Telegram Web Link
🎤
خطبة.عيد.الفطر.المبارك.cc
بعنــوان : التعــلــق باللـــه تعــــالى
للشيخ/ إبراهيم بن محمد الحقـــيل
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

أهداف وعناصر الخطبة :
1/ عظاتٌ من صيامنا هذا العام 2/ الاعتبار بالأيام دافعٌ للتعلق بالله وحده 3/ التعلُّق بالله سلاح الرسل والصالحين 4/ من تعلَّق شيئًا وُكِل إليه 5/ التعلُّق بغير الله سبب مصائب الأمة 6/ دعوةٌ للنساء للتعلُّق بالله 7/ دعوة للتصافي ونبذ الخلافات

الخطبــــة.الاولــــى.cc
الحمد لله القوي العزيز، الحليم العظيم، ذلَّت لعزته كُلُّ عزة، وضعفت لقوته كل قوة، وتلاشت أمام عظمته كل عظمة؛ عامَل خلقه بحلمه، ولو أهلكهم لكان ذلك بعدله: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء:44].

له صفات الجمال والجلال، وتفرد بالكمال؛ فكل ما سواه مخلوق مربوب، وهو وحده الخالق المعبود. فالحمد كله له؛ نحمده عدد ما خلق، وملء ما خلق، ونحمده عدد كل شيء، وملء كل شيء، ونحمده عدد ما أحصى كتابه، وملء ما أحصى كتابه، ونحمده عدد السماوات والأرض وما فيهن، وملء السماوات والأرض وما فيهن.

نحمده حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ويرضى؛ مد في أعمارنا فصمنا شهرنا، وحضرنا عيدنا، ووسّع لنا في أرزاقنا فوسّعنا على أنفسنا وأولادنا، وأمَّنَنا في أوطاننا فلم نخش شيئًا ونحن نخرج إلى مصلانا، وعافانا في أبداننا فلم نشكُ علَّة ولم نجد ألمًا؛ فله الحمد، لا نحصي ثناءً عليه، كما أثنى هو على نفسه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال؛ حكيم الفعال، كثير النوال، شديد المحال؛ لا يلوذ به عبد فيخيب، ولا يناكفه مستكبر فيطيب: (وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ) [الأنعام:18].

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ الناصح الأمين، الرؤوف الرحيم؛ آثر غيره على نفسه وولده، واختبأ دعوته شفاعة لأمته، وألحَّ على ربه -سبحانه- يطلب سلامتها، ويرجو نجاتها، حتى نالت أمته من الخير على يديه ما لم تنله أمة غيرها، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ أعلام الأمة وسادتها، وفخرها وقدوتها، سادوا الأرض فما تكبروا، وحكموا البشر فما ظلموا، بل تواضعوا وعدلوا، لا يوقّرهم إلا مؤمن، ولا يحقرهم إلا منافق، وعلى التابعين لهم بإحسان.

الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

الله أكبر؛ كم في الدنيا من تقلبات وتحولات! الله أكبر؛ كم في البشر من سعداء وأشقياء! الله أكبر؛ سقطت عروش، ونزعت ملوك، ونصرت شعوب! الله أكبر؛ انتصرت شعوب مستضعفة بنصره، واستقوت بقوته، وعزت بعزته! الله أكبر؛ مات كبراء بقدره! وهو حي لا يموت، وملكه دائم لا يزول، وعرشه قائم لا يحول: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ) [الرَّحمن:27-28]، (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الملك:1].

الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى -أيها المسلمون- وأطيعوه، وعظموه في هذا اليوم المبارك، واحمدوه على ما هداكم له من الإيمان، واشكروه على ما أعانكم عليه من الصيام والقيام، أطيعوه في كل أحيانكم، واسألوه في كل أحوالكم؛ فإنكم فقراء إليه، ولا غنى لكم عنه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى الله وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ) [فاطر:15].

الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: صمتم في حَرٍّ شديد، ونهار طويل، وريح سموم، وشمس حارقة غلت منها الرؤوس، ووجدتم عطشًا أيبس الأكباد، وجفف الشفاه، وكان أثر الصوم باديًا على الوجوه.

واليوم تحضرون عيدكم بعد تمام صومكم، واكتمال نعمة الله تعالى عليكم؛ فخذوا العظة من حَرِّ رمضان لحر يوم القيامة، ومن شدة شمسه لدنو الشمس في الموقف العظيم، ومن ظمأ نهاره لظمأ ذلك اليوم الطويل، حين يسيل عرق الناس بحسب أعمالهم، ولا ظل إلا لمن أظله الله في ظله، ولا ماء إلا في الحوض المورود، حين يرِدُه أناس ويحجب عنه آخرون، فيشرب منه الواردون شربة لا ظمأ لهم بعدها، نسأل الله تعالى أن يجعلنا ووالدينا وأهلينا وأحبابنا ممن يستظلون بظل الرحمن، وممن يرِدُون الحوض، وينالون الشفاعة، ويدخلون الجنة.

واعلموا أنه لا نجاة من ذلك الكرب العظيم الذي ينتظركم إلا بالإيمان والعمل الصالح، فاعملوا صالحًا بعد رمضان كما عملتموه في رمضان، وصوموا عن المحرمات كما صمتم رمضان؛ فإن العقبى جناتٌ وأنهار.

الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: خلَق الله -تعالى- الإنسان ولم يكن شيئًا مذكورًا، فلما جعله ربه -سبحانه- شيئًا مذكورًا تكبرت نفسه، وطغى قلبه، فعصى ربه -سبحانه-، وأفسد في أرضه، وظلم خلقه، ونازع الله -تعالى- في خصائصه، فأملى الله تعالى ل
ه، فلما أخذه لم يفلته، فأذاقه الذل بعد العز، والموت أو الحبس بعد الملك. ورأينا ذلك فيمن نُزعوا من عروشهم في العامين السالفين.

وهذا يحتم على الإنسان عدم الاغترار بالدنيا مهما ازدانت له، ودوام التعلق بالله -تعالى-؛ فإنه لا أمن إلا أمنه، ولا ضمان إلا ضمانه، ولا عز إلا عزه، فمن التجأ إليه التجأ إلى عظيم، ومن احتمى به احتمى بقدير، ومن آوى إليه آوى إلى ركن شديد.

إن التعلق بالله -تعالى- هو بلسم القلوب، وعز النفوس، وهو سبب النصر، ومعقد العز، وبوابة التمكين في الأرض.

اجتمعت أمم الكفر من سالف التاريخ إلى حاضره على الرسل وأتباعهم، فكان تعلق الرسل وأتباعهم بالله -تعالى- أمضى سلاح كسر أعداءهم.

تأملوا في سيرة نوح -عليه السلام- وهو وحيد طريد، ما آمن معه إلا قليل، فوقف في وجوه الملأ من قومه، وأمرهم بالاجتماع عليه، والانتقام منه، في صورة من التحدي والإعجاز تدعو للإكبار والإعجاب: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ) [يونس:71].

ما سلاحه في تحدي قومه؟! ولماذا لم ينتقموا منه؟! كان سلاحه: (فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ)، فحماه الله تعالى منهم، فلم يقابلوا تحديه بفعل ولا بقول، وهم أقوى وأكثر، ولا رادع لهم عن الانتقام لأنفسهم، والثأر لكرامتهم. ويؤمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يتلو علينا نبأ نوح؛ لنتعلم من سيرته التعلق بالله -تعالى- دون سواه.

ووقف هود -عليه السلام- أمام قومه، داعيًا إلى ربه، صادعًا بدعوته، مسفهًا آلهة قومه، يتحداهم وحده وهم جماعة، وليسوا أي جماعة، إنهم قوم عاد أهل القوة والبطش والجبروت: (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ) [هود:55].

إنه يطلب كيدهم، ويدعوهم إلى الاجتماع عليه، وما معه سلاح إلا تعلقه بالله -تعالى- حين قال: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [هود:56].

وأُلقي الخليل -عليه السلام- في النار وليس في قلبه إلا الله -تعالى-، وكان يردد: "حسبي الله"، أي: الله كافيني.

يا لها من لحظات تعلق بالله -تعالى- شغلته عن رجاء قومه أو استعطافهم أو استمهالهم! فليس في قلبه إلا الله -تعالى-، وقد روى أهل التفسير أن جبريل -عليه السلام- جاءه وهو يهوي في النار فقال: "يا إبراهيم: ألك حاجة؟! فقال: أما إليك فلا".

وطورد موسى -عليه السلام- ومن معه من الأقلية المؤمنة حتى استقبلوا البحر، والعدو خلفهم، فعظم الكرب على أتباع موسى، وعلموا أنهم حوصروا، وفي قبضة فرعون وقعوا، فقالوا: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء:61]؛ لكن موسى -عليه السلام- كان في شغل آخر، كان شغله التعلق بالله -تعالى-: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء:62].

وأيام اشتداد الأذى عليه وعلى بني إسرائيل كان يعلق قلوبهم بالله -تعالى- فيقول لهم: (اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف:128].

ويونس حين اجتمعت عليه ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت ما تعلق إلا بالله -تعالى-: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87].

ويعقوب حين فقد يوسف لم يتعلق في طلبه بغير الله -تعالى-: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لَا تَعْلَمُونَ) [يوسف:86].

ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- حين طوق المشركون الغار، وقال أبو بكر -رضي الله عنه-: لو أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا، قال -عليه الصلاة والسلام-: "ما ظَنُّكَ يا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا!!".

وفي اليرموك كتب أبو عبيدة إلى عمر -رضي الله عنهما- يستنصره على الكفار، ويخبره أنه قد نزل بهم جموع لا طاقة لهم بها، فلما وصل كتابه بكى الناس، وكان من أشدهم عبد الرحمن بن عوف، وأشار على عمر أن يخرج بالناس، فرأى عمر أن ذلك لا يمكن، وكتب إلى أبي عبيدة: "مهما ينزل بامرئ مسلم من شدة فينزلها بالله يجعل الله له فرجًا ومخرجًا، فإذا جاءك كتابي هذا فاستعن بالله وقاتلهم".

علمهم الفاروق -رضي الله عنه- التعلق بالله -تعالى-، لا التعلق بعمر ولا بجيشه، فنصرهم الله تعالى نصرًا عزيزًا.

الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها الصائمون القائمون: "من تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إليه"، تلكم قاعدة نبوية نطق بها من لا ينطق عن الهوى -صلى ا
يدفعها إلى ما يرضيه، ولو سخط البشر أجمعون.

ولك -أختي المسلمة- في المسلمات المنتقبات في فرنسا عبرة وآية، ينزع النظام الطاغوتي المستبد أغطية وجوههن بالقوة، وهن ثابتات صامدات، يتحملن الأذى، ويدفعن الغرامة؛ جهادًا في سبيل الله -تعالى-، وإظهارًا لشعائره، ومراغمة للكفر وأهله، ووالله إنهن لمنصورات ولو بعد حين، فرّج الله -تعالى- عنهن وعن المسلمين في كل مكان، إنه سميع مجيب.

الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: صمتم شهركم، وحضرتم عيدكم، وقضيتكم صلاتكم، وأرضيتم ربكم، فتفرقوا من مصلاكم بقلوب متعلقة بالله -تعالى-، موقنة به، متوكلة عليه، منيبة إليه.

تفرقوا بقلوب سليمة من الضغائن والأحقاد؛ فصلوا من قطعكم، وأعطوا من حرمكم، وأحسنوا إلى من أساء إليكم؛ فالعيد عيد الود والصفاء، ونقاء القلوب، واجتماع الأرواح.

وأكثروا من الدعاء لإخوانكم المستضعفين في فلسطين والعراق وأفغانستان وسوريا وأراكان وفي كل مكان؛ لتثبتوا أنكم تشعرون بهم حتى في العيد.

أعاده الله تعالى علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

(إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
لله عليه وسلم-، ورأيناها واقعًا فيما مر بنا من أحداث عظام؛ فأمة العرب ركنت في قضاياها المصيرية إلى المنظمات الدولية، وركنت في حمايتها إلى الدول العظمى، وتعلقت بها أكثر من تعلقها بالله -تعالى-، فما زادتها إلا ذلاًّ وظلمًا وقهرًا ورهقًا، فضاعت فلسطين في أروقة الظالمين، وسلمت العراق للصفويين، والآن يذبح الباطنية إخواننا السوريين، ويبيد البوذيون إخواننا البورميين، وأمة العرب -ومِنْ ورائها المسلمون- لم يستطيعوا فعل شيء؛ لأن تعلقهم بغير الله -تعالى- كان أكثر من تعلقهم به -سبحانه-.

ضربت عليهم الذلة رغم كثرتهم، وأهينوا بالفقر رغم ثرواتهم، وأصيبوا بالتفرق مع أنهم في الأصل أمة واحدة.

تعدَّدت الأسباب، واختلفت الرؤى؛ لكنَّ السببَ الجامعَ لكُلِّ أسبابِ مصائبِ الأمةِ ومذابحها وهوانها على أعدائها هو التعلقُ بغير الله -تعالى-، فوُكِلُوا إلى مَن تعلَّقوا به مِن البشر، فخذلوهم، وظلموهم، وغدَروا بهم.

والعروش التي تساقطت كان أربابها متعلقين بالخَلق من دون الله -تعالى-، فما أغنوا عنهم نقيرًا ولا قطميرًا، ولم يحموهم من الذل والأسر والقتل، ولم يمنعوا عروشهم من السقوط.

إي وربنا! لم ينفعهم تعلقهم بعسكرهم وقواتهم وأعوانهم، كما لم ينفعهم تعلقهم بالقوى المستكبرة، وخضوعهم لها لما أراد الله -تعالى- زوالهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "وكُلُّ مَن علّق قلبه بالمخلوقات أن ينصروه، أو يرزقوه، أو أن يهدوه؛ خضع قلبُه لهم، وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك، وإن كان في الظاهر أميرًا لهم، مُدَبِّرًا لهم، متصرفًا بهم، فالعاقل ينظر إلى الحقائق لا إلى الظواهر".

وقال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "أعظم الناس خذلانًا مَن تعلّق بغير الله، فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو مُعرَّضٌ للزوال والفوات".

الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

وفي بلاد الشام اجتمع على أهل السنة فيها دولة بجندها وجيشها وعتادها، يقودها النصيرية لذبحهم، وأمدَّهم باطنية لبنان والعراق وإيران بالجند والسلاح، ومن خلفهم ملاحدة الصين وروسيا، وترك العالم السوريين يواجهون هذا كله وحدهم، فلما رأوا خذلان الناس لهم؛ تعلقت قلوبهم بالله وحده، وظهر ذلك جليًّا في هتافاتهم وشعاراتهم، فأمدهم الله -تعالى- بقوته، وثبّت قلوبهم بقدرته، وأدال لهم على أعدائهم، وأمال الكفة لهم، وصاروا يثخنون في العدو، ويقتربون من النصر، وتلك آية بينة رأيناها بأنفسنا تدل على أن التعلق بالخلق يورث الذل والخذلان والهزيمة، وأن التعلق بالله تعالى يكسب العز والنصر والقوة.

فعلِّقوا بالله العظيم قلوبكم، وأخلوها من الخلق مهما كانوا، علقوا به -سبحانه- قلوبكم في هذا الزمن العصيب الذي تتخطفنا فيه الفتن، وتحيط بنا المحن، ويتكالب علينا الأعداء.

علِّقوا بالله -تعالى- قلوبكم في رد أعدائكم، وعلقوا به قلوبكم في حفظ أوطانكم، وعلقوا به قلوبكم في أمنكم واستقراركم، وعلقوا به قلوبكم في أرزاقكم، وعلقوا به قلوبكم فيما تؤملون في مستقبلكم وما تخافون.

ولا تتعلقوا بمخلوق مهما علت منزلته، وبلغت قوته، وظهرت عزته، فإن القوة لله جميعًا، وإن العزة لله جميعًا: (أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ) [الأعراف:54]، (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ) [آل عمران:160].

بارك الله لي ولكم...


الخطبــــة.الثانيــــة.cc
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على الصيام والقيام والعيد، والحمد لله على ما شرع من الشرائع، وما هدانا إليه من العبادات والشعائر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أمــــا بعــــد:
فيا أيتها النساء المسلمات، يا أيتها الصائمات القائمات: اتقين الله -تعالى- في أنفسكن، واتقينه في دينكن، وعلقن به -سبحانه- قلوبكن؛ فإن البشر ضعاف، وأضعف البشر النساء.

وكلما اشتد ضعف المخلوق كان أكثر حاجة إلى التعلق بمن يحميه وينصره ويدفع عنه، والله -تعالى- هو القوي القهار، العزيز الجبار؛ لا تتعلق به امرأة فتضيع، ولا تعلق حاجتها به فتخيب.

املأن قلوبكن وقلوب أولادكن بمحبة الله -تعالى- وتعظيمه، وشدة التعلق به، وحسن التوكل عليه، وسرعة الإنابة إليه.

ولن تتعلق امرأة بالله -تعالى- إلا تمسكت بدينه، وحافظت على أوامره، واجتنبت نواهيه، ودعت غيرها إليه، وصبرت على الأذى فيه.

لا تتعلق امرأة بالله -تعالى- إلا صانت عفافها، وتفقدت حياءها، وسترت جسدها، وتلفعت بجلبابها، وجانبت مخالطة الرجال، ولو أوذيت في ذلك وحوربت عليه، وسُخر منها لأجله، ومنع عنها الرزق بسببه؛ فإن تعلقها بالله -تعالى-
🎤
خطبة.عيد.الفطر.المبارك.cc
بعنــوان : التعــلــق باللـــه تعــــالى
للشيخ/ إبراهيم بن محمد الحقـــيل
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

أهداف وعناصر الخطبة :
1/ عظاتٌ من صيامنا هذا العام 2/ الاعتبار بالأيام دافعٌ للتعلق بالله وحده 3/ التعلُّق بالله سلاح الرسل والصالحين 4/ من تعلَّق شيئًا وُكِل إليه 5/ التعلُّق بغير الله سبب مصائب الأمة 6/ دعوةٌ للنساء للتعلُّق بالله 7/ دعوة للتصافي ونبذ الخلافات

الخطبــــة.الاولــــى.cc
الحمد لله القوي العزيز، الحليم العظيم، ذلَّت لعزته كُلُّ عزة، وضعفت لقوته كل قوة، وتلاشت أمام عظمته كل عظمة؛ عامَل خلقه بحلمه، ولو أهلكهم لكان ذلك بعدله: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء:44].

له صفات الجمال والجلال، وتفرد بالكمال؛ فكل ما سواه مخلوق مربوب، وهو وحده الخالق المعبود. فالحمد كله له؛ نحمده عدد ما خلق، وملء ما خلق، ونحمده عدد كل شيء، وملء كل شيء، ونحمده عدد ما أحصى كتابه، وملء ما أحصى كتابه، ونحمده عدد السماوات والأرض وما فيهن، وملء السماوات والأرض وما فيهن.

نحمده حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ويرضى؛ مد في أعمارنا فصمنا شهرنا، وحضرنا عيدنا، ووسّع لنا في أرزاقنا فوسّعنا على أنفسنا وأولادنا، وأمَّنَنا في أوطاننا فلم نخش شيئًا ونحن نخرج إلى مصلانا، وعافانا في أبداننا فلم نشكُ علَّة ولم نجد ألمًا؛ فله الحمد، لا نحصي ثناءً عليه، كما أثنى هو على نفسه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال؛ حكيم الفعال، كثير النوال، شديد المحال؛ لا يلوذ به عبد فيخيب، ولا يناكفه مستكبر فيطيب: (وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ) [الأنعام:18].

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ الناصح الأمين، الرؤوف الرحيم؛ آثر غيره على نفسه وولده، واختبأ دعوته شفاعة لأمته، وألحَّ على ربه -سبحانه- يطلب سلامتها، ويرجو نجاتها، حتى نالت أمته من الخير على يديه ما لم تنله أمة غيرها، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ أعلام الأمة وسادتها، وفخرها وقدوتها، سادوا الأرض فما تكبروا، وحكموا البشر فما ظلموا، بل تواضعوا وعدلوا، لا يوقّرهم إلا مؤمن، ولا يحقرهم إلا منافق، وعلى التابعين لهم بإحسان.

الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

الله أكبر؛ كم في الدنيا من تقلبات وتحولات! الله أكبر؛ كم في البشر من سعداء وأشقياء! الله أكبر؛ سقطت عروش، ونزعت ملوك، ونصرت شعوب! الله أكبر؛ انتصرت شعوب مستضعفة بنصره، واستقوت بقوته، وعزت بعزته! الله أكبر؛ مات كبراء بقدره! وهو حي لا يموت، وملكه دائم لا يزول، وعرشه قائم لا يحول: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ) [الرَّحمن:27-28]، (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الملك:1].

الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى -أيها المسلمون- وأطيعوه، وعظموه في هذا اليوم المبارك، واحمدوه على ما هداكم له من الإيمان، واشكروه على ما أعانكم عليه من الصيام والقيام، أطيعوه في كل أحيانكم، واسألوه في كل أحوالكم؛ فإنكم فقراء إليه، ولا غنى لكم عنه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى الله وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ) [فاطر:15].

الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: صمتم في حَرٍّ شديد، ونهار طويل، وريح سموم، وشمس حارقة غلت منها الرؤوس، ووجدتم عطشًا أيبس الأكباد، وجفف الشفاه، وكان أثر الصوم باديًا على الوجوه.

واليوم تحضرون عيدكم بعد تمام صومكم، واكتمال نعمة الله تعالى عليكم؛ فخذوا العظة من حَرِّ رمضان لحر يوم القيامة، ومن شدة شمسه لدنو الشمس في الموقف العظيم، ومن ظمأ نهاره لظمأ ذلك اليوم الطويل، حين يسيل عرق الناس بحسب أعمالهم، ولا ظل إلا لمن أظله الله في ظله، ولا ماء إلا في الحوض المورود، حين يرِدُه أناس ويحجب عنه آخرون، فيشرب منه الواردون شربة لا ظمأ لهم بعدها، نسأل الله تعالى أن يجعلنا ووالدينا وأهلينا وأحبابنا ممن يستظلون بظل الرحمن، وممن يرِدُون الحوض، وينالون الشفاعة، ويدخلون الجنة.

واعلموا أنه لا نجاة من ذلك الكرب العظيم الذي ينتظركم إلا بالإيمان والعمل الصالح، فاعملوا صالحًا بعد رمضان كما عملتموه في رمضان، وصوموا عن المحرمات كما صمتم رمضان؛ فإن العقبى جناتٌ وأنهار.

الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: خلَق الله -تعالى- الإنسان ولم يكن شيئًا مذكورًا، فلما جعله ربه -سبحانه- شيئًا مذكورًا تكبرت نفسه، وطغى قلبه، فعصى ربه -سبحانه-، وأفسد في أرضه، وظلم خلقه، ونازع الله -تعالى- في خصائصه، فأملى الله تعالى ل
ه، فلما أخذه لم يفلته، فأذاقه الذل بعد العز، والموت أو الحبس بعد الملك. ورأينا ذلك فيمن نُزعوا من عروشهم في العامين السالفين.

وهذا يحتم على الإنسان عدم الاغترار بالدنيا مهما ازدانت له، ودوام التعلق بالله -تعالى-؛ فإنه لا أمن إلا أمنه، ولا ضمان إلا ضمانه، ولا عز إلا عزه، فمن التجأ إليه التجأ إلى عظيم، ومن احتمى به احتمى بقدير، ومن آوى إليه آوى إلى ركن شديد.

إن التعلق بالله -تعالى- هو بلسم القلوب، وعز النفوس، وهو سبب النصر، ومعقد العز، وبوابة التمكين في الأرض.

اجتمعت أمم الكفر من سالف التاريخ إلى حاضره على الرسل وأتباعهم، فكان تعلق الرسل وأتباعهم بالله -تعالى- أمضى سلاح كسر أعداءهم.

تأملوا في سيرة نوح -عليه السلام- وهو وحيد طريد، ما آمن معه إلا قليل، فوقف في وجوه الملأ من قومه، وأمرهم بالاجتماع عليه، والانتقام منه، في صورة من التحدي والإعجاز تدعو للإكبار والإعجاب: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ) [يونس:71].

ما سلاحه في تحدي قومه؟! ولماذا لم ينتقموا منه؟! كان سلاحه: (فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ)، فحماه الله تعالى منهم، فلم يقابلوا تحديه بفعل ولا بقول، وهم أقوى وأكثر، ولا رادع لهم عن الانتقام لأنفسهم، والثأر لكرامتهم. ويؤمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يتلو علينا نبأ نوح؛ لنتعلم من سيرته التعلق بالله -تعالى- دون سواه.

ووقف هود -عليه السلام- أمام قومه، داعيًا إلى ربه، صادعًا بدعوته، مسفهًا آلهة قومه، يتحداهم وحده وهم جماعة، وليسوا أي جماعة، إنهم قوم عاد أهل القوة والبطش والجبروت: (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ) [هود:55].

إنه يطلب كيدهم، ويدعوهم إلى الاجتماع عليه، وما معه سلاح إلا تعلقه بالله -تعالى- حين قال: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [هود:56].

وأُلقي الخليل -عليه السلام- في النار وليس في قلبه إلا الله -تعالى-، وكان يردد: "حسبي الله"، أي: الله كافيني.

يا لها من لحظات تعلق بالله -تعالى- شغلته عن رجاء قومه أو استعطافهم أو استمهالهم! فليس في قلبه إلا الله -تعالى-، وقد روى أهل التفسير أن جبريل -عليه السلام- جاءه وهو يهوي في النار فقال: "يا إبراهيم: ألك حاجة؟! فقال: أما إليك فلا".

وطورد موسى -عليه السلام- ومن معه من الأقلية المؤمنة حتى استقبلوا البحر، والعدو خلفهم، فعظم الكرب على أتباع موسى، وعلموا أنهم حوصروا، وفي قبضة فرعون وقعوا، فقالوا: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء:61]؛ لكن موسى -عليه السلام- كان في شغل آخر، كان شغله التعلق بالله -تعالى-: (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء:62].

وأيام اشتداد الأذى عليه وعلى بني إسرائيل كان يعلق قلوبهم بالله -تعالى- فيقول لهم: (اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف:128].

ويونس حين اجتمعت عليه ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت ما تعلق إلا بالله -تعالى-: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87].

ويعقوب حين فقد يوسف لم يتعلق في طلبه بغير الله -تعالى-: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لَا تَعْلَمُونَ) [يوسف:86].

ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- حين طوق المشركون الغار، وقال أبو بكر -رضي الله عنه-: لو أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا، قال -عليه الصلاة والسلام-: "ما ظَنُّكَ يا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا!!".

وفي اليرموك كتب أبو عبيدة إلى عمر -رضي الله عنهما- يستنصره على الكفار، ويخبره أنه قد نزل بهم جموع لا طاقة لهم بها، فلما وصل كتابه بكى الناس، وكان من أشدهم عبد الرحمن بن عوف، وأشار على عمر أن يخرج بالناس، فرأى عمر أن ذلك لا يمكن، وكتب إلى أبي عبيدة: "مهما ينزل بامرئ مسلم من شدة فينزلها بالله يجعل الله له فرجًا ومخرجًا، فإذا جاءك كتابي هذا فاستعن بالله وقاتلهم".

علمهم الفاروق -رضي الله عنه- التعلق بالله -تعالى-، لا التعلق بعمر ولا بجيشه، فنصرهم الله تعالى نصرًا عزيزًا.

الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها الصائمون القائمون: "من تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إليه"، تلكم قاعدة نبوية نطق بها من لا ينطق عن الهوى -صلى ا
لله عليه وسلم-، ورأيناها واقعًا فيما مر بنا من أحداث عظام؛ فأمة العرب ركنت في قضاياها المصيرية إلى المنظمات الدولية، وركنت في حمايتها إلى الدول العظمى، وتعلقت بها أكثر من تعلقها بالله -تعالى-، فما زادتها إلا ذلاًّ وظلمًا وقهرًا ورهقًا، فضاعت فلسطين في أروقة الظالمين، وسلمت العراق للصفويين، والآن يذبح الباطنية إخواننا السوريين، ويبيد البوذيون إخواننا البورميين، وأمة العرب -ومِنْ ورائها المسلمون- لم يستطيعوا فعل شيء؛ لأن تعلقهم بغير الله -تعالى- كان أكثر من تعلقهم به -سبحانه-.

ضربت عليهم الذلة رغم كثرتهم، وأهينوا بالفقر رغم ثرواتهم، وأصيبوا بالتفرق مع أنهم في الأصل أمة واحدة.

تعدَّدت الأسباب، واختلفت الرؤى؛ لكنَّ السببَ الجامعَ لكُلِّ أسبابِ مصائبِ الأمةِ ومذابحها وهوانها على أعدائها هو التعلقُ بغير الله -تعالى-، فوُكِلُوا إلى مَن تعلَّقوا به مِن البشر، فخذلوهم، وظلموهم، وغدَروا بهم.

والعروش التي تساقطت كان أربابها متعلقين بالخَلق من دون الله -تعالى-، فما أغنوا عنهم نقيرًا ولا قطميرًا، ولم يحموهم من الذل والأسر والقتل، ولم يمنعوا عروشهم من السقوط.

إي وربنا! لم ينفعهم تعلقهم بعسكرهم وقواتهم وأعوانهم، كما لم ينفعهم تعلقهم بالقوى المستكبرة، وخضوعهم لها لما أراد الله -تعالى- زوالهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "وكُلُّ مَن علّق قلبه بالمخلوقات أن ينصروه، أو يرزقوه، أو أن يهدوه؛ خضع قلبُه لهم، وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك، وإن كان في الظاهر أميرًا لهم، مُدَبِّرًا لهم، متصرفًا بهم، فالعاقل ينظر إلى الحقائق لا إلى الظواهر".

وقال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "أعظم الناس خذلانًا مَن تعلّق بغير الله، فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو مُعرَّضٌ للزوال والفوات".

الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

وفي بلاد الشام اجتمع على أهل السنة فيها دولة بجندها وجيشها وعتادها، يقودها النصيرية لذبحهم، وأمدَّهم باطنية لبنان والعراق وإيران بالجند والسلاح، ومن خلفهم ملاحدة الصين وروسيا، وترك العالم السوريين يواجهون هذا كله وحدهم، فلما رأوا خذلان الناس لهم؛ تعلقت قلوبهم بالله وحده، وظهر ذلك جليًّا في هتافاتهم وشعاراتهم، فأمدهم الله -تعالى- بقوته، وثبّت قلوبهم بقدرته، وأدال لهم على أعدائهم، وأمال الكفة لهم، وصاروا يثخنون في العدو، ويقتربون من النصر، وتلك آية بينة رأيناها بأنفسنا تدل على أن التعلق بالخلق يورث الذل والخذلان والهزيمة، وأن التعلق بالله تعالى يكسب العز والنصر والقوة.

فعلِّقوا بالله العظيم قلوبكم، وأخلوها من الخلق مهما كانوا، علقوا به -سبحانه- قلوبكم في هذا الزمن العصيب الذي تتخطفنا فيه الفتن، وتحيط بنا المحن، ويتكالب علينا الأعداء.

علِّقوا بالله -تعالى- قلوبكم في رد أعدائكم، وعلقوا به قلوبكم في حفظ أوطانكم، وعلقوا به قلوبكم في أمنكم واستقراركم، وعلقوا به قلوبكم في أرزاقكم، وعلقوا به قلوبكم فيما تؤملون في مستقبلكم وما تخافون.

ولا تتعلقوا بمخلوق مهما علت منزلته، وبلغت قوته، وظهرت عزته، فإن القوة لله جميعًا، وإن العزة لله جميعًا: (أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ) [الأعراف:54]، (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ) [آل عمران:160].

بارك الله لي ولكم...


الخطبــــة.الثانيــــة.cc
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على الصيام والقيام والعيد، والحمد لله على ما شرع من الشرائع، وما هدانا إليه من العبادات والشعائر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أمــــا بعــــد:
فيا أيتها النساء المسلمات، يا أيتها الصائمات القائمات: اتقين الله -تعالى- في أنفسكن، واتقينه في دينكن، وعلقن به -سبحانه- قلوبكن؛ فإن البشر ضعاف، وأضعف البشر النساء.

وكلما اشتد ضعف المخلوق كان أكثر حاجة إلى التعلق بمن يحميه وينصره ويدفع عنه، والله -تعالى- هو القوي القهار، العزيز الجبار؛ لا تتعلق به امرأة فتضيع، ولا تعلق حاجتها به فتخيب.

املأن قلوبكن وقلوب أولادكن بمحبة الله -تعالى- وتعظيمه، وشدة التعلق به، وحسن التوكل عليه، وسرعة الإنابة إليه.

ولن تتعلق امرأة بالله -تعالى- إلا تمسكت بدينه، وحافظت على أوامره، واجتنبت نواهيه، ودعت غيرها إليه، وصبرت على الأذى فيه.

لا تتعلق امرأة بالله -تعالى- إلا صانت عفافها، وتفقدت حياءها، وسترت جسدها، وتلفعت بجلبابها، وجانبت مخالطة الرجال، ولو أوذيت في ذلك وحوربت عليه، وسُخر منها لأجله، ومنع عنها الرزق بسببه؛ فإن تعلقها بالله -تعالى-
يدفعها إلى ما يرضيه، ولو سخط البشر أجمعون.

ولك -أختي المسلمة- في المسلمات المنتقبات في فرنسا عبرة وآية، ينزع النظام الطاغوتي المستبد أغطية وجوههن بالقوة، وهن ثابتات صامدات، يتحملن الأذى، ويدفعن الغرامة؛ جهادًا في سبيل الله -تعالى-، وإظهارًا لشعائره، ومراغمة للكفر وأهله، ووالله إنهن لمنصورات ولو بعد حين، فرّج الله -تعالى- عنهن وعن المسلمين في كل مكان، إنه سميع مجيب.

الله أكبر الله أكبر؛ لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: صمتم شهركم، وحضرتم عيدكم، وقضيتكم صلاتكم، وأرضيتم ربكم، فتفرقوا من مصلاكم بقلوب متعلقة بالله -تعالى-، موقنة به، متوكلة عليه، منيبة إليه.

تفرقوا بقلوب سليمة من الضغائن والأحقاد؛ فصلوا من قطعكم، وأعطوا من حرمكم، وأحسنوا إلى من أساء إليكم؛ فالعيد عيد الود والصفاء، ونقاء القلوب، واجتماع الأرواح.

وأكثروا من الدعاء لإخوانكم المستضعفين في فلسطين والعراق وأفغانستان وسوريا وأراكان وفي كل مكان؛ لتثبتوا أنكم تشعرون بهم حتى في العيد.

أعاده الله تعالى علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

(إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
دروس.وخـواطــر.رمـضــانيـة.cc
أفـــــضــــــــــل لـــيــــــــــالي الـــــعــــــــــام
=========================

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، وبعـــــد :

أيها المسلم لقد دخلت عليك العشر الأواخر من رمضان التي فيها الخيرات، ولذا :

• اجتهد في هذه العشر أكثر من اجتهادك في غيرها بالأعمال الصالحة، وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ ) رواه مسلم .

• اجتهد في هذه العشر، وتفرّغ فيها للعبادة من صلاةٍ، وقرآنٍ، وذكرٍ، وصدقةٍ وغيرها من أعمال البر، بل اعتزل النساء للتفرُّغ للطاعات، وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ) رواه الشيخان.

• قم بإحياء الليل في هذه الليالي العشر بالصلاة، والذكر، وقراءة القرآن لفعله صلى الله عليه وسلم .

• أيقظ زوجتك، وأمّك، وأهلك ؛ ليعبدوا الله ﻷ في هذه العشر، ونبِّه عليهم أن يستفيدوا من لياليها .

• اعتكف في هذه العشر إن تيسر لك، واعتكف ولو بعضها ( انقطِع في المسجد لطاعة الله تعالى من الصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، ونحو ذلك) .

• اهتم بهذه العشر اهتماماً بالغاً ؛
لأن فيها ليلة القدر، وذلك من خصائص هذه العشر، ولا تضيِّع الوقت، فإن وقت هذه العشر ثمين جداً .

• احذر من إضاعة هذه الليالي العشر في أمور تافهة، ولتحذر المرأة من إضاعة العشر في أمور دنيوية بحتة، مثل أثاث المنزل، والملابس، أو التسكع في الأسواق، بل حاول أن تشتري أغراض المنزل قبل دخول العشر، بحيث تتفرغ لهذه العشر أنت وأهلك .

• اعلم أن أهم العبادات في هذه
الليالي العشر هي الصلاة ( قيام الليل )
فاجتهد في ذلك بإطالة الصلاة والركوع والسجود، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ ) رواه مسلم .

• اجتهد في هذه العشر اجتهاداً أكثر من بقية ليالي الشهر، وشمِّر في العبادة، وفي مسند أحمد : عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْلِطُ الْعِشْرِينَ بِصَلَاةٍ وَنَوْمٍ فَإِذَا كَانَ الْعَشْرُ شَمَّرَ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ وَشَمَّرَ ) .

============================
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
كيـــف نــــودع رمـــضــــــــــــان؟
للشيخ/حســـان أحمـــد العـــماري
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمدُ لله اللطيفِ الرؤوفِ المَنَّانِ، الْغَنِيِّ القويِّ السِّلْطَان، الحَلِيمِ الكَرِيم الرحيم الرحمن، الأوَّلِ فلا شَيْءٍ قبلَه، الآخر فلا شَيْء بعده، الظَاهرِ فلا شَيْء فوْقَه، الباطِن فلا شَيْءً دُونَه، المحيطِ عِلْمَاٍ بما يكونُ وما كان، يُعِزُّ وَيُذِلُ، ويُفْقِرُ ويُغْنِي، ويفعلُ ما يشاء بحكْمتِهِ كلَّ يَوْم  هُو في شان، أرسى الأرضَ بالجبالِ في نَوَاحِيها، وأرسَلَ السَّحاب الثِّقالَ بماءٍ يُحْييْها، وقَضَى بالفناءِ على جميع سَاكِنِيها لِيَجزِيَ الذين أساؤوا بِمَا  عَمِلوا ويَجْزِي المُحْسنين بالإِحسان ...

أحْمَدُه على الصفاتِ الكاملةِ الحِسَان،  وأشكرُه على نِعَمِهِ السَّابغةِ وبَالشَّكرِ يزيد العطاء والامْتِنَان،  وأشهد أن لا إله إلاَّ الله  وحْدَه لا شريكَ له المَلِكُ الدَّيَّان، وأشهد  أنَّ محمداً عَبْدُهُ ورسولُهُ المبعوثُ إلى الإِنس والجان، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعينَ لهم بإحسان ما توالت الأزمان، وسلَّم تسليماً كثيراً .

أمـــا بعـــد - عبــــــــاد الله :- 
ما أسرعَ ما تنقضِي الليالي والأيّام، وما أعجلَ ما تنصرِم الشهور والأعوام، وهذه سُنّة الحيَاة

أيّامٌ تمرّ وأعوَام تكرّ، وفي تقلّب الدّهر عِبر، وفي تغيُّر الأحوال مدّكَر قال تعالى ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ )(فاطر: من الآية37) فهذا، شهرُ رَمضانَ تقوَّضَت خِيامه، وتصرَّمت لياليه وأيّامُه، قرُب رَحيلُه، وأزِف تحويلُه، انتصَب مودِّعا، وسَار مسارعا، ولله الحمد على ما قضَى وأبرَم، وله الشّكر على ما أعطى وأنعم...

فاستدركوا ـ رحمكم الله ـ بقيّتَه بالمسارعة إلى المكارم والخيرات واغتنامِ الفضائل والقرُبات، ومن أحسن فعليه بالتمام، ومن فرَّط فليختم بالحسنى فالعمل بالخِتام قال تعالى ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (يونس:26)  ...

فمن لم يختم قراءة القران فليكمل ما تبقى عليه من آياته وسوره ومن أكمل فليضاعف من حسناته وأجوره هكذا يجب أن نودع رمضان بعمل صالح نقدمه بين يدي الله فكتاب الله لا تمله النفوس ولا تشبع منه القلوب فهو منهج أمة ودستور حياة ... عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ ) [ رواه أحمد ] ...  

كما ينبغي لنا أن نودع رمضان بإتمام الأعمال والعزم على الإستقامة على الطاعات و بكثرة الدعاء بأن يتقبل منا صيامه وقيامه وسائر العبادات والطاعات فيه فقد وصف الله حال عباده المؤمنين بعد القيام بالعبادات والطاعات بأنهم : { يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون } ( المؤمنون 60) أي يخافون أن ترد أعمالهم ، فهل شغلك هذا الهاجس وأنت تودع شهر  رمضان ، قال الإمام علي رضي الله عنه : " كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل ، ألم تسمعوا إلى قول الحق عز وجل : { إنما يتقبل الله من المتقين } ( المائدة 27) ، وكان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان : " ياليت شعري من هذا المقبول منَّا فنهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه ، ثم ينادي :  أيها المقبول هنيئاً لك ، أيها المردود جبر الله مصيبتك " .

عبــــــــاد الله :- 
 ويجب أن نودع رمضان بإخراج زكاة الفطر فهي طهرة للصائمين مما قد يؤثر في صيامهم وينقص ثوابه بسبب اللغو والرفث ونحوهما، وتكميلاً للأجر وتنمية للعمل الصالح، ومواساة للفقراء والمساكين، وإغناءاً لهم من ذل الحاجة والسؤال يوم العيد إلى جانب أن فيها إشاعة المحبة والمودة بين فئات المجتمع المسلم ... عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: { فرض رسول الله  زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين. وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة }[متفق عليه] ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين .
وقال أهل العلم أنه يجوز أخراجها مالاً وقيمته بالعملة اليمنية 200 ريال عن كل نفس مؤمنة.

كما ينبغي أن نودع رمضان بقيام كل واحدٍ منا رجلاً كان أو امرأة بصناعة إبتسامة مشرقة وبسرورٍ ندخله قلوب من حولنا وإن هذا العمل وهذه العبادة من أعظم وأجل العبادات عند الله سبحانه وتعالى قال صلي الله عليه و سلم: " أحب الناس إلى الله أنفعهم .

وأحب الأعمال إلى الله عز و جل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه
دينا أو تطرد عنه جوعا و لأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا و من كف غضبه ستر الله عورته و من كظم غيظا و لو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة و من مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام و إن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل ".... 

فنودع رمضان بإبتسامة وسرور ندخله على الآباء والأمهات وذلك بطاعتهما وبرهما وصلتهما والإنفاق عليهما وذلك من أعظم أبواب الجهاد فعن عبد الله بن عمرو، قال: "جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فاستأذنه في الجهاد، فقال: أحيٌ والداك؟ قال: نعم قال: ففيهما فجاهد" أخرجه البخاري (3004)، وفي لفظ عند مسلم (2549) "ارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما" ، وفي لفظ عند أبي داود (2528) "ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما ) فإدخال السرور عليهما ورسم البسمة في شفاههما من أعظم العبادات حتى من الجهاد في سبيل الله و لقد نهى صلى الله عليه وسلم عن عقوقهما وعده من الكبائر فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً، قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت) (رواه البخاري و مسلم ) ..

وكما أن للصائم باب إلى الجنة هو باب الريان فكذلك الوالدان فإنهما بابان إلى الجنة فأين البر وأين الصلة وأين الرحمة بهما ؟ إنه مهما عملنا فلن نؤدي حقهما .. رجل من أهل اليمن  يطوف بالبيت، يحمل أمه العجوز على ظهره، ويطوف بها بالبيت، من منا يفعل هذا؟ ومن منا يتصور هذا قبل أن يفعله؟ يحمل أمه على ظهره ثم يطوف حول البيت، هل وصلنا بالبر إلى هذا المستوى؟ هل وصلنا بطاعة الوالدين وحبهما إلى هذه الدرجة؟ يحملها على ظهره فيطوف بالبيت، فيرى ابن عمر ذلك الرجل الصحابي الفقيه، فقال له: [يا ابن عمر ! أتراني جزيتها؟ -تراني بهذا الفعل جزيت حق أمي وأرجعت لها الحقوق- فقال له ذلك الرجل العالم ابن عمر : لا. ولا بزفرة من زفراتها ]، ولا بطلقة من طلقاتها حين وضعتك من بطنها...

وهذا أحد العلماء المحدثين  وهو سفيان الثوري يجلس في مجلس العلم، وعنده عشرات بل ربما المئات من التلاميذ يحدثهم، ويكتبون خلفه، تأتيه أمه في أثناء الدرس، فتقول له: يا فلان! فيقول: لبيك يا أماه! فتقول له: أطعم الدجاج، فانظر إلى هذا العمل التافه، وانظر إلى هذا العمل البسيط، لكن صدر ممن؟ من أم عظيمة، من أم لها حق عليك كبير، أتعرف ماذا يفعل هذا الرجل؟ لم يقل لأمه: بعد الدرس أو بعد قليل. لا والله! بل يغلق الكتاب، ثم يقوم من مجلسه، ثم يطعم الدجاج، ثم يرجع إلى درسه، ويكمل حديثه يا له من بر وصلة  ويا لها من عظمة ويا لها من تربية ...   

كما ينبغي أن نودع رمضان بإبتسامة مشرقة نزرعها في وجوه الفقراء والمساكين والأيتام خاصة هذه الأيام فالعيد على الأبواب وإدخال الفرح والبهجة والسرور من أعظم القربات عند الله .. لقد كان حكيم بن حزام الصحابي الجليل يحزن على اليوم الذي لا يجد فيه محتاجا ليقضي له حاجته . فيقول : ما أصبحت وليس ببابي صاحب حاجة ، إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها ...و هــذا ا بن المبارك عليه رحمة الله حج  مع جمع من أهل مرو فلما كانوا في منتصف الطريق نزلوا في مكان ليستريحوا قليلا بجانب قرية من القرى وبينما هم كذلك اذ بهم يرون امرأة قد أخذت دجاجة ميتة كانت قي عرض الطريق فسأله بن المبارك لما يا أمـــة الله قالت : لقد أصيب أهل هذه القرية بالمرض والجوع ولي صبية صغار والله ما أجد ما أطعمهم فـتأثر بن المبارك ومن معه ونادى فيهم  ليس لكم حج هذا العام وأخذ الأموال والطعام ودفعها إلى أهل تلك القرية فأدخل السرور عليهم وقضى حاجتهم وعاد إلى بلاده ... كم من الأجر سيناله وكم من الدعوات تلهج بها السنة الفقراء والمحتاجين والأيتام ستطاله ؟ عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورا لم يرض الله له ثوابا دون الجنة"( رواه الطبراني بسند حسن)

عبــــــــاد الله :-  
وأرحامكم لا تنسوا وأنتم تودعون رمضان أن تحسنوا إليهم وأن تصلوا ما بينكم وبينهم من قطيعة وأن تدخلوا البهجة والسرور إلى نفوسهم فقد قضى جبار السماوات والأرض على نفسه أنه من وصل رحمه وصله الله ومن قطعها قطعه الله

فلا تنسوا المعروف بينكم مهما كانت الخلافات ولا تنسوا الحقوق والواجبات مهما بعدت المسافات هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم تأتيه أخته من الرضاعة وقد ابتعدت عنه ما يقارب أربعين سنة، فتأتيه وهو لا يعرفها وهي لا تعرفه، مرت سنوات وسنوات، وأيام وأيام، وأعوام وأعوام، وتسمع وهي في بادية بني سعد في الطائف بانتصاره، فتأتي لتسلم على أخيها من الرضاع وهو تحت سدرة عليه الصلاة والسلام، والناس بسيوفهم بين يديه، وهو يوزع الغنائم بين العرب، فتستأذ
ن، فيقول لها الصحابة: من أنت؟ فتقول: أنا أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أنا الشيماء بنت الحارث أرضعتني أنا وإياه حليمة السعدية ، فيخبرون الرسول عليه الصلاة والسلام فيتذكر القربى وصلة الرحم والوشيجة والعلاقة، التي أنزلها الله من السماء، ويقوم لها ليلقاها في الطريق ويعانقها عناق الأخ لأخته بعد طول المدة، وبعد الوحشة والغربة، ويأتي بها ويجلسها مكانه، ويظللها من الشمس ... تصوروا رسول البشرية، ومعلم الإنسانية، ومزعزع كيان الوثنية يظلل هذه العجوز من الشمس برضعه واحدة، فأين الذين قطعوا عماتهم وخالاتهم، وبناتهم وأخواتهم؟ وهم كثيرٌ! حرموهن من الميراث الذي فرضه الله لهن وقطعوهن من الصلة والزيارة؛ حتى سمعنا ورأينا من العجائز الطاعنات في السن من تقف الواحدة في فقرٍ، وهي تبكي وتقول: ظلمني! وأخذ حقي أمره إلى الله ؟! ....  


اللهم أصلح فساد قلوبِنا وأرحم ضعفنا وحسن أخلاقنا ووفقنا إلى كل خير ...  

أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه ، إنه هو الغفور الرحيم .


الخطـبـــة.الثانيـــة.cc
عبــاد الله : ألا بشروا من يسعى في إدخال السرور على الناس وقضاء حوائجهم بقضاء حوائجه ففي الصحيحين عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)( البخاري/2262).

فمن كان الله في حاجته أتظنون أنه يخيب ..؟ فيا أصحاب الأموال كم محروم ومحزون تستطيعون أنتفروحوه وكم من سجين تستطيعون أن تفرجوا عنه كربته وكم من مريض يحتاج إلى مساعدة أنتم تقدرون عليها ويا أصحاب الوجاهه والمناصب كم من مظلوم تستطيعون أن تنصفوه وتردوا له حقه ..

وكم من صاحب حاجة ينتظر من يعينه على قضائها ..هذا الفاروق عمر رضي الله عنه وهو خليفة وجد وهو يتفقد أحوال المسلمين بالليل امرأة في حالة المخاض تعاني من آلام الولادة مع زوجها في خيمة في أطراف المدينة فحث زوجته على قضاء حاجتها وكسب أجرها وقال لها هل لك في أجرٍ ساقه الله إلينا ؟ فكانت هي تمرض المرأة في الداخل وهو في الخارج ينهمك في إنضاج الطعام بالنفخ على الحطب تحت القدر حتى يتخلل الدخان لحيته وتفيض عيناه بالدمع لا من أثر الدخان الكثيف فحسب بل شكراً لله أن هيأه وزوجته لإدخال السرور و قضاء حوائج الناس! قال تعالى :{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}( لحج:77)..

ولا ننسى ونحن نودع رمضان إخواننا المسلمين المظلومين والمشردين والمضطهدين والجوعى والمحاصرين في أصقاع الأرض من دعوة صالحة ومن سخاء يد بالإنفاق عليهم كلٌ بما يستطيع وليكن عندنا أمل بأن الله سيحدث التغيير في حياة هذه الأمة إلى الأفضل وأن بعد العسر يسر وأن بعد الكرب يأتي الفرج وما ذلك على الله بعزيز وقد أمركم ربكم فقال قولاً كريماً:  إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً  [الأحزاب:56]. 

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين   ...
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
الـــزكـــاة المــفــــــــروضــــــة
فرضـــها - وفضــلها - وأهمـــيــتها
للشيخ/ إبراهيم بن محمد الحقـيل
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله اللطيف الخبير؛ فرض على عباده من الدين ما يقرب إليه، وشرع لهم من الفرائض ما يصلحهم في الدنيا والآخرة، نحمده ونشكره ونتوب إليه ونستغفره (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) [آل عمران:135] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، (لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآَخِرَةِ وَلَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [القصص:70] وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله؛ أرسله (بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِالله شَهِيدًا) [الفتح:28] صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله ربكم –أيها المسلمون- واعمروا أوقاتكم بطاعته سبحانه، وخذوا مما مضى من أعماركم عبرة لما بقي، فحال ما بقي سيكون كحال ما مضى (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ) [الحشر:19].

أيها الناس: كل الناس ينشدون السعادة، ويطلبون الراحة، وكل ما يسعى إليه البشر من تحصيل الأموال، والترقي في الجاه، وتنويع وسائل الترف والرفاهية المباح منها والمحرم؛ إنما كان سعيهم فيها لتحصيل الراحة والسعادة، ولا راحة للعبد، ولا سعادة للقلب إلا في طاعة الله تعالى، وكل سعادة بغير الله تعالى وطاعته تزول سريعا، ولا تبقى أبدا، والأثرياء الذين يُغبطون على ثرواتهم كانوا يجدون لذة في جمعها وتنميتها فلما امتلأت بها أرصدتهم ذهبت لذتها، وصارت أمرا عاديا. وأصحاب المساكن والقصور يفرحون بها حال بنائها، وبعد سكناها تذهب حلاوتها يوما بعد يوم، وربما أصابهم الملل منها، وصاحب الجاه يسعى إليه حتى إذا بلغه لا يلبث إلا قليلا فيذهب رونقه، ولا يحسُّ به، ويسعى إلى ما هو أعلى مما بلغ.

وهكذا كل أعراض الدنيا أبى الله تعالى أن تبقى لذتها لأصحابها أبدا، كيف؟ ولا وزن للدنيا عند الله تعالى.

أما لذة العبادات فلا يدانيها لذة، هي السعادة التي يَطرب القلب لها، وينشرح الصدر بها، وإذا قضى المسلم فرضه من الصلاة أحس براحة عظيمة، وإذا وضع زكاة ماله في يد من يستحقها فرح بذلك، وإذا قضى نسكه من حجته وعمرته فلا تسل عن فرحته وهو عائد إلى بلده "ولِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ".

وكما أن الصلاة والصيام والحج عبادات بدنية فإن الزكاة عبادة مالية، تقي النفس شحها، وتطهرها من بخلها وحرصها، عظمت عناية الشارع الحكيم بها، وتكرر ذكرها في القرآن كثيرا مقترنة بالصلاة أو منفصلة عنها.
وهي من مباني الإسلام العظام، وركنه الثالث بعد الصلاة وقبل الصيام؛ كما روى ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بُنِيَ الإِسْلامُ على خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إلا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ" متفق عليه.

ولمكانة الزكاة عند الله تعالى جاءت بها شرائع من سبقوا من رسل الله تعالى، وأُوحي إليهم بها، وفرضت على الأمم الماضية، كما أوحى الله تعالى إلى الأئمة من ذرية إبراهيم عليه السلام (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ) [الأنبياء:73] وامتدح بها إسماعيل عليه السلام بقوله سبحانه: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [مريم:55] وأخبر تعالى عن عيسى عليه السلام أنه قال: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) [مريم:31].

وأخذ عز وجل الميثاق على بني إسرائيل في جملة من الشرائع كان من أهمها إيتاء الزكاة، وأمرهم بها فقال سبحانه: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة:43].

ومما يدل على أهميتها، وعناية الشارع الحكيم بها أن المؤمنين خُوطبوا بها في مكة قبل الهجرة، وتكرر ذكرها في السور المكية، فقرنت في سورة البينة بالتوحيد والصلاة (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ) بالبيِّنة:5] ولكن لم ينزل نصابها ولا مقدارها ولا وقتها، بل كان المؤمنون مأمورين بإطعام المسكين، ورعاية اليتيم، وفك الأسير، وتبليغ السبيل، ومواساة أهل المواساة، وكَثُر الأمر بذلك في السور المكية، وتنوعت الأساليب فيه، تارة بالأمر المباشر، (فَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) [الرُّوم:38] وتارة أخرى بالثناء على المنفقين (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ
حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ) [المعارج:25] وثالثة بذم من يقصرون في ذلك (كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ اليَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ) [الفجر:18] ورابعة بجعل تركها من أسباب دخول الكفار نار جهنم (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) [فصِّلت:7] وفي سورة أخرى (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ) [المدَّثر:44].

وقد جاء ذكر إيتاء الزكاة صراحة في السور المكية كما في أوائل النمل ولقمان إذ امتدح الله تعالى (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) [النمل:3] وذكر سبحانه من صفات المؤمنين المفلحين (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) [المؤمنون:4].

وجاء في حديث جَابِرٍ رضي اللهُ عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام "لما أمرهم بزكاة الإبل والبقر والغنم، وبيَّن عقوبة من لم يخرجها قالوا:يا رَسُولَ اللَّه، وما حَقُّهَا؟ قال: إِطْرَاقُ فَحْلِهَا، وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا، وَمَنِيحَتُهَا، وَحَلَبُهَا على الْمَاءِ، وَحَمْلٌ عليها في سَبِيلِ الله" رواه مسلم.

وكل هذه النصوص العظيمة -ومثلها كثير- تدل على مكانة الزكاة في دين الله تعالى، وأن الأمر بها جاء في أول الإسلام قبل الهجرة وبناء الدولة المسلمة.

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وأُمروا بالزكاة والإحسان في مكة، ولكن فرائض الزكاة ونصبها إنما شرعت بالمدينة".

وبايع النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه على أدائها -والبيعة لا تكون إلا على الأمر العظيم- روى جَرِيرُ بنُ عبدِ الله رضي اللهُ عنه قال: "بَايَعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم على إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ" متفق عليه.

والممتنع عن أداء الزكاة يُقَاتل حتى يؤديها؛ لأن الله تعالى في كتابه العزيز قد نص على أن أداءها مع إقام الصلاة والتزام التوبة سبب للكف عن قتال الكفار (فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) [التوبة:5].

وفي الآية الأخرى جعل ذلك سببا للأخوة في الدين (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة:11] .

ونص النبي عليه الصلاة والسلام على هذا الحكم العظيم الذي تَنَزَّل به القرآنُ فقال: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إلا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فإذا فَعَلُوا ذلك عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ على الله" متفق عليه من حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما.

وحين توفي النبي عليه الصلاة والسلام، وارتدت بعض قبائل العرب، ومنع بعضهم الزكاة زاعمين أن دفع الزكاة خاصٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم عَمِلَ الصديقُ أبو بكرٍ رضي الله عنه فيهم بما دلَّت عليه النصوص، فسَيَّر الجيوش لقتالهم، ولم يتهاون في أمرهم، وأخبر أن الزكاة قرينةُ الصلاة، وأن الممتنع عن أدائها يستحق القتال حتى يؤديها، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: "لَمَّا تُوُفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بَكْرٍ رضي اللهُ عنه وَكَفَرَ من كَفَرَ من الْعَرَبِ فقال عُمَرُ رضي الله عنه: كَيْفَ تُقَاتِلُ الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إلا الله فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إلا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ على الله، فقال: والله لَأُقَاتِلَنَّ من فَرَّقَ بين الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فإن الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، والله لو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ على مَنْعِهَا قال عُمَرُ رضي الله عنه فَوَ الله ما هو إلا أَنْ قد شَرَحَ الله صَدْرَ أبي بَكْرٍ رضي الله عنه فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ" رواه الشيخان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة وإن كانوا يصلون الخمس، ويصومون شهر رمضان".اهـ

فحري بكل مؤمن بالله تعالى أن لا يتهاون بهذا الركن الركين من دين الإسلام، وأن يخرج زكاة ماله طيبة بها نفسه، مستحضرا أن الله تعالى هو الذي أنعم عليه بهذا المال، وأوجب جزءًا يسيرا منه فريضة عليه، يُجزى عليها يوم القيامة أجرا عظيما إنْ وضعها في يد من يستحقها، مؤمنا بفرضها، مخلصا لربه في أدائها، محتسبا ثوابها.

مع ما فيها من تطهير النفس من شحها وأثرتها، وتزكية المال وتنميته؛ وقد قال الله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُ
هُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة:103].

أسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شح أنفسنا، إنه سميع مجيب.

أقول ما تسمعون....




الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين؛ أنعم على عباده بهذا الدين العظيم، فمنهم من آمن ومنهم من كفر (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس:99] نحمده حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وجِدُّوا فيما بقي من شهركم المبارك؛ فعن قريب يفارقكم بما استودعتم فيه من أعمالكم؛ لتجدوا ذلك أمامكم بعد موتكم (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ) [آل عمران:30].

أيها الناس: اعتاد كثير من المسلمين إخراج زكاتهم في رمضان؛ تحريا لفضيلة الشهر، وفضيلة التلبس بالصيام؛ رجاءَ أن يقبلَ اللهُ تعالى زكواتهم، ولكن كثيرا منهم لا يُوفقون في إيصال الزكاة لمستحقيها بسبب التفريط أو الجهل.

وفي المسلمين عشرات الألوف من الأثرياء، وفيهم ملايين الفقراء، ولو ردَّ الأغنياء زكاة أموالهم على المستحقين لما بقي في المسلمين فقير، ولكن بعض الأثرياء يُقصرِّون في إخراج زكاتهم، فلا يخرجونها كلية، أو يخرجون بعضها؛ استعظاما لها، ولم يستعظموا أموالهم، وما الزكاة منها إلا جزءًا واحدا من أربعين جزءًا (قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) [عبس:17].

وكثير من الأثرياء يخرجون زكاتهم ولكنها لا تقع في أيدي مستحقيها؛ وذلك لأن كثيرا من الأغنياء قد اعتادوا صرف زكواتهم منذ سنوات لأُسَرٍ كانت محتاجة لفقرها أو فقد عائلها، ولكن الله تعالى قد فتح عليهم أبواب رزقه، فعمل أبناؤهم وبناتهم، وسُدَّت حاجاتهم، وهم لا زالوا يتقبلون الزكاة؛ جهلا بأنهم لا يستحقونها، أو ظنا أنها هبة أو هدية ممن يعطيهم إياها، أو جشعا وطمعا.

وبعض الأغنياء يدفعون زكاتهم إلى أقرب سائل، ولا يتحرون فيها أهلها الذين اختصهم الله تعالى بها، وسبب ذلك الثقة المفرطة، وإتقان كثير من المتسولين صنعتهم، باصطناعِ الفقر والحاجة، وتَقَمُّصِ أحوالِ ذوي العاهات والأمراض، مع فصاحةِ لسانٍ في اختلاق الأكاذيب، وإنشاء القصص التي يُحركون بها قلوب الناس، ويستدرون بها عواطفهم، وبعضهم قد يكون محتاجا في البداية، ولكنه اعتاد على السؤال، ووجد أن هذا الباب أسهل الأبواب للكسب والارتزاق.

وبكل حال فإن من يسألون سيجدون من يعطيهم، فينبغي للمسلم أن لا يحفلَ بهم كثيرا، ولا يغامرَ بزكاته في أيديهم وهو لا يتيقنُ صدقهم، والنبي عليه الصلاة والسلام قد أرشدنا في هذه المسألة فقال عليه الصلاة والسلام: "ليس الْمِسْكِينُ بِالَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ ولا اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ إنما الْمِسْكِينُ الْمُتَعَفِّفُ، اقرؤوا إن شِئْتُمْ :لَا يَسْأَلُونَ الناس إِلْحَافًا" رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ومن كان وصيا على الزكاة فيجب عليه أن يتحرى فيها أهلها، ويجتهد في ذلك، ولا يجامل أحدا فيها لقرابة أو زمالة أو معرفة أو غير ذلك؛ لأن الأغنياء ما وكَّلوه بصدقاتهم إلا لثقتهم فيه، فيجب أن يردعه دينه عن تحمل ذلك وهو ليس بأهل له؛ لقلة معرفته، أو كثرة مشاغله، فإن تحملَّه فليكن على قدر المسؤولية فيه، ولا يفرط في حق الفقراء، فيحرمهم منه، ويدفعه إلى غيرهم.

قال نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام : "اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ) رواه الترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه وقال: حديث حسن صحيح.

وصلوا وسلموا على نبيكم.
🎤
خطبة.عيد.الفطر.المبارك.cc
وكان حـــقا عليـنا نصـــر المؤمنـين
للــدكتــــور/ احــــمـــــــد فـــــريـــــــــد
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

أهداف وعناصر الخطبة :
1- بيان نعم الله تعالى ووجوب شكرها.
2- توجيهات ووصايا تتعلق بالعيد.
3- توديع رمضان.
4- وعد الله المؤمنين بالنصر.
5- من أنواع النصر: نصر العز والتمكين - قهر الأعداء - انتصار العقيدة والإيمان - الثبات على الدين - نصر الحجة والبيان.
6- انتصار المسلمون على الروم وعلى اليهود.

الخطبـــة.الأولـــى.cc
أما بعد: قال الله - عز وجل -: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

فالله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ما صام المسلمون شهر رمضان، الله أكبر ما أحيوا ليله بالقيام، الله أكبر ما أخرجوا زكاة فطرهم طيبة بها نفوسهم، الله أكبر ما اجتمعوا في عيد الفطر يشكرون الله على ما هداهم للإسلام.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

ويا شهر رمضان غير مودع ودّعناك، وغير مقليّ فارقناك، كان نهارك صدقة وصياماً، وليلك قراءة وقياماً، فعليك منا تحية وسلاماً.

سلام من الرحمن كل أوان
على خير شهر قد مضى وزمان
لئن فنيت أيامك الغر بغتة
فما الحزن من قلبي عليك بفان

عباد الله:
وعد الله - عز وجل - المؤمنين بالنصر فقال عز وجل: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، وهذا النصر - عباد الله - ليس مقصوراً على نصر التمكين ولكن النصر له صور مختلفة، فلا بد للمؤمنين من نوع من أنواع هذا النصر.

فمن أنواع النصر الذي وعد الله به المؤمنين: نصر العزة، والتمكين في الأرض، وجعل الدولة للإسلام، والجولة للإسلام، كما نصر الله - عز وجل - داود وسليمان - عليهما السلام -، قال تعالى: ﴿ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 251] وقال عز وجل: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) [الأنبياء: 79]. فجمع الله - عز وجل - لهذين النبيين الكريمين بين النبوة والحكم والملك العظيم، وكما نصر الله - عز وجل - نبيه محمداً -صلى الله عليه وآله وسلم-، فما فارق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الدنيا حتى أقرّ الله - عز وجل - عينه بالنصر المبين، والعز والتمكين، بل جعل الله - عز وجل - النصر ودخول الناس في دين الله أفواجاً علامة قرب أجل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1 - 3]، فما فارق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الدنيا حتى حكم الإسلام جزيرة العرب، ثم فتح تلامذته من بعده البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، حتى استنار أكثر المعروف من الأرض بدعوة الإسلام، وسالت دماء الصحابة في الأقطار والأمصار، يرفعون راية الإسلام، وينشرون دين النبي - عليه الصلاة والسلام -، حتى وقف عقبة بن عامر على شاطئ الأطلنطي وقال: "والله يا بحر لو أعلم أن وراءك أرضا تفتح في سبيل الله لخضتك بفرسي هذا" وما كان يعلم أن وراءه الأمريكتين. وهذا الخليفة المسلم هارون الرشيد نظر إلى السحابة في السماء وقال لها: "أمطري حيث تشائين فسوف يأتيني خراجك".

انتصر الإسلام - عباد الله - لما وجد الرجال الذين يقومون به ويضحون من أجله، والله - عز وجل - يقول: ﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 173]، فإذا كنا جنداً لله - عز وجل - فلا بد أن ينصرنا الله - عز وجل.

ومن أنواع النصر كذلك - عباد الله -: أن يهلك الله - عز وجل - الكافرين والمكذبين، وينجي رسله وعباده المؤمنين. قال - عز وجل - حاكياً عن نوح -عليه السلام-: ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ [القمر: 10 - 15]، وكما نصر الله - عز وجل - هوداً وصالحاً ولوطاً وشعيباً -عليهم الصلاة والسلام-، أهلك الله - عز وجل - الكافرين والمكذبين، وأنجى رسله وعباده المؤمنين.

النوع الثالث - عباد الله - من النصر: وهو نصر العقيدة والإيمان، وهو أن يثبت المؤمنون على إيمانهم، وأن يضحوا بأبدانهم حماية لأديانهم، وأن يؤثروا أن تخرج أرواحهم ولا يخرج الإيمان من قلوبهم، فهذا نصر للعقيدة ونصر للإيمان، ألم تعلموا - عباد الله - خبر الغلام في قصة أصحاب الأخدود، حين عجز الملك عن قتله فقال له: إن
ك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به – وانظر إلى عزة الإسلام وهو يقول للملك: "ما آمرك به" - قال: ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: باسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: باسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك، قد آمن الناس.

فانظروا - عباد الله - كيف ضحى بحياته من أجل الدعوة، فعلى الدعاة إلى الله - عز وجل - أن لا يبخلوا بشيء في سبيل نشر دعوتهم، ولو أنفقوا حياتهم ثمناً لإيمان الناس، فقد مضى الغلام إلى ربه، إلى رحمته وجنته، وآمن الناس بدعوته، عند ذلك أمر الملك بحفر الأخاديد في أفواه السكك وأضرم فيها النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها، أو قيل له: اقتحم.

ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أماه اصبري فإنك على الحق. وسجل الله - عز وجل - لنا في كتابه الخالد خاتمة القصة، وعاقبة الفريقين في الآخرة فقال عز وجل: ﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾ [البروج: 4 - 11].

قافلة الإيمان تسير يتقدمها الأنبياء الكرام والصديقون والشهداء، ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23] ما جفت الأرض من دماء الشهداء في عصر من العصور.

وهذا كاتب إسلامي بذل حياته كلها من أجل أن يبين أن الحكم من أمور العقيدة، والتحاكم إلى غير شرع الله، والحكم بغير حكمه كفر بالله - عز وجل -: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [يوسف: 40]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44].

وبعد أن حكم عليه بالإعدام، وقبل أن ينفذ فيه الحكم الظالم، كتب هذه الأبيات، وكتب الله - عز وجل - لها الحياة، وخرجت من خلف القضبان.

أخي أنت حر وراء السدود
أخي أنت حر بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصما
فماذا يضيرك كيد العبيد
أخي ستبيد جيوش الظلام
ويشرق في الكون فجر جديد
أخي إن نمت نلق أحبابنا
فروضات ربي أعدت لنا
وأطيارها رفرفت حولنا
فطوبى لنا في ديار الخلود
أخي إن ذرفت علي الدموع
وبللت قبري بها في خشوع
فأوقد لهم من رفاتي الشموع
وسيروا بها نحو مجد تليد

فرحمة الله على صاحب الظلال.

نوع رابع - عباد الله - من أنواع انتصار المؤمنين: وهو أن يحمي الله - عز وجل - عباده المؤمنين من كيد الكافرين، كما قال تعالى: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141]، وكما قال عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67]. وجاء في السيرة المباركة كيف عصمه الله - عز وجل - من الرجل الذي رفع عليه السيف وقال: من يعصمك مني؟ فقال: "الله" فارتجف الرجل وسقط السيف من يده، وقصة الشاة المسمومة التي أنطقها الله - عز وجل - وأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها مسمومة، وقصة إجلاء بني النضير، ونزول جبريل وميكائيل يوم أحد يدافعان عن شخص النبي.

هل سمعتم - عباد الله - عن يوم الرجيع، هل تعرفون - عباد الله - عاصم بن ثابت؟، بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية وأمر عليهم عاصم بن ثابت - وهو جد عاصم بن عمر بن الخطاب لأمه - فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فتبعوهم بقريب من مائة رام، فاقتصوا آثارهم حتى أتوا منزلاً نزلوه، فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما انتهي إلى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد - أي مكان مرتفع - وجاء القوم فأحاطوا بهم، فقالوا: لكم العهد والميثاق، إن نزلتم إلينا لا نقتل منكم رجلاً. فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصماً في سبعة نفر ب
النبل، وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشيء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل عظيماً من عظمائهم يوم بدر، فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء.

وكان عاصم بن ثابت قد عاهد الله أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركاً أبداً، فكان عمر يقول لما بلغه خبره: "يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته كما حفظه في حياته".

فكان عاصم - رضي الله عنه - مدافعاً أول النهار عن دين الله، ودافع الله - عز وجل - عن جسده آخر النهار، فلم يمسه مشرك، فإن قال قائل: لماذا لم يمنعهم الله - عز وجل - من قتله كما منعهم من الوصول إلى جسده بعد مقتله؟ فالجواب: إن الله - عز وجل - يحب أن يرى صدق الصادقين، يحب أن يرى عباده المؤمنين وهم يبذلون أنفسهم لله - عز وجل - فينزلهم الله - عز وجل - منازل الكرامة، ويزيدهم من فضله، فالله - عز وجل - أراد أن يشرفه بدرجة الشهادة فلم يمنعهم من قتله، ثم حمى الله - عز وجل - جسده من أن يمسه مشرك.

نوع خامس: من النصر الذي ينصر الله - عز وجل - به عباده المؤمنين وهو نصر الحجة كما قال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ﴾ [الأنعام: 83]، وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".

فهذا الظهور أدناه أنه ظهور حجة وبيان، وقد يكون معه ظهور السلطان فهذه أنواع من النصر تدخل في وعد الله - عز وجل -: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، ولكن النصر الذي بشرنا الله - عز وجل - به، وبشرنا به رسوله - صلى الله عليه وسلم - هو النصر الأول، وهو نصر التمكين والظهور قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33].

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر". وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها". وأتت الأحاديث الصحيحة بأن المسلمين لهم لقاء حتمي مع الروم وهم النصارى.

عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق -والأعماق ودابق موضعان بالشام قرب حلب- فيخرج إليهم جيش بالمدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلوهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث لا يفتنون أبداً، فيفتحون قسطنطينية". وعن يسير بن جابر قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هجيرى إلا: يا عبد الله بن مسعود: جاءت الساعة، قال: فقعد وكان متكئا فقال: "إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا ونحاها نحو الشام، فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع لهم أهل الإسلام. قلت: الروم تعني؟ قال: نعم، وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة، فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيفئ هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب، وتفنى الشرطة، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة فيقتتلون حتى يمسوا، فيفئ هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب، وتفنى الشرطة، فإذا كان يوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام فيجعل الله الدبرة عليهم، فيقتتلون مقتلة، إما قال: لا يرى مثلها وإما قال: لم ير مثلها، حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخرّ ميتاً، فيتعاد بنو الأب كانوا مائة فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح، أو أي ميراث يقاسم".

كما أتت الأحاديث الصحيحة كذلك بأن المسلمين سوف يقاتلون اليهود. عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود"، وقوله: "يا مسلم" يدل على أن المسلمين في هذا الوقت يعملون بدين الله، لا ينتسبون إلى الإسلام ظلماً وزوراً.

فنصر الله - عز وجل - قادم، ودولة الإسلام قادمة، وجولة الإسلام آتية، رغم أنف المنافقين والعلمانيين والكافرين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين وأعلى راية الحق والدين.

اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بعز فاجعل عز الإسلام على يديه، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بكيد فرد كيده إلى نحره، واجعل تدبيره في تدميره، واجعل الدائرة تدور عليه.

اللهم أبرم لهذه الأمة أ
مر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.

وصلى اللهم وسلم وبارك على محمد
وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
وداعــــــــــــاً رمـــضـــــــــــــــــان
للشيخ/ عبدالرحمــن السـديس
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الاستمرار على العبادة حتى الموت

الحمد لله الذي أتم إحسانه على عباده المؤمنين، وأفاض من رحماته على المذنبين، أحمده سبحانه وأشكره على جوده وفضله العظيم، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف الأنبياء والمرسلين، وسيد الأولين والآخِرين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعــد:
أيها المسلمون: اتقوا لله ربكم، وأطيعوه في سركم وعلنكم، وراقبوه في جميع زمنكم، واشكروه أن وفقكم لإكمال شهر الصيام، فلقد مضى وانقضى، وهو شاهد للمحسنين بإحسانهم، وعلى العاصين بعصيانهم، اللهم اجعله شاهداً لنا وشفيعاً، ولا تجعله حجة علينا يا رب العالمين!

عباد الله: ودَّع المسلمون شهر رمضان المبارك، بعد أن صاموا نهاره، وقاموا ما تيسر من ليله، وأقبلوا على تلاوة كتاب الله، ولازموا فعل الخيرات، وعمل الصالحات قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً [الكهف:30] .

إنه إنْ ودَّع المسلمون أيامَ هذا الشهر الكريم، فينبغي ألا يودِّعوا ما أودَعوا فيه من الأعمال الصالحة؛ وذلك يكون باستشعار آثار الصيام على الفرد وعلى الأمة.

فالتقوى! تلكم الكلمة الجامعة التي ختم الله بها آية الأمر بالصيام، يجب ألا يُغفَل عنها بعد انقضاء شهر الصيام، وأن تبقى شعاراً لأعمال الأفراد والأمم، إن ما يعطيه الصيام من دروس في الصبر والتضحية والوحدة والمواساة، والتضامن والإخاء والألفة والمودة، والعطف وغيرها، يجب أن يستمر عليها المسلمون، وأن تُرى متمثلةً في حياة الأمة الإسلامية، وما تدنَّى واقعُ الأمة إلا لَمَّا جعلت للطاعة وقتاً وللمعصية أوقاتاً، وللخير والفضيلة زمناً، وللشر والرذيلة أزماناً، عند ذاك -يا عباد الله- لم تعمل مناسبات الخير ومواسم الرحمة والبر عملها في قلوب الناس، ولم تُجْدِ في حل مشكلات الأمة، والإصلاح من حالها، والرفع من مستواها.

إخوة الإسلام: إن استقامة المسلم على عبادة الله ليس لها غاية إلا الموت، فلا تخصَّص بزمان ولا مكان، ولا مرحلة من العُمُر، قال الحسن البصري رحمه الله: لا يكون لعمل المؤمن أجلٌ دون الموت، ثم قرأ قوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] .

فاحذروا -إخوة الإسلام- الرجوع إلى المعاصي بعد رمضان، فالإله الذي يُصام له ويُعبَد في رمضان هو الإله في جميع الأزمان، وبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، فإذا انسلخ هجروا المساجد، واعتزلوا المصاحف، وأعرضوا عن طاعة الله عزَّ وجلَّ، وأقبلوا على معاصيه.

أيها المسلمون: اتقوا الله ولا تهدموا ما بنيتم في شهر رمضان من الأعمال الصالحة، فإن من علامة قبول الحسنة: إتباعها بالحسنة، ومن أمارات ردها: إتباعها بالسيئة.

عداوة الشيطان
واعلموا -عباد الله- أن عدوكم الشيطان كان مصفداً مهاناً في شهر رمضان، لا يخلُص إلى ما كان يخلُص إليه من قبل، واليوم وقد رحل رمضان، وأُطْلِق سراح هذا العدو، فإنه يصدُّكم عن طاعة ربكم، ويفتنُكم عن دينكم، ويفسدُ ما صلح من أحوالكم، ولقد أخذ بثأره -أعاذنا الله منه- فأغوى أقواماً وأضلهم عن الصراط المستقيم، فأضاعوا بعد رمضان الجُمَع والجماعات، وهجروا كتاب الله، وشغلوا أوقاتهم بالشر والرذيلة في تجمعات فاتنة، وسهرات ماجنة، وأسفار مريبة إلى بقاع لا تؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، ومحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.

فاحذروا -عباد الله- عدوَّكم وأعوانَه من شياطين الجن والإنس، وجاهدوه وقاوموه في السَّنَة كلها، بل في العُمُر كله.

صيام ست من شوال
أيها المسلمون: إن من نعم الله على عباده أن والى عليهم العبادات، وتابعَ عليهم الطاعات من الفرائض والنوافل، فإن انتهى صوم الفريضة بشهر رمضان فصوم التطوع بابه مفتوح ومجاله واسع.

ومما يخص هذا الشهر: صيام ستة أيام بعده، فقد جاء في السنة بترغيب الناس في ذلك، وبيان الثواب العظيم فيه، قال صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر ) أخرجه الإمام مسلم وغيره عن أبي أيوب رضي الله عنه.

وذلك لأن صيام شهر رمضان عن صيام عشرة شهور في الأجر، وصيام ستة أيام من شوال عن صيام شهرين، فبذلك يحصل لمن صامها أجر صيام الدهر كله، ولا فرق بين أن يتابعها أو يفرقها في الشهر، ولا بأس أن يصوم سنة ويترك أخرى، فالأمر لا يعدو كونه سُنَّة.

أيها المسلمون: لا تفوتوا على أنفسكم هذه الفضيلة، فلا يدري أحدُنا هل يدركه عام آخر أو لا، وكلنا بحاجة ماسة إلى سد ما نقص من صيامنا بصيام التطوع.

اللهم وفقنا لفعل الخيرات، وترك المنكرات، وبارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وقنا برحمتك عذاب الجحيم، وثبتنا على الصراط المستقيم.

أقول قو
2024/09/28 07:28:21
Back to Top
HTML Embed Code: