Telegram Web Link
لي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
دعوة إلى ترك المعاصي
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً.

أما بعــد:
أيها المسلمون: اتقوا الله عزَّ وجلَّ، وتوبوا إليه واستغفروه، واشكروه على آلائه، واستقيموا على طاعته في جميع الأزمان، وتذكروا -رحمكم الله- بانقضاءِ شهرِ رمضان، ومرورِ الليالي والأيامِ بلوغَ آجالِكم، وتصرُّمَ أعمارِكم، وقدومَكم على ربِّكم يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ [غافر:39-40] .

فاتقوا الله أيها المسلمون! واتقوا الله يا من عزمتم على المعاصي بعد رمضان، فربُّ الشهور واحد، وهو على أعمالكم رقيب ولها مشاهد، وإن العودة إلى ارتكاب المحرمات وترك الواجبات بعد رمضان جحود بنعمة الله سبحانه؛ حيث وفق للطاعة، وإكمال عدة الصيام، ومَن عَزَمَ على العودة إلى المعاصي فذلك دليل على ضعف الإيمان، وأمارة على رد عمله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد:33] .

واعلموا -عباد الله- أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على نبي الرحمة والهدى كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] .

اللهم صلِّ وسلم وبارك على إمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وارضَ عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واستعمل على المسلمين في كل زمان ومكان خيارهم، يا أرحم الراحمين!

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألِّف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، واهدِهِم سبل الرشاد، يا أرحم الراحمين!

اللهم جنبهم الفواحش والفتن، ما ظهر منها وما بطن.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يُعَز فيه أهل طاعتك، ويُذَل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، يا رب العالمين!

اللهم أيد بالحق إمامنا، اللهم أعزه بالإسلام، اللهم اجعل عمله في رضاك يا أرحم الراحمين!

اللهم هيئ له البطانة الصالحة التي تدله على الخير إذا ذكر وتعينه عليه، وتحذره من الشر، يا أرحم الراحمين!

اللهم انصر المجاهدين في سبيلك، اللهم كن لهم ولا تكن عليهم.

اللهم وفق المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى العودة السابقة إلى دينك القويم، يا رب العالمين!

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكـروا الله يذكركـم، واشكـروه على نعمـه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

============================
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
ليــلة القـــــدر وزكـــاة الفطـــر
للشيخ/ عبــدالعــزيـز آل الشيـخ
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

ملخص الخطبة :
1- وجوب شكر الله تعالى على التوفيق للعمل الصالح. 2- ضرورة الخشية من زوال هذه النعمة. 3- فضل السبع البواقي من رمضان. 4- فضل ليلة القدر. 5- الحث على التوبة والرجوع إلى الله تعالى. 6- زكاة الفطر.

الخطبـــة.الأولـــى.cc
أما بعد: فيا أيها الناس
اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.

عباد الله، إن المؤمن إذا وُفِّق لعملٍ صالح فعَمِله يتأكّد في حقِّه أن يستشعرَ فضلَ الله عليه، وكرمَ الله وجودَه عليه، إذ هداه ووفَّقه لأن عمِل هذا العملَ الصالح، ولولا توفيقُ الله لك ـ أيها المسلم ـ ما عملتَ خيرًا، وتذكَّر آيتين في كتاب الله:
يقول الله جل وعلا: وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإيمَـٰنَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلرشِدُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً [الحجرات:7، 8]، إذًا فهذا العملُ الصالح الذي شرح الله صدرَك فقبِلت هذا الحق، وعملتَ بهذا الخير، واستقمتَ على الهدى فضلاً ونعمة من الله عليك، فاحمدِ الله على فضله ونعمته.

ثم تذكَّر قول الله جل وعلا: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إِسْلَـٰمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَـٰنِ إِنُ كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ [الحجرات:17]، فالمنة من الله علينا، والفضلُ من الله علينا، فلربنا الفضلُ وله الثناء الحسن، لا نحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما أثنى عليه عباده.
ثم تذكَّر قولَ الله تعالى: وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء:83].

أيها المسلم، شرح الله صدرَك للإسلام، فقبلتَ الإسلام، وعملتَ بأركان الإسلام، فتصوَّر عظيمَ هذه النعمة، وأنها نعمةٌ كبرى ومنة عظمى، لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ [آل عمران:164].

وقارِن بين حالِ من هداه الله وشرحَ صدره لقبول الحق، وحالِ من أزاغ الله قلبَه، وحالَ بينه ويبن الهدى، فلم يقبل هدَى الله الذي بعث به نبيَّه ، كرِه قلبُه الحقَّ، واستثقلته نفسُه، وضاق به صدرُه، فلم يقبل الحقَّ ولم يعمل به ولم يُرده، بل كان موقفُه الإعراضَ والتكذيب والصدودَ والعياذ بالله، وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ ٱلْجِنّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَٱلأنْعَـٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْغَـٰفِلُونَ[الأعراف:179].

إذًا فليكن ديدنك دائمًا ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ [الأعراف:43]، أجل لولا هدايةُ الله لضللتَ، ولولا توفيق الله لك لهلكتَ، ولولا عونُ الله لك لتسلّط عليك الشيطان، فصدَّك عن طريق الله المستقيم.
أخي المسلم، ثم إ ذا عرفتَ ذلك، فينبغي أيضًا أمور، أولاً أن تخافَ على هذه النعمة، وأن تخشى عليها أن يعرضَ لها ما يسلبُها منك، فكن خائفًا على دينك، خائفًا على أعمالك الصالحة أن تُؤتى من قبل نفسك، عُجبٌ بعلمك، غرورٌ وتكبّر بعملك، وإدلال على الله، وهذه من أسباب الهلكة والعياذ بالله.

ثم تذكَّر قولَ الله لنبيّه: وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَـٰكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً إِذًا لأَذَقْنَـٰكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَوٰةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ [الإسراء:74، 75]، وقوله له: وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْء [النساء:113].

أخي المسلم، ثم اعلم أنَّ سلفنا الصالحَ أئمةَ العلم والهدى إذا وُفِّقوا للأعمال الصالحة، فعملوها إخلاصًا ومتابعة، فإنهم لا يأمنون على أنفسهم، لا ـ والله ـ سوءَ ظنٍّ بربّهم، حاشا وكلا، فهم على ثقةٍ من ربهم، أنَّ الله لا يضيع عملَ العاملين، فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ [آل عمران:195]، لكن يخشون أن يؤتَوا من قبَل أنفسهم، من ضعفٍ في الإخلاص، وعدم مبالاة بالعمل، ولذا قال الله في حقِّهم: وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبّهِمْ رٰجِعُونَ [المؤمنون:60] .

أحسَنوا العملَ، وأخلصوا في العمل، ثم خافوا على هذا العمل أن يأتيَه ما يكدِّر صفوَه، أو ينزعه والعياذ بالله، في حديث ابن مسعود: ((إن أحدَكم ليعمل بعمل أهل
الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبِق عليه الكتاب، فيعملُ بعمل أهل النّار فيدخلها، وإن أحدَكم ليعمل بعمَل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينَه إلا ذراع، فيسبقُ عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها))[1]، فالأعمال بالخواتيم، فسلوا الله خاتمةً حميدة، سلوه التوفيقَ والهداية، سلوه الثباتَ على الحق والاستقامةَ على الطريق المستقيم. قلوبنا ـ معشر العباد ـ بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبُها كيف شاء، إذا أراد أن يقلّب قلبَ عبد قلبه، رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ [آل عمران:8].

معشر المسلمين، هذه الجمعة الرابعة من شهر رمضان، هذه الليالي والأيام المباركة، هذه السبع البواقي من شهر رمضان، هذه الليالي يُرجى أن يكونَ في ظلِّ لياليها ليلة القدر، تلك الليلةُ التي عظَّم الله شأنَها، ورفع ذكرَها، ونوَّه بها في كتابه العزيز، تلك الليلةُ العظيمة التي جعل الله العملَ الصالحَ فيها خيرًا من العمل في ألفِ شهرٍ سواها ليس فيها ليلةُ القدر، هذه الليلةُ المباركة التي رفع الله ذكرَها وشرَّفها وعظَّمها، وجعلها ليلةَ تقديرٍ للآجال والأرزاق والأعمال، حكمةً من الربّ، وربُّك حكيم عليم.

بيَّن الله فضلَها في موضعين من كتابه العزيز فقال جل جلاله: إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مّنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ [الدخان:3-6].

إنها ليلةٌ مباركة، وأعظمُ بركتِها على الأمة ابتداءُ نزول هذا القرآن العظيم الذي أنزله الله في ليلة القدر في شهر رمضان، شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ [البقرة:185].

إنها ليلةٌ يُعطى فيها الملائكةُ الموكَّلون بأمر العباد ما سيكون في مثلها إلى العام القادم، يعطَون عن أمِّ الكتاب ما سيكون من الأرزاق والآجال، من الأمور التي قدَّرها الله وقضاها على كمال حكمته ورحمته وعلمه وعدله، وربك حكيم عليم.

إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ سَلَـٰمٌ هِىَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ[سورة القدر].

تنزَّل الملائكةُ وهم عبادٌ مكرَمون مطيعون لربهم، لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الأنبياء:27]، يُسَبّحُونَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20]، ينزِلون إلى الأرض، وإنما ينزلون بالخير والرحمة والبركة، وإمامُهم جبريل عليه السلام، وهذه الليلة ليلةُ سلامٍ لكثرة ما يُعتِق الله فيها من النار، وكثرةِ ما تنال هذه الأمةُ من بركاتِ هذه الليلة وفضائلها.

نبينا اعتكفَ العشرَ الوسطى من رمضان، فلما أُخبر أنَّها في العشر الأخيرة اعتكف العشر الأخيرة من رمضان تحريًا والتماسًا لهذه الليلة[2].

هي ليلة عظيمةٌ مباركة، ذاتُ شرف وفضلٍ وقيمة عظيمة، من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه، من حُرم خيرَ هذه الليلة فقد حُرم الخيرَ الكثير.

أيها المسلمون، ليالي بقيَّة هذا الشهر ليالٍ مباركة، ليالٍ فيها إجابةُ الدعاء، ليالٍ فيها الخير الكثير، ليالٍ مباركة.

فيا أيها المسلم، إياك أن تفوتك تلك الفضائل، ارفع أكفّ الضراعة لربِّك، فربّك حكيم عليم، وربّك غفور رحيم، مهما بلغت ذنوبُنا، مهما كثُرت أوزارنا، مهما تعدَّد خطؤنا، مهما انغمسنا فيما انغسمنا من الإجرام، إلا أن ربَّنا غفور رحيم، إلا أن ربَّنا توابٌ لمن تاب إليه، إلا أن ربَّنا من كمال جودِه وفضله يحبّ من عباده أن يتوبوا إليه، يحبّ منهم أن يُقبلوا إليه، يحبّ منهم أن يستغفِروه، يحبُّ منهم أن يعتذروا من خطئهم وزللهم، وربك أرحم الراحمين. ((كتب في كتاب موضوعٍ عند العرش: إنَّ رحمتي سبقَت غضبي))[3]، يدعوكم لأن تسألوه، فتح بابَه للسائلين، وتعرَّف بكمال جودِه للطالبين، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ [الأعراف:55، 56].

سلُوا الله العفوَ والعافية، سلوا اللهَ الثباتَ على الحق، سلوا اللهَ الاستقامةَ على الأعمال الصالحة، سلوا اللهَ لآبائكم وأمهاتِكم المغفرةَ والرضوان، سلوا اللهَ لذرياتكم الصلاحَ والهداية، سلوا الله لمجتمعكم التوفيقَ والسداد، ولولاتِكم العونَ والتأييد على كل خير، سلوا اللهَ أن يحفظَ عليكم إسلامَكم، ويح
غالب [أنه] لا يستطيع، ولا ينبغي للناس التهاونُ بهذه الشعيرة، بل ينبغي إيصالُها لمستحقيها قبل صلاة العيد اتباعًا لسنة نبينا ، ولا بدَّ أن يقبضَها الفقير بيده، أو يضعَ وكيلاً عنه ليستلمَها من الغني، هذه هي السنَّة، ويُخرج الإنسان عن نفسه وعمَّن يلزمه أن ينفقَ عليه، هذه سنَّة رسول الله .

أسأل الله لي ولكم قبولَ العمل،
والتوفيقَ لما يحبّه ويرضاه.

واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
وصلوا ـ رحمكم الله ـ على محمد ، قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...


[1] أخرجه البخاري في الزكاة، باب: فرض صدقة الفطر (1503)، ومسلم في الزكاة، باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير (984) بنحوه.
[2] رواه الشافعي في الأم: كتاب الزكاة، باب الفطر (4/228)، والدارقطني في السنن، كتاب زكاة الفطر (2/141)، والبيهقي في الكبرى: كتاب الزكاة، باب: إخراج الزكاة عن نفسه وغيره (4/161) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بنحوه، قال الدارقطني: "رفعه القاسم، وليس بالقوي، والصواب موقوف"، وقال البيهقي: "إسناده غير قوي"، وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/184): "فيه ضعف وإرسال"، وضعفه الصنعاني في السبل (2/138).
[3] رواه ابن أبي شيبة: كتاب الزكاة، باب: في صدقة الفطر عما في البطن (2/432) والإمام أحمد في المسائل رواية ابنه عبد الله (644)، وفيه انقطاع؛ لذا ضعفه الألباني في الإرواء (3/331). وأخرج ابن أبي شيبة (2/398): كتاب الزكاة، باب: من قال: صدقة الفطر صاع من شعير، وعبد الرزاق: كتاب الزكاة، باب: هل يزكي على الحبل؟ (5788)، عن أبي قلابة قال: كان يعجبهم أن يعطوا زكاة الفطر عن الصغير والكبير حتى على الحبل في بطن أمه.
[4] أخرجه أحمد (4/126)، وأبو داود في السنة، باب: لزوم السنة (4607)، والترمذي في العلم، باب: ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع (2676)، وابن ماجه في المقدمة، باب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين (44) من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (5)، والحاكم (1/95)، وأبو نعيم كما نقله ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/109)، والألباني في صحيح أبي داود (3851).
[5] أخرجه أبو داود في الزكاة، باب: زكاة الفطر (1609)، وابن ماجه في الزكاة، باب: صدقة الفطر (1927)، وصححه الحاكم (1/409)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (1420).
[6] أخرجه البخاري في الزكاة، باب: الصدقة قبل العيد (1510)، ومسلم في الزكاة (1985) بنحوه.
[7] أخرجه البخاري في الزكاة، باب: فرض صدقة الفطر (1503)، ومسلم في الزكاة، باب: الأمر بإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة (986) بنحوه.
[8] أخرجه البخاري في الزكاة، باب: الصدقة قبل العيد (1510) بنحوه.
============================
فظَ عليكم نعمَه عليكم، فلا إله إلا الله، ما أعظمَ فضلَه، وما أعظمَ كرمَه، وما أعظمَ جودَه لمن قويَ إيمانه وعظم يقينه.

أسأل الله أن يختم لي ولكم بخاتمة خَير، وأن يختم لنا رمضانَ بالحسنى، وأن يجعلَنا فيه من الموفَّقين للعمل الصالح، إنَّه على كل شيء قدير.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.


[1] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (3332)، ومسلم في القدر (2643).
[2] أخرجه البخاري في الأذان (813)، ومسلم في الصيام (1167) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بمعناه.
[3] أخرجه البخاري في التوحيد (7422، 7453، 7454)، ومسلم في التوبة (2751) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.

عباد الله، قد شرع لكم نبيّكم في نهايةِ شهركم هذا صدقةَ الفطر، شرع لكم زكاةَ الفطر، فرضها عليكم نبيّكم ، وما فرضه عليكم نبيّكم فهو في حكم ما فرضَ الله عليكم، فإن طاعة الرسول طاعةٌ لله، وَمَا ءاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ [الحشر:7]، مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ [النساء:80].

فرضها رسولُ الله على جميع المسلمين على اختلاف طبقاتِهم، وعلى اختلافِ أسنانهم، فرضها على الذكرِ والأنثى، فرضها على الحرِّ والعبد، فرضها على الصغير والكبير من المسلمين، فرضها على من وجد صاعًا زائدًا عن قُوتِ يومه وليلته يومَ العيد، فإن من لم يجِد شيئًا فإنَّ الله لا يكلّف نفسًا إلا وسعَها، قال عبد الله بن عمر: فرض رسول الله زكاةَ الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، على الذكر والحرّ والعبد والأنثى والصغير والكبير من المسلمين[1].

فيؤدِّيها الإنسان عن نفسه، ويؤدِّيها عمَّن تلزمه نفقتُه من زوجة وولد وخادم، فإنَّ ذلك واجبٌ عليه، وفي الحديث الآخر: ((أدُّوا زكاة الفطر عمن تمونون))[2].
واستحبَّ أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه إخراجَها عن الجنين[3]، وهو من الخلفاء الراشدين وسنته يعمل بها، ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعدي))[4].

إن لهذه الصدقة حِكمًا ومصالحَ، فهذه الصدقةُ شكرٌ لله على نعمته بإتمام الصيام والقيام، وأنْ أعاد عليك هذا العامَ وأنت في صحة وسلامة وعافية في بدنك، وهي أيضًا طُهرة للصائم عما عسى أن يكون حصل منه من لغو أو رفث، وهي أيضًا طُعمة للمساكين لكي يغنيَهم ذلك عن السؤال في يوم العيد، فيكون العيد عيدًا للجميع، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: فرض رسول الله زكاةَ الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات[5].

أيها المسلم، وجنسُ ما يُخرج منه طعام الآدميين الخاص، لأن النبي فرضها صاعًا من تمر أو صاعًا من طعام، وكان طعامُهم يومئذ ما بين التمر والشعير والأقط والزبيب، كما قال أبو سعيد رضي الله عنه: وكان طعامنا الأقط والزبيب والتمر والشعير[6]. فهي في طعام الآدمي، وأفضلُها ما كان أنفعَ للآدميين.

ولا يجوز أن يعاوض عنها بقيمتها؛ لأن هذا خلافُ ما فرضه النبي ، وخلافُ عمل الخلفاء الراشدين وأصحاب محمد والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

والواجبُ صاعٌ من هذه الأنواع الأربعة من البرّ من الشعير من الأرز من الأقط من الزبيب، فالمقدار الواجب إخراجُه صاع، وهذا الصاع يُحتاط فيه، فالأولى أن يكون مقدار الصاع ثلاث كيلوات، أي: ثلاثة آلاف غرام، فإن هذا أكملُ وأحوط أن يخرجَ المسلم عن الصاع مقدار ثلاث كيلو، فيكون في ذلك احتياط وإبراءٌ للذمة.

وهذه الصدقةُ لها وقتان: وقتُ فضيلة ووقت جواز، فالمستحبّ فيها لمن تمكَّن أن يخرجَها يومَ العيد قبل الصلاة لمن استطاع وقدر على ذلك، قال عبد الله بن عمر: أمر النبي أن تؤدَّى زكاة الفطر قبل الصلاة[7]، وقال أبو سعيد: كنا نخرجها يومَ الفطر على عهد النبي [8]، واستنبطها بعضُهم من كتاب الله في قوله: قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبّهِ فَصَلَّىٰ [الأعلى:14، 15]، قال: يقدِّم المسلم صدقتَه بين يدَي صلاته، فرأى أن الصدقةَ صدقةُ الفطر، وأن الصلاةَ صلاةُ العيد.

ويجوز أن تخرجَها قبل العيد بيومين أو يوم، يوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين، وأن تختار لها النوعَ الجيد فإنَّ الله يقول: وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ [البقرة:267]، وأن تخصَّ بها الفقراء المحتاجين، وأن تصلَ إليهم قبلَ صلاة العيد، فلا يجوز التهاونُ بذلك والاستخفاف بها، وإياك أن تفرّطَ أو تهملَ فيها، أو تدفعها لمن تظنّه يوصلها إلى أهلها، وال
🎤
خطبـة.جمعة.بعنـوان.cc
آخـــــر جمعــة من رمــضـــــــان
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، وأشهد ألا إله إلا الله ذو الفضل والإحسان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من صلى وصام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام، وسلم تسليمًا كثيرًا...وبعـــد :

فيا عباد الله: إنَّ بلوغ رمضان لنعمةٌ عظمى ومِنحةٌ كبرى، لا يقْدُرُها حق قدرِها إلا الموفَّقون، فلقد كنّا بالأمس القريبِ نتشوق للقائه، ثم- ولله الحمد - تنعمنا ببهائه، وعشنا في نفحاته لحظات مرَّت مرور الطيف، ولمعت لمعان البرق.

فخرج المسلم منها بصفحة مشرِقة بيضاء ناصعةٍ، مفعمَة بفضائل الخصال، مبرأةً من سيئات الأعمال، قد استلهم الصائم الصادق المحتسب من مدرسة رمضان قوَّةَ الإرادة والعزيمة على كل خير، وتقوى الله في كل حين، تقويمًا للسلوك، وتزكية للنفوس، وتنقيةً للسرائر، وإصلاحًا للضمائر، وتمسُّكًا بالخيرات والفضائل، وبُعدًا عن القبائح والرذائل؛ فغدا الصوم لنفسه حصنًا حصينًا من الذنوب والمآثم، وحمى مباحًا للمحاسن والمكارم، فصفتْ روحه، ورقَّ قلبه، وصلحتْ نفسه، وتهذَّبتْ أخلاقه.

هذا في الدنيا أما في الأخرى فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((الصِّيَامُ وَالقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ القُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيَشْفَعَانِ))؛ رواه أحمد وصححه الألباني.

أما من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، فأمضى ليالي رمضان المباركة في لهو ومعصية، ونهاره في نوم وغفلة، لم يرعَ للشهر حرمته، وتجرأ على الحرمات، فليبكِ لعظيم حسراته، وليسعَ لاستدراك ما فاته؛ لئلا يكون ممن قال فيه - صلى الله عليه وسلم -: ((أَتَانِي جِبْرَائِيلُ - عليه السلام - فقال: يَا مُحَمَّدُ، رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللهُ قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ آمِينَ...)).

فهنيئًا لمن أحسن استقباله ... هنيئًا لمن أكرم وفادته .. هنيئًا لمن قام ليله وصام نهاره .. هنيئًا لمن أقبل فيه على الله بقلبه وجوارحه .. هنيئًا لمن تقرب إلى الله فيه بأعمال صالحة .. وكفَّ النفس عن سيئات قبيحة..

هنيئًا لمن تاب الله عليه، ورضي عنه، وأعتقه الله من النار في رمضان، وآهٍ على شخص أدرك رمضان ولم يغفر الله له!!.. وا حسرتاه على أناسٍ دخل رمضان وخرج، وهم في غيهم يسرحون! .. وخلف الشهوات يلهثون! .. وفي القربات مفرطين ومقصرين!!

أفلا يحق لنا أن نبكي على فراق شهرنا الكريم ولياليه الزاهرة، وساعاته العاطرة.. التي ولَّتْ مدبرة، وتتابعت مسرعة، فكانت سجلاَّتٍ مطويَّة، وخزائن مغلقة، حافظةٌ لما أودعناها، شاهدةً لنا أوعلينا، لا يُدرَى من الرابح فيها فيُهنَّا، ولا الخاسر منا فيُعزَّى .. حتى ينادي الله بنا يوم القيامة: (( يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ))؛ رواه مسلم.

فها هو رمضان آذن بوداع، والعيد على إقبال بإسراع.
يَا رَاحِلاً وَجَمِيلُ الصَّبْرِ يَتْبَعُهُ هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى لُقْيَاكَ يَتَّفِقُ
مَا أَنْصَفَتْكَ دُمُوعِي وَهْيَ دَامِيَةٌ وَلاَ وَفَى لَكَ قَلْبِي وَهْوَ يَحْتَرِقُ
فيا من صفَتْ له الأوقات في شهر الخيرات، وعمَّر ساعاته بالصالحات، وزكَّى نفسه بالطاعات، وفاضت عينُه بالعبرات، قد زال عنه تعب القيام وجوع الصيام وثبت له الأجر والثواب - إن شاء الله تعالى -، احمد الله! واذكر نعمة ربك القائل: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 21].

واجتهد فيما بقي من حياتك، ولا تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير. قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يَا عَبْدَاللهِ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ)). فأنت لا تدري هل قبل الله عملك أو ردَّه عليك؟

روى الترمذي عن عبدالرحمن بن سعيد أن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية: {وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60].

فقلتُ: "أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟" قال: (( لاَ يَا بْنَتِ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينِ يَصُومُونَ وَيُصَلُّون وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ)).

قال ابن عمر - رضي الله عنه -: "لو أعلم أن الله تقبل مني ركعتين؛ لتمنيت الموت بعدها قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ال
لهُ مِنَ المُتَّقِينَ} [المائدة:27].

وقال عبدالعزيز بن أبي رواد: "أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهمّ أُيقبل منهم أم لا؟" وقال ابن رجب: "كان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر، فيقال له: إنه يوم فرح وسرور، فيقول: صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً، فلا أدري أيقبله مني أم لا؟!"

إخواني: إنه وإن انْقَضَى شهرُ رمضانَ فإن عمل المؤمنِ لا ينقضِي قبْلَ الموت، قال الله - عزَّ وجلَّ -:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلّم -: ((إِذَا مَاتَ العَبْدُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ)) فلم يَجْعلْ لانقطاع العملِ غايةً إلا الموت.

ولقد فقه سلفنا الصالحون عن الله أمره، وتدبروا في حقيقة الدنيا، ومصيرها إلى الآخرة، فاستوحشوا من فتنتها، وتجافت جنوبهم عن مضاجعها، وتناءت قلوبهم من مطامعها، وارتفعت همتهم عن السفاسف؛ فلا تراهم إلا صوامين قوامين، باكين عابدين، ولقد حفلت تراجمهم بأخبار زاخرة، تشي بعلو همتهم في التوبة والاستقامة، وقوة عزيمتهم في العبادة والإخبات، وهاك طرفًا من عباراتهم وعباداتهم، التي تدل على تشميرهم وعزيمتهم وهمتهم:

قال الحسن: "من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره."، وقال وهيب بن الورد: "إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل."، وقال الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان التركستاني: "ما بلغني عن أحد من الناس أنه تعبد عبادة إلا تعبدت نظيرها وزدت عليه."

وكان أبو مسلم الخولاني يقول: "أيظن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يستأثروا به دوننا؟! كلا والله .. لَنُزاحمَنَّهم عليه زحامًا؛ حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالاً."

قال عمر بن الخطاب: "إن لهذه القلوب إقبالاً وإدبارًا، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزموها الفرائض."

فيا عجبًا لإنسان عاقل يعود إلى مرارة المعصية بعد أن ذاق حلاوة الطاعة!!
شَارِطِ النَّفْسَ وَرَاقِبْ لاَ تَكُنْ مِثْلَ البَهَائِمْ
ثُمَّ حَاسِبْهَا وَعَاتِبْ وَعَلَى هَذَا فَلاَزِمْ
ثُمَّ جَاهِدْهَا وَعَاقِبْ هَكَذَا فِعْلُ الأَكَارِمْ
لَمْ يَزَالُوا فِي سِجَالٍ لِلنُّفُوسِ مُحَارِبِينَا
فَازَ مَنْ قَامَ اللَّيَالِي بِصَلاَةِ الخَاشِعِينَا

فلئِن انقضى صيامُ شهرِ رمضانَ فإن المؤمنَ لن ينقطعَ من عبادةِ الصيام والقيام والصدقة والذكر وتلاوة القرآن؛ فصيامَ ستًّا من شوالٍ بعد رمضانَ كصيام الدهرِ.. وكذلك صيام ثلاثةِ أيام من كلِّ شهرٍ؛ فقافلة العمَل الصالح التي لا تتوقَّف رحالها، ولا تتصرم حبالها، فطاعة الله هي الطريق إلى رضاه، و الاستكثار من العبادة يحوِّلُ الأشقياءَ إلى سعداءَ، وتجلب محبة الله لعبده والدفاعِ عنه إذا أصابه من غير الله مكروه.

والمداومة على الأعمال الصالحة تُطهِّر القلوبَ، وتزكّي الأنفسَ، وتُهذب الأرواحَ، وتُريح الأبدانَ، وتُسعدُ العبدَ في الدنيا والآخرة.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
يا مَن كنت تصوم وتقوم في وقت واحد مع سائر المسلمين في سائر أنحاء الدنيا، إياك أن تتخلّى عن الإحساس بانتمائك إلى هذه الأمّة الواحدة، وتذكر تلك الطفلة اليتيمة.. والأرملة الكسيرة.. والشيخ العاجز.. وشاركهم في مآسيهم بدعوة صادقة أو صدقة جارية، واجعل فرحة هذا العيد المبارك تعم أرجاء عالمنا الإسلامي لاأريد منك أن تحزن يوم الفرح، ولاتحرم نفسك طيبات ما أحلَّ الله.

لكن كما أدخلت السرور على أهلك ونفسك بالجديد من اللباس والتوسعة في المال، فهلا سعيت لإدخال السرور على أسرٍ أخرى، قد كبلتهم الديون، وأسرتهم الحاجات، لم يبوحوا بسرهم إلا لله.. ولو أسرة واحدة ، فها هي طرق الخير مشرعة أبوابها، فهلموا إليها .. وما تقدموا لأنفسكم تجدوه عند الله. ولذلك شرع الله الحكيم العليم زكاة الفطر؛ طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين فتؤدَّى قبل الخروج لصلاة العيد، ومَن أداها قبل العيد بيوم أو يومين فلا حرج، ويجوز توكيل من يؤديها قبل ذلك، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد.

ومن السنة التكبير من غروبِ الشمس ليلة العيدِ إلى صلاةِ العيدِ لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185] وصِفتُهُ أنْ يقولَ: الله أكبر الله أكبر لا إِله إِلاَّ الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

ويُسَنُّ جهرُ الرجالِ به في المساجدِ والأسواقِ والبيوتِ؛ إعلانًا بتعظيم الله وإظهارًا لعبادتِه وشكرِه، ويُسِرُّ به النساءُ. فما أجملَ حالَ الناسِ، وهُمْ يكبِّرون الله تعظيمًا وإجلاَلاً في كلِّ مكانٍ عندَ انتهاء شهرِ صومِهم! يملئون الآفاق تكبيرًا وتحميدًا وتهليلاً، يرجون رحمةَ اللهِ ويخافون عذابَه.

كذلك من تمام ذكر الله - عزَّ وجلَّ - حضور صلاةَ العيدِ فقد أمَرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلّم - بها أمَّتَه؛ حتى النساءَ لقول أم عطية - رضي الله عنها -: "أمرنا رسول الله - صلى الله علي
ه وسلم - أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحُيَّض، وذوات الخدور، فأما الحُيَّض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين".

ويسن أن يأتي لمصلى العيد من طريق ويرجع من آخر، وأن يأكل تمرات حين يخرج لصلاة العيد، ويَحرُم صوم يوم العيد، وتخصيص ليلته بقيام بدعة، فلم يصح في إحياء ليلة العيد حديث..

============================ =================
🎤دعاء ختم القرآن
للشيخ/ خالد القحطاني
~~~~~~~~~~~~~

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، واصرف عنا برحمتك شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يعِزُّ من عاديت، ولا يذِلُّ من واليت، تباركت ربنا وتعاليت، لا منجى منك إلا إليك.

اللهم لك الحمد كما هديتنا للإسلام، وعلمتنا الحكمة والقرآن، ولك الحمد على ما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة، ولك الحمد على تتابع إحسانك، وترادف امتنانك، ولك على الحمد على ما يسرته من صيام شهر رمضان وقيامه، وتلاوة كتابك العزيز الذي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42] .

اللهم وكما جعلتنا به من المصدقين، فاجعلنا به معتبرين، وإلى لذيذ خطابه مستمعين، ولأوامره ونواهيه خاضعين.

اللهم وأوجب لنا به الشرف والمزيد، وألحقنا بكُلِّ بَرٍّ سعيد، ووفقنا لعمل الصالح الرشيد.

اللهم إنا عبيدك، بنو عبيدك، بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، وسائقنا ودليلنا إلى جناتك جنات النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم اجعلنا لأوامره ونواهيه خاضعين، وعند ختمه من الفائزين، ولثوابه حائزين، ولك في جميع شهورنا ذاكرين، وإليك في جميع أمورنا راجين.

اللهم اجعلنا من الذين حفظوا للقرآن حرمته لَمَّا حفظوه، وعظَّموا منزلته لَمَّا سمعوه، وتأدبوا بآدابه لَمَّا حضروه، والتزموا حُكمه وما فارقوه، وأرادوا بتلاوته وجهك الكريم والدار الآخرة، فقبلت منهم ذلك وأوردتهم المنازل الفاخرة، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم هب لنا رعايةَ حقِّه، وحفظَ آياته، وعملاً بمُحكمه، وإيماناً بمتشابهه، وهدىً في تدبره، وتفكراً في أمثاله، ومعجزةً وتبصراً في أمور حُكمه. اللهم ألبسنا به الحلل، وأسكنا به الظلل، وأسبغ علينا به النعم، وادفع عنا به النقم، واجعلنا به عند الجزاء من الفائزين، وعند النعماء من الشاكرين، وعند البلاء من الصابرين، ولا تجعلنا ممن استهوته الشياطين فشغلته بالدنيا عن الدين، فأصبح من النادمين، وفي الآخرة من الخاسرين، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم ذكِّرنا منه ما نُسِّينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته على الوجه الذي يرضيك عنا، برحمتك يا أرحم الراحمين!

يا ذا العرش المجيد، نسألك أن تطهر بالتوبة النصوح فساد قلوبنا، وأن تجمع قلوبنا على خشيتك، وأن تهدينا إلى أقرب الطرق إليك.

اللهم هب لنا في هذه الساعة من مواهبك الجسام ما يكون وسيلةً إلى حلول دار السلام.

اللهم بارك في أسماعنا، وأبصارنا. اللهم استر عوراتنا، وآمِن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.

يا من خضعت لعظمته الرقاب، وذلت لجبروته الصعاب، واستدل على حكمته بصنعته أولو الألباب، ولانت لقدرته الشدائد الصلاب، غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ [غافر:3] ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ [الرعد:30] .

اللهم اجعل القرآن العظيم لقلوبنا ضياءًَ، ولأسقامنا دواءً، ولأبصارنا جلاءً، ولذنوبنا ممحِّصاً، وعن النار مخلِّصاً، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم يا سامع الصوت! ويا سابق الفوت! ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت! لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نَفَّسته، ولا عيباً إلا سترته، ولا غماً إلا كشفته، ولا مجاهداً في سبيلك إلا نصرته، ولا عدواً إلا خذلته، ولا غائباً إلا رددته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا عارياً إلا كسوته، ولا عقيماً إلا رزقته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا سوءاً إلا أزلته، ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا يسرتها لنا وأعنتنا على قضائها، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، وعين لا تدمع، ونفس لا تشبع، ودعوة لا يستجاب لها.

اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضَلَع الدَّين، وغلبة الرجال.

اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك, والعزيمة على الرشد، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، ونسألك الفوز بالجنة، اللهم إنا نسألك الفوز بالجنة، والنجاة من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم واجعلنا
في هذا الشهر الكريم من عتقائك من النار. اللهم اعتق رقابنا من النار، وحرم أجسادنا على النار، ولا تشو خلقنا بالنار، فإن أجسادنا على النار لا تقوى، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم وكما وفقتنا لصيام هذا الشهر الكريم وقيامه، اللهم فاقبل صيامنا وقيامنا، ولا تردها يوم القيامة في وجوهنا يوم الحسرة والندامة، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ [الشعراء:88] إلا من أتاك بقلب سليم، برحمتك يا أرحم الراحمين!

ربنا لا تصرف وجهك عنا يوم القيامة، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، واهدهم سبل السلام، وجنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، واجعلهم شاكرين لنعمك، مثنين بها عليك، قابليها، وأتمها علينا وعليهم، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين والمسلمات الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك. اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم لقائك، واجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا. اللهم اجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا، وأفسح فيها ضيق ملاحدنا، وارحم في موقف العرض عليك ذُلَّ مقامنا، وثبت على الصراط أقدامنا، ونجنا من كُرَب يوم القيامة، وبيِّض وجوهنا إذا اسودَّت وجوه العصاة يوم الحسرة والندامة. اللهم بيِّض وجوهنا يوم تسودُّ وجوه العصاة. اللهم بيِّض وجوهنا إذا اسودَّت وجوه العصاة يوم الحسرة والندامة.

إلهنا، زلت بنا الأقدام، وغرقنا في لجج المعاصي والآثام، وإنا مقرون بالإساءة على أنفسنا، نرجو عظيم عفوك الذي عفوت به عن الخاطئين، وهانحن ببابك واقفون، ومن عذابك خائفون، ولثوابك مؤمِّلون، وقد تعرضنا لعفوك وثوابك، فارحم خضوعنا. اللهم ارحم خضوعنا. اللهم اجبر قلوبنا. اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، وعافنا واعف عنا وسامحنا، وتجاوز عن سيئاتنا، وأبدل سيئاتنا حسنات، فأنت أهل التقوى وأهل المغفرة، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم يا حي يا قيوم، يا من بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه، نسألك أن تجيرنا من النار، وأن تجعلنا من عبادك الأبرار، وأن تسكننا الجنة مع عبادك المصطفَين الأخيار.

اللهم يا حي يا قيوم، يا لطيف يا غفار! نسألك أن تغفر لنا، ولوالدينا، ولجميع المسلمين. اللهم اغفر لنا، ولوالدينا، ولجميع المسلمين.

اللهم إنا قد تولينا صوم شهر رمضان وقيامه على تقصير منا، وقد أدينا فيه من حقك قليلاً من كثير، وقد لجأنا ببابك سائلين، ولمعروفك طالبين، فلا تردنا خائبين. اللهم إنا لجأنا ببابك سائلين، ولمعروفك طالبين، فلا تردنا خائبين، ولا من رحمتك آيسين، نحن الفقراء إليك، الأسرى بين يديك، إليك تعرضنا، ولمعروفك سألنا، ولبابك قرعنا، وليس لنا رب سواك فندعوه. اللهم فارحم خضوعنا، واجبر قلوبنا، واقبل صيامنا.

اللهم اقبل صيامنا وقيامنا، واقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وأسعدنا بطاعتك للاستعداد لما أمامنا، واجعل عملنا مقبولاً، اللهم وارزقنا فيه الإخلاص. اللهم واجعل عملنا مقبولاً، وسعينا مشكوراً، وذنبنا مغفوراً.

اللهم اجعل شهرنا شاهداً لنا بأداء فرضك، ولا تجعلنا ممن تعب واجتهد ولم يرضِك. اللهم إن كان في سابق علمك أن تجمعنا في مثله فبارك لنا فيه، وإن قضيت بقطع آجالنا وما يحول بيننا وبينه فأحسن الخلافة على باقينا، وأوسع الرحمة على ماضينا، وعمَّنا جميعاً برحمتك وغفرانك، واجعل الموعد بحبوحة الجنة.

اللهم اجعل اجتماعنا اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً.

اللهم وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يعزُّ فيه أهل طاعتك، ويذلُّ فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.

اللهم وفق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من الهيئات والمتطوعين. اللهم وارفع مقامهم. اللهم وقوِّهم. اللهم وارفع درجاتهم، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم دمر المنافقين والعلمانيين والشيوعيين والبعثيين والرافضة والكافرين، الذين يصدون عن سبيلك، ويبدلون دينك، ويعادون أولياءك الموحدين. اللهم خالف بين كلمتهم، وشتت بين قلوبهم، واجعل تدميرهم في تدبيرهم، وأدِرْ عليهم دائرة السوء، وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، ونسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بك من شر ما استعاذ منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

======================
أحكام.مختصرة.في.زكاة.الفطر.cc
~~~~~~~~~~~~~~~~~

🔹️ما حكم صدقة الفطر؟
🔸قال ابن باز:
زكاة الفطر فرض على كل مسلم صغير أو كبير ذكر أو أنثى حر أو عبد .
الفتاوى (14/ 197)

🔹ماذا تكون زكاة الفطر ؟
🔸قال ابن باز:
تخرج صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط ويلحق بهذه الأنواع في أصح أقوال العلماء كل ما يتقوت به الناس في بلادهم كالأرز والذرة والدخن ونحوها.

🔹متى وقت إخراج زكاة الفطر؟
🔸قال ابن باز:
إخراجها في اليوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين والثلاثين وليلة العيد ، وصباح العيد قبل الصلاة .
الفتاوى (14/32-33)

🔹️سبب إخراج زكاة الفطر؟
🔸قال العثيمين:
إظهار شكر نعمة الله تعالى على العبد بالفطر من رمضان وإكماله. الفتاوى (١٨-٢٥٧).

🔹️من تصرف له زكاة الفطر؟
🔸قال العثيمين:
ليس لها إلا مصرف واحد وهم الفقراء. الفتاوى الفتاوى (18/259)

🔹️حكم توكيل الأولاد أو غيرهم في إخراج زكاة الفطر؟
🔸قال العثيمين:
يجوز للإنسان أن يوكل أولاده أن يدفعوا عنه زكاة الفطر في وقتها، ولو كان في وقتها ببلد آخر للشغل. الفتاوى (18/262)

🔹هل يجوز للفقير أن يوكل شخصاً آخر في قبض زكاة الفطر ؟
🔸قال العثيمين:
ج : يجوز ذلك . الفتاوى (18/268)

🔹️هل من قول معين يقال عند إخراج زكاة الفطر؟
🔸لا نعلم دعاء معينا يقال عند إخراجها. اللجنة الدائمة (9/387)

🔹️هل يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر؟
🔸قال ابن باز:
لا يجوز إخراج القيمة في قول أكثر أهل العلم ؛ لكونها خلاف ما نص عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم
الفتاوى (14/ 32)
🔸قال ابن عثيمين:
إخراجها نقداً فلا يجزئ؛ لأنها فرضت من الطعام. الفتاوى (18/265)

🔹️هل يلزم في زكاة الفطر النصاب؟
🔸قال ابن باز:
ج :ليس لها نصاب بل يجب على المسلم إخراجها عن نفسه وأهل بيته من أولاده وزوجاته ومماليكه إذا فضلت عن قوته وقوتهم يومه وليلته.
الفتاوى (14/ 197)

🔹️كم مقدار زكاة الفطر؟
🔸قال ابن باز:
الواجب في ذلك صاع واحد من قوت البلد ومقداره بالكيلو ثلاثة كيلو على سبيل التقريب.
الفتاوى (14/ 203)

🔹️هل يجوز إخراج زكاة الفطر في غير بلد المزكي ؟
🔸قال ابن باز:
السنة توزيعها بين الفقراء في بلد المزكي وعدم نقلها إلى بلد آخر لإغناء فقراء بلده وسد حاجتهم.
الفتاوى (14/ 213)

🔹️أين تُخرج زكاة الفطر؟
🔸قال العثيمين:
زكاة الفطر تدفع في المكان الذي يأتيك الفطر وأنت فيه، ولو كان بعيداً عن بلدك.

🔹هل تدفع زكاة الفطر عن الجنين؟
🔸قال العثيمين:
زكاة الفطر لا تدفع عن الحمل في البطن على سبيل الوجوب، وإنما تدفع على سبيل الاستحباب.
(18/263)

🔹هل يجوز إعطاء زكاة الفطر للعمال من غير المسلمين؟
🔸قال العثيمين : لا يجوز إعطاؤها إلا للفقير من المسلم
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
وداعـــــــــــــا رمـــضــــــــــــــــــــان
للشيـــخ/ مــحــمـــــد الـجـــــــرافـــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

أمـــا بعـــد: عـــباد الله :
كنا بالأمس القريب نستقبل شهر رمضان بالفرح والسرور، والبشرى والحبور، ولم لا وهو شهر تجتمع فيه أعمال عظيمة وأجور لمن قام بها كثيرة، واليوم نودعه مرتحلاً عنا بما أودعناه فيه، شاهداً علينا بما قدمناه بين يديه، فهنيئاً لمن كان شاهداً له عند الله بالخير، شافعاً له بدخول الجنة والعتق من النار، وويل ثم ويل لمن كان شاهداً عليه بسوء عمله، شاكياً إلى ربه من تفريطه وتضييعه، قال صلى الله عليه وسلم: (.. رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ..) رواه الترمذي وأحمد

عـــباد اللــه ..
ونحن نودع شهــرنا الكريم
هـــذه همـــسات الوداع تقــول :
أحسنوا وداع شهركم .. ضاعفوا الإجتهاد، أكثروا من الذكر ... أكثروا من تلاوة القرآن ... أكثروا من الصلاة، أكثروا من الصدقات .

همسات الوداع تقول: القبول القبول، فقد كان السلف رحمهم الله يجتهدون في إتمام العمل وإكماله ، فإذا عملوا كانت قلوبهم وجلة خائفة من أن يرد عليهم عملهم، كانوا ما قال الله (يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة انهم إلى ربهم راجعون) .
ومن هم أهل القبول؟ إنهم الذين وصفهم الله (إنما يتقبل الله من المتقين) جعلنا الله وإياكم منهم .
ويا ليت شعري من المقبول منا فنهنيه، ومن المطرود منا فنعزيه .

فيا أيها المقبول هنيئاً لك بقبول الله وإحسانه، ورحمته وغفرانه، وثوابه ورضوانه .. ويا أيها المطرود بعصيانه، وغفلته وخسرانه، لقد عظمت مصيبتك بغضب الله وهوانه.

يا هذا .. متى يُغفَر لمن لا يُغفَر له في هذا الشهر؟ ومتى يقبل من رُد في ليلة القدر؟
فتب إلى ربك، واستدرك ما بقي من شهرك، وابك على خطيئتك، لعلك تلحق بركب المقبولين .

همسات الوداع تقول ...
لا تتركوني من دون القيام ... اتركوا لذيذ النوم، وجحيم الكسل، وانصبوا أقدامكم، وارفعوا هممكم، وادفِنوا فتوركم، وكونوا ممن قال الله فيهم: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا).

همسات الوداع تقول :
استغلوا ما بقي من شهركم ... فقد ذهب معظمه .. ولا يعلم أحدكم هل سيصوم هذا الشهر في أعوامه القادمة أم سيكون في حفرة مظلمة من فوقه تراب ومن تحته تراب وعن يمينه تراب وعن شماله تراب، ليس له أنيس ولا جليس إلا عمله الصالح .

عـــباد اللـــه :
هذه همسة الوداع الأخيرة تقول: جبر الله قلوبكم بفراق رمضان .. وتجاوز عن ما سلف وكان، من الذنوب والعصيان .
ترحلت يا شهــر الصــيام بصـــومنا
وقـــد كـــنت أنـــواراً بـــكل مـــــكـــان
لئن فنيت أيامــــــك الزهـــر بغـــتة
فما الحـــزن من قلبي عليـــك بفــان
عليك ســـلام الله كن شــــــاهداً لنا
بخـــير رعــــــاك اللـــه من رمضــــــان

همسات الوداع تقول : ارفعوا عنكم التنازع والخصام فإنه سببٌ في منع الخير وخفائه همسات الوداع تقول: إذا مد الله في أعماركم ، وأدركتم يوم عيدكم، فاشكروا الله بإكمال عدة شهركم .
كبروا ربكم، وأدوا زكاة فطركم، واخرجوا يوم عيدكم فرحين بفضل الله ورحمته .

إن القلب ليحزن، والعين لتدمع، ونحن نودع هذا الشهر الكريم، الذي فيه المساجد تعمر، والآيات تذكر، والقلوب تجبر، والذنوب تغفر .

فيا شهرنا .. أتراك تعود بعدها إلينا؟ أو يدركنا الموت فلا تؤول إلينا؟
يا طلاب الجنة : بقي على الشهر القليل فاحرصوا على ما بقى يغفر لكم ما قد مضى، فالعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات ومن أراد الخاتمة المشرقة فليحرص على الجهود المحرق .

الناسُ بعد رمضـــانَ فريقان :
فائزونَ وخاسرونَ، فيا ليتَ شعري من هذا الفائزُ منَّا فنهنيَه ، ومن هذا الخاسـرُ فنعزيَه ؟!
أي شهر قد تولى يا عباد الله عنا
حق أن نبكي عليه  
بدماء لو عقلنا
كيف لا نبكي لشهر ** مر بالغفلة عنا
ثم لا ندري أأنا قد قبلنا أم حرمنا ليت شعري من هو المحروم والمرحوم منا

الرحيلُ مُرٌّ على الفائزينَ ..
لأنَّهم فقدوا أياماً ممتِعَة، وليالٍ جميلَة .. نهارُها صدقةٌ وصيام وليلُها قراءةٌ وقيام نسيمُها الذِّكر والدُّعاء وطيبُها الدموعُ والبكاء
 شعروا بمرارةِ الفراقِ فأرسلوا العَبَرَاتِ والآهَات كيفَ لا وهو شهرُ الرَّحمَات وتكفيرِ السِّيئاتِ وإقالةُ العَثَرَات، كيفَ لا والدعاءُ فيه مسموعٌ و الضُرُّ مدفوعٌ والخيرُ مجموع ؟!
ها هو ذا رمضان يمضي ..
وقد شهدت لياليه أنين المذنبين، وقصص التائبين، وعبرات الخاشعين، وأخبار المنقطعين، وشهدت أسحاره استغفار المستغفرين، وشهد نهاره صوم الصائمين وتلاوة القارئين، وكرم المنفقين. إنهم يرجون عفو الله، علموا أنه عفو كريم يحب العفو فسألوه أن يعفو عنهم.
ورحلت
َ يا رمضان لتُخلف ذكرى جميلة تحكي قصة عابدٍ منطرح على الأعتاب..

قصة تائب ينتظر فتح الباب
قصة مكروب ينتظر فرجا قريبا.

قصة محزون يترقب يوما طروبا
رحلتَ أيها الشهر الحبيب، لتسطّر حرقة دمعة ونشيج بكاء، وثوران صدر يبحثُ عن متنفّس لألم.. رحلتَ وتركتنا.. ورحلت لياليكَ العطرة..
فيا شهر الصيام فدتك نفسي
تمـــهل بالرحـــيل والانتـــقال
فــلا أدري إذا مـــا الحـــول ولى
وجئت بقـــابل في خــير حال
أتلقـــاني مـــع الأحـــياء أحـــيا
أم انك تلقني في اللحـــد بالي

يا أهـــل الصـــيام والقـــيام :
غدا تنطفي المصابيح وتنقضي التراويح، غدا نترك العبادة ونرجع إلى العادة، غدا يتفلت كل شيطان ويُهجر القرآن.

أيها الراحل قريبا والمغادر سريعا هلا بلغت عنا أننا تائبون لعلنا نكون من الناجين
يـــا راحــــــلا بلـــغ إلـــهي أننـــي
قد تبت من ذنبي ومن عصياني
بلغه أني قد رجعـــت إلى التــقى
وتركت دنـــيا من هــواها يعـــاني
باللـــه يارمضــــــان اذكــــــرني إذا
نادى الإلـه من يستحـــق جـــناني

ها نحن نودع رمضان ..
ولم يبق منه إلاّ ساعات قلائل، نعم بالأمس القريب كان معنا، كنا نستنشق عطره، ونسعد في أفيائه، ونتقلب في ضروب نعمائه.

وبعد يومين أين هو شهر رمضان؟ ألم يكن منذ لحظات بين أيدينا؟ ألم يكن ملء أسماعنا وأبصارنا؟ ألم يكن هو حديث منابرنا، زينة منائرنا، بضاعة أسواقنا، مادة موائدنا، حياة مساجدنا، ؟ فأين حرق المجتهدين في نهاره؟ أين قلق المتهجدين في أسحاره؟ أين خشوع المتهجدين في قيامهم؟ ورقة المتعبدين في صيامهم؟ أين أقدامٌ قد اصطفت فيه لمولاها؟ أين أعين جادت فيه بجاري دمعها؟ أين قلوب حلقت فيه بجناحين من خوف ورجاء؟ وسارعت إلى مرضاة ربها تلتمس النجاء؟ أين أيام كانت حياة للحياة؟ وليال كن قلائد في جيد الزمان؟ لقد تولت كما تولى غيرها، وتقضّت بما فيها ولم يبق إلا الندم والأسى.
تذكـــرت أيامـــاً مضـــت وليــالياً
خلت فجـــرت من ذكــرهن دموعُ
ألا هل لها يوماً من الدهــر عودة
وهل لي إلى يوم الوصال رجـــوعُ
وهل بعد إعراض الحبيب تواصلٌ
وهـــل لبـــدورٌ قـــد أفلــن طلـــوعُ؟

أيها المسلمـــون :
أما إنه يقبح بالمسلم أن يبني في رمضان صرح إيمانه، ويجمله ويزينه ثم إذا انقضى الشهر عاد فهدم ما بنى، وأفسد ما شيّد! {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} [(92) سورة النحل] .

فبعد أن قمنا بغزل الأعمال الصالحة حتى صارت قطعة رائعة من الحسنات، فلا يجوز للعاقل أن ينقض ما غزله من الحسنات وينقض ما بناه في رمضان من الطاعات فيرجع مرة أخرى للسيئات .

عـــباد اللـــه :
رجل شديد وسخ الجسم والثياب تفوح منه رائحة النتن والتعفن الكبير، من رآه كرهه وفر منه، ذهب إلى نهر عذب فغسل جسمه وثيابه وتطيب بأجود أنواع المسك والطيب، فصار أحسن الناس هيئة، وأجملهم منظراً، وأطيبهم ريحاً، ولم يلبث إلا يسيراً حتى رمى نفسه في حمأة منتنة فتمرغ فيها، وعاد أقبح ما يكون منظراً، وأنتن ما يمكن ريحاً ...

ذلك مثل من ترك المعاصي في رمضان توبة منه إلى الرحمن، ولما أنقرض شهر رمضان عاد إلى معاصيه، وراجع ما كان يأتيه فتهاون بالصلاة، وغفل عن ذكر الله ...

وما أقبح الحور بعد الكور، وما أقبح أن يتدنس بذنوب المعاصي من قد تطهر منها، وما أشنع أن يرجع التائبون إلى حمأة الرذيلة، وأن يتلطخوا بأوحال المعصية بعد أن توضؤوا بنور الطاعة.

يا رجال التوبة لا ترجعوا إلى ارتضاع ثدي الهوى من بعد الفطام، فالرضاع يصلح للأطفال لا للرجال، ولكن لا بد من الصبر على مرارة الفطام، فإن صبرتم تعوضتم عن لذة الهوى بحلاوة الإيمان في القلوب، ومن ترك شيئاً لله لم يجد فقده.


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على امام المرسلين وسيد المتقين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه اجمعين .

أما بعد - أيها المسلمون :
لقد علّمنا شهر رمضان أننا نستطيع أن نبكي من خشية الله، وأن نذرف الدمع بين يديه، وأن نجهش في صلاتنا بالبكاء، وعلّمنا أننا نستطيع أن نقوم الليل ونصوم النهار ونكثر من قراءة القرآن، وعلّمنا أننا نستطيع أن نديم المكث في المساجد، وعلّمنا أننا نستطيع أن نترك كثيراً من شهواتنا ورغباتنا.

لقد فضحنا هذا الشهر، وكشف كذب دعاوى الكثيرين ممن يزعم أنه لا يستطيع البكاء أو الصلاة أو قراءة القرآن أو البقاء في المسجد.
فهل نتعلم هذا الدرس؟ هل ندرك أننا نقدر على فعل الكثير عندما نريد فعله؟ هل نتذكر أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وأن في وسعنا أن نفعل الشيء الكثير؟.

أحسستنا يارمضان بالأمة الكبيرة المترامية الأطراف ،فنفطر جميعا ونصوم جميعا ونفرح جميعا،
علمتنا ترك المحرمات بل ترك الشبهات والورع، فتجد الناس يسألون عن حكم قطرة الدم وبلع الريق وأكل بقايا نتف الطعام وذرة الغبار إذا دخلت وغير ذلك من دقائق المسائل التي عودتنا فيها على ترك الشبهات حرصا على كمال الطاعة.

لله درك أيه الشهـــر الكــريم :
كم سُد
ت فيك من حاجة، كم كشفت من كربة، كم سدد من دين، كم من مريض شفي، كم رد من ضال، كم هدى من عاص كم أجيبت دعوة، كم فتح من باب، كم نزلت من رحمة، كم أعتق من النار
في صيام الشهـر طـِبُّ** ليس يدريه طبيبُ
فيـــه أســـرار يعيهـا صائــم حقًـــا أريــبُ
فيــه غيـث مـن صفاء
ترتــوي منـه القلـوبُ
فيــه لـلأرواح سـبح**دونــه الكــون الرحيـب
صـائم في درع تقـوى** تنجلي عنه الكروب

عـــباد اللـــه:
أذكركم بزكاة الفطـــر :
فقد شرعه الله طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، وشكراً لله على توفيقه، وهي زكاة عن البدن، ووقت الإخراج يبدأ بغروب الشمس ليلة العيد، والأفضل ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، وإن أخرجها قبل العيد بيوم أو يومين جاز .

وأيضاً أذكّركم بصلاة العيد..
فإنها من تمام ذكر الله، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [(14، 15) سورة الأعلى]، قال بعض السلف: أي أدى الزكاة، {فصلى} قيل المراد به صلاة العيد، فاحرصوا رحمني وإياكم عليها فقد ذهب بعض العلماء إلى وجوبها.

وأذكّركم أيضاً بصيام ستة أيام من شوال: فعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر) رواه مسلم

وفي معـــاودة الصـــيام ..
بعد رمضان فوائد عديدة :

منها أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله، كما سبق الحديث.

ومنها أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل المفروضة وبعدها فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص.

ومنها أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده.

ومنها أن صيام رمضان يوجب مغفرة الذنوب، والصائمون يوفون أجورهم يوم الفطر، فتكون معاودة الصيام بعد الفطر شكراً لهذه النعمة، كان بعض السلف إذا وفق لقيام ليلة من الليالي أصبح في نهاره صائماً ويجعل صيامه شكراً للتوفيق للقيام...
رمضـــانُ مالك تلفـــظ ُ الأنفـــــاسا
أولـــمْ تكـــنْ في أُفْقــِنا نبـــراســــــا
لطفاً رويدَك بالقلـــوب فقد سَمَــتْ
و اســـتأنستْ بجــــــلالِك استئـناســـا
أتغــيبُ عن مُهَـــجٍ تجـــلّك بعــــــدما
أحـــيا بك اللـــه الكـــريـــمُ أُنـــاســـا
فلـــكـــلّ نفـــسٍ في وداعــــــك آهـــةٌ
و العـــينُ تدمـــعُ والحـــُشَاشَةُ تاســى
اسمـــع وداعَــــــك في نشـــيجِ مُشيـــِّع ٍ
ولَظـــى فــــــراقِك يُلهـــِبُ الإحـــساسا
قـــد كنتَ غـــيثاً للنفـــوس فأثمــرتْ
بـــرّاً و إشـــفـــاقـــاً .. و كـــنّ يِبـــاســـا ..
🎤
خطبة.عيد.الفطر.بعنوان.cc
يومـئـــذ يفــــــرح الــصـــائمــــــون
للشيـــخ/ السيـــد مـــراد ســــــلامـــة
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

عناصر الخطبة:
أولاً: يفرح الصائمون لأنهم أطاعوا الله ورسوله
ثانياً: يفرح الصائمون لأنهم اتصفوا بصفات المتقين
ثالثاً: يفرح الصائمون لأنهم قاموا رمضان
رابعاً: يفرح الصائمون لأنهم وصلوا أرحامهم
خامساً: يفرح الصائمون لأنهم ادخلوا البسمة على الفقراء والمساكين
سادساً: يفرح الصائمون لأنهم ادخلوا البسمة على الفقراء والمساكين

الخطبـــة.الأولـــى.cc
الحمد لله، الحمد لله حمدًا كثيرًا، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً، أحمدُه حمدًا لا انتهاءَ لأمَده، وأشكرُه شُكرًا لا إحصاءَ لعدده، الحمدُ لله عددَ خلقِه وزِنةَ عرشِه ورِضا نفسِه ومِدادَ كلماته، الحمدُ لله كما يحبُّ ربُّنا ويرضَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليُّ الأعلى، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبده ورسوله النبيُّ المُصطفى والخليلُ المُجتبَى، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه ومن اقتفَى.

أما بعد: فأُوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فمن اتَقاه وقَاه، ومن أقرضَه جزاه، ومن أحبَّه قرَّبه وأدناه.
فان قلت بماذا يفرح الصائمون؟ ومتى ذلك الفرح؟

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عيدٌ امتلأت القلوب به فرحًا وسرورًا، وازدانت به الأرض بهجة ونورًا، يومٌ يخرج المسلمون فيه بالأمصار إلى المصليات والمساجد مكبرين ومهللين ولربهم حامدين معظمين، وبنعمته مغتبطين، فلله الحمد رب العالمين.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها الأحبة: عيدكم مبارك وعيدكم سعيد، افرحوا بعيدكم أفراحًا كثيرة؛ فرحة بفضل الله ورحمته، وكريم إنعامه، ووافر عطائه، وفرحة بالهداية يوم ضلت فئام من البشر عن صراط الله المستقيم، ففرحنا أن هدانا يوم ضل غيرنا: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدةَ وَلِتُكَبّرُوا اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

اللهُ أكبرُ قُولُوْهَا بِلَا وَجَلٍ
وزينوا القلبَ من مغزى معانيها
بها ستعلو على أفق الزمان لنا
رايات عز نسينا كيف نفديها
الله أكبر ما أحلى النداءُ بها
كأنه الري في الأرواحِ يحيها

اعلم علمني الله وإياك أن الله تعالى اخبرنا على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أن كل عمل ابن ادم له إلا الصوم فانه له سبحانه وتعالى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ (صحيح البخاري).

لذا فإن الله تعالى يمنح الصائمين من الأجر والثواب ما تقر به أعينهم في الدنيا والآخرة كما في الحديث السابق (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ) واليك البشريات والمفرحات.
أولا: يفرح الصائمون لأنهم أطاعوا الله ورسوله:
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ولله أكبر ولله الحمد
يفرح الصائمون لأنهم فازوا بطاعة ربهم و الاقتداء بسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - فقد شاهدوا فجر الأجر قال الله تعالى ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 69، 70].

أنعم بها من معية فقد صار الصائمون مع كواكب العارفين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
هل استشعرتم تلك المعية أيها الصائمون؟

روى الطبراني وابن مردويه بسند قال السيوطي: لا بأس به عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم -فقال: يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإني ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وأني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك، فلم يرد النبي -صلى الله عليه وسلم - شيئا حتى نزل جبريل بهذه الآية ومن يطع الله والرسول.

طاعة الله تجلت في ذلك الشهر لتشمل شتى مناحي الحياة.
وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم- كانت قرة عيون الصائمين والصائمات في الأقوال والأفعال.

الله أكبر الله أكبر هذا هو يوم الجائزة لكم أيها الطائعون الصائمون قال الله تعالى ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذ
ِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

ثانيا: يفرح الصائمون ..
لأنهم اتصفوا بصفات المتقين
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ولله أكبر ولله الحمد
هذا هو الفرح حيث اتصفتم بصفات المتقين الذين حققوا التقوى في أعلى معانيها حيث العمل بطاعة الله على نور من الله وترك معصية الله على نور من الله.
فقد حققتم التقوى عباد الله و هي الغاية المنشودة و الدرة المفقودة قال الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ﴾ [آل عمران: 102].

يفرح الصائمون عندما يشاهدون أجر و جزاء المتقين عند رب العالمين ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].
وقال تعالى ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].
وقال تعالى ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5].

يفرح الصائمون عندما يشاهدون الجنان وقد زينة والحور وقد أعدت والقصور وهيئة قال الله تعالى ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا* لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴾ [النبأ: 31 -36].

ثالثا: يفرح الصائمون لأنهم قاموا رمضان
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ولله أكبر ولله الحمد
يفرح الصائمون لأنهم قاموا الليل و تصفوا بصفات عباد الرحمن و أنعم بها من صفات قال الله تعالى ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 63 - 67].

بشراكم أيها القائمون بهذه العطايا التي لم ترها عين ولم تسمع بها أذن ولا خطرت على قلب بشر قال الله تعالى ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 15 -17].

عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، جاء مناد فنادى بصوت يُسمعُ الخلائق: سيعلم أهل الجمع اليوم مَن أولى بالكرم. ثم يرجع فينادي: ليقم الذين كانت ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ الآية، فيقومون وهم قليل(ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده ، وأبو يعلى).

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر". قال أبو هريرة: فاقرؤوا إن شئتم: ﴿ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾.

رابعا: يفرح الصائمون لأنهم وصلوا أرحامهم:
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ولله أكبر ولله الحمد
يفرح الصائمون لأنهم وصلوا أرحامهم.
فكم وكم من عداوة وبغضاء كانت بين ذوي الأرحام فلما دخل عليهم رمضان تقاربت القلوب وتواصلت الأرحام وتعددت الزيارات واستبدلوا القطيعة بالصلة والبغضاء بالمحبة، فقد رأينا كيف ألف الصيام بين الإخوة والأخوات وبين الأبناء والإباء وبين جميع ذوي الأرحام بشراكم أيها الواصلون صلة الرحمن قال الله تعالى ﴿ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 20 - 24].

بشراكم أيها الواصلون سعة الأزرق والبركة في الأعمار وتعمير الديار عن
خ البشري، وسيظل ذكرهم إلى ما شاء الله تعالى.

حفظ الله تعالى نساء المسلمين بحفظه، وأنعم عليهن بستره، وكفاهن شرور أنفسهن، وشرور المتربصين بهن.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أعاده الله علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان والسلامة والإسلام وتقبل الله تعالى منا ومنكم ومن المسلمين صالح الأعمال.

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

=============
🎤
خطبة.عيد.الفطر.بعنوان.cc
سـحــق الإســـلام وتفتـيـت أرضـــه
للدكتور/ إبراهيم بن محمــد الحقــيل
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله رب العالمين؛ خلق الخلق فرباهم بنعمه، وهدى المؤمنين لدينه، ودلهم على طريقه ومنهجه ﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 213] نحمده فقد هدانا لشرائع الإسلام، وعلمنا الحكمة والقرآن، ووفقنا للصيام والقيام، وهو أهل الحمد في الأرض وفي السماء، وفي كل الأزمان والأحوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ عظيم في ذاته وأسمائه وصفاته، كبير في ملكه وسلطانه، قدير في خلقه وتدبيره "إِذَا قَضَى الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ المَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ فَإِذَا ": ﴿ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الحَقَّ وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ ﴾ [سبأ: 23] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ نصح لأمته فبين لها ما يكون بين يدي الساعة من عظائم الفتن، وشدائد المحن، والتعامل معها، والمخرج منها، وأسباب الوقوع فيها، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيي عن بينه؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر على ما هدانا، والله أكبر على ما أعطانا، والله أكبر على ما أنجانا.. الله أكبر كبيرا؛ خلقنا ورزقنا وعلمنا، وما كنا شيئاً ولا نملك شيئاً ولا نعلم شيئاً.

الله أكبر كبيراً؛ أطعمنا من الجوع، وآمننا من الخوف، وكسانا من العري، وهدانا من الضلالة، وبصرنا من العماية، ونعمه فينا لا تعد، وفضله علينا لا يحد، وكل حمد نحمده يتقاصر عن حمده، وحمده من نعمه، ونعمه تستوجب الحمد، فتنقطع الدنيا ولا ينقطع استحقاقه الحمد، وقد قال ملائكته المقربون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر.. بلغنا رمضان، ووفقنا للصيام والقيام، ودلنا على طرق الإحسان، فختمنا شهرنا نتقلب بين الرجاء والخوف، ونرجو القبول والغفران، ونخاف الرد والحرمان، فاللهم اقبل طاعتنا، واغفر زلتنا، واغسل حوبتنا، وارفع درجتنا، وأنعم علينا بالعفو والرضى والرحمة والمغفرة والعتق من النار، ووالدينا وأهلنا وذرياتنا، وسائر المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، يا مجيب الدعوات.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعبدوه في سائر أزمانكم وأحوالكم، ولا ترتدوا عن طاعته بعد شهركم؛ فإن الله تعالى حي لا يموت، ودائم لا يفوت، ويعبد في كل الأوقات، ويجازي بالحسنات، ويؤاخذ بالسيئات، وإن حياة المؤمن يجب أن تكون كلها كرمضان، في الإقبال على الله تعالى، وإتيان طاعته، والانتهاء عن معصيته، وتعظيمه ومحبته ورجائه وخشيته.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون:
يمر العيد بالأمة وهي على مفترق طرق، والفتن تحيط بالمؤمن من كل جانب، وفي أحوال الفتن يخاف الناس على أمنهم وأرزاقهم، فيخشون الجوع بعد الشبع، والخوف بعد الأمن، والتشريد بعد الاستيطان، والاضطراب بعد الاستقرار، وحق لهم ذلك؛ فإن ذهاب الأمن والرزق والاستقرار ليس بالأمر الهين على النفوس البشرية.

إن الحاقدين على الإسلام من الكفار لن يكفوا عن إحداث الاضطربات، وإشعال نار الفتن في بلاد المسلمين، بما يملكونه من أموال يشترون بها الذمم، وإعلام يصوغون به العقول، وسلاح يزودون به من يخدم مصالحهم، وحقد يطوقون به المسلمين لسحقهم وإنهاء وجودهم، ومكر يحرشون به بين المسلمين، ويثيرون الخلاف والتفرق في أوساطهم، ويصطنعون أشخاصا يحققون مآربهم. ومن يظن أن الكفار لا يعنيهم دين الإسلام ولا أمر المسلمين فهو لا يقرأ القرآن، ولا يعرف التاريخ، ولا يفهم الواقع، ولا يبصر إلا بعيون الأعداء.

وأما أذنابهم من المنافقين فيسعون بجهد حثيث، وعزم أكيد، وخطى متسارعة لإعادة صياغة الإسلام، وقسر المسلمين على هذه الصياغة التي أفرزتها أهواؤهم، ولو اقتضى ذلك حرق الرطب واليابس، وإسقاط الدول، ونشر الاضطرابات، وبث الفوضى في بلاد المسلمين.

ومن يبصر واقع المسلمين اليوم، ويرى الأيادي الظاهرة، ويحس بالأيادي الخفية وهي تخنق الإسلام، وتمنع التحاكم إليه؛ ليوقن أن المهمة الأولى للمجتمع الدولي، والنظام العالمي هي شلُّ الإسلام وسحق المسلمين، بل لا تكاد توجد قضية سواها بحجمها وأهميتها، وأضحت هذه هي قناعة السواد الأعظم من المسلمين.

وإذا كانت دراسات المستشرقين هي الممهدة لطلائع المستعمرين؛ فإن مراجل الحقد في قلوب كل من المستشرقين والمستعمرين على أمة الإسلام تكاد تفتت قلوبهم، وتزهق أرواحهم، وتصيبهم بالجنون من انتشار الإسلام؛ ﴿ حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ
أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه وقد أخرجاه عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " صلة الرحم، وحسن الخلق يعمرن الديار ويزدن في الأعمار " أخرجه البيهقي.

أيها المسلمون صلوا أرحامكم تدخلوا جنة ربكم عن عبد الله بن سلام قال: لما ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه و قيل قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: فجئت في الناس لأنظر إليه فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب فكان أول شيء سمعته بتكلم أن قال: " يا أيها الناس أفشوا وأطعموا و صلوا الأرحام و صلوا الناس نيام تدخلوا الجنة بالسلام" أخرجه البيهقي.

خامسا: يفرح الصائمون لأنهم ادخلوا البسمة على الفقراء والمساكين:
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ولله أكبر ولله الحمد
بارك الله لكم معاشر أيها الصائمون فقد رسمتم البسمة على أفواه الفقراء وكم أدخلتم البهجة على قلوب المساكين، وكم أطعمتم بطونا جائعة، وكم كسوتم أجسادا عارية، بشراكم معاشر الصائمين بعطاء رب العالمين.

اسمعوا: وفد رجل على علي فطلب له حاجة، فقال: الحمد لله الذي جعلك صاحب الحاجة ولم يجعلني صاحب الحاجة، لأقضينها إن شاء الله.

قال الرجل:
كسوتني حلة تبلى محاسنها * لأكسونك من حسن الثنا حللا.
الثناء الجميل:
ولم أرَ كالإحسان أما مذاقهُ * فحلو وأما وجهه فجميلُ.
• كاد الجميل أن يكون رجلاً، ولو كان رجلاً لكان حسناً، وكاد أن يكون نبتاً، ولو كان نبتاً لكان ورداً.
• قال أبو جعفر المنصور لجلاسه وسماره: ما أحسن بيت قالته العرب؟
قالوا: ما ندري.
قال: قول القائل:
الخير يبقى وإن طال الزمان به •• والشر أخبث ما أوعيت من زادِ
كيف يضيع الله من كفل الأيتام وقام على الأرامل ورعى ضعفه المسلمين؟
كيف يضيع الله من فرّج الكربات؟
كيف يضيع الله عبداً فرّج الكربات وتنافس في المرضاة وتسابق إلى الطاعات؟!
كيف يضيع عند الله سعيه؟

عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من فرج عن مؤمنٍ كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة) أخرجه مسلم.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ولله أكبر ولله الحمد
أخي المسلم: بر والديك، وخصهما منك بالدعاء، وأكثر لهما من الاستغفار، ففي التنزيل العزيز: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ﴾ [نوح: 28] ويقول سبحانه: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ [الإسراء:24].

صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك، وعف عن المحارم تكن عابداً، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً ارحم المسكين، وأكرم الغريب، واسع على الأرامل فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل ) ولذلك كان عبد الله -كما يقول أبو بكر بن حفص - لا يأكل طعاماً إلا وعلى خوانه يتيم، لابد أن يدعو يتيماً في كل وجبة من وجبات طعامه ليأكل معه إحساناً إلى اليتامى.

سادسا: العيد والإخاء:
جاء العيد أيها المسلمون - ليرسم على الشفاه معاني الحب، ويكتب في حياة المسلمين حياة من الإخاء الصادق، يقول: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام".

والسؤال الذي يطرح نفسه في ساحة العيد بالذات: القلوب المتنافرة أما آن لها أن تتصافح؟! أما زالت مصرة على معاندتها للفطر السوية؟! أما زال الكبر يوقد ضرامها ويشعل فتيل حقدها؟! ألا يمكن أن ينجح العيد في أن يعيد البسمة لشفاه قد طال شقاقها؟! إن هذه القلوب يُخشى عليها إن لم تُفلح الأعياد في ليّها للحق فإن لفح جهنم قد يكون هو الحل الأخير القادر على كسر مكابرتها ولي عناقها.

إلى متى هؤلاء يصمّون آذانهم عن قول رسول الهدى: "هجْر المسلم سَنَةً كسفك دمه"، وقوله: "تُعرض الأعمال على الله كل اثنين وخميس إلا المتخاصمَيْن، فيقول الله: أنظروا هذين حتى يصطلحا"؟!.

وإن لم يُفلح العيد في تحليل صلابة هذه القلوب فوعيد الله تعالى غير بعيد حين قال في كتابه الكريم: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22-23].

عباد الله، كل عام أنتم بخير، وتقبل الله منا ومنكم الصيام وصالح الأعمال. قوموا وليصافح بعضكم بعضاً
مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 109].

إن أنعم المستشرقين، وأرحم المستعمرين يودون سحق الإسلام، وتفتيت دوله، وإذلال المسلمين وإنهاء وجودهم، وحينما نقول هذا عن أنعمهم وأرحمهم فكيف إذن بأشدهم قسوة ودموية؟!

هذا أحد المستشرقين بلغ من نعومته ووداعته أنه لم يكره الشر يوما، ولم يعاد أحدا من الناس، لكنه يتمنى موت الإسلام وسحق المسلمين، يقول المستشرق آرنست رينان: أنا المعروف بوداعتي مع جميع الناس، والذي أعاتب نفسي على عدم كرهي الشر أعلن أني لست أشفق على الإسلام، وإني أتمنى للإسلام الموت المخزي، أتمنى إذلاله... ويقول: إن الشرط الضروري الوحيد في عصرنا الحاضر لنشر الحضارة الأوربية هو تحطيم العنصر السامي، تحطيم القوة الثيوقراطية للإسلام، وبالتالي تحطيم الإسلام نفسه، ثمة حرب لا تتوقف، ولن تتوقف هذه الحرب؛ إلا حينما فقط يموت آخر ولد من ذرية إسماعيل بؤسًا، أو أن يدفعه الإرهاب إلى أعماق الصحراء. انتهى كلامه، وسيبقى له ما يسوؤه وأمثاله.

إنهم هم من يصنع الكراهية والإرهاب بما فاض من صدورهم من الأحقاد، وهم من يصدر الكراهية للمسلمين، وهم من يوجد أسبابها، ثم يعاقبون المسلمين عليها.

إن إحداث الفوضى والاضطرابات في بلاد المسلمين صار واقعا مشاهدا، وإن مشروعات تفتيت دول الإسلام المقسمة أصلا قد انتقل من الحديث السري إلى العلني، ومن الأدراج المغلقة إلى الفضاء المفتوح، ويفرض الآن واقعا بسياسات الدول الكبرى في تغيير تحالفاتها، وخيانة أصدقائها، وإظهار حقيقة حلفها مع أعدائهم؛ لتستقر الحقيقة القرآنية في المشهد الكلي للحدث ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: 120].

وأما أرباب النفاق ومن في قلوبهم مرض فلطالما حدثونا عن خرافة الصراع العقدي، وعن متانة الصداقة مع القوى المستكبرة، حتى رأوا الكافر الوفي يركلهم ويتجه للفارسي المجوسي؛ ليشتركا في تقطيع أوصال الشرق العربي السني.

وإذا أُنذر المنافقون بالعذاب وتسليط الأعداء؛ جراء اجترائهم على شريعة الله تعالى، وتحسين مناهج الكفار ونشرها وفرضها، سخروا من العذاب كما سخر أسلافهم، واستعجلوه كما استعجله السابقون ﴿ وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ﴾ [الصَّفات:13-14] فالسابقون من الكفار قد قالوا ﴿ اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الأنفال:32] والسابقون من المنافقين قالوا ﴿ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ ﴾ [المجادلة:8] يقولون ذلك تكذيبا للقرآن، واستخفافا بالعذاب، واستهانة بوعيد الله تعالى، والسابقون ما عذبوا إلا بأمثال هؤلاء المجرمين، ولا وقع العذاب إلا بسبب مقولاتهم وأفعالهم كما أخبر الله تعالى أنهم يستعجلون العذاب سخرية واستهزاء ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالعَذَابِ ﴾ [العنكبوت:53].

إن المحيط العربي السني يموج بمشكلات عويصة، ومستقبل مخوف قاتم ينذر بأزمات عظمى إلا أن يلطف الله تعالى بعباده ويرحمهم؛ فالكوارث السياسية تتابع، والمشكلات الأمنية تتفاقم، ﴿ أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴾ [النجم: 57، 58] وإذا ذكر الناس بالتوبة لرفع البلاء، ودفع العذاب؛ انبرى المنافقون يسخرون من ذلك، ويحثون الناس على مزيد من الفساد والإفساد، ويدعونهم إلى حرب الله تعالى، ويشككون في قدرة الله تعالى وعذابه، ويسخرون من شريعته وأحكامه، إنهم بأقوالهم وأفعالهم يستمطرون العذاب، ويستجلبون العقاب، ولن يفلح من كان سمَّاعا لهم.

ولن تجني الأمة من طاعة الكفار والمنافقين إلا الخزي والخذلان، والفشل والاضطراب، وقد جرب قادة العرب ذلك عقودا كثيرة فما جنوا إلا الذل والانحطاط ﴿ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [الأحزاب: 48].

إننا في هذه الأحوال المضطربة، والسياسات المرتبكة، والأحداث المخيفة مطالبون بالتوبة من الذنوب، والتعلق بالله تعالى، وكثرة الإلحاح عليه بأن يحفظ البلاد والعباد والإسلام والمسلمين، وأن يكفيهم شر أعداء الداخل والخارج من الكفار والمنافقين، الذين لا يريدون أمن المسلمين ولا استقرارهم.

إننا مطالبون باجتماع الكلمة على دين الله تعالى، ونبذ الفرقة والاختلاف، وتعظيم الدم الحرام في زمن صارت فيه الدماء أرخص من الماء؛ فإن قتل المؤمن من أعظم الموبقات، ولزوال الدنيا أهون عند الله تعالى من قتل مؤمن بغير حق.

إننا مطالبون بعدم الخوض فيما لا نعلم من أحداث كبرى متقلبة على صفيح ساخن يكاد ينفجر، ومطالبون بحفظ ألسنتنا عن إثارة الفتن، ولوك أعراض المؤمنين ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَ
2024/09/28 05:21:18
Back to Top
HTML Embed Code: