Telegram Web Link
تدبر 📮

{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا}

"رغم أنها"غلّقت الأبواب"
إلا أن فضيحتها عمّت البلد
فلا تأمن مكر الله وأنت تعصيه".
( لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ )

واجه مخاوفك بالشعور ..
بأنك أعلى بإيمانك وتوحيدك، وأقوى بمعية ربك.
يا رب كن معنا !!
ليست المشكلة في النصيحةالمشكلة في

﴿وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾

فمن أمارات هلاك الأقوام كرههم للناصحين
🌹 #تأملات_قرآنية 👌🌹

{ وشروه بثمن بخس }

لا تبك إن اعتبرك البعض بضاعة رخيصة الثمن.. واصنع من أحلامك سفينة أشرعتها من ذهب ..
• ┈ ••✦💡✦•• ┈ •
‏﴿وقربناه نجيًّا﴾

إذا رأيت شخص يكثر من الدعاء
ومناجاة الله ..فاعلم أنه قريب منه
وسينال مراده !لأن الله فتح له
بابا للدعاء..
⛅️ #إشــツـراقة_الصبـاح

❁ الخميس ❁
٣٠/ رجــ⑦ــــــب/ ١٤٣٨هـ
27/ إبــريــ④ـــل/ 2017مـ
❂:::ــــــــــــــــــ✺ـــــــــــــــــ:::❂

‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‏من الجميل ان يكون هناك شخص
صادق ..
يعزك فيبحث عنك يفتقدك فيسأل
عليك ..
يشتاق فيدعو لك تشغله الحياه فلا
ينساك .!

صبــــاح الاهتمام...@
🎤
خطبـة.جمعــة.بعنــوان.cc
تفســــــــير ســــــــورة العصـــــــــر
للدكتــــور/ محمـــد راتــب النابلسي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

الخطبــــة.الأولــــى.cc
الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا لرُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ، ما اتَّصَلَت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بِخَبر ، اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ، ومن تبعه إلى يوم الدّين ، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علّمتنا ، وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

سورة العصر :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ انْطلاقًا من أنَّه لا كلام يعْلُو على كلام الله ، ولا عمل أفضلَ من فهْم كلام الله ، ولا سُلوك أقْوَمَ من تطبيق كلام الله ، انْطلاقًا من هذا ؛ سورةٌ قصيرة يقرؤُها معظم الناس في صلواتهم ، وقالوا : شدَّة القُرْب حِجاب ، ربّما كانتْ أكْثَرُ السُّوَر قراءةً أبْعَدها عن فهْم الناس لها ، السورة سورة العصر . ربّنا سبحانه وتعالى يقول : ﴿ وَالْعَصْرِ ﴾

 الواو واوُ قسَم ، أَيُقْسِمُ الله بالعصر ؟ ما العصْر ؟ هو الزَّمَن ، لماذا أقْسَمَ بالزَّمَن ؟ وما علاقة هذا الزَّمَن بِجَواب القسم ؟ قال تعالى : ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

 ما الذي يخسرهُ الإنسان ؟ ما تعريف الخسارة في علم التِّجارة ؟ الخسارة نقْصُ رأس مال الإنسان ؟ الإنسان بِضْعة أيّام ، الإنسان زمَن ، فإذا نقصَ الزّمن من دون زِيادة في مجالٍ آخر ، فهذه خسارة .

الزمن أثْمَنُ ما في حياة الإنسان :

أيها الأخوة الأكارم ؛ في حياة الإنسان حياتان ؛ حياةٌ اختباريّة ، وحياةٌ جزائيّة ، حياةٌ دنيا ، وحياةٌ عُليا ، حياةُ عملٍ ، وحياةُ جزاء ، حياة تكليف ، وحياة تشريف ، هناك حياتان؛ حياةٌ محدودة ، وحياة لا نهائيّة ، حياةٌ مَشْحونةٌ بالمتاعب ، وحياةٌ مشحونةٌ بالرغائب ، الحياة الثانيَة تحدّدها الحياة الأولى ، الحياة الأبديّة ؛ حياة الجزاء ، وحياة التشريف ، وحياة الخُلود ، وحياة الأبد ، تُحدِّدُها الحياة الدنيا ، الحياة المحدودة ، حياة التكليف والعمل ، حياة الكسْب ، حياة الاختِيار ، إذًا رأسُ مال الإنسان الذي يُحدِّدُ ربْحَهُ في الحياة الثانية هي الحياة الدنيا ، إذًا أثْمَنُ ما في حياة الإنسان هو الزَّمَن لأنَّه زَمَن ، ولأنّهُ بِضْعة أيّام ، ولأنّه بِضْع سِنين ، ولأنّه بِضع سِنين مع بِضعة أشهر ، مع بِضْعة أسابيع ، مع بِضعة أيّام ، مع بضع دقائق ، مع بِضْع ثواني ، رأْسُ مال الإنسان إما أنْ نسْتهلكَهُ ، وإما أنْ نسْتثمِرَهُ ، وربّنا عز وجل يقول : ﴿وَالْعَصْرِ﴾

هو يُقْسِم ، والإنسان أيّها الأخوة يُقسِمُ بِعَظيمٍ ، فهل هناك أعظمُ من الله عز وجل؟ قال بعض العلماء : إذا أقْسمَ الله بِشَيءٍ فبالنِّسْبة إلينا ، وإذا لمْ يُقْسِم فبالنِّسْبة إليه ، قال تعالى : ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾

مواقع النّجوم ، بعض مواقع النّجوم التي عُرَفَتْ حتى الآن سِتَّة عشر ألف مليون سنة ضوْئيَّة ، مع أنَّ أربع سنواتٍ ضوئيّة تحتاج إلى أن تقْطَعها في مركبةٍ تستعملها في الدنيا إلى خمسين مليون عامًا ، الأربع سنوات خمسون مليون ، السَّتة عشر ألف مليون !! ربّنا عز وجل قال : ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾

 وقال تعالى : ﴿ وَالْعَصْرِ ﴾
أقسم بالعصر ، فإذا أقْسمَ ربّنا سبحانه وتعالى فبالنّسبة إلينا ، لأنّ أخطر شيءٍ بالنِّسبة إلينا هو الوقت ، كيف نُمْضي الوقت ؟ إما أن نسْتهلكَهُ ، وإما أن نسْتثمِرَهُ ، لو أنّك لا تملكُ إلا مئة ألف ليرة ، فإنْ أنْفقْتَ منها تسْتهلكها ، أنت في خسارة ، لا بدّ من أن يأتِيَ يومٌ تنفقُ المال كلّهُ وتبقى بلا مال ، لكنَّك إذا دفعتها اسْتثمارًا ، وأنْفقْتَ من رَيْعِها فأنت في رِبْحٍ ، فهذا الوقت الذي نعيشُه أخْطرُ ما في حياتنا ، كيفَ نستهلكُه ؟ وكيف نُمْضي أوقاتنا ؟ كيف نمْضي أوقات فراغنا ؟ كيف نمضي أوقات العمل ؟ ماذا نعمل ؟ والعصْرِ ؛ إذًا يقْسِمُ الله بِأَخْطر ما في حياتنا ، يُقْسِمُ بالزَّمَن بل بِمُطلق الزَّمَن .

الحياة الدنيا رأس مال كل إنسان :

والزَّمَن كما قال بعض العلماء هو البُعْد الرابع للأشياء ، النقطة لا كتلة لها ، إذا تحرّكَت رسَمَتْ خطًّا ، فإذا تحرّك الخط رسمَ سطحًا ، فإذا تحرّك السّطحُ رسمَ حجمًا ، فإذا تحرّك الحجمُ صارَ زمنًا ، الزَّمَن بُعْدٌ رابعٌ للأشياء ،
الزمن متعلّق بالحركة ، ونحن نتحرّك ، الأرض تتحرّك حول نفسها ، وحول الشّمس ، والشّمس تجري لِمستقرّ لها ، المستقرّ نهاية الزّمن، حينما تنتهي حركة الأفلاك ، قال تعالى : ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾

 إذا توقّفــتْ حركة الكون توقّف الزّمن ، وبدأتْ الحياة الآخرة ، لها طبيعة خاصّة ، لها قوانينُ خاصّة ، ربّما كانت قوانين الآخرة لا علاقة لها إطلاقًا بِقَوانين الأرض ، حياةٌ كلّها سعادة ، أعني الجنّة ، حياةٌ كلّها راحة ، لا قلق ، لا خوف ، لا تناقص ، لا شيء يبعثُ في النّفس الألَم . فيا أيها الأخوة المؤمنون ؛ قال تعالى : ﴿ وَالْعَصْرِ ﴾

 الله سبحانه وتعالى يُقْسمُ بأخْطر ما نمْلكُه ، التاجر ؛ ما هو أخطرُ شيءٍ يمْلكهُ ؟ رأسُ مالِهِ ، ما قيمةُ عقلهِ وذكائه إن لم يكن معه مالٌ يشتري به ؟ ما قيمة متْجره إن لم يكن له رأسُ مال ؟ رأسُ مال التاجر أخطر شيءٍ في تجارته ، وأنت في تِجارة ، والدليل أنّ الله سبحانه وتعالى يقول : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾

 إذًا أنــت تُتَاجِر ، رأس مالك هذه الحياة الدنيا ، إن أنْفقْتَهَا اسْتِثْمارًا قبَضْتَ الثَّمَن سعادةً أبديّة إلى أبد الآبدين ، لذلك ربّنا سبحانه وتعالى حينما تحدّث عن المنافقين قال : ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ لقد خسِروا .

مفهوم الخسارة :
مفهوم الخسارة ؛ الخسارةُ مؤلِمَةٌ جدًّا ، واسْألوا من خَسِرَ ، الخسارة ولو خسارة المال مُؤْلِمةٌ جدًّا ، فكيف إذا خسِر الإنسان كلّ شيءٍ ؟! قد يخْسرُ الإنسان مَتْجرهُ ، ويبقى بيتهُ، قد يخْسرُ أحدَ أولاده ويبقى الآخر ، قد يخْسرُ جانبًا من أعضائه ويبقى عضوٌ آخر ، أما إذا خسِرَ كلّ شيء ! لذلك قال الله عز وجل : ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾

هؤلاء الذين يستهلكون أوقاتهم اسْتِهلاكًا رخيصًا ، من دون أن يُوَظِّفوه لِرِبْحٍ أكيدٍ محقّق عند الله عز وجل ، هؤلاء الذين خسروا أنفسهم ، وخسروا كلّ شيء .

الإنسان مع مُضيّ الأزمان في خسارةٍ محقّقة :

 أيها الأخوة المؤمنون
قال تعالى : ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ ﴾

أيّ إنسان ؟ قال العلماء : حيثما وردَت كلمة إنسان معرَّفة بـ (الــ) فتَعْني مطلق الإنسان ، أيَّ إنسان كنت ، أيّ إنسان ؛ متعلّم أو غير متعلّم ، غنيّ أم فقير ، قويّ أو ضعيف، صحيح أو مريض ، وسيم أو دميم ، أيّ إنسانٍ ما دام يحْيا من يومٍ إلى آخر ، ومن أسبوعٍ إلى آخر ، ومن شهرٍ إلى آخر ، ومن سنةٍ إلى أخرى ، مادام الزَّمن يسير ، وليس في إمكانه أن يوقفهُ ، ما دام الزمن يسير وليس في إمكانه أن يوقفهُ ، ولا أن يسْتثمرهُ فهو في خسارة ، قال تعالى : ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

هؤلاء الذين ركنوا في الحياة الدنيا ، وهؤلاء الذين أعْجبهم أن يسْتمتعوا بها ، وهؤلاء الذين أعْرضوا عن الله ، أعْرضوا عن منهجه ، أعرضوا عن كتابه ، أعرضوا عن التّقرّب إليه ، أعْرضوا عن أداء العبادات ، هؤلاء الذين أهمَّتْهم الدنيا ، يقول عليه الصلاة والسلام : (مـَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمـَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ ) [الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]

إذًا الإنسان لِمُجَرَّد أنّه إنسان ، ولمُجرّد أنّه ينتمي إلى بني البشر ، الإنسان مع مُضيّ الأزمان في خسارةٍ محقّقة ، قال تعالى : ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

لأنّ مُضيّ الزَّمَن يعني اسْتِهلاك رأسِ ماله ، مُضيّ الزّمن يعني أنّه يستهلكُ رأس ماله ، مُضيّ الزّمن يعني أنّه يتلاشى شيئًا فشيئًا إلى أن تأتي ساعة الصّفر ، فيذهب إلى الآخرة وهو صفْر اليدين ، قال تعالى : ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا ﴾

كيفية النجاة من الخسارة المحققة التي يصاب بها الإنسان :

ما الذي يُنجيك من هذه الخسارة المحقّقة ؟ ما الذي ينجيك من أن تسْتهلك رأس مالك الأساسي ، ما الذي يُنجيك من أن تكون حياتك خسارةٌ في خسارة ؟ قال الله عز وجل:﴿ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
 
هل أنفقـْت هذا الوقت الذي هو رأس مالك في نشاطٍ إيماني ؟ في تعلّم ؟ في تفكّر ؟ في تأمّل ؟ في مدارسةٍ ؟ في حُضور مجالس العلم ؟ في قراءةِ كتابٍ نافع ؟ في تلاوة القرآن ؟ في فهْم كلام النبي عل
يه الصلاة والسلام ؟ هذا الوقت الذي هو رأسُ مالك هل اسْتهلكْتهُ اسْتهلاكًا يتعلّق بالإيمان ؟ هذا الذي يقول : أنا ليس عندي وقتٌ فارغ لِحُضور مجالس العِلْم ! والله الذي لا إله إلا هو لو تذكَّر هذه الكلمة يوم يأتيه ملكُ الموت لتمنَّى أن يُقطّع إربًا إربًا ، ليس عندكَ وقتٌ لمعرفة الله ، عِندك وقتٌ لأي شيء ؟ ليس عندك وقتٌ لمعرفة الله ؟ أعِندك وقتٌ للقيل والقال ، لِسَفاسف الأمور ، للانْغِماسِ في الملذّات ، للانْكِباب على الدّنيا ، لِجَمع الدِّرْهم والدينار ؟ إن لم يكن عندكَ وقتٌ لمعرفة ربّك ، ولمعرفة كلامه ، فأيّ وقتٍ آخر له قيمة؟ إذا جاء الطبيب ، وهو يحْمِل أعلى درجة علميّة من الغرْب ، وفتَحَ عِيادةً ، وكتب الدوام من الساعة الخامسة وحتى الساعة السابعة ، وهو في أمسّ الحاجة إلى من يأتيه كي يُعالِجَهُ ، ويقْبض الثّمن ، فإذا جاءهُ مريض ، وقال له الطبيب : والله ليس عندي وقتٌ لِمُعالجتك !! ما هذا الكلام ؟ ما دُمْت قد فتَحْتَ هذه العيادة ، وقد أهَّلْتَ نفْسكَ بِهذه الدّرجة العلميّة العاليَة ، فإذا جاءك المريض في الوقت المناسب ، تقول له : ليس عندي وقت ! هذا يشْبهُ من يقول : ليس عندي وقتٌ لِحُضور مجالس العلم ! عندك وقتٌ لتُمضيَهُ في القيل والقال وفي الغيبة والنميمة ، وفي انْتِهاكِ حُرمات الله ، وفي متابعة أعمالٍ لا تُرضي الله ؟
 أيها الأخوة الأكارم ؛ لِمُجرّد أنَّك إنسان ، وأنّك غافلٌ عن الواحِد الدَّيان ، ولِمُجرّد أنّ الزّمن يسير فأنت في خسارةٍ محقّقة ، واسْأل أهل التِّجارة كم هو شُعورهم إذا هم خسِروا ؟ هناك من يقول : أنا خسِرتُ إذا قلَّ ربْحُه ، يَعُدّ بعضُ التّجار خسارةً إذا نزل رِبْحُه عن الحدّ الذي يطْمحُ إليه ، فكيف إذا فقدَ بعض رأسِ مالهِ ؟! يُقيمُ الدّنيا ولا يُقْعِدُها ، فكيف إذا خسِرَ رأس ماله كلّهُ ؟ فكيف إذا خسِرَ حياتهُ ؟ فكيف إذا خسِرَ كلّ شيء ؟ قال تعالى : ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾

 قال تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا ﴾

 أربعة أشياء أيّها الأخوة الأكارم تُنْجي الإنسان من الخسارة ؛ أنْ يبذِلَ جهدًا حقيقيًّا في معرفة الله ، ومعرفة أمرهِ ، ومعرفة أحكامه التشريعيّة ، ومعرفة سنّة رسوله ، ومعرفة سيرة رسوله ، ومعرفة هؤلاء القادة العِظام من الصّحابة رِضوان الله تعالى عليهم ، لا بدّ من نشاطٍ إيماني ، ولا بدّ من مَشْربٍ تشْربُ منه ، ولا بدّ من منْهلٍ تنْهلُ منه ، ولا بدّ من جلسة إيمانٍ تجلسها مع من تثقُ بِعِلْمِهِ ، لابدّ من ساعةٍ تُمضيها في معرفة الله تعالى ، قال تعالى : ﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾

هناك إيمانٌ بالسّماع ، هناك إيمان بالتّأمُّل ، هناك إيمانٌ بالتّفكرّ، هناك إيمانٌ بالمطالعة ، لا بدّ أن تبْذلَ جهدًا في معرفة الله تعالى ، وفي معرفة أمْره ، إلا الذين آمنوا .

ترجمة الإيمان إلى عمل :
واعْلَم علْم اليقين أيّها الأخ الكريم أنّ العلم في الإسلام وسيلة ، وليْسَ غاية ، وشرْطٌ لازمٌ غير كافٍ ، ما قيمة العلم إن لم يدعّم بالعمل ؟ قال تعالى :
﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾

لا بدّ من أن يُتَرْجم الإيمان إلى عمل ، لذلك في أكثر من ثلاثمئة آية في القرآن الكريم قرن ربّنا عز وجل الإيمان مع العمل الصالح ، قال تعالى :
﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً﴾
 قال تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾

من العمل الصالح أن تلتزمَ الأمْر والنّهي ، أن يجِدَك الله عند الأمْر ، وأن يفْتقِدَك عند النّهي ، ومن العمل الصالح أن توقِعَ أعمالك كلّها وفْق أحكام الشريعة ، من العمل الصالح أن تسأل دائمًا ما حُكْم هذا التّصرّف ؟ وما حكم هذه الصّفقة ؟ وما حكم هذا الشّراء ؟ وما حكم هذا المبيع ؟ وما حكم هذا اللّقاء ؟ وما حكم هذه النّزهة ؟ وما حكم هذه الحفلة ؟ المؤمن الذي يحْرصُ على مرضاة ربِّهِ يسْعى جاهدًا لِتَوقيع سُلوكه وفْق شرْع ربِّه ، هذه الاستقامة ، قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾

شيّبتني هود كما قال عليه الصلاة والسلام ، أيّةُ هودٍ هذه ؟ سورة هود ، ولماذا ؟ لأنّ فيها آيةً واحدة ، وهي قوله تعالى :
﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾

 إذًا الإيمان يمكن أن يكون عن طريق التّفكّر في خلق السموات والأرض ، وهو أوْسعُ باب ، وأقْصرُ طريق ، ويمكن أن يكون عن طريق سماع القرآن ، وفهْم القرآن ، وتدبّر القرآن ، ومُدارسة القرآن ، ويمكن أن يكون عن طريق معرفة أمْر الله ونهْيِهِ ، أما العمل الصالح فهو أن تجعل من حركتك اليوميّة تجْسيدًا لإيمانك ، أن تجعل من حركتك اليوميّة ، م
ن علاقاتك، من كلّ نشاطاتك تجسيدًا لإيمانك ، الإيمان بلا عمل كالشّجر بلا ثمَر .

الدين النّصيحة :

ثم قال تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾

الأب مع أولاده ، والأم مع أولادها ، والأخ مع أخيه ، والجار مع جاره ، والزّميل مع زميله ، لا بدّ من أن تفيض ، ولا بدّ من أن تمتلئ ثمّ تفيض ، تفيضُ علْمًا على الآخرين ، تفيضُ خلقًا وأدبًا ، حتى يتَّسِعَ الحقّ ، حتى تتَّسِعَ دائرة الحق ، قال تعالى : ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾

الدِّين النصيحة ، لله ولرسوله ، ولكتابه ، ولأئمّة المسلمين ، ولعامّتهم ، لا بدّ من أن تأمرَ بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، لا بدّ من أن تلفِتَ النَّظَر إلى الله عز وجل ، لا بدّ من أن تذكر آياته الكونيّة ، آياته القرآنيّة ، سنّة نبيِّه عليه الصلاة والسلام ، سيرة نبيِّه عليه الصلاة والسلام لا بدّ من أن تجعَلَ من لقاءاتك ، ومن أحاديثك ، ومن أحزانك ، ومن أفراحك مناسبةً لِتَذْكير الناس بِرَبِّهم ، وبِشَرْعِهِم ، وبآخرتهم ، وبما يُصلحهم ، وبما يُسعدهم .
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ أنا لا أتصوّرُ أبدًا مؤمنًا يسعى لِكَمال إيمانه يُطبقُ لسانهُ كليًّا عن تذكير الناس بالحـق ، أولادهُ أمانةٌ في عُنقه ، بناتهُ أمانة في عنقه ، جيرانهُ أمانةُ في عنقه ، لا أتصوّرُ أبدًا إنسانًا يمتلئ إيمانًا ، ويَضِنّ بهذا الإيمان عن الآخرين ، لا أتصوّرُ أبدًا إنسانًا يمتلئ يقينًا ، ولا يُشيعُ هذا اليقين في الآخرين ؛ فقد روى أبو داود عَنْ سَهْلٍ بْنِ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (وَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِهُدَاكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ )
[أبو داود عَنْ سَهْلٍ بْنِ سَعْدٍ]

 كلامُ سيّد الخلق ، وكلام الذي لا ينطقُ عن الهوى ، كلام المعصوم ، كلامٌ سمَّاهُ بعضُ علماء الحديث وحْيًا غير مَتْلوّ ، يا عليّ لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من الدنيا وما فيها ، وخير لك من حمُر النّعَم ، هذا الابن الذي جعلهُ الله من صُلبِكَ ، وجعل حاجته عندك ، لماذا لمْ تُوَجِّهْهُ إلى الله عز وجل ؟ هذه البنْت التي جعل الله مصيرها إليك ، وأمْرَهَا إليك ، في زواجها ، وفي حياتها ، وفي علاقاتها ، لماذا لمْ تسْتغلّ أُبوَّتك لإرشادها إلى الله عز وجل ؟ ما هذه الكلمة الجافيَة التي يقولها بعض الآباء ؛ أنا أحبّ أن أجْعَلَ ابنتي حرَّةً طليقة تُحدِّدُ مستقبلها بِيَدَيها ؟‌‍‍!! هذه قد تسير وفق شهوتها ، فأنت الأب ، وأنت العالم ، وأنت المسؤول ، وأنت الراعي .

طاعة الله علامة معرفته :

فيا أيها الأخوة الأكارم
هذه الآية خطيرة جدًّا ، لا تُعْفي الإنسان من التواصي بالحقّ ، لا يكفي أن تؤمن ، هناك أشخاصٌ من بيتهم إلى مسْجدهم رائعٌ هذا ، ولكنّ أهلهم في واد وهم في واد ، لا شيءَ من الإسلام واضحٌ في بيوتهم ، لا في خروج بناته ، ولا في خروجِ زوجته ، ولا في علاقاته الأخرى ، أيَقُول هذا الأب : لا علاقة لي بهذا ؟ من قال لك ذلك ، قال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾

 هذا أمْرٌ إلهي ؛ يحبُ أن تَقِيَ نفسكَ وأن تَقِيَ أهْلكَ نار جهنّم ، والآية الثانيَة قوله تعالى :
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾

أن تعرفَ الله عز وجل لِوَحدكَ ، وأن تقول : لا علاقة لي بالناس ، هذا الكلام غير مقبول في هذه الآية ، قال تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾

 فهِمنا الإيمان ، بذلْت نشاطاً في معرفة الله ، سماع ، أو مدارسة ، أو تدبّر ، أو تفكُّر ، أو تأمّل ، أو أيّ شيءٍ آخر يجعلك تعرف الله عز وجل ، وعلامة معرفة الله طاعتهُ ، فإنْ لم تُطِعهُ فاعْتَقِد اعْتِقادًا قاطعًا أنَّك لا تعرفُه ، علامة معرفة الله طاعتهُ ، فإذا كان هناك مخالفةٌ ، أو خروجٌ عن طاعته فلْتَعْلَم علْم اليقين أنَّك لا تعرفُه ، لو عرفْتهُ لأطعْتهُ ، قال :

تعصي الإله وأنت تُظهر حبّه
ذاك لعَمْري في المقال بديع

لو كان حبُّك صادقًـــا لأطعـتهُ
إنّ المحِبّ لِمَن يحبّ يُطيعُ

 هذا هو الإيمان ، والعمل الصالح ؛ الاستقامة على أمر الله ، ترْك ما نهى الله عنه، وفِعْل ما أمر الله به ، أن توقِعَ أعمالك كلّها وفْق أحكام الشريعة أن تبْذِلَ من ذات نفسِكَ، ومن مالِكَ ، ومن وقْتِكَ ، ومن جُهدكَ ، ومن خِبْرتك ، ومن علْمِكَ ، ومن كلّ ما آتاك الله في سبيل التّقرُّب إليه ، هذا هو العمل الصالح .

التواصي بالحق :
 قال تعالى : ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾

 أين التواصي بالحق ؟ الآن أنت مسؤول عن زوجتك ، وعن
بناتك ، وعن أولادك ، في نُصْحهم ، وفي إرشادهم ، وعن شريكك ، فقط ترْبحُ منه من دون أن ترْشدَهُ ؟ ومن دون أن تدلّه على مَشْربٍ ديني ؟ وعن جيرانك ، وعن كلّ من يلوذ بك ، قال تعالى : ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾

ولكن أيّها الأخ الكريم إيّاك أن تظنّ أنّ طريق الإيمان مفروشٌ بالوُرود ! لا ، فيه العقبات ، هكذا قال عليه الصلاة والسلام :
(من أنظر معسراً أو وضع له ، أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله)

[ أحمد و الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً ] ( أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ، ...إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ) [ أحمد عن ابن عبَّاس ]

 والشيء الحَزْنُ هو الأرض الوعِرة ، والحُزْن هو الألم والضِّيق النفسي ، وكذا الحَزَن، أما حَزْنٌ فتعني أرضٌ وعْرةٌ :( أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ، ...إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ) [ أحمد عن ابن عبَّاس ]

إذًا إيّاك أن تظنّ أنّ طريق الإيمان طريقٌ مَفروشٌ بالوُرود ، فيه متاعب ، لأنّ الشيطان ماذا قال :
﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾

 إذا اتَّبَعْتَ هواك فالشيطان مرتاحٌ وبعيدٌ عنك ، أما إذا اتَّجَهْتَ إلى الله عز وجل فيأتي دَوْرُ الشيطان لِيُشَكِّكَ ، ولِيُخَوِّفَك ، ولِيُحَذِّرَك ، ولِيَدْفَعَكَ إلى الجبْن ، ولِيَدْفَعَك إلى البُخْل ، وليوهِمَكَ بأنَّك لن تنال شيئًا من هذا الطريق ، إذًا طريق الإيمان فيه وساوِس ، وفيه عقبات ، فيه متاعب ، فيه معارضات ، لهذا جاء قوله تعالى : ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾

التواصي بالصبر :
لكن قد يتوهَّمُ متوهِّم أنَّ الصَّبْر متعلِّقٌ بالتواصي بالحق ؛ لا ، الصّبْر متعلّق بالإيمان والعمل الصالح ، والتواصي بالحق ، للأشياء الثلاثة ، فأنت من أجل أن تؤمن يجبُ أن تصبرَ ، ومن أجل أن تعملَ صالحًا يجب أن تصبر ، ومن أجل أن تتواصى بالحقّ يجبُ أن تصبر ، أن تكون في بيتك مرتاحًا مسْترخِيًا بين أهلك وأولادك . 

لتجلس على رٌكبتَيك تحتاج إلى صبْر ، قد يكون الوقتُ وقتًا رائجًا لتِجارتك وبِضاعتك ، أن تغلق محلّك التّجاري ، وتأتي إلى مجلس العلم هذه تحتاجُ إلى صبْر ، أن تحفظ القرآن شيءٌ يحتاجُ إلى صبر ، أن تصبِرَ على فهمه ومُدارسته شيءٌ يحتاجُ إلى صبر، قال تعالى :
﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾

 الصبر على الإيمان ، وعلى العمل الصالح ، وعلى التواصي بالحق ، أي إذا خلا يوْمُك من إيمانٍ ، وعملٍ ، ودعْوَةٍ ، وصبْرٍ ، فهذا يومٌ ضائعٌ من حياتك ، وهذا هو اليوم الذي تخسرُ فيه رأس مالك ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام :
(إذا أتى عليّ يومٌ لا أزدادُ فيه علمًا يقربني إلى اللهِ فلا بُورك لي فى طُلُوعِ شمسِ ذلك اليومِ)
[رواه الطبراني عن عائشة]

 الإيمان والعمل ، مع أنّ الناس تواضعوا على تعظيم أرباب الأموال ، وأرباب الجاه والسلطان ، وأصحاب الأدْمِغة الكبيرة ، هناك مقاييس يقيسُ الناس بها بعضهم بعضًا ، ولكنّ الله سبحانه وتعالى اعْتَمَدَ في قرآنه الكريم مقياسيْن اثْنَين ؛ الأوّل : هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟ والثاني : ولكلٍّ درجاتٌ مما عملوا ، علمٌ وعمل ، ودعْوةٌ وصبر، إذا فعلْت هذه الأشياء الأربعة فقد نجوْت من الخسارة المحققّة التي هي من أشدّ المشاعر النفسيّة إيلامًا .

سورة العصر نشاط إيماني
وتطبيق عملي و دعوةٌ إلى الله :

أيها الأخوة المؤمنون ؛ يقولون : شِدَّة القُرْب حِجاب ، والعصْرِ آيةٌ يقرؤُها معظمُ الناس في صلواتهم ، وهي من الآيات القصيرة ، قال تعالى :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

 نشاط إيماني ، تطبيق عملي ، دعوةٌ إلى الله بِشَكلٍ أو بآخر ، صبْرٌ على الإيمان، وعلى العمل الصالح ، وعلى الدعوة إلى الله ، بهذه الأشياء الأربعة تنْجو من الخسارة المحقّقة. 

حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطّى غيرنا إلينا فلْنَتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتْبعَ نفسه هواها ، وتمنّى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .


الخطبــــة.الثانيــــة.cc
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الراحة و الطمأنينة
والسعادة في طاعة الله :

أيها الأخوة الأكارم :
موضوعٌ قصيرٌ جدًّا ذكرتُه لكم سابقًا ، ولكن ذكَّرني به خبر سمِعْتهُ ، هو أنّ مرضًا خطيرًا بدأ يظهرُ في بلاد الغرب غير مرض الإيدز ، إنه مرض المنغوليا ، هذا المرض بِسَبب زِنا المحارم ، كيفَ أنّ مرضَ الإيْدز كان كما قال عليه الصلاة والسلام :
( ... إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَ
مْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ )[ ابن ماجه عن ابن عمر]

 يُسْتنبطُ أنّ بين الطاعة ونتائجها علاقة علميّة ، وبين المعصيَة ونتائجها علاقة علميّة ، فحينما يأمرنا الله بشيءٍ ، ففي جوْهر هذا الشيء بُذور نتائجه ، وحين ينهانا عن شيءٍ ففي ضمن هذا الشيء بذور نتائجه ، أيْ أنّ بين الطاعة ونتائجها علاقة علميّة ، أيْ علاقة سبب بِنَتيجة ، والعلاقة بين المعصيَة ونتائجها علاقة علميّة ، أيْ علاقة سبب بِنَتيجة ، فهذا الكلام يدْعو إلى أن تؤْمِن إيمانًا قَطْعِيًّا أنّ الله عز وجل حينما أمركَ لِصَالِحك ، وحينما نهاك فهو لِصَالِحِك ، فإذا وثِقْتَ بِعِلم الله عز وجل ، ووثِقْتَ بِرَحمته ، ووثِقْت بِخِبْرته ، ولا ينبِّئك مثل خبير ، إذا وثِقْتَ بكلّ ذلك عرفْت أنَّ الخير كلّه ، والسعادة كلّها ، والنجاح كلّه ، والفوز كلّه، والتّفوُّق كلّه بِطاعة الله ، لأنَّك إذا عصَيْت الله فقد خالفْتَ تعليمات الصانع الحكيم ، وإذا كنتَ أنت الآلة ، وأنت الآلة الثمينة ، فَمِن دواعي الحِرْص على سلامتها ، وأن تعْطِيَ أعلى مردود أن تتَّبِعَ نصائِحَ صانعها ، إذا كنَّا نحن الآلات المعقّدة الراقيَة التي صنعها الله عز وجل ، وأتْقَنَ صُنعهُ فيها فمن دواعي حفاظنا على سلامة هذه الآلة ، ومن دواعي رغبتنا في حُسن مردودها أن نتّبِعَ تعليمات الصانع الحكيم . 

يا أيها الأخوة الأكارم ؛ ما من مُشكلةٍ يُعاني منها المجتمع البشري على الإطلاق من دون تحفّظ ، خطيرة أم حقيرة ، منتشرة أم محدودة ، ما من مُشكلةٍ يُعاني منها المجتمع البشري إلا بِسَبب خروجٍ عن منهج الله ، وما من خروجٍ عن منهج الله إلا بسَبب الجهل ، لذلك يجبُ أن تعدّ الجهل أعدى أعدائك . 
اشْترى مُزارعٌ سماداً ، فلمْ يعْبأ بتَعليمات الشركة الصانعة ، ضاعف الكميّة على النبات رغْبةً أن يُثْمِرَ ثمرًا يانعًا ، مُضاعفة الكميّة أحْرقَت كلّ المحصول ! وخسر ما يزيد عن مئتي ألف ليرة بسبب أنَّه ضاعف كميّة السماد التي حلّها في الماء ، هذا المزارع ما الذي قضى على كلّ محصوله ؟ جهلُهُ ، جهلُهُ وعدم اهتمامه بِتَعليمات الشركة الصانعة ، فيا أيها الأخوة الأكارم ؛ إذا أحْببْت نفْسكَ حبًّا جمًّا ، وإذا انْطَلَقْت من رغبةٍ جامحةٍ في الحِفاظ على سلامتك ، على وُجودك ، وعلى سلامة وُجودك ، وعلى اسْتِمرار وُجودك ، وعلى كمال وُجودك ، فعليك بِطاعة الله عز وجل ، ولا تنس قوله تعالى :

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

 قد يبدو لك في المعصية حريّة ، وفيها المتعة ! هذا من وسْوَسة الشيطان ، فالراحة كلّها في الطاعة ، والنظافة كلّها في الطاعة ، والطمأنينة كلّها في الطاعة ، والسعادة كلّها في الطاعة .

الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَنا فيمن تولَيت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تهلكنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

والحمد لله رب العالمين
============================
🎤
خطبة.جمعة.بعنوان.cc
خــلـــــق الــعــفــو والــصــفــــح
للشيخ/ سعود بن إبراهيم الشريم
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

ملخص الخطبة :
1- فضل سلامة الصدر. 2- مصدر العزة والرفعة. 3- فضل العفو. 4- حضّ الشريعة على العفو. 5- العفو شجاعة وقوة. 6- ذم التشفّي والانتقام. 7- بين العفو والصفح. 8- فضل الصفح.

الخطبـــة.الأولـــى.cc
أمّا بعد: فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وخيرَ الهدَى هديُ محمّد ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة.

ألا فاتَّقوا الله عبادَ الله، واعلموا أنَّما هذه الحياة الدنيا متاع، وأنَّ الآخرة هي دار القرار، فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:100].

أيّها الناس، سلامة صدرِ المرء من الغشَش وخُلوّ نفسِه من نزعةِ الانتصار للنَّفس والتشَفِّي لحظوظِها لهي سِمَة المؤمن الصالح الهيّن اللَّيِّن الذي لا غلَّ فيه ولا حسَد، يؤثر حقَّ الآخرين على حقِّه، ويعلم أنَّ الحياةَ دارُ ممرٍّ وليسَت دار مَقرٍّ؛ إذ ما حاجةُ الدنيا في مفهومه إن لم تكُن موصِلَةً إلى الآخرة؛ بل ما قيمةُ عيشِ المرء على هذه البسيطة وهو يَكنِزُ في قلبه حبَّ الذات والغِلظة والفَظاظَة و يُفرِزُ بين الحين والآخر ما يؤكِّد من خلالِه قَسوَةَ قلبِه وضيق عَطَنه؟!
ما أكثَرَ الذين يبحَثون عن مصادرِ العزِّة وسبُلها والتنقيب عنها يمنةً ويَسرةً والتطلُّع إلى الاصطباغِ بها أو بشيءٍ منها مهما بلَغ الجَهدُ في تحصيلها، مع كثرَتِها وتنوُّع ضُروبها، غيرَ أنَّ ثمَّةَ مصدرًا عظيمًا من مصادرِ العزَّة يغفل عنه جلُّ النّاس مع سهولَتِه وقلَّة المؤونةِ في تحصيله دون إجلابٍ عليه بخيلٍ ولا رَجلٍ؛ إنما مفتاحُه شيءٌ من قوَّةِ الإرادة وزمِّ النفسِ عن استِتمامِ حظوظها واستيفاءِ كلِّ حقوقِها، يتمثَّل هذا المفتاحُ في تصفِيَة القلب من شواغلِ حظوظ الذّات وحبِّ الأخذ دون الإعطاءِ.

هذه العزّةُ برمَّتها يمكِن تحصيلُها في ولوجِ المرء بابَ العفو والصَّفح والتسامح والمغفرة، فطِيبُ النفس وحسنُ الظنّ بالآخرين وقَبول الاعتذار وإقالةُ العثرة وكَظم الغيظ والعفوُ عن الناس كلُّ ذلك يعَدّ من أهمِّ ما حضَّ عليه الإسلام في تعامُل المسلمين مع بعضِهم البعض. ومَن كانت هذه صفَته فهو خليقٌ بأن يكونَ من أهل العزَّة والرفعة؛ لأنَّ النبيَّ قال: ((ما نقَصَت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلاَّ عِزًّا، وما تواضَعَ أحدٌ للهِ إلا رفعَه)) رواه مسلم[1]، وفي لفظٍ لأحمد: ((ما مِن عبدٍ ظُلِمَ بمظلمةٍ فيُغضِي عنها لله إلاَّ أعزَّه الله تعالى بها ونصَره))[2].
فهذِه هي العِزَّة يا باغيَ العزة، وهذه هي الرِّفعة يا من تنشُدُها.

إنها رِفعة وعِزّة في الدنيا والآخرة، كيف لا وقد وعد الله المتَّصفِين بها بقولِه: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ[آل عمران:133، 134]؟!

والكاظِمونَ الغيظَ ـ عباد الله ـ
هم الذين لا يُعْمِلون غضَبَهم في الناس، بل يكفّون عنهم شرَّهم، ويحتسِبون ذلك عند الله عز وجل، أمّا العافون عن الناس فهم الذين يعفونَ عمَّن ظلمَهم في أنفسهم، فلا يبقَى في أنفِسهم موجِدَة على أحدٍ.

ومن كانت هذه سجيَّته فليبشِر بمحبَّةِ الله له حيث بلَغَ مقامًا من مقاماتِ الإحسان، وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ [آل عمران:134]. ألا إنَّ مَن أحسن فقد أحبَّه الله، ومن أحبَّه الله غفَر له ورحمه، إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ [الأعراف:56].

العفو ـ عبادَ الله ـ شِعار الصالحين الأنقِيَاء ذوِي الحِلم والأناة والنّفس الرضيّة؛ لأنَّ التنازلَ عن الحقِّ نوعُ إيثارٍ للآجلِ على العاجل وبسطٍ لخُلُقٍ نقيٍّ تقيٍّ ينفُذ بقوّةٍ إلى شِغاف قلوب الآخرين، فلا يملِكون أمامه إلا إبداءَ نظرةِ إجلالٍ وإكبار لمن هذه صفتُه وهذا ديدَنُه.

إنَّ العفو عن الآخرين ليس بالأمرِ الهيِّن؛ إذ له في النّفسِ ثِقلٌ لا يتِمّ التغلُّب عليه إلاّ بمصارعةِ حبِّ الانتصار والانتقامِ للنفس، ولا يكون ذلك إلا للأقوياءِ الذين استعصَوا على حظوظ النّفس ورغباتها وإن كانت حقًّا لهم يجوزُ لهم إمضاؤُه لقوله تعالى: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ [الشورى:41]

غيرَ أنَّ التنازل عن الحقّ وملكةَ النفس عن إنفاذِه لهو دليلٌ على تجاوزِ المألوفِ وخَرق العادات. ومِن هنا يأتي التميُّز والبراز عن العُموم، وهذا هو الشَّديد الممدوحُ الذي يملِك نفسه عند الغضب كما في الصحيحَين وغيرهما عن النبي [3]، وقد أخرج الإمام أحمَد في مسنده قولَ النبيِّ : ((من كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن ينفِذَه دعاه الله على رؤوسِ الخلائق حتى يخيِّرَهُ من أيِّ الحور شاء))[4].

أيّها المسلمون، إنَّ شريع
تَنا الغرّاء يوم حضَّت المسلمِين على التخلُّق بخلقِ العفو والتجاوُز لم تقصِر هذا الحضّ في نطاقٍ ضيق أو دائرة مغلَقَة، بل جعلتِ الأمرَ فيه موسَّعًا ليشمَلَ جوانبَ كثيرةً من شؤونِ التّعامُل العَامّ والخاصّ، فلقد جاء الحضُّ من الشارع الحكيم للقيادة الكُبرى وأهلِ الولاية العظمى بذلك؛ لأنَّ تمثُّل القيادَةِ بسيما العفوِ والتسامُح أمارةٌ من أمارات القائدِ الناجحِ كما أمرَ الله نبيَّه في قولِه: خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، والعفو هنا هو التجاوُز على أحدِ التفسيرَين، وكما في قوله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًا غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران:195].

ولقد تعدَّى الحضُّ أيضًا إلى أبوابِ الدِّماء والقِصاص كما في قولِه تعالى: فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ [المائدة:54]، كما تعدى الحضّ أيضًا إلى الزَّوجين في مسألةِ الصداق في الطلاق قبلَ الدخول حيث قال سبحانه: وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]

بل إنَّ الحضَّ على العفوِ قد تعدَّى إلى ما يخصّ تبايُع الناس وشراءَهم ومدايناتهم، فقد قال النبي : ((من أقال مسلمًا بيعتَه أقال الله عثرتَه)) رواه أبو داود وابن ماجه[5]، وقال : ((كان تاجرٌ يدايِن الناس، فإذا رأَى معسِرًا قال لفتيانه: تجاوَزوا عنه لعلَّ الله أن يتجاوز عنّا، فتجاوَز الله عنه)) رواه البخاري ومسلم[6].

وثمّة تأكيدٌ على عموم الحضِّ
على العفوِ في التعاملِ مع الآخرين بسؤالِ الرجل الذي جاء إلى النبيِّ فقال: يا رسول الله، كم نعفو عن الخادم؟ فصمَت، ثم أعادَ عليه الكلام فصمَت، فلمّا كان في الثالثة قال: ((اعفوا عنه في كلِّ يومٍ سبعين مرة)) رواه أبو داود والترمذي[7].

وبعدُ يا رعاكم الله: فإنّ العفو والتجاوز لا يقتضِي الذّلَّةَ والضعف، بل إنه قمَّة الشجاعة والامتنانِ وغلَبَة الهوى، لا سيَّما إذا كان العفوُ عند المقدِرَة على الانتصار، فقد بوَّب البخاريّ رحمه الله في صحيحه بابًا عن الانتصارِ من الظالم لقوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ [الشورى:39]
وذكَرَ عن إبراهيم النخعيّ قوله: "كانوا يكرَهون أن يُستَذَلّوا، فإذا قدروا عفَوا"[8]، قال الحسن بنُ علي رضي الله تعالى عنهما: (لو أنَّ رجلاً شتَمني في أذني هذه واعتذر في أُذني الأخرَى لقبِلتُ عذرَه)[9]
وقال جعفرُ الصادِق رحمه الله:
"لأن أندمَ على العفوِ عشرين مرّةً أحبُّ إليَّ من أندَم على العقوبة مرة واحدة"[10]
وقال الفضيل بنُ عياض رحمه الله: "إذا أتاك رجلٌ يشكو إليك رجلاً فقل: يا أخي، اعفُ عنه؛ فإنَّ العفو أقرب للتقوى، فإن قال: لا يحتمِل قلبي العفوَ ولكن أنتصر كما أمرَني الله عزّ وجلّ فقل له: إن كنتَ تحسِن أن تنتَصِر، وإلاّ فارجع إلى بابِ العفو؛ فإنّه باب واسع، فإنه من عفَا وأصلحَ فأجره على الله، وصاحِبُ العفو ينام علَى فراشه باللّيل، وصاحب الانتصار يقلِّب الأمور؛ لأنّ الفُتُوَّة هي العفوُ عن الإخوان".

ثم إنَّ بعض الناس ـ عباد الله ـ قد بلغ من القسوةِ ما لا يمكن معها أن يعفوَ لأحد أو يتجاوَز عنه، لا ترونَ في حياته إلاّ الانتقام والتشفِّي، ليس إلا. ترونَه وترونَ أمثالَه كمثَل سماءٍ إذا تغيَّم لم يُرجَ صَحوُه، وإذا قَدر لا يُنتَظَر عفوه، يغضِبُه الجرمُ الخفيّ، ولا يرضيه العذرُ الجليّ، حتى إنّه ليرَى الذنبَ وهو أضيقُ من ظلِّ الرمح، ويعمَى عن العذرِ وهو أبيَنُ من وضَح النهار. ترونَه ذا أُذنين يسمَع بإحداهما القولَ فيشتطّ ويضطرب، ويحجبُ عن الأخرَى العذرَ ولو كان له حجّةٌ وبرهان.

ومَن هذه حالُه فهو عدوُّ عقلِه، وقد استولى عليه سلطان الهوَى فصرفَه عن الحسنِ بالعفوِ إلى القبيح بالتَّشفِّي، تقول عائشة رضي الله تعالى عنها: ما ضرب رسول الله شيئًا قطّ بيده، ولا امرأة ولا خادمًا، إلا أن يجاهِدَ في سبيل الله، وما نيل منه شيء قطّ فينتَقِم من صاحبه إلاّ أن يُنتَهَك شيء من محارِم الله فينتَقِم لله عز وجل. رواه مسلم[11].

ألا إنَّ الانتصارَ للنفس من الظلمِ لحقّ، ولكنَّ العفوَ هو الكمالُ والتّقوى، وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى:40].

باركَ الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، قد قلت ما قلت، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنّه كان غفّارًا.


[1] صحيح مسلم: كتاب البر (2588) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] مسند أحمد (2/436) عن أبي
هريرة رضي الله عنه، وأخرجه أيضا القضاعي في مسند الشهاب (820)، وفي إسناده محمد بن عجلان اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، وقد خولف في إسناد هذا الحديث، فرواه الليث بن سعد مرسلا، ورجح الإرسال البخاري في التاريخ (2/102)، والدارقطني في العلل (8/153)، والحديث في السلسلة الصحيحة (2231).
[3] صحيح البخاري: كتاب الأدب (6114)، صحيح مسلم: كتاب البر (2609) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[4] مسند أحمد (3/440) من حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه، وأخرجه أيضا أبو داود في الأدب (4777)، والترمذي في صفة القيامة (2493)، وابن ماجه في الزهد (4186)، وأبو يعلى (1497)، والطبراني في الكبير (20/188)، والبيهقي في الشعب (6/313)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2753).
[5] سنن أبي داود: كتاب البيوع، باب: في فضل الإقالة (3460)، سنن ابن ماجه: كتاب التجارات، باب: الإقالة (2199) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وليس فيه قوله: ((بيعته))، وأخرجه أيضًا أحمد (2/152)، وصححه ابن حبان (5030)، والحاكم (2/45)، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حزم في المحلى (9/3)، وابن دقيق العيد كما في الفيض (6/79)، وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه (3/18): "إسناد صحيح على شرط مسلم"، ورمز له السيوطي بالصحة، وصححه أيضًا الألباني في إرواء الغليل (1334).
[6] صحيح البخاري: كتاب البيوع (2078)، صحيح مسلم: كتاب المساقاة (1562) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[7] سنن أبي داود: كتاب الأدب (5164)، سنن الترمذي: كتاب البر (1949) عن ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه أيضا أحمد (2/90، 111)، وعبد بن حميد (821)، وأبو يعلى (5760)، والطبراني في الأوسط (1765)، والبيهقي في الكبرى (8/10)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وجود المنذري في الترغيب رواية أبي يعلى (3/152)، وقال الهيثمي في المجمع (4/238): "رواه أبو يعلى ورجاله ثقات"، وهو في السلسلة الصحيحة (488).
[8] صحيح البخاري: كتاب المظالم، باب: الانتصار من المظالم، قال ابن حجر في الفتح (5/100): "هذا الأثر وصله عبد بن حميد وابن عيينة في تفسيرهما في تفسير قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ [الشورى:39]".
[9] انظر: الآداب الشرعية لابن مفلح (1/319 ـ مؤسسة الرسالة ـ)
[10] انظر: أدب المجالسة لابن عبد البر (ص116).
[11] صحيح مسلم: كتاب الفضائل (2328).


الخطبــــة.الثانيــــة.cc
الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام
على من لا نبيَّ بعــــده .

وبعد: فاتَّّقوا الله أيها المسلمون، واعلَموا أنَّ تحضيضَ الشريعة على العفوِ والتجاوُز لم يكن مقتصِرًا على العفو في الظاهرِ دون الباطن، بل إنَّ التحضيضَ عمَّ الظاهر والباطنَ معًا، فأطلق على الظاهر لفظَ العفو، وأطلق على الباطنِ لفظ الصَّفح، والعفوُ والصفح بينهما تقارُبٌ في الجملة، إلاَّ أنَّ الصفحَ أبلغ من العفو؛ لأنَّ الصفح تجاوزٌ عن الذنبِ بالكلية واعتباره كأن لم يكن، أمّا العفو فإنّه يقتضي إسقاطَ اللوم الظاهر دونَ الباطن، ولذا أمَر الله نبيَّه به في قولِه: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر:85]، وهو الذي لا عتاب معه.

وقد جاءتِ الآيات متضَافِرةً في ذكرِ الصفح والجمعِ بينه وبين العفو كما في قولِه تعالى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ [المائدة:13]،

وقوله: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [البقرة:109]، وقوله سبحانه: وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي القُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبـُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [التوبة:22]، وقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًا لَّكُمْ فَاحْذَرُوَهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [التغابن:14].

العفو والصّفح ـ عباد الله ـ هما خلُقُ النبيّ ، فأين المشمِّرون المقتَدون؟! أين من يغالِبهم حبُّ الانتصار والانتقام؟! أين هم من خلُق سيِّد المرسَلين ؟! سئِلَت عائشة رضي الله عنها عن خلُق رسولِ الله فقالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين[1].

وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى:36، 37].

هذا وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على خير البريّة وأزكى البشريّة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صاحبِ الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المسبِّحة بقدسه، وأيّه بكم أيها المؤمنون، فقال جل وعلا: يَا أ
َيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقال صلوات الله وسلامه عليه: ((من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه بها عشرًا)).

اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم...

[1] مسند أحمد (6/174، 236، 246)، سنن الترمذي: كتاب البر (2016)، وأخرجه أيضا الطيالسي (1520)، وابن راهويه في مسنده (1612)، والبيهقي في الكبرى (7/45) وفي الشعب (6/312)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (6443)، والحاكم (4224)، وهو في صحيح سنن الترمذي (1640).
===========================
🎤
خطبـة.جمعــة.بعنــوان.cc
ظاهـــــرة انـحــــــراف الـشــــباب
للشيخ/ عبدالباري بن عوض الثبيتي
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

ملـخـص الخطــبة :
1- أهمية الشباب. 2- خطورة انحراف الشباب. 3- سلامة جيل الصحابة من الانحراف الفكري. 4- موقف الصحابة من الفتن. 5- الانحراف الخلقي. 6- دور الأسرة في تربية النشء. 7- ضرورة محاربة الفقر. 8- دور المدرسة في إعداد الشباب. 9- الدين أعظم حصانة. 10- دور المعلم ورسالته. 11- أهمية الرفقة. 12- خطورة الفراغ. 13- تأثير الفضائيات على الشباب. 14- وسائل علاج الانحراف.

الخطبـــة.الأولـــى.cc
أمّا بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوَى الله، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يُعتَبر الشبابُ ثروةَ الأمّة الغاليةَ وذخرَها الثمين، يكون خيرًا ونعمةً حين يُستَثمر في الخير والفضيلةِ والبناء، ويغدو ضررًا مستطيرًا وشرًّا وبيلاً حين يفترسه الشرُّ والفساد.

الانحرافُ في مرحلة الشّباب خطيرٌ ومخوِّف، فمنحرفُ اليوم هو مجرمُ الغدِ ما لم تتداركه عنايةُ الله، وعلى قَدرِ الرعاية بالشبابِ والعنايةِ بشؤونهم يتحدَّد مصيرُ الأمّة والمجتمع.

إنّ انحرافَ الشباب من أعظم المسائلِ المطروحة اليومَ وأهمِّ القضايا التي تُقلِق الآباءَ والمربِّين.

تتملّك بعضَ كتّابنا ومفكِّرينا العاطفة وتقودهم السطحيّة أحيانًا في التعامُل مع ظاهرةِ الانحراف، فنظلّ نلوك المشكلةَ ونفجِّر جراحَها ونردِّد آهاتِها مرّةً وثانيةً وثالثةً دونَ طائل، والعلاجُ الناجِع إعمالُ العقل وإمعانُ النّظر واستشراف المستقبل بتحليل الظاهرة ودراسةِ أسبابها والعَمَل على الوقاية منها بموضوعيّةٍ ومنهجيّة على أساسٍ من الدين والشرع.

ليس غريبًا أن يهتمَّ المختصّون بظاهرةِ الانحراف في أوساطِ الشباب لتجفيف منابِعه واجتثاثِ جذوره؛ لأنّ الشبابَ أملُ الأمّة وعدّة المستقبل وذخيرةُ المجتمَع والعَصَبُ الفعَّال في حياةِ الأمم.

انحرافُ الشّباب ظاهرةٌ عامّة تظهَر في الأفق في كلِّ بلد، وتزدادُ زاويةُ الانحراف اتِّساعًا حين تجدُ نفسًا بلا حصانةٍ وفكرًا بلا مناعة وشخصيّةً بلا تربيّة وطاعة.

الشباب كغيرِه من الناس يخطئون ويصيبون، قال رسول الله : ((كلّ ابن آدم خطّاء، وخير الخطائين التوّابون)) أخرجه الترمذي[1]، إلاّ أنّ هذه الأمّةَ التي كتب الله لها الخيريّةَ بين الأمَم لا ترضى لشبابها إلاّ أن يكونوا على الأرض سادةً وفي الأخلاق قادَة، ولقد سجَّل تاريخ أمّتِنا منذ فجرِ الإسلام حتى يومنا نماذجَ فذّةً لشبابٍ تمسَّك بالإيمان الصحيح والعمل القويم، والتزَم منهَجَ الله وشرعَه، أسعدَ أمّتَه بقوله، وقوّى أركانَ مجتمعه بجميل فِعالة وكريم خصاله، ممّا يبشِّر بخير عميم، وهم حجّةُ الله على غيرهم.

وفي عصرِنا تنوّعت مسالكُ الشبُهات وتأجَّجت نوازِع الشهوات، وغدَا شبابُنا معرَّضًا لسهامٍ مسمومةٍ ورماحِ غزوٍ مأفونة، ذاق مرارَتها المجتمَع في غلوٍّ وتكفير وانحلالٍ خُلُقيٍّ مقيت.

في ميدانِ الأفكار المنحرفةِ والفِرَق والمِلَل الباطِلة لم يتلوّث مجتمعُ الرعيل الأوّل جيل الصحابة بقاذوراتها، فقد كان تحصينُ الرسولِ لهذا الجيل قويًّا. خرج الرّسول على أصحابه وهم يتنازعون في القدر، هذا ينزِع آيةً، وهذا ينزع آيةً، كأنما فُقِئ في وجهه حَبُّ الرمّان فقال: ((بهذا أُمِرتم؟!)) أو ((بهذا بُعِثتم أن تضربوا كتابَ الله بعضَه ببعض؟! إنما ضلّت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنكم لستُم ممّا ها هنا في شيء، انظروا الذي أُمِرتُم به فاعملوا به، والذي نُهيتم عنه فانتهوا)) أخرجه أحمد[2].

وغضِب رسول الله غضبًا شديدًا عندما وقف متعالِم جاهلٌ مغرور بين يديه يعترِض عليه في حُكمه في الغنائم ويقول: اعدِل يا محمّد، فيقول له الرسول : ((ويحَكَ، ومن يعدِل إذا لم أعدِل؟!)) فلما ولّى قال الرسول : ((دعه، فإنّ له أصحابًا يحقِر أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم وصيامَه مع صيامهم، يقرؤون القرآنَ لا يجاوِز تراقيَهم، يمرقون من الإسلامِ كما يمرق السّهمُ من الرميّة)) أخرجه مسلم[3].

تيقّظ الصحابةُ للفِتن المدلهمّة، أغلقوا منافِذها، ووقفوا منها موقفًا منهجيًّا حازمًا، فهذا الخليفة الراشد عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه يضربُ صبيغًا بعراجينِ النخل على رأسِه عندما رآه يبحَث عن المعضلات والمشكِلات في الكتاب والسنة[4]، وتشدّدوا رضي الله عنهم في روايةِ السنة، نهوا عن عضلِ المسائل والتكلُّف في السؤال، إلى غير ذلك من القواعِدِ التي حفِظت على الصحابة دينَهم.

ومنَ الانحرافِ ـ عبادَ الله ـ ما يهدِّد الأخلاقَ ويحطِّم القيَمَ ويشكِّل جريمةً شائِنة وخطيئةً متعمَّدَة وأضرارًا جسيمةً بنظام المجتمع وسلامَتِه، خاصّة إذا كان مقرونًا باستهتارٍ أو إصرارٍ أو كان يحمِل نشرَ صُوَر ارتكاب معصيةٍ في مجاهرةٍ على رؤوس الأشهاد بكبيرةٍ توعَّد الله عليها بالعذاب الأليم.

إنَّ سلامةَ القاعدَةِ الأخلاقية في حياةِ الأم
ّة سبيلُ استقرارها ومناطُ قوَّتها، وإذا انحرفَ سلوكُ الأفراد وانفَجَر بركانُ الشهواتِ وسيطرت النزوات أشرفتِ الأمّة على الهلاك وآذنَت بالزوال، قال تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء:16].

الأسرةُ هي المحضِن الأبرز لإعداد الشبابِ وبناء الشخصية، ومنها يصدُر الخيرُ أو الشرّ، ومنها ينجُم الانحرافُ أو الصلاح.

تفقِد الأسرةُ دورَها وتضيِّع رسالتها إذا انصرَف الآباءُ عن أُسَرهم وكان همُّهم الأكبر توفيرَ مادّة الكسب مع ترك الحبلِ على الغارب للأولادِ والتقصيرِ في تربيتهم وعدم تخصيص وقتٍ لهم يمارسون فيه التوجيه والرعاية. يختزل كثيرٌ من الآباء علاقتَه بأبنائه ومسؤوليّته في أسرتِه في حساباتٍ مادّيّة لا تتجاوز حاجاتِ الأولاد من أكلٍ وشُرب وكِسوةٍ وترفيه، أما تربيةُ الأخلاق وتهذيبُ السلوك وبناءُ الشخصية فحظُّها أنها في ذيلِ قائمة المسؤوليات.

ولا يشكُّ عاقِلٌ أنّ الآباءَ حين يمارسون التربيةَ الصحيحة ويجعلونها أولى المهمّات في حياتهم يوفِّرون المناعةَ الكافيةَ ضدَّ الانحراف والوقايةَ من المصير الأليم، ويُسهمون في أمن المجتمع، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، وقال : ((والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيتها)) أخرجه البخاري[5].

الأسرةُ في الإسلامِ مسؤولةٌ عن حمايةِ الشباب من الانحرافِ، ويتحمّل الوالدان النصيبَ الأوفرَ من جريرةِ الغلوّ في الدين أو التطرُّف في الخُلُق لقوله : ((كلّ مولودٍ يولَدُ على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانِه أو يمجِّسانه))[6].

قد يُهيِّئ جوُّ الأسرةِ الملبَّد بالغيوم الانحرافَ، فالبيت الذي تعلو فيه أصوات النزاع وتحتدمُ في جنباته مظاهرُ الخُصومة والشقاق ليس مهيَّأً للتربية واستقرارِ النفوس، بل قد يهرب منسوبُو البيت من هذا الجوّ الملبَّد إلى مَن يُؤويهم، وقد يحتضنهم رفقاءُ سوءٍ وقُرَناء شرّ، وقد تُسهَّل له الطّرق ليصبحَ مجرمًا محترفًا، كيف لا وقد فَقَد الرعايةَ والنصحَ والتوجيهَ من أبويه، غاب عنه من يدلُّه على طريق الهدى والنّور.

الطلاق ظاهرةٌ اجتماعيّة خطيرة، تهدِم كيانَ المجتمعات ومِن الأسباب الرئيسةِ في انحراف الأولاد، خاصةً إذا اقترن بضَعف الوازع الدينيّ، وكلُّ خلافٍ يخلِّف خسائرَ واضحةً وآثارًا عميقة، بل هو طعنٌ في قلب المجتَمَع ونزيفٌ في جسده.

إنّ الولدَ الذي يهربُ من جحيم الطّلاق قد لا يجِد من ينصَح أو يردع، ولأقران السوءِ تزيينٌ ولأهل الفسادِ شِباك. والمجتمع مطالبٌ ـ خاصةً أولو الأحلام والنُّهى ـ بتحجيمِ هذه الظاهرة المؤلمة وتحصينِ المجتمع من آثارها المدمِّرة.

ومِن أسبابِ الانحرافِ وقوعُ بعضِ الأُسَر فريسةَ الفَقر، فيلجأُ بعضُ الأولاد إلى مغادَرَة البيت بحثًا عن أسبابِ الرّزق، ولجهلهم وقصورِ إدراكهم قد تتلقّفهم أيدي الشّرّ وقرناء السوء، فيسلكون بهم سُبُل الانحراف، وقد كان النبيّ يستعيذ من الفَقرِ فيقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الكفرِ والفقر))[7].

وللوقايةُ من مشكلةِ الفقر وآثارها فرضَ الإسلام الزكاةَ وحثَّ على الصدقة، أحيى معانيَ التكافلِ الاجتماعيّ، دعا إلى تفقُّد الأيتام والفقراء والمساكين، ورتّب على ذلك أجرًا عظيمًا بقوله: ((أنا وكافلُ اليتيم في الجنّة هكذا)) وأشار بالسبابة والوسطى[8].

ومن التكافُل دعمُ الجمعيّات الخيريّة التي ترعى الأيتامَ والفقراءَ والمساكين، ولقد سَمت بلادُ الحرمين بأنموذجٍ فريد في منظومةٍ مباركةٍ تمثَّلت في هذه الجمعيّات الخيرية التي تناثر عِقدُها في أرجاء البلاد، وأصبحت رافدًا مُهِمًّا وشريكًا حقيقيًّا في التنمية البشريّة والاقتصاديّة، قاربت بين الفقراءِ والأغنياء، أسهمت في تقوية بنيانِ المجتمع، غمرته بمشاعرِ الرحمة والشفقة، كم أطعَمت من جائع، كم كَسَت من عارٍ، كم نفَّست من كَرب، كم فرّجت من عُسر، ولا يلمِز هذه الجمعياتِ المباركةَ التي شاع خيرها وعَمَّ فضلُها وطاب غرسُها ورعاها ولاةُ أمرنا، لا يلمزها إلا مغشوشُ النية ملوَّثُ الفِكر منهزِمُ النفس، قد جفّ نبْع الخيرِ من مشاعره وفُؤاده.

المدرسةُ ـ عبادَ الله ـ هي المحضِن الثاني، ووظيفتُها ذاتُ تأثيرٍ عميق في إصلاحِ الشباب أو انحِرافهم، تحمِل مِعوَلَ الهدم أو مِعوَلَ البناء، وأُسُّ المدرسة وأساسُها مناهِجُ التربية والتعلِيم، ولا ينكر عاقلٌ أن المرحلةَ تتطلَّب خاصةً مع تقارُب أطراف العالم وشيوع الأفكار الضالّة والشهواتِ العارمة، يتطلَّب الأمرُ تكثيفَ المناهجِ الشرعية لتكونَ حصانةً لقلبِ الشباب وحمايةً لفِكرِهم من غُلوٍّ مَقيت أو فسوقٍ مُمِيت.

إنّ الدينَ أعظم حصانةٍ للشّباب من كلِّ انحراف، وقراءةُ التاريخ تُجلِّي أنّ ظهورَ الفِرَق وبروز الانحراف وشيوعَ الجريمة لم تنَل ح
ظَّها في المجتمعات ولم تفعَل فِعلَها في القلوبِ والعقول إلاّ على فترةٍ من الدّعوة واندراسٍ من الشريعة، ولا إخالُ منصِفًا يُنكر هذا، وبالتالي يحيي سُنَنًا وعبرة، قال الله تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ[الإسراء:9].

وفي غِياب الدينِ الصحيح والإيمان والقويم والمنهَج الوسَط يكون الشبابُ معرَّضًا للانحراف، قد يقَع فريسَةَ الإجرام أو الإرهاب أو التطرّف أو الارتماء في أحضانِ الأعداء أو الوقوع في مصائد المنحَرفين أو يسيطِر عليه الضّياع حتى يُصبِحَ كالسُّمِّ في جسَد الأمّة والمِعوَل في كيانها، يُحطِّم مستقبلَها ومُستقبَله، ويهدم كيانَها وكيانَه.

المعلِّم مِحوَرُ التربية والتعليم، وبه نقاوِم الانحرافَ ونحصِّن الشباب، إذا كان مستقيمًا في سلوكه، صالحًا في خُلُقه، قويًّا في إيمانه، متقِنًا لعمله، يحمِل همَّ أمته ومجتمَعه، وتلك أهمّ سماتِ المعلِّم في المجتمع المسلم.

رسالةُ المعلِّم تغذيةُ الإيمان، توطيدُ الوازعَ الخُلقي، إحياءُ رَقابة الله في نفوس النشء.

الرُفقةُ الصالحة لها أثرٌ في اكتساب القيمَ والسلوك، قال : ((المرءُ على دين خليله، فلينظر أحدُكم من يُخالِل))[9]. وقد يوقع القرينُ السيّئ في المهلكات، أمّا القرين الصالح [فسببٌ] من أسباب الاستقامة والفضيلة.

الفراغُ ـ عبادَ الله ـ من أسبابِ الانحراف، والوقتُ إذا لم يُوظَّف توظيفًا سليمًا فإنّه ينقلب بآثاره السيئة على صاحبه، ويكون أكثرَ استعدادًا للانحراف، ويجب أن يتبيّن الوالدان أينَ وكيف تُقضى ساعاتُ الفراغ.

في الفراغِ قد تتسَلَّل فتتمكَّن فكرةٌ منحرِفة أو نَزوة عابِرة أو شهوةٌ جامحة، فتقع الواقعة، ولقد أسهمتِ المؤسَّساتُ التربويّة والدورات الشرعيّة وحِلَق القرآن في احتضان عقولِ وأفئدةِ جمعٍ من الشباب، ولا يزال الحالُ يتطلَّبُ توفيرَ محاضن تربويّة آمنةٍ أخرى واستيعاب وإصلاح ما تيسّر من شبابٍ جعل الغُلُوّ طريقًا والتكفيرَ منهجًا، وشبابٍ رضيَ بالعيش على هامش الحياة، فافترش الأرصفةَ وتسكَّع في الأسواق، وشبابٍ وقع فريسةَ الخمور والمخدِّرات، قال عليّ رضي الله عنه: (من أمضى يومًا من عمره في غير حقٍّ قضاه أو فرضٍ أدّاه أو مجدٍ بناه أو حمدٍ حصَّله أو خير سمِعه أو عِلمٍ اقتبسه فقد عَقَّ يومَه وظلَم نفسه)[10].

بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



[1] سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة (2499) من طريق علي بن مسعدة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه، وأخرجه أحمد أيضا (3/198)، وابن ماجه في الزهد (4251)، والدارمي في الرقاق (2727)، قال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن مسعدة عن قتادة"، وصححه الحاكم (4/244)، وتعقبه الذهبي بقوله: "علي لين"، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4515).
[2] مسند أحمد (2/178، 181، 195) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهو عند ابن ماجه في مقدمة سننه (85) مختصرا، وصحح إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1/14)، وهو في صحيح سنن ابن ماجه (69)، وأصل الحديث في مسلم: كتاب العلم (2666) من طريق آخر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وفي الباب عن أبي هريرة وعمر وابن مسعود وأنس وعائشة رضي الله عنهم.
[3] صحيح مسلم: كتاب الزكاة (1064) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو أيضا عند رواه البخاري في الأدب (6163).
[4] قصة ضرب عمر رضي الله عنه لصبيغ بن عسل أخرجها عبد الرزاق في المصنف (11/426)، والدارمي في مقدمة سننه (144، 148)، وأخرج الطبري في تفسيره (9/170) عن ابن عباس قال: (أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب حتى سالت الدماء على عقبيه أو على رجليه)، قال ابن كثير في تفسيره (2/283): "وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس"، وقال في موضع آخر (4/233): "قصة صبيغ بن عسل مشهورة مع عمر رضي الله عنه، وإنما ضربه لأنه ظهر له من أمره فيما يسأل تعنّتا وعنادا. والله أعلم". وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (4/14-15).
[5] صحيح البخاري: كتاب الجمعة (893) عن ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه مسلم أيضا في الإمارة (1829).
[6] أخرجه البخاري في كتاب الجنائز (1358، 1359، 1385)، ومسلم في كتاب القدر (2658) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[7] أخرجه أحمد (5/36، 39، 44)، والنسائي في الاستعاذة (5465)، والبزار (3675) عن أبي بكرة رضي الله عنه، وصححه ابن خزيمة (747)، وابن حبان (1028)، والحاكم (99، 927)، وهو في صحيح سنن النسائي (5048).
[8] أخرجه البخاري في الأدب (6005) عن سهل بن سعد رضي الله عنه.
[9] أخرجه أحمد (2/303)، وأبو داود في كتاب الأدب، باب: من يؤمر أن يجالس (4833)، والترمذي في كتاب الزهد، باب: ما جاء في أخذ المال بحقه (2378) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب"، وصححه الحاكم (4/188)، ونقل التبريزي في المشكاة (3/1397) عن النو
وي أنه قال: "إسناده صحيح"، وحسنه الألباني في تعليقه على كتاب الإيمان لابن تيمية (ص60).
[10] انظر: فيض القدير (6/288).


الخطبـــة.الثانيـــة.cc
الحمد لله الذي خلَق فسوّى، والذي قدَّر فهَدى، أحمده سبحانه وأشكره على نعمٍ لا تُعَدّ ولا تحصَى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفاتُ العلى، وأشهد أن سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله المبعوث بالنور والهدى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيلَه واقتفى.

أمـــّا بعــــــد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي سبيلُ النجاة وطريق الفلاح، وبها السعادة في الدنيا والأخرى.

العالمَ اليومَ يعيشُ حالةً من الإثارةِ الشهوانية العارِمة التي تُلهِب مشاعِرَ الشباب، ومن أبرز سُبُل الانحراف ومن أبرز حبائلِ شياطين الإنس هذه الفضائياتُ التي يزيِّنُ مُعظمها الانحرافَ ويجرُّ إلى الضلالة، لقد تراجَع دورُ مؤسّسات التربية أمام هذه الفضائياتِ التي أطلقت أبواقَها وسخّرت جهودَها في فتح أبوابِ الانحراف من تلويثِ العقول وإفساد القلوبِ ونزع جلبابِ الحياء، سهَّلت الغزوَ الفكريَّ ونَقلت ثقافة وأخلاق بلدانٍ لا تمثِّل الإسلامَ ولا تدين به، شجَّعت على الفسقِ والسّفور، جرَّأت على الجريمة والانحراف.

وإذا أردنا تقليصَ زاوية الانحرافِ فلا بدّ من البَحث عن حلولٍ لهذا الكابوسِ الجاثم على صدورِنا القابِع في دورنا المزَلزِل لأخلاقنا والتصدِّي لسُمومه وإبطال مفعوله.

مِن وسائل علاج الانحراف القيامُ بالدعوة إلى الله بالحكمة وبالموعظةِ الحسنة، قيامُ المسجد برسالته وإحياء دورِه في التوجيه والإصلاح، قيامُ الدّعاة والمربِّين بواجبهم وتحمُّل مسؤوليّتهم.

أصحابُ الفكر وحملةُ الأقلام ندعوهم للإسهام في مقاومةِ مظاهرِ الانحراف بدراستِها ووضعِ الحلول لها، بل كلُّ فردٍ منّا يُعتبَر حارسًا أمينًا ومسؤولاً عن حمايةِ أمّته من الفساد والانحراف، محافظًا على نقاء وبقاءِ مجتمعه، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117].

يتحقّق هذا في التواصي بالحقّ والتواصي بالصّبر والقيام بواجب الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر الذي هو صمّام أمنِ المجتمعات وسبيل نجاتها، قال الله تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [سورة العصر].

ألا وصلّوا ـ عباد الله ـ على رسولِ الهدى، فقد أمَرَكم الله بذلك في كتابه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب:56].

اللهمّ صلّ وسلِّم على عبدك ورسولِك محمّد، وارض اللهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين...

========================
2024/09/29 13:23:50
Back to Top
HTML Embed Code: