاء بزمهريرها؛ قال الإمام ابن رجب: "من فضائل الشتاء أنه يُذكِّر بزمهرير جهنم، ويوجِب الاستعاذة منها".
أخي المسلم، تلك هي حال المؤمنين الصادقين، لا تمر عليهم أيام السنة، إلا وهم قد استزادوا من الصالحات، وعمَّروا أوقاتهم بالطاعات، وإذا أردت أن تعرف أخي أحوال الصالحين، فتعالَ معي:
"قدِم مسافر فيما مضى على أهله، فسُرُّوا به، وهناك امرأة من الصالحات، فبكت، وقالت: "أذكرني هذا بقدومه القدومَ على الله عز وجل، فمن مسرور، ومثبور!".
أرأيت أخي المسلم؟ ما أسعد الصالحين بمعرفة مولاهم! وما أرفع مقامهم بنهْلهم من مورد الطاعات ومَعين القربات! فوا حسرتاه على قوم فاتَتْهم هذه اللذات، حتى خرجوا من دار الفناء والممات.
ألا إنما التقوى هي العِزُّ والكرمْ
وحبُّك للدنيا هو الذُّلُّ والسَّقَمْ
وليس على عبد تُقى نقيصة
إذا حقَّق التقوى وإن حاكَ أو حَجَمْ
أخي المسلم، اغتنم مواسم الطاعات وأيام القُربات؛ فلا تفوتنَّك وأنت لاهٍ غافل، يمر عليك شهر شعبان، فماذا أدَّيت من الطاعات؟ ويمر عليك شهر رمضان شهر الصبر والقرآن والقيام في أيامه الحسان، فماذا أدَّيت فيه من الطاعات؟ وتمر عليك أشهر الحج أيام زيارة المشاعر المعظمة، فما الذي قدَّمته من القربات؟ وهل سكبت الدموع هنالك ونثَرت بين يدي مولاك الحاجات؟ قال الإمام ابن رجب: "هذه الشهور والأعوام والليالي والأيام، كلها مقادير للآجال ومواقيت للأعمال، ثم تنقضي سريعًا وتمضي جميعًا، والذي أوجدها وابتدعها، وخصَّها بالفضائل وأودَعها، باقٍ لا يزول، ودائم لا يحول، هو في جميع الأوقات إله واحد، ولأعمال عباده رقيب مشاهد، فسبحان مَن قلَّب عباده في اختلاف الأوقات بين وظائف الخدم؛ ليسبغ عليهم فيها فواضل النعم، ويعاملهم بنهاية الجود والكرم، لما انقضت الأشهر الثلاثة الكرام التي أولها الشهر الحرام، وآخرها شهر الصيام، أقبلت بعدها الأشهر الثلاثة، أشهر الحج إلى البيت الحرام، فكما أن من صام رمضان وقامه غُفِر له ما تقدم من ذنبه، فإن مَن حج البيت ولم يرفُث ولم يَفسُق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أُمُّه، فما يمضي من عمر المؤمن ساعة من
ل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة، والفراغ))؛ رواه البخاري.
قال الإمام ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا، فغلب عليه الكسل عن الطاعة، فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحُها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله، فهو المغبوط، ومَن استعملها في معصية الله، فهو المغبون؛ لأن الفراغ يعقُبه الشغلُ، والصحة يعقبها السقمُ، ولو لم يكن إلا الهرَم كما قيل:
يَسُرُّ الفتى طولُ السلامة والبَقا
فكيف ترى طولَ السلامة يَفعَلُ
يُرَدُّ الفتى بعد اعتدال وصحةٍ
ينوءُ إذا رام القيامَ ويُحملُ
وقال الطيبي: "ضرَب النبي صلى الله عليه وسلم للمكلف مثلًا بالتاجر الذي له رأس مال، فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال، فطريقه في ذلك أن يتحرَّى فيمَن يُعامله، ويَلزَم الصدق والحذق؛ لئلا يغبن، فالصحة والمال رأس المال، وينبغي له أن يعامل الله بالإيمان ومجاهدة النفس وعدوِّ الدين؛ ليربح خيري الدنيا والآخرة، وقريب منه قول الله تعالى: ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الصف: 10]، وعليه أن يَجتنب مطاوعة النفس، ومعاملة الشيطان؛ لئلا يضيع رأس ماله مع الربح".
أخي المسلم، لقد استخلفَك الله في الأرض؛ لينظر جهاد المجاهدين في عبادته وطاعته، فيميز بين أوليائه وأعدائه؛ قال الإمام ابن رجب: "كم لله من لُطف وحكمة في إهباط آدم إلى الأرض، لولا نزوله، لَما ظهر جهاد المجاهدين، واجتهاد العابدين المجتهدين، ولا صدعت زفرات أنفاس التائبين، ولا نزلت قطرات دموع المذنبين".
أخي، لقد أفنينا أعمارنا في حبِّ الدنيا والتنافس في الاستزادة منها، والتكاثر في اقتناء حطامها؛ ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾ [التكاثر: 1، 2]، قال الإمام ابن القيم: "وأعرض عن ذكر المتكاثر به؛ إرادة لإطلاقة وعمومه، وإن كل ما يكاثر به العبد غيره سوى طاعة الله ورسوله، وما يعود عليه بنفع معاده، فهو داخل في هذا التكاثر، فالتكاثر في كل شيء؛ من مال أو جاه، أو رئاسة أو نسوة، أو حديث أو علم، ولا سيما إذا لم يحتج إليه، والتكاثر في الكتب والتصانيف، وكثرة المسائل وتفريعها وتوليدها..، والتكاثر أن يطلب الرجل أن يكون أكثر من غيره، وهذا مذموم إلا فيما يُقرِّب إلى الله".
أخي المسلم، تمر عليك الأشهر سريعة، وكل يوم فيها يطلبك بحظه من الطاعة، فإن المسلم لا تمضي عليه ساعة من ساعات عمره إلا وهي مشغولة بطاعة مولاه تعالى، حتى أنه ليمر عليه الصيف، فيذكر حال من لا ظل له، أو مسكن يؤويه من حرِّ الشمس ولَفْحها، أو من زمهرير الشتاء، وقبل هذا كله يذكره الصيف بشدة نار جهنم، ويذكره الشتاء بزمهريرها؛ قال الإمام ابن رجب: "من فضائل الشتاء أنه يُذكِّر بزمهرير جهنم، ويوجِب الاستعاذة منها".
أخي المسلم، تلك هي حال المؤمنين الصادقين، لا تمر عليهم أيام السنة، إلا وهم قد استزادوا من الصالحات، وعمَّروا أوقاتهم بالطاعات، وإذا أردت أن تعرف أخي أحوال الصالحين، فتعالَ معي:
"قدِم مسافر فيما مضى على أهله، فسُرُّوا به، وهناك امرأة من الصالحات، فبكت، وقالت: "أذكرني هذا بقدومه القدومَ على الله عز وجل، فمن مسرور، ومثبور!".
أرأيت أخي المسلم؟ ما أسعد الصالحين بمعرفة مولاهم! وما أرفع مقامهم بنهْلهم من مورد الطاعات ومَعين القربات! فوا حسرتاه على قوم فاتَتْهم هذه اللذات، حتى خرجوا من دار الفناء والممات.
ألا إنما التقوى هي العِزُّ والكرمْ
وحبُّك للدنيا هو الذُّلُّ والسَّقَمْ
وليس على عبد تُقى نقيصة
إذا حقَّق التقوى وإن حاكَ أو حَجَمْ
أخي المسلم، اغتنم مواسم الطاعات وأيام القُربات؛ فلا تفوتنَّك وأنت لاهٍ غافل، يمر عليك شهر شعبان، فماذا أدَّيت من الطاعات؟ ويمر عليك شهر رمضان شهر الصبر والقرآن والقيام في أيامه الحسان، فماذا أدَّيت فيه من الطاعات؟ وتمر عليك أشهر الحج أيام زيارة المشاعر المعظمة، فما الذي قدَّمته من القربات؟ وهل سكبت الدموع هنالك ونثَرت بين يدي مولاك الحاجات؟ قال الإمام ابن رجب: "هذه الشهور والأعوام والليالي والأيام، كلها مقادير للآجال ومواقيت للأعمال، ثم تنقضي سريعًا وتمضي جميعًا، والذي أوجدها وابتدعها، وخصَّها بالفضائل وأودَعها، باقٍ لا يزول، ودائم لا يحول، هو في جميع الأوقات إله واحد، ولأعمال عباده رقيب مشاهد، فسبحان مَن قلَّب عباده في اختلاف الأوقات بين وظائف الخدم؛ ليسبغ عليهم فيها فواضل النعم، ويعاملهم بنهاية الجود والكرم، لما انقضت الأشهر الثلاثة الكرام التي أولها الشهر الحرام، وآخرها شهر الصيام، أقبلت بعدها الأشهر الثلاثة، أشهر الحج إلى البيت الحرام، فكما أن من صام رمضان وقامه غُفِر له ما تقدم من ذنبه، فإن مَن حج البيت ولم يرفُث ولم يَفسُق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أُمُّه، فما يمضي من عمر المؤمن ساعة من
السا
عات إلا ولله فيها عليه وظيفة من وظائف الطاعات، فالمؤمن يتقلب بين هذه الوظائف، ويتقرب بها إلى مولاه وهو راجٍ خائف.
المحب لا يَمَل من التقرب بالنوافل إلى مولاه، ولا يأمُل إلا قُربه ورضاه، كل وقت يُخليه العبد من طاعة مولاه، فقد خسره، وكل ساعة يغفل فيها عن ذكر الله تكون عليه يوم القيامة تِرَةً، فوا أسفاه على زمان ضاع في غير طاعته، ووا حسرتاه على وقت فات في غير خدمته".
أخي المسلم، لقد انصرَمت السنين وذهبت الشهور والأيام، والكثيرون في غَيِّهم وضلالهم، أخي، عجِّل بالرجوع إلى الله؛ فهو نعم المرجع؛ ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16].
أخي في الله، الإنابةَ الإنابة، التوبة التوبة قبل حلول الأجَل، وقطْع الأمل؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يُغرغر))؛ رواه أحمد، والترمذي، وابن حبان.
وعن طائفة من السلف منهم عمر بن عبدالعزيز في قوله تعالى: ﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ﴾ [سبأ: 54]، قالوا: "طلبوا التوبة حين حِيلَ بينهم وبينها".
ألسنا نرى شهوات النفوس
تَفنى وتبقى علينا الذنوبُ
يَخاف على نفسه مَن يتوبُ
فكيف يكنْ حالُ مَن لا يتوبُ
قال الفضيل بن عِياض رحمه الله لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة، قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك، يُوشك أن تبلغ! فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال الفضيل: مَن علِم أنه لله عبدٌ، وأنه إليه راجع، فليَعلَم أنه موقوف، وأنه مسؤول، فليُعِد للمسألة جوابًا، فقال له الرجل: فما الحِيلة؟ قال: يَسيرة، قال: وما هي؟ قال: تُحسن فيما بقِي، فيَغفِر لك ما مضى؛ فإنك إن أسأت فيما بقِي، أُخِذت بما مضى وما بقِي، وقال الحسن البصري: "اتَّق الله يا ابن آدم، لا يجتمع عليك خَصلتان؛ سكرة الموت، وحسرة الفوت".
أخي المسلم، احذر موت الفجأة، وصَرعة الغفلة، فقد جاء أن بعض المتقدمين سكِر ليلة، فعاتبتْه زوجته على ترْك الصلاة، فحلف بطلاقها ثلاثًا لا يصلي ثلاثة أيام، فاشتد عليه فِراق زوجته، فاستمر على ترك الصلاة مدة الأيام الثلاثة، فمات فيها على حاله وهو مُصر على الخمر، تارك للصلاة.
أخي في الله :
أعاذني الله وإياك من الخواتيم الردية، فابكِ أخي على نفسك، كم نأمُل في هذه الدنيا حتى انقطعت بنا الآمال! قال بكر المزني: "لا تزال التوبة للعبد مبسوطة ما لم تأته الرسل، فإذا عايَنهم انقطعت المعرفة"، فردِّد معي أخي:
ألا للموت كأسٌ أيُّ كأسٍ
وأنتَ لكأسه لا بدَّ حاسي
إلى كم والمماتُ إلى قريبٍ
تُذَكَّرُ بالممات وأنت ناسي
أخي المسلم: تُذكَّر بانقضاء السنين، وانقضاء الأعمار، وبزوال الليل والنهار، والدُّنو من دار القرار، وبالحر والبرد، وجنان ربك والنار.
قد هيَّؤوك لأمر لو فطِنتَ له
فارْبَأْ بنفسك أن تَرعى مع الهَمَل
وأخذ الله بقلبي وقلبك إلى سبُل المراضي، وأمَّنني وإياك يوم ينادي المنادي!
،
عات إلا ولله فيها عليه وظيفة من وظائف الطاعات، فالمؤمن يتقلب بين هذه الوظائف، ويتقرب بها إلى مولاه وهو راجٍ خائف.
المحب لا يَمَل من التقرب بالنوافل إلى مولاه، ولا يأمُل إلا قُربه ورضاه، كل وقت يُخليه العبد من طاعة مولاه، فقد خسره، وكل ساعة يغفل فيها عن ذكر الله تكون عليه يوم القيامة تِرَةً، فوا أسفاه على زمان ضاع في غير طاعته، ووا حسرتاه على وقت فات في غير خدمته".
أخي المسلم، لقد انصرَمت السنين وذهبت الشهور والأيام، والكثيرون في غَيِّهم وضلالهم، أخي، عجِّل بالرجوع إلى الله؛ فهو نعم المرجع؛ ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16].
أخي في الله، الإنابةَ الإنابة، التوبة التوبة قبل حلول الأجَل، وقطْع الأمل؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يُغرغر))؛ رواه أحمد، والترمذي، وابن حبان.
وعن طائفة من السلف منهم عمر بن عبدالعزيز في قوله تعالى: ﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ﴾ [سبأ: 54]، قالوا: "طلبوا التوبة حين حِيلَ بينهم وبينها".
ألسنا نرى شهوات النفوس
تَفنى وتبقى علينا الذنوبُ
يَخاف على نفسه مَن يتوبُ
فكيف يكنْ حالُ مَن لا يتوبُ
قال الفضيل بن عِياض رحمه الله لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة، قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك، يُوشك أن تبلغ! فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال الفضيل: مَن علِم أنه لله عبدٌ، وأنه إليه راجع، فليَعلَم أنه موقوف، وأنه مسؤول، فليُعِد للمسألة جوابًا، فقال له الرجل: فما الحِيلة؟ قال: يَسيرة، قال: وما هي؟ قال: تُحسن فيما بقِي، فيَغفِر لك ما مضى؛ فإنك إن أسأت فيما بقِي، أُخِذت بما مضى وما بقِي، وقال الحسن البصري: "اتَّق الله يا ابن آدم، لا يجتمع عليك خَصلتان؛ سكرة الموت، وحسرة الفوت".
أخي المسلم، احذر موت الفجأة، وصَرعة الغفلة، فقد جاء أن بعض المتقدمين سكِر ليلة، فعاتبتْه زوجته على ترْك الصلاة، فحلف بطلاقها ثلاثًا لا يصلي ثلاثة أيام، فاشتد عليه فِراق زوجته، فاستمر على ترك الصلاة مدة الأيام الثلاثة، فمات فيها على حاله وهو مُصر على الخمر، تارك للصلاة.
أخي في الله :
أعاذني الله وإياك من الخواتيم الردية، فابكِ أخي على نفسك، كم نأمُل في هذه الدنيا حتى انقطعت بنا الآمال! قال بكر المزني: "لا تزال التوبة للعبد مبسوطة ما لم تأته الرسل، فإذا عايَنهم انقطعت المعرفة"، فردِّد معي أخي:
ألا للموت كأسٌ أيُّ كأسٍ
وأنتَ لكأسه لا بدَّ حاسي
إلى كم والمماتُ إلى قريبٍ
تُذَكَّرُ بالممات وأنت ناسي
أخي المسلم: تُذكَّر بانقضاء السنين، وانقضاء الأعمار، وبزوال الليل والنهار، والدُّنو من دار القرار، وبالحر والبرد، وجنان ربك والنار.
قد هيَّؤوك لأمر لو فطِنتَ له
فارْبَأْ بنفسك أن تَرعى مع الهَمَل
وأخذ الله بقلبي وقلبك إلى سبُل المراضي، وأمَّنني وإياك يوم ينادي المنادي!
،
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
الــداعـــيــــــة الــــمـــــــطـــارد
للشيــــخ/ عــــائــــض الـــقــــــــرني
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هو أعظم الخلق عند الله، وقد أخرجنا الله به من ظلمات الكفر والشرك إلى نور الإسلام، وإلى الطريق الصحيح ؟!
وهو الذي كابد المشاق من أجل هذا المبدأ؟! وهو الذي ربى جيلاً عظيماً لا زالت الدنيا تتحدث عنهم وعن أمجادهم.
الخطبــــة.الاولــــى.cc
إن الحمد لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونستهديه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، أحمدك اللهم من اعتمد عليك نصرته، ومن فوض الأمر إليك كفيته، ومن تقرب إليك أحببته، ومن حاربك خذلته، ومن خاصمك أهنته، ومن ناوأك أبعدته وأقصيته.
أيها الجيل الموحد!
يا حملة المبادئ! أيتها الكتيبة المقدسة!
نقف هذا اليوم نحيي بملء القلوب والأجفان والأسماع رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نحييه في أول العام الهجري، وهو رجل الهجرة الأول، نعيش اليوم مع الأطفال في أيامٍ طرد هو من أطفاله، ونعيش اليوم منعمين في الدور والقصور في أيام شرد من دوره، ونعيش اليوم ناعمين سعيدين جذلين في أيام عاشها هو كلها أسىً، ولوعة، يقدم رأسه وروحه من أجل لا إله إلا الله، إنها الهجرة.
وعنوان الدرس: الداعية المطارد
طارده أقاربه، وأرحامه، وأصهاره، فما سبب المطاردة؟ لماذا طورد؟ أمن أجل أنه أتى بنهب الأموال وسفك الدماء، واحتلال الأراضي، وابتزاز المعطيات؟ لا. إنه مطارد؛ من أجل أنه أتى لينقذ الإنسان ويخرجه من الظلمات إلى النور، فهذا هو حديث الهجرة.
شجاعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في مواجهة المؤامرة ..
أغلقت مكة أبوابها في وجه الابن البار، وأنذرته في خلال أربع وعشرين ساعة، أن يغادرها ولا يبقى في ساحها، عجيب! ولد في ربوعها، وترعرع في تلالها، شرب ماءها، واستنشق هواءها، وتقول له مكة اخرج! إلى أين؟!! لا ندري. وليتهم تركوه ليخرج سالماً معافى، لكن يريدون أن يخرجوه جثةً، أو يحبسوه، أو يبيدوه أو ينفوه من الأرض، وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30]
تخفيت من خصمي بظل جناحه
فعيني ترى خصمي وليس يراني
فلو تسأل الأيام عنيَّ ما درت
وأين مكاني ما عرفن مكاني
دخل في غرفة علي أو في بيته هو، وطوقه الكفرة الفجرة؛ لأنه يهدد مصالحهم التي بنيت على الظلم، ويصادر شهواتهم، ولا يطاوعهم في نزواتهم، إن أهل الباطل قديماً وحديثاً يرون في حملة المبادئ، وفي رواد الحق خصماء على طول الطريق؛ لأنهم يقولون لهم: لا. في كل معصية، وشهوة، ونزوة!!
طوقوا بيته بالسيوف المصلته
وتحروا متى يخرج، وهنا تأتي الشجاعة، ليست الشجاعة التي يقدمها الناس من أجل أراضيهم، ومزارعهم، ومناصبهم.
ليست الأنوف الحمراء التي تغضب للجيوب والبطون، والسيوف المسلولة من أجل التراب والطين.
أما محمدٌ عليه الصلاة والسلام
فيقدم رأسه من أجل مبدئه، يتحدى الشمس أن تهبط في يمينه والقمر أن ينزل في يساره، ولو نزلت الشمس والقمر، والله ما تهزه خطوة، حتى تعلن لا إله إلا الله أصالتها في الأرض!!
طوقوه وأتاه جبريل فأخبره، قال: الخصوم خارج البيت يريدون قتلك، فيقول: إن الله معنا.
لله درك، ولله در الشجاعة
المتناهية ، ولله در الروح العالية:
يا قاتل الظلم ثارت هاهنا وهنا
فضائح أين منها زندك الواري
الشمس والبدر في كفيك لو نزلت
ما أطفأت فيك ضوء النور والنار
أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة
يذوب في ساحها مليون جبارِ
فخرج من البيت بلا سيف، وهم بالسيوف، وخرج بلا رمح وهم بالرماح!! وأخذ حفنة من التراب فألقى الله النوم عليهم، فناموا وسقطت سيوف الخزي والعار، ونثر التراب والغبار على رأس الفجار، وهو يقول: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس:9].
دروس من الهجرة النبوية
نقف اليوم: بعد هذا الحدث بخمسة عشر قرناً، لنأخذ دروساً منها:
التوكل على الله
أولها: درس التوكل على الله، وتفويض الأمر له، وصدق اللجأ إليه، فلا كافي إلا الله، يقول سبحانه على لسان أحد أوليائه: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا [غافر:44-45].
ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَىَ لرسوله: وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [الزمر:36] وكل من هو دون الله فهو تحته، ودونه، وأضعف منه، فلا مقارنة.
الناس اليوم يحملون
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
الــداعـــيــــــة الــــمـــــــطـــارد
للشيــــخ/ عــــائــــض الـــقــــــــرني
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هو أعظم الخلق عند الله، وقد أخرجنا الله به من ظلمات الكفر والشرك إلى نور الإسلام، وإلى الطريق الصحيح ؟!
وهو الذي كابد المشاق من أجل هذا المبدأ؟! وهو الذي ربى جيلاً عظيماً لا زالت الدنيا تتحدث عنهم وعن أمجادهم.
الخطبــــة.الاولــــى.cc
إن الحمد لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونستهديه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، أحمدك اللهم من اعتمد عليك نصرته، ومن فوض الأمر إليك كفيته، ومن تقرب إليك أحببته، ومن حاربك خذلته، ومن خاصمك أهنته، ومن ناوأك أبعدته وأقصيته.
أيها الجيل الموحد!
يا حملة المبادئ! أيتها الكتيبة المقدسة!
نقف هذا اليوم نحيي بملء القلوب والأجفان والأسماع رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نحييه في أول العام الهجري، وهو رجل الهجرة الأول، نعيش اليوم مع الأطفال في أيامٍ طرد هو من أطفاله، ونعيش اليوم منعمين في الدور والقصور في أيام شرد من دوره، ونعيش اليوم ناعمين سعيدين جذلين في أيام عاشها هو كلها أسىً، ولوعة، يقدم رأسه وروحه من أجل لا إله إلا الله، إنها الهجرة.
وعنوان الدرس: الداعية المطارد
طارده أقاربه، وأرحامه، وأصهاره، فما سبب المطاردة؟ لماذا طورد؟ أمن أجل أنه أتى بنهب الأموال وسفك الدماء، واحتلال الأراضي، وابتزاز المعطيات؟ لا. إنه مطارد؛ من أجل أنه أتى لينقذ الإنسان ويخرجه من الظلمات إلى النور، فهذا هو حديث الهجرة.
شجاعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في مواجهة المؤامرة ..
أغلقت مكة أبوابها في وجه الابن البار، وأنذرته في خلال أربع وعشرين ساعة، أن يغادرها ولا يبقى في ساحها، عجيب! ولد في ربوعها، وترعرع في تلالها، شرب ماءها، واستنشق هواءها، وتقول له مكة اخرج! إلى أين؟!! لا ندري. وليتهم تركوه ليخرج سالماً معافى، لكن يريدون أن يخرجوه جثةً، أو يحبسوه، أو يبيدوه أو ينفوه من الأرض، وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30]
تخفيت من خصمي بظل جناحه
فعيني ترى خصمي وليس يراني
فلو تسأل الأيام عنيَّ ما درت
وأين مكاني ما عرفن مكاني
دخل في غرفة علي أو في بيته هو، وطوقه الكفرة الفجرة؛ لأنه يهدد مصالحهم التي بنيت على الظلم، ويصادر شهواتهم، ولا يطاوعهم في نزواتهم، إن أهل الباطل قديماً وحديثاً يرون في حملة المبادئ، وفي رواد الحق خصماء على طول الطريق؛ لأنهم يقولون لهم: لا. في كل معصية، وشهوة، ونزوة!!
طوقوا بيته بالسيوف المصلته
وتحروا متى يخرج، وهنا تأتي الشجاعة، ليست الشجاعة التي يقدمها الناس من أجل أراضيهم، ومزارعهم، ومناصبهم.
ليست الأنوف الحمراء التي تغضب للجيوب والبطون، والسيوف المسلولة من أجل التراب والطين.
أما محمدٌ عليه الصلاة والسلام
فيقدم رأسه من أجل مبدئه، يتحدى الشمس أن تهبط في يمينه والقمر أن ينزل في يساره، ولو نزلت الشمس والقمر، والله ما تهزه خطوة، حتى تعلن لا إله إلا الله أصالتها في الأرض!!
طوقوه وأتاه جبريل فأخبره، قال: الخصوم خارج البيت يريدون قتلك، فيقول: إن الله معنا.
لله درك، ولله در الشجاعة
المتناهية ، ولله در الروح العالية:
يا قاتل الظلم ثارت هاهنا وهنا
فضائح أين منها زندك الواري
الشمس والبدر في كفيك لو نزلت
ما أطفأت فيك ضوء النور والنار
أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة
يذوب في ساحها مليون جبارِ
فخرج من البيت بلا سيف، وهم بالسيوف، وخرج بلا رمح وهم بالرماح!! وأخذ حفنة من التراب فألقى الله النوم عليهم، فناموا وسقطت سيوف الخزي والعار، ونثر التراب والغبار على رأس الفجار، وهو يقول: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [يس:9].
دروس من الهجرة النبوية
نقف اليوم: بعد هذا الحدث بخمسة عشر قرناً، لنأخذ دروساً منها:
التوكل على الله
أولها: درس التوكل على الله، وتفويض الأمر له، وصدق اللجأ إليه، فلا كافي إلا الله، يقول سبحانه على لسان أحد أوليائه: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا [غافر:44-45].
ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَىَ لرسوله: وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [الزمر:36] وكل من هو دون الله فهو تحته، ودونه، وأضعف منه، فلا مقارنة.
الناس اليوم يحملون
صدق التوكل والانتصار بالله في أذهانهم لا في حياتهم، إنهم يكونون أجبن ما يكون عندما تهدد لا إله إلا الله، إن قضية الوظائف، والمناصب والموائد، والجاهات والشارات استعبدت البشر، إنها تستعبد الحر الشجاع، فتجعله ذليلاً جباناً لا يقول كلمة الحق: {تعس عبد الدينار تعس عبد الخميلة تعس عبد الخميصة} إن محمداً عليه الصلاة والسلام، أراد أن يبني جيلاً قوياً شجاعاً، يقدم الواحد منهم رأسه لمبدئه، وروحه لمنهجه.
ولكن: طال الأمد، وقست القلوب، وانطمس المنهج، وأصبحت الأمة تعيش خواءً عقدياً، أخوف ما تكون من البشر، انظر إليهم، والله إنهم يخافون من البشر أكثر من رب البشر!! فكم يخافون؟ وكم يجبنون؟ وكم تصيب أحدهم الزلزلة والرعدة من تهديد بسيط، يتعرض لوظيفته أو لمنصبه أو لدخله ورزقه، ولا يرزق ولا يخلق إلا الله!! وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً [الفرقان:3].
إن قصة الهجرة يتجلى فيها التوكل كأحسن ما يتجلى في أي صورة، يدخل الغار، ويتكرر لنا حديث الغار، ونعيد دائماً حديث الغار، لأن أول التاريخ بدأ من الغار، والنور انفجر من الغار.
فمن يمنعه عليه الصلاة والسلام؛ أين موكبه؟ أين أقواس النصر التي تحف بالناس؟ أين الجنود المسلحة التي تحمي جماجم الناس وأرواحهم وهم أقل خطراً وأقل شأناً منه، لا جنود معه ولا حراسة، لا سلاح، ولا مخابرات، ولا استطلاع!
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمانُ
فيقول أبو بكر: {يا رسول الله! والله لو نظر أحدهم إلى موطن قدميه لرآنا، فيتبسم عليه الصلاة والسلام -والتبسم في وجه الموت أمرٌ لا يجيده إلا العظماء، حتى يقول المتنبي يمدح عظيماً لا يستحق أن يكون جندياً في كتيبة محمد عليه الصلاة والسلام:
وقفت وما في الموت شك لواقفٍ كأنك في جفن الردى وهو نائمُ
تمر بك الأبطال كلمى هزيمةً ووجهك وضاحٌ وثغرك باسمُ
يتبسم عليه الصلاة والسلام- ويقول: ما ظنك يا أبا بكر! باثنين الله ثالثهما} هل يغلب الثلاثة، أم تكون الدائرة على غير الثلاثة؟ إذا كان الله الثالث، فمن هو المغلوب؟ من هو خاسر الجولة؟ من هو المنهزم في آخر المعركة؟ ويقول: لا تحزن إن الله معنا، بعلمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهي معية الحفظ والتأييد والتسديد لأوليائه، المعية التي صاحبت إبراهيم عليه السلام، وهو يهوي بين السماء والأرض، في قذيفة المنجنيق إلى النار، فيقول له جبريل: ألك إليَّ حاجة؟! قال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] فصارت النار برداً وسلاماً.
والمعية التي صاحبت موسى راعي الغنم، الذي يحمل عصاه، ولا يجيد أن ينطق اللغة، ويدخل إيوان الظالم السفاك المجرم فرعون، وحرس فرعون أكثر من ثلاثين ألفاً، الدماء تسيل في البلاط الملكي الظالم، موسى يلتفت ويقول: يا رب! إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى، فيعطيه الله درساً في التوحيد والتوكل: قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] نواصي العباد بيديه، ورءوس الطغاة في قبضته، ومقاليد الحكم بيمينه، لا يتصرف متصرف إلا بقدرته.
ثم يأتي سراقة ويطارد محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيقرأ القرآن ولا يلتفت؛ لأن الله معه، يدعو على سراقة، فيصبح سراقة مهدداً بالموت، فيقول: يا محمد! اكتب لي أماناً على حياتي.
أنت الآن محمي وأنا مهدد، بالله لا تقتلني، فقد فر من الموت وفي الموت وقع، فيقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن يتبسم: {يا سراقة! كيف بك إذا سورت بسواري كسرى؟} أين كسرى؟ إنه امبراطور فارس، ودكتاتوري الشمال، المجرم السفاك.
فيضحك سراقة كأنه ضربٌ من الخيال، أهذا يستولي على إمبراطوريات الدنيا؟! أهذا يلغي مملكة العالم، وهو لا يستطيع أن ينجو بنفسه؟ وبالفعل تم ذلك، ودكدك الظلم، وفتح الشمال، ورفرفت لا إله إلا الله على الإيوان:
وما أتت بقعةٌ إلا سمعت بها الله أكبر تدوي في نواحيها
وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها
ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها
حفظ الله لأوليائه
ثانيها: أن الله يحفظ أولياءه، فهم يُؤذَون ويُضطهدون ويحبسون ويقدمون رءوسهم رخيصة لله، ولكن ينتصرون، والعاقبة للمتقين: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52].
والنتيجة الحتمية أنهم هم المنتصرون في آخر المطاف، وأن الباطل مهما انتفش وعلا وكبر، فإنه كما قال سبحانه: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد:17] الباطل: له صولة، والحق: له جولة، والعاقبة للمتقين، وتكفل ا
ولكن: طال الأمد، وقست القلوب، وانطمس المنهج، وأصبحت الأمة تعيش خواءً عقدياً، أخوف ما تكون من البشر، انظر إليهم، والله إنهم يخافون من البشر أكثر من رب البشر!! فكم يخافون؟ وكم يجبنون؟ وكم تصيب أحدهم الزلزلة والرعدة من تهديد بسيط، يتعرض لوظيفته أو لمنصبه أو لدخله ورزقه، ولا يرزق ولا يخلق إلا الله!! وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً [الفرقان:3].
إن قصة الهجرة يتجلى فيها التوكل كأحسن ما يتجلى في أي صورة، يدخل الغار، ويتكرر لنا حديث الغار، ونعيد دائماً حديث الغار، لأن أول التاريخ بدأ من الغار، والنور انفجر من الغار.
فمن يمنعه عليه الصلاة والسلام؛ أين موكبه؟ أين أقواس النصر التي تحف بالناس؟ أين الجنود المسلحة التي تحمي جماجم الناس وأرواحهم وهم أقل خطراً وأقل شأناً منه، لا جنود معه ولا حراسة، لا سلاح، ولا مخابرات، ولا استطلاع!
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمانُ
فيقول أبو بكر: {يا رسول الله! والله لو نظر أحدهم إلى موطن قدميه لرآنا، فيتبسم عليه الصلاة والسلام -والتبسم في وجه الموت أمرٌ لا يجيده إلا العظماء، حتى يقول المتنبي يمدح عظيماً لا يستحق أن يكون جندياً في كتيبة محمد عليه الصلاة والسلام:
وقفت وما في الموت شك لواقفٍ كأنك في جفن الردى وهو نائمُ
تمر بك الأبطال كلمى هزيمةً ووجهك وضاحٌ وثغرك باسمُ
يتبسم عليه الصلاة والسلام- ويقول: ما ظنك يا أبا بكر! باثنين الله ثالثهما} هل يغلب الثلاثة، أم تكون الدائرة على غير الثلاثة؟ إذا كان الله الثالث، فمن هو المغلوب؟ من هو خاسر الجولة؟ من هو المنهزم في آخر المعركة؟ ويقول: لا تحزن إن الله معنا، بعلمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وهي معية الحفظ والتأييد والتسديد لأوليائه، المعية التي صاحبت إبراهيم عليه السلام، وهو يهوي بين السماء والأرض، في قذيفة المنجنيق إلى النار، فيقول له جبريل: ألك إليَّ حاجة؟! قال: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] فصارت النار برداً وسلاماً.
والمعية التي صاحبت موسى راعي الغنم، الذي يحمل عصاه، ولا يجيد أن ينطق اللغة، ويدخل إيوان الظالم السفاك المجرم فرعون، وحرس فرعون أكثر من ثلاثين ألفاً، الدماء تسيل في البلاط الملكي الظالم، موسى يلتفت ويقول: يا رب! إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى، فيعطيه الله درساً في التوحيد والتوكل: قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] نواصي العباد بيديه، ورءوس الطغاة في قبضته، ومقاليد الحكم بيمينه، لا يتصرف متصرف إلا بقدرته.
ثم يأتي سراقة ويطارد محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيقرأ القرآن ولا يلتفت؛ لأن الله معه، يدعو على سراقة، فيصبح سراقة مهدداً بالموت، فيقول: يا محمد! اكتب لي أماناً على حياتي.
أنت الآن محمي وأنا مهدد، بالله لا تقتلني، فقد فر من الموت وفي الموت وقع، فيقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن يتبسم: {يا سراقة! كيف بك إذا سورت بسواري كسرى؟} أين كسرى؟ إنه امبراطور فارس، ودكتاتوري الشمال، المجرم السفاك.
فيضحك سراقة كأنه ضربٌ من الخيال، أهذا يستولي على إمبراطوريات الدنيا؟! أهذا يلغي مملكة العالم، وهو لا يستطيع أن ينجو بنفسه؟ وبالفعل تم ذلك، ودكدك الظلم، وفتح الشمال، ورفرفت لا إله إلا الله على الإيوان:
وما أتت بقعةٌ إلا سمعت بها الله أكبر تدوي في نواحيها
وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها
ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها
حفظ الله لأوليائه
ثانيها: أن الله يحفظ أولياءه، فهم يُؤذَون ويُضطهدون ويحبسون ويقدمون رءوسهم رخيصة لله، ولكن ينتصرون، والعاقبة للمتقين: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52].
والنتيجة الحتمية أنهم هم المنتصرون في آخر المطاف، وأن الباطل مهما انتفش وعلا وكبر، فإنه كما قال سبحانه: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد:17] الباطل: له صولة، والحق: له جولة، والعاقبة للمتقين، وتكفل ا
ل
له أن يحفظ دعائم هذا الدين والمتمسكين به، والمنضوين تحت لوائه، فمهما تعرض له من الإساءات والاضطهاد والإقصاء والاستخذاء، فإنه لا يزيدهم إلا إصراراً على مبادئهم، وشمماً وقوة.
التضحية والبذل
ثالثها: عالم التضحيات والبذل يتحقق فيه عليه الصلاة والسلام، فماذا فعلت أنا وأنت لهذا الدين؟ ماذا قدمنا؟ ومحمدٌ عليه الصلاة والسلام شغله الشاغل.. أنفاسه.. خواطره..أفكاره..أمواله..أهله..روحه لله!! يقول في إحدى مواقفه: {والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل} هاجر من مكة مطروداً، ووقف في حمراء الأسد يتكلم مع مكة، بينه وبين مكة كلامٌ رقيقٌ مشوق:
يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيءٍ بعدكم عدمُ
إذا ترحلت عن قومٍ وقد قدروا ألا تفارقهم فالراحلون همُ
يقول لـمكة: {والذي نفسي بيده إنك لمن أحب بلاد الله إلى قلبي، ولو لا أن أهلك أخرجوني ما خرجت} ثم تدمع عيناه، ويذهب، بناته أمامه يُضربن، فلا يستطيع أن يدفع، يوضع السلى على رأسه أمام الجماهير، ويضحكون عليه، ويمسح السلى ويقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} تباع غرفه في مكة، بعقدٍ يتولاه عقيل بن أبي طالب.
أعمامه يكذبونه أمام الناس، يحثى التراب عليه، ويطارد بعيداً بعيداً من مكة، ولكن الفجر حل، وهم يريدون إغلاق صوته، فيزداد الصوت قوة، وعظمة، وعمقاً، وأصالة! فيصل إلى المدينة فإذا الدنيا تتحدث به:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسودِ
لولا اشتغال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب نفح العودِ
هكذا العظمة والريادة، فينصت العالم له، ويسمعون كلمته، ويقويه الله بجندٍ من عنده، وتحف به الملائكة:
وقاتلت معنا الأملاك في أحدٍ تحت العجاجة ما حادوا وما انكشفوا
سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا
إذاً التضحية هكذا: أن تقدم دمك ومالك ودموعك ووقتك للإسلام، ليس فقط الركعات والتسبيحات التي يمتن بها كثيرٌ من الناس، ولكنهم لا يستطيعون الحرقة على الدين، ولا الغضب على المحارم: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] ولا يستطيعون أن يتقدموا معك خطوة، لنصرة لا إله إلا الله، فإن هذا عالمٌ آخر.
ماذا قدمنا في العام الهجري المنصرم؟
رابعاً: ماذا قدمنا للعام الهجري المنصرم؟ ذهب من أعمارنا عام مات فيه قوم، وعاش آخرون، اغتنى فيه قوم وافتقر آخرون، وتولى قومٌ وخلع آخرون!! فماذا قدمنا للإسلام؟
ولك أن تتعجب معي، وإن تعجب فعجبٌ فعلهم في هجرة محمد عليه الصلاة والسلام، أين هي الصحف الصباحية؟ أين هي الملاحق الفنية؟ أين هي الصفحات الرياضية؟ أين هي الشاشة؟ أين هو المذياع؟ ولم لا تحيي محمداً عليه الصلاة والسلام؟ لقد احتفل بأسبوع الشجرة، وبيوم الطفولة، وبيوم الأمومة، وبيوم الأرض، ولم يبق إلا يوم القطط والبط والوز! لم يبق إلا يومٌ من السنة، وأقترح أن يخصص للقطط احتفالاً بها!
صحفٌ لا تحيي محمداً عليه الصلاة والسلام وكتابها حسنة من حسناته، ومتطفلون على مائدته، وأحرارٌ لما أخرجهم من رق الوثنية والعبودية لغير الله، فهذه بلادٌ ما أشرقت شمسها إلا من تحت قدمه، ثم لا نجد في الجرائد تحية ولا كلمة، ولا عموداً صغيراً، ولا زاوية، تحوي قصة المصلح العظيم، والله لقد قرأت أخباراً عن كلاب حدثت لها وقائع ومصائب في الغرب، وترجموا لها، لكن محمداً عليه الصلاة والسلام لا يجد من يترجم له، ونقول للكتبة وللمحررين وللنخبة المثقفة كما تزعم، ولأهل الكلمة ولأبناء الفكر: لا عليكم.. وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ [محمد:38].. وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً [هود:57].
لا عليكم إن بخلتم بأقلامكم عن محمد عليه الصلاة والسلام، وجعلتم صفحاتكم الفنية لكواكب الفن، ولشموس الغناء، فعندنا جيلٌ الآن، أعلن توجهه إلى الله، جيلٌ كتب الهجرة بدموعه، وحفظ المسيرة بقلبه، وأصبح حب محمد عليه الصلاة والسلام يجري في دمه.
فعندنا جيل كعدد الذر، كلهم يتمنى اليوم قبل غد أن يقتل في سبيل الله، من أجل مبادئ محمد عليه الصلاة والسلام.
هذا أثره عليه الصلاة والسلام علينا، وهذا موقفنا من دعوته ومن رسالته.
أما غيرنا فيدرس المناهج إلا منهجه، ويتكلم عن الشخصيات إلا شخصيته.
ورأيت في صحيفة زاويةً خصصتها للأعلام والمشاهير ولوفياتهم، من هم؟ إنهم مشاهير السفك والنهب في العالم، والقتل والإبادة واستخذاء الشعوب.
أما المحرر الأول، والرجل الذي أصلح الله به الأمة، فلا كلام عنه ولا ترجمة! فماذا يعتذر هؤلاء أمامه عليه الصلاة والسلام غداً؟ ولا يفهم فاهم، أو يزعم زاعم أنني أريد أن ننشئ له عيد هجرة، أو عيد ميلاد؛ فالإسلام لا يقر هذا، ولا يؤمن به، ولا يقر أن نجتمع في زوايا وخلايا وجوانب لنرقص كما يرقص المخذولون المتهوكون بالنشيد والتصفيق ونحييه، فتحيته أن نطهر بلاده مما طهرها منه هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فتكون بلاداً مقدسة، تحيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّ
له أن يحفظ دعائم هذا الدين والمتمسكين به، والمنضوين تحت لوائه، فمهما تعرض له من الإساءات والاضطهاد والإقصاء والاستخذاء، فإنه لا يزيدهم إلا إصراراً على مبادئهم، وشمماً وقوة.
التضحية والبذل
ثالثها: عالم التضحيات والبذل يتحقق فيه عليه الصلاة والسلام، فماذا فعلت أنا وأنت لهذا الدين؟ ماذا قدمنا؟ ومحمدٌ عليه الصلاة والسلام شغله الشاغل.. أنفاسه.. خواطره..أفكاره..أمواله..أهله..روحه لله!! يقول في إحدى مواقفه: {والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل، ثم أحيا ثم أقتل} هاجر من مكة مطروداً، ووقف في حمراء الأسد يتكلم مع مكة، بينه وبين مكة كلامٌ رقيقٌ مشوق:
يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيءٍ بعدكم عدمُ
إذا ترحلت عن قومٍ وقد قدروا ألا تفارقهم فالراحلون همُ
يقول لـمكة: {والذي نفسي بيده إنك لمن أحب بلاد الله إلى قلبي، ولو لا أن أهلك أخرجوني ما خرجت} ثم تدمع عيناه، ويذهب، بناته أمامه يُضربن، فلا يستطيع أن يدفع، يوضع السلى على رأسه أمام الجماهير، ويضحكون عليه، ويمسح السلى ويقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون} تباع غرفه في مكة، بعقدٍ يتولاه عقيل بن أبي طالب.
أعمامه يكذبونه أمام الناس، يحثى التراب عليه، ويطارد بعيداً بعيداً من مكة، ولكن الفجر حل، وهم يريدون إغلاق صوته، فيزداد الصوت قوة، وعظمة، وعمقاً، وأصالة! فيصل إلى المدينة فإذا الدنيا تتحدث به:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسودِ
لولا اشتغال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب نفح العودِ
هكذا العظمة والريادة، فينصت العالم له، ويسمعون كلمته، ويقويه الله بجندٍ من عنده، وتحف به الملائكة:
وقاتلت معنا الأملاك في أحدٍ تحت العجاجة ما حادوا وما انكشفوا
سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا إياك نعبد من سلسالها رشفوا
إذاً التضحية هكذا: أن تقدم دمك ومالك ودموعك ووقتك للإسلام، ليس فقط الركعات والتسبيحات التي يمتن بها كثيرٌ من الناس، ولكنهم لا يستطيعون الحرقة على الدين، ولا الغضب على المحارم: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] ولا يستطيعون أن يتقدموا معك خطوة، لنصرة لا إله إلا الله، فإن هذا عالمٌ آخر.
ماذا قدمنا في العام الهجري المنصرم؟
رابعاً: ماذا قدمنا للعام الهجري المنصرم؟ ذهب من أعمارنا عام مات فيه قوم، وعاش آخرون، اغتنى فيه قوم وافتقر آخرون، وتولى قومٌ وخلع آخرون!! فماذا قدمنا للإسلام؟
ولك أن تتعجب معي، وإن تعجب فعجبٌ فعلهم في هجرة محمد عليه الصلاة والسلام، أين هي الصحف الصباحية؟ أين هي الملاحق الفنية؟ أين هي الصفحات الرياضية؟ أين هي الشاشة؟ أين هو المذياع؟ ولم لا تحيي محمداً عليه الصلاة والسلام؟ لقد احتفل بأسبوع الشجرة، وبيوم الطفولة، وبيوم الأمومة، وبيوم الأرض، ولم يبق إلا يوم القطط والبط والوز! لم يبق إلا يومٌ من السنة، وأقترح أن يخصص للقطط احتفالاً بها!
صحفٌ لا تحيي محمداً عليه الصلاة والسلام وكتابها حسنة من حسناته، ومتطفلون على مائدته، وأحرارٌ لما أخرجهم من رق الوثنية والعبودية لغير الله، فهذه بلادٌ ما أشرقت شمسها إلا من تحت قدمه، ثم لا نجد في الجرائد تحية ولا كلمة، ولا عموداً صغيراً، ولا زاوية، تحوي قصة المصلح العظيم، والله لقد قرأت أخباراً عن كلاب حدثت لها وقائع ومصائب في الغرب، وترجموا لها، لكن محمداً عليه الصلاة والسلام لا يجد من يترجم له، ونقول للكتبة وللمحررين وللنخبة المثقفة كما تزعم، ولأهل الكلمة ولأبناء الفكر: لا عليكم.. وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ [محمد:38].. وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً [هود:57].
لا عليكم إن بخلتم بأقلامكم عن محمد عليه الصلاة والسلام، وجعلتم صفحاتكم الفنية لكواكب الفن، ولشموس الغناء، فعندنا جيلٌ الآن، أعلن توجهه إلى الله، جيلٌ كتب الهجرة بدموعه، وحفظ المسيرة بقلبه، وأصبح حب محمد عليه الصلاة والسلام يجري في دمه.
فعندنا جيل كعدد الذر، كلهم يتمنى اليوم قبل غد أن يقتل في سبيل الله، من أجل مبادئ محمد عليه الصلاة والسلام.
هذا أثره عليه الصلاة والسلام علينا، وهذا موقفنا من دعوته ومن رسالته.
أما غيرنا فيدرس المناهج إلا منهجه، ويتكلم عن الشخصيات إلا شخصيته.
ورأيت في صحيفة زاويةً خصصتها للأعلام والمشاهير ولوفياتهم، من هم؟ إنهم مشاهير السفك والنهب في العالم، والقتل والإبادة واستخذاء الشعوب.
أما المحرر الأول، والرجل الذي أصلح الله به الأمة، فلا كلام عنه ولا ترجمة! فماذا يعتذر هؤلاء أمامه عليه الصلاة والسلام غداً؟ ولا يفهم فاهم، أو يزعم زاعم أنني أريد أن ننشئ له عيد هجرة، أو عيد ميلاد؛ فالإسلام لا يقر هذا، ولا يؤمن به، ولا يقر أن نجتمع في زوايا وخلايا وجوانب لنرقص كما يرقص المخذولون المتهوكون بالنشيد والتصفيق ونحييه، فتحيته أن نطهر بلاده مما طهرها منه هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فتكون بلاداً مقدسة، تحيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّ
َمَ
أن نسير على خطواته، وأن نفدي منهجه، وأن نضحي لمبدئه، أعظم مما يضحي الثوريون والماركسيون والاشتراكيون العرب للأقزام الملاعين، وللأوسمة المخذولة، وللأصنام المبعدة.
تحيتنا له: أن نقف مع سنته وننشرها في الأرض: {بلغوا عني ولو آية}.. {نضر الله امرأً سمع مني مقالةً فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مُبلَّغٍ أوعى من سامع} إن عالم البادية الذي كان يسجد للحجر، ويجمع التمر ويصلي له، ويأتي للوثن الذي يبول عليه الثعلب، ويدعوه أن يشفي مريضه؛ وصمة عارٍ في هؤلاء القوميين العرب، فالذي حررهم من هذا هو محمد عليه الصلاة والسلام، وإن العجب العجاب أن تحتفل النوادي الأدبية، بنظافة البيئة، فتجد محاضرة في نظافة البيئة، وأخرى في فن السياحة، وأخرى في أدب الاصطياف، ولم يبق إلا محاضرة رابعة في بيطرة البقر! كيف تبيطر البقر؟ وما هو علاج البقر؟ ومن هم الأبطال الذي يعالجون البقر من أمراضها؟
علي نحت القوافي من معادنها وما علي إذا لم تفهم البقرُ
لماذا لا تقام محاضرة بعنوان: أثر رسالته عليه الصلاة والسلام على العالم؟ لماذا لا يأتي هؤلاء البسطاء الوضعاء بمحاضرة عن (الإسلام وحاجة العالم إليه) أو القرآن وواجبنا في هذا القرن، أو أثر لا إله إلا الله في حياة الإنسان؟ أما هذه المحاضرات التي شبع منها الناس، ومجتها الآذان، وأصبحنا نصاب بغثيان من سماعها وتردادها، فوالله إنها شغلٌ للأوقات، وإنها تسويدٌ للصحف، ومجٌ للأسماع، وثقالةٌ ودرن على القلوب.
هذا المهاجر الأول، وهذا الداعية المطارد من أجل مبدئه، وهذا عامنا وهذا ما قدمنا، وهذه النوادي، وهذه الصحف، وهذه الأقلام، ولكم أن تحكموا: بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [القيامة:14-15].. يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ [الانفطار:6-7].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
الخطبــــة.الثانيــــة.cc
الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وعلى قدوة الناس أجمعين، وحجة الله على الهالكين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
في مثل هذا الشهر، طورد داعية أول، زميلٌ له عليه الصلاة والسلام، نهجه نهجه، ومسيرته مسيرته، ودعوته دعوته، إنه موسى عليه السلام: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31] لا يُبعث نبي إلا وقد هيأ الله طاغيةً هناك يرصد له، ولا يحمل رائدٌ من رواد الدعوة مبدأً إلا ويتهيأ له ظالمٌ يرصده، سنة الله: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً [الأحزاب:62].. وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ [البقرة:251].
في هذا الشهر، خرج موسى مطروداً من مصر، يطارده فرعون المجرم بستمائة ألف مقاتل فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ الزخرف:54] قطيع ضأن، الشعوب التي لا تفهم إلا الخبز والأكل، ولا تفهم إلا ثقافة القِدْر، والجيب والبطن تصفق للطاغية وتحثوا على رأس الداعية.
الشعوب المهلهلة المهترية المتهالكة من الداخل طاردت موسى يريدون قتله، لأنه يريد أن يحررهم وهم يقولون: لا. يريد أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، وهم يقولون: لا. يريد أن يرفع رءوسهم، وهم يقولون: لا. اصطدم بالبحر، الجيش وراءه والموت، والبحر أمامه والموت، إلى أين؟ إلى الله، التفت ودعا، والله قريب: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].
بنو إسرائيل الخونة الجبناء ولولوا وخافوا وارتعدوا، والكتائب حوله انهارت، يا موسى!: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61] ولكن موسى يتبسم، كما يتبسم محمد في الغار قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ الشعراء:62]
فيقال له كما ذكر بعض أهل السير: أين يهديك وفرعون خلفك والبحر أمامك؟! هذه ورطة لا حل لها، هذا مضيقٌ لا مخرج منه في عرف البشر، قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62] ويتلقى المكالمة في الحال من الله، لا تتأخر عنه؛ لأنه كان كليماً: اضرب البحر بعصاك، فضرب باسم الله البحر فانفلق يبساً فمشى بنو إسرائيل، وأتى فرعون يريد أن يجرب آخر جولة له في عالم الضياع، وهي مصارع الطغاة، والطغاة لهم مصارع، إما أن تلعنهم القلوب وهم يسيرون على الأرض وهذا مصرع، وإما أن يشدخون كما شدخ هذا وهذا مصرع، وإما أن يدخر الله لهم ناراً تلظى، وهذا مصرع.
إهلاك فرعون ونجاة موسى
وصل فرعون ونجا موسى، وقال الله للبحر: اجتمع فاجتمع، وكان الضحية المجرم، دخل الطين في فمه، فلما أصبح في وقتٍ ضائع قال: قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَن
أن نسير على خطواته، وأن نفدي منهجه، وأن نضحي لمبدئه، أعظم مما يضحي الثوريون والماركسيون والاشتراكيون العرب للأقزام الملاعين، وللأوسمة المخذولة، وللأصنام المبعدة.
تحيتنا له: أن نقف مع سنته وننشرها في الأرض: {بلغوا عني ولو آية}.. {نضر الله امرأً سمع مني مقالةً فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مُبلَّغٍ أوعى من سامع} إن عالم البادية الذي كان يسجد للحجر، ويجمع التمر ويصلي له، ويأتي للوثن الذي يبول عليه الثعلب، ويدعوه أن يشفي مريضه؛ وصمة عارٍ في هؤلاء القوميين العرب، فالذي حررهم من هذا هو محمد عليه الصلاة والسلام، وإن العجب العجاب أن تحتفل النوادي الأدبية، بنظافة البيئة، فتجد محاضرة في نظافة البيئة، وأخرى في فن السياحة، وأخرى في أدب الاصطياف، ولم يبق إلا محاضرة رابعة في بيطرة البقر! كيف تبيطر البقر؟ وما هو علاج البقر؟ ومن هم الأبطال الذي يعالجون البقر من أمراضها؟
علي نحت القوافي من معادنها وما علي إذا لم تفهم البقرُ
لماذا لا تقام محاضرة بعنوان: أثر رسالته عليه الصلاة والسلام على العالم؟ لماذا لا يأتي هؤلاء البسطاء الوضعاء بمحاضرة عن (الإسلام وحاجة العالم إليه) أو القرآن وواجبنا في هذا القرن، أو أثر لا إله إلا الله في حياة الإنسان؟ أما هذه المحاضرات التي شبع منها الناس، ومجتها الآذان، وأصبحنا نصاب بغثيان من سماعها وتردادها، فوالله إنها شغلٌ للأوقات، وإنها تسويدٌ للصحف، ومجٌ للأسماع، وثقالةٌ ودرن على القلوب.
هذا المهاجر الأول، وهذا الداعية المطارد من أجل مبدئه، وهذا عامنا وهذا ما قدمنا، وهذه النوادي، وهذه الصحف، وهذه الأقلام، ولكم أن تحكموا: بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [القيامة:14-15].. يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ [الانفطار:6-7].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
الخطبــــة.الثانيــــة.cc
الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وعلى قدوة الناس أجمعين، وحجة الله على الهالكين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
في مثل هذا الشهر، طورد داعية أول، زميلٌ له عليه الصلاة والسلام، نهجه نهجه، ومسيرته مسيرته، ودعوته دعوته، إنه موسى عليه السلام: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31] لا يُبعث نبي إلا وقد هيأ الله طاغيةً هناك يرصد له، ولا يحمل رائدٌ من رواد الدعوة مبدأً إلا ويتهيأ له ظالمٌ يرصده، سنة الله: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً [الأحزاب:62].. وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ [البقرة:251].
في هذا الشهر، خرج موسى مطروداً من مصر، يطارده فرعون المجرم بستمائة ألف مقاتل فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ الزخرف:54] قطيع ضأن، الشعوب التي لا تفهم إلا الخبز والأكل، ولا تفهم إلا ثقافة القِدْر، والجيب والبطن تصفق للطاغية وتحثوا على رأس الداعية.
الشعوب المهلهلة المهترية المتهالكة من الداخل طاردت موسى يريدون قتله، لأنه يريد أن يحررهم وهم يقولون: لا. يريد أن يخرجهم من الظلمات إلى النور، وهم يقولون: لا. يريد أن يرفع رءوسهم، وهم يقولون: لا. اصطدم بالبحر، الجيش وراءه والموت، والبحر أمامه والموت، إلى أين؟ إلى الله، التفت ودعا، والله قريب: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186].
بنو إسرائيل الخونة الجبناء ولولوا وخافوا وارتعدوا، والكتائب حوله انهارت، يا موسى!: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61] ولكن موسى يتبسم، كما يتبسم محمد في الغار قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ الشعراء:62]
فيقال له كما ذكر بعض أهل السير: أين يهديك وفرعون خلفك والبحر أمامك؟! هذه ورطة لا حل لها، هذا مضيقٌ لا مخرج منه في عرف البشر، قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62] ويتلقى المكالمة في الحال من الله، لا تتأخر عنه؛ لأنه كان كليماً: اضرب البحر بعصاك، فضرب باسم الله البحر فانفلق يبساً فمشى بنو إسرائيل، وأتى فرعون يريد أن يجرب آخر جولة له في عالم الضياع، وهي مصارع الطغاة، والطغاة لهم مصارع، إما أن تلعنهم القلوب وهم يسيرون على الأرض وهذا مصرع، وإما أن يشدخون كما شدخ هذا وهذا مصرع، وإما أن يدخر الله لهم ناراً تلظى، وهذا مصرع.
إهلاك فرعون ونجاة موسى
وصل فرعون ونجا موسى، وقال الله للبحر: اجتمع فاجتمع، وكان الضحية المجرم، دخل الطين في فمه، فلما أصبح في وقتٍ ضائع قال: قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَن
ُو إ
ِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] فيقول الله: آلْآنَ [يونس:91] في هذه اللحظة أيها المجرم الخسيس بعد أن فعلت من الأفاعيل ما تشيب له الرءوس؟!
والشاهد أن الرسول عليه الصلاة والسلام يشارك أخاه في فرحة الفلاح والانتصار، ويشارك زميله في هذا اليوم الأغر، يوم عاشوراء، ولذلك تضامن معه، وتكاتف هو وإياه، فقد وجد بني إسرائيل وهم اليهود الخونة الجبناء في خيبر والمدينة يصومون عاشوراء، قال: {ما هذا اليوم، قالوا: يومٌ نجا الله فيه موسى قال: نحن أولى بموسى منكم}
موسى كليم ربنا، وحبيبنا، نحن حملة منهج موسى، ليس أنتم يا خونة العالم! ويا حثالة التاريخ! ويا أبناء القردة والخنازير! فصامه وقال عليه الصلاة والسلام عن هذا اليوم كما في صحيح مسلم: {إني أرجو من الله أن يكفر به السنة الماضية}.
ومن السنة أن تصوم يوماً قبله، أو يوماً بعده -اليوم التاسع والعاشر، أو اليوم العاشر والحادي عشر من هذا الشهر- يقول عليه الصلاة والسلام: {لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع} فشكر الله لموسى دعوته ومنهجه وبذله وتضحيته، وشكر الله لمحمدٍ عليه الصلاة والسلام بذله وشجاعته وتضحيته من أجل هذه الأمة، وشكر الله لكل من سار على منهجه عليه الصلاة والسلام، وضحى من أجل مبادئه، وبذل من أجل دعوته، وساهم في رفع رسالته.
أسأل الله أن يجمعنا بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام وبإبراهيم وموسى وعيسى وبالأخيار الطيبين، وبالشهداء الصالحين، وبالأبرار الصديقين، وبالشجعان الباذلين في مقعد صدقٍ عند رب العالمين.
أيها الناس.. !
صلوا على الداعية المطارد والمهاجر الأول والرسول الأعظم، والهمام الإمام عليه أفضل الصلاة والسلام، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ترقرق الغمام، وما جنح الظلام، وما أُفشي السلام، وما كان في قلوبنا، وفي أذهاننا إمام، صلى الله عليه وسلم ما فاحت الأزهار، وما تمايلت الأشجار، وما تدفقت الأنهار، وما كور النهار على الليل، والليل على النهار، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما تألقت عينٌ لنظر، وما تحرقت أذنٌ لخبر، وما هتف وُرقٌ على الشجر، وعلى آله وصحبه.
اللهم انصر دينك ومنهجك، اللهم اجعله عاماً مباركاً، وعاماً ينتصر فيه الدين، وترتفع فيه إياك نعبد وإياك نستعين، وعاماً يخسأ فيه الفجرة والمنافقون، وعاماً يغلب فيه المناوئون الظالمون، وعاماً يكون عائداً علينا بالحسنات والمكرمات، ورفعة الدرجات عند رب الأرض والسماوات.
الله انصر الأمة وحقق لها أمانيها، وثبت أقدامها، وأيد شبابها، واحم حوزتها، وارفع رايتها، وأقم شامتها، واحم شريعتها، وأيد كلمتها.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
ِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] فيقول الله: آلْآنَ [يونس:91] في هذه اللحظة أيها المجرم الخسيس بعد أن فعلت من الأفاعيل ما تشيب له الرءوس؟!
والشاهد أن الرسول عليه الصلاة والسلام يشارك أخاه في فرحة الفلاح والانتصار، ويشارك زميله في هذا اليوم الأغر، يوم عاشوراء، ولذلك تضامن معه، وتكاتف هو وإياه، فقد وجد بني إسرائيل وهم اليهود الخونة الجبناء في خيبر والمدينة يصومون عاشوراء، قال: {ما هذا اليوم، قالوا: يومٌ نجا الله فيه موسى قال: نحن أولى بموسى منكم}
موسى كليم ربنا، وحبيبنا، نحن حملة منهج موسى، ليس أنتم يا خونة العالم! ويا حثالة التاريخ! ويا أبناء القردة والخنازير! فصامه وقال عليه الصلاة والسلام عن هذا اليوم كما في صحيح مسلم: {إني أرجو من الله أن يكفر به السنة الماضية}.
ومن السنة أن تصوم يوماً قبله، أو يوماً بعده -اليوم التاسع والعاشر، أو اليوم العاشر والحادي عشر من هذا الشهر- يقول عليه الصلاة والسلام: {لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع} فشكر الله لموسى دعوته ومنهجه وبذله وتضحيته، وشكر الله لمحمدٍ عليه الصلاة والسلام بذله وشجاعته وتضحيته من أجل هذه الأمة، وشكر الله لكل من سار على منهجه عليه الصلاة والسلام، وضحى من أجل مبادئه، وبذل من أجل دعوته، وساهم في رفع رسالته.
أسأل الله أن يجمعنا بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام وبإبراهيم وموسى وعيسى وبالأخيار الطيبين، وبالشهداء الصالحين، وبالأبرار الصديقين، وبالشجعان الباذلين في مقعد صدقٍ عند رب العالمين.
أيها الناس.. !
صلوا على الداعية المطارد والمهاجر الأول والرسول الأعظم، والهمام الإمام عليه أفضل الصلاة والسلام، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ترقرق الغمام، وما جنح الظلام، وما أُفشي السلام، وما كان في قلوبنا، وفي أذهاننا إمام، صلى الله عليه وسلم ما فاحت الأزهار، وما تمايلت الأشجار، وما تدفقت الأنهار، وما كور النهار على الليل، والليل على النهار، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما تألقت عينٌ لنظر، وما تحرقت أذنٌ لخبر، وما هتف وُرقٌ على الشجر، وعلى آله وصحبه.
اللهم انصر دينك ومنهجك، اللهم اجعله عاماً مباركاً، وعاماً ينتصر فيه الدين، وترتفع فيه إياك نعبد وإياك نستعين، وعاماً يخسأ فيه الفجرة والمنافقون، وعاماً يغلب فيه المناوئون الظالمون، وعاماً يكون عائداً علينا بالحسنات والمكرمات، ورفعة الدرجات عند رب الأرض والسماوات.
الله انصر الأمة وحقق لها أمانيها، وثبت أقدامها، وأيد شبابها، واحم حوزتها، وارفع رايتها، وأقم شامتها، واحم شريعتها، وأيد كلمتها.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
🎤
خطبة.جيدة.بعنوان.cc
سلسلة خطب عن الهجرة (1)
الهجرة عظمة ومعنى حركة وتأريخ
للشيـــخ/ مــــحــــمــــــــد الــجــــــــرافـــي
2 محرم 1439هـ -- 22 سبتمبر 2017 م
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله الواحد القهار، {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}، وأشهد أن لا إله إلا الله عالم الخفايا والأسرار، والمطلع على مكنون الضمائر والأفكار، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خير الأبرار، باتباعه ينال المسلم المقاصد والأوطار، ويحاسب نفسه على الأخطاء ويتجنب الأخطار، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأطهار، وعلى التابعين لهم بإحسان ما اختلف الليل والنهار.
أمـا بعــد - أيـها الإخوة المؤمنون
أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
اللهم اجعلنا من الذين يعلَمون فيقولون، ويقولون فيعمَلون، ويعمَلون فيُتقنون، ويُتقنون فيُخلصون، ويُخلصون فيُقبَلون.
عـــباد اللـــه :
تعيش الأمَّة الإسلاميَّة هذه الأيام إشراقةَ سنةٍ هجريَّة جديدة وإطلالةَ عامٍ مباركٍ بإذن الله بعد أن أَفَلَت شمسُ عامٍ كامل مضى بأفراحه وأتراحه
عـــباد اللـــه :
حديث المناسبة في مطلع كلِّ عامٍ هجريٍّ: ما سطَّره تاريخنا الإسلاميّ المجيد من أحداثَ عظيمة ووقائعَ جسيمة وهجرة كريمة لها مكانتها الإسلاميَّة ولها آثارها البليغة في عزِّ هذه الأمَّة وقوَّتها وصلاح شريعتها لكلِّ زمانٍ ومكان وسعيها في تحقيق مصالح العباد في أمور المعاش والمعاد.
ما أجمل أن نشير إشارات عابرة لعدد من القضايا المهمَّة الجديرة بالإشادة والتَّذكير ونحن في بداية هذا العام الجديد علَّها تكون سببًا في شَحْذ الهِمَم واستنهاض العزمات للتمسُّك الجادِّ بكتاب الله وسنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحاملةً على الاتِّعاظ والاعتبار
إنَّ في هذا الحدث العظيم من الآيات البيِّنات والآثار النيِّرات والدروس والعِبَر البالغات ما لو استلهمته أمَّة الإسلام اليوم وعملت على ضوئه وهي تعيش على مفترق الطُّرُق؛ لتحقَّق لها عزُّها وقوَّتها ومكانتها وهيبتها ولعلمت علم اليقين أنَّه لا حلَّ لمشكلاتها ولا صلاح لأحوالها إلاَّ بالتمسُّك بإسلامها والتزامها بعقيدتها وإيمانها فوَالذي بعث محمَّدًا بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا ما قامت الدُّنيا إلا بقيام الدِّين ولا نال المسلمون العزَّة والكرامة والنَّصر والتَّمكين إلاَّ لما خضعوا لربِّ العالمين وهيهات أن يحلَّ أمنٌ ورخاءٌ وسلامٌ إلاَّ باتِّباع نهج الأنبياء والمرسلين.
عـــباد اللـــه :
وقد تُثار في النفس تساؤلات واندهاشات عدة عن أحداث السيرة بتفاصيلها النوعية فما المعنى في أن يترك العبد دياره وأرضه التي نشأ بين جنباتها والتي بين كل ذرة من ذرات ترابها ذكرى من أيامه السالفة عَذْبَةٍ أو مُرَّة لا يهم المهم أنها ذكرى محفورة في ضميره يستحضرها كلما هبت نسائم ذلك البلد أو اشتم عبق القادمين من جهته!!
وما المعنى في أن يهجر الإنسان أهله وماله وعشيرته لينزل أرضًا جديدة لا يعرفها بلا مال ولا مأوى ولا عشيرة؟!
بل وما المعنى في أن يدع أبناءه وزوجته ووالديه وأهله بين ظهراني أعدائه ليفر بنفسه إلى أرض قد لا يلقى فيها قبولاً ولا ترحيبًا؟!
إنه لا معنى لكل ذلك سوى الإسلام!! دين الله تعالى الذي يهون بجانبه كل غال وعزيز فمهما عزَّت الأوطان والديار فالإسلام أعزّ ومهما تعلقت القلوب بالأبناء والزوجات فإن تعلقها بالإسلام أشد ومهما قويت الأموال والعشيرة فالإسلام أقوى وأمنع.
لقد أدرك مسلمو الجيل الفريد أن حياتهم في الإسلام هي الحياة الحقيقية وأن قوتهم في الإسلام لا فيما سواه وأن اطمئنان قلوبهم وراحة أفئدتهم في الإسلام لا فيما سواه وأن عزهم وشرفهم في الإسلام لا فيما سواه وأن وجودهم رهن بوجود الإسلام وأنه لا الأولاد ولا الأموال ولا الأوطان ولا التراب أولى بتضحية الإنسان بنفسه من الإسلام لذا كان غاية ما يتمنون أن تُجدع أنوفهم وتُبقر بطونهم وتتخطفهم الطير أو تهوي بهم الريح في مكان سحيق وتأكل أشلاءهم السباع في سبيل الإسلام كانت غاية آمالهم أن يكونوا جسرًا يعبر عليه الناس إلى دين الله أفواجًا لذا لم يتمكن منهم عدوهم تاريخَهم كله بل كان أعداؤهم أشد خوفًا منهم على ضآلة أجسامهم وضعف قوتهم وقلة حيلتهم ونقص عتادهم فكانوا يواجهون الموت بقلوب جسورة يواجهونه ولا يخشونه بل كان أحدهم يسعى إليه سعيًا
أيها الإخوة: إن التاريخ السنوي لم يكن معمولاً به في أول الإسلام حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ففي السنة الثالثة أو الرابعة من خلافته رضي الله عنه كتب إليه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يقول له: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ فجمع عمر الصحابة رضي الله عنهم فاستشارهم فيقال: إن بعضهم قال: أرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكها كلما هلك ملِك أرخوا بولاية من بعده فكره الصحابة ذلك فقال بعضهم: أرخوا بتاريخ الروم فكرهوا ذلك أيضاً فقال بعضهم: أرخوا من مولد النبي صلى ا
خطبة.جيدة.بعنوان.cc
سلسلة خطب عن الهجرة (1)
الهجرة عظمة ومعنى حركة وتأريخ
للشيـــخ/ مــــحــــمــــــــد الــجــــــــرافـــي
2 محرم 1439هـ -- 22 سبتمبر 2017 م
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله الواحد القهار، {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}، وأشهد أن لا إله إلا الله عالم الخفايا والأسرار، والمطلع على مكنون الضمائر والأفكار، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله خير الأبرار، باتباعه ينال المسلم المقاصد والأوطار، ويحاسب نفسه على الأخطاء ويتجنب الأخطار، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأطهار، وعلى التابعين لهم بإحسان ما اختلف الليل والنهار.
أمـا بعــد - أيـها الإخوة المؤمنون
أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
اللهم اجعلنا من الذين يعلَمون فيقولون، ويقولون فيعمَلون، ويعمَلون فيُتقنون، ويُتقنون فيُخلصون، ويُخلصون فيُقبَلون.
عـــباد اللـــه :
تعيش الأمَّة الإسلاميَّة هذه الأيام إشراقةَ سنةٍ هجريَّة جديدة وإطلالةَ عامٍ مباركٍ بإذن الله بعد أن أَفَلَت شمسُ عامٍ كامل مضى بأفراحه وأتراحه
عـــباد اللـــه :
حديث المناسبة في مطلع كلِّ عامٍ هجريٍّ: ما سطَّره تاريخنا الإسلاميّ المجيد من أحداثَ عظيمة ووقائعَ جسيمة وهجرة كريمة لها مكانتها الإسلاميَّة ولها آثارها البليغة في عزِّ هذه الأمَّة وقوَّتها وصلاح شريعتها لكلِّ زمانٍ ومكان وسعيها في تحقيق مصالح العباد في أمور المعاش والمعاد.
ما أجمل أن نشير إشارات عابرة لعدد من القضايا المهمَّة الجديرة بالإشادة والتَّذكير ونحن في بداية هذا العام الجديد علَّها تكون سببًا في شَحْذ الهِمَم واستنهاض العزمات للتمسُّك الجادِّ بكتاب الله وسنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحاملةً على الاتِّعاظ والاعتبار
إنَّ في هذا الحدث العظيم من الآيات البيِّنات والآثار النيِّرات والدروس والعِبَر البالغات ما لو استلهمته أمَّة الإسلام اليوم وعملت على ضوئه وهي تعيش على مفترق الطُّرُق؛ لتحقَّق لها عزُّها وقوَّتها ومكانتها وهيبتها ولعلمت علم اليقين أنَّه لا حلَّ لمشكلاتها ولا صلاح لأحوالها إلاَّ بالتمسُّك بإسلامها والتزامها بعقيدتها وإيمانها فوَالذي بعث محمَّدًا بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا ما قامت الدُّنيا إلا بقيام الدِّين ولا نال المسلمون العزَّة والكرامة والنَّصر والتَّمكين إلاَّ لما خضعوا لربِّ العالمين وهيهات أن يحلَّ أمنٌ ورخاءٌ وسلامٌ إلاَّ باتِّباع نهج الأنبياء والمرسلين.
عـــباد اللـــه :
وقد تُثار في النفس تساؤلات واندهاشات عدة عن أحداث السيرة بتفاصيلها النوعية فما المعنى في أن يترك العبد دياره وأرضه التي نشأ بين جنباتها والتي بين كل ذرة من ذرات ترابها ذكرى من أيامه السالفة عَذْبَةٍ أو مُرَّة لا يهم المهم أنها ذكرى محفورة في ضميره يستحضرها كلما هبت نسائم ذلك البلد أو اشتم عبق القادمين من جهته!!
وما المعنى في أن يهجر الإنسان أهله وماله وعشيرته لينزل أرضًا جديدة لا يعرفها بلا مال ولا مأوى ولا عشيرة؟!
بل وما المعنى في أن يدع أبناءه وزوجته ووالديه وأهله بين ظهراني أعدائه ليفر بنفسه إلى أرض قد لا يلقى فيها قبولاً ولا ترحيبًا؟!
إنه لا معنى لكل ذلك سوى الإسلام!! دين الله تعالى الذي يهون بجانبه كل غال وعزيز فمهما عزَّت الأوطان والديار فالإسلام أعزّ ومهما تعلقت القلوب بالأبناء والزوجات فإن تعلقها بالإسلام أشد ومهما قويت الأموال والعشيرة فالإسلام أقوى وأمنع.
لقد أدرك مسلمو الجيل الفريد أن حياتهم في الإسلام هي الحياة الحقيقية وأن قوتهم في الإسلام لا فيما سواه وأن اطمئنان قلوبهم وراحة أفئدتهم في الإسلام لا فيما سواه وأن عزهم وشرفهم في الإسلام لا فيما سواه وأن وجودهم رهن بوجود الإسلام وأنه لا الأولاد ولا الأموال ولا الأوطان ولا التراب أولى بتضحية الإنسان بنفسه من الإسلام لذا كان غاية ما يتمنون أن تُجدع أنوفهم وتُبقر بطونهم وتتخطفهم الطير أو تهوي بهم الريح في مكان سحيق وتأكل أشلاءهم السباع في سبيل الإسلام كانت غاية آمالهم أن يكونوا جسرًا يعبر عليه الناس إلى دين الله أفواجًا لذا لم يتمكن منهم عدوهم تاريخَهم كله بل كان أعداؤهم أشد خوفًا منهم على ضآلة أجسامهم وضعف قوتهم وقلة حيلتهم ونقص عتادهم فكانوا يواجهون الموت بقلوب جسورة يواجهونه ولا يخشونه بل كان أحدهم يسعى إليه سعيًا
أيها الإخوة: إن التاريخ السنوي لم يكن معمولاً به في أول الإسلام حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ففي السنة الثالثة أو الرابعة من خلافته رضي الله عنه كتب إليه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يقول له: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ فجمع عمر الصحابة رضي الله عنهم فاستشارهم فيقال: إن بعضهم قال: أرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكها كلما هلك ملِك أرخوا بولاية من بعده فكره الصحابة ذلك فقال بعضهم: أرخوا بتاريخ الروم فكرهوا ذلك أيضاً فقال بعضهم: أرخوا من مولد النبي صلى ا
لله عليه وسلم وقال آخرون من مبعثه وقال آخرون: من مهاجره. فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها فأرخوا من الهجرة واتفقوا على ذلك.
ثم تشاوروا من أي شهر يكون ابتداءً السنة؟ فقال بعضهم: من رمضان لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن وقال بعضهم: من ربيع الأول لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً واختار عمر وعثمان وعلي أن يكون من المحرم لأنه شهر حرام يلي ذي الحجة الذي يؤدي فيه المسلمون حجهم الذي به تمام أركان الإسلام والذي كانت فيه بيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم والعزيمة على الهجرة فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من الشهر الحرام.
وحصل إجماعٌ من الصَّحابة الكرام على ذلك. ووجب على المسلمين الإذعانُ لهذا الأمر لقوله صلى الله عليه وسلم ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)) رواه أحمد وأبو داود وغيرهما
فصارت حادثة الهجرة النبويَّة منطلَقًا للتَّاريخ العربيِّ الهجريِّ فالهِجْرَةُ حَدَثٌ؛ لَكِنَّهُ سَيِّدُ الأَحْدَاث فالهجرة حَدَث تاريخي عظيم؛
♦ إذا كانت عظمة الأحداث تُقاس بعظمة ما جرى فيها فليس أثبت عظمة لحدثٍ ما من حادث الهجرة؛ فلقد كان عظيمًا ما حَدَثَ فيه مِن تضحيَّات وبذْلٍ وحفظ كرامة ومكانة.
♦ وإذا كانتْ عظمة الأحداث بعظمة الأماكن فليس هناك أحب إلى قلب المؤمن ولا أشرف من مكة والمدينة أو عظمة الزمان فليس أشرف من بداية العام الهجري فهي بداية الفتح والبُشْرَيات.
♦ وإذا كانتْ عظمة الأحداث تُقَاس بعظمة القائمين بها فهذا حَدَثٌ شهِد تحرُّكات أعظم إنسان وأشرف مخلوق مع أنَّ هناك أناسًا هاجروا؛ لكن هجرتهم هجرة أفراد وهجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - هجرة أمَّة.
حدث الهجرة:
♦ حَدَثٌ به تحطَّمَتِ القيود وبه نال حقوقَهم كلُّ العبيد.
♦ حدث به اقْتُلع حبُّ الدنيا منَ القلوب ونال المؤمنون حب علاَّم الغيوب.
♦ حدث به تأسَّست دولة التوحيد في مقابل دولة الشرك والجحود.
♦حدث به عزَّت نفوس المسلمين وتحقَّقتْ به كرامة المؤمنين.
♦حدث به عظمتِ الأفكار فأقيمتْ دولة ولها فكرة وجيش يَحْمي ودعوة سائرة.
♦حدث به أُرْهِبَ الكفَّار وعزَّ المهاجرون والأنصار.
♦ إنه حدث خَطَّ بِجُذوره أعماق التاريخ طولاً وعرضًا قديمًا وحديثًا.
*فالهجرة حدث جلل ونقطة تحول هامة في تاريخ الإنسانية عامة بها تحول الإسلام من مضطهد في مكة إلى حاكم في المدينة بها أسس الرسول صلى الله عليه وسلم أول دولة في الإسلام؛ فهي الهجرة التي تحمل في طياتها معاني الشجاعة والتضحية والفداء ومعاني النصر والصبر والإباء ومعاني التوكل والقوة والإخاء ومعاني الاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الأعداء وهي مدرسة تربوية عظيمة أستاذها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وحارسها العام جبريل عليه السلام ومديرها ومدبرها الله سبحانه وتعالى وتلامذتها أمة الإسلام .
قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفره إنه هو الغفور الرحيم
الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لاإله إلا هو وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد أيها الناس: والهجرة أنواع
فنبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - قد هاجَرَ من مكان لمكان من أجل دعوة ربِّه ورسالته التي حملها فما علينا إلا أن نهاجرَ على الأقل بأعضائنا ونوايانا؛ يقول ابن القيم - رحمه الله -: "والهجرة فرض عين متعيِّنة على كل مسلم كما هاجر رسول الله والهجرة نوعان: هجرة بالجسد من بلد إلى بلد وتلك هى التي فعلها رسول الله وهجرة القلب إلى الله وهذه فريضة عامة لا يُعذر منها مسلم". إنها هجرة النُّفوس قبل البيوت إنها هِجرة القلوب قبل القصورهجرة للأعضاء؛ ليكون للذكرى أثر في الحياة والتغيير إلى الأفضل:
- فتهجر أعينُنا النظر إلى الحرام وتتخلق بخُلُق النبي الكريم العفيف والذي كان يغضُّ بصره دومًا وأبدًا عنِ الحرام.
- وتهجر أسماعُنا الإنصات إلى الحرام أو التلذُّذ بكلمات خبيثة نابية فلا تستمع إلاَّ إلى الحلال الطيب وهكذا كل أعضائنا تجتهد أن تهاجر إلى الله ربها.
قال - تعالى -: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5] وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه))؛ متفق عليه.
*وهجرة العصاة ومجانبة مخالطتهم: قال الله - تعالى -: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10] وهو الذي لا عتاب فيه.
*وهجرة للنوايا والقلوب والإخلاص في التوجه إليه في السر والعلانية بأن ينوي الإنسان أنه مهاجر إلى الله من الذنوب إلى التوبة حتى إذا أدركته المنيَّة فليقع أجره على الله.
عـــباد اللـــه :
إذاً فالمطلوبُ مِن كلٍّ منَّا أن يهاجر كيف؟! يهاجِر مِنَ المعصية إلى الطاعَة مِن الفردية الأنانية إلى الجَماعة مِن الكسل إلى ا
ثم تشاوروا من أي شهر يكون ابتداءً السنة؟ فقال بعضهم: من رمضان لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن وقال بعضهم: من ربيع الأول لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً واختار عمر وعثمان وعلي أن يكون من المحرم لأنه شهر حرام يلي ذي الحجة الذي يؤدي فيه المسلمون حجهم الذي به تمام أركان الإسلام والذي كانت فيه بيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم والعزيمة على الهجرة فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من الشهر الحرام.
وحصل إجماعٌ من الصَّحابة الكرام على ذلك. ووجب على المسلمين الإذعانُ لهذا الأمر لقوله صلى الله عليه وسلم ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)) رواه أحمد وأبو داود وغيرهما
فصارت حادثة الهجرة النبويَّة منطلَقًا للتَّاريخ العربيِّ الهجريِّ فالهِجْرَةُ حَدَثٌ؛ لَكِنَّهُ سَيِّدُ الأَحْدَاث فالهجرة حَدَث تاريخي عظيم؛
♦ إذا كانت عظمة الأحداث تُقاس بعظمة ما جرى فيها فليس أثبت عظمة لحدثٍ ما من حادث الهجرة؛ فلقد كان عظيمًا ما حَدَثَ فيه مِن تضحيَّات وبذْلٍ وحفظ كرامة ومكانة.
♦ وإذا كانتْ عظمة الأحداث بعظمة الأماكن فليس هناك أحب إلى قلب المؤمن ولا أشرف من مكة والمدينة أو عظمة الزمان فليس أشرف من بداية العام الهجري فهي بداية الفتح والبُشْرَيات.
♦ وإذا كانتْ عظمة الأحداث تُقَاس بعظمة القائمين بها فهذا حَدَثٌ شهِد تحرُّكات أعظم إنسان وأشرف مخلوق مع أنَّ هناك أناسًا هاجروا؛ لكن هجرتهم هجرة أفراد وهجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - هجرة أمَّة.
حدث الهجرة:
♦ حَدَثٌ به تحطَّمَتِ القيود وبه نال حقوقَهم كلُّ العبيد.
♦ حدث به اقْتُلع حبُّ الدنيا منَ القلوب ونال المؤمنون حب علاَّم الغيوب.
♦ حدث به تأسَّست دولة التوحيد في مقابل دولة الشرك والجحود.
♦حدث به عزَّت نفوس المسلمين وتحقَّقتْ به كرامة المؤمنين.
♦حدث به عظمتِ الأفكار فأقيمتْ دولة ولها فكرة وجيش يَحْمي ودعوة سائرة.
♦حدث به أُرْهِبَ الكفَّار وعزَّ المهاجرون والأنصار.
♦ إنه حدث خَطَّ بِجُذوره أعماق التاريخ طولاً وعرضًا قديمًا وحديثًا.
*فالهجرة حدث جلل ونقطة تحول هامة في تاريخ الإنسانية عامة بها تحول الإسلام من مضطهد في مكة إلى حاكم في المدينة بها أسس الرسول صلى الله عليه وسلم أول دولة في الإسلام؛ فهي الهجرة التي تحمل في طياتها معاني الشجاعة والتضحية والفداء ومعاني النصر والصبر والإباء ومعاني التوكل والقوة والإخاء ومعاني الاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الأعداء وهي مدرسة تربوية عظيمة أستاذها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وحارسها العام جبريل عليه السلام ومديرها ومدبرها الله سبحانه وتعالى وتلامذتها أمة الإسلام .
قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفره إنه هو الغفور الرحيم
الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لاإله إلا هو وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد أيها الناس: والهجرة أنواع
فنبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - قد هاجَرَ من مكان لمكان من أجل دعوة ربِّه ورسالته التي حملها فما علينا إلا أن نهاجرَ على الأقل بأعضائنا ونوايانا؛ يقول ابن القيم - رحمه الله -: "والهجرة فرض عين متعيِّنة على كل مسلم كما هاجر رسول الله والهجرة نوعان: هجرة بالجسد من بلد إلى بلد وتلك هى التي فعلها رسول الله وهجرة القلب إلى الله وهذه فريضة عامة لا يُعذر منها مسلم". إنها هجرة النُّفوس قبل البيوت إنها هِجرة القلوب قبل القصورهجرة للأعضاء؛ ليكون للذكرى أثر في الحياة والتغيير إلى الأفضل:
- فتهجر أعينُنا النظر إلى الحرام وتتخلق بخُلُق النبي الكريم العفيف والذي كان يغضُّ بصره دومًا وأبدًا عنِ الحرام.
- وتهجر أسماعُنا الإنصات إلى الحرام أو التلذُّذ بكلمات خبيثة نابية فلا تستمع إلاَّ إلى الحلال الطيب وهكذا كل أعضائنا تجتهد أن تهاجر إلى الله ربها.
قال - تعالى -: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5] وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه))؛ متفق عليه.
*وهجرة العصاة ومجانبة مخالطتهم: قال الله - تعالى -: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10] وهو الذي لا عتاب فيه.
*وهجرة للنوايا والقلوب والإخلاص في التوجه إليه في السر والعلانية بأن ينوي الإنسان أنه مهاجر إلى الله من الذنوب إلى التوبة حتى إذا أدركته المنيَّة فليقع أجره على الله.
عـــباد اللـــه :
إذاً فالمطلوبُ مِن كلٍّ منَّا أن يهاجر كيف؟! يهاجِر مِنَ المعصية إلى الطاعَة مِن الفردية الأنانية إلى الجَماعة مِن الكسل إلى ا
لع
مل مِن القنوط إلى الأمَل مِن الضَّعْف إلى القوَّة ومِن التسفُّل إلى القِمة مِن الذلَّة إلى العِزَّة من الحِصار إلى الانتشار ومِن الانكسارِ إلى الانتِصار مِن الانكفاءِ على الذات إلى الاهتمامِ بشأن المسلمين مِن التعصُّب للرأي إلى النزولِ علَى الشورى مِن مصلحة الفرْد إلى مصلحةِ المَجْموع مِن حياةِ الهوان والحِرْمان إلى حياةِ الإيمان والإحسان.
وهكذا نجِدُ أنَّ الهِجرةَ سلوكٌ واجب ومستمرٌّ علينا أن نباشِرَه ونمارسَه على كلِّ المستويات وفي جميعِ الأوقات وأخلاقٌ عالية وقِيَم رفيعة يجب أن نَحْياها ونعيشها على طولِ الطريق رغمَ وعْثائه وأشواكه.
وهذا غيْضٌ مِن فيْض مِن معاني الهِجْرة
* عبد الله انطِلاقًا من الهجرة سطّر صَفحاتك دوِّن كتابك: فالهجرة تُذكِّرنا عامًا جديدًا كتاب تعداد صفحاته يُقارِب هذا عدد أيام السنة الهجرية : 354يومًا كيف تبدؤه؟ كيف تقدِّم له؟ ماذا تكتُب فيه؟ صلاة فجر قيام ليل قراءة قرآن طاعة والِدَيْن حُسن جُوار أمرٌ بمعروف نهيٌ عن مُنكَر إحقاق حق إبطال باطل طاعة وانقِياد سطِّر اكتُب اعمَل!
*الهجرة حركة تعلمنا ان نتحرك ولا نكسل :
عبد الله أنت إذا احتَجتَ للطَّعام تَسعَى لكسب الحلال (حركة) إذا احتَجتَ للمرأة تسعى إلى الزواج (حركة) إذا احتَجتَ إلى إثبات الذات تَسعَى للجد والاجتهاد من أجل التفوُّق (حركة) فلماذا لا تتحرَّك من أجل دينك إسلامك ربك عقيدتك؟! لا تَظلِم نفسك بالقعود بالجلوس بالركون بالسكون وإلاَّ كنت من أهل هذه الآية؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 97].
لا تَبقَى مع العصاة والمقصرين المذنبين أو المُنافِقين أو الكذَّابين اهجُرهُم إنها الهجرة بمعناها الواسع ولا تَبقَى مع أرباب الذُّنوب والآثام لا تستمرَّ في كهف المعاصي بل انتَقِل فورًا إلى كهف الطاعات تُدرِكك من الله بركات ورحمات؛ ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ﴾ [الكهف: 16].
هذا وصلوا وسلموا على النبي المصطفى والحبيب المرتضى كما أمركم بذلك المولى جلَّ وعَلا فقال تعالى قولاً كريماً : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين وأفضل الأنبياء والمرسلين نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله الأطهار وصحابته الأبرار والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين واخذل الطغاة والمفسدين وسائر أعداء الدين
اللهم من حضر هذه الجمعة فاغفر له ولوالديه وافتح لسماع الموعظة قلبه وأذنيه
اللهم احفظ بلادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن
اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظ بلادنا واقض ديوننا واشف أمراضنا وعافنا واعف عنا وأكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤاثر علينا وارحم موتانا واغفر لنا ولوالدينا وأصلح أحوالنا وأحسن ختامنا يارب العالمين
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله اكبر واقم الصلاة
مل مِن القنوط إلى الأمَل مِن الضَّعْف إلى القوَّة ومِن التسفُّل إلى القِمة مِن الذلَّة إلى العِزَّة من الحِصار إلى الانتشار ومِن الانكسارِ إلى الانتِصار مِن الانكفاءِ على الذات إلى الاهتمامِ بشأن المسلمين مِن التعصُّب للرأي إلى النزولِ علَى الشورى مِن مصلحة الفرْد إلى مصلحةِ المَجْموع مِن حياةِ الهوان والحِرْمان إلى حياةِ الإيمان والإحسان.
وهكذا نجِدُ أنَّ الهِجرةَ سلوكٌ واجب ومستمرٌّ علينا أن نباشِرَه ونمارسَه على كلِّ المستويات وفي جميعِ الأوقات وأخلاقٌ عالية وقِيَم رفيعة يجب أن نَحْياها ونعيشها على طولِ الطريق رغمَ وعْثائه وأشواكه.
وهذا غيْضٌ مِن فيْض مِن معاني الهِجْرة
* عبد الله انطِلاقًا من الهجرة سطّر صَفحاتك دوِّن كتابك: فالهجرة تُذكِّرنا عامًا جديدًا كتاب تعداد صفحاته يُقارِب هذا عدد أيام السنة الهجرية : 354يومًا كيف تبدؤه؟ كيف تقدِّم له؟ ماذا تكتُب فيه؟ صلاة فجر قيام ليل قراءة قرآن طاعة والِدَيْن حُسن جُوار أمرٌ بمعروف نهيٌ عن مُنكَر إحقاق حق إبطال باطل طاعة وانقِياد سطِّر اكتُب اعمَل!
*الهجرة حركة تعلمنا ان نتحرك ولا نكسل :
عبد الله أنت إذا احتَجتَ للطَّعام تَسعَى لكسب الحلال (حركة) إذا احتَجتَ للمرأة تسعى إلى الزواج (حركة) إذا احتَجتَ إلى إثبات الذات تَسعَى للجد والاجتهاد من أجل التفوُّق (حركة) فلماذا لا تتحرَّك من أجل دينك إسلامك ربك عقيدتك؟! لا تَظلِم نفسك بالقعود بالجلوس بالركون بالسكون وإلاَّ كنت من أهل هذه الآية؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 97].
لا تَبقَى مع العصاة والمقصرين المذنبين أو المُنافِقين أو الكذَّابين اهجُرهُم إنها الهجرة بمعناها الواسع ولا تَبقَى مع أرباب الذُّنوب والآثام لا تستمرَّ في كهف المعاصي بل انتَقِل فورًا إلى كهف الطاعات تُدرِكك من الله بركات ورحمات؛ ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ﴾ [الكهف: 16].
هذا وصلوا وسلموا على النبي المصطفى والحبيب المرتضى كما أمركم بذلك المولى جلَّ وعَلا فقال تعالى قولاً كريماً : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين وأفضل الأنبياء والمرسلين نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله الأطهار وصحابته الأبرار والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين واخذل الطغاة والمفسدين وسائر أعداء الدين
اللهم من حضر هذه الجمعة فاغفر له ولوالديه وافتح لسماع الموعظة قلبه وأذنيه
اللهم احفظ بلادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن
اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظ بلادنا واقض ديوننا واشف أمراضنا وعافنا واعف عنا وأكرمنا ولا تهنا وآثرنا ولا تؤاثر علينا وارحم موتانا واغفر لنا ولوالدينا وأصلح أحوالنا وأحسن ختامنا يارب العالمين
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله اكبر واقم الصلاة
🎤
خطبــة.جمعــة.بعنــوان.cc
شهـــر اللــه المحــرم وعاشــوراء
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
الخطبـــة.الاولـــى.cc
إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وسلَّم، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمـــا بـــعــــــد :
عـــباد اللـــه - إنَّ من نعم الله على عباده أنِ اختصَّ بعضَ الأزمنة والأمكنة بمزيد عناية وفضل؛ ليزداد من اغتنمها ورعى حُرمتها إحسانًا، ويبوء من غَفَل عنها وأهملها خيبة ونقصانًا.
ألا وإنَّ من تلك الأزمنة الفاضلة التي أنعم الله بها على أمة محمد صلى الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - شهرَ الله الحرام.
شهر الله المحرم شهر عظيم من أشهر العام، وهو أحد الأشهر الحُرُم التي نهانا فيها مولانا أن نظلم فيهنَّ أنفسنا؛ لأنَّها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها.
قال ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله - تعالى -: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36]، اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهنَّ حرامًا، وعظَّم حرماتِهنَّ، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم.
عـــبادَ اللـــه:
لقد كان أهل الجاهلية يسمون شهر المحرم شهرَ الله الأصم؛ لشدة تحريمه.
عـــباد اللـــه:
ومن فضائل شهر الله المحرَّم أنَّه يستحب الإكثار فيه من صيام النَّافلة؛ ففي الحديث عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم))؛ رواه مسلم.
قال ابن رجب - رحمه الله -: "سمى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذا الشهر شهر الله المحرم، فاختصه بإضافته إلى الله، وإضافته إلى الله تدُلُّ على شرفه وفضله، ولما كان هذا الشهر مختصًا بإضافته إلى الله - تعالى - وكان الصيام من بين الأعمال مختصًا بإضافته إلى الله، ناسب أن يَختص هذا الشهر المضاف إلى الله بالعمل المضاف إلى الله المختص به وهو الصوم".
وقال أيضًا - رحمه الله تعالى -: "من صام من ذي الحجة، وصام من المحرم، خَتَم السنة بالطاعة، وافتتحها بالطاعة، فيُرجى أن تكتب له سنته كلها طاعة، فإنَّ من كان أول عمله طاعة، وآخره طاعة، فهو في حكم من استغرق بالطاعة ما بين العملين".
عـــباد اللـــه:
ومما اختصَّ اللهُ به شهرَ المحرم يومُه العاشر وهو عاشوراء، هذا اليوم الذي احتسب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على الله أن يكفِّر لمن صامه السنة التي قبله؛ عن أبي قتادة - رضي الله عنه - أنَّ رجلاً سأل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن صيام عاشوراء، فقال: ((أحتسب على الله أنْ يكفر السنة التي قبله))؛ رواه مسلم.
وقد صامه النبي - صلى الله عليه وسلَّم - تعظيمًا لهذا اليوم، وهو يومٌ مبارك معظم منذ القدم، فاليهود أتباع موسى - عليه السَّلام - كانوا يعظمونه ويصومونه ويتخذونه عيدًا؛ وذلك لأنه اليوم الذي نَجَّى الله فيه موسى - عليه السَّلام - من فرعون وقومه؛ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "قدم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم – المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح نَجَّى الله فيه بني إسرائيل من عدوِّهم، فصامه موسى"؛ أخرجه البخاري.
وكذلك النصارى كان لهم حظ من تعظيم هذا اليوم؛ بل قريش على وثنيَّتها وعبادتها الأصنام كانت تصوم يوم عاشوراء وتعظمه؛ تقول عائشة - رضي الله عنها -: "كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهليَّة، وكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يصومه في الجاهلية".
ونحن المسلمين أحقُّ بصيام هذا اليوم من أولئك، فهو يوم نَجَّى الله فيه موسى، فنحن أحق بموسى منهم، فنصومه تعظيمًا له؛ كما قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
عـــباد اللـــه:
صوم عاشوراء وإن لم يكن واجبًا باتِّفاق جمهور العلماء، فهو من المستحبات التي ينبغي الحرص عليها، وذلك لما يأتي:
وقوع هذا اليوم في شهر الله المحرم الذي يسن صيامه.
ولتحري رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صيامَ هذا اليوم؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "ما رأيت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتحرَّى صومَ يوم فضَّله على غيره إلاَّ هذا اليوم يوم عاشوراء"؛ أخرجه البخاري.
ولأن صيامه يكفر السنة الماضية؛ كما ورد في الحديث.
ولحرص الصحابة - رضوان الله عليهم - على صيام صبيانِهم ذلك اليوم؛ تعويدًا لهم على الفضل؛ فعن الربيع بنت معوذ قالت: "أرسل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: ((من أصبح مفطرًا، فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائمًا فليصم))، قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللُّعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطَّعام، أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار".
ولما ورد عن بعض السَّلف من صيام عاشوراء حتى وهُمْ في السَّفر؛ جاء ذلك عن ابن عباس وأبي إسحاق السبيعي والزهري وغيرهم - رضي
خطبــة.جمعــة.بعنــوان.cc
شهـــر اللــه المحــرم وعاشــوراء
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
الخطبـــة.الاولـــى.cc
إنَّ الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وسلَّم، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمـــا بـــعــــــد :
عـــباد اللـــه - إنَّ من نعم الله على عباده أنِ اختصَّ بعضَ الأزمنة والأمكنة بمزيد عناية وفضل؛ ليزداد من اغتنمها ورعى حُرمتها إحسانًا، ويبوء من غَفَل عنها وأهملها خيبة ونقصانًا.
ألا وإنَّ من تلك الأزمنة الفاضلة التي أنعم الله بها على أمة محمد صلى الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - شهرَ الله الحرام.
شهر الله المحرم شهر عظيم من أشهر العام، وهو أحد الأشهر الحُرُم التي نهانا فيها مولانا أن نظلم فيهنَّ أنفسنا؛ لأنَّها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها.
قال ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله - تعالى -: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36]، اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهنَّ حرامًا، وعظَّم حرماتِهنَّ، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم.
عـــبادَ اللـــه:
لقد كان أهل الجاهلية يسمون شهر المحرم شهرَ الله الأصم؛ لشدة تحريمه.
عـــباد اللـــه:
ومن فضائل شهر الله المحرَّم أنَّه يستحب الإكثار فيه من صيام النَّافلة؛ ففي الحديث عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم))؛ رواه مسلم.
قال ابن رجب - رحمه الله -: "سمى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - هذا الشهر شهر الله المحرم، فاختصه بإضافته إلى الله، وإضافته إلى الله تدُلُّ على شرفه وفضله، ولما كان هذا الشهر مختصًا بإضافته إلى الله - تعالى - وكان الصيام من بين الأعمال مختصًا بإضافته إلى الله، ناسب أن يَختص هذا الشهر المضاف إلى الله بالعمل المضاف إلى الله المختص به وهو الصوم".
وقال أيضًا - رحمه الله تعالى -: "من صام من ذي الحجة، وصام من المحرم، خَتَم السنة بالطاعة، وافتتحها بالطاعة، فيُرجى أن تكتب له سنته كلها طاعة، فإنَّ من كان أول عمله طاعة، وآخره طاعة، فهو في حكم من استغرق بالطاعة ما بين العملين".
عـــباد اللـــه:
ومما اختصَّ اللهُ به شهرَ المحرم يومُه العاشر وهو عاشوراء، هذا اليوم الذي احتسب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على الله أن يكفِّر لمن صامه السنة التي قبله؛ عن أبي قتادة - رضي الله عنه - أنَّ رجلاً سأل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن صيام عاشوراء، فقال: ((أحتسب على الله أنْ يكفر السنة التي قبله))؛ رواه مسلم.
وقد صامه النبي - صلى الله عليه وسلَّم - تعظيمًا لهذا اليوم، وهو يومٌ مبارك معظم منذ القدم، فاليهود أتباع موسى - عليه السَّلام - كانوا يعظمونه ويصومونه ويتخذونه عيدًا؛ وذلك لأنه اليوم الذي نَجَّى الله فيه موسى - عليه السَّلام - من فرعون وقومه؛ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "قدم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم – المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح نَجَّى الله فيه بني إسرائيل من عدوِّهم، فصامه موسى"؛ أخرجه البخاري.
وكذلك النصارى كان لهم حظ من تعظيم هذا اليوم؛ بل قريش على وثنيَّتها وعبادتها الأصنام كانت تصوم يوم عاشوراء وتعظمه؛ تقول عائشة - رضي الله عنها -: "كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهليَّة، وكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يصومه في الجاهلية".
ونحن المسلمين أحقُّ بصيام هذا اليوم من أولئك، فهو يوم نَجَّى الله فيه موسى، فنحن أحق بموسى منهم، فنصومه تعظيمًا له؛ كما قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
عـــباد اللـــه:
صوم عاشوراء وإن لم يكن واجبًا باتِّفاق جمهور العلماء، فهو من المستحبات التي ينبغي الحرص عليها، وذلك لما يأتي:
وقوع هذا اليوم في شهر الله المحرم الذي يسن صيامه.
ولتحري رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صيامَ هذا اليوم؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "ما رأيت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتحرَّى صومَ يوم فضَّله على غيره إلاَّ هذا اليوم يوم عاشوراء"؛ أخرجه البخاري.
ولأن صيامه يكفر السنة الماضية؛ كما ورد في الحديث.
ولحرص الصحابة - رضوان الله عليهم - على صيام صبيانِهم ذلك اليوم؛ تعويدًا لهم على الفضل؛ فعن الربيع بنت معوذ قالت: "أرسل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: ((من أصبح مفطرًا، فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائمًا فليصم))، قالت: فكنا نصومه بعد، ونصوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللُّعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطَّعام، أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار".
ولما ورد عن بعض السَّلف من صيام عاشوراء حتى وهُمْ في السَّفر؛ جاء ذلك عن ابن عباس وأبي إسحاق السبيعي والزهري وغيرهم - رضي
الله تعالى عنهم - وكان الزهري يقول: رمضان له عدة من أيَّام أخر، وعاشوراء يفوت، ونص أحمد على أنه يصام عاشوراء في السفر.
عـــباد اللـــه :
إن من فضل الله علينا أنْ وهبنا بصيام يوم واحد تكفيرَ ذنوب سنة كاملة، وهذه الذنوب التي يكفرها صيام يوم عاشوراء هي الذُّنوب الصَّغائر فقط، أما الكبائر فلا تكفرها إلا التوبة وقبولها، كما أشار إلى ذلك العلماء المحقِّقون كابن تيمية وغيره - رحمة الله على الجميع.
واستمعوا - عـــبادَ الله :
إلى الإمام ابن قيم الجوزية - رحمه الله - وهو يُحذر ممن يتصور أنَّ صيام عرفة وعاشوراء كافٍ في النَّجاة والمغفرة؛ حيث يقول - رحمه الله -: "لم يدرِ هذا المغتر أنَّ صوم رمضان والصَّلوات الخمس أعظمُ وأجلُّ من صيامِ يوم عرفة وعاشوراء، وهي إنَّما تكفر ما بينها إذا اجتنبت الكبائر، فرمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة لا يَقْوَيان على تكفير الصغائر إلا مع انضمام تركِ الكبائر إليها، فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصَّغائر.
ومن المغرورين مَن يظنُّ أن طاعته أكثر من معاصيه؛ لأنَّه لا يُحاسب نفسه على سيئاته ولا يتفقد ذنوبه، وإذا عمل طاعةً حفظها واعتبرها، كالذي يستغفر الله بلسانه أو يسبح الله في اليوم مائة مرة، ثم يغتاب المسلمين ويُمزِّق أعراضَهم، ويتكلم بما لا يرضاه الله طول نهاره، فهذا أبدًا يتأمل في فضائل التسبيحات والتهليلات، ولا يلتفت إلى ما ورد من عقوبة المغتابين والكذَّابين والنمامين إلى غير ذلك من آفات اللسان، وذلك من محض غرور"، انتهى كلامه - رحمه الله.
عـــباد اللـــه :
وأمَّا مراتب صيام عاشوراء، فقد ثَبَت أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - صام يوم عاشوراء، وثبت عنه أنَّه قال: ((لئن بقيت إلى قابل، لأصومَنَّ التاسع))، والحديثان في صحيح مسلم.
فصام - عليه الصلاة والسَّلام - اليومَ العاشر فعلاً، وهَمَّ بصيام التاسع، والهم هنا يأتي يحاكي الفعل، فهاتان مرتبتان ثابتتان في السنة: صيام التاسع والعاشر، ففي صيام العاشر إدراك للفضل، وفي صيام التاسع معه تحقيق آكد لمخالفة اليهود، وذهب بعضُ العلماء إلى أن مراتب صيام يوم عاشوراء ثلاث مراتب: صيام التاسع والعاشر، أو صيام العاشر والحادي عشر، أو صيام التاسع والعاشر والحادي عشر، وذهب فريق من العلماء إلى زيادة مرتبة رابعة، وهي صيام العاشر وحده.
وهنا أمر يكثُر السؤال عنه، وهو: ما العمل إذا اشتبه أوَّل الشهر؟ فلم يُدْرَ أيُّ يوم هو العاشر أم التاسع؟ فيقال ما ذكره الإمام أحمد - رحمه الله -: "فإنِ اشتبه عليه أول الشهر، صام ثلاثةَ أيام، وإنَّما يفعل ذلك؛ ليتيقن صوم التاسع والعاشر، فمن لم يعرفْ دخولَ هلال محرم، وأراد الاحتياط للعاشر، بنى على ذي الحجة ثلاثين كما هي القاعدة، ثم صام التاسع والعاشر".
بارك الله لي ولكم في الوَحْيَين...
الخطبــة.الثانيـــة.cc
عـــبادَ اللـــه : مما يتعلق بيوم عاشوراء ما أحدثه بعضُ الناس من البدع فيه، فقد سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - عمَّا يفعله بعض الناس بيوم عاشوراء من الكحل والاغتسال والحناء والمُصافحة،
وطبخ الحبوب وإظهار السُّرور وغير ذلك،
فهل في ذلك عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حديث صحيح؟ وإذا لم يردْ في ذلك حديث صحيح، فهل يكون فعل ذلك بدعة؟
وهل لفعل الطائفة الأخرى من المآتم والحزن والعطش وغير ذلك من الندب والنِّياحة وشق الجيوب، هل لذلك أصل أو لا؟
فأجاب - رحمه الله -: لم يرد في شيء من ذلك حديثٌ صحيح عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا عن أصحابه، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، لا الأئمة الأربعة، ولا غيرهم، ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئًا،
لا عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا عن الصَّحابة، ولا عن التابعين، لا صحيحًا ولا ضعيفًا
ثم ذكر - رحمه الله - ملخصًا لما مَرَّ بأول هذه الأمة من الفتن والأحداث، ومقتل الحسين - رضي الله عنه - يوم عاشوراء، وماذا فعلت الطوائف بسبب ذلك، فقال - رحمه الله -: فصارت طائفة جاهلة ظالمة: إمَّا مُلحدة مُنافقة، وإمَّا ضالة غاوية، تظهر موالاته، وموالاة أهل بيته، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهليَّة من لطم الخدود، وشقِّ الجيوب، والتعزي بعزاء الجاهليَّة - يشير إلى فعل الروافض - فكل ما زينه الشيطان لأهل الضَّلال والغي من اتِّخاذ يوم عاشوراء مأتمًا، وما يصنعون فيه من الندب والنياحة، وإنشاد قصائد الحزن، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصدق فيها ليس فيه إلاَّ تجديد للحزن والتعصُّب، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام، والتوسُّل بذلك إلى سب السابقين الأولين، ثم ختم كلامه - رحمه الله - بهذه الكلمة: وشر هؤلاء - يعني الروافض - وشر هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يُحصيه الرجل الفصيح في الكلام.
عـــبادَ الله :
وأمَّا سائر الأمور مثل: اتِّخاذ طعام خارج عن العادة، أو تجديد لباس وتوسيع نفقة، أو شراء حوائج العام ذلك اليوم، أو فعل عبادة
عـــباد اللـــه :
إن من فضل الله علينا أنْ وهبنا بصيام يوم واحد تكفيرَ ذنوب سنة كاملة، وهذه الذنوب التي يكفرها صيام يوم عاشوراء هي الذُّنوب الصَّغائر فقط، أما الكبائر فلا تكفرها إلا التوبة وقبولها، كما أشار إلى ذلك العلماء المحقِّقون كابن تيمية وغيره - رحمة الله على الجميع.
واستمعوا - عـــبادَ الله :
إلى الإمام ابن قيم الجوزية - رحمه الله - وهو يُحذر ممن يتصور أنَّ صيام عرفة وعاشوراء كافٍ في النَّجاة والمغفرة؛ حيث يقول - رحمه الله -: "لم يدرِ هذا المغتر أنَّ صوم رمضان والصَّلوات الخمس أعظمُ وأجلُّ من صيامِ يوم عرفة وعاشوراء، وهي إنَّما تكفر ما بينها إذا اجتنبت الكبائر، فرمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة لا يَقْوَيان على تكفير الصغائر إلا مع انضمام تركِ الكبائر إليها، فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصَّغائر.
ومن المغرورين مَن يظنُّ أن طاعته أكثر من معاصيه؛ لأنَّه لا يُحاسب نفسه على سيئاته ولا يتفقد ذنوبه، وإذا عمل طاعةً حفظها واعتبرها، كالذي يستغفر الله بلسانه أو يسبح الله في اليوم مائة مرة، ثم يغتاب المسلمين ويُمزِّق أعراضَهم، ويتكلم بما لا يرضاه الله طول نهاره، فهذا أبدًا يتأمل في فضائل التسبيحات والتهليلات، ولا يلتفت إلى ما ورد من عقوبة المغتابين والكذَّابين والنمامين إلى غير ذلك من آفات اللسان، وذلك من محض غرور"، انتهى كلامه - رحمه الله.
عـــباد اللـــه :
وأمَّا مراتب صيام عاشوراء، فقد ثَبَت أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - صام يوم عاشوراء، وثبت عنه أنَّه قال: ((لئن بقيت إلى قابل، لأصومَنَّ التاسع))، والحديثان في صحيح مسلم.
فصام - عليه الصلاة والسَّلام - اليومَ العاشر فعلاً، وهَمَّ بصيام التاسع، والهم هنا يأتي يحاكي الفعل، فهاتان مرتبتان ثابتتان في السنة: صيام التاسع والعاشر، ففي صيام العاشر إدراك للفضل، وفي صيام التاسع معه تحقيق آكد لمخالفة اليهود، وذهب بعضُ العلماء إلى أن مراتب صيام يوم عاشوراء ثلاث مراتب: صيام التاسع والعاشر، أو صيام العاشر والحادي عشر، أو صيام التاسع والعاشر والحادي عشر، وذهب فريق من العلماء إلى زيادة مرتبة رابعة، وهي صيام العاشر وحده.
وهنا أمر يكثُر السؤال عنه، وهو: ما العمل إذا اشتبه أوَّل الشهر؟ فلم يُدْرَ أيُّ يوم هو العاشر أم التاسع؟ فيقال ما ذكره الإمام أحمد - رحمه الله -: "فإنِ اشتبه عليه أول الشهر، صام ثلاثةَ أيام، وإنَّما يفعل ذلك؛ ليتيقن صوم التاسع والعاشر، فمن لم يعرفْ دخولَ هلال محرم، وأراد الاحتياط للعاشر، بنى على ذي الحجة ثلاثين كما هي القاعدة، ثم صام التاسع والعاشر".
بارك الله لي ولكم في الوَحْيَين...
الخطبــة.الثانيـــة.cc
عـــبادَ اللـــه : مما يتعلق بيوم عاشوراء ما أحدثه بعضُ الناس من البدع فيه، فقد سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله - عمَّا يفعله بعض الناس بيوم عاشوراء من الكحل والاغتسال والحناء والمُصافحة،
وطبخ الحبوب وإظهار السُّرور وغير ذلك،
فهل في ذلك عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حديث صحيح؟ وإذا لم يردْ في ذلك حديث صحيح، فهل يكون فعل ذلك بدعة؟
وهل لفعل الطائفة الأخرى من المآتم والحزن والعطش وغير ذلك من الندب والنِّياحة وشق الجيوب، هل لذلك أصل أو لا؟
فأجاب - رحمه الله -: لم يرد في شيء من ذلك حديثٌ صحيح عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا عن أصحابه، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، لا الأئمة الأربعة، ولا غيرهم، ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئًا،
لا عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا عن الصَّحابة، ولا عن التابعين، لا صحيحًا ولا ضعيفًا
ثم ذكر - رحمه الله - ملخصًا لما مَرَّ بأول هذه الأمة من الفتن والأحداث، ومقتل الحسين - رضي الله عنه - يوم عاشوراء، وماذا فعلت الطوائف بسبب ذلك، فقال - رحمه الله -: فصارت طائفة جاهلة ظالمة: إمَّا مُلحدة مُنافقة، وإمَّا ضالة غاوية، تظهر موالاته، وموالاة أهل بيته، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهليَّة من لطم الخدود، وشقِّ الجيوب، والتعزي بعزاء الجاهليَّة - يشير إلى فعل الروافض - فكل ما زينه الشيطان لأهل الضَّلال والغي من اتِّخاذ يوم عاشوراء مأتمًا، وما يصنعون فيه من الندب والنياحة، وإنشاد قصائد الحزن، ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصدق فيها ليس فيه إلاَّ تجديد للحزن والتعصُّب، وإثارة الشحناء والحرب، وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام، والتوسُّل بذلك إلى سب السابقين الأولين، ثم ختم كلامه - رحمه الله - بهذه الكلمة: وشر هؤلاء - يعني الروافض - وشر هؤلاء وضررهم على أهل الإسلام لا يُحصيه الرجل الفصيح في الكلام.
عـــبادَ الله :
وأمَّا سائر الأمور مثل: اتِّخاذ طعام خارج عن العادة، أو تجديد لباس وتوسيع نفقة، أو شراء حوائج العام ذلك اليوم، أو فعل عبادة
مُختصة - كصلاة مختصة به - أو قصد الذَّبح، أو ادِّخار لحوم الأضاحي؛ ليطبخ بها الحبوب، أو الاكتحال، أو الاختضاب، أو الاغتسال، أو التصافح، أو التزاوُر، أو زيارة المساجد والمشاهد ونحو ذلك - فهذا من البدع المنكرة التي لم يسنَّها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا خلفاؤه الراشدون، ولا استحبَّها أحد من أئمة المسلمين.
اللَّهم اجعلنا من أهل سنة نبيك محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأحيِنَا على الإسلام وأمتنا، ثم صلوا - رحمكم الله - على النعمة المسداة.
============================
اللَّهم اجعلنا من أهل سنة نبيك محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأحيِنَا على الإسلام وأمتنا، ثم صلوا - رحمكم الله - على النعمة المسداة.
============================
🎤
محاضرة.قيمة.بعنوان.cc
*سبــعــة من الــدروس والعــبر*
*من هــجـــــرة ســـــيــــد البـــشـــــــــر*
للـــدكتـــور/ مـــحـــمــــــــد ديــــــلالــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
ايـــها النـاس :
يَحُلُّ شهر الله المُحرَّم، فيتذكَّر المسلمون ذلك الحدث العظيم، الذي قلَب موازين التاريخ، وغيَّر وجه البشريَّة، إنَّه حادث الهجرة النبوية المباركة، من مكَّة المشرَّفة إلى المدينة النبويَّة، التي كانت سبيلاً إلى إنشاء الدولة الإسلامية؛ حيث شعَّ نور الإسلام في الأصقاع، ودخل النَّاسُ في الدين أفواجًا.
إنَّ أحداث الْهِجرة النبويَّة تضمَّنَت العديد من الدُّروس والعِبَر، نقتصر منها على سبعة:
*1- التضحية:*
• فهذا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلَّم - يضطرُّ إلى مغادرة بلده الذي وُلِد فيه وترعرع، وترك أقرباءه وعشيرته، فقال وهو يغادرها بِنَبْرة من الحزنِ: ((واللهِ إنَّك لَخيْر أرْض الله، وأحبُّ أرْض الله إلى الله، ولوْلا أنِّي أُخْرِجْت منْك ما خرجْتُ))؛ "ص. الترمذي".
• وهذه أمُّ سلمة - وهي أوَّل امرأة مهاجِرة في الإسلام - تقول: "لَمَّا أجْمَع أبو سلمة الخروج إلى المدينة، رَحَّل بعيرًا له، وحَملَنِي وحَمل معي ابنَه سلمة، ثم خرج يقود بعيره، فلمَّا رآه رجالُ بني المغيرة بن مَخْزوم، قاموا إليه فقالوا: هذه نفْسُك غلبْتَنا عليها، أرأيتَ صاحبتنا هذه، علامَ نترُكك تسير بها في البلاد؟ فأَخذوني، وغَضِبَتْ عند ذلك بنو عبدالأسد، وأهوَوْا إلى سلمة، وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها؛ إذْ نزعتُموها من صاحبنا، فتجاذبوا ابنِي سلمة حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبدالأسد، وحبسَنِي بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة حتَّى لحق بالمدينة، ففُرِّق بيني وبين زوجي وبين ابني"، فمكثَتْ سنة كاملة تبكي، حتَّى أشفقوا من حالِها، فخلَّوْا سبيلها، ورَدُّوا عليها ابنها، فجمع الله شَمْلَها بزوجها في المدينة.
• وهذا صُهَيب الرُّومي، لَمَّا أراد الهجرة، قال له كُفَّار قريش: أتيتنا صعلوكًا حقيرًا، فكثر مالُك عندنا، وبلَغْتَ الذي بلغت، ثم تريد أن تَخْرج بِمالك ونفسك؟ والله لا يكون ذلك، فقال لهم صهيب: "أرأيتم إنْ جعلْتُ لكم مالي، أتخلُّون سبيلي؟" قالوا: نعم، قال: "فإنِّي قد جعلتُ لكم مالي"، فبلغ ذلك رسولَ الله - صلى الله عليه وسلَّم - فقال: ((رَبِح صهيب))، والقصة في "صحيح السِّيرة النبوية".
*2- لا لليأس:*
لقد مكثَ النبِيُّ - صلى الله عليه وسلَّم - في مكة مدَّةً من الزَّمن، يدعو قومه إلى الهدى، فما آمن له إلاَّ قليل، بل عاش الاضطهاد والنَّكال، وعُذِّب هو وأصحابُه، فلم يكن لِيَثنِيَه كلُّ ذلك عن دعوته، بل زاده إصرارًا وثَباتًا، ومضى يبحث عن حلول بديلة، فكان أنْ خرَجَ إلى الطائف، باحثًا عن أرض صالحة للدَّعوة، لكنْ وُوجِهَ هناك بأقسى مِمَّا توقَّع، فأُوذي وأُهين، وقُذِف بالحجارة، وخرج من الطَّائف مطرودًا مُهانًا وقد تَجاوز الخمسين، ولكن أشد ما يكون عزيمة على مُواصلة رسالته، فأخذ يَعْرض نفسه بإصرار على القبائل في موسم الحجِّ، ويقول: ((ألاَ رجل يَحْملني إلى قومه، فإنَّ قريشًا قد منعوني أن أبلِّغ كلام ربِّي))؛ "ص. ابن ماجه".
فرفضَتْ خَمْسَ عشرةَ قبيلةً دعوتَه، حتى فتح الله له صدور الأنصار، فكانت بيعة العقبة الأولى والثَّانية، وكانت سفارة مصعب بن عمير إلى المدينة، الذي هيَّأ التُّربة الصالحة لاستمرار الدَّعوة، وتكوين الدَّولة في المدينة النبويَّة، فكانت الهجرة تتويجًا لِعَمَل دؤوب، وصَبْر شديد، وحركة لا تعرف الكلل أو الملل.
*3- حسن الصحبة:*
وتجلَّت في أبْهَى صُوَرِها مع أبي بكر الصدِّيق، الذي ذهب كثيرٌ من المفسِّرين إلى أنَّه هو المقصود بالْمُصدِّق في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ [الزمر: 33]، لَمَّا قال النبي - صلى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي أُريتُ دار هجرتكم ذات نَخْلٍ بين لابتين)) وهُما الحرتان؛ "البخاري"، تَجهَّز أبو بكر، فقال له النبِيُّ - صلى الله عليه وسلَّم -: ((على رِسْلِك؛ فإنِّي أرجو أن يُؤْذَن لي))، فقال أبو بكر: "وهل ترجو ذلك بأبِي أنت؟" قال: ((نعم))، فحَبَسَ أبو بكر نفْسَه على رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - لِيَصحبه، فانتظر أربعة أشهر يعلف راحلتَيْن كانتا عنده، حتَّى أذن الله بالهجرة، فلما أخبَره النبِيُّ - صلى الله عليه وسلَّم - لَم يُصدِّق أنْ يكون صاحِبَ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - حتَّى قال: "الصحبةَ بأبي أنت يا رسول الله؟" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((نعم))، قالت عائشة - رضي الله عنها -: "فوالله ما شعرت قطُّ قبل ذلك اليوم أنَّ أحدًا يبكي من الفرح، حتَّى رأيتُ أبا بكر يبكي يومئذٍ"؛ البخاري.
وعندما خرجا معًا، كان أبو بكر يتقدَّم النبِيَّ - صلى الله عليه وسلَّم - في ترَصُّد الأمكنة؛ حتَّى لا يصيبه أذًى، فسأله النبي - صلى الله عليه وسلَّم - قائلاً: ((يا أبا بكر، لو كان شيء، أحببتَ أن يكون بك دوني؟))، فقال
محاضرة.قيمة.بعنوان.cc
*سبــعــة من الــدروس والعــبر*
*من هــجـــــرة ســـــيــــد البـــشـــــــــر*
للـــدكتـــور/ مـــحـــمــــــــد ديــــــلالــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌
ايـــها النـاس :
يَحُلُّ شهر الله المُحرَّم، فيتذكَّر المسلمون ذلك الحدث العظيم، الذي قلَب موازين التاريخ، وغيَّر وجه البشريَّة، إنَّه حادث الهجرة النبوية المباركة، من مكَّة المشرَّفة إلى المدينة النبويَّة، التي كانت سبيلاً إلى إنشاء الدولة الإسلامية؛ حيث شعَّ نور الإسلام في الأصقاع، ودخل النَّاسُ في الدين أفواجًا.
إنَّ أحداث الْهِجرة النبويَّة تضمَّنَت العديد من الدُّروس والعِبَر، نقتصر منها على سبعة:
*1- التضحية:*
• فهذا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلَّم - يضطرُّ إلى مغادرة بلده الذي وُلِد فيه وترعرع، وترك أقرباءه وعشيرته، فقال وهو يغادرها بِنَبْرة من الحزنِ: ((واللهِ إنَّك لَخيْر أرْض الله، وأحبُّ أرْض الله إلى الله، ولوْلا أنِّي أُخْرِجْت منْك ما خرجْتُ))؛ "ص. الترمذي".
• وهذه أمُّ سلمة - وهي أوَّل امرأة مهاجِرة في الإسلام - تقول: "لَمَّا أجْمَع أبو سلمة الخروج إلى المدينة، رَحَّل بعيرًا له، وحَملَنِي وحَمل معي ابنَه سلمة، ثم خرج يقود بعيره، فلمَّا رآه رجالُ بني المغيرة بن مَخْزوم، قاموا إليه فقالوا: هذه نفْسُك غلبْتَنا عليها، أرأيتَ صاحبتنا هذه، علامَ نترُكك تسير بها في البلاد؟ فأَخذوني، وغَضِبَتْ عند ذلك بنو عبدالأسد، وأهوَوْا إلى سلمة، وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها؛ إذْ نزعتُموها من صاحبنا، فتجاذبوا ابنِي سلمة حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبدالأسد، وحبسَنِي بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة حتَّى لحق بالمدينة، ففُرِّق بيني وبين زوجي وبين ابني"، فمكثَتْ سنة كاملة تبكي، حتَّى أشفقوا من حالِها، فخلَّوْا سبيلها، ورَدُّوا عليها ابنها، فجمع الله شَمْلَها بزوجها في المدينة.
• وهذا صُهَيب الرُّومي، لَمَّا أراد الهجرة، قال له كُفَّار قريش: أتيتنا صعلوكًا حقيرًا، فكثر مالُك عندنا، وبلَغْتَ الذي بلغت، ثم تريد أن تَخْرج بِمالك ونفسك؟ والله لا يكون ذلك، فقال لهم صهيب: "أرأيتم إنْ جعلْتُ لكم مالي، أتخلُّون سبيلي؟" قالوا: نعم، قال: "فإنِّي قد جعلتُ لكم مالي"، فبلغ ذلك رسولَ الله - صلى الله عليه وسلَّم - فقال: ((رَبِح صهيب))، والقصة في "صحيح السِّيرة النبوية".
*2- لا لليأس:*
لقد مكثَ النبِيُّ - صلى الله عليه وسلَّم - في مكة مدَّةً من الزَّمن، يدعو قومه إلى الهدى، فما آمن له إلاَّ قليل، بل عاش الاضطهاد والنَّكال، وعُذِّب هو وأصحابُه، فلم يكن لِيَثنِيَه كلُّ ذلك عن دعوته، بل زاده إصرارًا وثَباتًا، ومضى يبحث عن حلول بديلة، فكان أنْ خرَجَ إلى الطائف، باحثًا عن أرض صالحة للدَّعوة، لكنْ وُوجِهَ هناك بأقسى مِمَّا توقَّع، فأُوذي وأُهين، وقُذِف بالحجارة، وخرج من الطَّائف مطرودًا مُهانًا وقد تَجاوز الخمسين، ولكن أشد ما يكون عزيمة على مُواصلة رسالته، فأخذ يَعْرض نفسه بإصرار على القبائل في موسم الحجِّ، ويقول: ((ألاَ رجل يَحْملني إلى قومه، فإنَّ قريشًا قد منعوني أن أبلِّغ كلام ربِّي))؛ "ص. ابن ماجه".
فرفضَتْ خَمْسَ عشرةَ قبيلةً دعوتَه، حتى فتح الله له صدور الأنصار، فكانت بيعة العقبة الأولى والثَّانية، وكانت سفارة مصعب بن عمير إلى المدينة، الذي هيَّأ التُّربة الصالحة لاستمرار الدَّعوة، وتكوين الدَّولة في المدينة النبويَّة، فكانت الهجرة تتويجًا لِعَمَل دؤوب، وصَبْر شديد، وحركة لا تعرف الكلل أو الملل.
*3- حسن الصحبة:*
وتجلَّت في أبْهَى صُوَرِها مع أبي بكر الصدِّيق، الذي ذهب كثيرٌ من المفسِّرين إلى أنَّه هو المقصود بالْمُصدِّق في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ [الزمر: 33]، لَمَّا قال النبي - صلى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي أُريتُ دار هجرتكم ذات نَخْلٍ بين لابتين)) وهُما الحرتان؛ "البخاري"، تَجهَّز أبو بكر، فقال له النبِيُّ - صلى الله عليه وسلَّم -: ((على رِسْلِك؛ فإنِّي أرجو أن يُؤْذَن لي))، فقال أبو بكر: "وهل ترجو ذلك بأبِي أنت؟" قال: ((نعم))، فحَبَسَ أبو بكر نفْسَه على رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - لِيَصحبه، فانتظر أربعة أشهر يعلف راحلتَيْن كانتا عنده، حتَّى أذن الله بالهجرة، فلما أخبَره النبِيُّ - صلى الله عليه وسلَّم - لَم يُصدِّق أنْ يكون صاحِبَ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - حتَّى قال: "الصحبةَ بأبي أنت يا رسول الله؟" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((نعم))، قالت عائشة - رضي الله عنها -: "فوالله ما شعرت قطُّ قبل ذلك اليوم أنَّ أحدًا يبكي من الفرح، حتَّى رأيتُ أبا بكر يبكي يومئذٍ"؛ البخاري.
وعندما خرجا معًا، كان أبو بكر يتقدَّم النبِيَّ - صلى الله عليه وسلَّم - في ترَصُّد الأمكنة؛ حتَّى لا يصيبه أذًى، فسأله النبي - صلى الله عليه وسلَّم - قائلاً: ((يا أبا بكر، لو كان شيء، أحببتَ أن يكون بك دوني؟))، فقال
أبو بكر: "والذي بعثك بالحقِّ، ما كانَتْ لتكون من مُلِمَّة إلاَّ أن تكون بي دونَك"، فلما انتهَيا إلى الغار، قال أبو بكر: "مكانك يا رسول الله، حتَّى أستَبْرِئ لك الغار"؛ رواه الحاكم في "المستدرك"، وقال الذَّهبي: صحيح مُرسل.
*4- إتقان التخطيط*
*وحسن توظيف الطاقات:*
إن الهجرة تعلِّمنا كيف يؤدِّي التخطيطُ الجيِّد دَوْرَه في تحقيق النَّجاح، ومن أعظم أسُسِ التَّخطيط حُسْنُ توظيف الطاقات، وسلامة استغلال القدرات المتاحة، فالصَّدِيق قبل الطريق، والراحلة تُعْلَف وتُجهَّز قبل أربعة أشهر وبِسرِّية تامَّة، وعليُّ بن أبي طالب يُكَلَّف بالنوم في فراش النبِيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - تَمويهًا على المشركين وتخذيلاً لَهم، وهو دور الفتيان الأقوياء.
وأمَّا دور النِّساء، فيمثِّله قولُ عائشة - رضي الله عنها - متحدِّثة عن نفسها وأختها أسماء: "فجهَّزْناهما أَحَثَّ الجَهازِ"أسرعه، والجَهاز: ما يُحتاج إليه في السَّفر، "وصنَعْنا لهما سُفْرة" الزَّاد الذي يُصْنع للمسافر "في جِراب" وعاء يُحْفَظ فيه الزاد ونَحْوه، "فقطعَتْ أسماءُ بنت أبي بكر قطعةً من نِطاقها، فربطَتْ به على فَمِ الجراب، فبذلك سُمِّيَت ذات النطاقين"؛ البخاري.
وأمَّا دور الأطفال، فيمثِّله عبدالله بن أبي بكر، قالت عائشة - رضي الله عنها -: "ثُم لَحِقَ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - وأبو بكر في غارٍ في جبل ثَوْر، فكَمُنَا" اختفَيا "فيه ثلاثَ ليالٍ، يبيت عندهما عبدالله بن أبي بكر، وهو غلامٌ، شابٌّ، ثقفٌ"حاذق فطن، "لَقِنٌ" سريع الفهم، "فيدلج من عندهما بِسَحَر" قُبَيل الفجر، "فيصبح مع قريش بِمكَّة كبائتٍ، فلا يَسْمع أمرًا يُكتادان به إلاَّ وعاه، حتَّى يأتيَهما بِخَبَرِ ذلك حين يختلط الظَّلام" تشتد ظلمة الليل؛ البخاري.
ومِن كمال التخطيط، كان الراعي عامِرُ بن فهيرة يسلك بقطيعه طريق الغار؛ لِيُزيل آثار الأقدام المؤدِّية إليه، ثم يسقي النبِيَّ - صلى الله عليه وسلَّم - وصاحبَه مِن لبن غنَمِه.
ومن كمال التخطيط أنِ اتَّخَذ النبِيُّ - صلى الله عليه وسلَّم - عبدالله بن أريقط دليلاً عارفًا بالطريق برغم كونِه مشركًا، ما دام مؤتَمنًا، متقِنًا لعمله؛ ولذلك أرشدَهم - بِمهارته - إلى اتِّخاذ طريق غير الطريق المعهودة.
*5- الثبات على الموقف*
*والبحث عن الحلِّ الشامل* ،
وليس الاقتصار على مفاوضات البدائل التَّرقيعيَّة، ومناقشات الحلول التخديريَّة الآنية، لقد بدأ الحلُّ الشامل منذ أن عُرض على النبيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - أن يَعْبد إله المشركين عامًا، ويعبدوا إلَهَه عامًا، فأبَى ذلك، ثم تطوَّرَت العروض والمغريات حتَّى وصلَتْ إلى ذروتها مع عتبة بن ربيعة حين قال للنبِيِّ - صلى الله عليه وسلَّم -: "يا ابن أخي، إن كنْتَ إنَّما تريد بِما جئتَ به من هذا الأمر مالاً، جَمَعْنا لك من أموالنا حتَّى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفًا، سوَّدْناك علينا حتَّى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد مُلكًا، ملَّكْناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيًّا تراه" مَسًّا من الجن "لا تستطيع ردَّه عن نفسك، طلَبْنا لك الطِّبَّ، وبذَلْنا فيه أموالنا حتَّى نبرئك منه"؛ حسَّنَه في "ص. السيرة النبوية".
إن الحلَّ الشامل لبلاد المسلمين يَكْمُن في استقلالهم الكامل بذاتِهم، والعمل على التخلُّص من التبعيَّة الفكريَّة والاجتماعية، والاقتصادية والسياسيَّة للشَّرق أو للغرب، وليس عَبثًا أن يَختار عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - التَّأريخَ للمسلمين بالْهجرة، ويقول: "الهجرة فرَّقَت بين الحقِّ والباطل"، فحَلُّ الأزمات بِيَدِ الله لا بيد غيره، إنْ نَحْن عقَدْنا العزم على التمكين لدينه، ونَشْر سُنَّة نبيِّه، وهنا يطالعنا الدرس السادس.
*6- شدة التوكل على الله:*
يقول تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ [القصص: 85]، قال ابن عباس: "لَرادُّك إلى مكَّة كما أخرجَك منها".
مَنِ الذي منع المشركين من أن يَعْثروا على النبِيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - وصاحبه، وقد وقَفوا على شفير الغار، حتَّى قال أبو بكر: "لو أنَّ أحدهم نظر تَحْت قدمَيْه لأبصرنا"؟ إنه الله؛ ولذلك كان جواب الرسول - صلى الله عليه وسلَّم -: ((ما ظَنُّك يا أبا بكر باثْنَيْن اللهُ ثالثُهما؟))؛ البخاري.
إن التوكُّل سبيل النَّصر، فكلما احلولكَتِ الظُّلمات، جاء الصُّبح أكثر انبلاجًا، ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [يوسف: 110]، إنَّها جنودُ الله التي تصحب المتوكِّلين عليه، هذا سُراقة بن مالك يُبْصِر مكان المختبِئَيْن، ويَحْزن أبو بكر ويقول: "أُتينا يا رسول الله"، فيقول له النبِيُّ - صلى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَحزنْ؛ إِنَّ الله مَعَنا))، فإذا بالعدوِّ ينقلب صديقًا، يعرض عليهما الزادَ والمتاع، ويَذْهب بوصيَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((أَخْفِ عنَّا))؛ البخاري.
*7- من مع
*4- إتقان التخطيط*
*وحسن توظيف الطاقات:*
إن الهجرة تعلِّمنا كيف يؤدِّي التخطيطُ الجيِّد دَوْرَه في تحقيق النَّجاح، ومن أعظم أسُسِ التَّخطيط حُسْنُ توظيف الطاقات، وسلامة استغلال القدرات المتاحة، فالصَّدِيق قبل الطريق، والراحلة تُعْلَف وتُجهَّز قبل أربعة أشهر وبِسرِّية تامَّة، وعليُّ بن أبي طالب يُكَلَّف بالنوم في فراش النبِيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - تَمويهًا على المشركين وتخذيلاً لَهم، وهو دور الفتيان الأقوياء.
وأمَّا دور النِّساء، فيمثِّله قولُ عائشة - رضي الله عنها - متحدِّثة عن نفسها وأختها أسماء: "فجهَّزْناهما أَحَثَّ الجَهازِ"أسرعه، والجَهاز: ما يُحتاج إليه في السَّفر، "وصنَعْنا لهما سُفْرة" الزَّاد الذي يُصْنع للمسافر "في جِراب" وعاء يُحْفَظ فيه الزاد ونَحْوه، "فقطعَتْ أسماءُ بنت أبي بكر قطعةً من نِطاقها، فربطَتْ به على فَمِ الجراب، فبذلك سُمِّيَت ذات النطاقين"؛ البخاري.
وأمَّا دور الأطفال، فيمثِّله عبدالله بن أبي بكر، قالت عائشة - رضي الله عنها -: "ثُم لَحِقَ رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - وأبو بكر في غارٍ في جبل ثَوْر، فكَمُنَا" اختفَيا "فيه ثلاثَ ليالٍ، يبيت عندهما عبدالله بن أبي بكر، وهو غلامٌ، شابٌّ، ثقفٌ"حاذق فطن، "لَقِنٌ" سريع الفهم، "فيدلج من عندهما بِسَحَر" قُبَيل الفجر، "فيصبح مع قريش بِمكَّة كبائتٍ، فلا يَسْمع أمرًا يُكتادان به إلاَّ وعاه، حتَّى يأتيَهما بِخَبَرِ ذلك حين يختلط الظَّلام" تشتد ظلمة الليل؛ البخاري.
ومِن كمال التخطيط، كان الراعي عامِرُ بن فهيرة يسلك بقطيعه طريق الغار؛ لِيُزيل آثار الأقدام المؤدِّية إليه، ثم يسقي النبِيَّ - صلى الله عليه وسلَّم - وصاحبَه مِن لبن غنَمِه.
ومن كمال التخطيط أنِ اتَّخَذ النبِيُّ - صلى الله عليه وسلَّم - عبدالله بن أريقط دليلاً عارفًا بالطريق برغم كونِه مشركًا، ما دام مؤتَمنًا، متقِنًا لعمله؛ ولذلك أرشدَهم - بِمهارته - إلى اتِّخاذ طريق غير الطريق المعهودة.
*5- الثبات على الموقف*
*والبحث عن الحلِّ الشامل* ،
وليس الاقتصار على مفاوضات البدائل التَّرقيعيَّة، ومناقشات الحلول التخديريَّة الآنية، لقد بدأ الحلُّ الشامل منذ أن عُرض على النبيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - أن يَعْبد إله المشركين عامًا، ويعبدوا إلَهَه عامًا، فأبَى ذلك، ثم تطوَّرَت العروض والمغريات حتَّى وصلَتْ إلى ذروتها مع عتبة بن ربيعة حين قال للنبِيِّ - صلى الله عليه وسلَّم -: "يا ابن أخي، إن كنْتَ إنَّما تريد بِما جئتَ به من هذا الأمر مالاً، جَمَعْنا لك من أموالنا حتَّى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفًا، سوَّدْناك علينا حتَّى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد مُلكًا، ملَّكْناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيًّا تراه" مَسًّا من الجن "لا تستطيع ردَّه عن نفسك، طلَبْنا لك الطِّبَّ، وبذَلْنا فيه أموالنا حتَّى نبرئك منه"؛ حسَّنَه في "ص. السيرة النبوية".
إن الحلَّ الشامل لبلاد المسلمين يَكْمُن في استقلالهم الكامل بذاتِهم، والعمل على التخلُّص من التبعيَّة الفكريَّة والاجتماعية، والاقتصادية والسياسيَّة للشَّرق أو للغرب، وليس عَبثًا أن يَختار عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - التَّأريخَ للمسلمين بالْهجرة، ويقول: "الهجرة فرَّقَت بين الحقِّ والباطل"، فحَلُّ الأزمات بِيَدِ الله لا بيد غيره، إنْ نَحْن عقَدْنا العزم على التمكين لدينه، ونَشْر سُنَّة نبيِّه، وهنا يطالعنا الدرس السادس.
*6- شدة التوكل على الله:*
يقول تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ﴾ [القصص: 85]، قال ابن عباس: "لَرادُّك إلى مكَّة كما أخرجَك منها".
مَنِ الذي منع المشركين من أن يَعْثروا على النبِيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - وصاحبه، وقد وقَفوا على شفير الغار، حتَّى قال أبو بكر: "لو أنَّ أحدهم نظر تَحْت قدمَيْه لأبصرنا"؟ إنه الله؛ ولذلك كان جواب الرسول - صلى الله عليه وسلَّم -: ((ما ظَنُّك يا أبا بكر باثْنَيْن اللهُ ثالثُهما؟))؛ البخاري.
إن التوكُّل سبيل النَّصر، فكلما احلولكَتِ الظُّلمات، جاء الصُّبح أكثر انبلاجًا، ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [يوسف: 110]، إنَّها جنودُ الله التي تصحب المتوكِّلين عليه، هذا سُراقة بن مالك يُبْصِر مكان المختبِئَيْن، ويَحْزن أبو بكر ويقول: "أُتينا يا رسول الله"، فيقول له النبِيُّ - صلى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَحزنْ؛ إِنَّ الله مَعَنا))، فإذا بالعدوِّ ينقلب صديقًا، يعرض عليهما الزادَ والمتاع، ويَذْهب بوصيَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((أَخْفِ عنَّا))؛ البخاري.
*7- من مع
ا
ني الهجرة:*
• هجرة المعاصي وما يُعْبَد من دون الله، قال تعالى: ﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ [المدثر: 5]، وقال - صلى الله عليه وسلَّم -: ((الْمُسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر مَن هجر ما نَهى الله عنه))؛ متَّفَق عليه.
• هِجْرة العصاة، ومُجانبة مُخالطتهم، قال الله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾ [المزمل: 10]، وهو الذي لا عتاب فيه.
• هجرة القلوب إلى الله تعالى، والإخلاص في التوجُّه إليه في السرِّ والعلانية، قال النبي - صلى الله عليه وسلَّم -: ((فمَنْ كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرتُه إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لِدُنيا يصيبها أو امرأة يتزوَّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه))؛ متفق عليه.
• أيُّها الناس، إنْ كان الصيام في شهرِ مُحرَّم مستحبًّا؛ لقوله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((أفضل الصيام بعد شهر رمضان، شهر الله الذي تدْعونه المُحرَّم))، فإنَّ صوم اليوم العاشر منه المعروف بعاشوراء آكَد، نصومه شكرًا لله؛ لأنَّه أَنْجى فيه موسى - عليه السَّلام - وأغرق فيه فرعون، فكان صيامُه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلَّم -: ((يكفِّرُ السَّنَةَ الماضِية))؛ مسلم، ومن استطاع أن يصوم يومًا قبله فهو أفضل.
ني الهجرة:*
• هجرة المعاصي وما يُعْبَد من دون الله، قال تعالى: ﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ [المدثر: 5]، وقال - صلى الله عليه وسلَّم -: ((الْمُسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر مَن هجر ما نَهى الله عنه))؛ متَّفَق عليه.
• هِجْرة العصاة، ومُجانبة مُخالطتهم، قال الله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾ [المزمل: 10]، وهو الذي لا عتاب فيه.
• هجرة القلوب إلى الله تعالى، والإخلاص في التوجُّه إليه في السرِّ والعلانية، قال النبي - صلى الله عليه وسلَّم -: ((فمَنْ كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرتُه إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لِدُنيا يصيبها أو امرأة يتزوَّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه))؛ متفق عليه.
• أيُّها الناس، إنْ كان الصيام في شهرِ مُحرَّم مستحبًّا؛ لقوله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((أفضل الصيام بعد شهر رمضان، شهر الله الذي تدْعونه المُحرَّم))، فإنَّ صوم اليوم العاشر منه المعروف بعاشوراء آكَد، نصومه شكرًا لله؛ لأنَّه أَنْجى فيه موسى - عليه السَّلام - وأغرق فيه فرعون، فكان صيامُه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلَّم -: ((يكفِّرُ السَّنَةَ الماضِية))؛ مسلم، ومن استطاع أن يصوم يومًا قبله فهو أفضل.