Telegram Web Link
🎤
خطبـةجمعــةبعنــــوان.tt
التــكافــل في وقـت الشـــدائـد
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الحمد لله الذي تفرد في أزليته بعز كبريائه، وتوحد في صمديته بدوام بقائه، ونور بمعرفته قلوب أوليائه، وطيب أسرار القاصدين بطيب ثنائه، وأسبغ على الكافة جزيل عطائه، وأمن خوف الخائفين بحسن رجائه، الحي العليم الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في أرضه ولا سمائه، القدير لا شريك له في تدبيره وإنشائه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.

يا رب:
أنا من أنا .. أنا في الوجود وديعة
وغدا سأمضى عابرا في رحلتي

أنا ما مدت يدي لغيرك سائل
فارحم بفضلك يا مهيمن ذلتي

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد، عبدُ الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه، وتمسك بسنته، واقتدى بهديه إلى يوم الدين.

أمـــا بـــعــــــد :
عباد الله: لقد حرص الإسلام على بناء المجتمع المسلم البناء القوي والمنيع الذي يستطيع به أن يواجه الكوارث والأزمات، والفتن والتحديات في هذه الحياة.

ومن تتبع آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحياة المجتمع المسلم في القرون الأولى، يجد الكثير من النصوص الشرعية، والتوجيهات النبوية، والصور الرائعة، والممارسة العملية، التي تبين أهمية ذلك؛ من خلال الدعوة إلى التعاون والتكافل والتراحم والتعاطف، في كل وقت.

وأما عند نزول المصائب، وحلول الكوارث، وحدوث الفتن والشدائد،؛ فإن الأمر يكون أوجب، والأجر يكون أعظم، قال تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) [النساء 36].

وقال سبحانه وتعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71].

كما أن الفرد مأمور بإجادة أدائه الاجتماعي، بأن يكون وجوده فعالاً ومؤثراً في المجتمع الذي يعيش فيه، قال الله -تعالى-: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً"[البخاري: 467].

وقد بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- حال أفراد المجتمع في تماسكهم وتكافلهم بصورة تمثيلية رائعة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" [مسلم:2586].

بل لا بد للمسلم في زمن المصائب والشدائد والفتن: أن يتنازل عن حظوظ نفسه، ومصالحة الشخصية، من أجل مصلحة العامة، فالطمع والجشع، وحب الذات، يظهر في النفوس؛ لأنه لا يثبت على الأخلاق العظيمة في مختلف الظروف إلا العظماء، قال صلى الله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا، هم أهل المعروف في الآخرة" [صححه الألباني في صحيح الجامع].

هذا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في عام الرمادة، وقد اشتد بالمسلمين الفقر والجوع، بسبب القحط، جاءت تجارته من الشام ألف بعير محملة بالتمر والزيت، والزبيب، فجاءه تجار المدينة ، وقالوا له: تبيعنا ونزيدك الدرهم درهمين؟ فقال عثمان بن عفان -رضي الله عنه- لهم: لقد بعتها بأكثر من هذا، فقالوا: نزيدك الدرهم بخمسة؟ فقال لهم عثمان -رضي الله عنه-: لقد زادني غيركم الدرهم بعشرة، فقالوا له: فمن الذي زادك؟ وليس في المدينة تجار غيرنا؟ فقال لهم عثمان -رضي الله عنه-: لقد بعتها لله ولرسوله، فهي لفقراء المسلمين.

ماذا لو لم يكن يحمل بين جوانحه ضمير المؤمن  الحي، لكانت هذه الفرصة لا تعوض ليربح أموال طائلة، ولو كانت على حساب البطون الجوعى، والأجساد العارية، وآهات المرضى والجرحى والثكالى، وهموم أصحاب الحاجات!.

وقد وصف الله المجتمع المسلم، وهو في أحلك الظروف، وأشد الأوقات، عندما هاجر المسلمون إلى المدينة، وقد تركوا أموالهم وأعمالهم وتجارتهم، بسبب قريش وأعمالها العدائية ضدهم، لكنهم وجدوا الأنصار في المدينة أهل إيمان وتقوى، وحب للخير، فقد قسموا كل ما يمتلكون بينهم وبين إخوانهم المهاجرين، في هذا الوقت العصيب من حياتهم، فخففوا العبء عنهم والشدة، فخلد الله ذكرهم، وشكر لهم ذلك العمل، فقال سبحانه: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِد
ُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) [الحشر:9]

أيها المؤمنون -عباد الله-: ما أحوجنا إلى هذه المعاني السامية، وما أشد افتقارنا إلى التخلق بالرحمة والتعاطف والتكافل، وهذه القيم العظيمة التي تضمّد جراح المنكوبين، والتي تواسي المستضعفين المغلوبين، وتدخل السرور على المحزونين، وتعين المشردين والنازحين، بسبب الحروب والصراعات، والمشاكل والفتن، ولا سيما في هذا العصر، الذي تتعرض فيه كثير من بلاد المسلمين للشدائد والمحن، والذي تلاشت فيه الرحمة من أكثر الخلق، وقست فيه القلوب، فلا يسمع في هذا العصر لصرخات الأطفال، ولا لأنين الثكلى، ولا لحنين الشيوخ، ولا لكلمة الضعفاء، لا يسمع فيه إلا للغة القوة، ومنطق القدرة، ومبدأ المصلحة الشخصية، فأين نحن قول رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: "أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته، حتى يثبتها له أثبت الله -تعالى- قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل" [صحيح الجامع: 176].

وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- صورة من صور المجتمع المسلم، وهم في أحلك الظروف، وأشد الأوقات، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا -أي: فني زادهم- فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْـمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ" [البخاري: 2354].

وأكد صلى الله عليه وسلم على غلاقة المسلم بأخيه المسلم، فقال: "الْـمُسْلِمُ أَخُو الْـمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [البخاري: 2310].

وقال صلى الله عليه وسلم: "أيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله" [صححه الشيخ شاكر في تخريج المسند: 4880].

بل قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- قوم من مضر عراة ليس عليهم إلا كساء من صوف، وعليهم آثار الفاقة والحاجة، فتغير وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رأى من حالتهم، وكان أرحم بالناس من أنفسهم، فقام فصلى بالناس، ثم خطب بهم، فقال: "تصدق رجل من ديناره ، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة" فجاء، رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتهلل كأنه مذهبة -يشبه الذهب من الفرح-؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" [رواه مسلم].

فالمسلم لا يعيش لنفسه وحسب، بل لابد أن يتعدى نفعه، وخيره للآخرين، وفي وقت الشدائد والمحن والنكبات يكون الأمر أعظم، وفيه تظهر صورة المجتمع المسلم المتماسك والمتراحم والمتعاون، كما أمر الشرع بذلك، قال تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) [الأنبياء: 73].

وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج:77].

اللهم ألف بين قلوبنا
وأصلح ما فسد من أحوالنا ...

قلت ما سمعتم
وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
عباد الله: ليقوم كل واحدٍ منا بواجبه تجاه الآخرين من حوله، خاصة مثل هذه الأيام والشدائد والمحن، والحروب والصراعات، تعصف ببلادنا وبالمسلمين عصفاً، حتى رأينا انعدام الكثير من المواد الغذائية، والمشتقات النفطية، والمواصلات، وتوقفت الأعمال، ومصادر دخل الكثير من الأفراد والأسر، وارتفاع الأسعار.

وهناك الكثير من الفقراء والمحتاجين والمساكين، ومن انقطعت بهم السبل والمشردين والنازحين من المدن والقرى، وهناك من لا مأوى لهم، وقد أنعم الله علينا من فضله، فلنجد على الآخرين من حولنا من فضل، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والعمل النافع خير تقدمه بين يدي الله ليوم القيامة، وإدخال السر
ور على الآخرين ليس له جزاء إلا الجنة، ودفع المصائب والفتن والكوارث، ومصارع السوء عن الفرد والأمة، لا يكون إلا بالتكافل والتراحم، والتعاطف والتسامح، وتقدير ظروف بعضنا البعض، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئاً؟ قال: لا، قالوا: تذكر، قال: كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر، ويتجوزوا عن الموسر، قال: قال الله -عز وجل-: تجوزوا عنه".

وفي رواية عند مسلم: "فقال الله: أنا أحق بذا منك، تجاوزوا عن عبدي" [مسلم: 1560].

فأحسنوا العمل، وتراحموا فيما بينكم، وثقوا بالله، وتضرعوا بين يديه.

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولها.

اللهم ادفع عنا كل بلاء، وجنبنا كل فتنة، وثبتنا على الحق حتى نلقاك.

اللهم اجعل لنا من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل عسر يسرا، ومن كل بلاء عافية، واحفظنا من شر الأشرار، وكيد الفجار، ومن شر طوارق الليل والنهار، يا رب العالمين.

هذا، وصلوا وسلموا على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين برحمتك يا أرحم الراحمين .

============================
🎤
خطبـة.جمعــة.بعنــوان.cc
الـعشــر الأوســـط من رمـضــــان
للشيخ/ عبـدالحميــد الـتركستاني
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

ملـخص الخطبـة :
1- دعوة لاغتنام فضيلة الزمان (رمضان). 2- تقسيم الشهر بين المحسنين والمقتصدين والمذنبين. 3- شفاعة الصيام القرآن للعبد يوم القيامة. 4- صيام الجوارح.

الخطبـــة.الأولـــى.cc
ثم أما بعد أيها المسلمون:
اتقوا الله تعالى واجتهدوا في الأعمال الصالحة في بقية شهركم وكم من الناس حتى يومنا هذا لم يستفد من شهر رمضان قد ضيع نهاره في النوم ولياليه في السهر المحرم، حتى متى يعيش الإنسان للذاته وشهواته، وحتى متى يسير في طريق النار ومع ركب إبليس، ألا ينزجر هذا المسكين، ألا يصبحوا من سبات الغفلة وضياع العمر.

تولى العمر في سهر** و في لهو وفي خسر
فيا ضيعة ما أنفقت ** في الأيام من عمري

أما يعلم المفرط في الطاعة أن شهر رمضان شهر مليء بأسباب المغفرة فمن فرّط في هذه الأسباب كان محروما غاية الحرمان .

وفي الحديث ((من أدرك رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله)) .

وقال سعيد عن قاتدة، كان يقال: من لم يغفر له في رمضان فلن يغفر له في ما سواه، وفي أثر آخر: (إذا لم يغفر له من رد في ليلة القدر؟ متى يصلح من لا يصلح في رمضان، فمن فرط في الزرع في وقت البذار لم يحصد يوم الحصاد إلا الندم والخسار).

فيا من تريد العتق من النار ومغفرة الذنوب ورضا الرحمن، ينبغي لك أن تأتي بأسباب توجب لك الرحمة والمغفرة والعتق من النار وهي كما ذكرنا متيسرة في هذا الشهر من الصيام والقيام وقراءة القرآن والذكر ومساعدة الفقراء والمحتاجين وإطعامهم والصدقة والاستغفار وغير ذلك من الأعمال الصالحة .

وقد ورد في الترمذي وغيره بسند صحيح ((إن لله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة))، ولكن الأغلب على أول الشهر الرحمة وهي للمحسنين المتقين الذين قاموا بالصيام والقيام وقراءة القرآن قال تعالى إن رحمة الله قريب عن المحسنين فيفاض على المتقين في أول الشهر خلع الرحمة والرضوان، ويعامل أهل الإحسان بالفضل والإحسان، وأما وسط الشهر فالأغلب عليه المغفرة، فيغفر للصائمين، وإن ارتكبوا بعض الذنوب الصغائر فلا يمنعهم ذلك من المغفرة إذا ارتكبوا بعض الذنوب كما قال تعالى وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم .

وأما آخر الشهر فيعتق فيه من النار من أوبقته الأوزار، وصار مستوجبا للنار .

ليت شعري من فيه يقبل منا
فيهنـا يا خيبـة المردود

من تولى عنه بغيـر قبول
أرغم الله أنفقه بخزي شديد

ماذا فات من فاته خير رمضان؟ وأي شيء أدرك من أدركه فيه الحرمان .

أيها الاخوة: اعلموا أن المؤمن يجتمع له في رمضان جهادان لنفسه جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين، ووفى بحقوقهما وصبر عليهما، وفي أجره بغير حساب قال كعب: ينادي يوم القيامة مناد: إن كل حارث يعطي يحرثه ويزاد غير أهل القرآن والصيام، يعطون أجورهم بغير حساب ويشفعان له أيضا عند الله عز وجل، كما في المسند بسند صحيح، عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال : ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، فيقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان)) .

فيا من ضيع عمره في غير الطاعة! يا من فرط في شهره بل في دهره وأضاعه ويا من بضاعته التسويف والتفريط! وبئست البضاعة، أيا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان، كيف ترجوا من خصمك الشفاعة.

ويل لمن شفعاؤه خصماؤه
والصور في يوم القيامة ينفخ

رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وقائم حظه من قيامه والسهر، كل قيام لا ينهى عن الفحشاء والمنكر لا يزيد صاحبه إلا بعدا، وكل صيام لا يصان عن قول الزور والعمل به لا يورث صاحبه إلا مقتا وردا.

يا قوم أين آثار الصيام؟ وأين أنوار القيام؟

إن كنت تنوح يا حمام البان
للبين فأين شاهد الأحزان

أيها المسلمون : ها نحن في بداية العشر الأوسط من رمضان وقد انقضت العشر الأوائل منه بما عملناه من طاعات فنسأل الله عز وجل أن يتقبل منا مصالح الأعمال وأن يغفر لنا التفريط والتقصير.

ابن آدم : يا من تكاسلت عن القيام بواجب الطاعة في أول الشهر لا تكن من المحرومين ففي الوقت فسحة وفي الشهر بقية هل لك الآن أن تبادر وتستقبل بقية الشهر أم تزيد أن تكون من المحرومين؟ أيها العبد الفقير إلى ربك لو عرفت قدر نفسك ما أمرضتها بالمعاصي، لأنك أنت المختار من المخلوقات، ولك أعدت الجنة، إن اتقيت وعملت صالحا، فهي إنما أعدت للمتقين، فكيف ترضى أن تكون من أتباع إبليس، وأن تكون معه في النار غدا من جملة أتباعه، وإنما طرد اللعين عن الجنة من أجلك حيث تكبر عن السجود لأبيك، ثم بعد ذلك ترضى لنفسك أن تكون من حربه وإنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون .

أيها المسلمون : هذا شهر رمضان قد انتصف، فمن منكم حاسب في نفسه لله وانتصف؟ من منكم قام في هذا الشهر بحقه الذي عرف؟ من منكم عزم قبل علق أبواب الجنة أن يبني له في
ها غرفا من فوقها غرف ألا إن شهركم قد أخذ في النقص فزيدوا أنتم في العمل، فكأنكم به وقد انصرف، فكل شهر فعسى أن يكون منه خلف وأما شهر رمضان فمن أين لكم منه خلف؟

تنصف الشهر وا لهفـاه و انهمـر
واختص بالفوز بالجنات من حزما

وأصحب الغافل المسكـين منكسرا
مثلي فيا ويحـه يا عظيم ما حرما

من فاته الزرع في وقت النذار فما
تـراه يحصد إلا الـهـم و الندما

طوبى لمن كانت التقوى بضاعته
في شـهره و بحبـل الله معتصما

يا قوم آلا خاطب في هذه الشهر إلى الرحمن؟ ألا راغب فيما أعده الله للطائعين في الجنان؟ ألا طالب لما أخبر به من النعيم المقيم مع أنه ليس الخبر كالعيان ؟
من يرد ملك الجنان
فليدع عنـه التواني

ليقم في ظلمة الليل
إلى نـور القـران

وليصل صوما بصوم
إن هذا العيش فاني

إنما العيش جوار الله
فـي دار الأمـان

معشر المؤمنين : لقد كان سلفنا الصالح يصومون عن كل محرم وعن كل شهوة من شهوات الدنيا ولسان حال الواحد منهم:
وقد صمت عن لذات الدهر كلها
ويوم لقاكم ذاك فطر صيامي

رؤى بشر الحافي رحمه الله في المنام، فسئل عن حاله، فقال : علم الله قلة رغبتي في الطعام فأباحني النظر إليه. نعم لقد كانت أماني أولئك الصالحين هو دخول الجنة والنظر إلى وجه الله الكريم وذلك لأن النظر إلى وجه الله من أعظم نعيم الجنة كلها على الإطلاق كما قال تعالى ولدينا مزيد فالمزيد هو النظر إلى وجه الله الكريم .

من كان يرجو لقاء الله، فإن أجل الله لآت وقد قيل للحافظ عبد الغني النابلسي رحمه الله عندما أتته الوفاه ما تشتهي قال : أشتهي النظر إلى وجه الله الكريم، وقيل لبعضهم : أين نطلبك في الآخرة؟ قال : في زمرة الناظرين إلى الله، قيل له : كيف عملت ذلك؟ قال : بغض طرفي له عن كل محرم، واجتنابي فيه كل منكر ومأثم، وقد سألته أن يجعل جنتي النظر إليه. هذه هي أماني الصالحين ولسان حالهم:

قال الشاعر:
هجرت الخلق طرا في هواك
وأيتمت العيال لكي أراكا

فلـو قطعتني في الحب إربا
لما حن الفؤاد إلى سواكا

فالعارفون لا يسليهم عن رؤي مولاهم قصر، ولا يرويهم دون مشاهدته نهر، هممهم كما ذكرنا أجل من ذلك.

عـــباد الله هذا شهر رمضان ..
الذي أنزل فهي القرآن وفي بقيته للعابدين مستمتع، وهذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم ويسمع، وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا يتصدع، ومع هذا فلا قلب يخشع، ولا عين تدمع، ولا صيام يصان عن الحرام فينفع، ولا قيام استقام فيرجى فيه صاحبه أن يشفع، قلوب خلت من التقوى فهي خراب بلقع، وتراكمت عليها ظلمت الذنوب فهي لا تبصر ولا تسمع، كم تتلى علينا آيات القرآن وقلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة، وكمم يتوالى علينا شهر رمضان وما لنا فيه كحال أهل الشهوة، ألا الشاب منا ينتهي عن الصبوة، ولا الشيخ ينزجر عن القبيح فيلتحق بالصفوة، أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة وإذا تليت عليهم آياته جلت قلوبهم جلوه، وإذا صاموا صامت منهم الألسنة والأسماع والأبصار، أما لنا فيهم أسوة، كم بيننا وبين حال أهل الصفّا أبعد مما بيننا وبين الصفاء المروة.
يا نفس فاز الصالحون بالتقى
وأبصروا الحق وقلبي قد تممي

ويحـك يا نفـس ألا تيقـظ
ينفـع قبـل أن تزل قـدمـي

مضى الزمان في توان وهوى
فاستدركي ما قد بقي واغتنمي


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
أيها المسلمون: ما أشبه الليلة بالبارحة‍‍‍‍!! بالأمس كنا نستقبل رمضان وها نحن نودع أسبوعا كاملا مضى العشر الأوائل منه مضت منه بما فيها من طاعات وأعمال صالحة من صيام وقيام وتلاوة قران وهاهي أيامه الجميلة ولياليه الطاهرة تمشي الهويني لكي تطوي علينا هذا الشهر المبارك.
إذا تم أمر بدا نقصه**تأمل زوالا إذا قيل تم

أيــها الاخــوة: إنه والله من العجيب
أن نرى أناسا ليس لهم هم في هذه الدنيا إلا تضييع الأوقات في اللهو والغفلة تمر عليهم المواسم والفرص ولا يحرصون على استغلالها في طاعة الله انظروا مثلا للناس في صلاة العشاء يملؤن المسجد حتى إذا فرغوا من صلاة العشاء خرجوا من المسجد بحيث أنهم لا يفكروا مجرد تفكير يتبعه عمل، في صلاة التراويح ويحرمون أنفسهم أجر مغفرة الذنوب، وكأن الدنيا فائتة وسوف تذهب عليهم فلماذا العجلة إذاً؟

والبعض يفرط أصلا في صلاة الجماعة حتى في رمضان لا ينصلح حاله، ويترك صلاة الجماعة يعرض نفسه للعقوبة ومشابهة المنافقين، والبعض لا يصون صومه عن الكذب والغيبة والنميمة والغش وسماع الأغاني والموسيقى وغير ذلك من الأعمال التي تخدش أجر الصوم.

لولا الذين له ورد يصلونا
وآخرون لهم سرد يصومونا

فاحذروا أيها المسلمون :
من نواقض الصوم ونواقضه، وصونوه عن قول الزور والعمل به فقد ورد في الحديث الصحيح إن النبي قال: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) رواه البخاري.

فالصائم الحقيقي هو الذي صامت جوارحه عن الآثام ولسانه عن الكذب والفحش والغيبة والنميمة وقول الزور وبطنه عن الأكل والشرب وفرجه عن الرفث، فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه ون فعل لم يفعل
ما يفسد صومه، فيخرج كلامه نافعا صالحا، وكذلك أعماله هذا هو الصوم المشروع لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب كما جاء في الحديث ((رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش)) رواه الإمام أحمد وهو صحيح .

فالصوم الحقيقي إذن هو صوم الجوارح عن الآثام وصوم البطن عن الطعام والشراب، فكما أن الطعام والشراب يقطعه فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسر ثمرته، فتصيّره بمنزلة من لم يصم.

قال جابر بن عبد الله : (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، ودع عنك أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة ولا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء).
🎤
خطبـة.جمعــة.بعنــوان.cc
رمضـان تاريـخ أمــة ( بـدر وجـهاد )
للـــشيـــخ/ مـــحـــمـــــد الــجـــــرافـــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبـــة.الاولـــى.cc
الحمد لله الواحد الديان، أنزل في شهر رمضان القرآن، فكان شهر النصر على مر التاريخ والأزمان، وأشهد أن لا إله إلا الله فتح لنا في رمضان نفحات البر والإحسان، وأغلق فيه لفحات الشر والشيطان، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الطيب القلب واللسان، أعز الله به أهل الصدق والإيمان، وهزم به أهل الكفر بالذل والهوان، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القسط والميزان.

أمـــا بعـــد فيا أيها الاخوة المؤمنون!
أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.

ها هو رمضان قد ذهب ما يقارب نصفه الأول، إلا يوم او يومين وكنا في بدايته نقول: أهلا يا رمضان، واليوم يحق لنا أن نقول: مهلا يا رمضان، وهو في الحقيقة مدرسة متعددة التخصصات والشعب؛ مدرسة دينية، وفقهية، واجتماعية، وأخلاقية، وصحية، وعسكرية، وتاريخية أيضا؛ إذ هو عند السلف الصالح شهر الجهاد والكفاح وشهر الدعوة إلى الصلاح والفلاح، لم يكن عندهم أبدا شهر فتور ونوم وكسل، لم يكن أبدا عندهم مدعاة للتراخي عن العمل، لم يكن عندهم أبدا شهر المنوعات أو بالأحرى الممنوعات الغنائية أو الفلمية .

ان رمضان ثورة تاريخية مِن أجْلِ إسْقاطِ نِظَامِ الهَوَى، وَإِقامةِ نِظَام الهُدى، والإنسان مرتبط بتاريخه لا يعيش الحياة الطيبة بدون تاريخه فبالرجوع إلى التاريخ نتفادى الوقوع في الأخطاء مرتين، ومبدأ المسلم يبينه لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «لا يُلْدَغ المؤمن من جحر مرتين» .

فتعالوا بنا اليوم نرفع الستار عن رمضان في تاريخ الأمة حتى نربط فيه الحاضر المؤسف المشهود، بالماضي المشرِّف المحمود، لبناء المستقبل المستشرف المنشود؛ فقد سجل لنا رمضان للتاريخ ذكريات عظيمة لأشخاص عظماء وجب علينا تذكرهم والاقتداء بهم، وتاريخ الإسلام يبدأ بتاريخ آدم عليه السلام، وكل ما ذكره القرآن الكريم من الأحداث قبل النبي صلى الله عليه وسلم فهو من تاريخ الإسلام؛

ففي رمضان توفي سيدنا موسى عليه السلام أخرجه الحاكم في المستدرك عن الحسن بن علي رضي الله عنه؛ وذلك حينما اتجه بجيشه لفتح القدس، وفي رمضان رفع الله تعالى سيدنا عيسى عليه السلام إلى السماء أخرجه الحاكم في المستدرك أيضا عن الحسن بن علي رضي الله عنه؛ وفي رمضان نزل القرآن الكريم، فكان شهر نزوله ومدارسته؛ يقول الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.
وفي شهر رمضان توفيت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وذلك في السنة العاشرة من البعثة وقبل الهجرة بنحو ثلاث سنين على المشهور

وفي رمضان من نفس السنة ماتت رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم زوجة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فزوجه النبي صلى الله عليه وسلم ببنته الثانية أم كلثوم فسمي بذلك "ذو النورين".

وفي رمضان من السنة الثالثة للهجرة وَلَدت فاطمة بنتُ النبي صلى الله عليه وسلم ابنَها سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهم، فكان سيد شباب أهل الجنة؛ فحق لشباب الدنيا أن يكون قدوتهم وإمامهم.

وفي رمضان من نفس السنة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت خزيمة، وكانت رضي الله عنها غنية تحب المساكين حتى لقبت بأم المساكين، وما أجمل مجتمعا يحب فيه الأغنياء المساكين فيساعدونهم ويخففون عنهم معاناة الفقر والجوع!.

وفي رمضان من السنة الثانية من الهجرة وقعت غزوة بدر الكبرى، فكانت أول انتصار للإسلام على المشركين.

وفي رمضان من السنة الرابعة من الهجرية حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق حول المدينة حماية لها من غزوة الأحزاب التي تشكلت من قبائل العرب المشركين للهجوم على المدينة وعددهم عشرة آلاف مقاتل، وقد شارك النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه في عملية الحفر، وما أجمل مجتمعا يشارك فيه قادته الأعمال مع الرعية جنبا إلى جنب!.

وفي رمضان من السنة الخامسة للهجرة نزلت براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من حديث الإفك الذي اتهمت به زورا وبهتانا وفي رمضان من السنة الثامنة من الهجرة فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة، فأسلم أهلها، وكانت مأوى الإسلام إلى اليوم.

وفي رمضان من السنة التاسعة من الهجرة هدم الرسول صلى الله عليه وسلم المسجد الضرار، الذي أحدثه المنافقون بجوار المسجد الذي أسس على التقوى مسجد قباء، لتفريق جماعة المسلمين، فوجب إزالة كل ما يفرق الأمة ولو كان مسجدا.
وفي رمضان سنة (40 هـ) استشهد سيدنا علي رضي الله عنه وقد خرج لأداء صلاة الفجر بمسجد الكوفة على يد مجرم من الخوارج اسمه عبد الرحمن بن ملجم ألجمه الله بلجام من النار؛ فقد روى الحاكم في المستدرك وصححه أن الحسن بن علي رضي الله عنه خطب وذكر مناقب أبيه بعد مقتله، فقال: «قتل ليلة أنزل الق
رآن، وليلة أسري بعيسى عليه السلام (أي: رفع إلى السماء) وليلة قبض موسى عليه السلام».

وفي رمضان سنة (92 هـ) قطع طارق بن زياد بجيشه البحر من طنجة إلى جبل ما زال يحمل اسمه "جبل طارق" وخطب فيهم خطبته المشهورة: "أنتم والله أضيع من الأيتام على مأدبة اللئام؛ أين المفر والبحر من ورائكم والعدو أمامكم؟ فليس عليكم –والله- إلا الصدق والصبر"؛ فالتزموا بالصدق والصبر ففتحوا الأندلس ودخل قرطبة منتصرا وما أجمل الصدق والصبر إذا اجتمعا!.

وفي رمضان سنة (223هـ ) انتصر المسلمون بقيادة الخليفة العباسي المعتصم على الدولة البيزنطية في معركة عمورية؛ وذلك استجابة للصرخة الشهيرة لإحدى المسلمات الأسيرات: (وامعتصماه)، فاستجاب لاستغاثها بجيش فتح بها مدينة عمورية ودخلها الإسلام إلى اليوم؛ واليوم يا ما سمعنا عبر وسائل الإعلام آلافا من النساء والأطفال، يستغيثون في أكثر من مكان ولا من مجيب، ولا معتصم في الأمة؟.
وفي رمضان سنة (658هـ) انتصر القائد المسلم سيف الدين قطز في معركة عين جالوت بفلسطين، على جيوش المغول والتتار بقيادة هولاكو بعد أن ران على القلوب أنها جيش لا يقهر، وعين جالوت في فلسطين اليوم تعاني من جرائم تتار العصر الصهاينة ولا سيف دين في الأمة.

عباد الله أتدرون لماذا تحول لدينا رمضان من شهر الانتصارات، إلى شهر الانهزامات من شهر الأفراح والمسرات، إلى شهر المأسات والنكسات؟ لأننا نصومه ولا نصونه، لأنه أصبح لدينا الصيام مجرد إمساك عن الأكل والشرب وكفى!
كلا يا عباد الله!

ما هكذا يصان الصيام، ما هكذا يكون رمضان! أي رمضان يصان لأمة تشتت شملها، وذهب ريحها وعطلت أحكام قرآنها؟ أي صيام يصان لأمة فسد إعلامها فأصبح يرفع من وثيرة فساده في رمضان؟
أي صيام يصان لأمة فسد شبابها فأصبح أسير المخدرات والمسكرات؟ أي صيام يصان لأمة أصبحت الفاحشة لا بأس بها إذا كانت برضا الطرفين؟ أي صيام يصان لأمة فسد اقتصادها وساد في أموالها الحرام؟ أي صيام يصان في أمة فقدت هويتها فأصبحت تلهث وراء تقليد غيرها من الأمم مع الأسف في فسادها وليس في تقدمها؟ أي صيام يصان في أمة علماؤها عن المنكر ساكتون، وبالمعروف لا يأمرون؛ والله تعالى يقول:{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} ويقول سبحانه وتعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}… ورحم الله من قال:
لا تجعلنْ رمضان شهر فكاهة
يلهيك فيه من القبيـح فنونه

واعلم بأنك لن تنال قبولـــه
حتى تكون تصومُه وتصونُه

و قال آخر :
ولكن لا أصوم صيامَ قـوم
تكاثر في فطــورهم الطعامُ

فإن وضح النهار طووا جياعا
وقد نهموا إذا اختلط الظلامُ

وقالوا يا نهــــار لئن تجعنا
فإن الليــل منــك لنا انتقام


الخطبــة.الثانيــة.cc
أمــا بعــد عباد الله : في مثل هذه الأيام من رمضان في السابع عشر من رمضان الذي يذكرنا بأول انتصار سجله التاريخ للمسلمين في الميدان العسكري؛ تلكم هي غزوة بدر الكبرى، التي وقعت في رمضان من السنة الثانية من الهجرة؛ التي سماها القرآن الكريم بالفرقان، لأن الله عز وجل فرق فيها بين الحق والباطل.

تلكم الغزوة التي نجح النبي صلى الله عليه وسلم في تسيير إدارتها فانتصر فيها المسلمون رغم قلة عددهم: ثلاثمائة وخمسة عشر مقاتلا، أمام جيش من المشركين رغم كثرة عدده: تسعمائة مقاتل، إنه جيش يفوقهم عدة وعددا مرتين، بينما لا يتجاوز عدد المسلمين ثلث عدوهم، إنه جيش من المشركين مدججين بأحدث الأسلحة آنذاك، بينما من المسلمين من كان سلاحه عصا في يده، ورغم ذلك انتصر المسلمون فحصدوا من المشركين سبعين قتيلا وسبعين أسيرا، جلهم قادة ورؤساء.
وقد تمخَّضَتْ غَزَاةُ بدر عن دروس وعِبَر عظيمة منها :

*-: صدق الصحابة في موالاتهم للمؤمنين، ومعاداتهم للكافرين، وقد ظهر ذلك في غزوة بدر، عندما قتل عمر بن الخطاب خاله العاص بن هشام بن المغيرة، ولم يلتفت إلى قرابته منه، وهَمّ أبو بكر بقتل ابنه عبد الرحمن، وقتل حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث أبناء عمهم عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، وذلك في المبارزة

*أن الإيمان والعمل الصالح من أعظم أسباب النصر؛ ولذلك وعد الله المؤمنين الصالحين بالنصر في غير آية من كتاب الله، قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51].

*ا أن التوكل على الله من أعظم أسباب النصر، قال تعالى: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 160].

* أن الاختلاف والتنازع من أسباب الفشل والهزيمة أمام العدو، وهذا ما حدث في غزوة بدر، فإن المشركين قبل بدء ال
قتال حصل بين قادتهم خلاف كان سبباً لضعف العزائم والهمم، وبالتالي إلى الهزيمة، قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46].

*- الاستفادة من الظروف البيئية المحيطة أثناء قتال العدو: لم يغفل النبي صلى الله عليه وسلم الاستفادة من الظروف الطبيعية أثناء قتال العدو، فقد كان يستفيد من كل الظروف المحيطة في ميدان المعركة لخدمة صفّه. ومن أمثلة ذلك ما فعله صلى الله عليه وسلم قبل بدء القتال يوم بدر، يقول المقريزي: "وأصبح صلى الله عليه وسلم ببدر قبل أن تنزل قريش، فطلعت الشمس وهو يصفهم فاستقبل المغرب وجعل الشمس خلفه فاستقبلوا الشمس"

*- الدعاء أحد الأسلحة الفتّاكة في مواجهة الأعداء: لما نظّم صلى الله عليه وسلم صفوف جيشه، وأخذ بكل الأسباب المُتَاحة، رجع إلى عريشه الذى بُنى له ومعه صاحبه أبو بكر، وسعد بن معاذ على باب العريش لحراسته وهو شاهر سيفه، واتجه صلى الله عليه وسلم إلى الدعاء قائلًا: «اللهمَّ أَنجِزْ لي ما وعدتني. اللهمَّ آتِ ما وعدتني، اللهمَّ إن تَهلِك هذه العصابةُ من أهلِ الإسلامِ لا تُعبدُ في الأرض» رواه مسلم.
وكم أقام الدعاء ممالك وأزال ممالك! فلا ينبغي للمسلمين إهمال الدعاء؛ فشأنه عظيم، وأمره جسيم.

* على القائد أن يكون قريباً من جنوده، يحثهم ويشجعهم على القتال، ويكثر من الصلاة والدعاء لهم بالنصر، ويقاتل معهم كأحد الجنود، وهذا هو حال النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة بدر

* أن النصر بيد الله، يمنحه من يشاء، وهو الذي نصر المؤمنين ببدر، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123].وما النصر إلا من عند الله

* فضل بدر، إذ سماها الله في القرآن باسمها، فقال: ﴿ بِبَدْرٍ ﴾.
تلكم هي أحداث تاريخية وقعت في شهر رمضان جعلت منه مدرسة تاريخية عظيمة، نتحرر بها من وعثاء الجهل وغثاء الواقع، هذا هو رمضان في تاريخ الأمة؛ ولكننا في عصرنا هذا قد تحولت المعايير، ونكست الموازين، فأصبح لدينا رمضان شهر الانهزامات، وأصبحت الأمة تسجل للتاريخ في رمضان المأسات والنكسات فلنراجع في رمضان انفسنا وأحوالنا ولنصلح علاقتنا مع الله حتى نستحق رحمة الله وعونه ونصره .
🎤
محاضرة.قيمة.بعنوان.cc
العشر الأواخر من رمضان وليل الصالحين
للـــدكـتـــــور/ مــحـــــمـــــــــد ويـــــــــــــلالــــــــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌


نَحمد الله - تبارَك وتعالى -
أن نسأَ لنا في أعمارِنا حتَّى أشْهَدَنَا هذه اللياليَ المُباركة من شهْر رمضان، الَّذي سمَّاه رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - شهرًا مباركًا، حين قال من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((أتاكُم رمضان، شهر مبارك، فرَض الله - عزَّ وجلَّ - عليْكُم صيامَه، تُفَتَّح فيه أبواب السَّماء، وتغلَّق فيه أبواب الجحيم، وتغَلُّ فيه مردة الشَّياطين، لله فيه ليلة خيرٌ من ألْف شهر، مَن حُرِم خيرَها فقد حُرِم))؛ صحيح النسائي.

كَمْ كُنْتَ تَعْرِفُ مِمَّنْ صَامَ فِي سَلَفٍ
مِنْ بَيْنِ أَهْلٍ وَجِيرَانٍ وَإِخْوَانِ
أَفْنَاهُمُ المَوْتُ وَاسْتَبْقَاكَ بَعْدَهُمُ
حَيًّا فَمَا أَقْرَبَ القَاصِي مِنَ الدَّانِي

تقول عائشة - رضي الله عنها -: "كان يَجتهِد في العشْر الأواخِر ما لا يَجتهِد في غيرها"؛ كما رواه مسلم.

وتقول - رضِي الله عنْها -: "كان النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذا دخَل العشْر، شدَّ مِئْزَرَه، وأحْيا ليْلَه - سهِره؛ أي: تعبَّد معظم الليل - وأيْقظ أهله"؛ متَّفق عليه.

وقد حثَّ النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - على الاستِعاذةِ من أرْذَل العمر، فقال: ((اللَّهُمَّ إنِّي أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجُبْن، وأعوذ بك أن أُردَّ إلى أرْذل العمر، وأعوذُ بك من فِتْنة الدُّنيا، وأعوذ بكَ من عذاب القبْر))؛ رواه البخاري.

وكان سعْد بن أبي وقَّاص يعلِّم بنيه هؤلاءِ الكلِمات كما يعلِّم المعلِّم الغِلْمان الكِتابة، ويقول: "إنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - كان يتعوَّذ منهنَّ دبُر الصَّلاة"؛ البخاري.

ولا شكَّ أنَّها مرحلة عمريَّة استقطبتْ كثيرًا من الاهتِمام، طيلة العصور البشريَّة المختلِفة، ونسجتْ حولَها من التَّعاويذ والخرافات - بغْية التَّخْفيف من أعْراضِها - ما طارتْ شُهْرَتُه في الآفاق.

وتوصَّل الباحثون - في دراسة حديثة - إلى أنَّ مدار تَخفيف آثار مرحلة أرْذل العمر على صاحبِها، يكمن في عنصرَين اثنين هما: القراءة والرياضة؛ لما لهاتين الوسيلتَين من تأثير على خلايا الجسم المختلفة - الدماغيَّة والعضليَّة والعصبيَّة - فتعمل على تنشيطِها وتقْويتها، فتحمي الإنسانَ من الضَّعف والخُمول، على أن تُمارَس في مراحل العمر الأولى بعد التَّمييز والتَّكليف، ويواظب عليْها.

وقد هيَّأ لنا الإسلام هاتَين الوسيلتَين باعتبارِهِما طريقتَين للتقرُّب إلى الله، ونيْل رضاه، وهما: الصَّلاة وقراءة القرآن؛ فقد جعل الله الصَّلاة رُكنًا من أرْكان الإسلام تؤدَّى خَمْس مرَّات في اليوم، مع ما يصْحَبُها من رواتِب تبلُغ في اليوم الواحد اثْنَتَي عشْرة أو أرْبع عشْرة ركعة[2]، فضلاً عن النَّوافل التي لا تُحْصَر بعدد.

فالصَّلاة فيها من الحركات الخفيفة والمتناسِقة، التي تُبقي على خلايا الأجهِزة المختلِفة للجِسْم نشِطة وقويَّة، ومن أفضل الصَّلوات بعد الفريضة صلاة قيام اللَّيل؛ لما لها من تأْثير في صفاء النَّفس وسكونِها وطمأنينَتِها.

وقد أظهرتِ الدِّراسات الحديثة أنَّه من الصِّحِّي جدًّا قطْع النَّوم في اللَّيل، والقيام ببعْض الحركات اليسيرة، ثمَّ الرجوع إلى النَّوم، وليس أفضل من صلاة قيامِ اللَّيل لتحْقيق هذا الهدف.

كما أظهرتِ الدِّراسات أيضًا وجودَ فوائدَ مختلفة لحركات الصَّلاة المختلِفة على صحَّة الجسم وعافيتِه، فمثلاً: وضْع اليد اليمنى على اليُسرى عند المعصم، تُساعِد في معالَجة الاكتِئاب والاضطِراب والقلَق، فتعْطي نوعًا من الاستِرْخاء والسَّكينة، كذلِك فإنَّ وضْع الجبهة على الأرْض في السُّجود، يعمل على تفْريغ الجسم من الشحْنات الكهربائيَّة، ممَّا يخلِّص الجسم من الصداع والقلق والاضطِراب والإرْهاق، إلى غير ذلك من الفوائد.

ولعلَّ رمضان درَّبه على قِيام اللَّيل في سائر الليالي الأُخرى؛ قال النَّوويُّ: "يُستحبُّ أن يُزاد من العبادات في العشْر الأواخر من رمضان، وإحياء لياليه بالعبادات".

وقال الشَّافعيُّ: "أستحبُّ أن يكونَ اجتِهادُه في نهارِها كاجتهادِه في ليلِها".

وكان النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يلتزِم ذلك، ويحثُّ أهلَه وأمَّتَه عليه، قال عليُّ بنُ أبِي طالب - رضِي الله عنْه -: "كان النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يوقِظ أهلَه في العشْر الأواخر من رمضان"؛ صحيح سنن التِّرْمذي.

كيف وفيها ليْلة القدر، التي هي خير من عبادة ألْف شهر؛ أي: 83 سنة وأربعة أشهر، قال بعض أهل العلم: "هِي خيرٌ من الدَّهر كلِّه؛ لأنَّ العرب تذكُر الألف غاية في العدد"، وهي ليلة ﴿ تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ﴾ [القدر: 4]، إنَّها اللَّيلة التي تتنزَّل فيها الملائكة حتَّى تكون أكثر في الأرض من عدَد الحصى.

وقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((ليْلة ا
لقدْر: ليلة سابعةٍ أو تاسعةٍ وعشرين، إنَّ الملائكة تلك الليلة في الأرْض أكثر من عدَد الحصى))؛ صحيح الجامع.

يؤمِّنون على دعاء النَّاس، ويسلِّمون على أنفُسِهم وعلى المؤمنين في المساجِد حتَّى يطلع الفجْر.

وهي ليلة الحُكْم؛ ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4]، وهي الليلة التي مَن قامها إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه.

فوجب الاهتمام بهذِه اللَّيلة وتعْظيم أمرِها، قال الورَّاق: "سمِّيتْ ليلة القدر؛ لأنَّه نزل فيها كِتاب ذو قدْر، على لسان مَلَك ذي قدْر، على رسولٍ ذي قدْر، وأمَّة ذات قدْر".

قال الزهري: "سمِّيتْ ليلة القدر؛ لِعِظَمها وقدْرها وشرَفها، من قولهم: لفلان قدْر؛ أي: منزلة".

فيا مَن أراد الرفعة في الدارَين، وأراد الفوز بالمرتبتَين، استغلَّ فرصة العشر؛ لجبر ما مضى.

تَنَصَّفَ الشَّهْرُ وَالَهْفَاهُ وَانْصَرَمَا
وَاخْتَصَّ بِالفَوْزِ بِالجَنَّاتِ مَنْ خَدَمَا
وَأَصْبَحَ الغَافِلُ المِسْكِينُ مُنْكَسِرًا
مِثْلِي فَيَا وَيْحَهُ يَا عُظْمَ مَا حُرِمَا
مَنْ فَاتَهُ الزَّرْعُ فِي وَقْتِ البِذَارِ فَمَا
تَرَاهُ يَحْصُدُ إِلاَّ الهَمَّ وَالنَّدَمَا
طُوبَى لِمَنْ كَانَتِ التَّقْوَى بِضَاعَتَهُ
فِي شَهْرِهِ وَبِحَبْلِ اللَّهِ مُعْتَصِمَا

وقد أخْفاها ربُّنا - عزَّ وجلَّ - حتَّى لا يُقتصَر في العبادة عليْها، دون سائر العشر.

قال الفخر الرازي - رحِمه الله -: "إنَّ الله أخْفى هذه اللَّيلة لوجوه، أحدها: أنَّه أخفاها كما أخْفى سائر الأشياء، فإنَّه أخفى رضاه في الطَّاعات حتَّى يرْغبوا في الكلِّ، وأخْفى غضبه في المعاصي ليحترِزوا عن الكلِّ، وأخفى الإجابة في الدُّعاء ليبالغوا في كلِّ الدعوات، وأخْفى قبول التوبة ليواظِب المكلَّف على جَميع أقسام التَّوبة".

وفي حديث عبادة بن الصَّامت - رضِي الله عنْه - قال: خرج رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ليخبِر النَّاس بليلة القدْر، فتلاحى - تنازع وتخاصم - رجُلان من المسلِمين، فقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((خرجتُ لأخبِرَكم، فتلاحى فلان وفلان، وإنَّها رفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمِسوها في التَّاسعة والسَّابعة والخامِسة))؛ البخاري.

وقال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((وقدْ رأيتُ هذه اللَّيلة فأُنسيتُها، فالتمِسوها في العشْر الأواخر في كلِّ وتر))؛ مسلم.

وأرْجح الأقْوال أنَّها في الوِتْر من العشْر الأواخر، وأنَّها تنتقِل.

وأرْجى أوْتار العشر عند الجمهور: ليلة سبْع وعشرين؛ "فتح الباري".

عن زِرِّ بن حُبَيْش قال: سألتُ أُبَيَّ بن كعب - رضِي الله عنْه - فقلتُ: إنَّ أخاك ابن مسعود يقول: "مَن يَقُم الحوْل يُصِبْ ليلةَ القدْر"، فقال - رحِمه الله -: "أراد ألاّ يتَّكل النَّاس، أما إنَّه قد علم أنَّها في رمضان، وأنَّها في العشْر الأواخر، وأنَّها ليلة سبع وعشرين"، ثمَّ حلف - لا يستثني - أنَّها ليلة سبع وعشرين، فقلتُ: بأيِّ شيءٍ تقول ذلك يا أبا المنذِر؟ قال: بالعلامة أو بالآية الَّتي أخبرَنا رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أنها تطلع يومئذٍ لا شعاع لها"؛ مسلم.

ويدلُّ عليْه أيضًا قولُه - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((تحرَّوا ليْلة القدْر، فمَن كان متحرِّيَها فليتحرَّها في ليْلة سبعٍ و عشْرين))؛ صحيح الجامع.

وقالتْ عائشة - رضِي الله عنْها -: قلتُ: يا رسولَ الله، أرأيت إن علمْتُ أي ليلةٍ هيَ ليلة القدر، ما أقولُ فيها؟ قال: ((قولي: اللهمَّ إنَّك عفوٌّ تُحبُّ العفو فاعفُ عنِّي))؛ متَّفق عليْه.

ولقدِ اهتمَّ السَّلف بهذه العشْر، وهذه الليلة أيّما اهتِمام.
يَا رِجَالَ اللَّيْلِ جِدُّوا
رُبَّ صَوْتٍ لا يُرَدُّ
لا يَقُومُ اللَّيْلَ إِلاَّ
مَنْ لَهُ عَزْمٌ وَجِدُّ

ومن فرْط حبِّهم لهذه اللَّيالي المباركة: أنَّهم كانوا يستحبُّون أن يغتسِلوا كلَّ ليلةٍ من لياليها - كما كان يفعل النخعي - وكان أيُّوب السختياني يغتسِل ليلة ثلاث وعشرين، وأربع وعشرين، ويلبَس ثوبَين جديدين، ويتطيَّب.

ورُوي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنَّه إذا كان ليلة أرْبع وعشرين، اغتسل وتطيَّب، ولبس حلَّة: إزار ورداء، فإذا أصبح طواهُما فلم يلبَسْهما إلى مثلِها من قابل.

وكان ثابتٌ البناني وحميدٌ الطَّويل يلبَسان أحسنَ ثيابِهما، ويتطيَّبان ويطيِّبان المسجد بالنَّضوح في اللَّيلة التي تُرْجَى فيها ليْلة القدر.

وقال ثابتٌ: وكان لتميم الدَّاريِّ حُلَّة اشتراها بألف درهم، وكان يلبسها في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر.

ولَم يكونوا يقتصِرون في إحياء العشر على أنفسهم، بل كانوا يوقظون نساءهم وأبناءهم، تأسِّيًا برسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال ابن رجب: "ولم يكُن النبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذا بقي من رمضان عشَرة أيَّام، يدَع أحدًا من أهلِه يُطيق القيام إلاَّ أقامه".

وقال سفيان الثَّوري: "أَحب إليَّ إذا دخل العشر الأواخر أن يَتهجَّد باللَّيل، وي
َجتهِد فيه، ويُنهِض أهله وولدَه للصَّلاة إن أطاقوا ذلك".

بل كان هذا ديْدن عمر بن الخطَّاب في سائر الأيَّام، فقد كان يصلِّي من اللَّيل ما شاء الله، حتَّى إذا كان نصف اللَّيل، أيْقظ أهله للصلاة، ثم يقول لهم: الصَّلاةَ الصَّلاة، ويتلو: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].

وهذا ابن عبَّاس - رضِي الله عنْه - قال: "بتُّ عند خالتِي ميْمونة ليلة، فقام النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فلمَّا كان في بعْض اللَّيل، قام الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فتوضَّأ من شنٍّ معلَّقة وضوءًا خفيفًا ثمَّ قام يصلِّي، فقُمت فتوضَّأت نحوًا ممَّا توضَّأ، ثمَّ جئتُ فقُمت عن يسارِه، فحوَّلني فجعلنِي عن يَمينه، ثمَّ صلَّى ما شاء الله".

قال إبراهيم بن وكيع: "كان أبي يصلِّي، فلا يبقى في دارِنا أحدٌ إلاَّ صلَّى، حتَّى جارية لنا سوداء".

كان طلحة بن مصرف يأمُر نساءَه وخدمه وبناتِه بقيام الليل، ويقول: "صلُّوا ولو ركعَتَين في جوْف اللَّيل، فإنَّ الصَّلاة في جوْف اللَّيل تحطُّ الأوْزار، وهى من أشْرف أعمال الصَّالحين".

قال إبراهيم بن شماس: "كنتُ أعرِف أحمد بن حنْبل وهو غُلام يُحيي اللَّيل".

وكان ابنُ عُمَر يقرأ هذه الآية: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 9]، قال: "ذاك عثمان بن عفان - رضي الله عنه".

وقال ابنُ أبي حاتم: "وإنَّما قال ابنُ عمر ذلك؛ لكثرة صلاةِ أمير المؤمنين عُثمان باللَّيل وقراءته، حتَّى إنَّه ربَّما قرأ القُرآن في ركعة".

وعن علقمة بن قيس قال: "بتُّ مع عبدالله بن مسعود ليلة، فقام أوَّل الليل، ثمَّ قام يصلِّي، فكان يقرأ قراءة الإمام في مسجِد حيِّه: يرتِّل ولا يراجع، يُسمع مَن حوله ولا يرجع صوته، حتَّى لَم يبْقَ من الغلس - ظلمة آخر الليل - إلاَّ كما بين أذان المغرب إلى الانصِراف منها، ثم أوْتر".

وفي حديث السائب بن زيد قال: "كان القارئ يقْرأ بالمئين – يعني: بمئات الآيات - حتَّى كنَّا نعتمِد على العصيِّ من طول القيام، قال: وما كانوا ينصرِفون إلاَّ عند الفجر".

كيف ورسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((يتنزَّل ربُّنا - تبارك وتعالى - كلَّ ليلة إلى السَّماء الدنيا، حين يبقى ثلُث الليل الآخر فيقول: مَن يدعوني فأستجيبَ له؟ مَن يسألُني فأعطيه؟ مَن يستغفرني فأغفر له؟))؛ متَّفق عليه.

وفي لفظٍ عند مُسلم: ((مَن يقرض غير عَديم (فقير) ولا ظلوم)).

وكانوا يهتمُّون مع الصَّلاة بالقُرآن الكريم؛ فقد نقَلَ الذَّهبي عن الأسودِ بن زيْد: "أنَّه كان يَختم القرآن في رمضان في كلِّ ليلتَين، وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يَختم القُرآن في غير رمضان في كلِّ ستِّ ليال".

وكان قتادة - رحِمه الله - يَختم القُرآن في كلِّ سبع ليالٍ مرَّة، فإذا دخل رمضان ختمَ في كلِّ ثلاث ليال مرَّة، فإذا دخل العشْر ختم في كلِّ ليلة مرَّة.

وهذا من خصائصِ هذا الشَّهر المبارك، الَّذي يبارك الله فيه للمخْلصين في أوقاتِهم وعبادتِهم، فلا عجب.

• بل إنَّ الشَّافعي كان يَختم القُرآن في شهْر رمضان ستِّين ختمة، وفي كل شهرٍ ثلاثين ختمة، يَختمه في صلاة، وليس قراءة، والخبر مشْهور في كتُب السير.
• وكان وكيع بن الجرَّاح "يقرأُ القرآن في رمضان في الليل ختمة وثلثًا، ويصلِّي مع ذلك اثنتي عشرة ركعة من الضِّحى، ويصلِّي من الظهر إلى العصر".
• ويقول عبدالرَّحمن بن هرمز: "كان القرَّاء يقومون بسورة البقَرة في ثَمان ركَعات، فإذا قام بِها القرَّاء في اثنتَي عشرةَ ركعة، رأى النَّاس أنَّه خفّف عنْهم".
• ويقول ابنُ أبي مُليْكة: "كنتُ أقومُ بالنَّاس في شهر رمضان، فأقرأُ في الرَّكعة: "الحمد لله فاطر" (46 آية) ونحوَها، ما يبلُغُني أنَّ أحدًا يستثْقِل ذلك".
• وقام رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بأصحابه مرَّة إلى ثلُث اللَّيل، ومرَّة إلى نصْف اللَّيل، فقالوا: لو نفلْتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: ((إنَّه مَن قام مع الإمام حتَّى ينصرِف، كتب له قيام ليلة))؛ صحيح أبي داود.
• وكانت امرأة أبي محمَّد حبيب الفارسي تقول له بالليل: "قد ذهب اللَّيل، وبين أيدينا طريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصَّالِحين قد سارت قُدَّامَنا، ونحن قد بقينا".

ويدلُّ كلُّ ذلك على شغَفهم الشَّديد بالصَّلاة، وولعِهم بحضور الجماعة، فقد كان الرَّبيع بن خُثيم - رحِمه الله - بعد ما سقط شقه – أي: أصابه الشَّلل النصفي - يهادَى بين الرجُلين في المسجد، وكان أصحابُه يقولون له: يا أبا اليزيد، قد رخَّص الله لك لو صلَّيت في البيت، فيقول: "إنَّه كما تقولون، ولكنِّي سمِعْتُه ينادي: حيَّ على الفلاح، فمَن سمع منكم: حيَّ على الفلاح، فليُجِبْه ولو زحفًا، ولو حبوًا".

وعن ابن المسيب قال: "ما فاتتْني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة، وما فاتتني التَّ
كبيرة الأولى منذ خَمسين سنة، وما نظرتُ في قفا رجُل في الصَّلاة منذ خَمسين سنة".

وعن عبدالله بن الشخير - رضِي الله عنه - قال: "أتيتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وهو يصلِّي، وفي صدْره أزيز كأزيز المرجل من البكاء"؛ صحيح أبي داود.

وقال وكيع: "كان الأعمش قريبًا من سبعين سنة لم تفُتْه التَّكبيرة الأولى، واختلفتُ إليه قريبًا من ستِّين سنة، فما رأيتُه يقْضي ركعة واحدة".

وقال ابن وهب: رأيتُ سفيان في الحرَم بعد المغرب صلَّى، ثم سجد سجدةً، فلم يرجع حتى نودي للعشاء.

وقال الحسين: "تزوَّج عثمان بن أبي العاص امرأةً من نساء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: "واللهِ، ما نكحتُها حين نكحتُها رغبةً في مال ولا ولد، ولكن أردتُ أن تُخْبِرني عن ليل عمر".

وقد قال الحافِظ ابن كثير عن ليْل عمر: "كان يصلِّي بالنَّاس العشاء، ثم يدخُل بيْتَه فلا يزال يصلِّي إلى الفجْر".

ويقول نافع عن ابن عمر - رضِي الله عنهم أجْمعين -: "إنَّه لمَّا قرأ قولَه تعالى: ﴿ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 284] بكى بكاءً شديدًا، وأخذ يردِّد: والله، إنَّ هذا الإحْصاء لشديد، والله إنَّ هذا الإحصاء لشديد".

وكان ابن مسعود إذا هدأتِ العيون، قام، فيُسمَع له دويٌّ كدويِّ النَّحل حتى الصبح.

وكان علي بن أبي طالب إذا حضر وقْت الصَّلاة، يتزلزل ويتلوَّن وجهُه، فقيل له: "ما لك يا أميرَ المؤمنين؟"، قال: "جاء وقت أمانةٍ عرضَها الله على السَّموات والأرض والجبال، فأبيْن أن يحمِلْنها، وأشفقن منها، وحملتُها".

وقيل للحسن: ما بال المتهجِّدين من أحسن النَّاس وجوها؟ قال: "لأنَّهم خَلَوا بالرَّحمن، فألبسَهم نورًا من نورِه".

وقال أبو النضر إسحاق بن إبراهيم: "كنت أسمع وقْع دموع سعيد بن عبدالعزيز - يقصد إمام أهل الشام التنوخي - على الحصير في الصَّلاة".

وقال أبو عبدالرحمن الأسدي: قلت لسعيد بن عبدالعزيز: ما هذا الَّذي يعرض لك في الصَّلاة؟ فقال:"يا ابن أخي، وما سؤالُك عن ذلك؟" قلتُ: لعلَّ الله أن ينفعني به، قال: "ما قُمتُ إلى الصَّلاة إلا مثلتْ لي جهنَّم".

وقال حاتم الأصم: "فاتتْني صلاة الجماعة، فعزَّاني أبو إسحاق البخاري وحْده، ومات لي ولدٌ، فعزَّاني أكثر من عشَرة آلاف، ولأن مصيبة الدِّين أهْون عند النَّاس من مصيبة الدنيا".
تَزَوَّدْ مِنَ التَّقْوَى فَإِنَّكَ لا تَدْرِي
إِذَا جَنَّ لَيْلٌ هَلْ تَعِيشُ إِلَى الفَجْرِ
فَكَمْ مِنْ صَحِيحٍ مَاتَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ
وَكَمْ مِنْ سَقِيمٍ عَاشَ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ
وَكَمْ مِنْ صَبِيٍّ يُرْتَجَى طُولُ عُمْرِهِ
وَقَدْ نُسِجَتْ أَكْفَانُهُ وَهْوَ لا يَدْرِي

فهؤلاء هم الرِّجال الذين يفتخر بهم، ويُذكَرون في المواطن.

عن حذيفة قال: جاء أهل نجْران إلى رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فقالوا: ابعثْ عليْنا رجُلاً أمينًا، فقال: ((إني أبعثُ إليكم رجلاً أمينًا))، فاستشرف لها أصحابُ رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فبعث أبا عُبيدة بن الجراح؛ رواه البخاري، وقال فيه - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لكلِّ أمَّة أمين، وأمين هذه الأمَّة أبو عبيدة بن الجرَّاح))؛ متَّفق عليه.

وقال عمر لجلسائِه: "تمنَّوا"، فتمنَّوا، فقال عُمر: "لكنِّي أتمنَّى بيتًا ممتلئًا رجالاً مثل أبي عُبَيْدة بن الجرَّاح"؛ المستدرك.

هؤلاء فرسان الليل.
كان أبو إسحاق السَّبيعي - رحمه الله - يقول: "يا معشر الشَّباب، جدُّوا واجتهدوا، وبادروا قوَّتكم، واغتنِموا شبيبتَكم قبل أن تعجزوا، فإنَّه قلَّ ما مرَّت عليَّ ليلة إلاَّ قرأت فيها بألف آية".

وكان عبدالواحد بن يزيد - رحِمه الله - يقول لأهله في كل ليلة: "يا أهلَ الدَّار، انتبهوا – أي: من نومكم - فما هذه – أي: الدنيا - دار نوم، عن قريب يأكلُكم الدود".

وقال محمد بن يوسف: كان سفيان الثَّوري - رحِمه الله - يُقيمنا في اللَّيل ويقول: "قوموا يا شباب، صلُّوا ما دمتم شبابًا، إذا لم تصلُّوا اليوم، فمتى؟!".

وكان بعض الصَّالحين يقف على بعض الشَّباب العبَّاد إذا وضع طعامهم، ويقول لهم: لا تأكلوا كثيرًا، فتشربوا كثيرًا، فتناموا كثيرًا، فتخسروا كثيرًا".

وقال أبو جعفر البقال: "دخلتُ على أحمد بن يحيى - رحمه الله - فرأيتُه يبكي بكاء كثيرًا ما يكاد يتمالك نفسه، فقلت له: أخبرني ما حالك؟ فأراد أن يكتُمني فلم أدعْه، فقال لي: فاتني حزبي البارحة، ولا أحسب ذلك إلاَّ لأمر أحدثتُه، فعوقبت بمنْع حزبي، ثم أخذ يبكي".

وقال رجل للحسَن البصري: أعياني قيام الليل، فقال: "قيَّدتْك خطاياك".

وقالت امرأة مسروق بن الأجْدع: "واللهِ، ما كان مسروق يُصْبِح من ليلة من اللَّيالي إلاَّ وساقاه منتفِخَتان من طول القيام"، وكان - رحِمه الله - إذا طال عليه الليل وتعب، صلَّى جالسًا ولا يترك الصَّلاة، وكان إذا فرغ من صلاتِه يزحف – أي: إلى فراشه - كما يزحف البعير!

وكان ثابت البناني قد حبِّبَتْ
إليه الصلاة، فكان يقول: "اللَّهمَّ إن كنتَ أذِنت لأحدٍ أن يصلِّي لك في قبره، فائذن لي أن أصلِّي في قبري".

وقال أبو الدرداء: "لوْلا ثلاث ما أحببتُ العيش يومًا واحدًا: الظَّمأ لله بالهواجر، والسُّجود لله في جوْف الليل، ومجالسة أقْوام ينتقون أطايِبَ الكلام كما ينتقى أطايب الثَّمر".

وقال عبدالله بن داود: "كان أحدهم إذا بلغ أربعين سنة، طوى فراشه"؛ أي: كان لا ينام طول الليل.

وقال أحمد بن حرب: "يا عجبًا لِمن يعرف أنَّ الجنَّة تُزَيَّن فوقه، وأنَّ النَّار تسعَّر تحته، كيف ينام بيْنهما؟!".

قال معْمر: "صلَّى إلى جنبي سليمان التيْمي - رحِمه الله - بعد العشاء الآخرة، فسمعتُه يقرأ في صلاتِه: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الملك: 1] حتَّى أتى على هذه الآية: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الملك: 27]، فجعل يردِّدها حتَّى خفَّ أهل المسجد وانصرفوا، ثمَّ خرجتُ إلى بيْتي، فلمَّا رجعتُ إلى المسجد لأؤذِّن الفجر، فإذا سليمان التيْمي في مكانه كما تركتُه البارحة، وهو واقف يردِّد هذه الآية لم يُجاوزها: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾.

وقال الفُضَيْل بن عياض - رحِمه الله تعالى -: "إذا لم تقْدر على قيام اللَّيل، وصيام النَّهار، فاعلم أنَّك مَحْروم مكبَّل، كبَّلتك خطيئتُك".

وكان أحد الصَّالحين يصلِّي حتَّى تتورَّم قدماه، فيضربُها ويقول: "يا أمَّارة بالسوء، ما خلقتِ إلاَّ للعبادة".

وصلَّى سيِّد التابعين: سعيد بن المسيب - رحِمه الله - الفجْر خمسين سنة بوضوء العِشاء، وكان يسرُد الصَّوم.

وقال يزيد بن أبان الرقاشي - رحِمه الله - : "إذا نِمْتُ فاستيقظْتُ، ثمَّ عُدتُ في النَّوم، فلا أنام اللهُ عيني".

وكان عبدالعزيز بن أبي روَّاد - رحِمه الله - يُفرَش له فراشه لينام عليْه باللَّيل، فكان يضَع يده على الفراش فيتحسَّسه ثمَّ يقول: "ما ألْيَنك! ولكن فِراش الجنَّة ألين منك"، ثمَّ يقوم إلى صلاته.

قال أبو سليمان الداراني - رحمه الله -: "ربَّما أقوم خَمْسَ ليالٍ متوالية بآيةٍ واحدة، أردِّدُها وأطالب نفسي بالعمل بما فيها، ولولا أنَّ الله تعالى يمنُّ عليَّ بالغفلة، لما تعدَّيت تلك الآية طول عمري؛ لأنَّ لي في كلٍّ تدبُّر علمًا جديدًا، والقُرآن لا تنقضي عجائبُه".

قال رجلٌ لإبراهيم بن أدهم - رحِمه الله -: إني لا أقْدِر على قيام اللَّيل، فصف لي دواء، فقال: "لا تعْصِه بالنَّهار، وهو يقيمُك بين يديْه في اللَّيل، فإنَّ وقوفك بين يديْه في اللَّيل من أعْظم الشرف، والعاصي لا يستحقُّ ذلك الشَّرف".

فاللهُمَّ وفِّقْنا إلى ما تُحبُّه وترْضاه، واجعلْنا ممَّنِ اعتنى برمضان، فصام يومَه، وأحيا ليْله، وقضى حقَّه.
والحمد لله ربِّ العالمين.


[1] درس ألقي ليلة السَّابع والعشرين من رمضان (1430 هـ) بمسجد الهدى بمراكش.
[2] وقد أظهر الإعجاز الرقمي في القرآن الكريم أن الآية: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ ﴾ رقمها في سورة البقرة: 238، وهو حاصل ضرب 17 (عدد ركعات الفرائض) في 14 (عدد ركعات الرواتب)، والله أعلم.

==========================
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
تهجد النبي صلى الله عليه وسلم
للشيخ/ إبراهيم بن محمــد الحقــيل
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــــة.الاولــــى.cc
الحمد لله الرزَّاق الوهَّاب، بيده خزائنُ كل شيء، قسم الدين بين عباده كما قسم بينهم دنياهم؛ ففيهم العلماء والعُبَّادُ والصالحون، كما أن فيهم العصاةَ والكفار والمنافقين، نحمده حمدًا يليق بجلاله وعظمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أعطى هذه الأمةَ ليلةَ القدر خيرًا من ألف شهر، وجاد علينا بالخير، فله في هذه الليالي رحمات وهبات، يظفر بها أهل المساجد والقرآن، ويُحرَم منها أهل اللهو والغفلة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، كان يعتكف في رمضان؛ التماسًا لليلة القدر، فاعتكف أوله ووسطه، فأُخبر أن ليلة القدر في العشر الأخيرة، فاستقر على الاعتكاف فيها، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتَّقوا الله تعالى وأطيعوه، واعمُروا هذه اللياليَ الفاضلة بطاعة الله تعالى فإنها موسم من مواسم الآخرة عظيمٌ، والربح فيها كثير، وعفوُ الله تعالى فيها كريم، ويَعتق خلقًا كثيرًا من النار، ولا يفرِّط في طلب ذلك إلا محرومٌ، نعوذ بالله تعالى من الحرمان؛ ﴿ فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [المائدة: 48].

أيها الناس:
هذه الليالي العظيمة هي ليالي الصلاة والدعاء والقرآن، هي ليالي الربح الكبير بعمل قليل، هي الليالي التي اختصَّها الله تعالى بأفضل ليلة وأشرفها، وإحياءُ هذه الليالي ليس كإحياء غيرها؛ ولذا اجتهد النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيها اجتهادًا لم يجتهدْه في سواها كما قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ"، وظاهر الحديث أنه كان فيها يحيي الليل كله بطاعة الله تعالى.

لقد كان من هدْي نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم المداومةُ على قيام الليل؛ امتثالاً لأمر الله تعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ ﴾ [الإسراء: 79]، ﴿ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ [المزمل: 2]، ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ﴾ [الإنسان: 26]، فما ترك صلى الله عليه وسلم مناجاة ربِّه عز وجل في ليله والناسُ نيام؛ حتى قالت عائشة رضي الله عنها لعبدالله بن قيس: "لاَ تَدَعْ قِيَامَ اللَّيْلِ؛ فإن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كان لاَ يَدَعُهُ، وكان إذا مَرِضَ أو كَسِلَ، صلى قَاعِدًا"؛ رواه أبو داود.

كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى في أسفاره ومغازيه رغم ضيق الوقت، ورهق السفر، وشدةِ الطريق، وقلةِ الراحة، وفي رمضان من السنة الثانية خرج صلى الله عليه وسلم إلى بدرٍ لملاقاة المشركين، وذاتَ ليلة رَمَقَه عليٌّ رضي الله عنه فأخبر عنه فقال: "ما كان فِينَا فَارِسٌ يوم بَدْرٍ غَيْرُ المِقْدَادِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وما فِينَا إلاَّ نَائِمٌ، إلاَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم تَحْتَ شَجَرَةٍ يصلي ويبكي حتى أَصْبَحَ"؛ رواه أحمد، وصححه ابن خزيمة وابن حبان.

لقد تحمَّل صلى الله عليه وسلم أعباء الرسالة وبلاغها، وإدارةَ شؤون الأمة ومشاكلها، وما أقعده ذلك عن مناجاة ربِّه عز وجل في الليل، فيقوم من الليل قيامًا طويلاً، وصَفَه مَن رآه من الصحابة رضي الله عنهم فقال المُغِيرَةُ رضي الله عنه: "إن كان النبي صلى الله عليه وسلم لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حتى تَرِم قَدَمَاهُ أو سَاقَاهُ"، وقالت عائشة رضي الله عنها: "كان يَقُومُ من اللَّيْلِ حتى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ"، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم يصلي حتى تنتفخ قدماه"، ولما فُرض قيام الليل في أول الإسلام "قَامَ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ حَوْلاً حتى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ، وَأَمْسَكَ الله عز وجل خَاتِمَتَهَا في السَّمَاءِ اثني عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ أنزل الله عز وجل التَّخْفِيفَ في آخِرِ هذه السُّورَةِ، فَصَارَ قِيَامُ رسول الله صلى الله عليه وسلم اللَّيْلَ تَطَوُّعًا من بَعْدِ فريضة"؛ رواه أحمد.

وكان صلى الله عليه وسلم يبدأ تهجُّده بركعتين خفيفتين وأمر بذلك، قالت عَائِشَةُ رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ"؛ رواه مسلم.

وشَرُفَ بعضُ الصحابة بالصلاة مؤتمِّين به صلى الله عليه وسلم في جوف الليل، فوصَفُوا ما رأَوْا من قيامِه وتهجُّدِه، فإذا هو عَجَبٌ عجاب؛ صلاةٌ طويلة طويلة، لا يطيقها سواه، وتدبرٌ عجيب، لا يكون مثلُه من غيره صلى الله عليه وسلم قال حُذَيْفَةُ بن اليمان رضي الله عنهما: "صَلَّيْتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ البَقَرَةَ، فقلت: يَرْكَعُ عِنْدَ المِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فقلت: يُصَلِّي بها في رَكْعَةٍ، ف
َمَضَى، فقلت: يَرْكَعُ بها، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً، إذا مَرَّ بِآيَةٍ فيها تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وإذا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وإذا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يقول: سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيمِ، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا من قِيَامِهِ، ثُمَّ قال: سمع الله لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ قام طَوِيلاً قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فقال: سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعلى، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا من قِيَامِهِ"؛ رواه مسلم.

فمَن مِن الناس يطيق أن يقرأ بترسل وتدبُّر في ركعة واحدة البقرةَ والنساءَ وآلَ عمران؟!
وفي قصة أخرى: قال عَوْفُ بنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: "قُمْتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فَبَدَأَ فَاسْتَاكَ ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ قام يصلي وَقُمْتُ معه، فَبَدَأَ فَاسْتَفْتَحَ البَقَرَةَ، لاَ يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلا وَقَفَ فَسَأَلَ الله، وَلاَ يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إلا وَقَفَ يَتَعَوَّذُ، ثُمَّ رَكَعَ فَمَكَثَ رَاكِعًا بِقَدْرِ قِيَامِهِ، يقول في رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ ذي الجَبَرُوتِ وَالمَلَكُوتِ وَالكِبْرِيَاءِ وَالعَظَمَةِ، ثُمَّ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ ثُمَّ سُورَةً، فَفَعَلَ مِثْلَ ذلك"؛ رواه أحمد.

وربما أطال في القيام طولاً لا يحتملُه غيرُه صلى الله عليه وسلم كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "صَلَّيْتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَطَالَ حتى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سَوْءٍ، قِيلَ: وما هَمَمْتَ بِهِ؟ قال: هَمَمْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَأَدَعَهُ"؛ رواه الشيخان، وربما قَسَم صلى الله عليه وسلم سورة البقرة في ركعتين كما أخبرتْ بذلك عائشةُ رضي الله عنها.

ومن شفقته صلى الله عليه وسلم بأمَّتِه، وحرصِه عليها: أنه بات ليلةً يردِّد آيةً حتى أصبح، يشفع بترديدِها لأمته عند الله تعالى كما روى أبو ذَرٍّ رضي الله عنه قال: "صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً، فَقَرَأَ بِآيَةٍ حتى أَصْبَحَ، يَرْكَعُ بها، وَيَسْجُدُ بها: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]، فلما أَصْبَحَ قلتُ: يا رَسُولَ الله، ما زِلْتَ تَقْرَأُ هذه الآيَةَ حتى أَصْبَحْتَ، تَرْكَعُ بها، وَتَسْجُدُ بها؟ قال: ((إني سَأَلْتُ ربي عز وجل الشَّفَاعَةَ لأمتي فَأَعْطَانِيهَا، وَهِيَ نَائِلَةٌ - إن شَاءَ الله - لِمَنْ لاَ يُشْرِكُ بِالله عز وجل شَيْئًا))؛ رواه أحمد.

لقد قام صلى الله عليه وسلم ليلةً كاملة بآيةٍ واحدة؛ من أجل أن يشفع لنا عند الله - تعالى - رحمةً بنا، وخوفًا علينا، فجزاه الله تعالى عنا وعن المسلمين خيرَ ما جزى نبيًّا عن أمَّته.

وكان تهجُّده صلى الله عليه وسلم في رمضانَ وفي غيره سواء من جهة عدد الركعات، إلا أنه كان إذا دخل العشر أحيا ليله، سُئلت عَائِشَةُ رضي الله عنها: "كَيْفَ كانت صَلاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في رَمَضَانَ؟ فقالت: ما كان يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولا في غَيْرِهِ على إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا"؛ متفق عليه.

ولما ثَقُلَ صلى الله عليه وسلم صار يجلس في صلاة الليل، ولم يترك مناجاة ربه عز وجل أخبرتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: "أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يُصَلِّي جَالِسًا، فَيَقْرَأُ وهو جَالِسٌ، فإذا بَقِيَ من قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ من ثَلاثِينَ أو أَرْبَعِينَ آيَةً، قام فَقَرَأَهَا وهو قَائِمٌ، ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ سَجَدَ، يَفْعَلُ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذلك"؛ رواه الشيخان.

فحريٌّ بأهل الإيمان والقرآن أن يقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل، ومناجاة الله تعالى فيه، وتدبُّر كتابه، والإلحاح في دعائه، ولا سيما في هذه الليالي المباركة التي فضَّلها الله تعالى على سائر الليالي، وجعلها موضعًا لليلة القدر، جعلنا الله تعالى والمسلمين من الفائزين بها، ومنَّ علينا بالاجتهاد والإخلاص، وتقبَّل منا ومن المسلمين، إنه سميع قريب.

وأقول ما تسمعون وأستغفر الله.


الخطبــــة.الثانيــــة.cc
الحمد لله حمدًا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتقوا الله ربَّكم، واجتهدوا في طاعتكم، وتعرَّضوا لنفحات الله تعالى في هذه الليالي الفاضلة؛ فلعل دعوةً تشقُّ عنانَ السماء، تُرفع عنها الحُجُبُ، فيتقبَّلها الله تعالى فيحظى صاحبُها بسعادة لا يشقى بعدها أبدًا، ومن وُفِّق للعمل وفِّق للقبول، ومن أُعِينَ على الدعاء فحريٌّ أن يُستجاب له؛ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إني لا أحم
ِلُ همَّ الإجابة، وإنما أحمل همَّ الدعاء، فإذا أُلهمتُ الدعاء، فإن الإجابة معه".

أيها المسلمون:
كونوا كما كان نبيُّكم محمدٌ صلى الله عليه وسلم شكرًا لله تعالى على نعمه، وتعظيمًا له، وانطراحًا على بابه، وذلاًّ بين يديه، وخشوعًا في مناجاته ودعائه؛ فإن ربكم جل وعلا قريبٌ كريم؛ ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].

عظِّموا الله ربَّكم، وألحُّوا عليه في دعائكم، وألينوا من خشيته قلوبَكم، واستدرُّوا له دمعكم؛ فإنه جل وعلا بكم رحيم، عن رَبِيعَةَ بنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أَلِظُّوا بيا ذا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ))؛ رواه أحمد.

والمعنى: الزموها وتعلَّقوا بها في دعائكم؛ فالجلال والإكرام هو الحمد والمجد، ألا وإن أفضال ربِّكم عليكم كثيرةٌ، وحقوقه عليكم عظيمة، وتعظيمكم له فريضة، فأدُّوا فريضته، قال عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ لعائشةَ رضي الله عنها: "أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي قَالَ: ((يَا عَائِشَةُ، ذَرِينِي أَتَعَبَّد اللَّيْلَةَ لِرَبِّي))، قُلْتُ: وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّ قُرْبَكَ، وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ، قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الأَرْضَ، فَجَاءَ بِلالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاةِ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي قَالَ: يَا رَسُولَ الله، لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: ((أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا، لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ... ﴾)) الآيَةَ كُلَّهَا [آل عمران: 190]"؛ رواه ابن حبان.

احرصوا يا عباد الله على قيام هذه الليالي المباركة، والزموا المساجد في ليلها؛ فإن فيها ليلةَ القدر، لو أحيا العبادُ السنةَ كلَّها لإدراكها، لما كان ذلك كثيرًا، واعلموا أنكم إن أكثرتم من العبادة، فاللهُ تعالى أكثرُ منكم في الثواب، وأكرمُ منكم في الجزاء، قال الصحابة رضي الله عنهم: "إذًا نُكثر"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الله أكثر))، كيف؟! وقد خلقكم ربكم من العدم، وأغرقكم بالنِّعم، وأعطاكم قبل أن تعبدوه، وأحسَنَ إليكم قبل أن تعرِفوه، وها أنتم أولاء قد عرفتم حقَّه لما جرى عليكم قلمُ التكليف، وعرفتم شيئًا من عظمته فيما قرأتم من القرآن، وعلمتم بعض إحسانه إليكم، وما جهلتم من نِعَمِه عليكم أكثرُ مما عرفتموه؛ ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53].

حافظوا رحمكم الله تعالى على صلاة أول الليل وآخره؛ حتى يكتب لكم قيام الليل كله؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قام مع الإِمَامِ حتى يَنْصَرِفَ، كُتِبَ له قِيَامُ لَيْلَةٍ))؛ رواه أبو داود.

ومن لزم المسجد بين قيام أول الليل وآخره؛ للصلاة، والذِّكر، والقرآن، والدعاء، فقد أحسن؛ لأنه أحيا الليل كله، وما هي إلا ليالٍ معدودة فتنقضي، يفوز فيها من يفوز، ويفرِّط من يفرط، فاللهم اجعلنا من الفائزين، ولا تجعلنا من المحرومين، اللهم أعنَّا على أنفسنا وعلى شياطيننا، وارزقنا الإخلاص في أعمالنا، اللهم أعنَّا على ذِكرك وشكرك وحسن عبادتك، واقبل منا ومن المسلمين.

وصلوا وسلموا...

============================
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
الــعــشـــــر وليــلــة الــقــــــدر
للشيـخ/ مـحــمــــد الــجــــــرافــي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــة.الاولــى.cc
عــباد الله .. مضت الليالي والأيام
فإذا نحن الآن في أفضل ليالي العام .. العشرِ المباركة .. عشرِ التجلياتِ والنفحات ، وإقالةِ العثرات ، واستجابةِ الدعوات ، وعتقِ الرقاب الموبقات .

الله أكبر .. إنها بساتين الجنان قد تزينت .. إنها نفحات الرحمن قد تنزّلت .. فحري بالغافل أن يعاجل ، وجدير بالمقصر أن يشمر .

يتفضَّل ربُّنا على عبادِه بنفحَاتِ الخيراتِ ومواسِمِ الطاعات، فيغتنِم الصّالحون نفائِسَها، ويتدارَك الأوّابونَ أواخِرَها .

وإنها والله لنعمة كبرى أن تفضل الله علينا ، ومد في أعمارنا ، حتى بلغنا هذه العشر المباركة ، وإن من تمام شكر هذه النعمة أن نغتنمها بالأعمال الصالحة .. فهل نحن كذلك؟ نشكو إلى الله ضعفاً في نفوسنا ، وقسوة في قلوبنا الغارقة في بحور الغفلة .
جرت السنون وقد مضى العمـر
والقلـب لا شكــرٌ ولا ذكـرُ
والغفلةُ الصمــاء شاهـــرةٌ
سـيفـا بـه يتصرم العمــرُ
حتى متى يا قلب تغــرق فـي
لجج الهوى، إن الهوى بحــرُ
هـا قـد حبـاك الله مغفــرةً
طرقت رحـابَك هـذه العشـرُ

ها نحن في شهر كثيرٌ خيره، عظيم بره، جزيلة بركته وقد قارب الضيف الكريم أن يغادرنا، بعد أن جعل أرواح المؤمنين تخفق إيمانا وخشية وتوبة وخشوعا، وأكسبها شفافية ورقة وذلة وخضوعا، لرب كريم رحيم غفور تعاظمت فيه مننه وعطاياه، وتكاثرت في أيامه منحه وهداياه، فالموفق من نال من خيراتها النصيب الأزكى، وكال من بركاتها الكيل الأوفى، وحصّل من فتوحاتها المقام الأسمى، وتقلّد في ظلالها الوسام الأعلى، حتى أصبح بصدق إقباله وخالص أعماله من الفوز والوصول قاب قوسين أو أدنى ليكتب في سجل أهل الفلاح والتقوى ليقرّبه كل ذلك إلى الله زلفى فيكون من الذين غشيتهم رحمته وشملته مغفرته
فأعط هذه العشر حصتها من التكريم، لتقابلك تكريما بتكريم، وأجعلها خير محصّلة لما سبق ، مقتديا بخير الخلق صلى الله عليه وسلم الذي كان إذا دخل العشر الأواخر شدّ مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله (البخاري).

فتقرب الى الله بأنواع القربات
وجلائل الطاعات والتي في مقدمتها:

1) الاستجابة لنداء العشر الأواخر ومقابلته بالتشمير:
فهي تناديك بلسان الحال لتنبهك إلى عظيم الأفضال وكرم الإفضال من الكبير المتعال تناديك ان الحق بركب الصالحين وسارع لحجز مقعدك في الجنة مع المسارعين واكثر من الطاعة في هذه الليالي عسی ان تكون من المعتوقين

2) مضاعفة خدمة المولى عز وجل ليرحل الضيف بالمدح والشفاعة:
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات فشفّعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفّعني فيه، فيشفّعان) (أحمد والطبراني).

وأحذر أن تجعل الصيام والقرآن خصماءك باستهتارك وغفلتك وهجرك، بدل أن يكونا شفعاءك بإقبالك ويقظتك وملازمتك:
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه
والصور في يوم القيامة ينفخ

3) ختمة خاصة بالعشر
أو أكثر لمضاعفة الفرصة

4) إحياء سنة الاعتكاف فهي من خصوصيات العشر:
فلتحيي هذه السنة وليكن لك نصيب منها وإن قلّ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى).

5) زيادة الصدقات وإطعام الطعام لضمان الغرف وإجبار النقص:
فثمن غرف الجنة وأنت طالبها ورمضان ميدانها والعشر الأواخر فرصتها المواتية، ما جاء عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن في الجنة غرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها.

قالوا: لمن هي يا رسول الله؟، قال: لمن طيّب الكلام وأطعم الطعام و أدام الصيام وصلّى بالليل والناس نيام) (الترمذي وأحمد والحاكم).

فضاعف الصدقات وأطعم الطعام لتنل الغرف وتحقق الهدف وتنجو من التلف وتتأسى بخير من سلف الذي كان في رمضان كالريح المرسلة. 

وفي العشر كذلك زكاة الفطر التي هي طهرة للصائم وطعمة للمساكين، كما أن لها وظيفة أخرى ذكرها بعض العلماء المتقدمين فقالوا: صدقة الفطر كسجدتي السهو للصلاة، فهي تجبر الصيام وتكمل النقص فيه، تماما كما تفعل سجدتا السهو بالنسبة للصلاة. 

6) ألزم الدعاء والتضرع والمناجاة بالأسحار:
التماس العفو من العفوّ الكريم:
قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أقول؟
قال: قولي: اللهم إنك عفوّ تحب العفو فأعف عنّي) (الترمذي). 

والعفو من أسماء الله تعالى وهو: المتجاوز عن سيئات عباده الماحي لآثارها عنهم، وهو يحب العفو، فيحب أن يعفو عن عباده، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم على بعض، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه وعفوه أحب إليه من عقوبته. 
يا رب عبدك قد أتاك
وقد أساء وقد هفا
يكفيه منك حياؤه
من سوء ما قد أسلفا
حمل الذنوب على الذنوب
الموبقات وأسرفا
وقد استجار بذيل
عفوك
من عقابك ملحفا
يا رب فأعف وعافه
فلأنت أولى من عفا

عباد الله إن الإسلام ..
لا يريد للمؤمن أن يتكل على نوعية أعماله، أو يتكل على يوم أو ليلة في عبادته، بل يريد له أن يملأ أوقاته بالأعمال الصالحة، ويتجنب في كل أوقاته الأعمال الطالحة، ثم يتكل بعد ذلك على الله تعالى.

ولهذا أخفى الله تعالى عبادات مهمة، لم يطلع عباده عليها لئلا يتكلوا فيتباطئوا عن العمل:
فأخفى الصلاة الوسطى وأمر بالمحافظة عليها، وحذر من تضيعها، حتى يحافظ المسلم على الخمس كلها.

وأخفى اسم الله العظيم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب حتى يدعو المسلم بأسماء الله الحسنى كلها.

وأخفى ساعة الجمعة التي لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله إلا استجاب لكي يلح المسلم في الدعاء الجمعة كلها.

وأخفى خاتمة الحياة فجعل خير الأعمال خواتمها، وخير الأعمار أواخرها لكي يعتبر المسلم كل دقيقة نهاية حياته.

وأخفى الولي بين الناس وحذرنا من عداوته فقال في الحديث القدسي الجليل: «من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب» حتى يحترم المسلم الناس أجمعين.

ومن المسائل التي أخفاها سبحانه وتعالى ليلةُ القدر، هذه الليلة العظيمة ، ففيها تنزل ملائكة الرحمن فتسلم على كل مسلم فهي ليلة ملؤها السلام والأمان، وهي ذكرى وأعظم بها من ذكرى؛ ذكرى دستور المسلمين، وذكرى نزول القرآن الكريم

وإنما أخفاها الله تعالى حتى يملأ المسلم ليالي رمضان بالقيام والذكر والقرآن، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة بنا قربنا منها، فحددها في العشر الأواخر من رمضان، روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان


الخطبـــة.الثانية.cc
الحمد لله والصلاة والسلام على
رسول الله وآله وصحبه ومن والاه .

أمـــا بـــعــــــد
عباد الله اطلبوا الليلةَ العظيمة التي لا يحرم خيرها إلا محروم ، ليلةُ العتق والمباهاة ، ليلةُ القرب والمناجاة ، ليلةُ نزول القرآن ، ليلةُ الرحمة والغفران ، ليلةٌ هِيَ أمّ الليالي، كثيرةُ البرَكات، عزِيزَة السّاعات، القليلُ منَ العمَلِ فيها كَثير، والكثيرُ منه مضَاعَف ، *
إنا أنزلناه في ليلة القدر سميت بهذا الاسم " القدر"

لأنها ليلة ذات قدر، أي لها شرف ومنزلة حيث نزل فيها كلام الله (وما أدراك ما ليلة القدر)
أوثق الناس برحمة ربه محمد صلى الله عليه وسلم ومع هذا لا يحيط بشأن ليلة القدر لأن رحمة الله أوسع .

(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فيها)
خَلقٌ عَظيم ينزِل من السماءِ لشُهودِ تلك اللّيلة تنزّل بالتشديد دلالة على كثرة واستمرار نزولها بالأوامر والأقدار تنزل الملائكة فيا مؤمن لا تؤذ سمع الملائكة في هذه اليلة ، فلم يعتد سمعها إلا سلاما وتسبيحا
والروح فيها) جبريل عليه السلام لا يزال يتعاهدنا بعد محمد صلى الله وسلم على فيا عبد الله من عادة الملوك أنهم إذا بعثوا منحة مع أرفع مبعوث في الدولة فإنها عطية كبيرة ومنحة جليلة فهذا الروح جبريل ينزل ليلة القدر فالعطاء إذا لا يُتَخَيل.

بإذن ربهم عادة الملوك إذا
أذنوا أكرموا والله أجل وأعلى وأكرم.

من كل أمر مهما دعوت فما بقي بيد الملائكة من الأوامر أكثر ، فأكثر فالله أكثر.
(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ، سلام) ، لَيلةُ سلامٍ وبَرَكاتٍ على هذِهِ الأمّة .

ليلة عظيمة القدْر، رفيعة الشأن، مَن حاز شرفَها فاز وغَنِم، ومَن خسِرها خاب وحُرِم، العبادة فيها خيرٌ مِن عبادة ألْف شهر.

إنها الليلة الجميلة ليلة الصفاء والنقاء ليلة يقوم فيها القلب الصادق بالبكاء متمنيا الرحمة والمغفرة والعتق من النار
.روى ابن ماجه: «دخل رمضانُ فقال رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ هذَا الشهرَ قد حضركم وفيه ليلةٌ خيرٌ مِن ألفِ شهرٍ، مَن حُرِمَها فقد حُرِمَ الخيرَ كلَّه، ولا يُحْرَمُ خيرَهَا إِلا محرومٌ» وروى البخاري: «مَن يقمْ ليلةَ القدرِ إِيماناً وَاحتسَاباً غُفِرَ لهُ مَا تقدَّمَ مِن ذنبِهِ».

روى البخاري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يُخبِر بليلة القدْر، فتلاحى رجلانِ من المسلمين، فقال: ((إني خرجتُ لأُخبرَكم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلانٌ وفلانٌ فرُفعتْ، وعسى أن يكون خيرًا لكم، التمسوها في السبع والتسع والخمس)).

هذا الحديث الصحيح أيها المسلمون حريٌّ أن يقف كلُّ مسلم عنده وقفة تأملٍ طويلةً، وأن يُمعن النظرَ فيه، ويتفكر في مضمونه، فبسبب رجلين تخاصما في المسجد حُرِمتِ الأمةُ العلمَ بليلة القدر، نعم - أيها الإخوة - بسبب رجلين فقط حرمت الأمة هذا الخير، فما الحال وقد كثر في المجتمع المتلاحون المتخاصمون حتى لا يكاد يخلو منهم مسجدٌ، ولا بيتٌ، ولا سوقٌ؟! ألا يخشى أولئك المتخاصمون المتقاطعون أن يُمنعوا التوفيقَ لقيام هذه الليلة، ويُحرَموا إدراكها؟! ثم ألا يخشون إن أدركوها ألا يُرفَع عملُهم كما وردتْ بذلك الأحاديث الأخرى؟! أفلا يجعلون هذه العشر بدايةً ل
لتصالح والتواصل، ونهايةً للتلاحي والتخاصم؟!
فلنصلح قلوبنا، ولنتوكل على الله، ولنسأله التوفيق والإعانة، ولنستعذ بالله من العجز والكسل، ولنتجنب المعاصي كلها، صغيرَها وكبيرها، ظاهرَها وباطنها؛ فإنها سببُ كل بلاءٍ، وجالبةُ كل مصيبةٍ، ومانعةٌ من كل خيرٍ، وحارمةٌ من التوفيق.

عباد الله ينبغي للمسلم ..
وهو يدعو في ليلة القدر بهذا الدعاء أن يستعرض في نيته مشاكل الأمة ومعاناتها، لا ينبغي أن يكون أنانيا حتى في دعائه فيطلب العفو لمشاكله الخاصة فقط؛ فاستعرضوا جزاكم الله خيرا مشاكل الأمة، واسألوا لها العفو والرحمة، وكشف الهم والغمة، وقد جاء في الأثر «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم». وقال الشافعي رحمه اللّه: «يستحبّ أن يكون اجتهادُه في يومها كاجتهاده في ليلتها، ويستحبّ أن يُكثرَ فيها من الدعوات بمهمات المسلمين، فهذا شعار الصالحين وعباد اللّه العارفين».

تذكروا -اخوة الإيمان- وأنتم تعيشون نفحات ليلة القدر بالقيام، إخوانا لكم قيدتهم الذنوب، وكبلتهم الخطايا، فمضى المؤمنون المجدون في طاعة الله، وتنافس الصالحون الناصحون في التقرب إلى الله، وهؤلاء في لهوهم وغيهم سادرون، وعن طاعة الله والتقرب إليه متقاعسون، وعلى المعاصي والخطايا والآثام مكبون، تمر عليهم مواسم العبادة والمنافسة في فعل الخير فلا يتحركون فمنهم من يضيع وقته على اللهو ومتابعة القنوات وتتبع مواقع المحرمات يعشون في جفاء لكرامة رمضان وفي عناد واضح لفضائل الصيام، وجحود فاضح لعبادات القيام
تذكروا هؤلاء واحمدوا الله على ما أمدكم به من توفيق، وما هداكم إليه من التقرب إلى مراضاته، ثم سلوه الثبات على الأمر، والعزيمة على الرشد، ولا تنسوا هؤلاء الخاطئين المخطئين في دعواتكم الصالحة؛ بأن يهديهم الله على الخير، وأن يردهم إلى الحق ردا جميلا، وأن يصلح ضالهم، ويوفق حائرهم، ويعافي مبتلاهم.

تذكروا -اخوة الإيمان- وأنتم تعيشون نفحات ليلة القدر، إخوانا لكم اختارتهم المنية وأدركهم الموت، فلم يستطيعوا أن يدركوا معكم نفحات ليلة القدر، فهم في قبورهم محتجزون، وبأعمالهم مرتهنون، وبما قدمت أيديهم في هذه الحياة مجزيون، وتيقنوا أنكم إلى ما صاروا إليه صائرون، فهم السابقون ونحن اللاحقون، فلا تنسوهم في دعواتكم الصالحة؛ بأن يقيل الله عثراتهم، ويغفر زلاتهم، ويتجاوز عن خطيئاتهم.
2024/09/28 09:28:36
Back to Top
HTML Embed Code: